jeudi 15 décembre 2011

قراءة في البيان الشيوعي



البيان الشيوعي

أكثر الكتب التي يمكن للمرء أن يقرأها اليوم راهنية هو البيان الشيوعي، الذي كتب سنة 1848. صحيح أنه من الممكن إدخال التغييرات على هذا التفصيل أو ذاك، لكن من حيث الجوهر ما تزال أفكار البيان الشيوعي راهنية وصحيحة مثلما كان عليه الحال عندما كتبت لأول مرة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الغالبية الساحقة من المؤلفات التي كتبت منذ قرن ونصف من الزمان لم يعد لديها اليوم سوى أهمية تاريخية. الشيء الأكثر لفتا للنظر في البيان هي الطريقة التي يتوقع بها أكثر الظواهر الأساسية التي تشغل اهتمامنا على الصعيد العالم في الوقت الحاضر. دعونا نتأمل مثالا واحدا: في الوقت الذي كان ماركس وإنجلز يكتبان فيه البيان، كان عالم الشركات المتعددة الجنسيات ما يزال لحنا من المستقبل البعيد جدا. لكنهما على الرغم من هذا، أوضحا كيف أن "التجارة الحرة" والمنافسة ستقودان حتما إلى تركز رأس المال واحتكار القوى المنتجة. من المضحك قراءة البيانات التي أدلى بها المدافعون عن "السوق" بخصوص خطأ ماركس المزعوم بشأن هذه المسألة، بينما هي في واقع الأمر واحدة من أكثر توقعاته براعة ودقة. والحقيقة التي لا جدال فيها اليوم هي أن عملية تركز رأس المال التي توقعها ماركس قد حدثت وتحدث، بل في الواقع وصلت إلى مستويات لم يسبق لها مثيل في غضون السنوات العشر الماضية. على مدى عقود طويلة حاول علماء الاجتماع البرجوازي دحض هذا التأكيد و"إثبات" أن المجتمع أصبح أكثر مساواة، وأن الصراع الطبقي، نتيجة لذلك، صار مسألة بالية مثل النول والمحراث الخشبي. قالوا إن الطبقة العاملة اختفت وإننا صرنا جميعا من الطبقة المتوسطة. أما بالنسبة لتركيز رأس المال، فإن المستقبل للشركات الصغيرة، و"كل صغير جميل". كم تبدو هذه المزاعم مضحكة اليوم! الاقتصاد العالمي بأسره يوجد تحث سيطرة ما لا يزيد عن 200 شركة عملاقة، أغلبها في الولايات المتحدة. وقد وصلت سيرورة الاحتكار أبعادا غير مسبوقة. في الربع الأول من عام 2006 بلغت عمليات الدمج والتملك في الولايات المتحدة عشرة مليارات دولار في اليوم. لكن هذا النشاط المحموم لا يعني تطويرا حقيقيا للقوى المنتجة، بل العكس. ووتيرة الاحتكار لا تقل بل تزداد. في 19، 20 نوفمبر2006 بلغت قيمة عمليات الدمج والتملك في الولايات المتحدة مستوى قياسيا بلغ 75 مليار دولار - في غضون 24 ساعة فقط! عمليات الاستيلاء [التي تقوم بها الشركات على بعضها البعض] هي نوع من أكل لحوم البشر يتبعها حتما نزع الأصول وإغلاق المصانع والتسريحات، أي أنه بواسطة هذا التدمير المتعمد لوسائل الإنتاج تتم التضحية بآلاف مناصب الشغل على مذبح الربح. وفي الوقت نفسه هناك زيادة مستمرة في عدم المساواة. في جميع البلدان تسجل حصة الأرباح من الدخل القومي أعلى مستوى، في حين أن حصة الأجور هي عند مستوى منخفض بشكل قياسي. السر الحقيقي وراء النمو الحالي هو أن الرأسماليين يستخرجون كميات قياسية من فائض القيمة من الطبقة العاملة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية ينتج العمال في المتوسط أكثر بنسبة الثلث مما كانوا ينتجون قبل عشر سنوات مضت، ورغم ذلك فإن الأجور الحقيقية جامدة أو أنها تنخفض بالأرقام الحقيقية. الأرباح تتصاعد والأثرياء يزدادون ثراء أكثر من أي وقت مضى على حساب الطبقة العاملة. دعونا نأخذ مثالا آخر أكثر إثارة للانتباه : العولمة. إن الهيمنة الساحقة للسوق العالمية هي المظهر الأكثر أهمية في عصرنا، وهذا يفترض أن يكون اكتشافا حصل مؤخرا. في الواقع إن العولمة قد تم توقعها وشرحها من قبل ماركس وإنجلز منذ أكثر من 150 عاما مضت. لكن عندما كتب البيان، لم تكن هناك عمليا أية معطيات ملموسة لدعم هذه الفرضية. كان الاقتصاد الرأسمالي الوحيد المتقدم حقا هو الاقتصاد الانجليزي. كانت الصناعات الناشئة في فرنسا وألمانيا (التي لم تكن موجودة حتى ككيان متحد) ما زالت محمية وراء حواجز جمركية مرتفعة- الأمر الذي تنساه الحكومات الغربية والاقتصاديون البرجوازيون بسهولة اليوم، في الوقت الذي تقدم فيه المحاضرات لبقية العالم بشأن الحاجة إلى فتح اقتصاداتها. نتائج عولمة "اقتصاد السوق" على الصعيد العالمي مرعبة. في عام 2000 كان أغنى 200 شخص في العالم يمتلكون ثروة تساوي ما يملكه 2 مليار من الأشخاص الأكثر فقرا. ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، يعيش 1. 2 مليار شخص بأقل من دولارين في اليوم. ومن بين هؤلاء يموت ثمانية ملايين من الرجال والنساء والأطفال كل عام لأنهم لا يملكون ما يكفي من المال من أجل البقاء. يتفق الجميع على أن قتل ستة ملايين شخص في المحرقة النازية جريمة فظيعة ضد الإنسانية، لكن لدينا هنا هولوكوست صامت يقتل ثمانية ملايين من الأبرياء كل عام ولا أحد يقول أي شيء عن هذا الموضوع. جنبا إلى جنب مع أبشع أشكال البؤس والمعاناة الإنسانية هناك فورة في الأرباح والثروات الفاحشة. هناك في العالم اليوم 945 مليارديرا يمتلكون ثروة إجمالية قدرها 3. 5 تريليون دولار. كثير منهم مواطنون أمريكيون. بيل غيتس يمتلك ثروة شخصية تقدر بنحو 56 مليار دولار، ولا يبتعد عنه وارين بوفيت كثيرا بثروة تبلغ 52 مليار دولار. وهم يتباهون الآن بالقول بأن هذه الثروات تمتد إلى "الدول الفقيرة". من بين أكبر الأثرياء هناك 13 مواطن صيني، 14 مواطن هندي و19 مواطن روسي. ومن المفترض أن يكون هذا سببا للاحتفال!

سامي ملوكي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire