كثيرا ما يلاقي أعضاء مجلس الإرشاد و
المسؤولون على جماعة العدل و الإحسان صعوبات جمـة في تحليل الأوضاع السياسية على
ضوء علم المنهاج النبوي تربية وتنظيما و زحفا ، وإن أقدموا على ذلك فإنما يخبطون
خبط عشو اء لأن أفكارهم مشوشة ولأن طريقة كتابتهم مبهمة . هذا ما لاحظناه في كلام
الدّعّيّ عبد العالي المجذوب في موضوع تحت عنوان " هل ضيعت العدل و الإحسان
فرصة الربيع العربي في المغرب " ونلخص كلامه في ثلاث نقاط تشكل انحرافا خطيرا
عن التفكير المنهاجي للجماعة. أولا: انبهاره الذي لا منتهى له بالربيع العربي والذي عبر عنه في مستهل حديثه قائلا : "
أعتقد أن فرصة " الربيع العربي هي من الفرص الناذرة التي قد لا يجود الزمان
بمثلها " ثانيا: إعلانه بأن التغيير الملموس في خطاب الجماعة من خلال
بياناتها وتصريحات قيادييها كان الهدف منه " بناء الثقة ووضعِ أسسِ التقاربِ
والتفاهم والتعاون مع المكونات الأخرى لحركة 20 فبراير، وخاصة من التيارات
اليساريةِ المتطرفة، التي ما تزال لا تحمل في قلبها للإسلاميين إلا الحقد
والكراهية " . ثالثا : اعتقاده بأن فكر الحبيب المصحوب سيدنا عبد
السلام ياسين حفظه الله تعالى عقبة للوصول إلى تعبئة " جماهيرية " من
شأنها تغيير الوضع السياسي بالمغرب قائلا دون حياء : " لكن هذا التغيّرَ في
اللهجة الخطابية، رغم أهميته الإعلامية والتواصلية، ظل، في جوهره، محكوما
بالأطروحة الأساس في المنهاج السياسي للجماعة، وهي الأطروحةُ التي لا ترى مستقبلا
سياسيا حقيقيا للمغرب إلا بزوال النظام المخزني القائمِ على الملكية الوراثية، أي
بزوالِ النظام الجبري، حسب التعبير المنهاجي للجماعة. وهذه الأطروحةُ التي انتهى
إليها اجتهادُ الأستاذ عبد السلام ياسين في السبعينيّات من القرن الماضي، والتي
كانت وليدةَ ظروف وأحوال أحاطت وقتئذ بصاحبها المجتهدِ، لم يَعُدْ لها من مسوّغ
الآن بعد أن تغيرّت الظروفُ والأحوال تغيّرا كبيرا، ولم يَعُد الطريقُ سالكا إلى
القومة الإسلامية، كما نظّر لها الأستاذ ياسين، وهي القومة/الثورة التي من أهدافها
القضاءُ على النظام الجبري/الملكي الوراثي، لبناء الدولة الإسلامية القطرية تمهيدا
للسير نحو الخلافة الثانية على منهاج النبوة، حسب اجتهاد الأستاذ ياسين في فهم
حديث الخلافة المشهور وفقهه ". إننا نحن حركة أشبال العدل و الإحسان لنصرة
الصحبة نعتبر " الربيع العربي " سُنّة من سنن الله تعالى لا ينقص من
إيماننا بموعود المصحوب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بالاستخلاف في
الأرض مثقال حبة من خرذل ، لا نغيّر خطابنا و لا نضيّع ديننا بعرض من الدنيا بل
نقول لكم أيها الأدعياء الأوصياء على المِلك الشيّاع لتجمعكم : " إن جماعة
العدل و الإحسان في بداياتها تأسست على فكر رجل نعتقد فيه المجدّد المصحوب المؤيد
بالغيب الذي وضع أقدامنا على جادّة الطريق و حدّد لنا غايتين أساسيتين لدعوتنا و هي
: الغاية الإحسانية و الغاية الاستخلافية موعود رسول الله صلى الله عليه و سلم
التي لا نصل إليها إلا بقومة تغييرية و ليست إصلاحية ، دعوة لتغيير الإنسان الذي
يُكوّن بدوره الجماعة التي تقود القومة الإسلامية التي تبني الدولة الإسلامية
القطرية تمهيدا للخلافة الثانية على منهاج النبوة ، هذا اعتقادنا و إيماننا . إن
الذي غَيَّرَ أفكاركم هو هذا الواقع المعاند ، هو هذه البارقة من بوارق الفتنة
" الربيع العربي " ، إنك أعلنت أيها " الدَّعيّ المجذوب " بأن
فكر الحبيب المصحوب سيدنا عبد السلام ياسين حفظه الله تعالى أصبح فكراً متجاوزاً و
أن العمل به لا يزيد الجماعة إلا اختناقا ً و موتاً قلت و بئس ما قلت : " إن
الجمودَ على اجتهاد سياسي بات متجاوزا في كثير من تصوراتِه ومبرراتِه يُحوّل
الممارسةَ السياسة، شئنا أم أبينا، إلى نوع من "الإديولوجيا" الخانقة
القاتلة، التي تمنع كلَّ أشكال المرونة والتجديد والتأقلم ومراعاةِ الأحوال
المستجدة، والظروفِ الطارئة، والتي لا تحترم القواعدَ والمبادئ المعروفة والمطلوبة
في العمل السياسي، الذي هو عملٌ يقوم، في أساسه، على اعتبار متغيرات الواقع،
والموازنة بين المصالح والمفاسد، والنظر إلى المآلات " . إنك تجزم أيها
" الدّعيّ المجذوب " بأن فكر مرشدنا المصحوب لا علاقة له بما يستجدّ من
أحداث و لا يتأقلم مع ما آلت أو تؤول إليه الأوضاع خصوصا بعد ما وقع من "
ثورات الربيع العربي " في تونس و ليبيا و مصر ، فأصبحتم يا " أعضاء مجلس
الإرشاد " ! تغيّرون خطابكم بتغيّر الأحداث ، و هذا هو الفرق بين تفكيركم
العقيم و بين الفكر المنهاجي لمرشدنا المصحوب حفظه الله تعالى ، لأن الفكر
المنهاجي يعيش مع دين الله تعالى و مع سنن الله تعالى في الكون و لا ينسى وسط هذه
المتغيّرات موعود و بشارة المصحوب الأعظم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالاستخلاف
في الأرض ، أما أنتم فتفكرون بعقل معاشي ، تعيشون و تتحركون وِفقَ متغيّرات الربح
و الخسارة ، دنيا في دنيا ، هوس في هوس! قال صاحبكم " الدّعيّ المجذوب "
: " أما جماعة العدل والإحسان، فإني أراها، بميزان الربح والخسارة
السياسيّين، قد خرجَتْ خاليةَ الوِفاض من تجربة هذا الربيع العربي، وأظنُّ أن
خسارتَها ستكون فادحة إن هي ظلّتْ سائرة على نفس النهج السياسيّ، الذي نظرَتْ من
خلاله قيادةُ الجماعة إلى فرصَة الربيع العربي في بلادنا " . إنك حين تزعم
أيها " الدّعيّ المجذوب " بأن : " الغلو و التطرف في الفكر و
الممارسة لا يأتيان بخير " تريد أن تُفْهِمنا بأن جماعة العدل و الإحسان
اليوم لا يمكنها أن تعالج واقعها بأدوات و اجتهادات تبلورت منذ أكثر من ثلاثين سنة
( و تقصد المنهاج النبوي تربية و تنظيما و زحفا ) و هنا نفتح معكم واجهة و نقول
لكم : ( لقد حان الوقت أن تتملكّم الشجاعة ابتداء من الابن العاق أرسلان و من
والاه و انتهاء " بالدّعيّ المجذوب " و من أعلاه ، و تُجمعون أمركم و
شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غُمة ثم تكتبون بَياناً تتبرّأون فيه من فكر الحبيب
المصحوب مرشدنا سيدنا عبد السلام ياسين حفظه الله تعالى ، تتبرأون من هذه البضاعة
الصالحة المُصْلِحة ، فهي في اعتقادكم تشلّ حركتكم و تضعكم في حرج و مأزق و اختناق
. إننا نستغرب لصبركم داخل الجماعة على بضاعة مصحوبنا الحبيب حفظه الله تعالى
فلماذا تختنقون كل هذا الاختناق ، و لِما تُضيّعون الوقت معه ؟ تبرّأوا و اذهبوا
إلى حال سبيلكم ، و أسّسوا تجمّعا يليق بمقامكم ، و نظّروا له بمَنْهَج يتبلور مع
واقعكم و يتأقلم مع حاضركم و مستقبلكم ، و لا تخافوا و لا تحزنوا فسيلهث من ورائكم
طائفة من المُدَجَّنين و الإمّعات داخل الجماعة ، و دعونا نحن مع حبيبنا و مصحوبنا
و مرشدنا سيدنا عبد السلام ياسين الذي حمّلنا أمانة رسالة العدل و الإحسان ، فنحن
نعتقد حقّ الاعتقاد أن مصحوبنا مأذون له ، نعيش معه موعود مصحوبنا الأعظم سيدنا
رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لا يهمّنا إن تحقّقت البشارة و الموعود في
حياتنا أم لم تتحقّق ، و لنا في سيدنا أحمد الملاخ و سيدنا محمد العلوي رضي الله
عنهما الأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر ، إنه العهد ، إنها صُحبة
عُمر ، إنها الأمانة ، عاشا معه رسالة العدل و الإحسان و لم يُبدّلا و لم يُغيّرا
، فانتقلا إلى الرفيق الأعلى ، و سيجدان في الآخرة ما عملا حاضرا عندما يقدم كل واحد
بضاعته أمام الله عز و جل ، فيُقبل من يُقبل و يُرفض من يُرفض نسأل الله تعالى أن
نكون من المقبولين . إننا نُؤمن حقّ الإيمان أن " بضاعتكم الفاسدة " هي
رهينة عند أشخاص معدودين على رؤوس الأصابع ، قَدْ وزَّعوا الأدوار فيما بينهم
ليُروّجوها داخل الجماعة ضرباً لفكر الحبيب المصحوب حفظه الله تعالى ، فهي آيلة
للزوال إن شاء الله تعالى بزوال أصحابها ، فالابن العاقّ أرسلان ينعق في مؤتمر
تونس و في جريدة " الآن " و محمد المتوكل في قناة الحوار ، و منير
الركراكي في عوامل بنائه و في زياراته للاعتكافات يزجر كل من تحدث أو تحدثتْ عن
محبة الولي المرشد ، و محمد برشي يجلب بخيله و رَجله لعلّه يصل إلى خيط يقوده إلى
أشبال العدل و الإحسان ، و " الدّعيّ المجذوب " في حملته على مرشدنا
يستخفّ بفكره و العجب كل العجب لا ترى من يحرّك ساكنا داخل الجماعة و لا من يقول
كلمة حقّ عن مجلس الإرشاد لأن الجميع جُبِل على السمع و الطاعة لرأس الفتنة مهندس
المؤامرة و الانحراف الابن العاقّ أرسلان . إننا نحترم آرائكم و أفكاركم في فهم
الواقع و في تدبير أساليب تغييره ، نقبل الصالح منها الذي لا يصطدم مع المنهاج
النبوي تربية و تنظيما و زحفا ، و نصوّب الطالح منها لنردّكم إلى رشدكم ، فنحن أهل
الخطأ و النسيان . لكن ما لا نقبله و لن نَقبَلَه هو أن تروّجوا البضائع الفاسدة و
الأفكار الهدّامة ضرباً لفكر مصحوبنا الحبيب المرشد حفظه الله تعالى ، فتصبح
اجتهاداتكم بديلا عن فكره و منهاجه النبوي ، هذا الذي لا نقبله و لن نقبله يا
أحبّة قلوبنا ! نحترم اجتهاداتكم خارج الجماعة فأنتم كُثُرٌ ، فحين تغادرون
الجماعة لا شكّ أنكم ستجدون فضاء مناسباً لتصريف خطابكم السياسي ، و لن تحسّوا
يومها بالاختناق و الحَرَج الذي عبّر عنه " الدّعيّ المجذوب " ، بل
ستجدون الحرية اللامتناهية في التعبير عن آرائكم و قناعاتكم ، اذهبوا إلى حال
سبيلكم فأنتم الطلقاء ! . إن وجودكم أيها الأدعياء في مجلس الإرشاد هو الذي يسبب
لنا الاختناق و الحَرَج داخل الجماعة ، فكيف لنا بأن نسمع إلى كلام " الدّعيّ
المجذوب " يقول : " إن الجمود على اجتهاد سياسي بات متجاوزا في كثير من
تصوراتِه ومبرراتِه يُحوّل الممارسةَ السياسة، شئنا أم أبينا، إلى نوع من
"الإديولوجيا" الخانقة القاتلة .... " و كيف لنا بأن لا نهتدي بهدي
مصحوبنا و مرشدنا حفظه الله تعالى حين يقول : " "بقيت أمانة جماعة العدل
و الإحسان في أيديكم أنتم أشبال جماعة العدل و الإحسان الذين ينتظر منكم مع تيسير
الله عز و جل و فضله و كرمه أن تقوموا بواجبكم سعيا ، لأن من قبل بركة الله عز و
جل و معونته هناك السعي في الأرض ، و السعي في الأرض يقتضي سلوك منهاج ، و منهاجنا
مسطر معروف نسأل الله عز و جل أن يكون لكم في كل سطر من سطوره في كل فصل من فصوله
نبراس ينير لكم الطريق إلى أن تكونوا ممن يطلب معالي الأمور ، و أعلى ما هنالك من
الأمور هو التقرب إلى الله عز و جل " . هل رأيتم أيها الأدعياء أن الضعف لا
يرتفع إلا إن جاءت القوة ، فقوتنا كامنة في تشبثنا بمشروع مصحوبنا ، فلما خانكم
ضعف إيمانكم بالغيب ، تسرب هذا الضعف إلى أساليب دعوتكم ، فلا تستطيعون إلا
تقليداً خانعاً ، تغيرون خطابكم ، و تزدرون بفكر مرشدكم و تخونون أماناتكم و ما
عاهدتموه عليه في بدايات الدعوة في السبعينات و الثمانينات فأنتم الآن تعنفون
بكلامكم حين تروّجون لبضاعتكم الفاسدة و تظنون بالله الظنون ، تظنون بأنفسكم القوة
و تحسبون أنكم على شيء ، ألا إنكم أنتم الخاسرون . تبرّرون هوانكم على أنفسكم
بدعوى كاذبة حين يقول أمثال " الدّعيّ المجذوب " : " وهذه
الأطروحةُ التي انتهى إليها اجتهادُ الأستاذ عبد السلام ياسين في السبعينيّات من
القرن الماضي، والتي كانت وليدةَ ظروف وأحوال أحاطت وقتئذ بصاحبها المجتهدِ، لم
يَعُدْ لها من مسوّغ الآن بعد أن تغيرّت الظروفُ والأحوال تغيّرا كبيرا " .
إن طلبنا العاجل برحيلكم رهين بأمرين اثنين : أولا : إما أن تجدّدوا العهد و
تتوبوا إلى الله عز و جل و تعملوا على تبليغ رسالة العدل و الإحسان دون تغيير أو
تبديل كما سطرها صاحبها حامل الرسالة حبيبنا المصحوب سيدنا عبد السلام ياسين حفظه
الله تعالى . ثانيا : إن لم تقتنعوا بفكره و لم يظهر لكم من شأنه شيء فأرض الله
واسعة فتهاجروا فيها ، اذهبوا إلى حال سبيلكم و أسّسوا تجمّعاً يليق بمقامكم و
ادعوا إلى سبيل ربكم بما ترونه مناسبا لكم و لواقعكم ، فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا
فاتقوا الله في مرشدكم ، اتقوا الله في محبيه ، اتقوا الله في هذه الأمة التي
تضيعون أبناءها في معرفة الحقّ و معرفة الله تعالى و معرفة دينه سبحانه ، لا
تحاربوا " الصحبة " ، لا تزهدوا في فكر مرشدكم فوالله الذي لا إله إلا
هو إنه الحق و إنه تجديد دين الله تعالى الذي ارتضاه للناس و إنه المحجة البيضاء
ليلها كنهارها التي تُخرج الناس من الظلمات إلى النور و من الفتن إلى حياة القلوب
و إنه رسالة العدل و الإحسان " إن الله يأمر بالعدل و الإحسان " ، لا
تضيعوا أمانة العدل و الإحسان ، اتقوا الله يا أعضاء العدل و الإحسان ، اتقين الله
يا عضوات العدل و الإحسان ، اتقوا الله يا مجلس إرشاد جماعة العدل و الإحسان !! و
نختم رسالتنا هذه بكلام حديث عهد بربه للحبيب المصحوب سيدنا و مولانا عبد السلام ياسين
حفظه الله تعالى لمن ألقى السمع و هو شهيد ، يقول : " القومة أيها الأحباب
قيام من السقطة الكبيرة التي انحدرت فيه الأمة عدة قرون، فهي عملية طويلة المدى،
معقدة، تريد الصبر والمصابرة. إنها قضية أجيال، وعلى الجيل البادئ في التحويل
مسؤولية الدلالة على الخط القويم ومسؤولية توجيه الجهود وجهة البناء العميق لعقود
من السنين قبل أن تقطف الثمار. الوعود البراقة الحماسية ضَرْبٌ من الهذيان يتفوه
به الثوار إما نفاقا وإما جهلا بحقائق التغيير الاجتماعي. سرعان ما تنقشع الوعود
الثورية عن واقع يستعصي على التغيير، وعندئذ يرتد الثوار جلادين سفاكين يقتلون
طبقة اجتماعية ويضحون بأجيال. نداء القومة وتصريحها وبلاغُها الأول والثاني
والأخير تلخصه الآيات الكريمة من سورة الصف، والصف رمز للجهاد الدائم. قال الله عز
وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ
مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ
وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(13).(سورة الصف) . إنه نداء خالد
للعطاء الدائم. إنه ربط للقومة، قومة الصف المجاهد تتعاقب فيه أجيال الرجال من أهل
الإيمان والإحسان والعدل والكرم والمروءة والعقل، بالآخرة ورب الدنيا والآخرة. ربط
بالرجاء في مصير أخروي يفوز فيه كل فرد من جند الله الفوز العظيم. ثم يأتي في
الاعتبار الثاني الجزء الأرضي، وهو حسنة بل حُسنى، وهو النصر من الله والفتح
القريب. وكلا الفوزين مطلب مشروع، ينبني تحقيق أحدهما على العمل الجاد للآخرة.
يعمل الصف ويعمل الفرد لنصر الله في الأرض فيجزيهم الله جزاء الآخرة، ويطمحون
للفوز العظيم في جنات عدن، تغفر ذنوبهم ويُرقّون إلى ذلك النـزُل الخَيّر فلا
يجدون أسرع إلى ذلك ولا أقرب من الجهاد في سبيل الله. القومة عملية طويلة النفس
عالية المقصد، لها أسباب مشهودة محسوسة من قبيل التدبير والتخطيط والمناورة
والتنفيذ، ولها أسباب غيبية هي من سنة الله في الآفاق والأنفس. يقول الله تعالى في
أول سورة النحل: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ. خطاب لنا معشر الأمة
المحمدية لننظر في سنة الله في الذين خلوا من قبل ونتأسى بالرسل، ونزداد ثقة بما
نقرأ في الآيات البينات من وفاء الله بوعده لرسله وبما يُعرض علينا من أمثلة
تاريخية لهذا الوعد وذلك الأمر غير المخلوف... هناك انتظار بليد لأمر الله وهو
انتظار المتواكلين الذين يبررون قعودهم وجبنهم وجهلهم بعقيدة جبرية. وهناك من يشرك
الأسباب مع الله، أو يعزل الله عن كل قدرة، فيسلك المسلك القدري لا ينتظر خيرا إلا
من جهوده وحذقه وتدبيره. هؤلاء وأولئك يكلهم الله إلى عقيدتهم السوء، فهم مع كافة
البشر تقلبهم الأقدار الإلهية جزاء وِفاقا وقدرا مقدورا. أما أمر الله ونصرته فتخص
أهل العدل والاعتدال، عقيدة وسلوكا، يتخذون الأسباب وينتظرون وعد الله لا
يستعجلون. كل ذلك في محاذاة تامة لكلمات الله عز وجل وتلمذة ذكية لسنة خاتم
الأنبياء عليه الصلاة والسلام. أمر الله ونصرته، بعد عصر النبوة، مرصود لحزب الله
القائمين لله على النمط القرآني والمنهاج النبوي. والتحزب لله ليس صفة نطلقها على
أنفسنا كما نشاء ومتى نشاء. لكنه عمل له من القرآن والسنة معايير وموازين. فإن
طابق عملنا المواصفات القرآنية النبوية كان لنا الاستحقاق وأنجز لنا الوعد، وإن
كانت الأخرى فإنما الانتظار انتظار لمقْت ينـزل على المزورين. قال الله تعالى
يخبرنا بمجمل شروط تنـزل الأمر الإلهي: قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ. (سورة التوبة،24) . وسنة الله
الآفاقية أن أمره يتنـزل بالرحمة على من كان الله ورسوله أحب إليهم مما سواهما،
وينـزل بالنقمة على من كانت أنفسهم محشوة بغير ذلك على دركات من النقمة والتردّي
التاريخي والأخروي. التحزب لله له مواصفات. قال الله عز وجل: لَا تَجِدُ قَوْمًا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ
عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ
بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ
اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. (سورة المجادلة، 22)
.... صحبة، جماعة، ذكر، صدق. هذه هي المدرجة المؤدية لدرب التحزب لله. و صلى الله
و سلم و بارك على سيدنا محمد المصحوب الأعظم و على آله و صحبه و إخوانه و حزبه .
ليلة الأربعاء 9 شهر شوال 1433
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire