jeudi 22 décembre 2011

البرنامج الاستعجالي حلقة متقدمة من الهجوم على المدرسة العمومية

يبقى حديث الساعة بالساحة التعليمية اليوم هو البرنامج الاستعجالي 2009/2012 ، هذا البرنامج الذي جاء لتسريع وثيرة الهجوم على / او اصلاح منظومة التربية والتكوين ، قبل تقديم القطاع على طبق من فضة او ذهب للاستثمار الخاص الاجنبي والمحلي . إلا انه لا يمكن استيعاب هذا البرنامج بكل حمولاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، من دون الرجوع الى السياسة التعليمية التي افرزته ، وكذا بواعث تلك السياسة الداخلية والخارجية . كما انه لا يمكن فهم هذه السياسة التعليمية من دون الرجوع الى تاريخ القطاع وما عرفه هذا القطاع من اصلاحات .كان المغرب ، وكباقي الدول المستعمرة ، منخرطا في عملية التحرر الوطني ، الا ان طبيعة الحركة الوطنية المغربية قد خلقت اجواء سياسية نما في تربتها الصراع بين قسم من هذه الحركة والنظام الملكي المخزني ، هذا الصراع الذي أفضى إلى الاستقلال الشكلي ،وفي بداية الستينات إلى حالة الاستثناء وفرض الارادة الملكية بقوة الحديد والنار .

لقد تشكلت اول لجنة اصلاح التعليم بالمغرب في عز الحركة الوطنية سنة 1957 ، اذ تبنت هذه اللجنة سياسة تعليمية مبنية على المبادىء الاربعة ، التعميم ، التوحيد ، المغربة و التعريب ، مع العلم ان مرجعية تلك السياسة التعليمية هي رؤية باندونغ حيث اجتمع قادة العالم الثالث سنة 1955 ، وفكروا في حركة عدم الانحياز ، وسلوك طريق ثالث يقوم على مبادىء الزعيم الهندي جواهر ال نهرو، التي تتضمن احترام السيادة الوطنية، والامتناع عن العدوان والتدخل، وقيام علاقات دولية على اساس التساوي والتعايش السلمي ، وتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية ، وتطوير المنفعة المتبادلة، واحترام العدالة والالتزامات الدولية الخ ...
واذا كان الاصلاح الاول للتعليم قد حكمه البعد الوطني والسيادي ، فان تنزيل المبادىء الاربعة التي اعتمدها ذلك الاصلاح منعه الصراع السياسي الدائر انذاك بالمغرب ، ودفع به ميل ميزان القوى في ذلك الصراع لصالح الملكية والمخزن ، في اتجاه الفشل ، مع ان ذلك لا يشفع للمعارضة من داخل الحركة الوطنية انسداد افقها السياسي.
في بداية الثمانينات ، ومع دخول المغرب ازمة اقتصادية عميقة والحاجة الى المزيد من الاقتراض للهروب الى الامام ، قبل هذا الاخير شروط الدوائر المالية المانحة على شكل تقويم هيكلي يخضع له المغرب منذ ذلك الحين الى اليوم ، وعلى شكل نسخ تحدث كلما دعت الضرورة الى ذلك .
طبق المغرب التقويم الهيكلي اواسط الثمانينات ، وكان تخفيض الميزانية الجذري اول اجراء عرفه قطاع التعليم في ظل سياسة التقويم الهيكلي تلك .
وعلى المستوى الدولي ، فقد اقيمت ندوة دولية حول التعليم ستة 1990 بتيلاند ، وكانت هذه الندوة المجسدة للاطار العام الذي اندرجت فيه محاولات اصلاح التعليم بدول العالم الثالث ، وقد كان شعار هذه الندوة – التعليم للجميع ، وهو جاء لتلبية الحاجات الاساسية في التعليم . الا أن الندوة لم تتعرض لاشكالية تمويل التعليم ، ويقيت اغلب توصيات هذه الندوة حبرا على ورق .
خلال هذه الفترة و بالضبط سنة 1995، كانت اللجنة الوطنية الثانية لاصلاح التعليم بالمغرب ، وقبل تنحيتها ،اخر من تكلم عن التعليم من داخل رؤية باندونغ السابقة .
وفي سنة 2000 وقف منتدى دكار على الفشل المعمم للنسخ الوطنية لبرنامج التعليم للجميع ، والح مرة اخرى على المبادىء المؤطرة لندوة 1990 بتيلاند ، لكن جديد هذا المنتدى هو دخول شركاء التنمية – البنك العالمي – البنك النقد الدولي – منظمة التجارة الدولية – القوى الامبريالية ، وذلك بمطالبة دول العالم الثالث ببرنامج ومخطط ذي مصداقية لصالح التعليم الاساسي حتى يقبل الشركاء تمويله . وهكذا اصبح اشكال تمويل التعليم بدول العالم الثالث موضوع رهانات القوى القوى المتحكمة في الاقتصاد العالمي .
في هذا السياق الدولي جاء ميثاق التربية والتكوين بالمغرب مكثفا لمنظورات ندوة – التعليم للجميع – وليحدد اهداف المدرسة المغربية فيما يلي :
إنتاج يد عاملة بحد ادنى من التاهيل والتعليم .
رفع الاستهلاك كلما ارتفع مستوى التعليم –تعليم من اجل الاستهلاك –
لامركزة نظام التعليم – استقلال الاكاديميات – تفكيك وحدات التعليم وخلق ما يسمى ثانوية التميز – .
بهذا يكون ميثاق التربية والتكوين قد قطع نهائيا مع المبادئ الأربعة لنظام التعليم بالمغرب ، ومع مشروع مدرسة وطنية بالمغرب ، اذ انتقل هذا الميثاق من فهم تربوي ابداعي وإنساني لدور المدرسة الى فهم اقتصادي محض لذلك الدور .
لقد اطلق البرنامج الدولي لمحاربة الفقر ، وهو بمثابة النسخة الحديثة لبرنامج التقويم الهيكلي ، مبادرة – فاست تراك – 2002 ، يلتزم فيها المانحون بتمويل برامج تطوير التعليم لكن بشروط ، وهي كالتالي :
تسهيلات للقطاع الخاص المستثمر في التعليم .
التدبير الامثل للموارد البشرية فرط الاستغلال .
تقليص الميزانية المخصصة لاجور المدرسين والرفع من نسبة عدد التلاميذ
لكل مدرس .
جودة التعليم المرهونة بمحاربة الغياب الفردي والجماعي – المرض
والاضراب.
في المغرب وقبيل انتهاء عشرية ميثاق التربية والتكوين ، وفي سياق تحرير الخدمات العمومية واهداءها للراسمال الاجنبي والمحلي ، نزل البرنامج الاستعجالي 2009/2012 ليسرع عملية اصلاح منظومة التربية والتكوين المؤطرة من قبل ميثاق التربية والتكوين ، ويعطي لذلك الاصلاح نفسا جديدا يستهدف تحقيق هدف التعليم الابتدائي الالزامي والشامل بمنظور ليبرالي قبل حلول سنة 2015.
يتاسس هذا البرنامج من خلال اربع مجالات وهي
المجال الاول التحقيق الفعلي لالزامية التعليم الى غاية 15 سنة .
المجال الثاني حفز المبادرة والتميز في الثانوي التاهيلي والجامعة .
المجال الثالث مواجهة الاشكالات الافقية لمنظومة التربية .
المجال الرابع وسائل النجاح .
وقد تحددت مشاريع هذا البرنامج حسب تلك المجالات على الشكل التالي :
المجال الاول 10 مشاريع.
المجال الثاني 4 مشاريع.
المجال الثالث 7 مشاريع.
المجال الرابع 2 مشاريع.
واذا تمعنا في طبيعة هذه المجالات ومشاريعها ، فسنلاحظ استهداف هذا البرنامج تفكيك نظام التعليم ، اذ خصص المجال الاول للمستوى الابتدائي ، بينما المجال الثاني للتاهيلي والجامعي ، اما المجال الثالث فقد خصص للاشكالات الافقية للمنظومة ، بينما المجال الرابع ترك لوسائل نجاح الاضلاح .
في هذا الاطار لابد ان نقف هنيهة عند مشاريع هذا البرنامج ، وباقتضاب شديد ، لنتبين كيف يعمل على الهجوم على ما تبقى من المدرسة العمومية ، ومن ضمنها شروط عمل الشغيلة التعليمية .
تتحدد مشاريع المجال الاول في ما يلي :
م 1 تطوير التعليم الاولي : تستدعي سياسة الانفتاح وتحرير السوق ، التي تؤطر اصلاح منظومة التربية والتكوين ، خلق اسواق التربية والتكوين . في هذا الاطار جاء اهتمام البرنامج الاستعجالي في مشروعه هذا بالتعليم الاولي ، الذي تبقى المبادرة الرئيسية فيه للمستثمرين الخواص ، بينما ما ستقدمه الدولة في هذا التعليم لا يخرج عن الحد الادنى الذي تقدمه اجمالا المدارس التابعة لها لملايين التلاميذ من اصول فقيرة .
إن هذا المشروع يحكمه منطق يعتبر الطفل ، أو التلميذ ، موضوع استثمار، كلما ضخت فيه الأموال، كلما نجا من العطالة ومن الحاجة . انه بالفعل منطق نيوليبرالي يحرم الطفل / التلميذ الذي لا يجد من يستثمر فيه ، من حقه في التربية والتكوين .انه منطق طبقي بامتياز واقصائي لا ديموقراطي ولا شعبي .
م 2 توسيع العرض في التمدرس الالزامي : لقد جاء هذا المشروع ليحقق على ارض الواقع نسبة تمدرس عالية بدون مضمون دراسي . واذا كانت التزامات الدولة رهينة بتحقيق تلك النسب ، فان ذلك تم في الحقيقة على حساب تمدرس غالبية أبناء المغاربة .فرفع نسبة الاستمرار في الدراسة بدون تكرار مثلا ، تكون على حساب المستوى الدراسي للتلاميذ ، اذ ينتقل هؤلاء من قسم الى قسم دون مضمون تعليمي ومعرفي جيدين .اضافة الى ذلك ، يحيل عنوان هذا المشروع الى اقرار الدولة بالتعامل مع الشان التعليمي بمنطق السوق الذي يبيح كل شيء، ويعفي الدولة من مهامها اتجاه القطاع .
م 3 تاهيل المؤسسات : ان سياسة خوصصة قطاع التعليم قد فرضت على الدولة ضخ اموال هائلة لتاهيل المؤسسات التعليمية القائمة ، والتي في اغلبها في حالة متردية ، وكلما كان هذا التاهيل للمؤسسة التعليمية، على المستوى البنيات التحتية ، كلما كانت موضوعا لتدبير مفوض أو تفويت يستفيد منه المستثمر داخل القطاع .ومن خلال هذا التاهيل للمؤسسات التعليمية وخلق اخرى جديدة ، ستبرز عملية فك وحدة المنظومة التعليمية ، بحيث ستبرز مؤسسات للتميز بشروط تمدرس مغايرة لشروط التمدرس بالمؤسسات التعليمية العادية . ان هذا المشروع يوهم بجدية الاصلاح او التاهيل ، في حين لا يعدو ان يكون تكريسا لمنطق السوق داخل القطاع ، وإعداد المؤسسات التعليمية العمومية لمرحلة التدبير المفوض او التفويت .
م 4 تكافىء فرص ولوج التعليم الالزامي : يقر هذا المشروع بواقع تعليمي غير ديموقراطي يكرس حرمان ابناء البوادي والمداشر من حقهم في الوصول الى تعليم جيد ومجاني . واذا كانت الدولة ، دولة الطبقة السائدة ، قد اهملت تلك البوادي والمد اشر، وسلبت منها خيرات أرضها، تاركة البشر هناك يعاني بين شظف الحياة وقسوة الطبيعة وبين الموت ، فقد جاء هذا المشروع في اطار البرنامج الاستعجالي لاصلاح منظومة التربية والتكوين ، المملى من الدوائر المالية الدولية والامبريالية ، ليعيد انتاج استغلال هذه المناطق ، وذلك بفتحها على الاستثمار الخاص . وحتى يكون العرض التعليمي بالبادية مثيرا لاهتمام المستثمرين الاجانب والمحليين ، كان لزاما على الدولة ان توفر بنية تحتية تعليمية يتوفر فيها الحد الادنى من الاغراء . ان ما يهم البرنامج الاستعجالي بالبادية ، وعبر مشروعه هذا ، هو تحقيق نسبة تمدرس في التعليم المدرسي ، وبمضمون تقني ، يجعلها تفي بالتزاماتها اتجاه المؤسسات المالية العالمية المانحة للتمويل .
في هذا الاطار جاء هذا المشروع ليحمل الجماعات القروية مسؤولية تمويل بنية تحتية تعليمية ، كالمدارس الجماعية والداخليات ، وتوفير وسائل النقل للتلاميذ وتقديم المساعدات للقرويين الفقراء حتى يرسلوا ابناءهم الى المدرسة . ان هذا الامر بمثابة تنشيط لسوق مفترضة ينتظر المستثمرون تشكلها حتى يعيثوا فيها فسادا .
م 5 محاربة ظاهرتي التكرار والانقطاع عن الدراسة : بداية يبقى اجراء التكرار اجراءا تربويا صحيا في حدود ، لكن الانقطاع إشكال حقيقي . فاذا كنا سنحارب التكرار بدفع التلاميذ من قسم إلى آخر من دون مضمون تربوي ودراسي جيدين ، فهذا امر سيجني على مستقبل التلاميذ الدراسي ، وسيجعلهم ذلك ، وكما هو واضح في أهداف هذا المشروع ، موضوع نسب التمدرس ، أو استكمال الدراسة لا تهتم بتاتا بذلك المستقبل . اما بالنسبة للانقطاع عن الدراسة فله ارتباط ليس فقط بالفضاء الدراسي ، بل كذلك بالعوامل السوسيو اقنصادية . ان هذا المشروع يستهدف من خلف عنوانه المخادع ، فرض شروط تمدرس جديدة تستهدف هي بدورها اخضاع التلاميذ لتعليم يعتمد رسملة المدارك والمعارف، من اجل الولوج السلس لسوق الشغل، حيث ينتظرهم الاستغلال ، وحيث لا يمتلكون العدة اللازمة لمناهضة ذلك الاستغلال .
م 6 تطوير المقاربة بالنوع في منظومة الترلابية والتكوين :في المجتمع الذكوري يكون العنصر الانثوي تابعا رغم كل ما يوهم بتلبية هذا الاخير لحاجاته الاساسية مقارنة بالرجل ، واندماجه داخل ذلك المجتمع .في هذا الاطار ياتي اهتمام البرنامج الاستعجالي في مشروعه السادس هذا ، بالمقاربة النوعية التي لا تخرج عن اطار التمييز واللامساواة بين الرجل والمراة .فواقع التمييز ذاك بارز للعيان ، بل اصبح عادة مجتمعية مالوفة لا تثير فضول الاغلبية .
في هذا الاطار جاء هذا المشروع ليكرس مساواة شكلية بين الرجل والمراة ، سواء في الوصول الى المدرسة ، أو في الكتب المدرسية ، مع اقناع الاسر بضرورة تمدرس الفتيات ، وذلك من اجل ان يلعبن دورهن – الطبيعي – على احسن وجه داخل ببيوتهن كزوجات او كأمهات .
ان نساءنا ، المتعلمات خصوصا ، يعشن انفصاما في شخصيتهن ، من جهة افكارهن ذات المنحى الاستقلالي والتحرري المكبوتة لديهن ، ومن جهة اخرى انصياعهن للمنظور الذكوري لقضيتهن . لهذا فقدر اغلب التلميذات لن يكون مغايرا لقدر امهاتهن وجداتهن .
م 7 انصاف الاطفال في وضعية صعبة : يقر هذا المشروع بكون شريحة من الاطفال في وضعية صعبة كانت مهملة ولم تكن تعني الدولة في أي شيء . ها هي الدولة اليوم تريد ان تنصف هذه الشريحة من الاطفال . ان المشروع 7 هذا باعتماده على المقاربة الاحسانية لهذه الفئات من الاطفال ، يبرز بشكل جلي تملص الدولة من الرعاية الاجتماعية الكاملة لهؤلاء الاطفال ، وذلك بترك ملفهم في يد الجمعيات والمنظمات ليفسدوه ، واستمرار حالة الاهمال لهذه الشريحة من الأطفال ، مع إخضاعهم لمزيد من احاسيس الشفقة والرحمة . انه مشروع لا يعيد سوى انتاج ماساة هؤلاء الاطفال ، يحرمهم من العيش الكريم ، ولا يعترف باستقلالهم الذاتي، والقدرات التي يستبطنونها .
م 8 التركيز على المعارف والكفايات الاساسية : يذهب هذا المشروع بكون الطرق البيداغوجية المتبعة بالمدرسة المغربية – العمومية – متخلفة وغير مجدية ، ويرتكز في ذلك على الدراسات الدولية التي صنفت التعليم بالمغرب في المراتب الاخيرة ، الا ان ما يجب طرح السؤال حوله هو الانصياع وراء تلك الدراسات الدولية ، التي لها مبرراتها واهدافها الخاصة ، دون نقاش، وكأنها خطاب مقدس ، وهي في الحقيقة جاءت لتحفز دول العالم الثالث من اجل تحرير خدمة التعليم ، كما الخدمات العمومية الاخرى ، في وجه الراسمال المستثمر ، وكف تلك الدول عن مواصلة سياستها العمومية السابقة . وانسجاما مع السياسة العليمية الجديدة ، جاءت المقاربة بالكفايات وبيداغوجية الادماج لتكرس منطق الرسملة في المعارف والكفايات التي يحتاجها السوق . ان هذا المنطق التربوي والتعليمي يسلب التلميذ / الانسان ابعاده الكاملة ، ولا يستهدف فيه غير بعدي الاستيلاب ووهم الاستهلاك المفرط والقبول بالاستغلال .
م 9 تحسين جودة الحياة المدرسية : لقد اعترف هذا المشروع بكون الحياة المدرسية جافة لا تحفز التلاميذ على البقاء بالمدرسة ، ولا على الرغبة في العودة اليها بانضباط . لهذا جاء هذا المشروع ليحمل فئة المدرسين أعباء إضافية إلى عملية التدريس ، من انشطة موازية، والتفتح الفني والتكنولوجي ، والنوادي التربوية، وكل ما يساهم في بقاء المدرسة قبلة للتلاميذ يرغبون فيها .ان الغرض من هذا المشروع هو خلق دينامية مدرسية يساهم فيها الجميع ، تلاميذ وأسرهم ، جمعيات ونقابات ، حتى تكون المدرسة قابلة في ما بعد للتدبير المفوض، أو التفويت للمستثمرين الخواص ، في افق التخلص النهائي للدولة ، دولة الباترونا ، من هذا القطاع الحيوي والسيادي .
م 10 تاسيس مدرسة الاحترام : يزعم البرنامج الاستعجالي على أن " مدرسة الاحترام" هي تلك المدرسة التي تربي على التعاون والقيم الوطنية، على الشاكلة التي يريدها واضعوا السياسة التعليمية . الا ان الواقع السياسي للبلاد يسير في اتجاه ضرب كل قاموس المواطنة، وثقافة الحق والواجب . عن اية مواطنة تتحدث دولة مكبلة باصفاد الديون والسياسة النيوليبرالية المتوحشة، التي تأخذ في القضاء على ما تبقى من مكتسبات الشعب المغربي، من حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ؟ ما يريده هذا المشروع تحقيقه هو قبول الشغيلة التعليمية، واسر التلاميذ، بالسياسة التعليمية الجديدة اللاديموقراطية واللاشعبية ، باعتبارها سياسة وطنية ،على الجميع أن يتجند لها مقابل الفتات من الاصلاحات العملية والصدقات التحفيزية لإنعاش سوق المدرسة .
م 11 تعزيز العرض في الثانوي التاهيلي : جاء هذا المشروع في اطار التفكيك لنظام التعليم بالمغرب ، اذ يفصل هذا السلك التعليمي الثانوي التاهيلي عن الاسلاك السابقة، ولا يعتبره الزاميا كما هذه الاخيرة . فاذا كانت إلزامية التعليم بالنسبة لميثاق التربية والتكوين تقتصر على السلكين الابتدائي والاعدادي ، فذلك جاء انسجاما مع مدونة الشغل، التي تسمح للطفل بالشغل في سن 15 سنة، دون الأخذ بعين الاعتبار تعليمه وتكوينه الاساسيين . ان جيوشا من الاطفال في سن 15 او 16 سنة تقذف بهم المدرسة الى سوق الشغل كل سنة، حيث يصيرون موضوع استغلال .اما التلاميذ الذين يواصلون دراستهم الثانوية التاهيلية، فمؤسساتهم العمومية معرضة لعملية توفير شروط التدبير المفوض ، كما انهم معرضون للتمييز بينهم وبين امثالهم في ثانويات – التميز – و التفوق – كثانويات مرجعية ، كما الشغيلة التعليمية فيما بينها .
م 12 تشجيع التفوق : حسب ادعاء البرنامج الاستعجالي فان هذا المشروع جاء للرفع من المستوى الدراسي بالثانوي التاهيلي، الذي يعرف تدنيا كبيرا بسبب الاكتظاظ في المسالك المفتوحة، ونقص في التوجيه العلمي الذي لا يتماشى مع متطلبات سوق الشغل .وبالفعل فان خلق ثانويات التميز، أو التفوق ، هو إجراء يدخل في اطار تحفيز الخواص للاستثمار في قطاع التعليم ، الامر الذي سيكرس عدم تكافىء الفرص ، سواء بالنسبة للتلاميذ او بالنسبة للاستاذات والاساتذة ، وكل مسلسل الاخلاق المنحطة من محسوبية وزبونية ووصولية وانتهازية وما الى ذلك .
م 13 تحسين العرض في التعليم العالي : ان مفهوم "العرض" يفسر أهداف هذا المشروع . فالعرض كما جاء في عنوان المشروع، عرضان، واحد موجه للطلبة، والثاني للرأسماليين. يتشكل العرض الأول، وفي غالبيته، من مسالك تقنية تقدم على اساس كونها عملة تمكن من الولوج الى سوق الشغل دون عطالة . وحين ينضبط الطالب لمسلكه التقني هذا، ولا يبحر في عالم المعرفة، بما تعنيه هذه من تكوين سياسي وثقافي ، فانه ياخذ في استبطان ذلك الانضباط ، الامر الذي يجعله قابلا للاستغلال بسوق الشغل حبن يلجه .اما بالنسبة للمسالك المفتوحة ، فقد تقلصت الى الثلث ، الشيء الذي يؤكد رغبة البرنامج الاستعجالي، في مشروعه هذا ،في تحويل الجامعة من فضاء للمعرفة العلمية والادبية والفلسفية والفنية ، الى معمل لانتاج يد عاملة نصف مؤهلة وقابلة للاستعلال .
م 14 تشجيع البحث العلمي :ان توجيه الجامعة جهة السوق يستتبع تسليع البحث العلمي والتقني . هذا هو بالضبط ما يريده هذا المشروع . ان مهننة البحث العلمي والتقني لن يكون الا في صالح المقاولات، ما دام انها تملك كل الصلاحية لتمويل البحوث العلمية والتقنية ،حسب البرنامج الاستعجالي . وقد تكون هناك مصادر اخرى يستطيع الباحث ان يمول منها بحثه .
ان ما تضخه الدولة من اموال في البحث العلمي ليس غرضه تعميم المعرفة العلمية والتقنية وتشجيع حرية الابداع ، بل تحفيز القطاع الخاص المستثمر في قطاع التعليم حتى ينوب عن الدولة في تدبير القطاع ويعفيها من تمويله . وهكذا يكون اصلاح الجامعة اهداء لها للراسمال يفعل بها ما يشاء ، وبالتالي حرمان للطالبات والطلبة المغاربة من فرصة التكوين الجامعي، الذي بدونه لا يمكن للجامعة الا ان تخرج جيشا من الطلبة المعطوبين من الداخل، والذين لا يساهمون في تحرير البلاد من التخلف والاستبداد، ولا يبدعون .
م 15 تعزيز كفاءة الاطر التربوية : ان المشروع 15 من البرنامج الاستعجالي يستهدف حقيقة شغيلة قطاع التعليم المدرسي والجامعي . واذ يعترف بتردي " الموارد البشرية " داخل القطاع، ويوهم بضرورة الفرز والترنيب داخل تلك " الموارد "، حتى تتلاءم والحاجيات القائمة . ان اخضاع الشغيلة التعليمية لعملية فرز واعادة ترتيب، الغرض منها هو زيادة اعتصار تلك الشغيلة واخضاعها لمزيد من الاستغلال، والقبول بأوضاع ذلك الاستغلال .فالإجراء من قبيل تقليص كلفة اجور الشغيلة التعليمية، الذي اعتمدته الدولة ، والمملى من طرف المؤسسات المالية الدولية ، قد تمظهر على شكل مغادرة طوعية – التسريح الجماعي – افرغت القطاع من الكفاءات ، او على شكل اعباء إضافية، وساعات إضافية تتحملها الشغيلة التعليمية . اما بالنسبة للتوظيف فلم يعد كما كان ، اذ التجات الدولة التوظيف بالتعاقد . ان ما يرغب هذا المشروع في تكريسه على ارض الواقع ، وبواسطة ما يقترحه من تكوين مستمر وشبكات تقويم جديدة للشغيلة التعليمية ، هو القضاء على مبدا الاقدمية، وعدم اعتمادها في الترقية .فمفهوم الكفاءة السحري الذي تتمسك به الدولة، وتعتمده كمعيار اساسي في الترقية، هو الترجمة العملية للقبول والانضباط لشروط الاستغلال، والانبطاح أمام الرؤساء المباشرين وغير المباشرين .
م 16 تعزيز اليات التاطير وتتبع وتقويم الاطر التربوية : يتوخى هذا المشروع تحقيق اربعة اهداف تصب كلها في تطبيق السياسة التعليمية الجديدة . فتعزيز دور المدير، وإعادة موقعه داخل منظومة التربية والتكوين، وكذا شبكات تقويم أداء اطر التربية المعتمدة في الترقية ، وتحميل جهاز التفتيش مهام جديدة، في إطار تدبير منطقة تربوية بكاملها ، والبحث عن إرساء ميثاق العلاقة الإطار مع النقابات التعليمية ، كلها أمور ترغب في تحويل القطاع إلى تجمع مقاولات يديرها المديرون والمفتشون .والمقاولة في تنافسينها مع المقاولات الأخرى ، تعتمد " كفاءة " أطرها واستعداد هذه الأطر لانخراطها في كل ما يقوي موقع تلك المقاولة .
انه مشروع سيشعل نار عدم تكافئ الفرص والحيف والأخلاق المنحطة في هشيم القطاع ، وسينجم عن ذلك مزيد من هشاشة الشغل وعدم استقراره .
م 17 ترشيد الموارد البشرية : يرجع هذا المشروع تعثر الاصلاح خلال العشرية الأولى منه إلى عدم انخراط الشغيلة التعليمية، وعدم مساهمتها في ذلك الإصلاح . لهذا جاء هذا المشروع ليجعل تلك الشغيلة منخرطة ومساهمة في إنجاح إصلاح منظومة التربية والتكوين .انه باطل أريد به حق . فهذا المشروع يدخل في إطار التصفية الشاملة، التي تسير فيها الدولة، لمكتسبات الشغيلة التعليمية، التي لا يمكن، حسب منطق الرأسمال، أن تبقى في إطار خوصصة شاملة للقطاع . ففي سياق التراجع الشبه الكامل للتوظيف في القطاع ، والتسريح الجماعي للكفاءات التربوية، عبر عملية المغادرة الطوعية ، فان الإصلاح المزعوم لمنظومة التربية والتكوين سيكون على حساب من تبقى من الشغيلة ، كما على حساب التلاميذ المغاربة وأسرهم .
فتكليف الأكاديميات في إطار اللامركزية بالتوظيف الجهوي، في إطار التعاقد وفي حدود المناصب المالية المحددة مركزيا لكل جهة ، كما ترسيم ساعتين إضافيتين للشغيلة التعليمية بالإعدادي والثانوي ، واعتماد الأستاذ المتحرك على مستوى الجهة ، كل هذا بمثابة هجوم على مكتسبات الشغيلة التعليمية، من استقرار في الشغل والرفض المبدئي لتعويض الخصاص المهول بالقطاع ، وما إلى ذلك من مكتسبات .
لقد جاء هذا المشروع ليحمل الشغيلة التعليمية المزيد من الأعباء الإضافية ، وليروضها على قبول شروط عمل جديدة مركزها مرونة الشغل .
م 18 استكمال تطبيق اللامركزية واللاتمركز وترشيد هيكلة الوزارة . في إطار تفكيك الهيكلة السابقة لنظام التعليم بالمغرب ، خلقت الأكاديميات لتتحمل هي والجامعة جهويا تدبير منظومة التربية والتكوين، تحت رقابة الإدارة المركزية .فاللامركزية واللاتمركز هي آلية التجأت إليها الدولة من اجل تحمل السلطات الجهوية والإقليمية و المحلية، كما الجماعات المحلية ، مسؤولية التدبير المحلي للقطاع ، الأمر الذي يسمح لها بتدشين مدخل تحرير القطاع، وفتحه على الاستثمارات ، ومن اجل تأهيل مدبري القطاع محليا، تأهيلا يسمح لهم بامتلاك أدوات التدبير الناجعة، التي تمتاح من ثقافة التدبير بالنتائج . هذا يعني أن هذا المشروع يطالب بمدبرين مقاولاتيين ، يحولون المؤسسات التعليمية والإدارات التربوية إلى مقاولات تتنافس فيما بينها .
إن الاستقلالية التي يطبل لها هذا المشروع بخصوص الأكاديميات والجامعات، ليس سوى وهما في سياق تحرير القطاع، فما الفائدة من هذه الاستقلالية والتلاميذ المغاربة، وعلى ضوء هذا الإصلاح / التدمير للمدرسة العمومية، ينتهك حقهم في تعليم جيد ومجاني ؟ فشعار " التعليم مسؤولية الجميع " الذي يرفعه هذا الإصلاح هو شعار كاذب ، إذ بالفعل على التعليم أن يكون قضية الجميع ، لكن المسؤول الوحيد الأوحد في تقديم تعليم جيد ومجاني لأبناء الشعب هو الدولة، التي تمول نفسها من الضرائب المدفوعة من طرف هذا الشعب .
م 19 تخطيط وتدبير منظومة التربية والتكوين . انسجاما مع سياسة تحرير القطاع، جاء هذا المشروع ليعيد تخطيط منظومة التربية والتكوين، وذلك باستبدال المنطق العمودي لمنظومة التربية السابقة بمنطق تصاعدي متحكم فيه .هذا المنطق التصاعدي الذي يوهم بالديمقراطية المركزية في تدبير الشأن التعليمي ، غرضه هو تحميل الجماعات المحلية، والسلطات ،وجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، والمحسنين من الفاعلين الاقتصاديين المحليين ، تكاليف التدبير والتخطيط للشأن التعليمي محليا، على ضوء السياسة التعليمية الجديدة التي تعتمدها الدولة .إن مراقبة مدبري منظومة التربية والتكوين جهويا وإقليميا ومحليا، وعلى مستوى المؤسسة التعليمية ، أمر ممكن في ظل انتشار تكنولوجيا الإعلاميات ، الأمر الذي جاء ليكرسه المشروع خلف مبرراته الواهية ، عبر التواصل الالكتروني بين المحيط والمركز . في هذا الإطار جاء المشروع الإعلامي " جيني "، بالإضافة إلى تزويد إدارات المؤسسات التعليمية بالحواسيب والانترنيت، ليكرس تقنية الإعلاميات داخل منظومة التربية والتكوين . إلا إن ما يهم الوزارة / الدولة في هذا المشروع، هو فعاليته على مستوى الإدارة التربوية وتحيين المعطيات على المستوى المركزي. أما أن تتحول هذه التقنية إلى وسيلة تعليمية يتم تعميمها، فهذا آخر ما تفكر فيه تلك الوزارة.
إن مراقبة الوزارة / الدولة لاجراة المخطط الاستعجالي، عبر تقنية الإعلام أمر يساهم في إنجاح هذا المخطط التدميري للمدرسة العمومية ، كما سيكشف للدوائر المالية والامبريالية العالمية حسن سيرة الدولة المدينة ، دولة الطبقات السائدة ،في الانضباط لاملاءاتها الاستعمارية .
م 20 التحكم في اللغات . يثير هذا المشروع قضية اللغة داخل منظومة التربية والتكوين ، سواء لغة التدريس أو تعلم اللغات ، الأمر الذي يحيلنا على فشل سياسة تعريب التعليم، التي لفظت أنفاسها بالسلك الثانوي التاهيلي ،ولم تستطع مواكبة اللغات العلمية ، لغات التكنولوجية الحديثة .
فمأساة الطلبة العلميين مع لغة التدريس قد كلفت الكثيرين منهم مستقبلهم الدراسي والتكويني. لهذا فان السياسة التعليمية الجديدة ، الفاقدة لكل بعد وطني سيادي، في هذا المشروع من البرنامج الاستعجالي جاءت لتفك الإشكالية بشكل جذري، وتحسم في اللغة المعتمدة الجديدة، وهي لغة السوق ، وتحديدا لغة سوق الشغل . فالمستثمر / المستعمر ، أو الشركات المتعددة الجنسيات التي تحتكر الاقتصاد العالمي اليوم ، تحتاج إلى التواصل مع المستغلين ، سواء أكانوا مستهلكين للبضائع والخدمات أو عمال منتجين . والتواصل في مثل هذا السياق يكون بلغة المستثمر / المستعمر ، أما ما يحاول هذا المشروع إيهامنا به ، بكونه يعطي الأولوية للغة العربية، ومن بعدها الامازيغية ، فهو وهم لا يمكنه أن يتحقق في ظل السياسة التعليمية المتبعة .
م 21 وضع نظام ناجع للاعلام والتوجيه .يريد هذا المشروع إخضاع التوجيه التربوي لحاجيات ومتطلبات سوق الشغل، حيث يستفحل الاستغلال . وسوق الشغل هذا لا يحتاج إلى أدمغة ومبدعين، بحيث لديه ما يكفيه من ذلك ،بل إلى يد عاملة نصف مؤهلة وغير مؤهلة، تقبل بشروط الاستغلال، وتكون موضوع استلاب .
لهذا فتوجيه التلاميذ مبكرا ،منذ السلك الإعدادي حتى حدود مستوى الباكالوريا، نحو التكوين المهني ، أو الذين يحصلون منهم على الباكالوريا، نحو المسالك التقنية، التي يطالب بها السوق ، يعتبر جريمة في حق أولائك التلاميذ، الذين سيتحولون في المستقبل القريب إلى حطب نار الاستغلال، التي أشعلها الرأسماليون بسوق الشغل خدمة لأرباحهم .
إن هذا المشروع يريد من المدرسة أن تنتج يدا عاملة تقبل بالانصياع لأوامر الباترونا، وتساهم بعملها في تحصين أرباحهم . انه يريد أن يحول المدرسة إلى مصنع عبيد يستبطنون حب أسيادهم .
م 22 ترشيد الموارد المالية واستدامتها . يثير هذا المشروع قضية أساسية محددة لطبيعة الإصلاح الذي تبتغيه الدولة في منظومة التربية والتكوين . إنها قضية تمويل التعليم . فأمام اشتراطات المؤسسات المالية الدولية الامبريالية المانحة للقروض، في إطار البرنامج الهيكلي، المفروض على المغرب ، كما كل دول العالم الثالث ،لم يكن أمام هذا الأخير، وفي غياب رد فعل شعبي شامل ، غير مواصلة سياسة الخوصصة للخدمات العمومية ، ومن ضمنها التعليم . ففي سياق التقليص من ميزانية الإنفاق العمومي ، عبر وهم الشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين ، وتحميل المجتمع ككل مسؤولية تمويل التعليم بمبرر أن الدولة لا تستطيع الاستمرار في تحمل نفقات هذا القطاع الضخم ، جاء هذا المشروع ، وعبر آلية الشراكة الواهمة ، ليزيد من أعباء الأسر المغربية، وليدفعها في اتجاه البحث عن تعليم جيد لابناءها بالقطاع الخاص .إن ما يطالب به هذا المشروع ثلاثة أمور :
* الأول : إهداء القطاع للخواص عبر آلية الامتيازات للتحفيز على الاستثمار في القطاع – تدبير مفوض – تفويت خدمات تجهيز القطاع ....
* الثاني: تمويل الحد الأدنى من التعليم التابع للدولة من مصادر أخرى غير ميزانية الدولة. خلق صندوق التعليم – ضريبة التعليم – الزيادة في رسوم التسجيل.
* الثالث : سكوت النقابات التعليمية على التحول الطارئ على أوضاع الشغيلة التعليمية، التي عليها أن تؤدي فاتورة الإصلاح من أجورها ومن شروط عملها عامة .
م 23 التعبئة والتواصل حول المدرسة . يأتي هذا المشروع الأخير من البرنامج الاستعجالي ليقف عند مسالة أساسية وهي، لماذا لا ينخرط الجميع في إصلاح منظومة التربية والتكوين ؟ وإذا كان البرنامج الاستعجالي قد طرح المسالة بشكل مغاير ، فان ما هو جوهري في الأمر ، أو السؤال الذي يجب طرحه بهذا الصدد، هو ألا يكشف " انخراط الجميع " في هذا الإصلاح زيف الإجماع الذي طبلت له الدولة بصدد ميثاق التربية والتكوين ؟
إن إصلاحا مفروضا من فوق ، إصلاحا يهجم على حق أبناء المغاربة في تعليم جيد ومجاني ، وكذا على شروط عمل الشغيلة التعليمية ،كما يزور الإرادة الشعبية ، لا يمكنه إلا أن يلاقي الجفاء وعدم الرضا ، الأمر الذي سيسرع بانهيار الإصلاح المزيف هذا ويفضح خلفياته .
إن شروط التعبئة لمثل هذا الإصلاح/ التدمير غير متوفرة، ولن تتوفر أبدا. وما هو متوفر حقيقة هي شروط تعبئة مغايرة، تعبئة مضادة شاملة لإسقاط هذا الإصلاح / الهجوم على المدرسة العمومية.
خلاصات : لقد برهنت مشاريع هذا البرنامج الاستعجالي على كون الدولة عازمة على تطبيق ما تشترطه الامبريالية الدولية الممولة لبرامج إصلاح أنظمة التعليم بالعالم الثالث، لتتماشى مع السياسة الاستثمارية الامبريالية في مجال الخدمات ، كالتعليم والصحة والنقل والنظافة والماء والكهرباء ، التي تغري بهامش واسع من الأرباح .
فنجاح الإصلاح من منظور الدولة ، دولة الطبقة السائدة ، معناه إعفاء لهذه الدولة من القسط الأكبر من نفقات التعليم ، كما نفقات القطاعات العمومية الأخرى ، الأمر الذي يجعلها ينتظم أداءها لأقساط فوائد ديونها ، وبالتالي يبوبها ذلك ضمن الدول النجيبة والمنضبطة لاملاءات الدوائر المالية العالمية الامبريالية، التي لا يهمها الإنسان قدر ما تهمها الأرباح .
إن كل من يعتقد في هذا الإصلاح فهو واهم ، لان ما كرسه ميثاق التربية والتكوين عقدا من الزمن ، وسنتين من اجراة البرنامج الاستعجالي ، من تدهور لمستوى التعليم بالبلاد ، ومن عملية توجيه كبرى لخريجي المدرسة نحو سوق الاستغلال ، يبشر بكارثة تربوية وتعليمية بالبلاد .
بهذا يكون إصلاح منظومة التربية والتكوين في حقيقته هجوما على حق أبناء المغاربة في تعليم جيد ومجاني ، كما على شروط عمل الشغيلة التعليمية .وأمام هذا الهجوم لا يمكن لضحايا هذا الإصلاح سوى التكتل في جبهة موحدة ، جبهة الدفاع عن المدرسة العمومية . فالنقابات التعليمية وجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ التي تحاول الانخراط في هكذا إصلاح مغشوش ، عليها أن تتراجع إن كانت بالفعل تمثل قواعدها ، أما إذا أصرت على تعاونها مع الدولة ، دولة الباترونا ، في ذلك الإصلاح ، فعلى القواعد أن تكنس من المنظمات النقابية والجمعوية كل متعاون عن قصد أو من دونه
.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire