mercredi 8 janvier 2014

حول النقد والنقد الذاتي الماركسي

أهمية النقد والنقد الذاتي تقع في عمليته, ايّ انه حلاً نوعياً لخلاف نوعي, أن يختلف طرفين يعني هناك مشكلة رابطة ووجهات نظر مختلفة في مسألة مشتركة, ما يستطيع ان يحل هذا الخلاف هو النقد والنقد الذاتي, لأن لابد من وجود طرف على حق, أن يناقش احدهم بوجود اشباح مخفيه ويجادل الآخر بعدم وجودهم لابد ان تكون حقيقة قاطعة, أما يكون لهم وجود أو لا, لا يمكن زعم وجود شبح شبه موجود.

اذا اراد ان يكون الجدل مثمراً لابد ان يكون مستنداً على ارضية الواقع الموضوعي (Objective Reality) , أن يرى العالم كما ينبغي رؤيته, كما هو موجود امام اعيننا. وكذلك يجب ان يكون النقد والنقد الذاتي مستنداً على الواقع الموضوعي.

والموضوع مرتبط حصراً بسيرورة عمل الشيوعيين الماركسيين, حيث هناك فجوة كبيرة قد سببتها التغيرات الاجتماعية المفاجئة. تلك التغيرات الاجتماعية لم تسرِ خارج نطاق الحركة الديالكتيكية, أيّ لم تخرج من رحمة الديالكتيك نحو تحركات غير معروفة وغير محددة, كل التغيرات في البنى الاجتماعية جرت وفقاً للحركة الديالكتيكية.

ان تتوسع الطبقة الوسطى وتتقلص البورجوازية والبروليتاريا هذا يعني فعالية الحركة الديالكتيكية,وفقاً لصراعات جرت في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي –ليست مرتبطة بموضوعنا الحالي, وما دامت الحركة الديالكتيكية في سيرورتها لابد ان يكون الفكر في مثل محل السيرورة, أما ان يكون متخلفاً عن الحركة الديالكتيكية فأنه يصبح فكراً خارج التاريخ, وخارج حركة الصراع الطبقي, وخارج نطاق التغيرات في انماط الانتاج, وخارج المكينة التي تتحكم في الديناميكية الاجتماعية.

إذن إذ كان الفكر لا يرصد حركة الديالكتيك في المجتمع والتاريخ والطبيعة فأنه فكر واهٍ لا أساس له من العلم, والماركسية حصراً قائمة على التطورات العلمية الديالكتيكية, أما الإيديولوجيات منها الفاشية والنازية والبعثية والقومية العربية إلخ فهي ليست قائمة على اي علم من العلوم, بل نشأت في عصر معين ولها افكار ومبادئ ثابتة معينة وفقاً لهذا العصر التي نشأت فيه. فمثلاً البعثية نشأت في الاربعينات من القرن الماضي كردة فعل لسقوط المملكة الحجازية بقيادة البورجوازية العربية في العشرينات, البعثية قائمة على ظروف معينة, أولاً على اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت حدود العالم العربي الذي يتوق البعثيون إلى وحدته, ثانياً ظهور الاتحاد السوفيتي كأقوى دولة في العالم بعد الحرب العالمية الثانية والتي ادت بالتالي إلى استقلال سوريا والعديد من الدول العربية والغير عربية. فنموذجنا البعثي, أعني نموذجاً للأيديولوجية, نشأ في ظروف معينة وتحت مبادئ ثابتة لا تتغيرولهذا رسالة البعث خالدة, بمعنى آخر, ان ندائهم سيظل هكذا بشكل ابدي. أبدية النداء أو الثبوت الفكراني هي من سمات الايديولوجية التي تمنع مبدأ النقد والنقد الذاتي, بل لا تعترف به اطلاقاً, لأن المبادئ ثابتة مانعة غير قابلة للجدل او النقد.

هكذا تتصرف الايديولوجيات, على العكس من العلم الذي يتطور على الدوام, الذي ينتقل من مكان إلى مكان آخر ولهذا دائمأً النقد والنقد الذاتي مرحب به في ساحة العلوم. فالأيديولوجيات تبقى كما هي, منذ نشأتها إلى الأبد فهي دائماً ستكرر مبادئها التي تأسست عليها. أما الشيوعيون فلا مبادئ ثابتة لهم, فشيوعيو الأممية الأولى كان لهم مبادئ تختلف عن الأممية الثانية, وشيوعيو الأممية الثانية لهم مبادئ تختلف عن الأممية الثالثة وهكذا. فماركس الذي طالب بثورة عمالية في البيان الشيوعي رأى ان العمال لا يمتلكون الوعي الكافي في كومونة باريس وقد انتقد ذاته بحل الأممية الأولى, بينما لينين طالب بثورات عمالية وتحررات وطنية وفقاً للظرف آنذاك. اما يأتينا متحذلق اليوم يدعو إلى ثورة بروليتارية في حين ان البروليتاريا تبلغ نسبتها في الدول الرأسمالية الكلاسيكية اقل من 20% فهذا يستحق وسام تقديري في الحماقة.

ويعود السبب, اذا اردنا ان نشخص اسباب ادلجة الماركسية- الغير قابلة للأدلجة-, إلى الرومامتيكية السائدة في صفوف الشيوعيين في القرن الماضي, ومصدر هذه الرومانتيكية هي تغلغل الطبقة الوسطى إلى الاحزاب الشيوعية بشكل كبير, خصوصاً عند العرب –في ظل غياب طبقة عاملة بروليتارية كاملة وقوية. الحلم هو صفة من صفات الطبقة الوسطى التي لا تمتلك اي مشروع طبقي تنموي على غرار الطبقات المتينة مثل البروليتاريا والبورجوازية. كان على القيادات الشيوعية ان لا تقبل احداً وفقاً لرومانتيكيته, ان لا تقبل فقط من يقول يا عمال العالم اتحدوا, بل تقيّم الوعي الماركسي واذا كان غير كافياً تقدم العون الكافي لبناء الوعي الماركسي الحق. وهذا الحماس والاندفاع والرومانتيكية قد اسس قاعدة عريضة في التنظيمات الشيوعية تؤدلج الفكر العلمي وتسيس الفكر من اجل اثبات ذاتها وحسب, فكم من مفكرٍ نصب وسام الفكر على صدره وهو لا يفقه حرفاً من حروف الفكر !.

ولهذا تتعلق احزاب الاممية الثالثة ببرامجها القديمة المتعلقة بعصر الامبريالية والاستعمار,وتستمر هذه الاجندة بالرغم من ان الامبريالية والاستعمار قد انتهيا , فهنا نجد انتهاكاً واضحاً لعلمية الفكر الماركسي من حيث ادلجة الفكر وتجميده في قوالب زمنية معينة مستمرة إلى يومنا هذا.

وفي هذا المقام سيجدي نفعاً مطلب حل أحزاب الأممية الثالثة, بإستخدام سلاح النقد والنقد الذاتي, لأن تلك الاحزاب تجاوزت المدة المطلوبة لأنها مصممة لهدف معين آنذك, كانت مصممة على ان تنفذ مشروع لينين بثورات التحرر الوطني وبفك الروابط مع المراكز الامبريالية والاطاحة بالرأسمالية, أما اليوم بعد ثورة التحرر الوطني وبعد سقوط الامبريالية والراسمالية أي تحرر وطني ستخوضه تلك الاحزاب؟ واي رأسمالية ستحاربها ؟

تقع هنا ضرورة النقد والنقد الذاتي من أجل تحقيق ذلك. النقد والنقد الذاتي هو ما جعل ماركس يحل الأممية الاولى, النقد والنقد الذاتي هو ما جعل أنجلز يؤسس الاممية الثانية , النقد والنقد الذاتي هو ما جعل لينين يؤسس الاممية الثالثة. هؤلاء الثلاثة, بالرغم من مكانتهم الفكرية, لم يكترثوا اذ كان نقد الذات سيشوه ذاتهم أو لا, لأن الذاتوية ليست موجودة, على العكس من القيادات الشيوعية الحالية التي لا تنتقد ذاتها حفاظا على تاريخها وذاتها. ولكن الواقع لا يرحم, الواقع قاسٍ جداً, الواقع لا يعرف الوجدان او الحفاظ على الذات, الواقع يعرف الحقيقة فقط.

إذن, اذا كانت الطبقة العاملة مهمشة وضعيفة , ولم تعد متينة مثل سابق عهدها, فمن البديهي ان يكون حزبها حزباً ركيكاً غير فعال ويستهوي سياسات وطنية بحتة. وان كان حزباً على هذه الشاكلة, فيجب عليه ان يجرد برنامجه من تسمية : (( الشيوعي)).

بقاء احزاب الاممية الثالثة حية إلى حد الآن, وتطرح برامجها السالفة, هذا يعني تضليلاً صارخاً وفاضحاً للطبقة العمالية , لأن تلك الاحزاب بكون تعريفها العام هو طليعة الطبقة العاملة (Vanguard of the Proletariat) تتقرب إليها الطبقة العاملة باحثة عن مصلحتها الطبقية, فعندما تتحول طليعة الطبقة العاملة إلى نقيضة طبيعتها الطبقية ستكون سياستها , أجمعها, ضد المصالح الطبقية للبروليتاريا, فهي حصراً تضلل خارطة الطريق لها.

تلك هي مشكلات النظر إلى التاريخ بشكل تماثلي, فالتاريخ في بدايات القرن العشرين هو مثل التاريخ في بدايات القرن الحادي والعشرين, يتماثل التاريخان في مثل الظروف ومثل الأوضاع ومثل التراكيب الاجتماعية بينما الوعي,بالنسبة إلى ماركسيونا, هو الذي يتحرك ويتطور, على غرار المذهب الهيجلي, ويتم تفسير الصراعات ما بين البشر هي عبارة عن صراع هويات/أو ايديولوجيات, أنصار الفقراء يحاربون أنصار الأغنياء إلى ان يقيم العدل.

فالفكر,بالضرورة, ان يكون فكراً علمياً يرصد الحركة العلمية الديالكتيكية في سيرورتها الدائمة,وإلا سيكون فكراً يعتبر الماضي ماضٍ والحاضر حاضرٍ, و سيغدو الفكر مصنفاً من قبل اصحاب الفكر في مدرجات تاريخية معينة تتشرب الأوضاع الظرفية الخاصة بذلك الوقت ويتم ترديد الشعارات التي كانت فعالة آنذاك في وقتنا الحالي بكل دوغماتية.

اما الحركة الجديدة فيجب عليها ان تجرد نفسها من العبارات المتشدقة بالثورية الفارغة, وان لا تحصر نفسها في المفاهيم الثورية التي ليست في مكانها. الحركة الجديدة يجب عليها ان تتعرف على طبيعة هذا العالم, تراكيبه وتلاوينه وهيكليتيه, ان تدرس كل خصلة من خصال هذا المجتمع الجديد الغير مألوف. والواجب الأهم هو فضح التنظيمات التي تغطي عيوبها وعجزها بالتمويه والتقنع بالقناع الثوري الزائف.

فالنقد والنقد الذاتي هو المفتاح لسيرورة العمل الماركسي اللينيني في صدر القرن الحادي والعشرين, فيجب ان تنتقد الاحزاب الشيوعية ذاتها وتعتذر على وقوفها مع القيادة الرجعية البروجوازية الوضيعة السوفيتية منذ العام 1953, ولكن ان تتستر احزاب الاممية الثالثة على اخطائها الصارخة الجسيمة هذا ما يدعو القلق بشأنه, ان تتسر تلك الاحزاب على تلك الاخطاء من اجل الحفاظ على التاريخ والذات يجب نقده بكل حزم وشدة. تلك الاحزاب غير محصنة وغير مقدسة وغير الهية , وخصوصاً انها ساهمت في تقويض مشروع لينين, مشروع الاممية الثالثة, التي تدعي انها تعمل لتحقيق اجندتها اليوم.

الماركسية تعلم اصحابها النقد والنقد الذاتي, ماركس وانجلز ولينين وستالين لم يخشون نقد الذات لأنهم لم يكترثوا للذاتوية بل كان المحور الاساسي هو خارطة الطريق,وهذا ما يجب القيام به في العصر الآني بكل حزم وقوة..
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire