اعذروني أيّها الأصدقاء.. أيّها الزملاء المواطنين..
أيّها اللبنانيين.. اعذروني لأنني لا أملك شاشات ووسائل إعلام لأطلّ من
خلالها عليكم. ولا مؤسسة إعلاميّة عندي ولا مكتب علاقات عامة ليضمن أن أخرج
ما في نفسي على شاشة تصل كل بيوتكم، وتؤثر في نفوسكم وعقولكم. البارحة تمّ
اغتيال رئيس جهاز المعلومات في مديريّة الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن.
والبارحة قتل أيضاً ثماني مواطنين مثلنا، بريئين لا ذنب لهم إلا أنّهم
كانوا في المكان والوقت غير المناسبين. البارحة جرح أكثر من مئة مواطن
ساقتهم أقدامهم وسياراتهم ورزقهم ولقمة عيشهم والقدر ليكونوا قريبين من
ساحة ساسين في الأشرفيّة فيقعوا ضحايا مجرم عابث لا يهتم للحياة ولا يعيرها
وزناً. البارحة جرح لبنان، ونزف.. جرح الوطن الصغير بمساحته، الكبير
بتضحيات أبنائه.. جرحت الأرض التي ولدنا فيها وحملنا جواز سفرها واحتمينا
بأرزتها وبجيشها الذي شعاره “شرف، تضحية، ووفاء”. البارحة جرح كل واحد
فينا، كل رجل وامرأة، وشاب وصبية، وطفل وطفلة، وكهل وعجوز.. الجرح لا هويّة
له.. لا طائفة له! الجرح امتدّ لبيوتنا كلنا، لطرقاتنا التي قطعت،
لأعمالنا التي توقفت، لأصدقائنا، لأهلنا، لأخبارنا، لأبنائنا المسافرين
قسراً، والمغتربين غصباً (واختياراً).. الجرح أكبر من الجميع.. والموت (وإن
كان حق) كان موتاً ظالماً داعبنا ومازحنا مزحة سمجة ولم يكشف وجهه البشع
كاملاً بعد..
اعذروني أيّها المسمّرين لنصٍ عربيّ فجّ تحاولون اجتياز
سطوره ومقدمته للوصول للمغزى.. اعذروني أيّها اللبنانيين إن كنت سأقول
كلاماً سيغضبكم.. من قتل وسام الحسن ليس شخص واحد، ليس رجل بزي، ولا منصب..
القاتل مجموعة. القاتل أيّها البنانيين هو أنتم! أنتم الذين قتلتم وسام
الحسن وأنتم الذين قتلتم من قبله جبران تويني، ووليد عيدو، وسمير قصير،
وجورج حاوي، ووسام عيد، وفرنسوا الحاج، وبيار الجميل، وانطوان غانم، ورفيق
الحريري.. وأنتم من قتلتم كمال جنبلاط، وحسن خالد، وعماد مغنية، ورينيه
معوض، وبشير الجميل، وداني شمعون، وطوني فرنجية، واللائحة تطول.. الأهم
أنكم قتلتم كل الضحايا الذين ماتوا فقط لأنّهم صودفوا في المكان والزمان
الخاطئين: لبنان بعد العام 1943.. الأنكى أنكم قتلتم بعضكم البعض لخمسة عشر
عاماً ولم تتعلموا.. أيّها اللبنانيين أنتم المتهمين.. أنتم القتلى في
نزولكم إلى ساحات الثامن والرابع عشر من آذار “لتشكروا سوريا” أو “لتعرفوا
الحقيقة”.. أنتم القتلى في ارتهانكم لزعماء (قتلتموهم على مذبحكم) مرتهنون
بدورهم لمصالح دول ومشاريع وأوطان لا تمت لكم بصلة. أنتم القتلى في زيارتكم
الزعماء كل أسبوع (حسب النهار الذي يرتضيه لاستقبال الوفود) لتنحنوا أمامه
من أجل وظيفة لابنكم، أو لخصامكم مع جاركم، أو لتخليص مجرم من السجن، أو
لدفع فاتورة مستشفى أو قسط جامعي.. أنتم القتلى في رفضكم الامتثال للقانون،
في قبولكم الرشاوى والفساد، في رميكم النفايات في الشارع، وقطع الإشارات
الضوئية الحمراء، وفي إعادة انتخابكم لنفس الطبقة السياسية التي تريدون لها
الشهادة ليحكمكم من بعدها أبناءهم..
أيّها اللبنانيون.. قال لكم يوماً جبران: “لكم لبنانكم ولي
لبناني”.. جبران تحدث عن لبنانكم الطائفي، لبنانكم المقطع الطرقات، لبنانكم
السلاح الفردي، وسلاح المقاومة، وسلاح البنوك، وسلاح الإعلام، سلاح
المحكمة الدولية.. لبنانكم المقيت البغيض الذي يعاني مرض الشيزوفرينيا،
لبنانكم الذي تحاربون فيه خصمكم الذي يجلس معكم في نفس الخندق.. لبنانكم
الذي تحاضرون فيه في الشرف كمحاضرة القحباء.. لبنانكم الذي زعيمه الإشتراكي
بيك، وزعيمه الإصلاحي فاسد، وزعيم المحرومين فيه ديكتاتور، وزعيم المستقبل
فيه يعيش على أحقاد الماضي والدم، وحكيم السلم فيه مجرم حرب..
أيّها الللبنانيون.. أنا بريء من دمكم! لكم الخيار أن
تنزلوا لأي شارع، ولأي متراس، لكم الخيار في الصراخ ضد سوريا، وضد أميركا..
لكم الخيار في شتم إيران أو اسرائيل.. لكم الخيار في قبض المال ممن يقبض
المال من السعودية أو قطر أو ليبيا والعراق (سابقا) أو أميركا واسرائيل..
لكم الخيار في ذم سلاح المقاومة وقبول سلاح السلفيّة، أو العكس بالعكس..
لكم الخيار في أن يعيش أولادكم مأساتكم، وحقدكم، وطائفيتكم، وارتهانكم..
لكم الخيار في أن يسمع صوتكم.. ولكن اتركوا لي ولأمثالي أن يكون لنا خيار
في رفض خنادقكم وطائفيتكم وارتهانكم.. لكم الحق في تأييد من تريدون، ولكن
بالله عليكم اتركوا لي الحق ألا أكون معكم من دون تخوين..
أيّها اللبنانيون.. أنا بريء من حقدكم.. من ساحاتكم
المليونيّة، من زعاماتكم الوهميّة وعنترياتهم حسب المصالح، ومصالحاتهم حسب
معاشات آخر الشهر.. أنا بريء من مشاريعكم: مشروع الحقيقة الذي ينكر حق
المقاومة، ومشروع الممانعة الذي ينكر حق الديمقراطيّة.. أنا منكم ولكن
عليكم!
أدعوكم ألا تلتزموا بيوتكم غداً.. بل أن تأخذوا ما هو
حقكم: المجلس النيابي ومجلس الوزراء وقصري بعبدا وبيت الدين.. جرّبتم
زعمائكم 70 سنة وما حصدتم سوى الموت والحرب.. فاتركوا لنا حق اختيار غيرهم
ولا تكرسوهم أبداً بساحاتٍ لا تعرفوها، وشعاراتٍ ترردونها دون وعي،
وعنترياتٍ لا نهاية لها سوى أنكم شركاء في الجريمة الأكبر: اغتيال لبنان.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire