lundi 24 janvier 2011

مدن الملح" الممنوعة سعودياً مُحتفى بها عالمياً سمير جريس




قصدتُ بـ"مدن الملح" المدنَ التي نشأت في برهة من الزمن بشكل غير طبيعي واستثنائي، بمعنى أنها لم تظهر نتيجة تراكم تاريخي طويل أدى إلى قيامها ونموها واتساعها، وإنما هي عبارة عن نوع من الانفجارات نتيجة الثروة الطارئة. هذه الثروة (النفط) أدت إلى قيام مدن متضخمة أصبحت مثل بالونات يمكن أن تنفجر، أن تنتهي، بمجرد أن يلمسها شيء حاد": هكذا أوضح الروائي الراحل عبد الرحمن منيف (1933 – 2004) ما يقصده من عنوان خماسيته الشهيرة "مدن الملح".

حققت "مدن الملح" نجاحاً كبيراً عربياً وعالمياً، غير أنها صنفت كاتبها باعتباره معارضاً للحكم السعودي الذي منع رواياته طويلاً من دخول المملكة إلى أن سمح بها في السنوات الأخيرة حسبما يتردد. وترجمت "مدن الملح" إلى لغات عديدة. وقد صدرت مؤخراً في ألمانيا ترجمة الجزء الثالث "تقاسيم الليل والنهار"، ونهضت بترجمة الأجزاء الثلاثة المترجمة الألمانية لاريسا بندر بالاشتراك مع السورية ماجدة بركات. غير أن الترجمة الألمانية تتوقف بصدور الجزء الثالث - لماذا؟

على هذا السؤال تجيب لاريسا بندر في حوارها مع دويتشه فيله، بأن دار النشر الألمانية فكرت في البداية في ترجمة الجزء الأول فحسب من الخماسية. ولكن بعد نجاح ترجمة "التيه" التي صدرت عام 2004، قررت دار "ديدريشس" مواصلة المشروع، فتُرجم الجزء الثاني ثم الثالث. ولأن الترجمة الانكليزية تتحدث عن "ثلاثية" عبد الرحمن منيف، وليس عن "خماسية"، فقد اعتقدت دار النشر أن الرواية من ثلاثة أجزاء فحسب. وتضيف المترجمة: "ورغم أني تكلمت معهم كثيراً بهذا الشأن فقد قررت الدار التوقف عند الجزء الثالث. وأعتقد أن تسويق الرواية كثلاثية أسهل من تسويق خمسة أجزاء."

الاعتبارات التسويقية كانت إذن سبب توقف الترجمة الألمانية مع الجزء الثالث، كما أن ضخامة الرواية والإسهاب في الوصف وترهل السرد أحياناً قد تكون من الأسباب الأخرى التي تقف عائقاً في طريق القارئ الألماني. على كل حال فقد أحدثت ترجمة "التيه" إلى لغة غوته صدى واسعاً، لا سيما أنها جاءت في توقيت مناسب إبان استضافة الثقافة العربية في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004. وتقول لاريسا بندر لـ"دويتشه فيله" إن الجزء الأول "لقي اهتماماً كبيراً جداً جداً" مقارنةً بالروايات العربية المترجمة إلى الألمانية. وتعلل المترجمة ذلك بكون الرواية "تشرح الوضع العربي إثر دخول الأمريكان إلى المنطقة العربية، وكان ذلك شيئاً جديداً بالنسبة إلى القارئ الألماني".

"حقول البترول تطرد أشجار النخيل"
وأحدثت ترجمة الجزء الثالث من "مدن الملح" صدى نقدياً أيضاً، فكتبت الصحافية السويسرية أنغيلا شادر مقالاً نقدياً بجريدة "نويه تسوريشر تسايتونغ" تقول فيه: "لم يسبق لكاتب قبل عبد الرحمن منيف أن صوّر بهذه الدقة وذلك الغضب المقدس تلك الحالة البائسة التي وجد فيها أنفسهم أولئك المقتلعون من جذورهم الذين رأوا الدخان يتصاعد من حقول البترول العجفاء التي أخذت في الانتشار طاردة أشجار النخيل المثمرة." وترى شادر أن هناك أسباب معروفة جعلت دولاً عربية عديدة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تضع "مدن الملح" على قائمة الأعمال الممنوعة، فالخماسية "تعكس البانوراما التاريخية الشاملة والساخرة والنقدية لدولة النفط التي تدعى "موران"؛ وبسهولة يدرك القارئ أن المقصود بالقائمين على أمور تلك الدولة هم أعضاء العائلة السعودية الحاكمة."
وتمتدح الناقدة السويسرية اختيار هذا العمل لتقديمه للقارئ الألماني، غير أنها تفتقد مقدمة تضع القارئ في السياق التاريخي لهذا الجزء. لاريسا بندر توافقها على رأيها، غير أنها تضيف: "الأمر إشكالي. من جهة، هذا عمل أدبي، وليس كتاباً في التاريخ. في الوقت نفسه فإن القارئ الألماني لا يعرف المنطقة العربية وتاريخها، لذلك أعتقد أن وضع مقدمة أو شرح لتلك الفترة التاريخية كان سيسهل على الألمان فهم الكتاب".
بخماسيته "مدن الملح" أضحى عبد الرحمن منيف - الذي ولد في عمان بالأردن لأب سعودي وأم عراقية - أحد أهم الروائيين العرب. ومن أعماله المشهورة الأخرى رواية "شرق المتوسط" التي تتناول موضوع التعذيب في السجون العربية. وقد ترجمت لاريسا بندر هذه الرواية أيضاً إلى جانب "سيرة مدينة" التي كتبها عبد الرحمن منيف عن مدينة عَمّان في الأربعينات.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire