jeudi 12 avril 2012

زواج العسكر والإخوان: إلى أين؟ – مصر


أزمة رئاسية وأزمة دستورية وأزمة اقتصادية طاحنة. كل هذه الأزمات تسببت في تعقد العلاقة الزوجية والتي بدأت هادئة ومنسجمة بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين. هل سينتهي الأمر إلى الطلاق أم إلى المصالحة؟ هل سنرى من جديد تلك المصافحات والأحضان الدافئة والابتسامات الخجولة أيتحول الأمر إلى معارك دموية بين العائلتين؟
أول ما يجب إدراكه أن هذا الزواج كان ولا يزال زواج مصالح وليس زواج حب أو اقتناع. وقد قامت العلاقة على أساس المفاوضة على تقسيم تركة العائلة المالكة القديمة (عائلة مبارك ورجاله) أي تقسيم السلطة والثروة بين ما تبقى من رأس الأسرة القديمة (المجلس العسكري) وبين المعارضة الوسطية الإصلاحية التقليدية للنظام القديم (الإخوان المسلمين) والتي فكت قيودها ومهدت لصعودها الثورة المصرية ذلك الحدث الذي فاجأ وأخاف الطرفين.
كلما صعد العدو المشترك للطرفين المتمثل في استمرار الثورة المصرية بمظاهراتها ومطالبها وإضراباتها واعتصاماتها، كلما توطدت العلاقة وانسجم العروسين. وكلما أصبح ما هو مطروحاً تفاصيل تقسيم تركة النظام القديم توترت العلاقة وبات شبح الطلاق يلوح في الأفق. ولأن الفترات الثورية في التاريخ دائماً ما تتميز بسيولة وتحولات حادة وسريعة في ميزان القوى السياسية والاجتماعية، يكون تحديد طبيعة وأحوال العلاقة بين مقتسمي السلطة الجدد شديد الصعوبة، بل يتحول أحياناً إلى نوع من التكهنات غير العلمية، فهناك متغيرات تحدث داخل بيت الزوجية ليس لمن خارجه معرفة تفاصيله. وقد أثيرت التساؤلات وأصيب الكثيرون بحالة من الهلع بسبب هيمنة الإخوان المسلمين وأقاربهم من السلفيين على لجنة صياغة الدستور بعد هيمنتهما على البرلمان وما تلا ذلك كله من ترشيح خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية وذلك بعد تأكيد الجماعة والشاطر نفسه مراراً وتكراراً أن ذلك الأمر مرفوض بشكل مبدئي (مبادئ الإخوان يبدو أن مصدرها كتاب الأمير لماكيافلي وليس القرآن الكريم.
أصبح السؤال الملح إعلامياً وفي أوساط النخبة هو: هل يعبر ذلك عن صفقة مع المجلس العسكري وبالتالي يصبح الشاطر المرشح التوافقي الذي طال انتظار ظهوره؟ أم أن الجماعة قررت المواجهة المباشرة مع المجلس ومن ثم يصبح هذا القرار بمثابة ورقة الطلاق أو على الأقل التهديد بالطلاق بين الطرفين؟
كما طرح سابقاً فكثير من التفاصيل ما زالت خلف الستار والوضع شديد السيولة وقابل للتغيير بين ليلة وضحاها. ولكن هناك عدد من المؤشرات يمكننا الاسترشاد بها في هذه اللحظة.
من هو خيرت الشاطر؟ ليس مقصوداً هنا ما هو تاريخه النضالي ودوره التنظيمي في التاريخ الحديث لجماعة الإخوان بل من هو خيرت الشاطر في هذه اللحظة من تطور الثورة المصرية؟
هو أولاً الأكثر قرباً للإدارة الأمريكية والأكثر تنسيقاً وتفاوضاً مع ممثليها بين قيادات الجماعة. فهو الذي قابلته السفيرة الأمريكية مرات عديدة منذ اندلاع الثورة وهو من قابله كبار أعضاء الكونجرس الأمريكي في إشارة واضحة (تم تأكيدها في كبرى الصحف الأمريكية) عن دعمهم وتقبلهم لدوره المستقبلي في إدارة البلاد.
وهو ثانياً من كبار رجال الأعمال المصريين وقد تمكن من مراكمة مئات الملايين من الجنيهات خلال عصر مبارك رغم الاعتقالات وحملات تجميد الأموال والمضايقات الدائمة. ومصالحه الاقتصادية تمتد إلى العديد من البلدان وهي بطبيعة رأس المال متشابكة ومتداخلة مع مصالح بقية كبار رجال الأعمال سواء من داخل النظام القديم أو من خارجه. هذه المصالح بمثابة شبكة عنكبوتية تربط بين الشركات العالمية وكبار رجال الأعمال المصريين وكبرى مؤسسات دولة مبارك وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، وكل هذه المصالح رغم زلزال الثورة المصرية مازالت قائمة ومترابطة ولم تمس من حيث الجوهر.
وثالثاً فالشاطر هو رجل التنظيم القوي داخل الإخوان والذي يراهن عليه الكثيرين ليس فقط لاستيعاب الانقسامات داخل الجماعة ولكن أيضاً لتحييد السلفيين أو حتى كسبهم لصفه كحلفاء.
وهو أخيراً القيادة الإخوانية الأكثر لقاءاً وتفاوضاً مع المجلس العسكري خلال العام الماضي. ورد فعل المجلس الخافت حتى الآن لخطوة ترشحه والعفو « الصحي » الذي تسلمه من المجلس إلى جانب عدم طرح المؤسسة العسكرية لمرشح قوي قادر على منافسته. كل هذه المؤشرات تشير إلى أن خيرت الشاطر ولو بشكل أولي هو المرشح « التوافقي »- مرشح رجال الأعمال والإدارة الأمريكية- مرشح المجلس العسكري والثورة المضادة.
ولكن كيف يؤثر ذلك على مسار الثورة المصرية؟ للرد على هذا السؤال نحتاج إلى توسيع الرؤية لتتجاوز مجرد العلاقة/الزواج بين المجلس والجماعة.
الثورات الشعبية الكبرى مثل الحروب الطويلة. فهي تتكون من سلسلة ممتدة من المعارك، تحسم مؤقتاً لأحد أطراف الحرب ولكن سرعان ما يتغير ميزان القمة سواء لأسباب خارجية إو داخلية، ذاتية أو موضوعية فينقلب الوضع لصالح الطرف الثاني. وتتطلب هذه الثورات/الحروب رؤية إستراتيجية واضحة وتكتيكات فاعلة ومرنة لتتراكم قدرات وإمكانيات القوى الثورية عبر المعارك المتتالية، سواء تلك كانت نتيجتها الانتصار أو الهزيمة المؤقتة، وحتى يكون ممكناً لهذه القوى حسم الحرب نهائياً لصالحها في نهاية المطاف. ولكن الثورات تتميز عن الحروب التقليدية في أن أطراف النزاع فيها ليست مجرد طرفان أي جيشين يحاربان على أرض المعركة بل العديد من الأطراف الممثلة لمختلف القوى الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع. وقد طرحنا سابقاً في العديد من المقالات أنه يمكننا مع بعض الاختزال تقسيم ساحة الثورة المصرية إلى ثلاث أطراف أساسية: طرف الثورة المضادة وعلى رأسها المجلس العسكري ومن حوله من بقايا النظام السابق ورجال الأعمال والشركات والتي كانت ومازالت تحمي مصالحها المنظومة الأمنية والمخابراتية للنظام القديم. والطرف الثاني يتكون من قوى المعارضة الوسطية والإصلاحية التي راكمت شعبية خلال فترة مبارك وعلى رأس تلك القوى بالطبع جماعة الإخوان المسلمين ولكنها تشمل توليفة واسعة من الجماعات الليبرالية والسلفية وحتى اليسارية الإصلاحية. ويتفق هؤلاء جميعاً أن الثورة المصرية قد انتهت وأننا في مرحلة البناء الديمقراطية أو مرحلة التحول من الثورة إلى الدولة وهي جميعاً تكتفي بإصلاح نظام مبارك دون المساس بجوهره الاجتماعي والاقتصادي ودون المساس بمجمل سياساته الخارجية والداخلية.
أما الطرف الثالث فيتكون من القوى التي لها مصلحة اجتماعية واقتصادية وسياسية في استمرار وتعميق الثورة المصرية والقضاء نهائياً على قوى الثورة المضادة وبناء دولة ثورية جديدة تمثل مصالح الغالبية العظمى من الشعب المصري من عمال وفلاحين وفقراء وعلى رأس هذه القوى الحركة العمالية الصاعدة والتي زلزلت ومازالت تزلزل البلاد بإضراباتها واعتصاماتها وهي تشمل أيضاً الحركات الشبابية الثورية التي ملأت الميادين في معارك بطولية مع قوى الشرطة والجيش ومازالت ترفض التخلي عن حقوق وأحلام شهداء ومصابي الثورة ومنها شباب الألتراس والمجموعات الثورية بتنوعاتها واليسار الثوري بمختلف تنظيماته وحركاته.
إن الزواج الحالي بين رأس الثورة المضادة- المجلس العسكري وبين حليفه/منافسه الجديد- الإخوان المسلمين. أي بين رأس الطرف الأول ورأس الطرف الثاني هو زواج مليء بالتناقضات والشروخ والتي يجب أن يستفيد منها قوي استمرار وتعميق الثورة المصرية. فالمجلس العسكري وبقية أقطاب الثورة المضادة منقسمين داخلياً حول كيفية التعامل مع الحليف الجديد. والجماعة مليئة بالانقسامات التي ستزداد عمقاً حول العلاقة مع المجلس. الطلاق شديد الخطورة واستمرار الزواج كذلك شديد الخطورة.
الموجة الثورية القادمة ستتمكن من الانتصار على الطرفين إذا تمكنت من تنظيم وتوحيد الصفوف والاستفادة ليس فقط من التناقضات داخل بيت الزوجية الجديد (الجماعة والمجلس) ولكن أيضاً الاستفادة من التناقضات والانقسامات داخل كل من المعسكرين.
مرشح الثورة المضادة سواء كان توافقياً (خيرت الشاطر) أو منفرداً وهو ما يبدو مستبعداً حتى هذه اللحظة يجب أن ننظم ضده أكبر حملة ممكنة لإقناع الجماهير بعدم انتخابه بكل الوسائل الدعائية والتحريضية الممكنة. يجب أن تتوحد القوي الثورية للعمل على إسقاط مرشح الإخوان والعسكر. وحتى إذا فشلنا في إسقاطه فستكون أولى المعارك الثورية ضد الرئيس الجديد. المرحلة الأولى من الموجة الثورية القادمة والتي وحدها ستكون قادرة على حسم مصير الثورة المصرية لصالح عمال وفلاحي وفقراء مصر وتحقيق ديمقراطية حقيقية تتجاوز ذلك السرك النخبوي العاجز الذي نشاهده كل يوم في البرلمان.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire