samedi 5 mars 2011

أصول الفلسفة الماركسية

أصول الفلسفة الماركسية

سميت المادية بالجدلية لأن طريقتها في اعتبار الظواهر الطبيعة ومنهجها في البحث والمعرفة جدليان، كما أن تفسيرها لظواهر الطبيعة ونظرتها إلى هذه الظواهر ماديان .
1 ـ ما هو المنهج؟
نعني "بالمنهج" الطريق الذي يؤدي بنا إلى الهدف. ولقد درس كبار الفلاسفة أمثال ديكارت وسبينوزا وهجل قضايا المنهج لأهتمامهم بأكتشاف أكثر الوسائل عقلانية لبلوغ الحقيقة. ويريد الماركسيون أن ينظروا إلى الواقع وجها لوجه فيتخطوا المظاهر المباشرة. ولهذا كان للمنهج أهمية كبرى عندهم. ذلك لأن المنهج العلمي هو المنهج الوحيد الذي يتيح لهم تكوين هذه النظرة العلمية إلى العالم والتي هي ضرورية لأتمام عملية التغيير الثورية.
والجدلية هي ذلك المنهج وهي المنهج الوحيد الذي يوافق النظرة العلمية إلى العالم.
وسنخصص الدرس الستة التالية من هذا البحث لدراسة المنهج الجدلي. ولكن يجب أن نعد أنفسنا لذلك بالقاء نظرة عابرة على ذلك. وسوف يسهل هذه النظرة المقارنة بين المنهج الجدلي (وهو منهج علمي) وبين المنهج الميتافيزيقي (وهو منهج مناقض للعلم).

2 ـ المنهج المتافيزيقي
أ) ـ صفاته
ااشترينا زوجا من الأحذية الصفراء. وبعد مدة من الزمن تبلى فنصلحها ومع ذلك نقول بأننا نلبس أحذية صفراء دون أن ندرك أنها لم تعد نفس الأحذية التي اشتريناها سابقا، ولكننا نهمل الإشارة إلى ما أصابها من تغيير فنعتبرها وكأنها لا تزال على حالها.
سيساعدنا هذا المثال على فهم ماهية المنهج الميتافيزيقي.
يعتبر مثل هذا المنهج، حسب قول انجلز، الأشياء "وكأنها تامة الصنع " لا تتغير، لا تتأثر بأسباب التغير.
ولنشر إلى أن كلمة "ميتافيزيقية" مشتقة من "ميتا" اليونانية وهي تعني "ما وراء" و "فيزيقيا" وهي تعني علم الطبيعة. وموضوع الميتافيزيقيا (ولا سيما عند ارسطو) هو دراسة الكائن الذي يوجد وراء الطبيعة. وبينما الطبيعة متغيرة، فأن الكائن الذي يوجد وراء الطبيعة ابدي لا يتغير. يسميه البعض الله، ويسميه الآخرون المطلق.. الخ.
ويعتقد الماديون، الذين لا يعتمدون على العلم فقط، أن هذا الكائن خيالي (راجع الدرس التاسع). ولما كان قدماء الأغريق لم يصلوا إلى تفسير الحركة فقد اضطر بعض فلاسفتهم أن يقيموا، وراء الطبيعة المتغيرة، مبدأ أبديا.
فإذا ما تحدثنا عن منهج ميتافيزيقي أردنا بذلك منهجا يجهل حقيقة الحركة والتغير. ولهذا كان عدم رؤيتي لتغير حذائي موقفا ميتافيزيقيا. تجهل الميتافيزيقيا الحركة وتقول بالسكون والتماثل وشعارها "لا جديد تحت الشمس". كما أن القول بأن الرأسمالية أبدية وأن مصائب الرأسمالية وعيوبها (من أفساد وأنانية وقسوة) التي تولدها في الناس مخلدة ضرب من التفكير الميتافيزيقي. لأن الميتافيزيقي يتمثل في خاطره إنسانا أبديا لا يتغير.
لماذا ؟ لأنه يفصل الإنسان عن بيئته وعن مجتمعه. فهو يقول: "يوجد من جهة الإنسان، ومن جهة ثانية المجتمع. فإذا ما قضينا على المجتمع الرأسمالي ليحل محله مجتمع اشتراكي ظل الإنسان مع ذلك إنسانا". نقع هنا على صفة ثانية من صفات الميتافيزيقيا: فهي تفصل بصورة اعتباطية بين ما هو في الواقع لا انفصال بينه. فالإنسان ثمرة لتاريخ المجتمعات. وهو ليس كذلك خارج المجتمع بل بتأثيره. وهكذا يفصل المنهج الميتافيزيقي ما هو متصل في الواقع. ويقوم بتصنيف جميع الأشياء تصنيفا نهائيا. فهو يقول مثلاً: "السياسة من جهة والنقابة من جهة". ولا شك أن السياسة والنقابة شيئان، غير أن التجربة والحياة تبرهن لنا على أنه لا يمكن فصل السياسة عن النقابة، لأن ما يحدث في النقابة يؤثر في السياسة، كما أن النشاط السياسي (كالدولة، والأحزاب، والانتخابات) يؤثر في النقابة.
تؤدي هذه التجزئة بالميتافيزيقي إلى أن يفكر في كل مناسبة بهذا الشكل: يكون الشيء هذا أو ذاك، فهو لا يمكنه أن يكون في نفس الوقت هذا أو ذاك" مثال: ليست الديمقراطية هي الدكتاتورية، وليست الدكتاتورية هي الديمقراطية فالدولة إذن إما أن تكون ديمقراطية وأما أن تكون دكتاتورية. ولكن ما الذي تعلمنا أياه الحياة ؟ تعلمنا الحياة أن الدولة يمكن أن تكون، في نفس الوقت، دكتاتورية وديمقراطية. فالدولة البرجوازية، في الولايات المتحدة مثلا، ديمقراطية بالنسبة لأقلية من كبار الممولين الذين يتمتعون بجميع الحقوق وكل السلطات. وهي دكتاتورية بالنسبة للأغلبية الساحقة من أوساط الناس الذين لا يتمتعون إلا بحقوق وهمية. أما الدولة الشعبية، في الصين مثلا، فهي دكتاتورية بالنسبة لأعداء الشعب وبالنسبة للأقلية المستغلة التي طردتها الثورة من الحكم، وهي ديمقراطية بالنسبة للأغلبية المطلقة من العمال الذين تحرروا من الاضطهاد.
ولما كان الميتافيزيقي يحدد الأشياء تحديداً نهائياً ويحرص على أن يعزلها بعضها عن بعض، فأنه مضطر إلى أن يناقض بعضها بالبعض على أنها متنافرة لا يمكن التوحيد بينها. فهو يعتقد أنه لا يمكن أن يوجد متناقضان في نفس الوقت، فهو يقول إن الكائن إما أن يكون حيا وإما أن يكون ميتا، ولا يمكن أن يتصور أن كائنا ما يمكن أن يكون حيا وميتا في نفس الوقت. ومع ذلك تحل في الجسد الإنساني. في كل لحظة. خلايا جديدة محل الخلايا الميتة. وتقوم حياة الجسم على هذا النضال المستمر بين الأضداد.
يمتاز المنهج الميتافيزيقي إذن برفضه للتغير وفصله بين ما لا يمكن فصله وإهماله للأضداد. وسوف ندرس كل ذلك بتفصيل في الدروس المقبلة. فنقارن بين هذه الصفات والصفات التي يمتاز بها المنهج الجدلي. ولكن يمكننا منذ الآن أن نحس بالأخطار التي يمكن أن يؤدي إليها المنهج الميتافيزيقي في البحث عن الحقيقة والتأثير في العالم. لأن الميتافيزيقيا يفوتها جوهر الواقع الذي هو تغير مستمر وتحول دائم: فهي لا تريد أن ترى إلا جانبا واحدا من هذا الواقع الغني وأن ترد الكل إلى أحد أجزائه فترد الغابة بأكملها إلى إحدى شجراتها. فهي لا تتخذ صورة الواقع كما تفعل الجدلية بل تريد أن تحمل الواقع الحي على أن يتخذ صورة قوالبها الميتة. وهي مهمة مصيرها إلى الفشل.
تروي خرافة يونانية قديمة مساوىء قاطع الطريق بروكست الذي كان يرقد ضحاياه على سرير ضيق. فإذا كانت الضحية أضخم من السرير قطع رجليها، وإذا كانت ضئيلة مدد أعضاءها... وهكذا تفعل الميتافيزيقا بالوقائع غير أن الوقائع عنيدة لا تستسلم.

رفض ماركس أذن القشور المثالية في فلسفة هيجل واحتفظ "باللباب العقلي" أي احتفظ بالجدلية. وهو يقول ذلك بنفسه بوضوح في المقدمة الثانية "لرأس المال" (كانون الثاني 1873).
لا يختلف منهجي الجدلي في الأساس عن منهج هيجل فقط، بل هو نقيضه تماما. إذ يعتقد هيجل أن حركة الفكر التي يجسدها باسم الفكرة هي مبدعة الواقع الذي ليس هو سوى الصورة الظاهرية للفكرة. أما أنا فاعتقد. على العكس، أن حركة الفكر ليست سوى انعكاس حركة الواقع وقد انتقلت إلى ذهن الإنسان ".
كيف وصل ماركس وانجلز إلى هذا الانقلاب الخطير؟ نجد الجواب على ذلك في مؤلفاتهما. إذ أن ازدهار علوم الطبيعة في القرن الثامن عشر. وفي السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، هو الذي أدى بهما إلى القول بأن للجدلية أساسا موضوعياً.
وكان للاكتشافات الثلاثة التالية أثر كبير في ذلك.
1) اكتشاف الخلية الحية التي تتطور عنها الأجسام المعقدة.
2) اكتشاف تحول الطاقة من حرارة وكهرباء ومغناطيس وطاقة كيمائية، الخ. في صور مختلفة نوعيا لحقيقة مادية واحدة.
3) نظرية التحول عند داروين. فلقد أظهرت هذا النظرية اعتمادا على علم الحفريات (paleontologie) وعلم تربية الحيوان، أن جميع الكائنات الحية (ومنها الإنسان) هي ثمرات التطور الطبيعي ( داروين أصل الأنواع، 1859)
ولقد أوضحت هذه الاكتشافات، كما أوضحت جميع العلوم في ذلك العصر (كفرضية كانت ولا بلاس التي تفسر النظام الشمسي بأنه قد تولد من (nebuleuse) أو نشوء علم طبقات الأرض (الجيولوجيا) الذي يعيد بناء تاريخ الكرة الأرضية، الطابع الجدلي في الطبيعة على أنها وحدة لكل شاسع. في صيرورة دائمة. يتطور حسب قوانين ضرورية ولا يكف عن توليد المظاهر الجديدة وما النوع الإنساني والمجتمع سوى لحظة من هذه الصيرورة الشاملة.
انتهى ماركس وانجلز إلى القول بأنه يجب الاستغناء عن المنهج الميتافيزيقي لفهم هذه الحقيقة الجدلية، ذلك المنهج الذي يقضي على وحدة العالم ويجمد حركته. فكان لا بد من منهج جدلي، وقد أعاد هيجل الاعتبار إلى هذا المنهج ولكن لم يستطيع اكتشاف الأسس الموضوعية له.
لم يأت، إذن، ماركس وانجلز بالمنهج الجدلي من الخارج بصورة اعتباطية، بل استقياه من العلوم نفسها التي تتخذ الطبيعة موضوعا لها والطبيعة جدلية في ذاتها .
ولهذا ظل كل من ماركس وانجلز، طيلة حياتهما: على اتصال دائم بتقدم العلوم وقد ازداد المنهج الجدلي في دقته كلما ازدادت معرفة العالم اتساعا وعمقا: كرس انجلز، بالاتفاق مع ماركس (الذي ألف رأس المال) سنوات طويلة لدراسة الفلسفة وعلوم الطبيعة دراسة دقيقة كما كتب عامي 1877 ـ 1878 كتابه "ضد دورنج " (Anti Duhring). وبدأ بكتابه مؤلف ضخم عن "جدلية الطبيعة " الذي خلف لنا منه عددا من الفصول، وهو كتاب يفصل القول في حالة العلوم في عصره على ضوء المنهج الجدلي.
كان لا بد من أن يفوز المنهج الجدلي برضا عدد من العلماء الذين اعتنقوا الماركسية. وأشهر هؤلاء في فرنسا الفيزيائي العظيم بول لانجفين الذي كان أيضا مواطنا كبيرا ووطنيا رائعا.
برهن المنهج الجدلي على خصبه عند ماركس وانجلز نفسيهما. فلقد حل كل من ماركس وانجلز، وكانا ثائرين ومفكرين في نفس الوقت، لأنهما كانا جدليين، المشكلة التي لم ينجح سابقوهما في وضعها. فلقد طبقا الجدلية المادية على التاريخ الإنساني فأسسا علم المجتمعات (الذي يقوم على فلسفة المادية التاريخية). وسنرى كيف حدث هذا الاكتشاف الأساسي (الدرس الرابع عشر). وبهذا وضعا الأساس العلمي للاشتراكية.
ولهذا أعلنت البرجوازية، خدمة لمصلحتها الطبقية، الحرب على الجدلية لأن الجدلية فضيحة بالنسبة للطبقات المسيطرة ومفكريها، ولأن النظرة الموضوعية للأشياء الموجودة تتضمن أيضا ادراك زوال هذه الطبقات وفناءها الضروري. لأن هذه الجدلية تدرك الحركة ولا يمكن لأي شيء أن يفرض عليها هذه الحركة إذ هي جدلية نقدية ثورية .
ولهذا لجأت البرجوازية إلى الميتافيزيقا، وسوف نبرهن على ذلك.
4 – المنطق الشكلي والمنهج الجدلي
ليس هناك من فائدة في أن نتبع هذا الدرس الأول بعض الملاحظات عن المنطق. فلقد رأينا (مسألة 2، ب) أن العلوم في، أول الأمر، لم تكن تستطيع إلا أن تستخدم المنهج الميتافيزيقي. ولقد وضع الفلاسفة اليونان (ولا سيما ارسطو) بعد أن عمموا هذا المنهج، عددا من القواعد الشاملة، التي يجب على الفكر اتباعها في كل آن لتجنب الخطأ. واتخذت هذه القواعد اسم المنطق. ويقوم موضوع المنطق على دراسة المبادىء والقواعد التي يجب على الفكر إتباعها في بحثه عن الحقيقة. وليست هذه المبادىء والقواعد من وضع الخيال بل استنبطها الإنسان في اتصاله المستمر بالطبيعة: لأن الطبيعة هي التي جعلت الإنسان "منطقيا" وعلمته أنه لا يمكننا أن نفعل أي شيء!
وهاك القواعد الثلاث الرئيسية في المنطق التقليدي الذي يسمى بالمنطق الشكلي:
1) مبدأ التماثل (Le principe didentite)؛ كل شيء مماثل لنفسه. فالنبات نبات دائما والحيوان حيوان . والحياة هي الحياة والموت هو الموت. ولقد صاغ المنطقيون هذا لمبدأ في قولهم أ = أ.
2) مبدأ عدم التناقض (Le principe de non-contradiction)؛ لا يمكن أن يكون الشيء نفسه ومناقضا لنفسه في نفس الوقت. وهكذا ليس النبات حيوانا، وليس الحيوان نباتا، كما أن الحياة ليست الموت، والموت ليس الحياة. فيقول المنطقيون: "ليس "أ" مناقضا لـ "أ".
3) مبدأ الثالث المستحيل: (Le principe du tiers exclu)؛ بين إمكانيتين متناقضتين، لا مجال لإمكانية ثالثة. فالكائن إما أن يكون حيوانا أو نباتا ولا مجال لإمكانية ثالثة. ولهذا يجب أن نختار بين الموت والحياة، ولا مجال لإمكانية ثالثة. فإذا كان "أ" و "غير أ" متناقضين فالشيء أما أن يكون "أ" أو مناقضا لـ"أ"
فهل لهذا المنطق من قيمة؟ أجل. لأنه يصور لنا تجربة تراكمت خلال عدد من القرون. ولكنها غير كافية إذا ما أردنا أن نتعمق في البحث، لأنه يبدو لنا عندئذ أن هناك كائنات حية لا يمكن تصنيفها ضمن طوائف الحيوان والنبات لأنها كلا الاثنين معا. كما أنه ليس هناك من حياة مطلقة أو موت مطلق، إذ يتجدد كل كائن حي في نضال مستمر ضد الموت، كما أن الموت يحمل في أحشائه عناصر حياة جديدة ( ليس الموت زوال الحياة بل هو تحلل جسم). وإذا كان المنطق القديم له قيمة إلى حد ما، فهو يعجز عن سبرغور الواقع. حتى إذا ما حاولنا أن نحمله على أن يعطينا أكثر مما يمكنه إعطاؤه وجدنا أنفسنا في ميدان الميتافيزيقا. وليس المنطق التقليدي خاطئا في ذاته. بل هو يؤدي إلى الخطأ إذا ما حاولنا أن نطبقه خارج حدوده.
صحيح أن الحيوان ليس نباتا، وكذلك صحيح أنه يجب، حسب مبدأ عدم التناقض، تجنب الخلط بين الأشياء لأن الجدل ليس هو الخلط بين الأشياء. بل يقول الجدل أنه صحيح أيضاً أن الحيوان والنبات مظهران للواقع لا يمكن الفصل بينهما حتى أن بعض الكائنات تجمع بينهما (وحدة الأضداد).
ويكفي المنطق الشكلي الذي نشأ في فجر العلوم للاستخدام اليومي فهو يعيننا على التصنيف والتميز. حتى إذا ما حاولنا التعمق في التحليل ظهر نقصه. فلماذا ؟ لأن الواقع متحرك، ولهذا لا يسمح منطق التماثل (أ = أ) للأفكار أن تصور الواقع في حركته. ولأن هذه الحركة، من ناحية ثانية هي ثمرة تناقضات، كما سنرى، غير أن منطق التماثل لا يسمح بتصور وحدة المتناقضات والانتقال من النقض إلى النقيض.
لا يدرك المنطق الشكلي سوى المظهر المباشر للواقع. أما المنهج الجدلي فهو يسعى لأدراك جميع مظاهر الواقع.
ويسمى تطبيق المنهج الجدلي على قوانين الفكر المنطق الخ ..

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire