بؤس الفلسفة // كارل ماركس

بؤس الفلسفة
كارل ماركس

صدر هذا الكتاب في شتاء سنة 1846–1847 لما استطاع ماركس أن يوضح نظريته الجديدة في الاقتصاد والتاريخ وكان كتاب برودون «منهاج التناقضات الاقتصادية أو فلسفة البؤس» قد ظهر مما أتاح الفرصة لبرودون أن يشغل المركز الرئيسي بين الاشتراكيين الفرنسيين. وفي نفس الوقت أتاح الفرصة لانتقادات ماركس ومعارضته لآراء برودون. لقد عاش هذان المفكران في باريس وقضيا الليالي يتناقشان في المسائل الاقتصادية. و من ذلك الوقت أصبح مؤكدا أنهما يختلفان اختلافا جذريا، وأصبح كتاب برودون برهانا على درجة اختلافهما، ولذلك لم يكن بالإمكان تجاهل هذا الخلاف. وهكذا نرى ماركس يعمل على إجابة خصمه برودون.
نستطيع أن نجد خلاصة تفكير ماركس في مقالته المنشورة في آخر الكتاب و التي ظهرت في المجلة الديمقراطية الاشتراكية Sozialdemokrat في الأعداد 16 و17 و18 سنة 1865. وكانت هذه المقالة هي الوحيدة التي كتبها ماركس في تلك المجلة لأن محاولات Herr von Schweidzer لكي يجعل المقالة تظهر بشكل معارضة فاضحة للإقطاع ولأعمال الحكومة، جعلتنا نقطع صلاتنا مع المجلة بعد عدة أسابيع.
يتضمن هذا الكتاب مغزى عظيما للشعب الألماني في الوقت الحاضر و باستطاعة الشعب الألماني أن يعرف كيف وجّه ماركس ضربته القاضية لبرودون و في نفس الوقت كاد يقضي على رودبروتس Rodbertus الذي يُعد ضمن المفكرين اليوم والذي كان ماركس لا يزال يجهله.
و لا يهمني هنا أن أوضح علاقة ماركس ورودبرتوس لأنني سأتكلم عن هذا الموضوع عندما تتاح لي الفرصة. ويكفيني أن ألاحظ هنا أن رودبرتوس يتهم ماركس بمعاملته وأنه تصرف في كتاب رأس المال دون أن يأخذ من كتابه Zur erlenntnis الخ. وعلاوة على هذا فإن رودبرتوس يسمح لنفسه أن يهاجم عبقرية ماركس التي لم يفهمها لأنه كان يجهل القضايا التي تحدث خارج بروسيا، خاصة جهله للعلوم الاقتصادية والاشتراكية. إن ماركس لم يعر انتباها لتهجمات رودبرتوس، وكان كل ما علق في ذهنه عنه رسائل الاشتراكية الثلاث Sozial briefe وحتى أنه لم يقرأها قبل سنة 1858 أو سنة 1859.
يؤكد رودبرتوس في هذه الرسائل أنه اكتشف «نظرية القيمة» قبل برودون نفسه. وهنا نجده يخدع نفسه بأنه أول من اكتشف هذه النظرية. وعلى أي حال أراني انتقده في كتابي الآن وهذا ما يجعلني أعمل على نقد كتابه الصغير «بحث لمعرفة أحوال اقتصادنا القومي» Contribution to the Knowledge of our national economy الذي ظهر سنة 1842، طالما أن نقد هذا الكتاب يقود إلى نقد برودون ونقد شيوعية ويتلنغ Weitling الواردة فيه.

إن الاشتراكية الحاضرة تأثرت وانطلقت عن الاقتصاد السياسي البرجوازي، و لذلك فهي تنطلق وتتأثر بنظرية القيمة لريكاردو Ricardo. فالافتراضان اللذان قال بهما ريكاردو سنة 1817 في كتاب «المبادئ» Principles يمكن اختصارهما كما يأتي: 1 – أن قيمة أية سلعة تتوقف على كمية العمل المطلوب لإنتاجها. 2 – أن نتاج ومجموع العمل الجماعي يقسم بين الطبقات الثلاث: طبقة الملاكين الذين يمثلون الريع Rent، وطبقة الرأسماليين الذين يمثلون الربح Profit، وطبقة العمال الذين يمثلون الأجور Wages.
و قد اعتمد الانكليز هذين الافتراضين منذ 1821 واستعملوهما لتحقيق أهدافهم الاشتراكية. والواقع أن كتابات ريكاردو بقيت ذات أثر فعال حتى ظهور كتاب رأس المال Capital لماركس الذي فاق نظريات ريكاردو وجعلها في عالم النسيان. فإذا كان رودبرتوس اعتمد سنة 1842 على هذه النظريات و استخلص منها نتائجه الاشتراكية فإن هذا العمل كان خطوة جيدة لألمانيا في ذلك الوقت، ولكن كان لألمانيا وحدها أن تفتخر أن هذه النظريات كانت من إبداعها وحقها. والواقع أن نظرية ريكاردو لم تكن جديدة بل أن ماركس هو الذي أثبتها عندما نقد برودون الذي أصابها نفس الكبرياء الذي أصاب رودبرتوس.

«إن أي شخص يراقب تطور الاقتصاد السياسي في انكلترا يعلم أن معظم الاشتراكيين في هذه البلاد، في أوقات مختلفة، استعرضوا وبحثوا تطبيق نظرية ريكاردو في تعادل القيمة وهذا يعني أنه ليس ريكاردو هو الذي حقق هذه النظرية بل أن ماركس هو الذي خلقها وأثبته». هذا ما نستطيع أن نقوله لبرودون عن كتاب هودسكن Hodgskin (الاقتصاد السياسي) سنة 1827. و عن كتاب ويليام ثوميسون William Thompson «بحث في مبادئ توزيع الثروة و كيفية جعلها صالحة لخدمة الإنسانية وسعادته» سنة 1842. وعن كتاب أدمونز T. R. Edmonds «الأخلاق العلمية والاقتصاد السياسي» سنة 1828، الخ. ويسرنا أن نستمع للسيد جراي Gray وهو شيوعي انكليزي... في كتابه القيم «مساوئ العمل والدواء الناجع لهذه المساوئ» طبع في ليوس سنة 1839 (راجع فصل «الانشقاق العلمي» من هذا الكتاب).
إن الأقوال المكتوبة هنا والتي ترجع لكتاب جراي تضع حدا للإشاعات التي تقول أن رودبرتوس هو الذي سبق وشرح النظرية.
لم يكن ماركس في ذلك الوقت يرتاد غرفة المطالعة في المتحف البريطاني. و قد اكتفى بالاطلاع على مكتبات باريس وبروكسيل وعلى كتبي التي رآها أثناء رحلة قمنا بها في انكلترا سنة 1845 واستغرقت ستة أسابيع، ولذلك لم يطلع في انكلترا إلا على تلك الكتب التي استطاع أن يحصل عليها في مانشستر. فرودبرتوس لم يكن إلا مؤسس الاشتراكية البروسية ولولا ذلك لكان علينا أن ننساه.
و حتى في بلاده الحبيبة بروسيا نجد رودبرتوس لا يهدأ بل يبقى مضطربا. ففي سنة 1859 ظهر في برلين الجزء الأول من كتاب ماركس وعنوانه «نقد الاقتصاد السياسي» ونجد في هذا الكتاب الانتقادات الموجهة للاقتصاديين و من بينهم ريكاردو الذي انتقده ماركس في الصفحة 40:
«إذا كانت قيمة التبادل لنتاج ما تساوي وقت العمل الذي يتضمنه النتاج، فإن قيمة التبادل ليوم عمل تساوي نتاج ذلك العمل، أي أن الأجرة يجب أن تعادل نتاج العمل، ولكن العكس هو الذي حصل».

و في ما يتعلق بهذا البحث نجد الملاحظة التالية:
«إن هذا النقد والاعتراض الموجه لريكاردو من الناحية الاقتصادية قد توجه إليه أيضا من الناحية الاجتماعية. لقد افترض مسبقا صحة القاعدة النظرية، لذلك كان النقد أيضا موجها للمجتمع البورجوازي، وعلى هذا المجتمع أن يتبع ويطبق النتائج المفترضة مسبقا وهي التي توصل إليها ماركس. وبهذه الطريقة، على الأقل، استطاع الاشتراكيون الانكليز أن يوجهوا النقد لنظرية التبادل عند ريكاردو ويجعلوها مناقضة للاقتصاد السياسي».
و في نفس الملاحظة نجد تلميحا لكتاب ماركس «بؤس الفلسفة» Poverty of Philosophy الذي كان قد ظهر عند كل بائعي الكتب.
لقد تـُرك المجال الكافي لرودبرتوس أن يقنع نفسه بأن اكتشافه سنة 1842 لم تكن حقيقية. ولكنه عوضا عن ذلك ظل يعتقد ويقرر بأن اكتشافاته كانت حقيقية وأنه لم يكن باستطاعة ماركس أن يصل للنتائج نفسها التي توصل إليها هو والتي أخذها من ريكاردو. لقد كان هذا مستحيلا. لقد هاجمه ماركس، وهذا الهجوم لم يكن عاملا قويا على تهديم رودبرتوس لأن انكلترا كانت قد هزئت بكل النظريات التي تقول ما يقوله رودبرتوس.
إن أبسط شرح لنظرية ريكاردو هي التي أظهرناها في السطور السابقة. ولقد قادت إلى معرفة أصل وطبيعة فضل القيمة Surplus of Value التي يعتبرها رودبرتوس من نتاجه. والواقع أن رودبرتوس لم يفعل شيئا إلا أنه أخذ من غيره المسائل الاقتصادية كالعمل، ورأس المال، ونظرية القيمة، الخ. و تبناها وصاغها بشكل سخيف. وهكذا لم يقف عند حد معين – كما فعل ماركس الذي كان أول شخص وصل لنتيجة أكيدة من جراء دراسته لهذه النظريات – لكن رودبرتوس فتح أمامه الباب الذي يقوده (للطوباوية Utopia).

إن مدلول نظرية ريكاردو بأن الإنتاج الاجتماعي الكلي يخص العمال لأنه من نتاجهم ولأنهم المنتجون الحقيقيون، إن هذا القول يقود مباشرة للشيوعية. لكن، كما يشير ماركس فيما يتعلق بالقول السابق بأنه خطأ من الناحية الاقتصادية، لأن هذا القول يؤدي إلى تطبيق الأخلاق في حقل الاقتصاد. ونجد بالنسبة لقوانين الاقتصاد البورجوازي أن القسم الأكبر من الإنتاج لا يخص العمال الذين أنتجوه. وإذا قلنا الآن: «هذا ليس عدل»، «يجب أن لا يكون هكذ». فإنما يصبح هذا القول متعلقا بالأخلاق لا بالاقتصاد. ونحن نقول أن هذه الحقيقة الاقتصادية تناقض الشعور الأخلاقي. فماركس لم يُـقم مطاليبه الشيوعية على هذا الزعم بل أقامها على تقلص نظام الإنتاج الرأسمالي المؤكد. هذا التقلص الذي لم يحدث أمام عيوننا! وهو يقول إن فائض القيمة يعني العمل غير المدفوع لقاؤه الذي هو حقيقة واضحة. ولكن الشيء الذي يمكن أن يكون خطأ من وجهة نظر الاقتصاد قد يكون صحيحا من وجهة نظر التاريخ. فإذا كان الوعي الأخلاقي عند الجماعة يعلن أن حقيقة اقتصادية هي غير عادلة – كما حدث في قضية العبودية أو عبودية العمل – فإن هذا التصريح يكون برهانا على أن هذه الحقيقة ذاتها قد قضي عليها: ويعني أن حقائق اقتصادية أخرى قد ظهرت و طبقت على الحقيقة الأولى. فنرى إذن ظهور كل حقيقة جديدة يكمن وراء خطأ الحقيقة الاقتصادية السابقة لتقضي عليها. وهنا لا يسعنا المجال أن نبحث بعمق معنى وتاريخ نظرية القيمة.

نستطيع أن نستنتج نتائج أخرى غير التي استنتجت، من نظرية القيمة لريكاردو. إن قيمة السلع تتحدد وتقوم على العمل المطلوب لإنتاجها. و نجد في هذا العالم الشرير أن السلع تباع بعض الأحيان بقيمة أعلى بالنسبة للعمال، وبعض الأحيان بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية، وفي الواقع لا يكون هذا التغيير نتيجة لتغيير نسبة المنافسة. لقد أصبحت نسبة الربح تطغى على فكر الرأسماليين لتكون متساوية ومرتفعة، كما أنها أصبحت فكرة تخفيض أسعار السلع لتساوي قيمة إنتاجها بطريقة العرض و الطلب. ولكن نسبة الربح أخذت تـُحسب على أساس الرأسمال الكلي الموظف في مشروع صناعي. يمكن أن نجد أن الإنتاج السنوي في فرعين مختلفين لصناعة ما، يتطلب كميات متساوية من العمل ويمكن أن يمثل قيما متساوية في الفرعين ويمكن أن تكون الأجور عالية في الفرعين. بنما نرى أن الرأسمال الموظف في الفرع الأول ضعفا أو ثلاثة أضعاف الرأسمال الموظف في الفرع الثاني. وكنتيجة لهذا نجد أن قانون القيمة في نظرية ريكاردو – كما اكتشف ريكاردو نفسه – يناقض قانون التساوي في الأرباح. فإذا كانت منتوجات كلا الفرعين تباع بقيمتها فإن نسب الأرباح لا تكون متساوية، و إذا كانت نسب الأرباح متساوية، فحينئذ نرى أن منتوجات الصناعيين لا يمكن أن تباع بقيمتها. وهكذا يحصل عندنا تناقض – هذا التناقض في قانون اقتصاديين – الذي يعده ريكاردو كقاعدة لتحقيق نسبة الأرباح على حساب القيمة.

لكن تحديد ريكاردو للقيمة – رغم أوصافها المطلقة – بأنها مطلقة، يجعلها عزيزة على قلوب البورجوازيين. إنها تدعو للعدالة لأنها صادرة عن شعوره بالعدالة. وحقوق العدالة والمساواة إنما هي الأعمدة الأساسية التي يريد بورجوازيو القرن الثامن عشر والتاسع عشر أن يقيموا بموجبها بنيانهم الاجتماعي على ضرائب الظلم الإقطاعي وعلى نظرية عدم المساواة و منح الامتيازات جزافا. لقد برهن ماركس أن القواعد الأساسية التي تبنى عليها سياسة وفلسفة وتشريع ومثالية البورجوازية تقوم على تحديد قيمة السلع بالنسبة للعمل المطلوب لإنتاجها وعلى التبادل الحر لمنتوجات العمل، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار مقياس القيمة بين أصحاب السلع الذين يريدون حقوقا متساوية. فلو قررنا، ولو مرة واحدة، أن العمل هو قياس قيمة السلعة، نجد أن البورجوازي قد جرح في الصميم وأخذ يعتبر العالم شرا وفسادا لأن هذه القاعدة التي تدعو لتطبيق العدل والمساواة تقوم مانعا وعقبة أمام أعماله الفاسدة. ويرى البورجوازي – وخاصة ذلك الذي يعتمد في «عمله الشريف» على شغيلته وأصحاب المهن عنده – أن عمله يتقلص من جراء المنافسة التي يفرضها الإنتاج الضخم وتقدم الآلة. إن هذا المنتج الصغير يتوق لمجتمع يجد فيه تبادل المنتوجات يتم بالنسبة لقيمة عملها ويريد أن يتأكد أن هذه القاعدة دائمة وكاملة ولا تتغير. و بكلمة أخرى، يطلب هذا المنتج الصغير الحياة في مجتمع يتغلب عليه قانون إنتاج السلع المعينة، ولكن بما أنه لا يستطيع أن يحقق هذه يجد أن قوانين إنتاج السلع الأخرق تتغلب، وهذه هي قوانين الإنتاج الرأسمالي.

إلى أي حد توصلت هذه الطوباوية Utopia بتأثيرها على فكر البورجوازي الصغير – إن كان هذا التأثير حقيقيا أو خياليا؟ لقد ظهرت الطوباوية في كتاب جان جراي John Gray سنة 1831، وجربت هذه الطوباوية وبُشر بها في انكلترا في حدود سنة 1830، وظهرت في ألمانيا على يد رودبرتوس ودعاها الحقيقة الأخيرة، وأظهرها برودون في فرنسا سنة 1846، وعاد رودبرتوس سنة 1871 وقال أنها الحل الوحيد للمشاكل الاجتماعية، وبقيت الطوباوية تجد محبذين لها سنة 1884 بين أتباع رودبرتوس الذين عملوا على أن ينتقموا من اشتراكية الدولة البروسية.
لقد وجه ماركس انتقادا لهذه الطوباوية وانتقد خاصة برودون وجراي. و لا أستطيع في هذا الكتاب إلا أن أتصدى لبعض الملاحظات والتعليقات و النقد الموجه لرودبرتوس.
و كما قلت سابقا إن رودبرتوس يتبنى المفاهيم الفكرية والخرافية الاقتصادية بالشكل الذي فهمها عندما أخذها عن الاقتصاديين. وهو لا يجهد نفسه أو يحاول على الأقل أن يتقصى معناها ويناقشها ويدرسها. فالقيمة بالنسبة له هي: «تقدير أو إعطاء قيمة لشيء بالنسبة للأشياء الأخرى وبالنسبة للكمية، وقد جعل هذه الفكرة مقياسا للقيمة». و تعطينا هذه الفكرة بدورها وهذا التحديد أحسن تعبير لتشبيه القيمة، و لكن لا يعطينا شيئا مطلقا عن حقيقة مفهوم القيمة. وبما أن هذا هو كل ما يقدر رودبرتوس أن يقوله بالنسبة للقيمة، فمن المفهوم إذن أنه يفتش عن مقياس للقيمة خارج القيمة ذاتها. وبعد كتابة ثلاثين صفحة نراه يخلط بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل، وبعد بحث مجرد استحسنه هرادولف واغنر Herr Odolf Wagner يستنتج أنه «لا يوجد مقياس حقيقي للقيمة، وعلى الدارس أن يستعيض عن مقياس بمقياس.» وهكذا فالعمل يخدم ويستعمل إذا كانت هناك منتوجات كمية متساوية من العمل المتساوي، وإذا لم تكن المسألة هكذا فيجب أن نضع لها هذا المقياس الافتراضي. وبالنتيجة، يبقى العمل والقيمة بدون أية علاقة ببعضهما، رغم أن الفصل الأول قد خُصص ليعرض علينا أن السلع هي تكاليف وثمن العمل ولا شيء في هذا الفصل سوى العمل، ولكن لماذا نجد كل هذا.
لقد أخذ رودبرتوس مفهوم العمل، دون أن يفحصه أو يدقق به عن الاقتصاديين و ليس هذا فقط، لكنه بحث العمل كشيء «يكلف» وكشيء يقيس القيمة دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير الحالات الاجتماعية. ولم يفكر فيما إذا كان المنتجون يقضون يوما أو عشرة أيام لتحضير المنتوجات التي يمكن تحضيرها في يوم واحد، أو إذا كانوا يستخدمون أحسن الآلات أو أسوأها، أو إذا كانوا يوسعون أوقات العمل في إنتاج الأدوات الضرورية للمجتمع، والكمية التي يحتاجها المجتمع، أو إذا كانوا يصنعون أدوات مرغوبة أو غير مرغوبة بكميات تزيد على الطلب أو تقل عنه – إن رودبرتوس لا يذكر شيئا من هذا، بل يقول إن العمل هو العمل، وإن إنتاج عمل متعادل يجب أن يستبدل بإنتاج عمل متعادل. إن رودبرتوس يبقى مستعدا دوما، إن كان مخطئا أو لم يكن، أن يتبنى صالح الموقف الوطني، ويبقى مستعدا لبحث علاقة المنتجين من وجهة الاعتبارات الاجتماعية، لا نراه يعمل شيئا من هذا.ذلك لأنه، من أول سطر في كتابه، يعمل لكتابة طوباوية العمل النقدي ولأنه يرى أن أية دراسة للعمل كماهية تنتج القيمة، تكون عقبات في طريقه. لقد كانت غريزته أقوالا من فكره المجرد. وهذا يظهر في كتابة رودبرتوس كمثال لغيبوبة المفكر.
إن الانتقال للطوباوية يكون بتلويح اليد و«القياسات» التي تؤكد تبادل السلع بالنسبة لقيمة العمل كقاعدة لا تتغير، لا تسبب أية صعوبات، أما الطوباويون الآخرون الذين يعملون كرودبرتوس – من جراي لبرودون – يحكمون أدمغتهم ليخترعوا المؤسسات الاجتماعية التي تحقق أهدافهم. إنهم يحاولون أن يحلوا المشكلة الاقتصادية بطريقة اقتصادية بواسطة عملية المالكين أنفسهم الذين يملكون السلع المعدة للتبادل. والمسألة بالنسبة لرودبرتوس أسهل بكثير. وكمواطن بروسي صالح يدعو إلى تدخل الدولة: إن قرارا من الدولة القوية يؤدي للإصلاح.
و بهذه الطريقة يتم تشكيل القيمة، ولكن رودبرتوس لم يسبق أحدا غيره بهذا القول – وعلى العكس نرى جراي وبراي Pray قبل رودبرتوس قالا بهذه الفكرة، أي أن رقبتهما كانت إيجاد مقاييس بواسطتها تتبادل السلع في كل وقت من الأوقات بقيمة العمل المتضمن بها.
و بعد أن تضع الدولة مقياس القيمة – على الأقل لبعض المنتوجات لأن رودبرتوس متواضع – فإنها تصدر قسائم العمل النقدي وتقدمها للرأسماليين الصناعيين وحينئذ يدفعون أجور العمال من هذه القسائم، حيث أن العمال يشترون المنتوجات بقسائم العمل النقدي Labour Paper Money التي يتسلمونها، وهكذا يجعلون قسائم العمل تعود إلى نقطة انطلاقها. والآن لنسمع ما يقوله رودبرتوس:
و بالنسبة للحالة الثانية، يكون المقياس الضروري تحقيق القيمة في القسائم، فعندما يسلم الشخص منتوجا أو سلعة يستلم قسيمة، وتسجل على القسيمة كمية العمل المستغرق لإنتاج المنتوج. إن الذي يسلم أو يعطي منتوج عمل يومين يستلم قسيمة مطبوعة «يومان». وتكتمل الحالة الثانية بمراقبة هذه القاعدة فيما يتعلق بإصدار القسائم. ولكي ينطبق هذا العمل على افتراضاتنا المسبقة فإن القيمة الحقيقية للبضائع تنطبق على كمية العمل الذي يؤلف كلفة الإنتاج وهذه الكمية من العمل تقاس بالتقسيم العادي للوقت، وهكذا فكل شخص يسلم منتوجا يتضمن يومي عمل يستلم شهادة أنه استلم يومين، شهادة توقع له، وهكذا يكون المنتوج معادلا لكمية العمل. وبما أن الشخص الذي يضع منتوجا قيد التداول هو وحده الذي يستلم شهادة، فمن المؤكد أن القيمة المسجلة على القسيمة تعمل لكفاية وسعادة المجتمع. وإننا قدر ما نتصور دائرة تقسيم العمل، فإذا تبعنا هذه القاعدة، فإن مجموع القيمة التي يمكن الحصول عليها يجب أن تكون مساوية تماما لمجموع القيم المعترف بها كشهادة وبما أن مجموع القيم المعترف بها تساوي مجموع القيم المعينة فإن القيم المعينة يحب أن تتوافق مع القيمة الموجودة، وهكذا تحققت جميع المطالب وتحققت أيضا طريقة الدفع و سيولة النقد. (صفحة 166–167).
لا يصل رودبرتوس إلى نتائج في اكتشافاته الجديدة ولكن نراه هذه المرة يبتدع شيئا: لا نرى أحدا من منافسيه يجرؤ أن يعبر عن بلادته وبروده لدى بحثه طوباوية قسائم العمل النقدي في طريقته الطفولية الساذجة. و بما أنه يوجد لكل قسيمة أو شهادة قيمة لشيء مقابل يسلم عوضا عنها، إذ لا تعطي قيمة لشيء إلا مقابل شهادة أو قسيمة، نرى أن مجموع الشهادات أو القسائم يجب أن تـُعطى مقابل مجموع قيمة الأشياء. إن حساب هذه العملية يسير ويعمل دون إبقاء باق، وهكذا لا نعود نحتاج لمحاسب حكومي من جانب الضرائب ولا نعود نجد أخطاء. وماذا نريد أكثر من هذا؟
نلاحظ في المجتمع الرأسمالي الحاضر أن كل صناعي ينتج على حسابه ما يشاء و كيف يشاء. ويبقى الطلب الاجتماعي عاملا مجهولا له بالنسبة لجودة الصنف وبالنسبة للأشياء المطلوبة وبالنسبة للكمية فالشيء الذي لا يمكن عرضه اليوم بكميات وافرة وكافية يمكن أن يتوفر غدا إذا زاد الطلب. وهكذا يعمل المنتج على إشباع رغبة الطلب بسلع حتى ولو كانت رديئة أو جيدة، وكنتيجة يوجه المنتجون إنتاجهم للبضائع المطلوبة. فكيف نقدر أن نوفق بين هذا التناقض – إذ يقال إن المنافسة هي الدواء. وكيف تقدر المنافسة أن تحل المشكلة؟ فقط عندما نهمل السلع غير النافعة لحاجات المجتمع، وعندما نجعل المنتجين يشعرون أنهم قد أنتجوا أشياء غير نافعة وبكميات مضرة. عند هذا نصل لنقطتين:
النقطة الأولى، أن الإغراق الدائم لأسعار السلع بالنسبة لقيمتها ضروري لكي تنتج السلع. وفقط بواسطة تذبذبات المنافسة، وبواسطة أسعار السلع، نتأكد من وجود قانون قيمة السلعة المنتجة ونتأكد أن يتحقق تحديد قيمة السلعة بواسطة وقت العمل الضروري اجتماعيا وهكذا نرى أن عرض فكرة القيمة والسعر كقاعدة يصبح لها وجه مختلف عن القيمة الحقيقية التي تظهر بها. وهذا ليس إلا مصيبة لقياس القيمة بأكثرية المفاهيم الاجتماعية. إن الملك يختلف عن المملكة التي يمثلها.. ولكي نرغب في مجتمع مؤلف من المنتجين الذين يتبادلون سلعهم، ولكي نتأكد من تحديد القيمة بوقت العمل، ولكي نمنع المنافسة لنتأكد من تحقيق القيمة بواسطة الضغط على الأسعار بالطريقة التي نقدر أن نعمل بها، إن هذا كله يعني و يبرهن أننا تبنينا الطوباوية واحتقرنا القوانين الاقتصادية.
و النقطة الثانية: إن المنافسة التي تحقق عملية قانون قيمة إنتاج السلعة في مجتمع مؤلف من المنتجين يبادلون سلعهم، تحقق أيضا تنظيم و ترتيب الإنتاج الاجتماعي الممكن تقديمه في الأحوال السائدة. وهذا يكون فقط أما بتخفيض أو بزيادة قيمة المنتوجات فيستطيع المنتجون أن يعرفوا أية كمية أو أي صنف يتطلبه المجتمع أو لا يتطلبه. وإذا سألنا عندئذ عن أي ضمان يؤكد لنا الكمية الضرورية وليس أكثر لكل منتوج يجب أن تنتج، و ماذا يضمن لنا أننا لن نجوع لقلة اللحم والقمح بينما تكون البطاطا كثيرة، ومن يضمن أنه لن تنقصنا الثياب لنغطي عرينا بينما الأزرار تكون قد أغرقت السوق، إن رودبرتوس يرينا انتصار بحساباته الشهيرة. وهذه الحسابات مؤلفة من القسائم التي تـُسلَّم لكل كيلو سكر تافه ولكل برميل كحول فارغ غير مباع، ولكل زر ثياب عديم النفع، إن هذه الحسابات «صحيحة» تماما – ونستطيع بالنسبة لرودبرتوس إشباع كل المطاليب ونقدر أن نحقق سيولة الإنتاج. وكل واحد لا يعتقد بهذا العمل يقدر أن يحتج إلى محصل الضرائب الحكومي السيد... وهو السيد الذي راقب الحسابات و وجدها صحيحة، وهو السيد الذي لم يقترف إثم غلطة واحدة في حساباته، و هكذا فإن هذا السيد رجل أمين.
و الآن لنأخذ بعين الاعتبار سذاجة رودبرتوس واعتقاده أنه يقضي على الأزمات الصناعية والتجارية بواسطة طوباويته. فعندما يصل إنتاج السلع إلى الأسواق العالمية تتم المساواة بين المنتجين الأفراد الذين ينتجون لحسابهم الخاص وبين السوق الذي ينتجون له – والواقع إن هؤلاء المنتجين لا يعرفون هذا السوق جيدا – فعندما تتم هذه المساواة بين هؤلاء المنتجين وبين أسواقهم تنزل بهم أزمة تجارية (1) و إن كنا سنمنع المنافسة الآن لكي نحذر المنتجين الأفراد ولكي ندرك إنتاج السلع بهذه الصورة ولندرك أن المنتجين لا يقدرون أن يعلموا أي شيء عن حالة السوق الذي ينتمون له – إن هذا في الواقع مرض الأزمة الذي جعل الدكتور ايزنبرت Eisanbert يحسد رودبرتوس.
و الآن يفهم كل فرد لماذا يحدد رودبرتوس قيمة السلع بواسطة «العمل» و لماذا يقبل درجات مختلفة للعمل. ولكنه لو تعمق ودرس كيف أن العمل يخلق القيمة وكيف يحددها ويكون مقياسا لها، لتوصل إلى العمل الاجتماعي الضروري لإنتاج منتوج واحد بالنسبة للمنتوجات الأخرى من نفس النوع وبالنسبة للطلب الكلي للمجتمع. والاصطدام بالسؤال التالي: كيف يتم التوفيق والتعديل بين منتوجات منتجين لسلع مختلفة لتكفي الطلب الكلي للمجتمع؟ ولو سأل نفسه هذا السؤال لسقطت طوباويته وتهدمت. و لقد فضل هذه المرة أن يشكل «فكرة مجردة» فقط للأشياء التي تهمة.
و أخيرا نأتي للنقطة التي يقدم بها لنا رودبرتوس شيئا جديدا. وهذا الشيء الجديد يميزه عن باقي الذين يساندون فكرة التبادل الاقتصادي بواسطة القسائم كلهم يطلبون تحقيق هذه المؤسسة التبادلية لأنها – بزعمهم – تلقى استعباد وهضم حقوق رأس المال للأجور. يجب على كل منتج أن يستلم قيمة العمل الكاملة لإنتاجه. إنهم يتفقون على هذا القول – من جراي لبرودون – لكن رودبرتوس يقول، كلا، إن تأخر أجور العمل و الاستعباد سيبقيان.
في الدرجة الأولى، لا نجد العامل في أي مجتمع يستلم ويستهلك القيمة الكاملة لإنتاجه. إننا لا نجد شيئا من هذا بل نجد عوامل غير منتجة و أشخاصا لا ينالون إلا نتائج عمل غير منتج. وهذا يتحقق في مجتمع يتبع خطوات فاسدة لتقسيم العمل فالمجتمع الذي لا نجد فيه أن العمل المنتج إجباري – وهذا شيء معقول – نجد أن الأشخاص يصلون فيه لعمل منتج، ولكن حتى في هذه الحالة تبقى الحالة السابقة كما هي لأن العمال كلهم يبقون تحت رحمة العمل وملكا للعمل، ولا ينال كل عامل «الإنتاج الكامل لعمله»، إن الطوباويين لم يبحثوا أبدا بقاء العمال في عمل غير منتج. إنهم يتركون العمال أن يفرضوا ضرائب على أنفسهم بشكل ديموقراطي، بينما رودبرتوس وجه إصلاحه سنة 1842 إلى الدولة البروسية في ذلك الوقت ويضع المسؤولية على فساد الحكم، وبنظره أن أولياء الحكم يجب أن يقرروا حصة العامل في إنتاجه ويجب أن يعملوا لينالوها.
و في الدرجة الثانية يبقى ريع الأرض والفوائد كما كانت بحالة فساد، لأن الملاكين والرأسماليين الصناعيين يمارسون وظائف ومهمات اجتماعية قوية وضرورية – حتى ولو كانت هذه الوظائف غير منتجة – وهم يستلمون الريع والفوائد كدفع على الحساب – وهذه الفكرة لم تكن جديدة سنة 1842، وهكذا يحصلون الكثير من القليل الذي يعملونه، وهم هكذا يسببون ضررا سريعا، لكن رودبرتوس يحتاج على الأقل لخمسمائة سنة لإبقاء الطبقة الممتازة وهكذا تبقى القيمة الفائضة ولكن لا يسمح لها أن تزداد، إن نسبة الفائض هذه يعتبرها رودبرتوس 200 بالمائة 12 ساعة عمل في النهار، و لا يستلم العامل قسيمة بـ 12 ساعة عمل بل بـ 4 ساعات بين الملاك و الرأسمالي. إن قسائم العمل التي قام بها رودبرتوس هي قسائم عمل كاذبة. و نقول أيضا أنه لا يمكن أن نتصور أن طبقة عاملة تعمل 12 ساعة حتى تستلم قسيمة 4 ساعات عمل. إن هذا يعد سرقة فاضحة من قبل الملاك و الرأسمالي. إن كل قسيمة تعطى لعامل تكون دعاء للثورة وتقع تحت عقاب المادة 110 من قانون العقوبات الإمبراطوري الألماني يجب أن لا نرى أن أحدا يمثل البروليتاريا إلا العامل اليومي البروليتاري، هذا العامل الذي لا يزال في حالة نصف عبودية، ولا يزال يجلد، ولا يزال الملاك يملك ويحتضن فتيات القرية الجميلات ليجعلهن من حريمه، وهذا يكفي لأن يكون إهانة كبرى للعامل. إن المحافظين عندنا هم أكبر ثوريين.
إذا قبلنا عمالنا – وهم في قبولهم يتواضعون ويتلطفون – أن ينالوا حصتهم أي نتيجة أربع ساعات من أصل 12 ساعة عمل، يجب أن يُضمن لهم أن حصتهم هذه لن تنزل عن هذا المعدل أي الثلث. ولكن هذا الزعم حيلة ولا تستحق الذكر. وعند وصولنا لهذا الحد نجد شيئا جديدا في قصة رودبرتوس الطوباوية فيما يتعلق بقضية تبادل العمل على أساس القسائم: وهذه القصة ليست إلا مجرد ألعوبة صبيانية وحتى أنها لم تبلغ درجة أصدقائه الذين تناولوا هذه الفكرة، إن كانوا قبله أو بعده.
عندما ظهر كتاب رودبرتوس Zur Erkumtsis اعتبر هذا الكتاب مهما لأن اعتناقه وشرحه لنظرية ريكاردو في القيمة كانا برهانا على بداية حسنة، و حتى لو كان الاعتقاد بالنسبة له وبالنسبة لألمانيا أن هذه النظرية كانت جديدة لكننا نرى على كل حال أنه لم يكن أحسن من الكتاب الانجليز الذين عاصروه وسبقوه، ولكن تفكيره كان بداية لو أنه استطاع أن ينهيه بطريقة نقدية جيدة. لكنه قطع على نفسه طريق تطور الفكر وقيمتها في طريق الصالح ولذلك عبر عنها بطريقته الثانية وهي الطوباوية. وهكذا فقد طريقته الأولى في النقد ولم يحرر نفسه من الاعتماد على تفكير غيره. لقد عمل واشتغل ليحقق هدفا خاصا وهكذا أصبح رجلا اقتصاديا يتبع ميلا محددا Tendenzökonom.

و عندما وقع رودبرتوس في حبال الطوباوية قطع عن فكره الطريقة العلمية. لقد عاش في حلقة مفرغة من سنة 1842 حتى مماته، إذا كان يعيد نفس الأفكار التي كان قد عبر عنها أو أظهرها في كتابه الأول، وكان يشعر أنه غير مرغوب بتفكيره، وأخيرا ظل يرفض أنه لم يكتشف شيئا جديدا لأن كل ما قاله كان قد قيل وكل ما اكتشفه كان قد اكتشف سابقا.

*****

تختلف هذه الترجمة الانكليزية في أمكنة قليلة عن الترجمة الفرنسية الأصلية. وماركس هو الذي كتب هذه التغييرات بيده، و تظهر هذه التغييرات في الطبعة الفرنسية التي تحضر الآن.
و من الضروري أن أقول أن التعابير اللغوية المستعملة في هذا الكتاب لا تطابق تماما التعابير المستعملة في كتاب رأس المال ويبحث هذا الكتاب في العمل كسلسة، ويبحث في بيع وشراء العمل، عوضا عن مقدرة العمل.
لقد أضيف لهذه الطبعة:
1– مقطع من مقاطع كتاب ماركس «نقد الاقتصاد السياسي» الذي طبع في برلين سنة 1859 ويبحث هذا المقطع في طوباوية جان جراي في مسألة تبادل العمل النقدي أي القسائم.
2– ترجمة الخطاب الذي ألقاه ماركس في بروكسل سنة 1848 عن التجارة الحرة، ويعود هذا الخطاب لنفس الزمن الذي كان فيه ماركس يحضر كتابه «بؤس الفلسفة».
فريديريك انجلز
لندن، أوكتوبر 23، 1884
-------------------------------------------------------
مقدمة
لقد كان برودون سيئ الحظ لأن سكان أوروبا لم يفهموه. لقد قيل عنه في فرنسا أنه كان اقتصاديا فاشلا لأنه كان معروفا أنه فيلسوف ألماني. و لقد قيل عنه في ألمانيا أنه كان فيلسوفا فاشلا لأنه كان يعمد من أقدر الاقتصاديين الفرنسيين، وبما أنه كان ألمانيا واقتصاديا في نفس الوقت، لذلك نرغب أن نحتج على هذا الخطأ المزدوج.
سيفهم القارئ أننا كنا في هذا الكتاب مجبرين أن نترك انتقاد برودون جنبا لنلتفت إلى الفلسفة الألمانية وننقدها، ولنقدم في نفس الوقت بعض الملاحظات التي تتعلق بالاقتصاد السياسي.

كارل ماركس
بروكسل 15 حزيران - 1847

--------------------------------------------------------------------------------

إن كتاب برودون ليس فقط أطروحة عن الاقتصاد السياسي، وليس هو كتابا عاديا، بل هو كتاب مقدس Bible «إنه أعاجيب» «و أسرار انتزعها من صدر الله» إنه «وحي» لأن هذا الكتاب لا يحتاج لشيء، و بما أننا ندرس وننتقد الأنبياء في أيامنا الحاضرة بإمعان شديد أكثر مما ننتقد الأنبياء في أيامنا الحاضرة بإمعان شديد أكثر مما ننتقد الكتاب المقدس، لذلك على القارئ أن يسير معنا في زوايا «سفر التكوين» Genesis المظلمة حتى يقدر أن يفهم برودون وينزل معه إلى حلم برودون الأرضي الذي كونه لأجل الاشتراكية العليا Super-Zocialism (اقرأ برودون، فلسفة الفقر، المقدمة صفحة 111 سطر 20.)

اكتشاف علمي
تناقض معنى قيمة الانتفاع وقيمة التبادل
« إن مقدرة كل المنتوجات، المنتوجات الطبيعية أو الصناعية، التي لها علاقة والتي هي ذات نفع عام لوجود الإنسان تحدد بقيمة الانتفاع، و مقدرة هذه المنتوجات أن تتبادل مع بعضها تتحدد بقيمة التبادل... وكيف تصبح قيمة الانتفاع قيمة تبادل؟ أن تكوين فكرة قيمة التبادل، لم تلق عناية كافية من الاقتصاديين فمن الضروري إذن أن ندرسها وبما أن عددا كبيرا من الأشياء التي احتاجها موجود في الطبيعة بكميات معتدلة أو بكميات قليلة جدا أو أنها غير موجودة إطلاقا، فأنا مجبر أن أعمل لإنتاج ما أحتاجه. وبما أنني لا أقدر على إنتاج أشياء كثيرة، فإنني أعرض على أناس غيري – أناس هم مساعدون لي في عوامل كثيرة ومتنوعة – أن يسلموني قسما من إنتاجهم وأسلمهم قسما من إنتاجي نتيجة للتبادل » برودون المجلد 1، الفصل 11.
يتعهد برودون أن يشرح لنا قبل كل شيء طبيعة القيمة الازدواجية أي «التمييز في القيمة» ويتعهد أن يشرح لنا عملية تحويل قيمة الانتفاع إلى قيمة تبادل، فمن المهم إذن أن نشارك برودون في هذا التحويل. وما سيكتسب الآن هو كيفية تكميل هذا العمل بالنسبة لمؤلفنا.
إن عددا كبيرا من المنتوجات لا توجد في الطبيعة، بل هي منتوجات الصناعة و إذا كانت حاجيات الإنسان تتطلب أكثر من إنتاج الطبيعة لذلك فهو مجبر أن ينتج بواسطة الصناعة. وما هي هذه الصناعة بنظر برودون؟ وما هو أصلها؟ إن شخصا واحدا يشعر أنه بحاجة أن يحصل على أشياء كثيرة «لا يقدر أن ينتج أو يحصل على هذه الأشياء الكثيرة». ولكي نشبع حاجات كثيرة يعني افتراض أشياء كثيرة للإنتاج – ولا توجد منتوجات بدون إنتاج. ولا نتاج أشياء كثيرة يعني افتراض وجود أكثر من يد رجل واحد لتساعد على إنتاجها، لا بد أن يُفرض حالا إنتاج كامل قائم على تقسيم العمل، وهكذا فالحاجة كما يفترضها برودون تفترض التقسيم الكلي للعمل. ولدى افتراضك تقسيم العمل فإنك تحصل على التبادل. وكنتيجة تحصل على قيمة التبادل فالمرء يمكنه أن يكون قد افترض قيمة الانتفاع في البداية.

لكن برودون يفضل أن يدور حول الموضوع، والآن لنتبعه في كل دوراته التي ترجعه دوما إلى النقطة التي ابتدأ منها.

حتى أستطيع أن أتخلص من الحالة التي ينتج فيها كل شخص بمفرده لأصل إلى التبادل «على أن أدعو رفاقي ومساعديّ لأعمال متنوعة» هذا ما يقوله برودون فأنا إذن عندي مساعدين يقومون بأعمال مختلفة. ورغم كل هذا، فأنا وكل الآخرين، بالنسبة لافتراضات برودون، لا نكون قد كونّا إلا اشتراكية روبنسون كروزو إن وجود مساعدين غيري، ووجود الأعمال المتنوعة، ووجود تقسيم العمل والتبادل، يمكن الحصول عليها.

و لنستخلص ما قيل: أنا عندي بعض الحاجات التي تقوم على تقسيم العمل وعلى التبادل، وعندما اسبق وافترض هذه الحاجات يكون برودون قد سبق و افتراض التبادل، وهذا هو ما يهدف إليه «أن يلاحظ تكوين هذه الفكرة باعتناء أكثر مما اعتنى بها الاقتصاديون».

كان يقدر برودون أن يحول ويقلب نظام الأشياء دون أن يبدل ويغير دقة نتائجه. فلكي نشرح قيمة التبادل يجب أن يكون عندما تبادل. ولنشرح التبادل يجب أن يكون عندنا تقسيم العمل، ولنشرح تقسيم العمل يجب أن يكون عندنا حاجات تجعل تقسيم العمل ضروريا. ولنشرح هذه الحاجات يجب أن نسبق ونفترضها، إننا لا ننكرها – وهذا التحليل يناقض القاعدة الأولى في مقدمة برودون والتي تقول «لكي نسبق ونفترض وجود الله يعني نكرانه» المقدمة صفحة 1.

فكيف يقدر برودون وهو يقر بتقسيم العمل وكأنه شيء معروف أن يشرح قيمته التبادلية، هذه القيمة التي هي مجهولة دائما بالنسبة له؟

«إن رجل» يبتدئ «و يقترح على الرجال الآخرين أي مساعديه في أمور و أعمال أخرى» بأن يؤسسوا التبادل، أن يميزوا بين القيمة العادية وقيمة التبادل، ولدى قبول هذا التمييز المقترح نرى أن المساعدين الآخرين لم يتركوا لبرودون إلا أن يسجل الواقع وأن يؤكد ملاحظته في بحثه للاقتصاد السياسي «تكون فكرة القيمة». ولكن عليه أن يشرح لنا «تكوين» اقتراحه و يخبرنا أخيرا كيف يقدر الفرد وحده (روبنسون كروزو) أن يقترح فجأة على مساعديه ورفاقه ما مر معنا وكيف قبل هؤلاء المساعدون الفكرة بدون أي احتجاج؟
إن برودون لا يدخل في صلب هذه التفاصيل، ولكن ما يعمله هو أن يضع طابعا تاريخيا على واقع التبادل ليضعه بشكل حركة يقوم بها فريق ثالث لكي يتم تأسيس التبادل.
إن هذا نموذج عن «الطريقة التاريخية والوضعية» عند برودون الذي يعلم و يبشر باحتقار «الطرق التاريخية» عند ريكاردو وآدم سميث.
إن التبادل له تاريخ خاص به ولقد مر بأطوار مختلفة.
لقد مر وقت كالعصور الوسطى مثلا، عندما كان يتم التبادل نتيجة للزيادة التافهة التي كانت تطرأ لجهة الإنتاج على الاستهلاك.
و قد مر وقت أيضا عندما أصبح التبادل – كل المنتوجات وكل الوجود الصناعي – تحت تصرف التجارة أو كان الإنتاج تعتمد على التبادل. فكيف نقدر أن نفسر هده الخطوة الثانية للتبادل – القيمة الموجودة في السوق مرفوعة للقوة الثانية؟
لقد أجاب برودون بسرعة على كل هذا: لنفترض أن رجلا «اقترح على رجال آخرين مساعديه في أعمال متنوعة» أن يرفعوا القيمة الكائنة في السوق إلى القوة الثانية.

و أخيرا أتى وقت نرى فيه كل شيء كان يحسبه المرء غريبا قد أصبح يخضع للتبادل وأصبح واسطة للنقل أو أصبح غريبا عليه. وهذا هو الوقت الذي كانت فيه كل الأشياء تخضع للانتقال من شخص لشخص ولكنها لا تخضع للتبادل وكانت تعطى ولا تباع. وكان يحصل عليها ولكن لا تشترى وهذه الأشياء كانت الفضيلة والمحبة والمعرفة والضمير الخ.. وكان الوقت عندما أصبح كل شيء يخضع للتجارة، أنه وقت الفوضى العامة ووقت التأخير، إنه الوقت عندما أصبح لكل شيء – أخلاقي أو مادي – قيمة تخضع لعوامل السوق. فأصبحت هذه المفاهيم الجميلة تخضع لتأثيرات السوق وتنال قيمتها في السوق.
فكيف نقدر أن نشرح هذه الفكرة الجديدة والأخيرة للتبادل – أي القيمة الخاضعة للسوق ومرفوعة للقوة الثالثة.
يجيب برودون بسرعة على هذا: لنفترض أن شخصا اقترح على أشخاص آخرين، إلى مساعديه في أعمال متنوعة، أن يجعلوا من المحبة والفضيلة الخ... قيمة سوق أي قيمة تخضع لتقلبات السوق وأن يرفعوا قيمة التبادل للقوة الثالثة أي القوة الأخيرة.
نحن نرى أن «طريقة برودون التاريخية والوصفية» تطبق على كل شيء وتجيب على كل شرح وتشرح كل شيء، فإذا كانت طريقه، علاوة على كل شيء، تستعمل لشرح «تكوين الفكرة الاقتصادية» تاريخيا فهي تقول أن الرجل الذي يقترح على رجال آخرين «مساعديه في أعمال متنوعة» أن يكملوا هذا التكوين، و لدى تكميله يحققون هدف العمل.
نحن علينا أن نقبل «تكوين» فكرة قيمة التبادل كعمل تام وكامل، ويبقى علينا الآن أن نعرض العلاقة بين قيمة التبادل وقيمة الانتفاع. و لنستمع لما يقوله برودون:
« لقد بحث الاقتصاديون جيدا المفهوم الازدواجي للقيمة، لكنهم لم يشيروا بدقة إلى طبيعة القيمة المتناقضة، ومن هنا يبتدئ نقدنا.. إن المقارنة بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل شيء بسيط، ولم ير الاقتصاديون بهذه المقابلة إلا عملية بسيطة: لكن نحن نظهر أن هذه البساطة تطوى في ثناياها عجيبة عميقة من واجبنا أن نتعمق ونخترقها... ولكي نضع الكلام بأشكال علمية نقول أن قيمة التبادل وقيمة الانتفاع هما في نسبة معاكسة الواحدة للأخرى ».
فإذا كنا قد تفهمنا فكرة برودون نجد أنه يحاول أن يظهر أربع نقاط :
1– أن قيمة الانتفاع وقيمة التبادل يشكلان «مقارنة عجيبة» إنهما تناقضان بعضهما.
2– أن قيمة الانتفاع وقيمة التبادل تتناقضان بنسبة معاكسة لبعضهما.
3– لم يذكر الاقتصاديون ولم يلاحظوا هذا التناقض بين قيمة الانتفاع و قيمة التبادل.
4– إن نقد برودون يبتدئ في نهايته.

و نحن سنبتدئ في النهاية، ولكي نبرر موقف الاقتصاديين من اتهامات برودون سنستمع لكلام اقتصاديين معروفين جيدا.

سيسموندي Sismondi: إن التناقض بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل هو الذي نقـّص قيمة كل شيء، (كتابه: دراسات). Etudes، Vol 2، P. 162. Brussels Edition

لوردردال Laurderdale: نرى نسبيا أن غنى الأفراد يزداد بزيادة قيمة السلع وتنخفض ثروة المجتمع وعندما تنقص نسبيا مجموعة الثروات الفردية، و لدى تخفيض وتنقيض قيمة السلعة يزداد الغنى «يكثر». كتابه: دراسات عن أصل وطبيعة الثروة العامة. Recherches sur la nature et L'origine de la richesse publique.
Paris 1808 P. 33.

يعترف سيسموندي من جراء بحثه للتناقض بين قيمة التبادل وقيمة الانتفاع أن انخفاض الواردات يتناسب مع زيادة الإنتاج.

لقد أسس لودرال طريقته على التعاكس النسبي بين نوعي القيمة. وكان مبدؤه شعبيا زمن ريكاردو حتى أن ريكاردو نفسه استطاع أن يتكلم عن هذا المبدأ وكأنه شيء معروف. تزيد الثروة في التفريق بين القيمة والثروة و بتنقيص كمية السلع أي الأشياء الضرورية والمناسبة والممتعة لحياة البشر، ريكاردو في كتابه: مبادئ الاقتصاد السياسي. Recardo, Principes de l'économie politique, Paris 1835 Vol 2.

لقد رأينا الآن أن الاقتصاد قبل برودون يتكلمون عن التناقص بين قيمة التبادل وقيمة الانتفاع. ولننظر الآن كيف يشرح برودون هذا التناقض.
إن قيمة التبادل لمنتوج تنخفض عندما يزداد العرض وعندما يبقى الطلب كما كان، أي أنه كلما كان الإنتاج غزيرا بالنسبة للعرض كلما انخفضت قيمته التبادلية أي كلما انخفض سعره. والعكس بالعكس. وكلما قل العرض بالنسبة للطلب كلما ارتفعت قيمة التبادل أو المنتوج المعروض: أي كلما قل عرض المنتوجات بالنسبة للطلب كلما ارتفعت الأسعار. إن قيمة التبادل لإنتاج معين يعتمد على كثرته أو قلته ويكون دوما متعلقا بالنسبة للطلب. خذ منتوجا ليس كثيرا ولا قليلا واجعله فريدا من نوعه، تجد أن هذا المنتوج يكون أغزر وأكثر إذا لم يكن هناك طلب عليه. ومن الناحية الأخرى، خذ منتوجا ينتج بالملايين، فإنك ستعده نادرا وقليلا إذا لم يكن كافيا لإشباع الطلب أي إذا كان الطلب كثيرا عليه.

هذه كلها تعد حقائق ثابتة، ورغم هذا نعيدها حتى نسهل فهم أعاجيب و أسرار ألغاز برودون.

« و هكذا إذا تبعنا المبدأ حتى نتائجه الأخيرة فإننا سنصل إلى النتيجة المنطقية وهي، أن الأشياء التي لا يستغنى عن استعمالها والتي لا تحد كمياتها يمكن الحصول عليها بلا شيء، والأشياء ذات النفع القليل والتي تمتاز بندرتها وقلتها تكون ذات قيمة لا تعد ولا تحصى. ولكي تتغلب على الصعوبات نقول أن هذه الأقوال المتطرفة ليست واقعية: فمن جهة لا نجد إنتاجا بشريا يمكن أن يكون غير محدود الطاقة ومن جهة ثانية نجد أن أقل الأشياء ندرة يجب أن تكون نافعة لدرجة ما وإلا لكانت عديمة النفع. قيمة الانتفاع وقيمة التبادل مرتبطتان ببعضهم ». المجلد الأول صفحة 93

ماذا نفعل بالصعوبات التي تتعلق ببرودون؟ لقد نسي كل ما يتعلق بالطلب و أن الشيء يكون نادرا أو عزيزا إذا كان مطلوبا. وعندما يترك فكرة الطلب يقول أن قيمة التبادل تعني الندرة أو القلة، ونراه يقول أن قيمة الانتفاع تعني الغزارة أو الكثرة. وفي الواقع عندما نقول أن الأشياء «التي منفعتها عدم وقليلة تمتاز بقيمة لا تحصى» نصرح أن قيمة التبادل تكون نادرة. «الندرة والقلة القصوى ينقصها لا شيء» تعني الندرة أو القلة. «القيمة التي لا تعد» هي أعلى من قيمة التبادل، وهي قيمة تبادل. وهو يعادل بين هاتين الحالتين. وهكذا نرى أن قيمة التبادل و الندرة هي شروط واحدة متعادلة، وعندما نصل لهذه النتائج المتطرفة نجد برودون يحمل هذه التعابير إلى أقصاها ولكنه لا يحمل الحقائق إلى أقصاها، وهكذا يبرهن على بلاغته ولكنه لا يبرهن عن منطقه. إنه يكتشف من جديد اقتراحاته الأولى مجردة عن الواقع بينما يفكر أنه قد اكتشف نتائج جديدة. ونحن نشكره لأنه عني بقيمة التبادل ما عناه بالغزارة أو بالكثرة.
بعد أن رأينا قيمة التبادل والندرة متعادلتين في المعنى، وأن قيمة الانتفاع والغزارة متعادلين في المعنى، نجد أن برودون يدهش لأنه لا يجد أن قيمة الانتفاع تعادل الندرة وقيمة التبادل ولا يجد أن قيمة التبادل تعني الغزارة وقيمة الانتفاع، وإذ يرى أن هذه الأضداد يستحيل تطبيقها لذلك لا يجد مفرا إلا الالتجاء للألغاز. إن القيمة التي لا تحد موجودة بالنسبة له، وهذا لأن الشارين غير موجودين ولأنه لا يجد شارين طالما أنه لا يهتم ولا يأخذ الطلب بعين الاعتبار.
و نجد من جهة أخرى أن الغزارة في نظر برودون تبدو كأنها شيء داخلي. فهو ينسى أنه يوجد أناس ينتجونها ومن مصلحتهم ألا يهملوا الطلب، وإلا فكيف يستطيع برودون أن يقول أن الأشياء التي هي نافعة جدا يجب أن يكون لها سعر منخفض جدا أو أنها لا تكلف شيئا؟ فعلى العكس، عليه أن يستنتج أن الغزارة أي أن إنتاج الأشياء النافعة جدا يجب أن ترتبط بأسعارها، و لذلك يجب رفع قيمتها التبادلية.

كان زارعو الكرمة الفرنسيون يطلبون قانونا يمنع غرس الكرمة الجديدة. و كان الهولنديون يطلبون أن يحرقوا التوابل الآسيوية! إن هؤلاء كانوا يحاولون أن يقللوا الغزارة أي الكثرة حتى يرفعوا قيمة التبادل. وكان يعمل بهذا المبدأ طوال القرون الوسطى، هذا المبدأ الذي كان يحدد بواسطة القوانين عدد الشغيلة المياومة، الذين كان المعلم يشغلهم وكان يحدد عدد الآلات التي يمكن استعمالها (راجع اندرسون، تاريخ التجارة).

بعد أن مثلنا الغزارة بقيمة الانتفاع والندورة بقيمة التبادل – ولا شيء أسهل من البرهان على أن الغزارة والقلة هما نسبتان متعاكستان – نجد برودون يعني أن قيمة الانتفاع هي العرض وأن قيمة التبادل هي الطلب. ولكي يظهر وجه التعاكس بصورة أوضح فإنه يستعيض عنها بتعبير جديد، يستعمل «قيمة التقدير» Estimation Value عوضا من قيمة التبادل. لقد انتقلت المعركة الآن من موضعها وأصبح عندنا من جهة المنفعة (قيمة الانتفاع، والعرض) ومن جهة ثانية عندنا التقدير (قيمة التبادل و الطلب).
و من يقدر أن يصالح هاتين القوتين المتناقضتين؟ وماذا نقدر أن نعمل ليتفقا؟ وهل نقدر أن نجد فيهما ولو نقطة للمقابلة؟
«بالتأكيد» يصرخ برودون «توجد طريقة واحدة وهي، (الإرادة الحرة) و السعر الذي نستخلصه من المعركة بين العرض والطلب، بين المنفعة و التقدير ليس إلا تعبيرا للعدالة الأبدية».
و يتابع برودون ليكمل تعاكساته:
«بمقدرتي كتاجر أن أكون قاضيا لحاجاتي، قاضيا لاختار الشيء، قاضيا للسعر الذي أريد أن أدفعه ومن جهة ثانية، بمقدرتك كمنتج حر أن تكون سيد وسائل التنفيذ وكنتيجة تحصل على السلطة التي تساعدك على تخفيف مصاريفك» المجلد 1، صفحة 41.
و بما أن الطلب أو قيمة التبادل تعني التقدير نجد برودون يقول:
« من المبرهن أن حرية الإرادة عند الإنسان هي التي تخلق التناقض بين قيمة التبادل وقيمة الانتفاع. فكيف نقدر أن نقضي على هذا التناقض طالما أن الإرادة الحرة موجودة وكائنة؟ وكيف نضحي بالأخيرة (أي الإرادة الحرة) دون أن نضحي بالإنسانية ». المجلد 1، صفحة 41.
و هكذا لا نجد منفذا. يوجد صراع بين قوتين لا تتعادلان صراع بين المنفعة والتقدير. بين الشاري الحر والمنتج الحر.
و الآن لننظر إلى الأشياء بإمعان أكثر.

إن العرض لا يمثل المنفعة تماما، والطلب لا يمثل التقدير تماما، ألا يعرض الطالب أيضا منتوجا هو النقد وكعارض لا يمثل بالنسبة لبرودون، المنفعة أو قيمة الانتفاع!
ألا يطلب العارض منتوجا، ألا يطلب العلامة التي تمثل كل المنتوجات وهي النقود؟ ألا يصبح عندئذ ممثل التقدير أي قيمة التقدير وقيمة التبادل؟
إن الطلب هو بحد ذاته العرض، والعرض بحد ذاته الطلب، وهكذا فإن تعاكس نظرية برودون – عندما يقارن العرض بالمنفعة والطلب بالتقدير – ليس إلا فكرة مجردة ضارة.
إن ما يدعوه برودون «قيمة الانتفاع» يدعوه الاقتصاديون «قيمة التقدير» و هم على حق بهذه التسمية. ونحن الآن نعود إلى ما يقوله ستورش Storch في كتابه دراسة الاقتصاد السياسي صفحة 48 و49.
تكون الحاجات بالنسبة لستورش أشياء نشعر أننا نحتاجها، وتكون أشياء تنسب لها القيمة أي أنها ذات قيمة. وهناك كثير من الأشياء التي لها قيم لأنها تشبع حاجات يخلقها التقدير. وتقدير حاجاتنا يمكن أن يتبدل، إذن منفعة الأشياء التي تعبر عن النسبة بين الأشياء يمكن أن تتبدل. إن الحاجات الطبيعية تتغير باستمرار والواقع أن الأشياء التي يحتاجها الشعب والتي يعدها مهمة تتغير دوما.
إن النزاع هنا لا يقوم بين المنفعة والتقدير بل يقوم بين القيمة في السوق التي يطلبها العارض وبين القيمة في السوق التي يعرضها الطالب. فقيمة المنتوج التبادلية تكون كل مرة حاصل هذه المتناقضات.
و في تحليلنا الأخير نقول أن الطلب والعرض يخلقان الإنتاج والاستهلاك – الإنتاج والاستهلاك المبنيين على التبادل الفردي.
إن المنتوج المعروض لا يكون نافعا بحد ذاته، فالمستهلك هو الذي يحدد منفعته. وحتى لو كانت منفعة المنتوج قائمة فليس من الضروري أن تتمثله المنفعة ولقد تبدلت هذه المنفعة خلال الإنتاج بتكاليف الإنتاج، فالمواد الأولية وأجور العمال وهذه كلها تؤلف قيم السوق. فالإنتاج إذن يمثل في نظر المنتج مجموع القيم التي ستعرض في السوق. وما يعرضه المنتج لا يكون شيئا نافعا بل يكون فوق كل شيء قيمة تفرض في السوق.
و فيما يتعلق بالطلب، يكون الطلب ذا تأثير في الأحوال التي تتم فيها وسائل التبادل. وتؤلف هذه الوسائل بحد ذاتها المنتوجات نفسها، وقيمة السوق.
و فيما يتعلق بالطلب والعرض، نجد من جهة منتوجا له تكاليف قيمة قيم السوق والحاجات لبيعه ومن جهة ثانية نجد الوسائل التي خلقت تكاليف قيم السوق، والرغبة في الشراء.
إن برودون يضع الشاري الحر أمام المنتج الحر، ويطبق عليهما أوصافا ميتافيزيقية. وهذا ما يجعله يقول: « من الواضح والمعروف أن الإرادة الحرة عند الإنسان هي التي تخلق التناقض بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل » المجلد 1، صفحة 41.
عندما ينتج المنتج في مجتمع قائم على تقسيم العمل وعلى التبادل (و هذا هو افتراض برودون) يجد نفسه مجبرا على البيع. إن برودون يجعل المنتج سيدا لوسائل الإنتاج، لكنه يوافق معنا أن وسائل الإنتاج هي منتوجات يحصل عليها من الخارج، وبالنسبة للإنتاج الحاضر لا يكون المنتج حرا في إنتاج الكمية التي يريدها. إن درجة تطور ونمو القوى الإنتاجية تجبره أن ينتج بالنسبة لمقياس معين.

و المستهلك لا يملك حرية أكثر من المنتج. وحكمه هذا يعتمد على وسائله و حاجاته – ووسائله وحاجاته تعتمد على مركزه الاجتماعي، ومركزه الاجتماعي يعتمد على التنظيم الاجتماعي الكامل. والواقع أن العامل الذي يشتري بطاطا والمرأة التي تشتري خيوطا يتبعان كلاهما حكمهما على الأشياء. لكن الاختلاف في مقدار حكمهما يتوقف على المراكز التي يشغلانها في العالم، وهذه المراكز هي نتاج التنظيم الاجتماعي.
هل أن كل الحاجات قائمة على التقدير أو على التنظيم العام للإنتاج؟ إن الحاجات غالبا تقوم مباشرة نتيجة للإنتاج أو من حالة الأعمال القائمة على الإنتاج. فالتجارة العالمية تقوم تقريبا على الحاجات ولا تقوم على الاستهلاك الفردي بل على الإنتاج. ولنختار مثالا آخر، ألا تكون الحاجة للمحامين نتيجة لوجود القانون المدني الذي يعبر عن تطور الملكية أو تطور الإنتاج.
لم يكن هذا حلا كافيا لبرودون أن يقلل من العوامل المذكورة بالنسبة لعلاقة العرض والطلب. إنه يحمل الفكر المجرد إلى أبعد حدوده عندما يُذيب المنتجين بشكل منتج واحد، وعندما يذيب كل المستهلكين في مستهلك واحد، وعندما يتم صراعا بين هذه الشخصيات الوهمية. ففي العالم الواقعي تحدث الأشياء ولكن بشكل آخر. فالمنافسة بين العارضين والمنافسة بين الطالبين تشكل قسما ضروريا من الصراع بين الشارين والبائعين، وتكون قيمة السوق نتيجة لهذا الصراع.
و بعد أن يكون برودون قد خفف من قيمة المنافسة وتكاليف الإنتاج يقدم لنا قاعدته الفارغة عن العرض والطلب:
يقول «العرض والطلب هما أشكال احتفالية Ceremonial forms تعمل على وضع قيمة الانتفاع وقيمة التبادل وجها لوجه، وتحاول أن تصلح بينهما، إنهما – أي العرض والطلب – قطبا الكهرباء اللذان عندما يتصلان، يجب أن ينتجا المظهر الذي ندعوه التبادل». المجلد 1 صفحة 49 و50.
و يقدر كل شخص أن يقول أن التبادل هو شكل احتفالي يعمل على تعريف و تقديم المستهلك الشيء المعد للاستهلاك. ويستطيع كل فرد أن يقول أيضا أن كل العلاقات الاقتصادية هي أشكال احتفالية تخدم مصلحة الاستهلاك، و ليس العرض والطلب علاقات بين منتوج معطى أكثر مما هما تبادلات بين أفراد.
فماذا يتضمن، ديالكتيك برودون بعد هذا البحث؟ إن هذا ديالكتيك يبحث في المقارنة بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل، والمقارنة بين العرض و الطلب، والمقارنة بين المجرد والأفكار المتناقضة (مثل الندرة و الغزارة أي القلة والكثرة) والمقارنة بين المنفعة والتقدير، و المقارنات بين مستهلك ومنتج وكلاهما فرسا الإرادة الحرة.

إلام كان يهدف برودون؟
كان يظن أنه يعرف ويدخل عاملا هاما في أبحاثه وهو تكاليف الإنتاج و يعني بها نتيجة تناقض Synthesis قيمة الانتفاع وقيمة التبادل. وبنظره إن تكاليف الإنتاج تؤلف وتشكل القيمة الناتجة Synthetic أو القيمة المشكلة Constituted.

تطبيق قانون نسبية القيمة
أ – النقد
« كان الذهب والفضة أول السلع التي نالت قيمة مشكلة »
و هكذا فالذهب والفضة كانا أول التطبيقات « للقيمة المشلكة » هذا ما يقوله برودون، وبما أن برودون يشكل قيمة المنتوجات إذ يحددها بكمية العمل المقارن المتضمن بها، لذلك كان عليه أن يبرهن أن التغييرات في قيمة الذهب والفضة تفسر دوما بتغييرات في وقت العمل المأخوذ لإنتاجها لذلك لا يتكلم برودون عن الذهب والفضة كسلع بل كنقود.
إن منطقه الوحيد – إن كان عنده منطق – يقوم على الخلط بين مقدرة الذهب و الفضة لاستعمالها كنقد لصالح ككل السلع التي تخضع لخصائص التقييم بوقت العمل. في الواقع نجد بساطة أكثر مما نجد خبثا في هذا القول.
إن سلعة نافعة – عندما توضع لها قيمة بالنسبة لوقت العمل الذي يحتاج لإنتاجها – تقبل دائما في التبادل، لكن برودون لا يقول هذا إلا عن الذهب والفضة إذ يتكلم عنهما بشروطه كما يرغب بها بالنسبة للتبادل. فالذهب والفضة هما قيمة وصلت حالة التشكيل: إنهما متضامنان في فكر برودون. إن الذهب والفضة رغم مقدرة كونهما سلعا ورغم أنهما تخضعان للتقييم كأية سلعة أخرى بالنسبة لوقت العمل، فإن لهما مقدرة كونهما الوسطاء العامين للتبادل، وأيضا مقدرة كونهما نقود، والآن يعتبر الذهب والفضة بتطبيق «القيمة المشكلة» بوقت العمل، إذ لا شيء أسهل من البرهان على أن كل السلع التي تشكل قيمتها بوقت العمل تخضع للتبادل، فهي تعد إذن.
إن برودون يتعرض لسؤال بسيط جدا. لماذا يمتاز الذهب والفضة بإعطائهم «القيمة المشكلة»؟
« إن الواجب الذي جعل المواد الثمينة تمتاز بالاستعمال، وتستعمل كوسيط في التجارة، هذه الرسوم التي هي محض اتفاق وأن بمقدرة أية سلعة أخرى – و لو بدرجة أقل – أن تقوم بهذا الواجب، يذكر الاقتصاديون هذا ويقدمون أكثر من مثال واحد، فما هو السبب الذي يجعل العالم يفضل هذه المعادن كنقود؟ وكيف يشرح الاختصاص لخواص النقود – هذا الاختصاص الذي ليس لها مثلها في الاقتصاد السياسي؟ أ من الممكن أن نعيد بناء الحلقات التي مر بها النقد واجتازها، وأن نقتفي أثره لنصل إلى المبدأ الحقيقي؟» المجلد 1، صفحة 68، 69.
و بما أن برودون قد وضع السؤال بهذا الشكل نجد أنه يفترض مسبقا وجود النقد، كان يجب أن يسأل نفسه هذا السؤال وهو لماذا – في التبادلات كما هي موضوعة – من الضروري أن تخضع قيمة التبادل للتبادل الفردي أي بخلق عميل خاص للتبادل. ليس النقد شيئا بل هو عبارة عن علاقة اجتماعية. لماذا تكون علاقة إنتاج مثل أية علاقة تجارية كتقسيم العمل مثلا؟ إذا كان برودون قد أخذ هذه العلاقة بعين الاعتبار كما رأى في النقد استثناء، ولما رأى به عاملا لا يتعلق بمجموعة حوادث أو أنها تحتاج لإعادة بنائها.
كان على برودون أن يتحقق من أن هذه العلاقة هي حلقة كاملة الاتصال مؤلفة من العلاقات الاقتصادية، وأن هذه العلاقة تقابل شكلا معينا من الإنتاج كمثل لا أكثر ولا أقل للتبادل الفردي. فماذا يفعل هو؟ إنه يبدأ بتجريد النقد من الشكل الواقعي للإنتاج كمجموعة ومن ثم يجعل منه العضو الأول بمجموعة خيالية. بمجموعة يجب إعادة بنائها.
و عندما يكون من الضروري إيجاد عميل خاص للتبادل أي للنقد، يتبقى أن نشرح سبب إعطاء ميزة خاصة للذهب والفضة بينما لا نعطيها لأية سلعة أخرى. إن هذا السؤال يبقى ثانويا لأنه يفسر بسلسلة علاقات الإنتاج و بالنوع والكيفية الخاصة الموجودة في الذهب والفضة كمواد. وإذا كان هذا الذي جعل الاقتصاديين يخرجون عن حدود علمهم الخاص وينخرطون في الفيزياء والميكانيك والتاريخ الخ. (كما يوبخهم برودون) فإنهم يعملون ما أجبروا على عمله، لأن السؤال لم يكن بعد محسوبا ضمن حدود الاقتصاد السياسي.
يقول برودون « إن الذي لم يفهمه أي اقتصادي هو المنطق الاقتصادي الذي حدد – لصالح المعادن الثمينة – القيمة التي تتمتع بها هذه المعادن» المجلد 1، صفحة 69.
إن هذا السبب الذي لم يفهمه أحد – فهمه برودون وقدمه للأجيال القادمة.
« إن الشيء الذي لم يلاحظه أحد هو أنه من كل السلع – الذهب والفضة كانا أول سلع تحصل على قيمتها المشكلة. ففي الزمن البطريركي كان الذهب و الفضة لا يزالان يخضعان للمقايضة وكانا يتبادلان بكميات من المعادن و لكن رغم هذا فقد أظهرا ميلا منظورا ليصبحا ذات مقدرة فعالة ونالا درجة مرموقة عن غيرهما فملكها الحكام رويدا رويدا وختموها بأختامهم، و ولد النقد عندما قام الحاكم بهذا العمل، هذا النقد أي السلعة المفضلة التي رغم كل صدمات التجارة يحتفظ بقيمة نسبية محدودة ويجعل ذاته مقبولا في كل المدفوعات. تعود الصفة المميزة للذهب والفضة في الواقع – لنشكر خواصهم المعدنية لصعوبة إنتاجهما، وإلى تدخل سلطة الدولة، ولقد نالا الاستقرار والموافقة لاعتباريهما سلع».
إذا قلنا أن الذهب والفضة كانا من بين السلع الأولين اللذين نالا قيمتها المشكلة فهذا يعني أن الذهب والفضة كانا من أول من حقق حالة النقد. وهذا هو وحي برودون الأكبر، وهذه هي الحقيقة التي لم يكتشفها أحد قبله.
إذا كان يعني برودون أن الذهب والفضة كانا من بين السلع التي عُرفت وقت إنتاجها، فإن هذا يعني غير ما أراد أن يقدمه لقرائه وإذا أردنا أن نمضي في هذه الأخطاء البطريركية علينا أن نخبر برودون أن الحديد كان أول معدن عرف لأنه كان من الأشياء الضرورية للإنتاج. ونحن نوفر عليه قوس آدم سميث الكلاسيكي.
و لكن، بعد كل هذا، كيف يقدر برودون أن يستمر في الكلام عن تشكيل القيمة، بينما لا تتشكل القيمة من ذاتها؟ إنها تتشكل، لا بالوقت الذي يحتاج إنتاجها بذاتها، ولكن بالعلاقة للكوتا لكل منتوج آخر يمكن خلقه في نفس الوقت. وهكذا فتشكيل قيمة الذهب والفضة تفترض مسبقا تشكيلا كاملا لعدد من المنتجات الأخرى.
ليست السلعة إذن هي التي حققت في الذهب والفضة – حالة القيمة المشكلة – إنها القيمة المشكلة عند برودون التي حققت في الذهب والفضة حالة النقد.
و الآن دعنا نفحص بإمعان هذه الأسباب الاقتصادية التي بالنسبة لبرودون – أكسبت الذهب والفضة حسنة إذ رُفعت لحالة النقد بسرعة أكبر من المنتجات الأخرى – لنشكر الذهب والفضة لإنهما مرَّا بطور تشكيل القيمة –.

إن هذه الأسباب الاقتصادية هي: الميل المتطور لتصبح «مفهوما مشكل» هي «تفضيل السوق» حتى في «الزمن البطريركي»، وأحوال أخرى تتعلق بالواقع الحقيقي – الذي يزيد الصعوبة، طالما أنها تزيد الحقائق بزيادة الحوادث التي يحاول برودون إدخالها ليشرح الواقع. لم يستنفذ برودون كل هذه الأسباب الاقتصادية. وهنا نورد أحد عوامل القوة التي تتمتع بها السلطة:
« ولد النقد من رغبة السلطة: يمتلك أصحاب السلطة الذهب والفضة ويضعون ختمهم عليه» المجلد 1، صفحة 69.
و هكذا فإن أهواء أصحاب السلطة هي بالنسبة لبرودون السبب الأول و الأعلى في الاقتصاد السياسي.
الواقع، يجب على الشخص أن يكون قليل المعرفة بالتاريخ لكي يعرف أن السلطة هي التي كانت خاضعة في كل العصور للأحوال الاقتصادية، ولكنهم لم يضعوا قوانين لها. إن التشريع – إن كان سياسيا او مدنيا – لا يكون أكثر من أن يعبر عنه في كلمات – إرادة العلاقات الاقتصادية.

أهو الحاكم الذي امتلك الذهب والفضة ليجعل منهما وسطاء عامين للتبادل بتثبيت ختمه عليها؟ إذا لم يكن هؤلاء الوسطاء العامون للتبادل هم الذين امتلكوا الحاكم وأجبروه أن يضع ختمه عليها ليعطيها قيمة سياسية!

إن التأثير الذي كان ولا يزال يُعطى للنقود لا يعود لقيمته لكن لوزنه، هذا الاستقرار والسيطرة التي يتكلم عنها برودون تنطبق فقط على مقياس النقد، ويشير هذا المقياس إلى مقدار المادة المدنية الموجودة في قطعة النقد. يقول فولتير « إن القيمة الأصلية لقطعة فضة هي قطعة فضة، نصف باوند تزن 8 أونس ». إن الوزن والمقياس وحدهما يشكلان هذه القيمة الأصلية. فالسؤال: كم يستحق أونس من الفضة أو الذهب، ليبقى كما هو. إذا كان نوعٌ من الصوف من مستودعات « كولبير البطة » وسيط ماركة تجارية – صوف نقي – إن هذه الماركة لا تُخبرك عن قيمة هذا النوع من الصوف. ويجب فقط أم نعتبر السؤال: كم يُساوي الصوف؟ « إن فيليب الأول ملك فرنسا » يقول برودون « يصدر شارلمان الذهبية ثلثاً بثلثين، مُتخيِّلاً أنه يحتكر صناعة النقد، وهطذا يقدر كل تاجر أن يعمل إذا احتكر منتوجاً ما. و ماذا كان سبب تخفيض قيمة الصرف التي يقوم لأجلها فيليب الأول ومن تبعه؟ كان عمله المنطق الصادر عن وجهة نظر الواقع التجاري، لكن كل علم اقتصادي غير منطقي يفترض أن – كما أن العرض والطلب ينظِّمان القيمة إمَّا بإنتاج قلةٍ مُصطنعةٍ أو باحتكار الأشياء المصنوعة – يزاد تقدير قيمة الأشياء، وهذا شيءٌ ينطبق على الذهب والفضة كما ينطبق على القمح و الخمر والزيت والتبغ. لكن خِداع فيليب لم يشك به حالاً إلا عندما انخفضت القيمة الواقعية لنقده، وخسر هو نفسه ما طن أنه سيربحه من أتباعه. وقد حدث نفس الشيء نتيجة لكل محاولة مُشابهة » المجلد 1، صفحة 70 – 71.

لقد برهن عدة مرات أنه إذا أراد أمير أن يخفض من قيمة الصرف فإنه سيخسر. فما يربحه لدى أول إصدار يخسره كل مرة تعود إليه القطع النقدية الزائفة بشكل ضرائب الخ. لكن فيليب وأتباعه كانوا قادرين أن يحموا أنفسهم من هذه الخسارة لأنهم عندما وضعوا القطع النقدية للتداول، فإنهم كانوا يأمرون بجمع المال كما كانوا يفعلون سابقا.
و علاوة على ذلك لو أستطاع فيليب الأول أن يكون منطقيا مثل برودون لما كان منطقيا ممتازا «من الوجهة التجارية» لم يبرهن لا برودون ولا فيليب الأول عن أية عبقرية تجارية عندما تصوروا إمكانية تغيير قيمة الذهب كإمكانية تغيير أية سلعة أخرى: وهذا فقط لأن سعرها محدد بالعلاقة بين العرض والطلب.
لو أمر الملك فيليب أن يصبح مكيال من الحنطة في المستقبل مكيالين من الحنطة. لكان في عمله هذا مخادعا، ولخدع كل الذين يحصلون على دخل، و لخدع الناس الذين كانوا يحصلون على مائة مكيال من الحنطة. ولكان سبب تخفيض مائة مكيال ينالها البعض إلى خمسين مكيال فقط. ولنفترض أن الملك كان مديونا بمائة مكيال حنطة فكان عليه أن يدفع خمسين فقط. لكن في التجارة نرى أن المائة لا تساوي أكثر من الخمسين، ففي تغييرنا للاسم لا نغير شيء. إن كمية الحنطة، معروضة أو مطلوبة، لا تزداد أو تنقص بتغيير الاسم فقط. وهكذا فالعلاقة بين العرض والطلب يبقى نفس الشيء رغم هذا تغيير في الاسم وسعر الحنطة لا يتأثر بأي تغيير حقيقي. عندما نتكلم عن عرض وطلب الأشياء لا نتكلم عن عرض وطلب أسماء الأشياء.
لم يكن فيليب الأول صانع ذهب أو فضة كما يقول برودون، لقد كان صانع أسماء القطع النقدية. اجعل نوع الصوف الفرنسي نوعاً من الصوف الآسيوي فتستطيع أن تخدع شارياً أو شاريين، ولكن عندما تُكتشف الخدعة، فإن ما تدعوه صوفاً آسيوياً يهبط سعره إلى سعر الصوف الفرنسي. عندما وضع الملك فيليب قاعدة عامة للذهب والفضة استطاع أن يخدم غيره طالما أن الخدعة لم تكن معروفة. وكأي صاحب خدع فإنه خدع زبائنه عندما وصف لهم مستودعاته وصفاً كاذباً، لكن هذا الكذب لم يدم طويلاً. لقد أُجبر أخيراً أن يقاسي مرارة القوانين التجارية. وهل هذا هو ما أراد برودون أن يبرهنه؟ كلا، بالنسبة له. يحصل النقد على قيمته من السلطة وليس من التجارة ولكن ماذا يبرهن حقاً أن التجارة لها سلطة أكثر من السلطة. دع قرارات السلطة تجد أن ماركاً واحداً سيكون في المستقبل ماركين، وتستمر التجارة تقول إن هذين الماركين لا يساويان أكثر من ماركٍ سابقاً.
و لكن علاوةً على كل هذا نجد أن مسألة القيمة المحددة بكمية العمل لم تتقدم خطوة واحدة ولا نزال في حيرةٍ لنُقرر إن كانت قيمة الماركين (اللذين أصبحا بقيمة مارك واحد) تُحدد بتكاليف الإنتاج أو بقانون العرض و الطلب.
يُتابع برودون « يجب أن نثبت في عقولنا – عوضاً أن نُنقص من قيمة الصرف أنه كان بمقدور الملك أن يُضاعف حجمه – أن تبادل قيمة الذهب والفضة كان سيسقط إلى النصف وهذا يعود دوماً لأسباب النسبة والتساوي ». المجلد 1، الصفحة 71.

لو كانت هذه الفكرة شرعية (و هو يُشارك غيره من الاقتصاديين) – فستناقش فقط فكرة العرض والطلب وتحبذ فكرة النسبة عند برودون. فمهما تكن كمية العمل المضمنة في حجم مضاعف للذهب والفضة، فإن قيمتها ستسقط للنصف، لأن الطلب يبقى نفس الشيء بينما العرض قد تضاعف. أيمكن أن نخلط قانون النسبة بقانون العرض والطلب؟ إن قانون النسبة هذا الذي يتكلم عنه برودون يظهر أنه مطاط جدا وقادر على التغييرات وقابل للاتحاد و الذوبان بقوانين غير، حتى أنه يطابق ولو مرة واحدة، قانون الطلب.

لكي نجعل «كل سلعة قابلة للتبادل، إذا تم هذا التبادل فأنه يتم بحق». لنطبق هذا الحق على قاعدة الدور الذي يلعبه الذهب والفضة، يعني عدم فهم هذا الدور. يقبل الذهب والفضة بحق لأنهما يقبلان واقعيا، ويقبلان واقعيا لأن التنظيم الحاضر للإنتاج يحتاج لوسيط عام يقوم بدور التبادل. فالحق هو التعريف الرسمي للواقع.

لقد رأينا أن مثال النقد كتطبيق للقيمة – هذه القيمة التي حققت دور التشكيل – إن برودون قد أختار هذا المثال ليتهرب من مبدئه الكلي في التبادل، يعني لكي يبرهن أن كل سلعة تعطي قيمتها على أساس تكليف إنتاجها يجب أن تصل لحالة النقد. كل هذا يمكن أن يكون جميلا لولا الاعتراف بالواقع أن الذهب والفضة – كنقود – هي الوحيدة بين السلع التي لا تتحدد بتكاليف إنتاجها ودليل على هذا هو أنه يمكن أن نستعيض عنها بالنقد الورقي أثناء التداول. وطالما أنه توجد نسبة معينة و ملحوظة بين متطلبات التداول بين كمية النقود المطروحة، ولو كانت ورقا أو ذهبا أو بلاتين أو نقود ا نحاسية، فلا يمكن أن نلاحظ وجود نسبة بين القيمة الداخلية المخلوقة «تكاليف الإنتاج» وبين قيمة النقود المسماة. بلا شك، في التجارة العالمية، يحدد النقد كأية سلعة أخرى أي بوقت العمل. ولكن في الواقع إن الذهب والفضة في التجارة الدولية هي وسائل المنتوجات وليست كنقود. وهذا يعني أن النقود تفقد « صفتها العامة والمستقرة » وتفقد « موافقة السلطة » التي – بالنسبة لبرودون – تُشكِّل مميزاتها الخاصة. لقد فهم ريكاردو هذه الحقيقة جيداً حتى بعد أن أسس طريقته على القيمة المحدودة بوقت العمل، وبعد أن قال: « إن الذهب والفضة ككل السلع الأخرى، لها قيمة فقط بالنسبة لكمية العمل الضروري لإنتاجها والتي تأتي بها للسوق » فإنه يُضيف أن قيمة النقد لا تُحدد بوقت العمل المتضمن بمادته بل بقانون العرض والطلب فقط.
« ورغم أن النقد الورقي ليس له قيمة داخلية، ولكن لدى تحديد كميته، نرى أن قيمته في التبادل عظيمة كمقدار قطعة النقود (أي أن الورق يحل محل قطعة النقد المعدنية). وبنفس المبدأ لدى تحديد كميته, فإن قطعة نقد مُخفَّضٌ وزنها تُتداول بالنسبة للقيمة التي تحملها، ولو لم تكن في وزنها الشرعي وقيمتها الأصلية لتم تبادلها كما كان سابقاً. نجد في تاريخ النقد الإنكليزي أن قيمة الصرف لم تنخفض بنفس النسبة التي تخفض به قطعة النقد وسبب هذا هو أن النقد لم يزدد أبداً كمياً بالنسبة لقيمته المنخفضة » ريكاردو.

و الآن نُورد ما يلاحطه ساي بالنسبة لقول ريكاردو:
يكفي هذا المثال، كما أظن لِيَقنع المؤلف أن أساس كل قيمة ليست كمية العمل الذي يحتاج له لعمل السلعة، لكن الحاجة لتلك السلعة إذا قوبلت بِقلَّتها وندرتها.

و هكذا فالنقد – الذي ليس هو بالنسبة لريكاردو قيمة يُحدِّدُها وقت العمل، والذي يتَّخذه ساي كمثالٍ ليُقنِع ريكاردو أن القِيم الأخرى لا يمكن تحديدها أيضاً بوقت العمل، هذا النقد، الذي يتَّخذه ساي كمثال لقيمة تحدد بالعرض والطلب، يصبح بالنسبة لبرودون المثال الممتاز لتطبيق القيمة المشكلة بوقت العمل.
و لكي نستنتج – إذا لم يكن النقد قيمة «مشكلة» بوقت العمل – إذن له علاقة بفكرة النسبة عند برودون. إن الذهب والفضة يخضعان للتبادل دوما لأن لهما ميزات خصوصية للخدمة كوسيط عام التبادل وليس لأنها موجودة بكمية نسبية لحاصل مجموع الثروة، ولنضع الاستنتاج بقالب أحسن: إنهما – الذهب والفضة – نسبيتان لأنهما – وهما وحدهما نسبيتان بين كل السلع – تخدمان كنقد، وكوسيط عام التبادل مهما كانت كميتهما بالنسبة لحاصل مجموع الثروة. «لا يمكن أن يكون التبادل غزيرا حتى يطوف، لأنه لدى تنقيص قيمته – وبنفس النسبة أنت تزيد كميته – ولدى زيادة قيمته، فإنك تقدر أن تنقص كميته» ريكاردو.
«ما هو هذا التعقيد في الاقتصاد السياسي» يصرخ برودون.
«ملعون هو الذهب» يصرخ شيوعي بفم برودون. إنك تقدر أن تقول: ملعون هو القمح، ملعونة هي الكرمة، ملعونة هي الخراف!.. لأنها مثل الذهب و الفضة، فنرى أن كل قيمة تجارية يجب أن تنال تحديداتها الصحيحة». المجلد 1، صفحة73.
إن فكرة جعل الخراف والكرمة تصل لحالة النقد ليست جديدة ففي فرنسا، في عصر لويس الرابع عشر، ففي ذلك الزمن، عندما ابتدأ النقد في فرض سيطرته، أخذ الناس يتذمرون من انخفاض كل السلع الأخرى، وكان يرجى أن يكون ذلك الوقت الذي يمكن تنال فيه « كل قيمة تجارية» تحديدا صحيحا وأن تنال حالة النقد أي أن تحقق كونها نقدا. وحتى في كتاب بواغيبر Boisguillebert وهو أحد الاقتصاديين الفرنسيين القدماء، نجد هذا القول« النقد إذن – لدى وجود مُنافسين عديدين بشكل سلع، وهذه السلع وهي حاصلة على قيمتها الحقيقية – سيعود مرة أخرى لحدوده الطبيعية ». كتابه «الاقتصاديون و رجال المال في القرن الثاني عشر ».

Economists, Financiers de Dix – Huitième Siècle

كلُّ واحدٍ يرى أن أول أوهام البورجوازية هو آخر أوهامها.
تطبيق قانون نسبية القيمة
ب – العمل الفائض
« في بعض كتب الاقتصاد السياسي نقرأ هذه الفرضية: لو تضاعف سعر كل الأشياء ... كان سعر كل شيء لن يكون النسبة بين الأشياء – إذ أن كل واحد يقدر أن يُضاعف العلاقة والنسبة أو القانون » المجلد 1، صفحة 81.
لقد سقط الاقتصاديون في هذه الفرضية البالية لأنهم لك يعرفوا كيفية تطبيق «قانون النسبة» وقانون «القيمة المُشكَّلة».
و لسوء الحظ نقرأ في نفس كتاب برودون «المجلد 1، صفحة 110» «لو ارتفعت الأجور ارتفاعاً عاماً، فإن سعر كل شيء سيرتفع». وعلاوة على هذا. لو وجدنا هذا السؤال في كتب الاقتصاد السياسي لوجدنا شرحاً له: «عندما يتكلم شخصٌ عن سعر كل السلع عندما ترتفع أو تهبط, فإنه يُجرد عنها سلعةً ما. وهذه السلعة التي لا تخضع لهذ الفرضية هي النقد و العمل».
John Stuart Mill: Essays on Some UnsettledQuestions of Political Economy.
لِنأت الآن إلى التطبيق الثاني «للقيمة المُشكَّلة» ولنأت إلى نسبٍ أخرى – هذه النسب ينقصها نسب حقة – ولننظر إن كان برودون أكثر سعادةً هنا من المكان الذي يُحاول فيه أن يجعل الخراف والكرمة نقوداً.
« قبِل الاقتصاديون فرضيَّة ما وهي أن كلَّ عملٍ يجب أن يترك فائضاً. ففي نظري هذه الفرضية حقيقة مطلقة وعامة .. إنها تابع لقانون النسبة التي يمكن أن نعتبرها كخلاصة لعلم الاقتصاد كله. ولكن إذا سمح لي الاقتصاديون أن أقول أن المبدأ القائل أن كل عملٍ يجب أن يترك فائضاً، فإن هذا المبدأ لا معنى له ولا يخضع لأي برهان أو دليل » المجلد 1، صفحة 73.
و لكي يُبرهن أن كلَّ عملٍ يترك فائضاً نرى برودون يُعطي شخصيَّةً للمجتمع. إنه يلتفت إلى شخص – المجتمع – أنه ليس مجتمعاً من الأشخاص و ليس له مفهوم عام مع الأشخاص الذين يؤلفونه: وذكاؤه (أي ذكاء المجتمع) ليس هو ذكاء الناس الذين به لكنه مجتمعٌ خالٍ من كلِّ شعورٍ بالذوق و الحساسية. إن برودون يوبِّخ الاقتصاديين لأنه لم يفهم تضامن المخلوقات. و نحن نفرح أن نجابهه بهذا القول الذي اقتبسناه عن اقتصاديٍ أمريكيٍ؛ إذ يتهم الاقتصاديين بعكس ما اتهمهم برودون: « إن الوحدة الأخلاقية – الكائن النحوي الذي تدعوه الأمة، وُصف دوماً كشيءٍ موجودٍ حقاً، لكنه ليس موجوداً إلا بمخيلة هؤلاء الذين يخلقون شيئاً من كلمة .. لقد سبب هذا متاعب كثيرة وسبب كثيراً من الاضطراب وعدم الفهم في الاقتصاد السياسي.

Cooper, « Lectures on The Elements of Political Economy ».

يُتابع برودون ويقول: « إن هذا المبدأ المُتعلِّق بفائض العمل هو حقيقةٌ بالنسبة للأفراد لأنه يصدر عن المجتمع الذي يُطبِّق عليهم منفعةَ قوانينه » المجلد 1، صفحة 75.

هل يعني برودون أن إنتاج الفرد الإجتماعي يفوق إنتاج الفرد وحده؟ هل يُشير برودون إلى أن إنتاج الأفراد المجتمعين يزيد على إنتاج الأفراد غير المجتمعين؟ وإذا كان هذا، فنحن نقدِر أن نُقدِّم له مئات الاقتصاديين الذين تكلموا في هذا الحقل البسيط بدون أي تصوفٍ يُحيط به برودون نفسه. وهذا ما يقوله سادلر:

« إن العمل المُتحد يُعطي نتائج أحسن بكثير من العمل الذي يقوم به الفرد. وبما أن البشر يزداد عددهم فإن إنتاج عملهم المتحد سيزيد بكثير كمية أية إضافة حسابية على أي عملٍ فردي .. ففي الفنون الميكانيكية كما في الأبحاث العلمية، يمكن للرجل أن يُنتج أكثر في اليوم وهو يعمل مع غيره .. أكثر مما لو كان يعمل منفرداً طول حياته .. والهندسة تقول: إن الكل يُساوي مجموع الأجزاء، فإذا طبَّقنا هذا القول على هذا الموضوع فإن هذه الفرضية تكون خطأً ولدى اعتبارنا للعمل – وهو العمود الفقري العظيم للوجود الإنساني يمكن أن يُقالأن الإنتاج الكلي للعمل المتحد يزيد إلى ما لا نهاية كل الجهود التي يقوم بها الفرد » ..
T. Sadler « The Law of Papulation »

و لنعود الآن لبرودون، إن العمل الفائض – يقول برودون – يشرحه الشخص – المجتمع – إن حياة هذا الشخص (المجتمع) تقودها القوانين التي تحكم نشاطات الإنسان كفرد. وبرودون يرغب أن يُبرهن هذا بالوقائع.

إن اكتشاف عملية اقتصادية لا يُقدِّم للمخترع ربحاً مُساوياً للمنفعة التي يُقدِّمها للمجتمع .. ولقد شُوهد أن مشاريع السكك الحديدية هي مصدر ثروةٍ أقل للمتعهدين .. إن معدَّل تكاليف نقل السلع على الطرق هو 18 سنتيم للطن في الكيلومتر؛ وهذا السعر ينطبق على البضائع من مكان تحميلها لمكان تسليمها. ولقد حسب أنه بناءً على هذه النسبة إن مشروع سكةٍ حديديةٍ لا يربح 10 سنتيم بالنسبة للنقل على الطرقات. ولكن لنفترض أن سرعة النقل بواسطة سكة الحديد بالمقابلة مع سرعة النقل على الطرقات هي 4 – 1. وبما أن الوقت في المجتمع هو القيمة نفسها، فإن سكك الحديد – الأسعار كونها مُتساوية – تُمثِّل تقدُّماً بـ 400 % على النقل عل الطرقات، ومع ذلك فإن هذه الحسنة الكبيرة – وهي حسنةٌ للمجتمع لا تتحقق بنفس النسبة للناقل، هذا الناقل الذي يُقدِّم للمجتمع قيمةً إضافيَّةً مؤلَّفةً من 400 % لا يقدر من جهة أن يسحب 10 بالمائة. و لكي نوضح الموضوع أكثر نقول: دعنا نفترض، كواقع، أن سكة الحديد تضع معدَّلاً قدره 25 غرشاً بينما يبقى النقل على الطرقات 18 قرشاً، ففي هذه الحالة تخسر الخطوط الحديدية كل زبائنها. فمرسلو البضائع و مستلموها، وكل واحد يعود إلى النقل بالعربات القديمة إذا رأى ذلك ضرورياً. وحينئذٍ تُهجر عربات القطار. إن التقدم أو ميزة 400 % ستُضحي لخسارةٍ خاصةٍ مقدارها 35 بالمائة. وسبب هذا نعرفه بسهولة: إن التقدم الحاصل من سرعة القطار هو تقدمٌ اجتماعي وكل فردٍ يُشارك بهذا التقدم بنسبة دقيقة بينما تقع الخسارة على المستهلك مباشرةً وشخصياً. إن ربحاً اجتماعياً قدره 400 % لا يُمثِّل بالنسبة للفرد – إذا كان المجتمع مليون فرد – 4 من عشرة آلاف، بينما نجد أن خسارة 33 % للمستهلك تفترض تراجعاً اجتماعياً مؤلفاً من 33 مليوناً ». المجلد 1، صفحة 75 و 76.
و الآن لننظر لماذا عبَّر برودون عن سرعة أربع مرات (400) أكثر من السرعة الأصلية. لكنه يُريد أن يخلق علاقةً بين نسبة السرعة المئوية و نسبة الربح المئوية ويقيم عندئذٍ نسبةً بين هاتين العلاقتين اللتين – رغم أن كلَّ واحدةٍ تُقاس على حِدة بالنسة المئوية – لا يُمكن قياسها مع بعضها! وهكذا يعمل على أن يظهر نسبة بين النسب المئوية بدون الإشارة إلى مخرجٍ لهما.
إن النسب المئوية تبقى دوماً نسباً مئوية، 10 بالمائة و400 % يمكن قياسهما، إنهما لبعضهما بنسبة 10 إلى 400، وهكذا يستنتج برودون أن ربح 10 % يُعادل 40 مرة أقل من سرعة أربع مرات أكثر. ولكي يخدع غيره بالمظاهر يقول إن الوقت بالنسبة للمجتمع، هو نقود. يعود هذا الخطأ لأنه لم يفهم جيداً وجود صلة بين القيمة ووقت العمل، فهو يسرع أن يُقارن و يُشبِّه وقت العمل بوقت النقل، يعني أنه يعين السواقين وغيرهم الذين وقتهم يُمثِّل وقت نقل، إنه يمثل عمل هؤلاء بالمجتمع كلِّه. وبضربةٍ قاضيةٍ واحدةٍ، تُصبح السرعة رأسمالاً، وفي هذه الحالة يعتقد حقاً إذ يقول: « إن ربح 400 % ستضحي لخسارة 34 % ». وبعد أن يُؤسس هذه الفرضية الغريبة كرياضياتي يعتقد أنه عليه أن يشرحها لنا كاقتصادي.

« إن ربحاً اجتماعياً يُعادل 400 % يُمثِّل بالنسبة للفرد – في مجتمعٍ مؤلفٍ من مليون شخص – أربعةً من عشرة آلاف ». اتفقنا: لكنن هنا لا نبحث في 400 % لا أكثر ولا أقل. ومهما يكن رأس المال فإن الأشخاص الذين ستُقسم بينهم النسبة سينالون دوماً 400 % وماذا يعمل برودون؟ إنه يتكلم عن النسبة المئوية كأنها رأسمال، ونراه خائفاً من اضطرابه لأنه لم يشرح قوله، ويُتابع:

« وإن خسارة 33 % بالنسبة للمستهلك تفترض تأخراً اجتماعياً من 33 مليوناً ». إن خسارة 33 %بالنسبة للمستهلك تبقى خسارة 33 % لمليون مستهلك، وكيف يقدر برودون أن يقول إن التأخر الاجتماعي في حالة خسارة 33 % تُعادل 33 مليوناً عندما لا يعلم هو الرأسمال الاجتماعي و الرأسمال العائد لكل فرد من الأفراد الذين تتعلق بهم المسألة؟ وهكذا لم يكن كافياً لبرودون أب يخلط بين رأسمال ونسبةٍ مئويةٍ، إنه يفوق نفسه عندما يعرف أن رأس المال قد غرق في مشروع مع عدد الفرقاء المهتمين.
« ولكي يوضح المسألة أكثر دعنا نفترض أن الواقع » رأسمالاً مُعطى. إن ربحاً اجتماعياً من 400 % يُقسم على مليون مشترك أو مُساهم – وكل واحد من المُساهمين يهتم بربحِ وفرنكٍ واحدٍ – يُعطي نتيجة 4 فرنكات لكل شخص وليس 0.0004 كما يقول برودون وهطذا فخسارة 34 % لكل من المشتركين تُمثِّل تأخراً اجتماعياً من 330000 ألفاً وليس 33 مليوناً (330:100 = 300000:1000000).
إن برودون، بما أنه كان مشغولاً بنظريته في الشخص (المجتمع) ينسى أن يُقسِّم على 100 لكي يحصل على خسارة 330000 فرنكاً، لكن ربح فرنكات لكل فرد يؤدي لربح 4 ملايين فرنكاً ربحاً للمجتمع، ويبقى للمجتمع ربحٌ صافٍ من 3670000 فرنكاً. وهذا الحساب الدقيق يُبرهن بدقة التناقض فيما أراد برودون قوله: وهو أن أرباح وخسائر المجتمع ليست في نسبةٍ معكوسةٍ لأرباح وخسار الأفراد.
و بما أننا قد قدمنا هذه الأخطاء البسيطة العائدة لحساباتٍ دقيقةٍ، لنلق الآن نظرةً على النتائج التي نصلها إذا نحن قبِلنا هذه العلاقة بين السرعة ورأس المال في حالة الخطوط الحديدية – كما يُقدِّمها برودون – دعنا نفترض أن نقل أربعَ مراتٍ أسرع يُلكِّف أربع مراتٍ أكثر! إن هذه النقل لا يُعطي ربحاً أقل مما يُعطيه النقل بالعربة التي هي أبطأ أربع مرات أقل وتُكلِّف ربع الكمية. فإذا كانت العربة تتقاضى 18 غرشاً فإن خط الحديد يتقاضى 72 غرشاً. وهذا يكون بالنسبة للحسابات نتيجةً للفرضيَّة التي عرضها برودون – ودائماً تنقص أخطاؤه – وهنا فجأةً نراه يقول لنا أنه عوضاً عن 72 غرشاً، فإن الخطوط الحديدية تتقاضى 25 غرشاً لأنها تخسر كلَّ زبائنها. وبالنتيجة علينا أن نعود إلى العربة القديمة. فإذا كان علينا أن ننصج برودون يجب أن لا ننسى في برنامجه للمجتمع المُتزايد أن تقسِّم على 100، لكن مع الأسف نرى أنَّه لا يأخذ بنصيحتنا لأن برودون مبتهجٌ بحساباته التقدميَّة التي تُقابل و تُشبه المجتمع التقدَّمي، حتى أنَّه يصرخ مؤكِّداً: «لقد أظهرتُ في الفصل الثاني عندما حللت مفهوم تناقض القيمة، أن الحسنة التي يُقدِّمها كل امتشاف جديد هي قليلة بالنسبة لمخترع مهما عمل هذا المخترع للمجتمع. و لذلك قمت بالبرهان الثابت حتى توصَّلت لهذا النقطة واعتمدت على نشاطي الحسابي».

و لنرجع إلى خُرافة الشخص (المجتمع)، هذه الخُرافة التي ينحصر هدفها بالبرهان على هذه الحقيقة البسيطة – وهي أنَّ اختراعاً جديداً يُساعد أن يُقدِّم كميةً من العمل ليُنتج عدداً أكبر من السلع، إن هذه الاختراع يُخفِّض قيمة الإنتاج، فالمجتمع إذاً ينال ربحاً، ليس في حصوله على قيم تبادل أكثر، بل في الحصول على سلعٍ أكثر بنفس القيمة.

و بما يتعلَّق بالمخترع، فإن المُنافسة تجعل ربحه يسقط إلى المستوى العادي للأرباح. هل برهن برودون هذه الفرضيَّة كما أراد هو؟ كلا. إن هذا لم يمنعه أن يوبِّخ الاقتصاديين عندما فشل برهانه. وإذا برهنا له على العكس أنَّهم برهنوها فإننا نُقدِّم له – ريكاردو ولوردال – ريكاردو زعيم المدرسة التي تُحدِّد القيمة بوقت العمل، ولوردال أحد المُدافعين الكِبار عن تحديد القيمة بالعرض والطلب. وكلاهما عرضا الفرضيَّة نفسها.

«عندما نُسهِّل الإنتاج فإننا ننقص قيمة بعض السلع قبل الإنتاج، رغم أنه بنفس العوامل لا نزيد فقط الثروات الوطنية بل نزيد قوة الإنتاج في المستقبل – ... إنَّك بمساعدة الآلة وبمعرفتك للفلسفة الطبيعية، فإنَّك تُجبر العُملاء الطبيعيين أن يعملوا العمل الذي قام به الإنسان قبلاً، وقيمة التبادل لمثل هذا العمل تسقط وتنقص. فإذا كا عشرة رجال يديرون طاحونة قمح،و بعد الاكتشاف وُجد أنَّه بمساعدة الهواء أو بمساعدة الماء نقدر أن نوفِّر هؤلاء الرجال العشرة، فالدقيق الذي هو نتيجة قسم من العمل الذي قدمته الطاحونة سيهبط سعره بالنسبة لكمية العمل المُوفَّر، ويكون المجتمع أغنى بالسلع التي هي نِتاج عمل عشرة رجال» (ريكاردو) المجلد 2، صفحة 59.

و جاء دور لوردال ليقول:
«و في كل وقت يُوظَّف به رأس المال ليُنتج ربحاً فإنه يرتفع إما – لأنه يؤلِّف قسماً من العمل الذي كانت يد الإنسان تقوم به – أو لأنه يؤلِّف قمساً من العمل الذي هو أبعد من أن يقوم به جُهد الإنسان. فالربح الصغير الذي يناله عادةً أصحاب الآلات عندما تقيسها بأجور العمل التي تُساعد الآة على خلقه، يمكن أن يخلق شيئاً بالنسبة لصحة هذه النظرة. إن بعض الآلات التي على النار تستهلك ماءً من الآلة التي تعمل على الفحم الحجري أكثر من الماء الذي يمكن حمله على أكتاف الرجال، فإذا جهزنا هذه الآلة بمرجل ماءٍ كبيرٍ فإنها تُنجز عملها بمصروفٍ أقل بكثير من كمية الأجور التي تُقدَّم لهؤلاء الذين كانوا يعملون لو كانوا يقومون بتجهيز و نقل الماء. وهذه الحقيقة تنطبق على كل أنواع الآلات. يجب أن تُنفِّذ كلُّ الآلات العمل الذي كان يُقام قبلاً، يجب أن تُنفِّذ هذا العمل بنسبةٍ أرخص مما لو كانت يد الإنسان تُقدِّمه ... فإذا كان هذا هو الامتياز الذي يُقدَّم لدى اختراع آلة – هذه الآلة التي بواسطة عمل شخصٍ واحدٍ، تُنجز كميةً من العمل كان يحتاج لأربع رجالٍ يقومون به، و بما أن ملكية هذا الامتياز يمنع المنافسة أن تعمل العمل – إلا ما كان يَنتج من عمل العمال وعن أجورهم طالما أن هذه الآلة تُخفِّض الأجور. و لكن عندما يوجد هذا الامتياز فإن آلاتٍ أخرى من نفس النوع تقوم و تُنافس،و حينئذٍ نرى أن كلَّ الآلات تعمل على نفس المبدأ لكثرة الآلات ... لربح الناتج عن الرأسمال المستثمر .. رغم أنه يأتي عمل مساعد، و لكن هذا الربح لا يأتي فقط عن العمل المساعد الذي تُقدِّمه الآلة بل عن المنافسة بين أصحاب رأس المال، يكون هذا الربح كثيراً بالنسبة لكمية رأس المال الذي يُمثل في إنجاز العمل وإنجاز الطلب». (لودرال، صفحة 119، 123، 124، 125، 134).
و أخيراً طالما أن الربح هنا أكثر من الربح في الصناعات الأخرى، فإن رأس المال يوظَّف في الصناعة الجديدة حتى تهبط نسبة الربح للمستوى العام.
لقد رأينا أن مَثله للخطوط الحديدية لم يُساعده على إلقاء نورٍ على خُرافته – الشخص (المجتمع) – ومع ذلك فبرودونيختصر خطابه:« وبما أنني أوضحت هذه النقط، لا شيء أسهل من أن أشرح كيف أن العمل يترك فائضاً لكل منتج». (المجلد 1، صفحة 77).
إن كلَّ ما سنراه يعود للآثار الكلاسيكية. إنها قصةٌ شعرية وُضعت لنفس القارئ بعد أن ألمَّ به تعب الحلول الحسابية التي مرت معنا. إن برودون يُطلق على الشخص (المجتمع) اسم بروميثوس ويُمجِّد برودون أعمال بروميثوس عندما يقول:
«قبل كل شيء، استيقظ بروميثوس من صدر الطبيعة وأتى إلى الحياة بقوَّةٍ جبَّارةٍ مُفرحةٍ إلخ... يبتدئ بروميثوس بعمل وفي اليوم الأول أي ثاني يوم بعد ولادته الثانية – يكون إنتاج بروميثوس الثروة أي ليكون في حالةٍ حسنةٍ،و ثروته هذه تُعادل عشرة. وفي اليوم الثاني يَقسِم بروميثوس عمله فيصبح إنتاجه مساوياً لمئة. وفي اليوم الثالث وفي كل يوم يتبع يخترع بروميثوس الآلات ويكتشف منافع كثيرة في الأجسام و يكتشف قوى جديدة في الطبيعة –. وفي كل خطوةٍ يخطوها نشاطه الصناعي تنتج زيادةٌ في عدد منتوجاته، هذه الزيادة تُسبب له سعادةً كُبرى. و بعد كلِّ هذا تُصبح كلمة ”أن يستهلك“ تعني ”أن يُنتج“ ومن الواضح أن استهلاك كلِّ يومٍ – مستعملاً إنتاج اليوم السابق – يترك فائضاً في الإنتاج لليوم الثاني» (المجلد 1، صفحة 77 – 78).

إن بروميثوس الذي يتكلَّم عنه برودون لَهو شخصيةٌ غريبةٌ، يُعبِّر عن ضعفه في المنطق كضعفه في الإقتصاد السياسي. وطالما أن بروميثوس يُعلِّمنا تقسيم العمل واستعمال الآلة، والانتفاع من القوى الطبيعية و القوى العلمية، وزيادة القوى الإنتاجية في الإنسان لإعطاء فائض تقابلبانتاج العمل الفردي، إن بروميثوس هذا الجديد يمتاز بحظه السيِّء لأنه أتى مُتأخِّراً جداً. ولكن حين يبتدئ بروميثوس ويتكلَّم عن الإنتاج والإستهلاك يُصبح مُضحكاً. ليستهلك – كما يظن – يعني ليُنتج! إنه يستهلك في اليوم الثاني ما أنتجه في اليوم السابق، وهكذا يبقى عنده زيادة يوم إلى الأمام، وزيادة هذا اليوم هو ”فائض عمله“. لكن إن كان يستهلك ثاني يوم ما أنتجه في اليوم السابق فيجب وهو في اليوم الأول – إذ لا يوجد يومٌ قبله ليكون له فائض – أن يكون قد قام بعمل يومين حتى يعمل يوماً واحداً حتى يبقى عنده زائد. وكيف ربح بروميثوس هذا الفائض في اليوم الأول – ذلك اليوم حيث لم يوجد تقسيم عمل ولم توجد آلة حتى أنه لم توجد معرفة عن القوى الطبيعية غير قوة النار؟ فالسؤال إذن يعود ”لأول يوم بعد الخلق“ إذ إنه لم يتقدَّم خُطوةً واحدةً إلى الأمام. إن هذه الطريقة التي يستعملها برودون لشرح الأشياء مأخوذةٌ عن اليوناني وعن العبري لأنها تمتاز بصفتها الصوفية. هذه الطريقة تُعطي الحق لبرودون فيقول: «لقد برهنت نظرياً وعملياً المبدأ القائل أن كلَّ عملٍ يجب أن يكون له فائض».
”الواقع“ الذي يُظهره هو حساباته التقدُّمية، ”و النظري“ هو أسطورة بروميثوس. يُتابع برودون قائلاً: «لكن هذا المبدأ – بما أنه حقيقي و قائم على افتراضٍ حسابي – لا يزال بعيداً أن يُحققه كل شخص. وبتقدُّم الصناعة الجماعية، فسينتج كل يوم عمل لفردٍ إنتاجاً أكبر، وعندئذٍ يُصبح العامل الذي يتقاضى الأجرة نفسها أغنى وأغنى: هناك حالات تزدهر بينما حالات غيرها تتقهقر». (المجلد1، صفحة 79 – 80).
لقد كان عدد سكان المملكة المتحدة سنة 1770 خمسة عشر مليون نسمة، أما السكان المُنتجون فكانوا ثلاثة ملايين. والقوى العلمية للإنتاج كانت تساوي سكان بلدٍ مؤلَّفٍ من اثني عشر مليون فرد. وهكذا كان يوجد 15 مليوناً من القوى الإنتاجية. وهكذا كانت القوى الإنتاجية في السكان بنسبة واحد إلى واحد، أما القوى العلمية فكانت بالنسبة للقوى اليدوية أربعة إلى واحد.
ففي سنة 1840 زاد عدد السكان إلى 30 مليون شخص، وكان السكان المنتجون ستة ملايين. لكن القوى العلمية ارتفعت إلى 650 مليوناً، وكان هذا لكل السكان بنسبة 21 إلى واحد أو بالنسبة للقوى اليدوية 108 إلى واحد.

و كان يوم العمل في المجتمع الإنكليزي يتطلَّب في مدة 70 سنةً فائضاً 2700 % قوة إنتاجية، وهذا يعني أن سنة 1840 أنتجت 27 مرة أكثر من 1770. وبالنسبة لبرودون يجب أن يسأل نفسه هذا السؤال: لماذا لم يُصبح العامل الإنكليزي سنة 1840 أغنى 27 مرةً من العامل سنة 1770؟ ولدى سؤاله هكذا فإن الشخص يفترض طبيعياً أن الإنكليزي كان يقدر أن يُنتج هذه الثروة بدون الأحوال االتاريخية التي تم الإنتاج بها، مثلاً! إن التجمُّع الخاص لرأس المال، والتقسيم الحاضر للعمل، والمصانع الأوتوماتيكية، أو المنافسة الفوضوية، وطريقة الأجور – وباختصار كلُّ شيءٍ كان مبنيَّاً على صراع الطبقات. والآن، كانت هذه الأجور بالضبط الحالات الضرورية لنمو القوى الإنتاجية، كان يجب أن تكون طبقاتٌ تستفيد و تربح وطبقاتٌ تتقهقر وتخسر.
و ماذا يعني برودن بروميثوس؟ إنه مجتمع، والعلاقات الإجتماعية قائمةٌ على صراع الطبقات. هذه العلاقات ليست علاقاتٍ بين فردٍ وفردٍ بل بين عاملٍ ورأسمال، بين فلاحٍ وملَّاكٍ .. إلخ. فإذا محوت هذه العلاقات فإنك تُنهي المجتمع، ولا يكون بروميثوس إلا شبحاً بدون ذراع أو أرجل، أي بدون مصانع أوتوماتيكية وبدون تقسيم عمل – وباختصار – بدون أي شيءٍ تكون قد أعطيته له تجعله يحصل على فائض العمل.
فإذا كان برودونقد اكتفى أن يشرح نظرية قاعدة فائض العمل بشعوره للتعادل بدون أن يأخذ بعين الاعتبار أحوال الإنتاج الوقعية، يجب أن يكفي في الواقع أن يجعل كل العمال يشتركون في بالثروة، وبدو أن يُغيِّر أي شرطٍ من شروط الإنتاج. وإن توزيعاً كهذا لا يؤكد أبداً درجةً عاليةً من السرور والراحة للأفراد المشتركين.
لكن برودون ليس متشائماً كما يمكن أن يظن أحدنا. وبما أن كل شيءٍ نسبة، فعليه أن برميثوس الذي جهَّزه تجهيزاً جيداً، أن يرى في مجتمعنا الحاضر، بداية تحقيق رأيه الذي حبَّذه.
«لكن في كل مكان نجد أن نقدم الثروة أي نسبية القيم، هي القاعدة المطلقة، وعندما وقف الاقتصاديون ضد تذمُّر الفريق الإجتماعي أي ضد النمو المُطَّرد للثروة العامة، وضع تحسين أحوال الطبقات الفقيرة، نجدهم يُنادجون بحقيقة كانت كافيةً أن تقضي على نظرياتهم (المجلد 1، صفحة 80).

ما هي في الواقع الثروة الجماعية والغنى الجماعي؟ إنها ثروة البورجوازي – وليس كلُّ برجوازي. حسناً ان الاقتصاديين لم يفعلوا شيئاً إلا أن يُظهروا كيف أن – علاقات الإناتج الموجودة – ثروة البورجوازي نمت ويجب أن تنمو. وفيما يتعلق بالطبقات العاملة، لا نزال نجد سؤالاً لم يُناقش بعد: كانت أحوالهم قد تحسَّنت لدى زيادة الثروة العامة. فلو قدَّم الاقتصاديون مثال العمال الإنكليز المستخدمين في صناعة القطن، فإنهم يون بؤس هؤلاء في ظل ازدهار التجارة. إن هذه اللحظات من الازدهار هي نسبياً لازمةٌ للأزمات ولازمةٌ للركود ”بنسبةٍ حقيقيةٍ“ 3 إلى 10. لكن ربما، عندما نتكلم عن التحسينات، كان الاقتصاديون يُفكِّرون بملايين العمال الذين كانوا يموتون ويتحطَّمون في جزر الهند الشرقية حتى يُنتجوا شيئاً ما لمليون ونصف عامل مستخدمين في انكلترا في نفس الصناعة، ثلاث سنوات ازدهار من عشر سنوات.

و بالنسبة للاشتراك المؤقت في زيادة الثروة العامة. فإن هذه مسألةٌ مختلفةٌ. إن واقع الاشتراك المؤقت يشرحه الاقتصاديون، في نظرياتهم. إنه تأكيدُ هذه النظرية وليس الحُكم عليها، كما يدعوها برودون. إذا كان يجب أن يُحكم على شيء فيجب أن يكون الحُكم على غِرار منهاج برودون الذي نقص وحقَّر العامل إلى أقل نسبةٍ للأجور، رغم زيادة الثروة العامة: إنه لم يقدر أن يُخفِّض ويُحقِّر العامل لأقل نسبةٍ للأجور إلا بإدخال النسبة الحقيقية للقيم و”القيمة المُشكَّلة“ بوقت العمل. إن الأجور، كنتيجةٍ للمنافسة، تتراوح مرةً إلى الأعلى ومرَّةً إلى الأسفل، وتؤثر علر سعر الطعام الضروري لانعاش العامل، هذا العامل يقدر أن يُشارك لحدٍ ما في تنمية الثروة العامة، ويقدر أيضاً أن يتهدَّم ويفنى من العَوَز و الفقر. هذه هي نظرية الاقتصاديين الذين لم يكونوا خياليين بالنسبة للموضوع.
و بعد انحرافاته الطويلة عن موضوع الخطوط الحديدية، وعن بروميثوس وعن المجتمع الجديد الذي يجب إعادة بنائه على ”القيمة المشكلة“ نرى برودون يجمع نفسه لأن العاطفة تعصف به فيصرخ:
«إنني أرجو الاقتصاديين أن يسألوا أنفسهم للحظةٍ واحدةٍ، في هدوء قلوبهم – وأن يبتعدوا عن أحكامهم غير العادلة، هذه الأحكام التي تجعلهم يضطربون، ويجب أن يتجرَّدوا عن أهوائهم وأن لا يتأثروا بالوظيفة التي يأملون أن ينالوها، وبالفوائد التي يَجرون وراءها، و بالاستحسان الذي يتعلقون به، وبمراكز الشرف التي تُبهج كبرياءهم – دعهم يقولوا إن كان هذا المبدأ – أن كلَّ عملٍ يجب أن يترك فائضاً – قد خطر لهم أو ظهر لهم بمثل هذه النتائج التي أظهرتها وقمت بها». المجلد 1، صفحة 80.

ميتافيزيك الاقتصاد السياسي
تقسيم العمل واستعمال الآلة
146
الأفكار في فهم علاقة اللوائح» فإنه يتخذ أقواله من آدم سميث ولكي نشرح هذا جيدا علينا أن نقرأ هذه المقاطع من كتاب الدكتور أور ( كتابه « فلسفة الصناعيين » ).
« عندما كتب آدم سميث آراءه الإقتصادية الخالدة – وكانت الآلة الأوتوماتيكية تكاد أن تكون مجهولة – أعتـُبر تقسيم العمل المبدأ الأول لتحسين الصناعة وبرهن في مثاله عن صناعة الدبُّوس – كيف أن كل صاحب مهنة وهو قادر على أن يتمرن ليتخصص في نقطة واحدة يصبح عاملا أرخص و أسرع. ورأى في في كل فرع من فروع الصناعة أن بعض الأقسام – بناءاً على مثال صناعة الدبوس – سهلة مثل قطع دبابيس من الأسلاك بأطوال متناسبة و بعضها صعب مثل تشكيل وتثبيت الرؤوس (أي رؤوس الدبابيس)! واستنتجَ أن لكل قسم من أقسام صناعة الدبوس يجب تعيين عامل ذي قيمة مناسبة، وهذه القيمة المناسبة تشكل جوهر تقسيم العمل.. ولكن الشيء الذي كان على أيام الدكتور سميث موضوعاً مهماً، لا يمكن أن يُعدَّ اليوم هاماً ؛ لكي لا نقود الشعب إلى الخطأ، ولكي لا يكون مبدءاً للصناعة. وفي الواقع أن التقسيم، أو بالأحرى تكييف العمل لذكاء الناس المختلف لا يفكر به المعمل. وعلى العكس عندما تحتاج عملية ما مهارة خاصة وثبات يد، فإن هذه العملية لا تطبق على العامل الماهر؛ لأن عملاً آخر لايناسبه يُعطى له، ويقوم بعمل ميكانيكي آخر يقوم به طفل صغير.
« إن مبدأ نهج المصنع هو – استبدال مهارة اليد بالعلم الميكانيكي – تفريق عملية لأقسامها الضرورية، بالنسبة لتقسيم وإعطاء درجات العمل للعمال والمهنيين. ففي أيام الصناعة اليدوية كان الإنتاج يكلف كثيراً، ولكن بالطريقة الأوتوماتيكية (أي الآلة) نجد أن المهارة في العمل تتفوق ويستعاض عنها بأناس ينظرون إلى الآلات فقط ولا يعملون شيئاً بأيديهم. »
« ونرى أنه كلما كان العامل ماهراً، ورغم أنه قادر على أن يبدع في عمله، فإنه لن ينفع شيئاً طالما أن الآلة هي التي تقوم بالعمل عنه، ولذلك فهو يسبب خسارةً لكل المصنع إن عمل بمهارته. فالشيء المهم بالنسبة للصناعة الحديثة هو– إتحاد رأس المال والعلم – تخفيف مهارة العمال. »
« وبالنسبة لإيجاد درجات العمل نجد أن الرجل عليه أن يخدم في مهنته سنين عديدة قبل أن تصبح يده أو عينه ماهرة لكي تقوم بالعمل الآلي، ولكن لدى تقسيم العمل إلى أعمال صغيرة جداً، أو لدى قيام الآلات بهذه الأعمال الصغيرة، نرى أنه لا يمكن تسليم هذه الآلة لشخص معتدل في مهارته ويمكن مدير العمل استبداله متى شاء.أن هذا لا يتفق مع مبدأ تقسيم العمل في الماضي؛ إذ كان يوضع رجل لتهيئة رأس الدبوس و آخر لتنعيمه، هذا العمل البسيط المزعج طول الحياة... و لكن لدى تساوي العمال كلهم بوجود آلات تعمل بذاتها، فإن فن الشخص و مهارته يجب أن تخضع لتمرين خاص يناسب عمل الآلة.. و بما أن العمل هو الوقوف على آلة منظمة بذاتها فإنه يقدر أن يستلم عمله بمدة قصيرة، وعندئذ ينتقل من العمل على آلة للعمل على آلة أخرى، فإنه يبدل عمله و يوسع آراءه لأنه يفكر بهذه الأقسام المختلفة تنتج عن عمله وعمل رفاقه العمال. إذاً لنتخلص من النظرة الضيقة التي وصفت بها تقسيم العمل أنها تضيق أقف العامل،إن هذه النظرة الضيقة لا توجد بعد في حالة التوزيع العادل للصناعة... »
« إن هدف تحسين كل صناعة حتى تتفوق على العمل البشري، أو لكي تنقص من قيمته و لكي يستعيض تحسين الصناعة بعمل الرجال عن عمل النساء والأولاد أو بالأستغناء عن عمل المهنيين... وهذا الميل الذي يهدف لخلق أولاد بعيون يقظة، وبأصابع ماهرة عوضاً عن عمال مياومة ولهم إختبارات كبيرة يظهر لنا كيف أن الصناعيين المتنورين لم يطبقوا نظرية تقسيم العمل بالنسبة لدرجات المهارة ».
يقول لومتني « إننا نُعجب ونُدهش عندما نرى بين الأقدمين شخصاً يميزه عن غيره بأنه فيلسوف، وشاعر، وخطيب، ومؤرخ، وكاهن، وإداري و قائد جيش من الدرجة الأولى. إن أرواحنا تتألم لمثل هذا الحكم. و كل واحد منا يحصر نفسه في دائرة صغيرة، ويطلق النار على نفسه، و لا أدري إن كان هذا العمل يوسع العلم أو ينقصه».
و الصفة التي نطلقها على تقسيم العمل في المصنع الأوتوماتيكي هي أن العمل هناك فقد صفته في الإختصاص. ولكن عندما يقف كل نمو خاص فالحاجة للتعليم والميل لوجود نمو جديد للفردية يقود الثورة. إن المصنع الأوتوماتيكي يقضي على الإختصاصيين والمهنيين المجانين.
إن برودون – وهو لم يفهم هذه الناحية الثورية في المصنع الأوتوماتيكي – يأخذ خطوة للوراء ويقترح على العامل أنه لا يقوم فقط بالقسم الثاني عشر من صناعة الدبوس، لكنه يجب أن يعمل كل الأقسام الثانية عشرة. والعامل عندئذ يصل إلى فهم وإدراك صناعة الدبوس. و هذه هي نتيجة فكرة برودون – ولا أحد يعارض أنه لدى القيام بحركة للأمام و حركة للوراء، يعني القيام بحركة نتيجة فكرة.
و لنقل خلاصة، نقول أن برودون لم يكن إلا بورجوازياً صغيراً مثاليا. ولكي يحقق مثاليته
ما كان يفكر إلا أن يرجعنا إلى العامل اليومي، وإلى المهنيين الإختصاصيين في القرون الوسطى. هذا ما يقوله في مكان ما في كتابه أنه يكفي أن يخلق عملاً عظيما مرة في الحياة، وأنه يشعر أنه كان رجلا ولو مرة واحدة ! ليس هذا العمل العظيم هو الشيء الذي كانت تطلبه النقابات التجارية في القرون الوسطى.
ميتافيزيك الاقتصاد السياسي
الملكية أو ريع الأرض

في كل حقبة تاريخية تطورت الملكية ونمت حسب مفهوم علاقات اجتماعية مختلفة، وهكذا لكي نعدد الملكية البرجوازية ماعلينا إلا أن نقدم عرضا عن كل العلاقات الاجتماعية للانتاج البرجوازي.
و لكي نحاول أن نحدد الملكية بأنها علاقات مستقلة أو لائحة مستقلة أو فكرة خالدة ومثالية، لا يكون هذا إلا خيالياً يمتطيه الميتافيزيك و الفقه.
إن برودون – وهو يظهر أنه يتكلم عن الملكية عامة – يتكلم فقط عن ملكية الأرض أو ريع الأرض.
« إن أصل الريع، الملكية، هو شيء فوق الاقتصاد: إنه يوجد بوجود اعتبارات نفسية وأخلاقية وهذه الاعتبارات بعيدة الاتصال عن إنتاج الثروة » (المجلد ٢، صفحة ٢٦٥).
و هكذا يعني برودون أنه غير قادر أن يفهم الأصل الاقتصادي للريع و الملكية، ويقول أن مقدرته تجبره أن ينسبها إلى اعتبارات أخلاقية و نفسية بعيدة الاتصال بانتاج الثروة، ولكن لها علاقة بضيق أفقه التاريخي. يؤكد برودون أنه يوجد شيء صوفي وعجيب فيما يتعلق بأصل الملكية. والآن – لننظر أعجوبة في أصل الملكية – أو لنعجل علاقة سرية بين الانتاج ذاته وتوزيع أدوات الانتاج. أليس هذا – لنستعمل لغة برودون – رفض أكيد لكل ادعاءات علم الاقتصاد؟
إن برودون يضيف على نفسه قوله إنه في الحقيقة السابقة للتطور الاقتصادي – أي الرصيد – عندما كانت الاسطورة سبباً لاختفاء الحقيقة، وعندما هدد النشاط الانساني بفقدان ذاته، أضحى ضرورياً أن يرتبط الإنسان بقوة أكثر بالطبيعة، والآن كان الريع سعر هذا العقد أو الرباط. (المجلد ٢، صفحة ٢٦٩).
L’homme aux quarante écus تنبأ به برودون للمستقبل: «السيد الخالق. كل فرد سيد في عالمه، ولكن، ليس ممكناً أن تجعلني أعتقد ان العالم الذي يعيش به مصنوع من البذور». في عالمك – حيث الرصيد النقدي كان وسيلة لفقدان الشخص في فراغ عميق، من الممكن أن تصبح الملكية ضرورية حتى تعمي إنسان الطبيعة. وفي عالم الانتاج الحقيقي حيث كانت ملكية اﻷرض دوماً تسبق الرصيد النقدي، نجد أن خوف برودون لم يكن موجوداً.
و لدى قبول فكرة الريع ولو مرة – مهما كان أصلها – تصبح موضوع مفاوضات مضادة بين المزارع ومالك الأرض. وماهي النتائج القصوى لهذه المفاوضات، أي مهو المعدل العام للريع؟ هذا ما يقوله برودون :
« ﺇن نظرية ريكاردو لاتجيب هذا السؤال. عندما ابتدأت المجتمعات، عندما كان الإنسان جديداً على الأرض، لم تكن أمامه إلا الغابات الواسعة الضخمة، عندما كانت الأرض واسعة وعندما كانت الصناعة مبتدئة، عندما كان كل هذا الريع لا يزال عدماً. واﻷرض – ولم تكن بعد نتيجة تشكيل العمل – كانت موضوع منفعة ولم تكن قيمة تبادل، كانت الأرض عامة و لم تكن اجتماعية، ورويداً رويداً نرى أن تكاثر العائلات وتقدم الزراعة أظهر قيمة الأرض وأصبح العمل يعطي الأرض قيمتها أي ما تستحقه : و من هذا وجد الريع، فكلما أعطى الحقل ثماراً أكثر بنفس كمية العمل كلما كانت قيمته ترتفع ! وبما أن هدف المالكين كان الحصول على كل ما تنتجه الأرض لذلك أصبحت أجور المزارع أقل – يعني أقل من تكاليف الانتاج – وهكذا تبعث الملكية آثار العمل لكي تأخذ كل الانتاج الذي يزيد المصاريف الحقيقية. و بما أن المالك كان يحقق عملاً خارقاً، فالمزارع إذاً ليس إلا عاملاً مسؤولاً – هكذا تريد العزة الالهية – وعليه أن يؤدي للمجتمع كل زيادة عن أجرة المشروع... فالريع بجوهره هو وسيلة لتوزيع العدل وهو وسيلة من ألوف الوسائل التي تستخدمها عبقرية الاقتصاد لتحقق المساواة – لقد حصل تناقض عظيم بين المزارعين والملاكين من جراء تقدير الأرض – ولكن بدون وقوع اصطدام – وكان هذا التناقض يهدف إلى تسوية ملكيات الأرض بين مستغليها وصانعيها... وما كانت هذه الملكية السحرية تحتاج ﺇلا أن تنزع من المستغل فائض الانتاج الذي كان يعتبره ملكاً وحقاً له. فالريع أو باﻷحرى الملكية، حطم الأنانية الزراعية وأوجد واقعاً لايمكن أن تخلفه لاقوة ولا تقسيم الأرض... والتأثير الأخلاقي الذي تركته الملكية في الوقت الحاضر هو العمل على توزيع الريع » (المجلد ٢، صفحة ٢٧٠، ٢٧٢).

يمكن اختصار كل هذا المزيج من الكلام هكذا: يقول ريكاردو أن زيادة سعر المنتوجات الزراعية عن تكاليف إنتاجها – متضمناً الربح العادي والفائدة على رأس المال – يعطينا مقياس الريع. إن برودون يصيب أكثر ﺇذ يجعل المالك يتدخل وينتزع من المستغل كل فائض انتاجه الذي يزيد عن تكاليف الانتاج. إنه ينتفغ من تدخل المالك لكي يشرح الريع، إنه يجيب على السؤال عندما يصيغ قاعدة لنفس المسألة ويضيف عليها مقطعاً.
و لنلاحظ أنه لدى تحديد الريع من جراء اختلاف خصوبة الأرض، نجد برودون يعني أصلاً جديداً له – بما أن الأرض قبل وجودها تشكل درجات متفاوتة الخصوبة – لم تكن في نظره قيمة التبادل بل كانت عامة، ماذا حدث ﺇذاً لأسطورة الريع التي وجدت من ضرورة ﺇرجاع إنسان للأرض كاد أن يفقد نفسه في أبدية فراغ هائل؟
و الآن لنحرر نظرية ريكاردو من سيطرة القوة الالهية ومن القالب الذي صاغها به برودون؟
ﺇن الريع – حسب نظرية ريكاردو – هو ملكية الأرض في حالتها البرجوازية، أي ملكية الاقطاع التي أصبحت خاضعة لشروط الانتاج البرجوازي.

لقد رأينا – بالنسبة لنظرية برودون – أن سعر كل الأشياء يتحدد بتكاليف إنتاجها، بالاضافة للربح الصناعي، أي وقت العمل المستخدم. ففي الصناعة الآلية نجد سعر المنتوج المحصول بأقل كمية عمل ممكن ينظم سعر كل السلع الاخرى التي هي من نفس النوع، أخذه بعين الاعتبار أن أرخص أدوات الانتاج وأكثرها انتاجية يمكن إكثارها للانهاية وأن المنافسة تخلق سعر السوق، أي تخلق سعراً عاماً لكل المنتوجات من نفس النوع.

و في الصناعة الزراعية على العكس، نجد أن سعر المنتوج المحصول عليه بأكبر كمية عمل ينظم سعر المنتوجات الأخرى التي هي من نفس النوع. ففي الدرجة لا يقدر أحد – كما هو المثال في الصناعة الآلية أن يكثر كما يريد أدوات الانتاج التي لها نفس درجة الانتاج، أي إيجاد أراضي لها نفس درجة الخصوبة. وهكذا، لدى زيادة السكان – نجد أن الأرضي ذات القيمة المنخفضة، يوظف فيها رأسمال قليل. وفي كلا الحالتين تتطلب كمية أكبر من العمل للحصول على إنتاج أقل. وبما أن حاجات السكان تطلبت ضرورة زيادة العمل، فإن منتوج الأرض الذي يكلف استغلالها أكثر يكون كبيع أرض استغلالها أرخص. وبما أن المنافسة تخلق سعر منتوج الأرض، فإن زيادة سعر المنتوجات – الذي يعود لتربة أحسن يزيد على تكاليف انتاجها – هذا الانتاج الذي يشكل الريع. ولو كان يقدر شخص أن يجد أراضي بنفس درجة الخصوبة ولو كان يقدر – في الصناعة الآلية – أن يؤدي باستمرار إنتاج الأشياء وبشكل أرخص وتقديم آلات إنتاج أكثر وأرخص، وأن توظيف رأس المال الاضافي كان يعطي نتيجة كاﻷول، لكان سعر المنتوجات الزراعية يتحدد بسعر السلع المنتوجة بأحسن وسائل الانتاج – كما رأينا بمثل سعر المنتوجات المصنوعة. ولكن الريع يختفي منذ هذه اللحظة.
و لو كانت نظرية ريكاردو كلها حقيقة، لكان من الضروري لرأس المال أن يستعمل بحريته في فروع الصناعة المختلفة، لكننا نجد منافسة قديمة بين الرأسماليين تحصر الأرباح في مستوى واحد متساو، ولكنا نجد المزارع رأسمالياً صناعياً يطلب توظيف رأسماله في أرض ثانوية لينال ربحاً مساوياً ﻷي ربح في أي صناعة، ولو كان هذا لكان الاستقلال الزراعي يخضع للصناعة ذات الانتاج الضخم، وأخيراً لكان مالك الأرض نفسه لايهدف ﺇلا لارجاع دراهمه.
لا يمكن أن يحدث – كما حدث في ايرلندا – أن الريع لا يوجد رغم أن تطور الأرض ونموها وصل درجة قسوى. والريع، بما أنه زيادة عن الأجور وعن الربح الصناعي لا يمكن أن يوجد حيث لا تكون واردات مالك الأرض شيئاً.

و هكذا، بعد أن تتصور تحويل مستغل اﻷرض أو المزارع إلى عامل بسيط، و أن ننتزع من المستغل فائض انتاجه الذي لا يتنازل عنه ﻷنه يعده خاصاً به، فإن الريع يقف مانعاً لصاحب اﻷرض ليس بواسطة الخادم بل بواسطة من يجعل صاحب الأرض أن يقف مضاداً للرأسمالي الصناعي وليس مع الخادم أو مع العبد أو مع دافع الفريضة أو مع عامل الاجرة.
إذا اعتبرنا ولو مرة ريع الأرض، فإن ملكية الأرض لاتعود تملك فائض تكاليف الانتاج التي تتحدد بالأجور وبأرباح الصناعة. لذلك نجد أن ريع اﻷرض انتزع من مالك اﻷرض قسماً من دخله. وهكذا مر وقت طويل قبل أن يحل الرأسمالي الصناعي محل المزارع الاقطاعي. ففي ألمانيا مثلاً، ابتدأ هذا التحويل قي آخر القسم الثالث من القرن الثامن عشر. وفي انكلترا فقط كانت هذه العلاقة قائمة بين الرأسمالي الصناعي ومالك الأرض.
و طالما أن مستغل الأرض الذي قال عنه برودون، موجود فلا وجود للريع. و في الوقت الذي يوجد فيه الريع، فإن مستغل الأرض لا يبقى المزارع بل يكون العامل أي مزارع مستغل الأرض. إن تحقير العامل وجعله بمثابة شغيل بسيط، أي شغيل يومي، وجعله يعمل للرأسمالي الصناعي، وتدخل الرأسمالي الصناعي – وهو يستغل اﻷرض كأنه يستغل مصنعاً – وتمويل مالك اﻷرض من حاكم مطلق صغير إلى مرابي فظيع، هذه كلها هي العلاقات المختلفة التي يعبر عنها الريع.
ﺇن الريع – في نظرية ريكاردو – هو الزراعة البطريركية المتحولة لصناعة تجارية وهو الرأسمال الصناعي الذي يستعمل لاستثمار الأرض وهو برجوازية المدنية المطبقة في القرية. والريع – عوضاً ان يوجد الانسان بالطبيعة. قد ربط استغلال الأرض بالمنافسة. وعندما تعد ملكية اﻷرض ريعاً فان ملكية اﻷرض ذاتها تصبح نتيجة للمنافسة ولذلك فهي من ذلك الوقت تعتمد على قيمة السوق للانتاج الزراعي. وكريع، تصبح ملكية الأرض مادة للتجارة. ان الريع ممكن تحقيقه فقط من لحظة تطور الصناعة القعرية ومن لحظة ما ينتج عنها تنظيم اجتماعي، وهذا م اجبر مالك الأرض ان يحصر هدفه في الارباح النقدية. وان ينظر ال العلاقة النقدية لمنتوجاته الزراعية – وفي الواقع ينتظر من ملكيته للاْرض ان تكون تربة آلة لتحصيل النقد. لقد جعل الريع مالك ﻷرض ان يطلق التربة، وان يطلق الطبيعة حتى انه لا يحتاج ان يعرف ملكياته، وهذا ما حدث في انكلترا. فيما يتعلق بالمزارع وبالرأسمالي الصناعي والشغيل الزراعي، فانهم لايرتبطون باﻷرض التي يستغلونها اكثر من المستخدم والشغيل في المصانع بالنسبة للقطن والصوف الذي يصنعونه، انهم يسعرون برباط فقط لانتاجهم النقدي. وهناك بعض الذين يعدون أنفسهم تقدميين تقدمون صلواتهم لاعادة الاقطاعية والحياة البطريركية الصالحة وعادات آبائنا وأجدادنا الصالحين. ان اخضاع التربة للقوانين التي تحكم كل الصناعات اﻷخرى يخضع دائماً للمصالحة.وهكذا يمكن القول أن يقال ان الريع أصبح دافع القوة التي ادخلت الشعر إلى حركة التاريخ.

ﺇن ريكاردو بعد ان جعل الانتاج البرجوازي ضرورياً لتحديد الريع – يطبق فكرة الريع بالنسبة لملكية اﻷرض في كل العصور وفي كل البلدان. وهذا خطأ تجده عند كل الاقتصاديين الذين يمثلون علاقات الانتاج البرجوازية كلوائح أبدية.
يستنتج من الهدف اﻹلهي للريع الذي هو بالنسبة لبرودون تحويل المستغل إلى شغيل مسؤول ليحصل على مكافأة الريع المتساوية.
ﺇن الريع، كما رأينا، يشكل بالسعر المتساوي لكل منتوجات اﻷراضي ذات الخصوبة غير المتساوية حتى أن هكتوليتر القمح الذي كلف 10 فرنكات يباع ﺑ 20 فرنكاً إذ أن تكاليف الانتاج ترتفع إلى 20 فرنكاً زيادة عن خصوبة تربة من نوع أدنى.
و طالما أن الحاجة تجبر شراء كل المنتوجات الزراعية التي تأتي للسوق، فإن سعر السوق يتحدد بتكاليغ أغلى منتوج. وهكذا نرى أن هذا التساوي في السعر – الناتج عن المنافسة وليس عن اختلاف خصوبة الأرضي – هو الذي يحفظ لصاحب أحسن تربة ريعاً من 10 فرنكات لكل هكتوليتر يبيعه الرجل الذي يشتغل بأرضه.
لنفترض أن سعر القمح يحدد بوقت العمل الذي تحتاج لانتاجه، فنجد أن هكتوليتر القمح الذي نحصل عليه من تربة أحسن يباع ﺑ 10 فرنكات، بينما هكتوليتر القمح الذي يحصل عليه من نوع أقل يكلف 20 فرنكاً. لدى قبوانا بهذا نرى أن معدل سعر السوق يكون 15 فرنكاً. وبما أن سعر السوق يتبع قانون المنافسة فانه يصبح 20 فرنكاً. و إذا كان معدل السوق 15 فرنكاً فعندئذ لا تسنح فرصة لأي موزع أن يكون له ريع. يوجد الريع فقط عندما يستطيع شخص أن يبيع ﺑ 20 فرنكاً هكتوليتر القمح الذي يكلف المنتج 10 فرنكات. ويفترض برودون تساوي سعر السوق بتكاليف إنتاج غير متساوية لكي يصل إلى مشاركة متساوية لانتاج غير متساو.
نحن نفهم اقتصاديين مثل: هيدلتش، وتربليو، وميل، وآخرين يقولون أن الريع يجب أن يعطي للدولة لكي تقوم مقام الضرائب. ﺇن هذا التعبير صريح لكره الرأسمالي الصناعي وهذا العمل يحمل لمالك الأرض لنفس النتيجة.
و لكن لنجعل أولاً سعر هكتوليتر القمح 20 فرنكاً حتى نجعل توزيعاً عاماً ﻟ 10 فرنكات أتعاب اضافية على المستهلك، وهذا يكفي لجعل العبقرية الاجتماعية أن تتبع طريقها الملتوي بحزن – وتطرق برأسها خجلاً.
يصبح الريع – حسب تعبير برودون « تقسيم أرض كبيرة متناقضة بنظر المزارع و مالك الأرض... تكون نتيجتها الكلية مساوية لملكية الأرض لمصلحة المستغلين للتربة والصناعيين » (المجلد 2، صفحة 27).
ﺇن تقييم أية قطعة أرض قائمة على الريع لتكون ذات قيمة واقعية، وشروط المجتمع الحاضر يجب أن يكون مختلفاً عن التقييم.
و الآن أظهرنا أن ريع المزرعة الذي يدفعه المزارع لسيده يعبر عن الريع بالضبط في البلدان المتقدمة في الصناعة والتجارة. حتى أن هذا الريع لا يتضمن الفائدة المدفوعة لصاحب الأرض على رأس المال المستثمر في الأرض. إن مركز الأرض وجوارها من المدن وعوامل أخرى تؤثر على ريع المزرعة و بشكل ريع الأرض. هذه الاسباب تعد كافية لتبرهن عن عدم دقة تقييم الأرض القائم على الريع.
و من جهة ثانية، يمكن للريع أن لا يكون الدليل الثابت عن وجه خصوبة قطعة الأرض بما أن كل تغيير في تطبيق علم الكيمياء الحديث يغير التربة، و المعرفة الجيولوجية تبدل اليوم كل تقديرات الخصوبة النسبية. لقد كان منذ 20 سنة حتى تم استعمال الأرضي في قرى انكلترا الشرقية. لقد تركت غير مفلوحة نتيجة للجهل.
و هكذا فالتاريخ وهو قاصر على أن يجد في الريع تقييماً حاضراً للأرض، لا يعمل شيئاً ﺇلا أنه يغير ويقلب تقييمات الأرض الحاضرة.
و نقول أخيراً إن الخصوبة ليست صفة طبيعية كما يظن، إنها مرتبطة بالعلاقات الاجتماعية للوقت السائد. يمكن أن تكون قطعة أرض خصبة جداً لزراعة القمح، ولكن السعر المحدود يجعل الفلاح يفلبها إلى مرعى طبيعي ويجعلها غير خصبة.
لقد فرض برودون تقييمه للأرض – هذا التقييم الذي ليس له قيمة لتقييم أرض عادية – ليبرهن فقط عن هدف العزة الالهية للريع.
يتابع برودون قائلاً «إن الريع هو الفائدة المدفوعة على رأسمال لايغنى – وهو الأرض. وبما أن رأس المال قادر أن لا يزيد في مادته لكن في تحسين طريقة استعماله، نستنتج أنه بينما نرى فائدة أو ربح قرض يميل للنقصان تدريجياُ بواسطة غزارة رأس المال، فإن الريع يميل دوماً للزيادة بواسطة تكميا الصناعة. ومن هذا ينتج تحسين في استعمال الأرض... وهذا هو الريع في جوهره». ( المجلد 2، صفحة 265).

يرى برودون هذه المرة في الريع كل أوصاف الفائدة ما عدا أنه ينبثق من رأسمال له طبيعته الخاصة. هذا الرأسمال هو الأرض، رأسمال أبدي «غير قادر ان يزداد في مادته لكن بتحسين طريقة استعماله». ونجد في تقدم المدنية أن الفائدة تميل باستمرار للهبوط، بينما يميل الريع للارتفاع دوماً. تهبط الفائدة بسبب غزارة رأس المال، ويرتفع الريع بسبب التحسين الذي يدخل على الصناعة والتي تنتج إذ تنتفع دوماً من الأرض.
و هذه هي نظرية برودون في جوهرها.
دعنا بادىْ الاْمر نفحص إلى أي حد نعتبرها حقيقة عندما نقول أن الريع هو فائدة على رأس المال.
إن الريع بالنسبة لمالك الأرض نفسه يمثل فائدة على رأس المال الذي كلفته ﺇياه الأرض، أو الرأسمال الذي حصل عليه من بيع الأرض ولكنه في بيع وشراء الأرض فإنه يبيع أو يشتري ريعاً. والسعر الذي يدفعه ليجعل من نفسه قابضاً للريع ينظم عامة بنسبة الفائدو وليس له علاقة بطبيعة الريع. إن الفائدة على الرأسمال الموظف في الصناعة أو في التجارة. وهكذا بالنسبة الذين لايميزون بين الفائدة التي تمثلها الأرض لصاحبها وبين الريع ذاته فان فائدة رأس مال الأرض تنقص أكثر من رأس مال يوظف في أي عمل آخر. ولكن السؤال ليس مجرد مسألة بيع أو شراء سعر الريع او قيمة السوق للريع أو ريع الرأسمال، إنه سؤال عن الريع ذاته.

ﺇن ريع المزرعة يمكن أن يطبق ثانية – ليس كريع صاف – الفائدة على رأسمال موظف في الأرض. وفي هذه اللحظة يستلم السيد هذا القسم من ريع المزرعة، ليس كصاحب أرض بل كرأسمالي ! ولكن ليس هذا هو الريع الصافي الذي نتكلم عنه.

الأرض طالما أنها لا تستغل كوسيلة إنتاج لا تكون رأسمالاً. والأرض كرأسمال يمكن أن يزداد كما تزداد كل وسائل الانتاج. ولا شيء يضاف لمادتها لنستعمل لغة برودون – لكن الأرضي التي تخدم كوسائل إنتاج تتكاثر. وإذا كنا نستعمل رؤوس أموال إضافية لاْرض تحولت إلى وسيلة إنتاج فإن الأرض تزداد بزيادة رأس المال بدون إضافة أي شيء على الأرض كمادة، يعني لا نضيف شيئاً لامتداد الأرض... إن أرض برودون كمادة هي التراب وتحديداته. وفيما يتعلق بالأبدية التي يصف بها الأرض فإن لها صفة مادة. الأرض كرأسمال ليست خالدة أكثر من أي رأسمال آخر.
إن الذهب والفضة اللذين يعطيان فائدة، هما دائمان وأبديان كالأرض. و إذا هبط سعر الذهب أو الفضة – بينما يبقى سعر الأرض في ارتفاع – فإن هذا الهبوط لا لكثرة أو قلة طبيعته الأبدية.
إن الأرض كرأسمال هي رأسمال ثابت، لكن الرأسمال الثابت يستعمل كرأسمال متداول. إن التحسينات التي تطرأ على الأرض تحتاج لتجديد الانتاج، وهذا يثبت تحويل المادة إلى وسيلة انتاج. ولو كانت الأرض كرأسماية أبدية، لكانت بعض الأرضي تمثل مظهراً مختلفاً عن المظاهر التي هي اليوم، ونلقي نظرة على الكمبانيا الرومانية وسيسلي كما كانت في ازدهارهما الماضي.
توجد أوقات تختفي الأرض كرأسمال رغم أن التحسينات تبقى في الأرض.
ففي الدرجة الأولى، يحدث هذا كل وقت يقضي على الريع الصافي بمناسبة أراض جديدة وأكثر خصوبة، وفي الدرجة الثانية، إن التحسينات التي يمكن أن تكون ذات قيمة في وقت ما تبطل أن تكون ذات قيمة عندما تصبح عامة وفقاً لتطور الزراعة العلمية.

ﺇن ممثل الأرض كرأسمال لا يكون صاحب الأرض بل هو المزارع. والنتائج التي تقدمها الأرض كرأسمال هي الفائدة والربح الصناعي وليس الريع. توجد أراضي تعطي فائدة وربحاَ لكنها لاتعطي ريعاً.

و باختصار، فالأرض طالما أنها تعطي فائدة فهي أرض رأسمال. بما أن أرض رأسمال لاتعطي ريعاً، اذن ليست هي ملكية أرض. إن الريع يحصل على العلاقات الاجتماعية حيث يحصل استغلال الأرض. ولا يمكن أن يكون الريع نتيجة لطبيعة الأرض. إن الريع هو نتاج اجتماع وليس نتيجة للتربة.
«ﺇن التحسينات في استعمال الأرض» نتيجة «لتكميل الصناعة» تسبب – بالنسبة لبرودون – ارتفاعاً مستمراً للريع. يسبب هذا التحسين هبوطه الزمني المؤقت.
و أين نضمن أي تحسين زراعي أو صناعي؟ عندما نجعل العامل ينتج أكثر و عندما نجعل العامل ينتج أقل، شكراً لهذه التحسينات – فالعامل يتخلص من استعمال كمية عمل أكبر لانتاج أصغر نسبياً، ولا يحتاج أن يعود للتربة الثانوية وأن يوظف رأسمالاً لنفس الأرض التي تبقى منتجة بالتساوي مع غيرها.
و هكذا فإن هذه التحسينات، وهي أبعد من أن تحقق ريعاً كما يقول برودون تصبح على العكس صعوبات تمنع تحقيقها.
ﺇن ملاكي الأرض الانكليز في القرن السابع عشر لم يكونوا يتعلقون بهذه الحقيقة كي يعارضوا تقدم الزراعة لانهم يخافون ان تنقص مداخيلهم.
ميتافيزيك الاقتصاد السياسي
إضرابات واتحدات العمال

كل حركة ارتفاع في الأجور ليس لها إلا تأثير أوحد وهو ارتفاع أسعار القمح والخمر الخ. أي تأثير في القلة والعوز. وماهي الأجور؟ هي سعر تكاليف القمح الخ. وهي السعر الجزئي لكل شيء ونقدر أن نقول أكثر من هذا: إن الأجور هي نسبة العوامل التي تشكل الثروة وهي استهلاك انتاج كل يوم يقوم به العمال. والآن لنشك في الأجور... أي لنقدم لكل منتج حصة أكبر من انتاجه، وهذا شيء مناقض. وإذا كان الارتفاع يتحدد لعدد صغير منا الصناعات الاخرى، فإن هذا الارتفاع يسبب اضطراباً عاماً في التبادل، أي يسبب عوزاً وقلة... من المستحيل، اصرح، ان الاضرابات التي يتبعها زيادة في الأجور لاتتحدد في الاتفاع عام للاسعار : هذا أكيد كما أن 2 + 2 = 4 ( المجلد 1، صفحة 110 و111).

أولاً – لا يوجد ارتفاع عام للاسعار. إذا كان كل شيء قد تضاعف بنفس نسبة ارتفاع الأجور، فإننا لانسمي هذا ارتفاع أسعار، والتعبير هو التغيير الوحيد.
و ثانياً – ﺇن ارتفاعاً في الأجور لا يؤثر كثيراً أو قليلاً في ارتفاع عام لسعر البضائع، لو أن كل صناعة استخدمت نفس عدد العمال بالنسبة لرأسمال ثابت أو بالنسبة للادوات المستعملة، فإن ارتفاعاً عاماً في الأجور ينتج هبوطاً عاماً في الارباح وسعر البضائع لا يتغير.

و لكن فيما يتعلق بالعمل اليدوي والرأسمال الثابت فلا يكون نفس الشيء في صناعات مختلفة، إذ أن كل الصناعات التي تستخدم كمية أكبر نسبياً من رأسمال وعمال أقل، ستكون مجبرة عاجلاً أو آجلاً أن تخفض سعر بضائعها. و في الحالة المعاكسة، حيث أن سعر بضائعها لا يخفض، فإن سعرها سيعلو أكثر من مستوى الأرباح العام. ليست الآلات بكاسبي أجور إذن، نرى أن ارتفاعاً عاماً في الأجور يؤثر أقل في الصناعات التي إذا قابلناها بالصناعة الاخرى، فإنها تستخدم آلات أكثر مما تستخدم عمالا. ولكن الأرباح التي تعلو أكثر من معدل النسبة تكون أرباحاً انتقالية. وهكذا – رغم وجود بعض الذبذبات – فإن ارتفاعاً عاماً في الأجور سيعود – لا كما يقول برودون إلى زيادة عامة في الأسعار – بل إلى هبوط جزئي، أي هبوط في سعر البضائع التي تصنع بالدرجة الاْولى بواسطة الآلات.
ﺇن ارتفاع أو انخفاض الاْرباح والأجور تعبر عن النسبة التي يشارك فيها معظم الرأسماليون والعمال في إنتاج يوم عمل بدون أن يؤثروا في معظم الأوقات بسعر المنتوج. ولكن «الاضرابات التي يتبعها زيادة في الأجور تظهر في ارتفاع عام للاسعار في قلة وعوز». هذه ليست إلا أفكاراً تزخر فقط في دماغ شاعر لا يفهم.
نرى في انكلترا أن الاضرابات تسبب ارتفاعاً لدى اختراع وتطبيق الآلات الجديدة. كانت الآلات – كما يقال – السلاح الذي يستخدمه الرأسماليون ليقهروا تمرد العمل المختص. إن آلة الغزل التي تعمل لذاتها – وهي أعظم اختراع صناعي حديث – جردت النساجين من عملهم وجعلتهم يتمردون : لو لم يكن للاضرابات والاتحادات إلا جعل العبقرية الميكانيكية تعمل ضدهم، لكلنوا لايزالون بفرضون تأثيراً على نمو الصناعة.

يتابع برودون: «أجد في كتاب نشره ليون فوشر... أيلول سنة 1845 أن العمال الانكليز كانوا لوقت ما قد أقلعوا عن عادة الاتحاد الذي هو تقدم يجب تهنئتهم عليه: لكن هذا التحسن في أخلاق العمال يأتي بالدرجة الأولى عن ثقافتهم الاقتصادية. لقد صرح عامل نساج في طاحونة في اجتماع بولطن «يستعمل الأسياد الأجور أوقات الانخفاض والأزمات كسوط يستعملونه إن أرادوا أو ما أرادوا. إن المبدأ المنظم هو علاقة العرض بالطلب، وليس للأسياد هذه القوة، ... حسناً فعلت». يصرخ برودون «هؤلاء هم عمال عاقلون مدربون جيداً انهم نموذج للعمال الخ. أن فقراً كهذا لم يوجد في انكلترا، وسوف لا يعبر القنال» ( المجلد 1، صفحة 261، 262 ).

كانت بولطن من بين المدن الانكليزية إحدى المدن حيث كانت التقدمية فيها نامية أكثر من المدن الأخرى. ويعرف عمال بولطن أنهم ثوريون أكثر من أي عمال آخرين. وفي وقت اضطراب انكلترا الذي سبب القضاء على قوانين القمح، فكر الصناعيون الانكليز أنهم كانوا يقدرون ما إن يتفقوا مع مالكي الأرض إذا هم دفعوا العمال إلى الامام. ولكن بما أن مصالح العمال كانت مناقضة لمصالح الصناعيين كما كانت مصالح الملاكين تناقض مصالح الصناعيين فكان من الطبيعي أن الصناعيين سيكونون ضد العمال في اجتماعهم. وماذا فعل الصناعيون؟ إنهم نظموا اجتماعات مؤلفة من رؤساء العمل ومن عدد صغير من العمال الاْذكياء – كما في بولطن ومانشستر – ان يشاركوا في الاجتماعات حتى يحتجوا ضدهم ومنعوا من القبول على أساس أنهم لا يحملون تذاكر حضور – هذا الاجتماع الذي كان يقبل من كل حامل بطاقة دخول. لكن حاملي الاعتراضات تجمهروا حول الجدران وأعلنو اجتماعات عامة. وكلما عقد اجتماع من هذه الاجتماعات، كنت ترى جرائد الصناعيين يصفونه بروعته ويصفون الخطابات التي ألقيت. ومما لاشك فيه أن رؤساء العمل هم الذين ألقوا الخطابات وليس الصناعيين. وكانت جرائد لندن تكتبها كلمة كلمة. و قد خلط برودون بين رؤساء العمل والعمال.
و لو كانت الاضرابات سنة 1844 و1845 قد جذبت انتباهاً أقل من قبل، ذلك لأن سنة 1844 – 45 كانت أول سنتين ازدهرت فيهما الصناعة الانكليزية منذ سنة 1837، ومع ذلك لم تحل ولا نقابة عمال واحدة.
و الآن لنستمع لرؤساء عمال بولطن : بالنسبة لهم ليس للصناعيين قيادة أو سلطة على الأجور لأن ليس لهم سلطة على السوق العالمي. ولهذا السبب يريدون أن يفهم الغير أن الاتحادات يجب أن لا تشكل حتى تنال زيادة في الأجور من الأسياد، وبرودون على العكس، يمنع الاتحادات لخوفه أن ارتفاعاً في الأجور سيتبعه وهذا الارتفاع في الأجور يقود للقلة والعوز، لا نحتاج أن نقول من جهة يوجد اتحاد ضمني وودي بين برودون ورؤساء العمل و هذا الاتحاد : إن ارتفاعاً في الأجور يعادل ارتفاعاً في أسعار المنتوجات.
و لكن هل الخوف من القلة هو السبب الحقيقي لمخاوف برودون ؟ كلا، إنه ينزعج من رؤساء عمل في بولطن لأنهم لا يحددون القيمة بالعرض والطلب و لأنهم لايعتبرون القيمة مشكلة، أي القيمة التي مرت بطور التشكيل، أي لايهتمون بتشكيل القيمة وهي تتضمن تبادلاً دائماً لكل نسب العلاقات و علاقات النسب، مع العزة اﻹلهية بجانبها.

« إن إضراب العمال غير شرعي، وليس قانون العقوبات الذي يقول هذا، بل إن الطريقة الاقتصادية وضرورة النظام المستتب هي التي تقوله، إن عاملاً واحداً أو عمالاً أفراديين لا يقدرون أن يقوموا بعمل ما بل إن اتحادهم ضروري ليقاوموا الاحتكار، إن عملهم هذا لا يقره المجتمع ». (المجلد 1، صفحة 332 و335).
يريد برودون أن يوجد مادة من مواد قانون العقوبات وليراها ضرورة و نتيجة عامة لعلاقات الانتاج البرجوازي.
نالت الاتحادات في انكلترا حقوقها بواسطة البرلمان وكانت الطريقة الاقتصادية هي التي أجبرت الألمان أن يمنحها حقوقها. ففي سنة 1825 على أيام حكم الوزير هسكون كان على البرلمان أن يعدّل القانون حتى يطابق الأحوال الناتجة عن المنافسة الحرة، وهكذا كان من الضروري القضاء على قانون يمنع اتحادات العمال. وكلما نمت الصناعة الحديثة والمنافسة كلما دعت عوامل جديدة لتقوي الاتحادات وعندما يصبح الاتحاد واقعا اقتصادياً يصبح عندئذ حقاً شرعياً.
و هكذا فإن مادة قانون العقوبات تبرهن على الأكثر أن الصناعة الحديثة و المنافسة لم تكونا ناميتيين في ظل "التجمع الدستوري" وفي الأمبراطورية.
يتفق الاقتصاديون والاشتراكيون (اشتراكيو ذلك الوقت: أتباع فوريية في فرنسا وأتباع أوين في انكلترا) على نقطة واحدة: القضاء على الاتحادات. إنهم يتحيزون بدوافع مختلفة لتحقيق القضاء على الاتحاد.

يقول الاقتصاديون للعمال: لا تندموا. وباتحادكم تمنعون التقدم الطبيعي للصناعة. إنكم تمنعون الصناعيين من تنفيذ وتحقيق أوامرهم، إنكم تخربون التجارة وتؤخرون تقدم الآلات، وعندما تجعلون عملكم غير نافع فإنكم تجبرون أن تقبلوا أجوراً أقل. وعلاوة على هذا ورغم كل ما تفعلونه، فإن اجوركم ستتحدد دوماً بعلاقة الأيدي المطلوبة بالنسبة للأيدي المعروضة، ويكون مجهود مضحك وخطر لكم أن تثوروا ضد القوانين الأبدية للاقتصاد السياسي!
يقول الاشتراكيون للعمال: لا تتحدوا لأنكم ماذا تربحون من اتحادكم؟ ارتفاع في الأجور؟ سيبرهن لكم الاقتصاديون بوضوح أن الشيء القليل الذي تنالونه إذا نجحتم سيكون نتيجة سقوط دائم. إن المحاسبين الماهرين سيبرهنون لكم أنكم ستأخذون سنين حتى تعيدوا – بواسطة زيادة أجوركم – المصاريف المنفقة على المنظمة وعلى الاتحادات. ونحن كاشتراكيين نخبركم علاوة على مسالة النقود أنكم ستبقون عمالا وسيبقى الأسياد أسياداً كما كانوا قبلاً. وهكذا لا اتحاد بل سياسة! أليس الدخول في اتحاد هو عمل سياسي؟
يريد الاقتصاديون أن يبقى العمال في مجتمع كما كان مشكلاً ومؤلفاً من قبل.
و يريد الاشتراكيون أن يترك العمال المجتمع القديم لوحده وأن يدخلوا المجتمع الجديد الذي حضروه لهم.
و رغم الجهتين ورغم أفكارهم الطوباوية فإن الاتحاد سيتقدم وسيمتد كلما نمت الصناعة الحديثة. ولقد وصل الآن إلى درجة، والدرجة التي يصلها الاتحاد في أي بلد يبرهن عن المرتبة التي يمثلها في فوضى السوق العمالي. إن انكلترا التي وصلت صناعتها أعلى درجات النمو عندها أحسن و أكبر اتحادات منتظمة.
لا تقوم الاتحادات في انكلترا على مفاهيم بسيطة فتزول بزوال اضراب. لقد تشكلت اتحادات دائمة – نقابات العمال – تعمل كسلاح ضد المستخدمين. ونرى في الوقت الحاضر كل نقابات العمال المحلية انها نقطة ثقل في المجتمع الوطني لنقابات العمال ومركزها في لندت واعضائها 80 الفاً. ان تنظيم هذه الاضرابات والاتحادات ونقابات العمال استمر وجوده بصراع العمال السياسي الذي يشكل الان حزباً قويا سياسياً باسم لائحة الحقوق.
إن أولى الصناعة محاولات العمال ليجتمعوا مع بعضهم كانت بشكل اتحادات. إن الصناعة ذات الانتاج الضخم تحصر في مكان واحد جماعة من الناس يجهلون بعضهم. وتقسم المنافسة لمصالحهم. لكن وجود الأجور – هذه المصلحة العامة التي تجمعهم ضد سيدهم – توحدهم وتجعل لهم فكرة واحدة للمقاومة وهي الاتحاد. وهكذا فالاتحاد يمتاز دوماًبهدف مضاعف : ان يضع حداص للمنافسة بين العمال حتى يستطيعوا ان يحققوا المنافسة العامة مع الرأسمالي. اذا كان اول هدف النقاومة عبارة عن تحقيق الأجورفان الاتحادات تشكل نفسها بجماعات كما ان الأسماليين بدورهم يتحدون وهدفهم اخضاع العمال، وتصبح وحدتهم اهم من مسالة الأجور. هذه حقيقة، حتى ان القتصاديين الانكليز يدهشون عندما يرون العمال يضحون قسماً كبيراً من اجورهم لأجل تجمعاتهم التي هي في نظر هؤلاء الاقتصاديين قد تاسست فقط لأجل الأجور. وفي هذا الصراع – وهو حرب مدنية حقيقية تتحد وتنمو كل العوامل الضرورية لمعركة مقبلة، وعندما تصل هذه النقطة يتخذ التجمع شكلاً سياسياً.
إن الأحوال الاقتصادية حولت مجموعة سكان القرى إلى عمال. وخلق اتحاد رأس المال لهذه المجموعة حالة عامة ومصالح عامة. وهذه المجموعة هي بذاتها طبقة ضد الرأسمال. ففي هذا الصراع تتحد هذه المجموعة وتشكل كطبقة لنفسها. وتصبح المصالح التي تدافع عنها مصالح طبقة. لكن صراع طبقة ضد طبقة يكون صراعاً سياسياً.
نجد في البرجوازية ناحيتين: إنها شكلت نفسها كطبقة في النظام الاقطاعي وفي الملكية المطلقة فشكلت طبقة وطفت وخدمت الاقطاعية والملكية لتجعل المجتمع مجتمعاً برجوازياً. وكانت أولى هاتين الناحيتين الاطول وكانت تحتاج لجهد اكبر. وابتدأ هذا باتحادات جزئية ضد الاسياد الاقطاعيين.
حاول الناس كثيراً ان يعرفوا حقبات التاريخ النختلفة التي مرت بها البرجوازية. من طورها كجماعة لتشكيلها كطبقة، ولكن عندما تكون المسألة مسألة دراسة الاضرابات والاتحادات واشكال اخرى تقوم بها البروليتاريا لينظموا انفسهم كطبقة فإن البعض يخافون والبعض ينظرون لهذه الدراسة بنوع من الحتقار والهزء.
إن وجود طبقة مظلومة هو الشرط الأساسي لكل مجتمع قائم على صراع الطبقات. وان تحرير الطبقة المظلومة يتطلب خلق مجتمع جديد. ولكي تكون الطبقة المظلومة قادرة ان تحرر نفسها فمن الضروري ان لا تكون القوى الانتاجية والعلاقات الاجتماعية الموجودة قادرة ان تكون جنباً إلى جنب. ان كل وسائل الانتاج، وات اعظم قوى منتجة هي الطبقة الثورية نفسها. ان تنظيم العوامل الثورية كطبقة يفترض وجود كل القوى الانتاجية التي يمكن خلقها في صدر المجتمع الجديد.
هل هذا يعني انه بعد سقوط المجتمع القديم ان طبقة جديدة ستكون قادرة على ادارة حكم سياسي قدير ؟ كلا.
ان شرط تحرير الطبقة العاملة هو القضاء على طبقة، كما ان شرط تحرير الحالة الثالثة أي النظام البرجوازي كان القضاء على الملكيات وعلى كل الانظمة الأخرى.
ان الطبقة العاملة – وهي في طريق نموها – ستقيم مقام المجتمع المدني القديم تجمعاً يقضي على الطبقات وصراعها ولا تكون قوة سياسية كما ندعوها، طالما ان القوة السياسية هي الضغط القانوني على الصراع في مجتمع مدني.
إن الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية هو صراع طبقة ضد طبقة – صراع يؤدي غلى ثورة عامة- ليس مدهشاً ان مجتمعاً قائماً على صراع الطبقات يجب ان يؤدي غلى تناقص وحشي، غلى اصطدام جسد بجسد، كنتيجة محتومة له ؟
لا تقل ان الحركة الاجتماعية تقضي على الحركة السياسية. لا توجد حركة سياسية الا وهي حركة اجتماعية.
إنه في نظام الاشياء فقط حيث لا توجد طبقات ولا صراع طبقات نجد ان التطورات الجتماعية ستظل ان تكون ثورات سياسية. وان اخر كلمات العلم الاجتماعي- لدى تنظيف المجتمع – ستكون :
« الصراع أو الموت، الاصطدام الدموي أو العدم. هكذا يجب أن نضع المسالة
».