jeudi 27 juin 2013

حول الديمقراطية الجديدة ماو تسي تونغ


1- إلى أين تتجه الصين

منذ بداية حرب المقاومة , ساد بين جميع أبناء الشعب الصيني جو من الحيوية الدافقة إذ اعتقدوا انهم وجدوا مخرجا من المأزق ففارقت سيماء اليأس والكآبة وجوههم. ولكن في الأيام الأخيرة اكفهر الجو فجأة من جديد بغبار المساومة والصخب المعادي للحزب الشيوعي , مما ألقى بهم ثانية في بحر من الحيرة وكان أول من تأثر بذلك المثقفين والطلاب الشبان الدين هم اشد الناس حساسية بالأحداث . فطرح السؤال مرة أخرى : ما العمل ؟ والى أين تتجه الصين ؟ لذلك فلعل من المفيد , بمناسبة إصدار[1] " الثقافة الصينية " أن نوضح اتجاهات التطور الثقافي والسياسي في الصين . ولست من المختصين في الشؤون الثقافية, ولكني أود دراستها ولم أبدا ذلك إلا مند وقت قريب. ومن حسن الحظ أن في يانآن رفاقا عديدين قد كتبوا بإسهاب في هذا الحقل , أما بحثي هذا بخطوطه الأولية فلنعتبره كقرع الأجراس الذي يسبق عرض المسرحية .وبالنسبة للعاملين الطليعيين في الحقل الثقافي في جميع أنحاء البلاد فإننا نقدم لهم بحوثنا كقرميد يعرض لاغراء الغير لعرض جواهرهم أو كفكرة من جاهل قد يصيب مرة واحدة , ونأمل أن يشاركونا في المناقشة للتوصل لنتائج صحيحة تتجاوب مع حاجات امتنا . إن(( البحث عن الحقيقة من الوقائع)) هو الموقف العلمي , أما استبداد المرء برأيه و((انتحال الأستاذية)) فهما موقفان متغطرسان لا يؤذيان إطلاقا إلى حل أية لمشكلة . إن المصائب والمحن التي تعانها امتنا في غاية الشدة . لا يمكن أن يقود أمتنا إلى طريق التحرر إلا الموقف العلمي وروح تقدير المسؤولة . ليس هناك إلا حقيقة واحدة , و لكن من توصل إليها فعلا , فهذه المسألة لا يحددها التبجح الذاتي بل تحددها الممارسة الموضوعية . فإن الممارسة الثورية للملايين والملايين من الشعب هي وحدها مقياس الحقيقة . وهذا ما يمكن اعتباره – فيما أعتقد – الموقف في اصدار" الثقافة الصينية "

2 نريد بناء صين جديدة
لم نناضل نحن الشيوعيين طوال سنوات عديدة من اجل الثورة السياسية و الاقتصادية في الصين فحسب , وانما من اجل الثورة الثقافية أيضا , وجميع تلك النضالات تهدف إلى بناء مجتمع جديد ودولة جديدة للأمة الصينية .ولن يكون في هذا المجتمع الجديد وهذه الدولة الجديدة سياسة جديدة واقتصاد جديد فحسب بل ثقافة جديدة أيضا . وبمعنى آخر, إننا لا نريد أن نحول الصين المضطهدة سياسيا والمستثمرة اقتصاديا إلى صين حرة سياسيا ومزدهرة اقتصاديا وحسب , بل نريد كذلك أن نحول الصين الجاهلة والمتخلفة من جراء سيطرة الثقافة القديمة إلى صين متحضرة ومتقدمة في ظل الثقافة الجديدة . وباختصار , فإننا نريد بناء صين جديدة . إن هدفنا في المجال الثقافي هو بناء ثقافة جديدة للأمة الصينية.

3- خاصية الصين التاريخية 
نريد أن نبني ثقافة جديدة للأمة الصينية, لكن كيف تكون هذه الثقافة الجديدة بالضبط؟

إن كل ثقافة معينة ­­ (بوصفها شكلا أيديولوجيا ) هي انعكاس لسياسة مجتمع معين و اقتصاده , ولكنها بالمقابل تترك أثرا ومفعولا عظيمين في هذه السياسة وذلك الاقتصاد , إن الاقتصاد هو القاعدة والسياسة هي التعبير المركز عن الاقتصاد[2] هذه هي وجهة نظرنا في علاقة الثقافة بالسياسة و الاقتصاد . وتبعا لذلك فإن الشكل الثقافي المعين يتقرر أولا بالشكل الاقتصادي والسياسي المعين ثم بعد ذلك فقط يترك أثره ومفعوله في ذلك الشكل السياسي والاقتصادي المعين. وقال ماركس في هذا الصدد : " ليست أفكار الإنسان هي التي تقرر وجوده , بل على العكس, إن وجوده الاجتماعي هو الذي يقرر أفكاره " [3] وقال أيضا " لم يفعل الفلاسفة حتى اليوم سوى تفسير العالم , تفسيرات مختلفة , ولكن المهم هو تبديل العالم "[4] إن هذا التعريف تعريف علمي قد حل , بصورة مضبوطة ولأول مرة في التاريخ البشري , مسألة العلاقة بين الأفكار والوجود , وهو وجهة النظر الأساسية للنظرية الثورية الفعالة حول المعرفة بوصفها انعكاسا للواقع والتي أوضحها لنين بعمق فيما بعد. ويجب ألا تغيب عن بالنا وجهة النظر الأساسية هذه حين نناقش مسائل الصين الثقافية، وهكذا اتضح تماما أن العناصر الرجعية في الثقافة القديمة للأمة الصينية , التي نسعى إلى القضاء عليها لا تنفصل عن السياسة القديمة والاقتصاد القديم للأمة الصينية , في حين أن الثقافة الجديدة للأمة الصينية , التي نريد بناءها لا تنفصل هي الأخرى عن السياسة الجديدة والاقتصاد الجديدة للأمة الصينية ,إن السياسية والاقتصاد القديمين للأمة الصينية يشكلان أساس ثقافتها القديمة , كما أن سياستها واقتصادها الجديدين سوف يشكلان أساس ثقافتها الجديدة .

فماذا يقصد بالسياسة القديمة والاقتصاد القديم الأمة الصينية ؟ وماذا يقصد أيضا بثقافتها القديمة ؟

لقد كان المجتمع الصيني , منذ عهد أسرتي تشو و تشين , مجتمعا إقطاعيا فكانت سياسته إقطاعية , واقتصاده إقطاعيا , كما أن ثقافته السائدة التي تعكس هذه السياسة وذلك الاقتصاد كانت إقطاعية أيضا .

ومند أن غزت الرأسمالية الأجنبية بلاد الصين ونمت العناصر الرأسمالية في المجتمع الصيني تدريجيا , تحولت الصين شيئا فشيئا إلى مجتمع مستعمر وشبه مستعمر وشبه إقطاعي . إن الصين اليوم مجتمع مستعمر في المناطق التي يحتلها اليابانيون , أما في المناطق التي يحكم فيها الكومينتانغ , فهي لا تزال على وجه أساسي مجتمعا شبه مستعمر أيضا , و لكنها سوءا كانت في هذه المناطق أم تلك , مجتمع يسوده النظام الإقطاعي والشبه الإقطاعي , تلك هي طبيعة المجتمع الصيني الحالي , و الوضع الذي تعيشه الصين اليوم , إن السياسة والاقتصاد اللذان يسودان هذا المجتمع هما سياسة و اقتصاد يتصفان بالصفة المستعمرة والشبه المستعمرة شبه إقطاعية . كما أن الثقافة السائدة التي تعكس هذه السياسة وذلك الاقتصاد هي كذلك ثقافة مستعمرة وشبه مستعمرة وشبه إقطاعية .

إن ثورتنا موجهة على وجهة الدقة ضد هذه الأشكال السياسية والاقتصادية والثقافية السائدة . إن ما نريد القضاء عليه هو بالضبط السياسة القديمة والاقتصاد القديم للصين المستعمرة والشبه المستعمرة والشبه الإقطاعية والثقافة القديمة العاملة في خدمتهما . وما نريد بناءه هو على نقيض ذلك تماما , أي سياسة جديدة واقتصاد جديد وثقافة جديدة للأمة الصينية .

إذن ما هي السياسة الجديدة والاقتصاد الجديد للأمة الصينية ؟ وما هي ثقافتها الجديدة ؟ 

إن الثورة الصينية لا بد أن تمر في مجراها التاريخي بخطوتين , الخطوة الأولى هي الثورة الديمقراطية , والخطوة الثانية هي الثورة الاشتراكية , وهما عمليتان ثوريتان مختلفتان من حيث طبيعتهما . والديمقراطية هنا ليست الديمقراطية المنتسبة إلى المفهوم القديم , فهي لسيت الديمقراطية القديمة وانما هي الديمقراطية بمفهومها الجديد فهي الديمقراطية الجديدة .

وهكذا يمكننا أن نؤكد أن السياسة الجديدة للأمة الصينية هي سياسة الديمقراطية الجديدة , أن اقتصادها الجديد هو اقتصاد الديمقراطية الجديدة , وأن ثقافتها الجديدة هي ثقافة الديمقراطية الجديدة 

تلك هي الخاصية التاريخية للثورة الصينية في الوقت الراهن , وان كل حزب سياسي أو جماعة سياسية أو فرد يسهم في الثورة الصينية ولا يدرك هذه الخاصية التاريخية لن يكون قادرا على توجيه هذه الثورة وقيادتها إلى النصر , بل سوف ينبذه الشعب فيصبح معزولا خائبا يرثى لحاله .

4ـ الثورة الصينية جزء من الثورة العالمية
إن الخاصية التاريخية للثورة الصينية تكمن في أن تتحقق الثورة على خطوتين : الديمقراطية والاشتراكية ,إلا أن الأولى لم تعد الآن الديمقراطية في شكلها العام , بل هي ديمقراطية خاصة جديدة الطراز صينية النمط , ألا وهي الديمقراطية الجديدة . إذن كيف نشأت هذه الخاصية التاريخية ؟ أكانت موجودة مند مائة سنة , أم لم تنشأ إلا مند أمد قريب ؟

بمجرد دراسة مقتضبة لتاريخ تطور الصين و العالم نستطيع أن نعرف أن هذه الخاصية التاريخية لم تنشأ بعد حرب الأفيون مباشرة وانما نشأت بعد الحرب الإمبريالية العالمية الأولى وثورة أكتوبر في روسيا . فلندرس الآن عملية نشوئها .

من الجلي أنه طالما كان المجتمع الصيني الحالي هو , من حيث طبيعته مجتمع مستعمر وشبه مستعمر وشبه إقطاعي , يتحتم على الثورة الصينية أن تتحقق على خطوتين . فالخطوة الأولى هي تحويل هذا المجتمع المستعمر والشبه المستعمر وشبع الإقطاعي إلى مجتمع مستقل ديمقراطي .أما الخطوة الثانية فهي مواصلة الثورة قدما وبناء مجتمع اشتراكي . وان الثورة الصينية تخطو في الوقت الحاضر خطوتها الأولى . 

لقد بدأت الفترة التحضيرية للخطوة الأولى مند حرب الأفيون سنة 1840 , أي مند بدأ المجتمع الصيني يتحول من مجتمع إقطاعي إلى مجتمع شبه مستعمر وشبه إقطاعي.ثم تبعت ذلك حركة مملكة التايبينغ السماوية , والحرب الصينية الفرنسية , والحرب الصينية اليابانية , والحركة الإصلاحية عام 1898 , وثورة 1911 وحركة 4 مايو , والحملة الشمالية , وحرب الثورة الزراعية , وحرب المقاومة الحالية ضد اليابان, وقد استغرقت هذه الأحداث قرنا كاملا من الزمان , وإذا نظرنا إليها من زاوية معينة وجدناها جميعا تمثل تلك الخطوة الأولى , وجدناها جميعا نضالات خاضها الشعب الصيني في مناسبات مختلفة وبدرجات متفاوتة لتحقيق تلك الخطوة , نضالات ضد الإمبريالية و القوى الإقطاعية , في سبيل بناء مجتمع مستقل وديمقراطي , وفي سبيل إكمال الثورة الأولى . وبتعبير اكثر دقة فان ثورة 1911 تعتبر بداية هذه الثورة التي هي من حيث طبيعتها الاجتماعية , ثورة ديمقراطية برجوازية وليست ثورة اشتراكية بروليتارية , ولم تصل هذه الثورة نهايتها بعد, ولا تزال تتطلب جهودا جبارة , لان أعدائها لا يبرحون حتى اليوم أقوياء جدا . وحين قال الدكتور صون يات صين :ان الثورة لم تنتصر بعد , فيجب على رفاقنا أن يواصلوا النضال " , كان يقصد بالثورة هذه الثورة الديمقراطية البرجوازية .

ومع ذلك فقد طرأ تبدل على الثورة الديمقراطية البرجوازية في الصين بعد انفجار الحرب الإمبريالية العالمية الأولى عام 1914 وتأسيس الدولة الاشتراكية على سدس الكرة الأرضية نتيجة ثورة أكتوبر الروسية عام 1917 .

فقبل هذه الأحداث كانت الثورة الديمقراطية البرجوازية الصينية تنتسب الى الثورة الديمقراطية البرجوازية العالمية بمفهومها القديم تشكل جزءا منها .

لكن الثورة الديمقراطية البرجوازية الصينية تبدلت مند وقوع هذه الأحداث فأصبحت تنتسب إلى الثورة الديمقراطية بمفهومها الجديد , وهي تشكل إذا نظرنا إليها من زاوية الجبهة الثورية , جزءا من الثورة الاشتراكية البروليتارية العالمية .

لماذا ؟ لأن الحرب الإمبريالية العالمية الأولى والثورة الاشتراكية الظافرة الأولى , ثورة أكتوبر , قد غيرتا اتجاه تاريخ العالم كله وافتتحتا عصرا جديدا .

ففي العصر الذي انهارت فيه الجبهة الرأسمالية العالمية في جزء من الكرة الأرضية " سدس مساحة الأرض " بينما ظهر للعيان تفسخ الرأسمالية في أجزاءها الأخرى , العصر الذي أصبحت هذه الأجزاء الرأسمالية الباقية لا تستطيع أن تحيا فيه بدون المزيد من الاعتماد على المستعمرات والشبه المستعمرات , العصر الذي قامت فيه دولة اشتراكية وأعلنت رغبتها في خوض النضال من أجل دعم حركة التحرر في جميع المستعمرات والشبه المستعمرات , العصر الذي تتحرر فيه البرورليتارية في البلدان الرأسمالية يوما فيوما من نفوذ الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية – الأحزاب الاشتراكية الإمبريالية و تعلن تأييدها لحركة التحرر في المستعمرات والشبه المستعمرات , - في هذا العصر إذا نشبت في أي بلد مستعمر أو شبه مستعمر ثورة موجهة ضد الإمبريالية , أي ضد البرجوازية العالمية والرأسمالية العالمية , فهي لا تنتسب إلى الثورة الديمقراطية البرجوازية والعالمية بمفهومها القديم , بل تنتسب إلي مفهوم جديد , ولا تعدو جزءا من الثورة العالمية القديمة البرجوازية والرأسمالية , بل تعد جزاءا من الثورة العالمية الجديدة , أي جزء من الثورة العالمية الاشتراكية البرورليتارية . إن مثل هذه المستعمرات والشبه المستعمرات الثورية لم تعد تعتبر في عداد حليفات الجبهة الرأسمالية العالمية المضادة للثورة بل أصبحت حليفات للجبهة الاشتراكية العالمية الثورية .

و على الرغم من أن مثل هذه الثورة في البلد المستعمر وشبه المستعمر لا تبرح خلال مرحلتها الأولى ثورة ديمقراطية برجوازية بصورة أساسية من حيث طبيعتها الاجتماعية وعلى الرغم من أن رسالتها الموضوعية هي تمهيد الطريق لتطور الرأسمالية , إلا أنها ليست ثورة من النمط القديم تقودها البرجوازية وتهدف الى إقامة مجتمع رأسمالي ودولة خاضعة لديكتاتورية البرجوازية , بل هي ثورة جديدة تقودها البرورليتارية وتهدف في مرحلتها الأولى إلى إقامة مجتمع للديمقراطية الجديدة ودولة خاضعة لديكتاتورية مشتركة التي تمارسها جميع الطبقات الثورية ’ وهكذا فإن هذه الثورة من ناحية أخرى تقوم على وجه التحديد بتمهيد طريق أوسع وأرحب من أجل تطور الاشتراكية , وهي ستمر خلال سيرها بعدة مراحل بسبب التبدلات الطارئة على معسكر العدو وعلى صفوف الحلفاء , بيد أن طبيعتها الأساسية ستبقى كما هي دون تبدل .

بما أن مثل هذه الثورات تضرب الإمبريالية ضربات حاسمة , فإن الإمبريالية لا تتقبلها بل تناهضها , ولكن الاشتراكية تتقبلها , فهي تلاقي التأييد والمساعدة من قبل الدولة الاشتراكية والبروليتارية العالمية الاشتراكية .

ولذا فإن مثل هذه الثورة لا بد أن تصبح جزءا من الثورة العالمية الاشتراكية والبروليتارية 

" إن الثورة الصينية جزء من الثورة العالمية " هذا تعريف صحيح قد طرح مند وقت بعيد يعود إلى مرحلة الثورة الصينية الكبرى الأولى 1924 إلي 1927 , طرح من قبل الشيوعيين الصينيين ولقى تأييدا من جميع أولئك الذين كانوا يشتركون حينئذ في النضال ضد الإمبريالية والإقطاعية .بيد أن هذه النظرية لم يوضح مغزاها بصورة كاملة في تلك الأيام , لذلك لم يستطع الناس أن يفهموها بوضوح.

إن هذه " الثورة العالمية " لم تعد ثورة عالمية من النمط القديم ’ لان الثورة العالمية البرجوازية القديمة قد دخلت حقبة التاريخ , وانما هي الثورة العالمية الجديدة الثورة العالمية الاشتراكية . وكذلك فإن عبارة "جزء " لا تعني جزءا من الثورة البرجوازية القديمة , بل هي جزء من الثورة الاشتراكية الجديدة. وهذا تبدل هائل لم يسبق له مثيل في تاريخ الصين والعالم .

إن هذا التعريف الذي طرحه الشيوعيون الصينيون يستند إلى نظرية ستالين.

فقد قال ستالين في مقال كتبه عام 1918 إحياء للذكرى الأولى لثورة أكتوبر : " إن المغزى العالمي العظيم لثورة أكتوبر يتمثل بصورة رئيسية في أنها : 

1ـ وسعت إطار المسالة القومية إذ حولتها من مسألة جزئية خاصة بالنضال ضد الاضطهاد القومي في أوربا إلى مسألة عامة متعلقة بتحرر الأمم المضطهدة والمستعمرات وشبه المستعمرات من نير الإمبريالية 

2- أتاحت إمكانيات عريضة وشقت طرقا واقعية نحو تحقيق هذا التحرر , وهي بذلك دفعت كثيرا قضية تحرر الأمم المضطهدة في الغرب والشرق واجتذبت هذه الأمم إلى التيار العارم للنضال الضافر ضد الإمبريالية .

3- أنشأت بذلك جسرا بين الغرب الاشتراكي والشرق المستعبد, إذ خلقت جبهة جديدة من الثورات ضد الإمبريالية العالمية ,تمتد من البروليتاريا في الغرب , عبر الثورة الروسية , إلى الأمم المضطهدة في الشرق"[5]

لقد أوضح ستالين مرارا , بعد هذا المقال , النظرية القائلة بأن الثورات في المستعمرات وشبه المستعمرات قد انفصلت عن مفهومها القديم وأصبحت جزءا من الثورة الاشتراكية والبروليتارية , وقد شرح ذلك بصورة اكثر وضوحا ودقة في مقال نشره بتاريخ 30 يونيو 1925 في جداله مع القوميين اليوغسلاف في ذلك الحين . وهذا المقال الذي يحمل عنوان "" مزيد من القول حول المسألة القومية "" وأورد في كتاب " حديث ستالين حول المسالة القومية " الذي ترجمه تشانغ تشونغ , وهو يتضمن الفقرة التالية " اقتبس سميتش من كتاب " الماركسية والمسألة القومية " والذي كتبه ستالين في أواخر 1912 عبارة " أن النضال القومي في الظروف الرأسمالية الصاعدة هو نضال يجري فيما بين الطبقات البرجوازية " ومن الواضح أن سميتش كان يحاول من ذلك أن يلمح إلى صحة ذلك التعريف الذي وضعه هو للمغزى الاجتماعي للحركة القومية في الظروف التاريخية الراهنة , بيد أن كتيب ستالين الف قبل الحرب الإمبريالية حيث أن المسألة القومية لم تصبح بعد في نظر الماركسيين مسألة ذات مغزى عالمي, وكان مطلب الماركسيين الأساسي حول حق الأمم في تقرير مصيرها لا يعتبر جزاءا من الثورة البروليتارية, بل جزء من الثورة الديمقراطية البرجوازية، من المضحك أن لا يرى المرء أن الوضع الدولي قد تغير بصورة جذرية منذ ذلك الحين , وأن الحرب وثورة أكتوبر في روسيا قد حولتا المسالة القومية من كونها جزءا من الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى جزء من الثورة الاشتراكية والبروليتارية , وقد قال لنين من وقت بعيد يعود الى أكتوبر 1916 في مقاله " تلخيص للمناقشة حول حق الأمم في تقرير مصيرها " : أن النقطة الأساسية في المسألة القومية هي حق الأمم في تقرير مصيرها لم تعد جزءا من الحركة الديمقراطية بمعناها العام , إذ أنها قد أصبحت جزءا من الثورة الاشتراكية والبروليتارية بمعناها العام , ولا داعية إلى أن أشير الى المؤلفات اللاحقة التي كتبها لينين و الممثلون الآخرون للشيوعية الروسية عن المسألة القومية .. وبعد كل هذا فما هو الذي يبينه استشهاد سميتش . في الوقت الحاضر بتلك الفقرة الواردة في كتيب ستالين المكتوب في مرحلة الثورة الديمقراطية البرجوازية في روسيا , بعد أن دخلنا بحكم الوضع التاريخي الجديد عصر الثورة البروليتارية , ؟ إنه يبين أن سميتش استشهد بتلك الفقرة بصرف النظر عن الزمان والمكان التاريخي المتغير , فخالف بذلك أبجديات الديالكتيك متجاهلا بأن ما هو صحيح في ظرف تاريخي معين قد يكون خاطئا في ظرف تاريخي آخر"

يتبين من ذلك أن هناك نوعين من الثورة العالمية : النوع الأول ينتسب إلى الثورة العالمية من النمط البرجوازي أو الرأسمالي . ولقد انقضى عهده مند زمن طويل , إذ انتهى حين اندلعت الحرب العالمية الإمبريالية الأولى سنة 1914 , وعلى وجه الدقة مند ثورة أكتوبر الروسية عام 1917 , وحينذاك بدأ النوع الثاني , ألا وهو الثورة العالمية الاشتراكية والبروليتارية , وأن القوة الرئيسية في هذه الثورة هي بروليتارية البلدان الرأسمالية , والقوى الحليفة هي الأمم المضطهدة في المستعمرات وشبه المستعمرات , وما دامت الطبقات في الأمم المضطهدة أو الأحزاب أو الجماعات السياسية أو الأفراد المشتركة في الثورة تناهض الإمبريالية فإن هذه الثورة ستصبح ـ كائنا ما كانت هذه الطبقات أو الأحزاب أو الجماعات السياسية أو الأفراد , وسواء وعت و أدركت هذه النقطة أم لا ـ ستصبح جزءا من الثورة العالمية الاشتراكية والبروليتارية وتصبح حليفة لها.

لقد اكتسبت الثورة الصينية اليوم مغزى أعظم من ذي قبل ’ ونعيش اليوم في عصر تدفع فيه أزمات الرأسمالية السياسية و الاقتصادية العالم أكثر فأكثر الى الحرب العالمية الثانية , في عصر دخل فيه الاتحاد السوفيتي مرحلة الانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية وأصبح قادرا على قيادة البروليتاريا والأمم المضطهدة في سائر أنحاء العالم ومساعدتها في مقاومة الحرب الإمبريالية , وفي تسديد الضربات للرجعية الرأسمالية , وفي عهد تستعد فيه البروليتاريا في البلدان الرأسمالية للإطاحة بالرأسمالية وتحقيق الاشتراكية ، وفي عصر أصبحت فيه البروليتاريا وطبقة الفلاحين والمثقفون والفئات الأخرى من البرجوازية الصغيرة في الصين قوة سياسية مستقلة كبيرة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني , أفلا ينبغي لنا اليوم ونحن في مثل هذا العصر أن نضع في اعتبارنا أن الثورة الصينية اكتسبت مغزى عالميا أعظم من ذي قبل ,؟ فقد أصبحت الثورة الصينية جزء بالغ الأهمية من الثورة العالمية .
وعلى الرغم من أن الثورة الصينية في المرحلة الأولى هذه _(بمراحلها الصغيرة المتعددة) هي من حيث طبيعتها الاجتماعية ثورة ديمقراطية برجوازية من نمط جديدة ولم تصبح بعد ثورة اشتراكية بروليتارية إلا أنها قد أصبحت مند زمن طويل جدا جزء من الثورة العالمية الاشتراكية والبروليتارية, بل أصبحت بالأحرى في الوقت الحاضر جزء بالغ الأهمية من الثورة هذه الثورة العالمية وحليفا عظيما لها , إن الخطوة الأولى أو المرحلة الأولى لهذه الثورة لن تكون ولا يمكن أن تكون اقامة مجتمع رأسمالي خاضع لديكتاتورية البرجوازية الصينية , بل ستنتهي هذه المرحلة الأولى بإقامة مجتمع للديمقراطية الجديدة خاضع لديكتاتورية مشتركة لجميع الطبقات الثورية في الصين بزعامة البروليتارية الصينية , ومن تم ستتطور هذه الثورة إلى المرحلة الثانية التي سيقام فيها مجتمع اشتراكي في الصين .

هذه هي أهم الخصائص الأساسية للثورة الصينية في الوقت الراهن , ومجرى الثورة الجديد خلال السنوات العشرين الأخيرة (اعتبارا من حركة 4 مايو 1919 ) وهذا هو المضمون الحي و الملموس للثورة الصينية الحالية . 

سياسة الديمقراطية الجديدة

إن الخاصية التاريخية الجديدة للثورة الصينية هي انقسامها إلى مرحليتين تاريخيتين , أولهما ثورة الديمقراطية الجديدة . فكيف تنعكس هده الخاصية الجديدة بصورة ملموسة في العلاقات السياسية والاقتصادية الداخلية في الصين؟ 

هذا ما سوف نفسره في ما يلي .

قبل حركة 4 مايو 1919 .( التي حدثت بعد الحرب الامبريالةا لعالمية الأولى عام 1914 وثورة أكتوبر الروسية عام 1917) كانت البرجوازية الصغيرة والبرجوازية الصينية - بواسطة مثقفيها – هما المرشدان السياسيان للثورة الديمقراطية البرجوازية الصينية . اذ أن البروليتاريا الصينية في دلك الوقت لم تكن قد ظهرت على المسرح السياسي كقوة طبقية واعية ومستقلة وانما ساهمت في الثورة كتابع للبرجوازية الصغيرة والبرجوازية . هكذا كانت حالة البروليتاريا في أيام ثورة 1911 أما بعد حركة 4 مايو . فالبرغم من أن البرجوازية الوطنية الصينية استمرت في الاشتراك في الثورة . إلا أن المرشد السياسي لثورة الديمقراطية البرجوازية الصينية لم يعد البرجوازية الصينية وإنماهو البروليتاريا الصينية التي قد تحولت بسرعة في دلك الوقت إلى قوة سياسية واعية ومستقلة بفضل نضوجها و تأثرها بالثورة الروسية . وكان الحزب الشيوعي الصيني هو الذي طرح الشعار المنادي بإسقاط الإمبريالية وقدم البرنامج الكامل للثورة الديمقراطية البرجوازية الصينية بآكملها . كما كان الحزب الشيوعي الصيني هو الدي آجرى وحده الثورة الزراعية .

ولما كانت البرجوازية الوطنية الصينية برجوازية في بلد مستعمر وشبه مستعمر تعاني من اضطهاد الامبريالية . فانها وان عاشت في عصر الإمبريالية تحتفظ خلال فترات معينة والى حدود معينية ببعض الصفات الثورة والتي تتجسد في مناهضتها للامبراليين الاجانب وحكومات البيروقراطين وامراء الحرب في داخل البلاد ­­.(ويمكننا أن نجد لمناهضة ذلك النوع من الحكومات أمثلة في ثورة فترتي ثورة 1911 والحملة الشمالية )), ويمكنها أن تتحد مع البروليتاريا والبرجوازية الصغيرة ضد الأعداء الدين تريد هي محاربتهم . وذلك هو الفرق بين البرجوازية الصينية وبرجوازية الإمبراطرية الروسية القديمة . فلما كانت الإمبراطورية الروسية القديمة امبريالية عسكرية إقطاعية تقوم بالعدوان على البلدان الأخرى , فقد كانت البرجوازية الروسية مجردة من كل صفة ثورية . وكان واجب البروليتاريا هناك هو معارضة البرجوازية لا الإتحاد معها . بيد أن البرجوازية الوطنية الصينية تتحلى بصفة ثورية خلال فترات معينة والى حدود معينة ’ نظرا لأن الصين بلد مستعمر وشبه مستعمر معرض للعدوان. وواجب البروليتاريا هنا هو ألا تهمل هذه الصفة الثورية للبرجوازية الوطنية وأن تقيم معها جبهة متحدة ضد الإمبريالية وحكومات البيروقراطيين وأمراء الحرب .

ولكن بما ان البرجوازية الوطنية الصينية برجوازية في بلد مستعمر وشبه مستعمر, وهي في غاية الضعف اقتصاديا و سياسيا فإنها تتحلى في نفس الوقت بصفة أخرى , ألا وهي المساومة مع أعداء الثورة . وهي لا ترغب حتى عندما تشترك في الثورة, في الإنفصال تماما عن الإمبريالية ، وفوق ذلك فهي مرتبطة بصورة وثيقة بالإستغلال الذي يمارس عن طريق ايجارات الأراضي في مناطق الريفية ، وهكدا فهي لاتريد ولا تستطيع الإطاحة بالإمبريالية بصورة كاملة ، ناهييك عن القوى الإقطاعية ، لذلك فإن البرجوازية الوطنية الصينية لا تسطيع أن تحل أو تنجز أيا من هاتين القضيتين الأساسيتين أو المهمتين الأساسيتين للثورة اليقراطية البرجوازية في الصين . أما البرجوازية الكبرى الصينية التي يمثلها الكومينتانغ ، فقد طلت مرتمية ، خلال فترة طويلة تمتد ما بين 1927و1937 ، في اجضان الإمبريالية ، ومتحالفة مع القوى الإقطاعية ضد الشعب الثوري ، كما أن البرجوازية الوطنية الصينية سايرت أيضا اعداء الثورة في عام 1927 ولفترة محددة أعقبت ذلك . إن فئة من البرجوازية الكبرى يمثلها وانغ جينغ وى قد إستسلمت للعدو خلال حرب المقاومة ضد اليابان ، الأمر الذي يشكل خيانة جديدة من جانب البرجوازية الكبرى . وهذا فرق آخر بين البرجوازية في الصين وسابقاتها من البرجوازية في البلدان الأوربية والأمريكية وخاصة في فرنسا . فحين كانت البرجوازية لاتزال في عهدها الثوري في تلك البلدان وخاصة فرنسا ، كانت حازمة نسبيا في الثورة ، لكن البرجوازية في الصين تفتقر حتى إلى هذه الدرجة من الحزم .

إمكانية الإشتراك في الثورة من جهة ، والمساومة مع أعداء الثورة من جهة أخرى – تلك هي الصفة المزدوجة للبرجوازية الصينية - فهي _((تتنازعها وظيفتان محتلفتان )) كما يقال . وكذلك كانت البرجوازية في تاريخ أوربا و أمريكا ، فحين كانت تواجه عدوا قويا تتحالف مع العمال والفلاحين ضده ، لكن لما نهض العمال والفلاحون من رقدتهم إنقلبت لتتحد مع العدو ضد العمال والفلاحين . وهذا قانون عام ينطبق على البرجوازية في جميع بلدان العالم بيد ان هذه الخاصية تبدو أكثر وضوحا لدى البرجوازية الصينية .

ومن الجلي أنه من يستطيع قيادة الشعب في الصين بالإطاحة بالإمبريالية والقوى الإقطاعية يستطيع كسب تقة الشعب، ذلك أن أعداء الشعب الألداء هم الإمبريالية والقوى الإقطاعية وخاصة الإمبريالية ، فمن يستطيع اليوم أن يقود الشعب لطرد الإمبريالية اليابانية ويطبق السياسة الديمقراطية فإنه منقد الشعب . ولقد أثبت التاريخ أن البرجوازية الصينية لاتستطيع أن تتحمل هذه المسؤولية التي لابد أن تقع على عاتق البروليتاريا لذلك فإنه من المؤكد أن البروليتاريا والفلاحين والمثقفين والفئات الأخرى من البرجوازية الصغيرة في الصين ، هي القوى الأساسية التي تقرر مصير الصين . وهذه الطبقات قد استيقط بعضها والبعض الآخر في طريق الإستيقاظ ، ولا بد أن تصبح هي العناصر الأساسية لتركيب الدولة والسلطة في جمهورية الصين الديقراطية ، مع كون البروليتاريا قوة قائدة فيها .إن جمهورية الصين الديمقراطية التي نناضل حاليا لإنشائها يجب ألاتكون سوى جمهورية ديمقراطية خاضعة للديكتاتورية المشتركة لجميع المناهضين للامبريالية والإقطاعية بقيادة البروليتاريا , يعني جمهورية ديمقراطية جديدة ، جمهورية قائمة على اساس مبادئ الشعب الثلاثة الجديدة الثورية حقا التي تتضمن السياسات الكبرى الثلاث .

إن الجمهورية الديمقراطية الجديدة تختلف عن الجمهورية الرأسمالية من النمط الأوربي الأمريكي القديم والخاضعة لديكتاتورية البرجوازية ، إذ أن هذه الأخيرة هي جمهورية الديمقراطية القديمة التي قد فات أوانها ، و من جهة أخرى فأنها تختلف أيضا عن الجمهورية الإشتراكية من النمط السوفياتي والخاضعة لديكتاتورية البروليتاريا ,فإن مثل هذه الجمهورية الاشتراكية تزدهر في ارض الاتحاد السوفياتي وسوف تعمم في جميع البلدان الراسمالية , وأكيد أنها ستصبح الشكل السائد لتركيب الدولة والسلطة السياسية في جميع البلدان المتقدمة صناعيا , ولكن مثل هذه الجمهورية ، خلال فترة تاريخية معينة لاتصلح للثورات في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة ، ولذا فلا بد أن يتبنى خلال تلك الفترة التاريخية المعينة شكل ثالث للدولة في ثورات جميع البلدان المستعمرة والشبه المستعمرة . ألا و هو جمهورية الديقراطية الجديدة . وبما أن هذا الشكل مناسب خلال فترة تاريخية معينة ، فهو شكل انتقالي ، ولكنه ضروري لابديل له .

وهكذا فإن الأشكال المتنوعة لنظام الدولة في عالم لا تخرج من حيث الاساس عن اطار ثلاث انواع وفقا للطابع الطبقي لسلطتها السياسية :

1 ـ الجمهورية الخاضعة لديكتاتورية برجوازية . ب ـ الجمهورية الخاضعة لديكتاتورية البروليتاريا 0 ج ـ الجمهورية الخاضعة للديكتاتورية المشتركة لعدة طبقات ثورية .

ويشتمل النوع الأول على دول الديقراطية القديمة . واليوم بعد إندلاع الحرب الإمبريالية الثانية ، اختفى الجو الد يمقراطي في كثير من البلدان الرأسمالية والتي قد تحول بعضها والبعض الآخر في طريق التحول إلى دول تمارس فيها ديكتاتورية البرجوازية العسكرية الدموية . ويمكن ان تدخل في عداد هذا النوع بعض البلدان التي تخضع للديكتاتورية المشتركة لملاك الأراضي و البرجوازيين .

والنوع الثاني موجود في الإتحاد السوفياتي ، وتختمر ظروف ظهوره في مختلف البلدان الرأسمالية . وسوف يصبح هذا النوع في المستقبل شكلا سائدا في أرجاء العالم لفترة معينة من الزمن.

أما النوع الثالث فهو شكل انتقالي للدولة ينبغي أن تتبناه الثورات في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة . ومن المؤكد أن كل ثورة من الثورات في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة ستتميز ببعض الخصائص ولكن هذه الخصائص لن تكون سوى اختلافات بسيطة في محيط من التماثل ، فما دامت الثورات هي ثورات البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة فمن المحتم أن كلا من تركيب الدولة وتركيب السلطة السياسية في هذه البلدان سيكون متماثلا بصورة أساسية ، أي دولة للديمقراطية الجديدة خاضعة للديكتاتورية المشتركة لعدة طبقات مناهضة للإمبريالية . وفي الصين الحالية فإن الجبهة المتحدة ضد اليابان هي بالضبط التي تمثل شكل الدولة الديمقراطية الجديدة ـ دولة معادية لليابان ومعادية للإمبريالية ، وقائمة على التحالف بين عدة طبقات ثورية ، على جبهة متحدة . و لكن مما يدعو الى الأسف أن العمل من اجل تطبيق الديمقراطية في البلاد لم يبدا بعد من حيث الأساس ـ رغما من انقضاء فترة طويلة على اندلاع حرب المقاومة ـ في معظم المناطق ماعدا القواعد الديمقراطية المناهضة لليابان والخاضعة لقيادة الحزب الشيوعي ، وقد أستغل الإمبرياليون اليابانيون نقطة الضعف الاساسية هذه ليغزو اراضينا بخطى واسعة ، و إذا لم تتخذ التدابير إزاء هذا الوضع ، فإن مستقبل أمتنا سيتعرض لخطر جسيم .

إن المسألة التي نناقشها هنا هي مسألة(( نظام الدولة)) . و قد دار حولها الجدال لعشرات السنين منذ اواخر عهد اسرة تشينغ و لكنها لم تتضح بعد للجميع . و في الحقيقة أنها ليست اكثر من مسألة مراكز الطبقات الاجتماعية المختلفة في الدولة . إن البرجوازية تخفي دائما حقيقة مراكز الطبقات ، لتطبق ديكتاتورية طبقتها الواحدة باستخدام كلمة (المواطنين ) . ومثل هذا الاخفاء لا يعود بأي مصلحة على الشعب الثوري ، لذلك يجب علينا ان نوضح له ذلك بكل جلاء . إن كلمة ( مواطنين ) يجوز استخدامه، ولكن ينبغي ألا تشتمل على المعادين للثورة و الخونة . إن الدولة التي نريد إقامتها اليوم هي ديكتاتورية تمارسها جميع الطبقات الثورية على المعادين للثورة و الخونة .

" إن ما يدعى بالنظام الديمقراطي في الدول الحديثة غالبا ما تحتكره البرجوازية ، فقد أصبح. أداة لاضطهاد عامة الناس . أما الديمقراطية التي ينادي بها الكومنتانغ فهي حق يشترك فيه عامة الناس وليس بشيء تستأثر به الإقلية" . ذلك هو التصريح الجاد الوارد في بيان المؤثمر الوطني الأول للكومنتانغ المنعقد في عام 1924 خلال فترة التعاون بين الكومنتانغ والحزب الشيوعي . ولقد إنتهك الكومنتانغ نفسه هذا التصريح طوال ستة عشر عاما ، الامر الذي أدى الى المحنة الشديدة التي تواجهها البلاد في الوقت الراهن . و إنه لافدح خطأ ارتكبه الكومنتانغ و نأمل أن يتطهر من هذا الخطأ في غمار حرب المقاومة ضد اليابان .

أما مسألة مايسمى ب" نظام السلطة" فهي مسألة تتعلق بالشكل الذي تبنى عليه السلطة السياسية ، بالشكل الذي تتخذه طبقة اجتماعية معينة من اجل تنظيم جهاز السلطة السياسية لمناهضة أعدائها و حماية ذاتها . فان أي جهاز سلطة لايتخذ الشكل المناسب لا يمكنه ان يمثل الدولة .ويمكن للصين في الوقت الحاضر أن تتبنى نظام مجالس نواب الشعب المتسلسلة ، من مجلس نواب الشعب الوطني حتى مجالس نواب الشعب في المقاطعات و المحافظات و المراكز و النواحي ، وكل مجلس منها ينتخب الهيئة الحكومية التي على مستواه . ولكن يجب تطبيق نظام انتخاب يتمتع فيه الجميع بالمساوات الحقة بصرف النظر عن جنسهم نساء كانوا أو رجالا ومعتقداتهم و املاكهم وتعليمهم ، حتى يمكن تمثيل كل طبقة ثورية وفقا لمركزها في الدولة تمثيلا صحيحا ، و يمكن التعبير عن ارادة الشعب تعبيرا صحيحا ، ويمكن قيادة النضالات الثورية ، و التعبير عن روح الديمقراطية الجديدة . ذلك هو نظام المركزية الديمقراطية و الحكومة القائمة على نظام المركزية الديمقراطية تستطيع وحدها ان تعبر تعبيرا كاملا عن ارادة كل الشعب الثوري و ان تقاتل اعداء الثورة باكثر فعالية . يجب ان تتجسد في تركيب الحكومة و الجيش روح " عدم استئثار الاقلية " بهما ، ولكن بدون نظام ديمقراطي فعلي لا يمكن تحقيق هذا الهدف ، و بالتالي يكون الحديث عن التوافق و الانسجام بين نظام السلطة و نظام الدولة امرا خارجا عن الموضوع .

إن نظام الدولة هو ديكتاتورية مشتركة لجميع الطبقات الثورية . ونظام السلطة هو نظام المركزية الديمقراطية . و هذا يشكل سياسة الديمقراطية الجديدة ، يشكل جمهورية الديمقراطية الجديدة ، جمهورية الجبهة المتحدة ضد اليابان ، جمهورية قائمة على مبادئ الشعب الثلاثة الجديدة التي تتضمن السياسات الكبرى الثلاث ، جمهورية الصين التي ينطبق اسمها على واقعها . و بالرغم من انه صارت لدينا اليوم جمهورية الصين ، إلا انها مجرد اسم بلا واقع ، فمهمتنا الحالية ان نخلق الواقع الذي يطابق ذلك الاسم .

تلك هي العلاقات السياسية الداخلية التي ينبغي للصين الثورية و المقاومة ضد اليابان ، ان تقيمها و لابد ان تقيم
ماو تسي تونغ


ها ، و ذلك هو الاتجاه الصحيح الوحيد الذي يجب ان تتبعه اليوم في " بناء الوطن " . 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire