mercredi 19 mars 2014

لماذا الحاجة إلى فكر مهدي عامل اليوم ..؟

لماذا الحاجة إلى فكر مهدي عامل اليوم ..؟ 

بقلم //   غازي الصوراني  

  حينما نتحدث عن أزمة الماركسية ، وأزمة فصائل وأحزاب اليسار العربي في الظروف الراهنة، يبرز فكر الشهيد مهدي عامل كمنارة معرفية وسياسية مضيئة تدلنا على مكامن الخلل في المفاهيم كما في السياسات ، بوضوح وجرأة فكرية تدعو إلى إعادة المراجعة والتأمل والنقاش في مجمل المنظومة المعرفية الماركسية وقواعدها ومنطلقاتها التي تعاطت معها احزاب وفصائل اليسار العربي طوال أكثر من سبعة عقود بعد ثورة أكتوبر 1917، كمسلمات عقائدية أو تابوهات لا يجوز التفكير بمراجعتها أو تفكيكها والإسهام في تطويرها والارتقاء بها ، إلى جانب مجابهة هذه الفصائل والأحزاب لأزماتها الداخلية وصراعاتها الأيديولوجية ضد التيارات الليبرالية واليمينية واليسارية الطفولية والعدمية ، التي تشكل في اللحظة الراهنة خطراً ماثلاً يهدد دورها ووجودها اكبر من مخاطر الصراع الطبقي خارجها، فأحزابنا ليست بمنأى عن تأثير الصراعات الطبقية والأيديولوجيات الليبرالية البورجوازية الرثة والأصولية الدينية في مجتمعاتنا ، وبالتالي فإن هذه المجابهة الفكرية والتنظيمية تشكل أولوية وهدفاً مركزياً لابد من تحققه لخروج هذه الأحزاب من أزماتها صوب النهوض واستعادة دورها الطليعي في صيرورة الحالة الثورية أو الانتفاضات العربية في اللحظة الراهنة .
فالمشهد العربي الراهن يشير إلى أن معظم حركات وأحزاب اليسار العربي تعيش –بدرجات متفاوتة- حالة من التراجع والانحسار والعزلة، أدت إلى ضعف تأثير دورها في مواجهة أو كسر حالة الاستقطاب غير المسبوقة في تاريخنا العربي الحديث والمعاصر، عبر مجموعتان تختلفان شكلاً رغم جوهرهما الواحد : مجموعة الرأسماليين المنضوين تحت لواء السلطة أو أنظمة الحكم، ومجموعة الرأسماليين المنضوين أو المتنفذين في حركات الاسلام السياسي.
ما يعني أن مجتمعاتنا العربية تتعرض في ظل هذا الاستقطاب الثنائي إلى مزيد من مظاهر التفكك والانحطاط الاجتماعي، ومزيد من التبعية والتخلف بأشكال وصور جديدة، إذا لم تبادر قوى اليسار العربي إلى الخروج من أزماتها السياسية والفكرية واستعادة دورها وصياغة رؤيتها الديمقراطية الثورية، انطلاقاً من ضرورات هذه اللحظة التي تتجلى فيها اندفاع الصيرورة الثورية للجماهير الشعبية العربية بصورة عفوية منذ نهاية عام 2010 إلى اليوم، حيث نجحت ثنائية الاستقطاب اليميني في اللحاق بهذه الحالة الثورية وقيادة القسم الأعظم من جماهيرها عبر خطاب يميني ديماغوجي وانتهازي طبقي بورجوازي رث ، ومهادن للقوى الامبريالية، سرعان ما تكتشف الجماهير أن هذا الخطاب لن يحقق لها أي من مطالبها الاقتصادية أو الديمقراطية أو الوطنية، وهنا بالضبط تتجلى الضرورتين الموضوعية والذاتية لاستنهاض فصائل وأحزاب اليسار العربي ، وخروجها من أزماتها وصراعاتها الداخلية لتلبية حاجة الجماهير الشعبية من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمواطنة على طريق انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية، في إطار الرؤية القومية التحررية الديمقراطية الأشمل، مسترشدين في ذلك بمنهجية ورؤى وأفكار الشهيد مهدي عامل ، الذي نحتفل بأفكاره وذكراه عشية الذكرى الخامسة والعشرين على اغتياله برصاصات قوى التخلف والرجعية، في الثامن عشر من أيار/مايو 1987.
كان الشهيد د.حسن حمدان / مهدي عامل ، بشهادة كل من عرفه أو كتب عنه ، مناضلاً كرس حياته لقضايا لبنان، والوطن العربي، ولعالم التخلف أو العالم الثالث بصفة عامة. ولم يعطله أبداً عمله الأكاديمي عن الجهد النقابي والحزبي الجماهيري في أوساط الطلاب والعمال، محبا للنقاش، مؤمناً بالمعركة اليومية للفكر الثوري.
فقد تميز نضال مهدي ، بالفكر والممارسة ضد الفكر الرسمي السائد عموماً ، وضد الطائفية خصوصاً كوجه بشع من وجوه الصراع الطبقي في لبنان، وهذا التمييز ، "خَوَّل مهدي ، علمياً ، فهم الطائفية ، في شروطها المادية الراهنة، على أنها : الشكل الأيديولوجي الرئيسي – في تحدده كشكل طائفي- للتناقض السياسي، أي أن الطائفية هي شكل تاريخي محدد من النظام السياسي الذي تمارس فيه البورجوازية الكولونيالية اللبنانية سيطرتها الطبقية" [1]، كما فضح بلا هواده ، الشرائح الرأسمالية التابعة ومنطلقاتها أو مبرراتها الطائفية ، واستغلالها الطبقي، وتبعيتها للامبريالية ، كاشفاً ومعرياً بذلك ليس طبيعتها الاستغلالية فحسب، بل أيضاً طبيعتها الرجعية المتخلفة والاستبدادية، محدداً بوضوح ثوري صادق ويقيني وتحريضي ، لضرورة النضال ضد هذه الشرائح أو "الطبقات" ومنطلقاتها الطائفية ، دون كلل وصولاً إلى تجاوزها ونفيها والانتصار عليها.
وفي هذا السياق، يقول المفكر الراحل محمود أمين العالم في الذكرى الثانية لاستشهاد مهدي "إذا أردنا أن نبحث عن برهان أو دليل على مدى مصداقية فكر مهدي عامل وفاعليته، لما وجدنا برهاناً أو دليلاً أسطع وأشد يقيناً وقوة من استشهاده هو نفسه ، فلو لم يكن فكره صحيحاً لما قتل بيد من قتلوه ، ولو لم يكن فكره فاعلاً لما قتل بيد من قتله "[2].
وبقدر ما قدم الشهيد مهدي من تحليلات اجتماعية من منظور منهجي  ماركسي للطائفية والصراع الطبقي في لبنان ، إلا أنه كان متميزاً أيضاً في رؤيته الثورية التي حلقت في الإطار المجتمعي العربي الاشمل عبر محاولته بناء نظرية علمية متكاملة للثورة العربية ، وهنا كان مهدي مفكراً ماركسياً متميزاً في تنظيره لواقع التخلف السائد في الوطن العربي ، متسلحاً بالفكر الماركسي ، وعلى مستوى عالٍ من الجدية والعمق والاتساق .
فمنذ كتاباته الأولى في "الطريق" (عام 1968) ، حملت وجهات نظره الفكرية في طياتها رؤاه ومنهجه النقدي الرافض للعديد من مسلمات الفكر الماركسي السائد آنذاك ، والتي مازالت رواسبها حتى اللحظة ، خاصة الأنماط والتشكيلات الاجتماعية الاقتصادية التي حددتها المادية التاريخية  لمسار التطور التاريخي، حيث رأى مهدي أن تلك الأنماط لا تنطبق على طبيعة التطور الاجتماعي للشعوب العربية، مؤكداً عبر تحليل معرفي ونقدي استحوذ على مساحة واسعة من كتاباته، على أن النمط السائد في البلدان العربية هو " نمط الإنتاج الكولونيالي" إلى جانب تحليله الثوري العميق لطبيعة وصيرورة حركة التحرر الوطني باعتبارها حركة تحرر من علاقات الإنتاج الكولونيالية التابعة للرأسمالية ، كخطوة أولية صوب الخطوة الثانية – والأهم- وهي الانتقال إلى الاشتراكية ، وهكذا يمتلك الصراع التحرري الوطني عنده بعداً طبقياً ضمن علاقة جدلية بينهما ، وهو استنتاج أكدت على صحته مجريات الأحداث والصراعات العربية سواء في إطار الصراع ضد التحالف الامبريالي الصهيوني أو في إطار الصيرورة الثورية للانتفاضات الشعبية العربية ضد أنظمة الاستبداد والاستغلال والتبعية والتخلف على حد سواء .
من هنا نتفهم بوعي رؤية مهدي المعرفية الثورية التي انطلقت من ضرورات "وضع فكرنا الماركسي المتكون موضع التساؤل، كطريقة وحيدة لتكوُّن فكرنا الماركسي" لأن الفكر عنده   "لا ينمو ولا تتأكد حيويته وقدرته ويبرهن على علميته إلا عبر السجال والصراع الفكري مع فكر البرجوازية حتى ولو تخفى تحت ثياب الماركسية"[3].
إلا أن مهدي "لم يتخذ من الفكر الماركسي المتكون نقطة بدايته ، بل أراد أن يجعل من واقعنا المتخلف نقطة البداية، بل أن يضع أسس الفكر الماركسي المتكون نفسه موضع التساؤل على أرض هذا الواقع المتميز، حتى يمكن – على حد تعبيره- أن يتكون فكرنا كفكر ماركسي حقاً"[4]. لقد أراد مهدي عامل بناء نظرية ماركسية للتخلف، عندما اكتشف أن "عدم وجود نظرية ماركسية للتخلف هو في حد ذاته ظاهرة رئيسية من ظواهر التخلف"[5].
أما من حيث أولوية الصراع الطبقي ، سواء في لبنان أو في بقية المجتمعات العربية وخاصة مصر ، فقد احتلت هذه الأولوية المساحة الأكبر في معظم أفكار وسجالات مهدي عامل وكتبه المنشورة، فالصراع الطبقي عنده "هو العامل السياسي، وهو دوماً العامل الرئيسي، حتى لو طغى فيه الطائفي وكان من  الشكل الرئيسي"[6] .
أخيرا ، إذا كنا نتفق على أن رفيقنا المفكر الماركسي الثوري الشهيد مهدي عامل ، قد قدم نظرية للثورة ، فإن من واجبنا –كأحزاب وفصائل يسارية عربية-  في هذه  المرحلة التفاعل والتواصل المعرفي مع أفكاره ومقولات نظريته الثورية ، وإغنائها والإضافة عليها عبر دراسة وتحليل وتفكيك واقعنا الاجتماعي والسياسي في إطار الصراع الطبقي الداخلي ، والصراع ضد الوجود الامبريالي الصهيوني في بلادنا، عبر انطلاقنا من الفكرة المركزية التي أكد عليها المفكر الراحل مهدي في الترابط بين التحرر الوطني والصراع الطبقي من جهة ، وعبر انطلاقنا من الوحدة الجدلية بين الماركسية والرؤية القومية التحررية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية من جهة ثانية ، الأمر الذي يستوجب تداعي جميع أحزاب وفصائل اليسار الماركسي ، إلى البحث الجاد على قاعدة الحوار، من أجل مراجعة ونقد تجاربها السابقة وتجديد وتطوير أحزابها والاتفاق على الرؤى السياسية والمجتمعية ، وعلى الأهداف والأسس الفكرية والتنظيمية التوحيدية المشتركة فيما بينها لكي تستعيد مصداقيتها ودورها الطليعي ، بما يسمح بأن تتحوّل إلى قوّة قادرة عبر بناء وتفعيل البديل الشعبي الديمقراطي التقدمي- في كل قطر عربي-على مجابهة الاستقطاب اليميني ، وتأسيس مقدرتها على تفعيل  الانتفاضات أو الحالة الثورية العربية وصيرورتها الراهنة، وتحقيق أهدافها للخلاص من كل أشكال ومظاهر وأدوات الاستغلال الطبقي والاستبداد، واثقين من انتصارها، خاصة وأن أسباب الانتفاضة الثورية لن تتلاشى أو تزول، بل ستتراكم مجدداً- بعد أن تكتشف زيف الليبراليين وقوى الإسلام السياسي لتنتج حالة ثورية نوعية، تقودها جماهير العمال والفلاحين الفقراء وكل الكادحين والمضطهدين  وفي طليعتهم أحزاب وقوى اليسار الماركسي الثوري جنبا إلى جنب مع القوى الديمقراطية  المدنية ، العلمانية الوطنية والقومية لكي تحقق الأهداف التي انطلقت الانتفاضات الشعبية من أجلها .   


[1] د.يمنى العيد - في التناقض – كتاب: النظرية والممارسة في فكر مهدي عامل .. ندوة فكرية – مركز البحوث العربية – القاهرة  – دار الفارابي – الطبعة الأولى – 1989 – ص4973
[2] محمود أمين العالم – دراسة بعنوان نظرية الثورة عند مهدي عامل – كتاب: النظرية والممارسة في فكر مهدي عامل .. ندوة فكرية – مركز البحوث العربية – القاهرة  – دار الفارابي – الطبعة الأولى – 1989 – ص49.
[3]  محمد دكروب – رجل يتقن فن تحريك الفكر  - كتاب: النظرية والممارسة في فكر مهدي عامل .. ندوة فكرية – مركز البحوث العربية – القاهرة  –  دار الفارابي – الطبعة الأولى – 1989 – ص43.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire