mardi 9 avril 2013

تقرير خطير حول الصحة بالمغرب




بمناسبة اليوم العالمي للصحة:

التقرير الأولي عن الوضعية الصحية بالمغرب والتحديات المطروحة التي يواجهها النظام الصحي في انتظار استكمال التقرير العام وعرضه على الرأي العام والهيئات المهتمة كوزارة الصحة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمنظمة العالمية للصحة

ملخص تقريرالسياسات الحكومية لقطاع الرعاية الصحية بالمغرب

تقييم السياسة الصحية بالمغرب:

تقييم السياسة الصحية والوقوف على الاختلالات القائمة وتقديم بدائل وتوصيات لوضع أسس إصلاح حقيقي للمنظومة الصحية الوطنية


نهدف من وراء هذا التقييم الأولي للسياسة الصحية بالمغرب من خلال الاختيارات التي اعتمدتها الحكومة الحالية منذ توليها مقاليد الأمور دراسة وتحليل ثلاث مكونات أساسية ورئيسية :
الصحة والدستور الجديد للمملكة ومدى ملائمة السياسة المتبعة مع مقتضيات الدستور وقانون مدونة التغطية الصحية والمواثيق الدولية ذات الصلة كالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ودستور المنظمة الصحة العالمية و اتفاقيات منظمة الشغل الدولية.
نتائج السياسات الصحية المتبعة في ضوء المؤشرات و التحديات التي تواجه النظام الصحي بناءا على مقاربة تقييم المحددات الاجتماعية للصحة


تقديم:
نعيش اليوم في عالم يتميز بالتعقيد والتغيير المتسارع وتعرض شعوبه لشتى أنواع المخاطر والتهديدات جراء الحروب والفقر والمجاعة و التغيرات المناخية والبيئية وأنواع المواد الاستهلاكية ، والنقص في الموارد المائية، والهجرة السكانية الكبيرة، والتفاوتات في توزيع الخيرات وظهور أمراض جديدة... كما أصبحت النظم الصحية تواجه حالات الطوارئ والإصابات والوفيات ذات العلاقة بالعنف المجتمعي وحوادث السير وضحايا الاحتجاجات والمظاهرات الجماهيرية متعددة الاسباب و كدا الامراض ذات العلاقة بأنماط الحياة الحديثة إلى جانب انتشار الأوبئة عبر الحدود "مثل الانفلونزا والالتهاب الرئوي وغيره " وبالتالي ، انعدام عام بالشعور بالطمأنينة والأمن الانساني بشتى أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الثقافية. لقد أضحى بحث المرء عن أمنه الانساني وتلبية احتياجاته قضية شائكة وصعبة المنال، وقد كان الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية قد خصص حيزا هاما للحق في الصحة كحق من حقوق الانسان ، ولعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو أول وثيقة عالمية نصت على حق الأشخاص في مستوى كاف من المعيشة للمحافظة على الصحة والعناية الصحية وتأمين المعيشة في حال المرض وفق ما تنص عليه المادة الخامسة والعشرون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه : ''لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة ظروف خارجة عن إرادته.
ومن هذا المنطلق تم تكريس مفهوم إنساني للحق في الصحة من خلال اعتباره حق من حقوق الإنسان، ويشمل حق الأم في الرعاية وحق الطفل وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وحقوق العجزة والشيوخ وذوي الاحتياجات الخاصة على العموم في نظام الحياة والحق في الدواء.
وفي هدا الإطار إذا كانت الصحة، حسب تعريف منظمة الصحة العالمية ،على أنها حالة من السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة، وليس مجرد عدم المعاناة من أية أمراض، فإن دستور نفس المنظمة يوصي بضمان حق الحصول على صحة عالية الجودة لجميع المواطنين بتكلفة اقتصادية ملائمة و أن تحقيق هذا الحق الانساني من مسؤولية الحكومة والمجتمع وبالتالي وجب على الحكومات تهيئة الظروف المناسبة التي تتيح لكل فرد إمكانية التمتع بأكبر مستوى ممكن من الصحة. فإذا كان الحق في الصحة حسب العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يعني "التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه " باعتباره أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية، فإن الحق في الصحة يتضمن مفهوما شموليا ولا ينطوي فحسب على توفير خدمات الرعاية الصحية في الوقت المناسب ، بل ينطوي أيضاً على محددات الصحة ، أي المحددات الاجتماعية للصحة مثل توفير المياه الصالحة للشرب و الأغذية والأطعمة المغذية المأمونة والسكن اللائق والأمن و الشغل الكريم وظروف مهنية وبيئية وصحية وتوفير وسائل التثقيف الصحي والمعلومات الصحية المناسبة، بما في ذلك في مجال الصحة الجنسية والإنجابية.
وفي هدا السياق ، نص دستور المملكة الجديد في الفصل 31 على أن ”تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من حق العلاج والعناية الصحية، الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، التضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة، الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة، التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية، السكن اللائق، الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل أو في التشغيل الذاتي، ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق، الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة و التنمية المستدامة".
وتنص المادة نفسها على العلاج باعتباره من الحاجات الأساسية التي تكفلها الدولة مع تبني المملكة في دستور فاتح يوليوز 2011 بتكريس واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا وينص على حماية منظومتها، مع مراعاة طابعها الكوني وعدم قابليتها للتجزيء. بالإضافة إلى تكريس سمو الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، على التشريعات الوطنية والتنصيص على العمل على ملاءمة هذه التشريعات مع مقتضياتها.
وبالرغم من تنصيص الدستور الجديد،وهي سابقة في تاريخ الدساتير المغربية، على الحق في الصحة فضلا عن مقتضيات مدونة التغطية الصحية الأساسية والقانون 65.00 الذي تعتبر بموجبه الصحة من مسؤولية الدولة والمجتمع ينبغي أن تنبني على مبدأ العدالة والإنصاف في ولوج العلاج والدواء والرعاية الصحية , فإن استمرار انتهاك هدا الحق لازال يشكل إحدى التحديات الكبرى التي تواجهها بلادنا على المدى المنظور أي على مستوى احترام و تطبيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية للمواطنين وذلك بسبب عجز الاختيارات السياسية المتبعة في تحقيق العدالة الصحية والفوارق الاجتماعية الصحية والتباين الكبير في الحصول على خدمات صحية ذات جودة وغياب تأمين صحي واجتماعي شامل لكل فئات المجتمع ،و يضاف لذلك كلّ الانتهاكات المتعلّقة بأخلاقيات المهنة والجشع الذي تعرفها عدد من المجالات الصحية و المصحات في القطاع الخاص وشركات صناعة الأدوية والمختبرات التي حولت صحة المواطن وضعفه ومرضه لسلعة للمتاجرة والغنى الفاحش ،ولم نلاحظ أي تغيير حقيقي على أرض الواقع في ظل صناع السياسة والمخطّطين الاستراتيجيين للسياسة الصحية بالمغرب خلال هذه الفترة الانتقالية بعد أزمة خانقة خلفتها الادارة السابقة ولازالت رواسبها جاثمة على النظام الصحي الوطني بما فيها فساد التدبير.
كما يتضح في النهاية وفق هدا التشخيص المتواضع الذي نقدمه في هدا التقرير الأولي عن الوضعية الصحية بالمغرب والتحديات المطروحة التي يواجهها النظام الصحي في انتظار استكمال التقرير العام وعرضه على الرأي العام والهيئات المهتمة كوزارة الصحة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمنظمة العالمية للصحة، يمكن القول إجمالا إن إعمال حقّ الصحّة بالمغرب قضية لازالت بعيدة المنال باعتبارها ومرتبطة عضويا بممارسة جملة الحقوق الإنسانية الأخرى وإن التنزيل الحقيقي للدستور بخصوص الحق في الصحة وولوج العلاج والدواء لازال مجرد شعارات ووعود ومتمنيات : ودليلنا على ذلك تؤكده كل المؤشرات والمعطيات الرقمية إذ لازلنا متخلفين على مستوى التنمية البشرية والإنسانية ونجتهد فقط في الترقيع وتقديم المسكنات لكل المشاكل المطروحة بدل القيام بالعلاج الجذري وإزالة الأورام .
وسنحاول من خلال هذه الورقة إبراز فشل المقاربات السياسة المنعزلة:
ومهما يكن من أمر، فإنه بالرغم من التحسن في بعض المؤشرات الصحية وخاصة ارتفاع معدل العمر المتوقع للفرد عند الولادة إلاّ أن الفوارق الاجتماعية للصحة ظلت شاسعة على مستوى توزيع وتقديم الخدمات الصحية كما ظلت السياسات المتبعة تفتقر الى مبدأ العدالة والإنصاف في ولوج العلاج ولا تحقق أهداف العملية الصحية والتنمية البشرية,والمغرب اليوم يمر بمرحلة انتقالية ديمغرافية ووبائية أفرزت أمراضا جديدة وتتميز بظهور وانتشار امراض مزمنة وأمراض الشيخوخة والأمراض الحديثة التي تتطلب تكاليف باهظة ومتواصلة علاوة على عودة ظهور أمراض قديمة تم القضاء عليها او الحد منها بشكل كبير. وبالموازاة مع هذا، نشاهد اليوم التطور الطبي السريع وارتفاع الطلب على الخدمات الصحية وارتفاع تكلفة العلاج والدواء وبالتالي من اللازم مراجعة السياسات الاجتماعية والصحية الراهنة لضمان العدالة الصحية وجودة الخدمات واستمرارية النظام الصحي الوطني في أداء رسالته على المدى البعيد ومواجهة مختلف التحديات المطروحة عليه من قبيل :
ضعف التمويل العمومي للصحة وارتقاع نصيب النفقات الذاتية من جيوب الأسر المغربية بما يعادل اليوم 60 في المائة النفقات الاجمالية على الرعاية الصحية.
الملاحظ اليوم تكريس نفس المقاربة الرامية الى التخلي التدريجي للحكومة عن مسؤولياتها في تحمل نفقات الرعاية الصحية لجميع المواطنين، فبالإضافة الى ضعف النفقات الصحية التي لا تتعدى 5 في المائة من الميزانية العامة السنوية عملت على فرض رسوم إضافية على الموظفين وأجراء القطاع الخاص حددتها في 20 في المائة من تكلفة الخدمات الصحية المقدمة من استشفاء وجراحة وتشخيص وأشعة وتحاليل وأدوية رغم المساهمة الشهرية الاجبارية ،وقد تصل هده الرسوم الى مبالغ يعجز المؤمن عن أدائها ويصبح متابعا من طرف المستشفيات العمومية عبر مديرية الضرائب أو القضاء بالنسبة للمصحات وبالتالي فالحكومة تعتمد أكثر في سياستها الصحية على جيوب المواطنين والأسر.
وقد ينفق المواطن من جيبه اليوم ما يقارب 70 في المائة من النفقات الصحية في الصيدليات لشراء الأدوية وفي غالب الأحيان دون وصفات طبية بسبب ضعف القدرة الشرائية رغم ما لهذه الممارسات من انعكاسات سلبية على صحة المواطن وخصوصا استهلاك المضادات الحيوية دون نسيان أن فئة لا يستهان بها تضطر الى الاقتراض أو حتى بيع ممتلكاتها من أجل متابعة العلاج .
فشل وتعثر نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود:
أولا: لقد خرج النظام عن أهدافه المرسومة في القانون 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية والمتعلقة أساسا بالولوج المجاني والشامل لكل للفئات المعوزة للخدمات الصحية مجانا وبالجودة المطلوبة طبيا. وأصبح نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود المسمى الراميد وبالا على الفئات الفقيرة والمعوزة وعرقلة أفضع مما كانت الأمور عليه في ولوج العلاج . فعملية أجرأة وتنفيذ وتعميم نظام المساعدة الطبية عرفت عدة اختلالات وتعثرات وفاقمت بشكل كبير من صعوبات ولوج العلاج ليس على المستوى المادي فحسب بل حتى على مستوى الولوج الجغرافي الذي أصبح يحمل تعقيدات إدارية و عراقيل جديدة وضعتها الحكومة أمام المرضى المستفيدين من هذا النظام لولوج العلاجات الثالثية والمتخصصة بالمستشفيات الجامعية بحيث على المريض المعوز أن يمر بالضرورة إذا رغب في الاستشارة الطبية والعلاج والاستشفاء عبر نظام للمسالك الصحية ،وهي رحلة طويلة بين المؤسسات الصحية العمومية بدءا بالمستوصف ثم المركز الصحي مرورا بالمستشفى المحلي و الاقليمي تم الجهوي للوصول الى آخر حلقة في النظام ألاستشفائي الجامعي، كما جاء نظام الراميد بتعقيدات جديدة تتعلق بضرورة اللجوء إلى المؤسسات الصحية التي توجد في الإقليم مقر السكنى ووفق التقطيع الإداري: بمعنى آخر أن مواطنا يوجد على بعد كيلومترات قليلة من مستشفى في فاس عليه أن يسافر إلى مدينة تازة لكون الدائرة الترابية التي ينتمي إليها تابعة لهذا الإقليم وما يترتب عن ذلك من مصاريف السفر والإقامة احيانا في فندق إضافة إلى مواعيد متعددة للتشخيص والاستفادة من الاستشفاء أو عملية جراحية والتكاليف الإضافية لأسرة المريض ، وقد أبانت هده العملية لذى عموم الأطباء والممرضين على عدم جدواها وتعقيدها للعملية الصحية مما يدفع بالعديد من المرضى إلى التخلي عن علاجهم بالقطاع العام ...
ثانيا: على كل طالب لبطاقة الراميد الانتظار لشهور قبل الحصول عليها بسبب تعقيد المساطر والوثائق المطلوبة وتعدد المتدخلين وتعتر اجتماعات اللجان والإهمال مما يتطلب معه الأمر أحيانا في حالات الاستعجال والأمراض المزمنة اللجوء الى إعمال منطق وأسلوب التدخلات من هذه الجهة أو تلك :مما يفتح الباب على مصراعيه للزبونية والمحسوبية و للإستغلال الانتخابي والسياسوي لهده العملية الانسانية والاجتماعية التي تعتبر من صميم مسؤولية الدولة وحق المواطنين عليها.
ثالثا: فئة كبيرة وواسعة جدا من المواطنين وجدت نفسها خارج مدونة التغطية الصحية الأساسية فلا هي بمستفيدة من نظام للتأمين الإجباري عن المرض ولا هي في خانة ذوي الدخل المحدود ،و تصل إلى ما يقارب 30 في المائة من ساكنة المغرب وهم على الخصوص المهن الحرة الصغيرة والمتوسطة والتجار والحرفيين الصغار والمتوسطين الدين لهم دخل محدود وغير قار ناهيك عن ملايين العمال بالقطاع الخاص والقطاع غير المنظم الموجودين خارج الضمان الاجتماعي والطلبة وآباء و أمهات المؤمّنين لدى مؤسسات التأمين الاجباري ولهم دخول متواضعة إذ لا تسمح لهم اللجنة بالحصول على بطاقة الراميد وهم ذوو مداخيل شهرية لاتصل إلى الحد الأدنى للأجر ولهم عمل غير قار وموسمي.
وقد كانت هده الفئة الهامة إلى عهد سابق تحصل على شهادة الاحتياج من أجل العلاج والاستشفاء المجاني واليوم وجدت نفسها محرومة من حق دستوري وإنساني بسبب السياسة الاختزالية والإقصائية للحكومة؛
رابعا: المعايير والمؤشرات التي بنيت عليها ماهية وفلسفة وطريقة تحديد الفئة المستهدفة والأسر الأكثر احتياجا و كذا معايير تحديد الفقر المطلق والفقر النسبي من أجل الاستفادة من نظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود ، تعود لسنة 2004 وهي إحصائيات وأرقام صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أصبحت اليوم متجاوزة بفعل عدد من المتغيرات السوسيو-اقتصادية التي عرفتها بلادنا من ارتفاع للأسعار وارتفاع للقدرة الشرائية وتكلفة المعيشة للأسر وبالتالي على الحكومة مراجعة المرسوم المنظم لهذه العملية؛
خامسا: وهنا نقف أمام تناقض صارخ بين ما يتم التصريح به ومدى ترجمته الى أفعال وما يجري على أرض الواقع خاصة حينما يتعلق الأمر بموضوع المجانية الكاملة في ولوج العلاج والدواء والتشخيص. إن شعار المجانية لكل حامل بطاقة الراميد غير صحيح: فنسبة المجانية اليوم لا تتعدى 30 في المائة من نفقات العلاج إدا استثنينا الموارد البشرية إذ على المرضى الدين تم قبولهم بالمستشفيات العمومية تغطية نفقات تشخيصهم وعلاجهم بنسبة تفوق أحيانا 60 في المائة من جيوبهم وجيوب أسرهم و 76 في المائة بالنسبة للأدوية ،وفي أغلب الأحيان يوجّهون للقطاع الخاص للقيام بتشخيص وبتحليلات مختبرية علاوة على شراء الأدوية من الصيدليات وحتى المستعجلات لم تسلم من هذه القاعدة. فنحن حسب كل المعطيات المتوفرة لدينا ،يمكن القول إننا امام فشل تجربة نظام الراميد في بدايته بسبب غياب رؤى وإستراتيجية فعالة لمأسسة النظام الصحي الوطني العادل وللجميع، إننا نعيش اليوم منحى خوصصة النظام الصحي العمومي وتدميره وتقوية نظام صحي لمن له القدرة على الدفع؛
سادسا: بالإضافة الى ضعف تمويل نظام الراميد الذي لم يتجاوز 2. مليار درهم ، نلاحظ كدلك استمرار الغموض و الضبابية في كيفية تغطية تكاليف النفقات الصحية للمستفيدين من النظام بالنسبة للمستشفيات ذات التدبير المالي المستقل –سيكما- والمراكز الاستشفائية الجامعية فهي اليوم تصرف من ميزانيتها لعلاج هده الفئة ولها ديون على الحكومة وتجهل من سيؤدي فاتورات العلاج علاوة على أن أغلب الجماعات المحلية لم تبرمج ما عليها من نفقات لصالح نظام الراميد المحدد في 6 في المائة من النفقات العامة ،كما نجهل مصير 19 في المائة (600 درهم ) للأسرة الواحدة التي تعتبر مساهمة سنوية تؤديها فئة المواطنين في وضعية هشة مستفيدة من النظام.
و في السياق نفسه،فنجاح نظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود واحترام توجهاته ومبادئه العامة لا يمكن أن يتحقق خارج منظومة صحية عمومية ناجعة وفعالة وفي قلب مشروع مجتمعي عادل ومنصف تتحمل فيه الدولة المسؤولية الكاملة من منطلق أن الصحة وولوج الدواء حق من الحقوق الدستورية و الإنسانية، وبالتالي فهي عملية استثمارية في الانسان عبر حماية صحته العقلية والنفسية والاجتماعية لجعله قادرا على المساهمة في تنمية المجتمع وتطوره و أمنه الانساني بدل اختزالها في عملية حسابية واقتصادية صرفة كما نحن عليه اليوم : كم عدد الفقراء وكم عدد المواطنين في وضعية هشة ؟كم سيكلفنا الغلاف المالي ؟
تراجع خدمات الصحية الوقائية والرعاية الصحية الأولية والتربية الصحية لصالح نظام العلاجات الثلاثية المكلفة والباهظة التكلفة :
لقد عرف المغرب في السنوات الأخيرة عودة ظهور أمراض معدية خطيرة وقاتلة وشديدة التنقل والاستشراء في عدد من المدن والقرى وخاصة في صفوف الطبقات الفقيرة والمعوزة كنا الى عهد سابق قد قضينا على مثل الجذام بجانب ارتفاع معدلات الإصابة بمرض التهاب السحايا ( المينانجيت) - أزيد من 1000 حالة سنة 2012- وتزايد حالات مرض السل التي يتم اكتشافها سنويا- 27 الف حالة جديدة- وهي من الأمراض التي تدخل في استراتيجية أهداف الألفية للتنمية علاوة على سهولة الانتقال لدى مرضى فقدان المناعة المكتسبة (السيدا) ،هدا فضلا عن استمرار تفشي الأمراض المزمنة (كالسكري والسرطان والقصور الكلوي وأمراض القلب والشرايين و أمراض الصحة العقلية والنفسية ...) و نسب تفشي الأمراض المعدية (كوباء السل القاتل المقاوم للأدوية والإسهال والتهاب السحايا والأمراض المنقولة جنسيا والسيدا...)
إننا اليوم أمام تحول مهم للخريطة الديمغرافية والوبائية بالمغرب وما لهدا التطور والتغيير من تأثيرات على الصحة السكان.إضافة إلى الاختلالات المعروفة للنظام الصحي المغربي، نلاحظ منذ بضع سنوات تطورا مهما في الأمراض التي تحتاج علاجات مكلفة و طويلة كالسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية ، والسرطان والتهاب الكبد....
هذه الوضعية ما هي إلا نتيجة حتمية للتخلي التدريجي لوزارة الصحة عن برامج الوقاية والتربية الصحية وتعتر كل البرامج المعتمدة من طرف المنظمة العالمية للصحة في الوقاية والرعاية الصحية الأساسية.
ونتيجة لهده الاختيارات التي قلصت من الدعم المالي واللوجيستيكي لبرامج الوقاية والرعاية الصحية الأولية والتربية الصحية لصالح النظام العلاجي المركب المكلف ،ارتفعت مؤشرات وفيات الأمهات الحوامل و وفيات المواليد الجدد والأطفال دون سن الخامسة مقارنة مع عدد من الدول ذات نفس المستوى الاقتصادي . علما أن معدَّل وفيات الأمومة حسب آخر الاحصائيات الرسمية والمتضاربة أحيانا بسبب ضعف أنظمة المعلومات الصحية التي تسهل تحقيق مقاصد وأهداف المنظومة الصحية بعيدا عن أرقام مستوردة وغير شفافة، وصل الى نسبة 130 وفاة في كل 100 الف ولادة حية، وبالنسبة لوفيات الأطفال دون سن الخامسة فقد وصل الى 41 في الألف علما أ ن معدل الوفيات يرتفع بين الفقراء 3 -4 مرات عن مثيله بين الأغنياء، و أن الفارق بين معدَّل الوفيات في الأحياء الأقل حرماناً والأحياء الأكثر حرماناً يصل إلى ضعفَين ونصف.كما يزيد معدَّل وفيات الأطفال في الأحياء الشعبية الفقيرة وهوامش المدن مرتين ونصف المرة عن معدّله في المناطق الحضرية. كما أن الطفل الذي يولَد لأم أمية ترتفع احتمالات وفاته إلى نسبة 10% بينما لا تتعدّى احتمالات وفاة الطفل المولود لأم حصلت على الأقل على التعليم الثانوي 0.4 % (أقل من نصف في المائة).
كذلك يلاحظ تدهور الخدمات الصحية العلاجية رغم احتلالها للأولوية في السياسة الصحية إذ تستهلك المستشفيات أزيد من 70 في المائة من الميزانية المخصصة لوزارة الصحة دون جدوى علما أن الميزانية المخصصة لقطاع الصحة من الميزانية العامة للجدولة لا تتعدى 5 في المائة وتظل مساهمة الأسر في تغطية النفقات الصحية بنسبة 54 في المائة.
وفي متابعتنا في الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة لوضعية المستشفيات العمومية بالمغرب يتضح أن الأوضاع داخل المستشفيات العمومية لم تزدد إلا سوءا وتدهورا بفعل عدة عوامل مالية وبشرية و لوجستيكية ، فنسبة هامة من هذه المستشفيات كما سبق الاشارة الى دلك في تقارير الشبكة أصبحت عبارة عن بنايات متهرئة ومتهالكة و بعض أجنحتها وقاعاتها آيلة للسقوط إضافة إلى وجود آليات طبية معطلة بسبب غياب الصيانة ناهيك عن المصاعد ومخارج الطوارئ مما يصعب معه حتى القيام بعملية إنقاذ المرضى والعاملين حين وقوع كوارث إذ غالبا ما يتم اللجوء إلى دوي المرضى للمساعدة في نقل المريض .
بنايات ومنشئات تفتقد كثيرا إلى مواصفات المستشفيات والمؤسسات الصحية الانسانية والاجتماعية كونها تفتقد لأبسط شروط الصحة والسلامة المهنية وسلامة المريض الذي يضع كامل ثقته في القطاع الصحي العمومي.
وقد ساهمت هده الاختلالات بشكل كبير في تردي الخدمات الصحية و العلاجية وفي ضعف جودتها فضلا عن وضع عراقيل جديدة لولوج العلاج الذي كان ميسرا نسبيا ومجانيا قبل دخول نظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود إلى حيز التنفيذ وشرط التوفر على ورقة "الراميد "،وهو ما يفيد اليوم تراجع المؤشرات الاستشفائية كالتردد على المستشفيات العمومية التي لا تتعدى 24 في المائة ومعدل القبول 6 في المائة والاستشارات الطبية المتخصصة 7 في المائة وبالمقابل ارتفع معدل مدة المكوث والإقامة بالمستشفي بسبب النقص في إمكانيات التشخيص و العلاج وطول انتظار الاستفادة من عملية جراحية والبطء في تحديد الموعد و خاصة في الاختصاصات الطبية الناتج عن الأعطاب المتكررة التي تصيب أجهزة التشخيص مما يؤدي الى تزايد " ظاهرة الطوابير" وانتظار المرضى لدورهم في الحصول على موعد للخضوع لعملية جراحية أو القيام بتشخيص مغناطيسي أو القيام بتحاليل طبية،مما يتسبب في إطالة مدة الإقامة و انعكاساتها على مردودية الأطباء الجراحين بحيث لا تتجاوز أحيانا عند عدد غير قليل منهم عمليتين في الشهر لطبيب جراح داخل النظام الصحي العمومي علاوة على استمرار ظاهرة الاكتظاظ في المستعجلات و ما يسببه ذلك من مشاكل يومية للعاملين نتيجة الضغط وغياب المستلزمات الطبية والجراحية الضرورية لإسعاف المصابين وإنقاذ أرواح بشرية بالسرعة والدقة و الجودة المطلوبة و ذلك دون إغفال ما لهده الوضعية داخل المستعجلات من انعكاسات جد سلبية على سلامة المرضى وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الأخطاء الطبية .
و من جهة أخرى،يساهم ضعف البنيات التحتية وقلتها مقارنة مع الحاجيات المتزايدة للمواطنين في العلاج في تدني مستوى المردودية وهو ما تترجمه الأرقام والمعطيات الصحية حيث لا يتوفر المغرب إلا على حوالي 141 مستشفى عمومي بطاقة استيعابية لا تتعدى 27 ألف و 326 سريرا لما يفوق 30 مليون مواطن وهو رقم للثمانينات من القرن الماضي : أي أن المغرب يتوفر على أقل من سرير واحد لكل ألف نسمة، تحديدا 0.9 سرير لكل ألف نسمة، وهي نسبة بعيد كل البعد عن المعايير الدولية في حدها الأدنى وحتى بالمقارنة مع تونس التي توفر 2.2 سرير لألف نسمة، و7 أسرة لكل ألف نسمة في العديد من الدول المتقدمة.
كما تتميز السياسة الصحية بالمغرب بعجز مهول في الموارد البشرية، باعتبار أن طبيبا واحدا يغطي 1630 مواطنا، وممرضا لكل 1109 أشخاص في القطاع العام، كما أن 45% من الأطر الطبية تتمركز في جهتي الرباط والدار البيضاء فقط، علما أن ما يزيد عن ربع سكان القرى يبتعدون على الأقل بعشرة كيلومترات عن أول مركز صحي و أن أزيد من 200 مؤسسة صحية استشفائية ووقائية مغلقة بسبب غياب الأطر الطبية والتمريضية.
مما لاشك فيه أن الاختلالات التي تعرفها العديد من المستشفيات العمومية بما فيها المراكز الجامعية قد أثارت في عدة جهات من المملكة احتجاجات المواطنين والمرضى والجمعيات الحقوقية والمدنية وهي احتجاجات مشروعة نظرا للنقص الكبير في العرض ألاستشفائي وتدني ظروف الاستقبال والتكفل بالمرضى المعوزين وغياب الأدوية وتجهيزات وأدوات التشخيص والأطر الطبية المتخصصة .
ولم يتوقف الأمر عند هدا الحد، بل إن المستشفيات الخاصة بالأمراض العقلية والنفسية ما تزال عبارة عن سجون ووضعيتها كارثية، كما أن أغلب البنايات لا تستجيب لشروط المراقبة والسلامة الملائمة للمرضى وللعاملين على حد سواء نظرا لعدم توفر جلها على سيارات إسعاف، ومرافقها الصحية تعاني من حالة خراب متقدمة، علاوة على كون المعازل لا إنسانية إذ تفتقر لشروط السلامة، إضافة إلى أن غياب الأدوية وقلة الأطباء والممرضين المختصين يؤدي في غالب الأحيان إلى حوادث خطيرة في صفوف المرضى والعاملين حيث لا يتعدى عدد الأطباء بالقطاع العام 172 طبيبا نفسيا في مقابل 131 يشتغلون في القطاع الخاص، يوجد 54% منهم في محور الدار البيضاء والرباط. كما أن الميزانية المخصصة لهذه المستشفيات لا تتجاوز 52 مليون درهم في السنة علاوة على تعثر بناء مستشفيات جديدة ومصحات خاصة بالأمراض العقلية والنفسية لتغطية العجز الحاصل في البنيات التحتية رغم تقارير وتحذيرات عدة جهات منها المجلس الوطني لحقوق الانسان وتقريره الشهير في الموضوع فضلا عن تعثر بناء مستشفيات عمومية أخرى ممولة من طرف البنك الدولي.
غلاء الأدوية:
اليوم هناك حقيقة لا يمكن التغاضي عنها مهما تعددت الضغوطات والمناورات وأساليب التمويه ومحاولة القفز على الحقائق بالترويج لمغالطات التخفيض من أسعار الأدوية في كل مناسبة تطرح فيها هذه القضية الشائكة وتلجأ الحكومة الى تقديم حلول مسكنة بدل الذهاب بعيدا في فرض إجراءات في العمق لمعالجة الفوارق و الاختلالات في السياسة الدوائية بالمغرب كما جاء في تقارير اللجنة البرلمانية ومكتب الدراسات الأمريكي ."فالأثمنة بالمغرب على العموم أعلى من مثيلاتها في دول أخرى (30 الى 189%) مقارنة مع تونس بالنسبة للأدوية الأصلية و (20 إلى 70%) مقارنة مع فرنسا. كمل تختلف أثمنة نفس الدواء تحت نفس العلامة التجارية حسب المكان الذي تشترى منه بنسب تصل الى 300% المقارنة بين أثمنة الأدوية في المغرب وفي دول أخرى، إذ يمكن العثور على الدواء نفسه وقد صنعته المقاولة ذاتها، بنفس الإسم والتلفيف وفي شروط توزيع مماثلة، لكن بثمن مغاير يتجاوز في بعض الأحيان 100٪ : لذلك كانت المقاربة بين أثمنة سلة من الأدوية الأكثر مبيعا في المغرب و أثمنة نفس الأدوية في دول لها مستوى نمو مشابه للمغرب أو أكثر تقدما،"
لايمكن تصور سياسة دوائبة وطنية تشمل الصناعة والتوزيع والبحث العلمي وتوفير الدواء لكل المواطنين بجودة ودون تمييز إلا في إطار نظام صحي شامل ومندمج في السياسة الاقتصادية والاجتماعية:
سوء التسيير والتدبير وضعف الحكامة
لقد سجل قضاة المجلس الأعلى للحسابات في العشر سنوات الأخيرة اختلالات كبرى في التدبير المالي للمراكز الاستشفائية،كما سجلت المفتشية العامة لوزارة الصحة من جهتها عدة اختلالات مالية في تدبير المستشفيات ذات التدبير المالي المستقل - سيكما- : لقد ارتبطت وزارة الصحة بفضائح الفساد وتدبير الأموال العمومية في صفقات وهمية وعبرت عدة جهات عن خروقات خطيرة في الصفقات العمومية آخرها الصفقة المتعلقة باللقاحين وتجهيزات طبية والتي أدت الى حرمان المستشفيات العمومية من الأدوية لمدة سنة كاملة ومن ما يقارب 500 مليون سنتيم إذ تعيش اليوم وضعية استثنائية تفرض على كل المرضى المقيمين بشراء الأدوية من الصيدليات.
إن أغلب المستشفيات العمومية لا تتوفر اليوم على معايير نظام إدارة الجودة للخدمات والتتبع والتقييم للخدمات الصحية والعلاجية والتشخيص وتحاليل المختبر وتدبير الأدوية وهو ما يجعل أن أطنان من الأدوية منتهية الصلاحية مخزونة في مستودعات المستشفيات عوض أن توجه لمستحقيها من المرضى (250 طن بالصيدلية المركزية ببرشيد وعشرات الأطنان مكدسة بالمستشفيات العمومية ).
كما أن العديد من الاختلالات والتحديات التي يعرفها النظام الصحي الوطني يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف الحكامة وسوء التدبير والتسيير للموارد المتوفرة ناهيك عن ضعف الميزانية المخصصة للقطاع : والنتيجة مستشفيات مخربة ذات مردودية ضعيفة لا تضمن جودة الخدمات و سلامة الممارسات الطبية و كل ذلك بسبب غياب الحكامة الجيدة والفساد والصفقات المشبوهة وعدم المسائلة و غياب نظام تأمين صحي اجتماعي يشمل جميع فئات المجتمع،
و اليوم، نحن نتساءل: فإذا لم تستطع الحكومة تغطية التكاليف الصحية حتى ل 2 مليون ونصف من الأسر الفقيرة والمعوزة ،فكيف ستتعاطى مع التغطية الصحية لفئة واسعة أخرى من المواطنين جرى تهميشهم ونسيانهم إلى يومنا هذا والتي تمثل ما يفوق 30 في المائة من سكان المغرب وهم أصحاب المهن الحرة والحرفيون والتجار الصغار والمتوسطون وغيرهم ممن حرموا من أية تغطية صحية قيل أنها إجبارية بالنسبة لجميع المواطنين، والدولة كمسؤولة قد خصصت 2 ,2 مليار درهم سنة 2013 لشراء الأدوية إضافة إلى مخصصات صندوق التماسك الاجتماعي ؟
يواجه المغرب اليوم تحديات كبيرة في مجال الرعاية الصحية وولوج العلاج والدواء إذ يتعلق الأمر أساسا في تمويل المنظومة الصحية وبخاصة منها النفقات المتعلقة بنظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود التي تعتبر من مسؤولية الدولة حسب مقتضيات مدونة التغطية الصحية الأساسية ويتبين ذلك من خلال الميزانيات المرصودة لقطاع الصحة وهي هزيلة جدا وبعيدة كل البعد عن معايير المنظمة العالمية للصحة التي حددت الحد الأدنى في 10 في المائة من الميزانية العامة.
وفي مواجهة هده التحديات،تقترح الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة = الحق في الحياة، جملة من البدائل السياسية والإستراتيجية اللازمة لتطوير وتحقيق رعاية صحية نوعية وشاملة تلبي الحاجيات المعبر عنها من طرف السكان والتي تتلاءم مع معايير منظمة الصحة العالمية ومقاييس الأداء الجيد والشفاف والديمقراطي في الرعاية الصحية وتدخل في إطار منظور شمولي للرعاية الاجتماعية المتكاملة والشاملة الهادفة إلى تأمين الحماية الاجتماعية في مستوى مناسب من الحياة لكافة الأفراد والجماعات وهي وسيلة أساسية لتحقيق التوازن والاستقرار الاجتماعيين في ظل سياسة الرعاية الصحية وفق الدستور الجديد الذي ينصّ في في فصله 31 على حقوق المواطنين في ولوج العلاج و الأدوية، وبالتالي فتحقيق هده الأهداف يحتاج الى تمويل الخدمات الصحية بشكل يوفر الحاجيات والمستلزمات الأساسية والضرورية للوقاية والعلاج والأدوية والتشخيص والمراقبة الصحية .و بالنظر إلى حقيقة أن إصلاح الرعاية الصحية يتطلب تقييم المطالب الداعية للتغيير والموارد المتاحة واللازمة واحتمالات النجاح، لابد من التوفر عل نظام معلومات الرعاية الصحية، وهو العملية التي تجمع بموجبها المعلومات الخاصة بوضع نظام الرعاية الصحية ونوعيته في الوقت المناسب وبشكل موثوق مع تحليل المعلومات وتقديمها لصناع السياسة.
إن تقييم السياسة الصحة العمومية المتبعة يكتسي أهمية قصوى تتجاوز بكثير مفهوم وماهية الصحة التي عرّفها دستور المنظمة العالمية للصحة " على أنها حالة من السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة، وليس مجرد عدم المعاناة من أية أمراض "بل كذلك مدى مساهمة قطاع الصحة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض و موارد بشرية قوية ومنتجة نظرا لوجود علاقة قوية بين الحالة الصحية في بلد ما وبين ما يشار إليه في الاقتصاد بعبارة "الرأسمال البشري". وأساس هذه العلاقة هو أن الصحة الجيدة تزيد من احتمالات المساهمة في القوى العاملة في حين أن سوء الصحة قد ينبئ بالعجز والتقاعد المبكر وكذا نسبة مساهمة القطاع الصحي في الناتج الداخلي الإجمالي من خلال الخدمات التي يقدمها ومن ضمنها الصناعة الدوائية وعدد الموظفين والعاملين ،كما يعتقد أيضاً بوجود علاقة قوية ما بين أداء القطاع الصحي وتنافسية الاقتصاد ككل من خلال تأثيره على تكلفة اليد العاملة، ومرونة سوق العمل، وتخصيص الموارد على مستوى الاقتصاد الكلي. وفي هذا السياق، نعتبر في الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة أنه لم يمكن فصل الصحة عن المحددات الاجتماعية الصحية وأن العدالة الصحية والمساواة في الحصول على العلاج والأدوية لا يمكن ضمانه دون التقليص من الفوارق الاجتماعية للصحة و هو عامل أساسي لنجاح أي سياسة صحية. وذلك من خلال تحقيق تلبية احتياجات المواطنين في التربية والتغذية الملائمة والسكن اللائق والماء الصالح للشرب والكهرباء، وهي المقاربة الناجعة لتحسين حالتهم الصحية كما أن الطب الحديث أصبح أكثر ارتباطا بالتطور الاجتماعي والاقتصادي الذي يوفر العيش الكريم.
وبهده المناسبة ،مناسبة اليوم العالمي للصحة، تحذر الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة من التحديات المطروحة على بلادنا في مجال الرعاية الصحية وولوج العلاج وخاصة اننا اليوم في مواجهة عدد كبير من الاختلالات التي يعرفها النظام الصحي مما انعكس سلبا على مكانة النظام الصحي الوطني في الترتيب الدولي وفي التقارير الدولية
على مستوى النتائج،فهي في وضع لم يعد يحتمل نظرا لخطورتها على الأمن الصحي ما لم تقم الجهات المسؤولة ،حكومة ووزارة الصحة، بعدد من الاصلاحات والتغييرات السياسية والمالية والإستراتيجية الأساسية القمينة بعلاج الاختلالات و رفع التحديات و وضع بنية تحتية لنظام الرعاية الصحية للحد من تفاقم المشكلة و كذا الاهتمام ببرامج الصحة الوقائية والأمومة والطفولة والصحة الانجابية،و ذلك لن يتأتى إلاّ من خلال وضع مؤشرات ومعطيات حقيقية وشفافة للوصول الى معالجة تلك الاختلالات مع احترام ومراجعة التشريعات الضرورية لممارسة المهن الطبية والتمريضية والمعايير العلمية المطابقة .كما تسجل الشبكة أنه من أبرز التحديات التي تواجه النظام الصحي هناك الآثار السلبية لحوادث السير لما تخلفه من آلاف الضحايا إضافة إلى تكاليف الرعاية الصحية الناجم عن عدم وجود أو تنفيذ سياسات ذات علاقة بالصحة الاستعجالية وكذا ضعف بنيات الاستقبال : و من هنا الدعوة إلى ضمان سلامة المرضى بتطوير حلول ناجعة أثناء العلاج والجراحة لمنع وقوع أخطاء يمكن تلافيها في إلحاق الضرر بصورة غير طبيعية بالمرضى أتناء تقديم الخدمات الصحية مع ضمان دقة وصفة الدواء في المراحل الانتقالية للعلاج واستخدام أدوات معقمة تستجيب لمعايير النظافة وتجنب العدوى للمستشفيات.
وإضافة إلى ما سبق، فإن أهم التحديات التي تواجه القطاع الصحي ببلادنا تتعلق بتمويل الرعاية الصحية من جهة ،كما أن الإنفاق الحكومي على الصحة لا يصل الى المستفيدين من خدماتها من جهة أخرى : لذا فالدستور الذي نصّ على أن "الحق في الصحة والحصول على الرعاية الصحية هو أحد الحقوق الاساسية للإنسان " قد يوجب أن تأخذ ميزانية الصحة طابع الاولوية في الإنفاق الحكومي و توجيهه للفئات الفقيرة والمهشمة المحتاجة إليه فعلا.
إن العدالة الصحية تقتضي إيجاد الظروف وتوفير الوسائل التي من شأنها تمكين الناس لتكون لهم حرية النهوض بحياة مزدهرة تؤدي إلى تحسن هائل في صحة وحياة السكان عبر تحسين ظروف حياتهم اليومية بما فيها الأماكن التي يعيشون أو يعملون فيها ، وبالتالي ضرورة إيجاد آلية لتحسين ظروفهم المعيشية وضمان المأوى والمياه النظيفة لمن يفتقر إليهما و التركيز على تحسين عافية الفتيات والنساء وتحسين الظروف التي يضعن فيها أطفالهن، والتركيز بقوة على مرحلة النمو الأولى وعلى تعليم البنات والأولاد وتحسين ظروف العمل. كما تعتبر العدالة الصحية قناة لتحسين الظروف الصحية ومؤشراً لتقييم أداء الحكومات و أن القرارات التي تـتخذ على مستوى السياسات العامة في كلّ من المجالَيْن الاجتماعي والاقتصادي قد تؤثر تأثيراً كبيراً على الصحة العمومية :ونتيجة لذلك فإن تقيـيم الآثار الصحية قد يصبح لـه دور رئيسي في اتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والبيئية .
ختاما تدعو الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة إلى:
البحث عن أسباب ومكامن الضعف وموطن الاختلالات لمعالجتها والحد من التدهور والبؤس الصحي المؤدي إلى حرمان آلاف المواطنين من حقهم الدستوري والإنساني في ولوج العلاج والأدوية ؛
القيام بتحديد متطلبات القطاع الصحي واتخاذ القرارات اللازمة بتوزيع الخدمات الصحية بجميع أنواعها على جميع الجهات والمناطق الحضرية والقروية بما يحقق العدالة والمساواة في توزيع الخدمات؛
تنسيق العمل بين المؤسسات والهيئات الصحية في القطاعين العام والخاص بما يضمن تكامل أعمالها إضافة الى المساهمة في رسم السياسة التعليمية لدراسة العلوم الصحية والطبية النهوض بالقطاع الطبي والتمريضي؛
رفع كفاءة العاملين في القطاع العام وتوفير الحوافز المناسبة لهم مع اعتماد مراقبة ومتابعة للقطاع الخاص والصيدلي.
تشجيع الدراسات والبحوث العلمية ودعم البرامج والنشاطات والخدمات بما يحقق اهداف السياسة الصحية العامة.
تأسيس مجلس أعلى للصحة بهدف رسم السياسة العامة للقطاع الصحي وتوسيع مظلة التأمين الصحي و وضع الاستراتيجية لتحقيقها وتنظيم العمل الصحي وتطويره بجميع قطاعاته بما يحقق توسيع الخدمات الصحية لجميع المواطنين وفقا لأحدث الوسائل والأساليب والتقنيات العلمية المتطورة،كما يتحمل مسؤولية تقييم السياسات الصحية بشكل دوري وإدخال التعديلات اللازمة عليها في ضوء نتائج تطبيقها و دراسة القضايا التي تواجه القطاع الصحي مع اتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها بما في ذلك إعادة هيكلة القطاع الصحي.
للدفاع عن الحق في الصحة = الحق في الحياة


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire