samedi 30 juin 2012

مراسلات ماركس من الجزائر ـ وثيقة نادرة ـ

– ا
أعاتب نفسي على عدم معاودة الكتابة إليك حتى الآن، مع أنه ليس هنا أي أمر هام لأحدثك ‏عنه. ولكم فكرت فيك – وأنت في إيستبورن، بجانب سرير جيني المريضة وأثناء زياراتك ‏اليومية الملتزمة التي طالما رفعت من روح هذا المتذمر الدائم نيك العجوز. ولكن كوني على ‏ثقة يا طفلتي الغالية بأن فيرمي كان في عطلة منذ الأسبوع الماضي، وهو يقيم في شارع ‏ميشيليت (وهو ما يطلق على جزء من طريق مصطفي الكبير) أسفل التل الذي يطل منه فندق ‏فيكتوريا. والفندق على مرمى حجر منه، بالرغم من أنه يضطر إلى "التسلق" ليصله لعدم ‏وجود طريق لائق إليه. والحقيقة أنه يواظب في الآونة الأخيرة على زيارتي مما يحبط أفضل ‏النوايا لكتابة الخطابات عصرا. أما عدا ذلك، فالسيد فيرمي ضيف أرحب به ولا يفتقد إلى روح ‏الدعابة. ‏ فقد أعطيته بعض النسخ من "المواطنين" و"المساواة" كي يقرأها، فوصل وهو يضحك ‏كثيرا من ما كتبه جيسد "إرهاب المستقبل" (الذي له أن يستمر) حتى – وقد نشر هذا التوقع ‏بالخط الداكن – يتم قطع رأس أخر بورجوازي ظالم في الوجود. فيرمي لا يحب الجزائر التي لا ‏يناسبه مناخها لا هو ولا أسرته (إذ يمرضون بالحمى كثيرا، إلخ.) بالرغم من أن كل أفرادها – ‏بدء بزوجته - من المواطنين الأصليين. ولكن قبل كل شيء، مرتبه كقاضي لا يكاد يكفي حتى ‏أبسط احتياجات الحياة، فالمعيشة في عاصمة المستعمرة أمر مكلف دائما. ولكنه يقر بأنه لا ‏يعرف أية مدينة أخرى في أي مكان آخر هي مقر للسلطة المركزية وتتمتع بنفس القدر من ‏عدم التدخل وحرية الحركة، ولا تحتاج إلا لأقل عدد من رجال الشرطة، وهناك شعور غير ‏مسبوق بعدم الحرج بين العوام. أما السبب في ذلك فهو العنصر المغربي، لأن المسلمين لا ‏يعترفون بشيء اسمه الخضوع. فهم ليسوا رعية ولا محكومين، ولا سلطة هناك إلا فيما ‏يختص بالسياسة - وهو أمر فشل الأوربيون في فهمه تماما. رجال الشرطة قليلون في الجزائر ‏وأغلبهم من السكان المحليين. ومع ذلك، تكثر التصادمات حتما بسبب هذا الخليط من العناصر ‏الوطنية والأشخاص عديمي الضمير، وهنا يثبت سكان كاتالونيا سمعتهم القديمة فعلا، ‏فالأحزمة البيضاء أو الحمراء التي يرتدونها فوق عباءاتهم تشبها بالمغاربة وغيرهم، وليس ‏تحتها كما يفعل الفرنسيون، كثيرا ما تخفي خناجراً رفيعة طويلة النصل لا يتواني أبناء ‏كاتالونيا هؤلاء في استخدامها دون تفرقة ضد الأيطاليين والفرنسيين إلخ. والسكان المحليين ‏على حد سواء. ‏ وبهذا الخصوص، فقد تم القبض على عصابة مزورين منذ أيام في مقاطعة وهران ومن بينهم ‏قائدها الذي كان ضابطا إسبانيا سابقا، وتبين أن وكالتهم الأوربية تقع في برشلونة عاصمة ‏كاتالونيا! وقد فلت عدد من هؤلاء المجرمين من الاعتقال وهربوا إلى اسبانيا. أن فيرمي ‏يمدني بهذه المعلومات وغيرها ما يشابهها. فقد حصل على عرضين مواتيين من الحكومة ‏الفرنسية، أولهما انتقال إلى نيو كاليدونيا حيث سيكون مسؤولا عن إدخال نظام قانوني جديد ‏وبمرتب يبلغ 10 آلاف فرنك (سيسافر هو وأسرته مجانا وسيحصل على سكن حكومي مجاني ‏لدى وصوله) ؛ أما العرض الثاني فإلي تونس حيث سيشغل رتبة قضائية أعلى هناك وفي ‏ظروف أفضل بكثير مما هو عليه حاليا. وقد أعطوه فترة محددة ليقرر رأيه - وأراه سيختار ‏هذه أو تلك. ‏


أمر طبيعي أن أنتقل من فيرمي إلى الطقس، إذ أنه يصب لعناته عليه بحرية. لم أفوت نزهتي ‏على الأقدام يوما منذ إثنين الفصح (شاملا ذلك اليوم)، بالرغم من أن الأمس (12 نيسان) هو ‏اليوم الأول الذي رحمنا فيه من تقلبات نيسان. فبالأمس، هبت علينا الرياح الشرقية الخفيفة ‏وتلتها رياح هوجاء، ألا أن ذلك كان أفضل طقس مررنا به – فدرجة الحرارة في التاسعة ‏صباحا (12 نيسان) كانت 19،5 درجة في الظل و35 درجة في الشمس. وبالرغم من أنني ‏خرجت في نزهة صباحا (12 نيسان) ألا أنني ذهبت لزيارة جزائر المدينة عصرا لأشاهد ‏السفينة الروسية المدرعة "بطرس الأكبر" التي وصلت إلى الميناء قبل أيام قليلة. ‏


تكهن مكتب الأحوال الجوية الرسمي باضطراب جوي شديد يومي 15 و16 نيسان (أي حدوث ‏عاصفة) وكذلك 19 و21 و25 و27 و29 و30 نيسان؛ ومع ذلك فإن الطقس باقي شهر ‏نيسان سيكون صفوا بشكل عام. ولكن هناك مخاوف بأن أيار سيعوضنا عن عدم مجيء الربيع ‏الجزائري الحق (والذي لم يبدأ إلا بالأمس) بوصول الصيف مباشرة ومعه الحر الذي لا يمكن ‏احتماله. ومهما كانت الظروف، فأنا بالرغم من أني عديم الفائدة، لا أشعر بالرغبة في أن أكون ‏محطة تجارب للأحوال الجوية. فبالنظر إلى غرابة الأشهر الأربعة والنصف الماضية، الله ‏وحده يعلم ما تدخره الجزائر لنا، وقد غادرت أعداد كبيرة من القوم الأذكياء شواطئها الأفريقية ‏قبل يومين (وبينهم "رانك" الشهير). أما أنا فأنوي البقاء حتى يقرر الدكتور ستيفان بأن ‏جانبي الأيسر بحالة جيدة مجددا، بالإضافة طبعا إلى تلك الندبة التي يعرفها الأطباء الكبار ‏دونكين وهيوم جيدا، والتي هي نتيجة نوبة سابقة من التهاب ذات الجنب. وما يرهقني هنا ‏حتى الآن هو السعال المستمر وإن كان معتدلا إلى حد ما؛ وفوق كل ذلك الملل الشديد.‏


مقاطعة من نوع ممتع جدا:‏ ‏ طرق على الباب -‏; أدخل! ‏ السيدة روزالي (واحدة من الخادمات هنا) تأتيني بخطاب منك، عزيزتي كوكادو وخطاب آخر ‏طويل من جاسكون على صفحاته ومظروفه الختم الرسمي‏‏"الاتحاد الوطني"‏يبدو أنه نجح هذه المرة! ليست هذه واحدة من تلك الجماعات التي يرعاها السيد هيرتش! ‏ومن جانب آخر يبدو أن مغادرة إبنتي كاكادو قد باتت وشيكة، ألا أنني أأمل ألا تكون الآن! كما ‏أنني أعتبره نوعا من التعويض بأن تكون الخالة كوكادو مكسبا ثمينا إلى هذا الحد لجيني ‏الصغيرة وأطفالها، وبأية حال فباريس ليست بعيدة ولا داعي هناك إلى تقضية عام بأكمله في ‏لندن. مما يذكرني: هل بعث لافارغ بالجزء التالي من المقالة إلى بطرسبرغ؟ (لا أدري ماذا ‏حدث للإرسالية الأولى). من بالغ الأهمية ألا نفقد نقطة ارتكازنا في بطرسبرغ فأهميتها ترتفع ‏يوميا! وهذا ينطبق على كل من يرسل رسائل إلى هناك.‏

مقاطعة ثانية:‏‏ الساعة الآن 1 ظهرا وقد وعدت السيدة كاستيلاز وإبنها والسيدة كلود (من نوفشاتيل)، وهي ‏مقيمة أخرى هنا، بزيارة "حديقة الحامة" أو"حديقة التجارب". يجب أن نعود إلى هنا قبل ‏موعد العشاء (6 مساء) إذ أنني لا أتذكر بأني حاولت بذل أي جهد في الكتابة في وقت متأخر ‏عن ذلك. لذا لن أكتب أكثر من هذا حتى الغد. وكإضافة بسيطة * لمعرفة كاكادو سأسمح ‏لنفسي بملاحظة أن الحامة هي المكان الذي نزل فيه 24 ألف جندي بقيادة الامبراطور شارل ‏الخامس (أو كارلوس الأول عند الأسبان) يوم 23 تشرين اول عام 1541 وأنه اضطر بعد ‏مرور ثمان أيام من شحن ما تبقى من جيوشه الرائعة التي تحطمت بها سفنه في عاصفة يوم ‏‏26 ويجمعها بشق الأنفس في دوريا بماتيفو. ورأس ماتيفو يقع عند الطرف الأقصى من خليج ‏الجزائر مقابل جزائر المدينة حيث يمكنني أن أراه من شرفة فندق فيكتوريا باستعمال منظار ‏ثنائي جيد.‏

الجمعة‏‏14 نيسان‏‏


‏* أبدأ هذا الخطاب في اللحظة التي أصبح لدي بعض ما أضيفه على ما سبق، أي في الساعة ‏‏1 ظهرا. لقد انتهى يوم أمس صحوا تماما مثل يوم 12، وكانت أمسيتا 12 و13 (حوالي 8 ‏مساء) دافئتان – وهذا هو الأمر الرائع – ومعتدلتان (نسبيا) في نفس الوقت، وهو شيء ‏ممتع. أما صباح اليوم فالدفء قد ازداد بعض الشيء وبما أن الريح تهب بقوة منذ ساعتين ‏فإني أعتقد بأنها العاصفة التي تكهنوا بها الأمس ليومي 14 و15.‏


توجهنا أمس في الساعة 1 ظهرا إلى مصطفى الصغير من حيث استقلنا الترام إلى "حديقة ‏الحامة" أو"حديقة التجارب"، وهي تستعمل كمنتزه للعامة تعزف فيه أحيانا الموسيقى ‏العسكرية، وكمشتل لإنتاج ونشر الخضروات المحلية، وأخيرا كمقر للتجارب العلمية النباتية ‏وكحديقة لأقلمة النباتات. وهي تقع على مساحة كبيرة جدا، جزء منها جبلي والآخر سهلي. ‏وستحتاجين إلى يوم بأكمله لمشاهدة تفاصيلها، ويفضل أن يرافقك شخص مختص في الأمر ‏مثل السيد ديوراندو، أستاذ علم النبات وصديق السيد فيرمي والعجوز فورييريست. وهو أيضا ‏قائد فرع "النادي الألبي الفرنسي" في رحلاته المنتظمة أيام الأحد. (أنا نادم جدا على أن ‏ظروفي البدنية والحظر الصارم الذي فرضه على الدكتور ستيفان لم يتيحا لي حتى الآن ‏المشاركة في هذه الرحلات مع أن الدعوة قد وجهت لى 3 مرات).‏


تناولنا القهوة قبل دخولنا إلى الحديقة، وبالطبع تناولناها في الهواء الطلق بأحد مقاهي ‏المغاربة. وقد حضرها المغربي بشكل ممتاز، وكنا على الضفة. بجوارنا، على طاولة خشنة ‏المظهر جلس حوالي ستة من الزوار المغاربة القرفصاء، كل واحد فيهم مستمتع بجهاز ‏تحضير القهوة الخاص به (كل شخص هنا يحصل على واحد منها) وهم يلعبون الورق معا ‏‏(وهي من انتصارات الحضارة عليهم). يا له من منظر ملفت للأنظار: فبعض هؤلاء المغاربة ‏ارتدى أزياء فاخرة بل وتنم على الثراء بينما الآخرون لبسوا ما أطلق عليه اسم القمصان، ‏بعضها من الصوف الأبيض ولكنها أسمالا بالية - ألا أن في نظر المسلم الحقيقي لا تعتبر مثل ‏هذه المصادفات، أو حسن الحظ أو سؤه، أمرا يفرق أبناء أمة محمد عن بعضهم البعض. هناك ‏مساواة كاملة في تعاملاتهم الاجتماعية، وهي ليست مصطنعة. بل على العكس، أنهم لا ‏يشعرون بها إلا عندما تفسد أخلاقهم. أما فيما يختص بكرههم للنصارى وأملهم في الانتصار ‏نهائيا على هؤلاء الكفار، فإن لساستهم الحق الكامل في اعتبار هذه المشاعر وهذه المساواة ‏‏(وهي المساواة في الشخصية لا في المال أو الجاه) كضمان المحافظة على الأول وعدم التنازل ‏عن الثاني. * (ومع ذلك فبدون وجود حركة ثورية لن يصيبهم سوى الخراب). ‏


‏*أما فيما يخص الجزء السهلي من "حديقة التجارب" فتعليقي الوحيد هو: تمر بطولها ‏ثلاث طرقات كبرى رائعة الجمال – فمقابل المدخل الرئيسي هناك طريق الأشجار الساحلية يليه ‏طريق النخيل الذي ينتهي عند واحة بها 72 نخلة ضخمة وتحدها السكة الحديدية من جهة ‏والبحر من جهة أخرى؛ والطريق الأخير هو طريق المغنولية ونوع من أشجار التين (فيكوس ‏روكسبورغي). وهذه الطرقات الثلاثة تتقاطع معها طرقات كثيرة أخرى، مثل طريق أشجار ‏الخيزران المدهش، طريق النخيل ذو القنب، طريق أشجار السقرطي، واليوكاليبتوس (أشجار ‏تاسمانيا الصمغية الزرقاء)، إلخ. (وهذه النباتات الأخيرة إنما تنمو نموا سريعا للغاية). ‏


وبطبيعة الحال لا يمكن تقليد هذه الأنواع من الطرقات في "حدائق التأقلم" الأوربية.‏


عصرا عزفت فرقة عسكرية الموسيقى في ساحة كبيرة تحيطها أشجار ‏الدلب، وكان قائدها وهو ضابط صف مرتديا البزة العسكرية الفرنسية ‏العادية بينما ارتدى العازفون (وهم من الجنود) سراويلا حمراء فضفاضة ‏‏(على الطراز الشرقي) وأحذية بيضاء طويلة من اللباد بها أزرار تصل إلى ‏طرف السروال، وعلى رؤوسهم الطرابيش الحمراء.‏


وبما أننا نتحدث عن الحدائق، فأنا لم أذكر (بالرغم من أن بعضا منها كان ‏محببا جدا لأنفي) أشجار البرتقال والليمون – وكذلك أشجار اللوز والزيتون، ‏إلخ، ولا أنواع الصبار والألوة التي تنبت أيضا بأشكالها البرية (ومثلها اللوز ‏البري والزيتون البري) في هذه البلد الوعرة التي نقيم بها. ‏


وبقدر ما أمتعتني هذه الحديقة، يجدر بي أن أذكر بأن الشيء المقيت في هذه ‏الرحلة ومثيلاتها هو الغبار الطباشيري في كل مكان. فمع أنني كنت بخير ‏طوال العصر وبعد عودتي إلى المنزل وأثناء الليل، ألا أن سعالي يضايقني ‏بسبب تهييج الغبار. ‏


أتوقع حضور الدكتور ستيفان اليوم ولكني لا أقدر على تأجيل بعث هذه ‏الرسالة ، وسوف أقوم بإرسال تقرير إلى فريد فيما بعد. ‏


وختاما، دعنا - كما إعتاد ماير السوابي على القول - دعنا نلقي نظرة على ‏الأمور من وجهة نظر تاريخية عليا. فالعرب البدو (الذين انحطوا كثيرا في ‏عدد من النواحي مع احتفاظهم بالعدد من الصفات الحميدة جدا بسبب ‏صراعهم على البقاء) لديهم ذكريات عن فلاسفتهم وعلمائهم العظماء إلخ. ‏وهذا هو في اعتقادهم سبب احتقار الأوربيين لهم لجهلهم الحالي. وفيما يلي ‏رواية قصيرة ذات مغزى هي نموذج للفلكلور العربي. ‏


على طرف مياه نهر هائجة استعد قائد قارب صغير في انتظار الفيلسوف ‏الذي يرغب في العبور إلى الشط الآخر. ويركب الفيلسوف ثم يبدأ المحاورة ‏التالية: ‏


الفيلسوف‏: أتعرف شيئا من التاريخ يا قائد القارب؟‏
قائد القارب: كلا!
الفيلسوف‏: إذا أضعت نصف عمرك!‏
وبعد قليل:‏ الفيلسوف‏: هل درست الرياضيات؟
قائد القارب: كلا!
الفيلسوف‏: إذا أضعت أكثر من مجرد نصف عمرك!‏


وما كاد الفيلسوف أن ينطق بهذه الكلمات حتى قلبت الرياح القارب قاذفة ‏بكلى الرجلين في الماء. وحينها صاح


قائد القارب أتعرف السباحة؟
الفيلسوفr: كلا!
قائد المركب‏: وحيك، فقد أضعت عمرك كله!‏


أأمل أن يفتح ذلك شهيتك للأمور العربية.‏


لك محبتي الشديدة وقبلات كثيرة.‏

نيك العجوز
(‏مع تحياتي للجميع‏)



‎ ‎ماركس إلى لورا لافارغ في لندن‏

‏[الجزائر] الخميس 13 نيسان 1882‏

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire