dimanche 12 novembre 2017

تورة اكتوبر والبلاشفة المسلمي الاصل

تقارير اخبارية

مائة عام من النسيان: ثورة أكتوبر، والبلاشفة المسلمون!


محمد الحسن(*)

"لقد كانوا رجالاً سبقوا زمنهم"

 المؤرخ ألكسندر بينيغسن واصفاً البلاشفة المسلمين



البطولات وسِيَر الأبطال كثيراً ما يصاحبها الشعور بالألم والمرارة، إلا أنه ما من ألم أشد وأقسى من أن تطمس البطولات ويرمى بها إلى غياهب النسيان.

في الفترة التي أعقبت ثورة فبراير ١٩١٧ التي أطاحت بالقيصر الروسي، انتظمت مجموعات من الشباب القوميين الماركسيين المسلمين (أبناء القوميات المسلمة في روسيا) في مجاميع واتخذوا عدة قرارات تتعلق بمصير أمتهم المجزأة والخاضعة للاستعمار الروسي. بعد اندلاع ثورة أكتوبر وتفجر الحرب الأهلية انحاز هؤلاء إلى صف البلاشفة بقيادة "لينين"، وانضموا للحزب وبدؤوا بتعبئة الصفوف للدفاع عن الثورة في مناطق لم يكن للبلاشفة فيها وجود. هؤلاء المسلمون بقيادة الشاب الماركسي التتاري الفذ "ملانور وحيدوف" انتظموا في "الوحدات المسلمة" بالجيش الأحمر وأخذوا بالازدياد حتى وصلوا إلى ربع مليون جندي وضابط شكلوا نصف الجيش الأحمر السادس الذي تولى الجبهة الشرقية (سيبيريا) وهي الجبهة الرئيسية في الحرب الأهلية الروسية.



هؤلاء المسلمون الحمر الذين إجترحوا البطولات بكل نكران ذات قدموا في الأشهر الأولى من مقاومتهم قائدهم الفذ "وحيدوف" شهيداً حيث أعدم على يد الفوج التشيكوسلوفاكي بعد سقوط "قازان" عاصمة "تتارستان"، ليتسلم الراية منه رفيق دربه القائد التتاري الاستثنائي "مير سعيد سلطان غالييف".

هذا الشاب الذي تمتع بنظرة ثاقبة وبصيرة منقطعة النظير سيكون المنظِّر الأول لأطروحات التحرر القومي (الوطني) في المستعمرات، وسيكون الماركسي صاحب "الصفعة الأولى" للأورو- مركزية التي هيمنت على الحركة الشيوعية، سواء في روسيا أو خارجها، أطروحاته ستسبق أطروحات "ماو تسي تونغ" بعقدين وستسبق مؤتمر "باندونغ" بأكثر من ثلاثة عقود وستسبق مؤتمر القارات الثلاث بهافانا بأربعة عقود.

لقد حاول "سلطان غالييف" ورفاقه المسلمون تبيان أن المستعمرات، وبالذات في البلدان المسلمة، لها ظروفاً اقتصادية واجتماعية تختلف جذرياً عن أوروبا وتتطلب فهماً جديداً مغايراً للفهم الأوروبي التقليدي للماركسية.

"إن فلاحاً متوسطاً ألمانياً أو روسياً لهو أغنى من أغنى كولاكي تتاري [الكولاك : طبقة الفلاحين الأغنياء- ملاحظة الكاتب]، ولذلك فإنه يجب علينا التوقف عن مناقشة اضطهاد الفلاحين التتار على يد التتار الكولاك والبدء بمناقشة حالة التخلف العامة التي تعاني منها الطبقة الفلاحية التتارية بمجملها"...

"باستثناء بعض العمال غير المهرة الذين لا يختلفون كثيراً عن الفلاحين فإنه لا وجود لعمال تتار. إن [موسكو] تدعونا إلى الاعتماد على البروليتاريا المحلية عندنا، وهذا ممكن في حال توفرنا على ثلاثة آلاف عامل تتاري ماهر، لكننا بعيدون جداً عن هذا الرقم." هكذا خاطب البلشفي التتاري "غنييف"، أحد أنصار "سلطان غالييف"، رفاقه الروس في أيلول سبتمبر ١٩٢٧.



"إن النظام السوفييتي، الذي يمثل دكتاتورية الطبقة العاملة، مبرر تماماً في وسط روسيا حيث الرأسمالية الصناعية قد وصلت إلى مداها في التطور... إلا أن هذا النظام ذاته إذا ما تم تطبيقه على جموع البدو المسلمين أو على المجموعات التي بالكاد دخلت الرأسمالية التجارية فإنه لن يستطيع البقاء على قيد الحياة... إننا بحاجة إلى أن تتم مساعدتنا لنعبر بشكل طبيعي مختلف مراحل التطور الاقتصادي، لا أن نقفز عليها مباشرةً إلى نظام حكم لا يمكننا فهمه ولا تمثله. إن ما يجب اعتماده في تركستان وقرغيزيا وبشكيريا والقفقاس وتتارستان والقرم هو مبدأ السلطة القومية وليس الطبقية." هذا ما قاله البلشفي أحمد أوزانباشلي من تتار القرم، في تشرين ٢ نوفمبر ١٩٢٢.

لقد حاول "سلطان غالييف" مبكراً تبيان الأمور لرفاقه الأوروبيين الذين يجهلون تماماً الظروف المحلية السائدة، فنراه في ١٩١٨يقول : "إن الشعوب المسلمة لما تنقسم بعد إلى طبقات تناحرية، إنها تفتقد إلى البروليتاريا الصناعية، ولذلك فإن الثورة البروليتارية في المجتمع المسلم مستحيلة، على الأقل في الوقت الراهن. يجب علينا الاكتفاء بثورة "سوفييتية" من غير الصراع الطبقي." وفي الإطار ذاته، يقول القائد البلشفي الكازاخي الكبير "طرار رزق اللوف" في ١٩٢٠: "لا يمكننا الاعتماد على ثورات شيوعية خالصة في الشرق. [إن الثورات هناك] ستتسم بطابع قومي وبرجوازي صغير، لكنها مع الوقت ستتحول إلى حركات اجتماعية. وحيث إن المنظمات العمالية الثورية ضعيفة في الشرق فإن [العناصر] الديمقراطية البرجوازية الصغيرة لا بد وأن تتولى القيادة."

بالإضافة إلى نظرتهم الواقعية والعلمية لظروف أمتهم الخاصة وفهمهم الماركسي لطبيعة التحديات وسبل حلها، فقد حمل البلاشفة المسلمون نظرةً سابقة على زمنها فيما يتعلق بالثورة العالمية أيضاً. ففيما أنظار رفاقهم الأوروبيين متجهةً غرباً بانتظار الثورة الاشتراكية نرى "سلطان غالييف" يقول مبكراً، في العام ١٩١٩: "إن نار الثورة لا تتقد في الغرب" فيما يشبه النبوءة، ففي ذلك الوقت ساد الاعتقاد، والحماس الشديد، بأن الثورة ستجتاح الغرب الصناعي الاستعماري. "إن الكوارث التي حلت بالثورة الاشتراكية في الغرب تدفعنا إلى قبول الحقيقة البسيطة بأنه من غير مشاركة الشرق فإنه يستحيل علينا تحقيق الثورة الاشتراكية العالمية". أما رفيقه الأوزبكي "طاشبولاد ناربيوتابيكوف" فيقول في مؤتمر "باكو" الشهير في ١٩٢٠: "في الأعوام الثلاثة الماضية لم تقرر البروليتاريا الغربية، العنصر الأكثر فاعلية في الثورة العالمية، تقديم أي دعم جاد لنا [في روسيا] بالرغم من نداءاتنا المتواصلة. إن الفشل الكامل للإضراب العام في ٢١ تموز [١٩٢٠] لهو دليل على عجز البروليتاريا الغربية عن تقديم أية مساعدة لنا. وعليه، ينبغي علينا عدم إضاعة الوقت والبدء بتنظيم العمل في الشرق بشكل منطقي، آخذين بعين الاعتبار الظروف الدينية والاقتصادية والاجتماعية. إنه الحل الوحيد للسلطة السوفييتية".

لقد كانت لهم إستراتيجية لتحقيق الثورة وكسر الاستعمار والامبريالية، أسماها المؤرخ "بينيغسن" بـ"الإستراتيجية الشرقية". وكنموذج لما كان يمكن لهذه الإستراتيجية أن تعنيه نقرأ تعليق "سلطان غالييف" على سَفْيَتة أذربيجان (تحويلها للنظام السوفييتي Sovietization) عام ١٩٢٠ (وقد كانت أذربيجان الوحيدة بين جميع الأقطار المسلمة التي حوت طبقة عاملة صناعية محلية وحزب شيوعي محلي مستقل تماماً) : "إن سَفْيَتة أذربيجان لخطوة غاية في الأهمية في مسيرة تطور الشيوعية في الشرق الأدنى. فمثلما تركستان الحمراء منارة ثورية لتركستان الصينية والتيبت وأفغانستان والهند وبخارى وخيوة، فإن أذربيجان السوفييتية ببروليتاريتها القديمة المجربة وحزبها الشيوعي الموحد، حزب "همت"، ستكون منارة حمراء لفارس وشبه الجزيرة العربية وتركيا... إن كون اللغة الآذرية مفهومة من قبل أتراك اسطنبول وفرس تبريز والكرد والشعوب التركية جنوب القفقاس والجورجيين والأرمن يعني ازدياد الدور السياسي الدولي لأذربيجان السوفيتية. من أذربيجان يمكننا ضرب البريطانيين في فارس ومد اليد إلى شبه الجزيرة العربية وقيادة الحركة الثورية في تركيا حتى تتحول بدرجة أو بأخرى إلى صراع طبقي مستقل."



في مئوية الثورة البلشفية ستكون المقالات، كتابة وترجمة، منحصرة في ذكرى البلاشفة الشرقيين، اعترافاً بفضلهم وإنصافاً لهم ولدورهم ولبطولاتهم وتضحياتهم. مئوية الثورة البلشفية ستكون هذا العام مهداة إلى أرواح هؤلاء البلاشفة الشرقيين، الذين رؤوا في الثورة أملهم في تحقيق وحدة أمتهم المجزأة وتحقيق استقلالها وبناء نظامها الاشتراكي المستقل، أولئك الذين نظروا إلى أنفسهم كجسر تعبر عليه الثورة الاشتراكية من روسيا السوفييتية إلى الشرق الرازح تحت الاستعمار لتخلص البشرية منه، إلى أولئك الذين رؤوا في "لينين" لا رفيقاً وقائداً وحسب وإنما أباً ودرعاً حامياً يقيهم شر الجهلة من "رفاقهم"، إلى أولئك الذين واجهوا الشوفينية الروسية والاستعلاء الأوروبي الذي ساد بين "رفاقهم" الذين استقبلوهم بالآذان الصماء واتهموهم "بالانحراف القومي" و"الشوفينية المحلية"، إلى البلاشفة الشرقيين الذين واجهوا ببسالة الأورو- مركزية وكانوا أصحاب الصفعة الأولى لها فدفعوا، وعائلاتهم، الثمن قتلاً وتشريداً وتشويهاً للسمعة، إلى الشهداء التتار "ملانور وحيدوف" و"مير سعيد سلطان غالييف" و"كاشف مختاروف" واسماعيل كريمجانوف - الفرودس" و"ولي ابراهيموف" و"نوري أعظم تقيروف" و"عليمجان ابراهيموف"، إلى الشهداء الكازاخ "طرار رزق اللوف" و" أحمد بيتورصون" و"مير يعقوب دولتوف" و"علي خان بوكيخانوف"، إلى الشهداء "نجم الدين أفندييف" الداغستاني والأوزبكيين "أكمل إكراموف" و"فيض الله خوجاييف"، إلى الشهداء الآذريين "حميد سلطانوف" وزوجته الشهيدة "آينا سلطانوفا" و"سلطان مجيد أفندييف" و"ميرزا داوود حسينوف" و"دادش بُنْيَتزاده" و"جنكيز يلدريم" و"علي حيدر قاراييف"، وإلى قائدهم التاريخي الذي لم يتمكنوا من قتله فنالوا من سمعته، البلشفي العتيد، "ناريمان كربلائي نجف ناريمانوف"، إلى هؤلاء وإلى الأولوف من رفاقهم الذين نجهل أسماءهم، إلى الماركسيين الشرقيين أبناء المستعمرات، إلى نسختنا الأولى، إلى المؤسسين الأوائل لحركة التحرر القومي: هذه المئوية مئويتكم وحدكم دون غيركم !

2017.11.07

--------------

(*) د.محمد الحسن: كاتب كويتي


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire