dimanche 18 avril 2010

عائد إلى حيفا" في تل أبيب النكبة الفلسطينية في موازاة المحرقة النازية
بقلم أنطوان شلحت *- عكا 2010-04-15 عدد القراءات 156



سدل الستار في "مسرح الكاميري" في تل أبيب، قبل بضعة أشهر، على عروض مسرحية "عائد إلى حيفا" المأخوذة عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، والتي سبق أن تُرجمت إلى اللغة العبرية في عام 2001، وقد بدأت هذه العروض في صيف 2008. وأعدّ النص المسرحي الكاتب والصحافي الإسرائيلي بوعاز غاؤون، وقام ممثلان عربيان بأداء دوري الزوجين الفلسطينيين.
جيّر معدّ النص المسرحيّ الثيمـة الرئيسة في الرواية، التي تحكي قصة عائلة فلسطينية شُرّدت من مدينة حيفا في عام 1948، وفي غمرة ذلك تركت وراءها طفلها الصغير، الذي سرعان ما تبنته عائلة يهودية لإحدى النساء الناجيات من المحرقة النازية وربته تربية صهيونية، كي يدخل مجموعة تعديلات على المسرحية تهدف إلى معادلة معاناة المشردين الفلسطينيين جراء النكبة بمعاناة ضحايا المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية، بقصد الإيحاء مسبق البرمجة والأدلجـة بأنه لا يجوز إعادة العجلة إلى الوراء، وذلك إخلاصًا لوجهة تأخذ في اعتبارها الحاضر أساسًا، وليس الماضي التاريخي، والتي تعتبر أرضية صلبة لذريعة عدم جدوى فتح "ملف 1948" في نصوص أدبية إسرائيلية كثيرة.
وعلى ما يبدو فإن هذه التعديلات ساهمت في "تخفيف" وطأة الطرح الأصلي الذي انطوت عليه رواية كنفاني، ومؤداه اعتبار إقامة الدولة العبرية محصلة إثم فظيع ارتكبته الحركة الصهيونية وتسبّب باقتلاع السكان الفلسطينيين من بيوتهم وتشريدهم من وطنهم.
لكن لا بُدّ من الإشارة إلى أنه على الرغم من هذا فإن المسرحية أثارت عاصفة كبيرة حتى قبل أن يبدأ المسرح بعرضها على الجمهور الواسع. ومن جملة ذلك أنه في أوائل نيسان 2008، حضرت مجموعة من ناشطي اليمين الإسرائيلي المتطرّف إلى إحدى القاعات في مدينة يافا، حيث كانت تجري المراجعات الأخيرة على المسرحية، ونظمت قبالتها تظاهرة احتجاجية رفعت خلالها شعارات كتبت عليها عبارات من قبيل "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تحيي مسرح الكاميري على تشجيعه تحرير حيفا ويافا من ربقة الاحتلال الصهيوني" و"الله أكبر" و"اذبح اليهود"! وفي أعقاب هذه التظاهرة عممت بضعة تنظيمات يمينية إسرائيلية متطرفة بيانًا على شبكة الانترنت نعتت فيه كنفاني بلقب "القاتل الأكبر"، ودعت الجمهور الإسرائيلي العريض إلى مقاطعة المسرحية والمسرح الذي أنتجها.
وفي ردة فعل عاجلة على ذلك قال مسرح الكاميري إن هذه العاصفة تؤكد، أكثر شيء، حالة كسل ذهنية، وتشير إلى تطوّر "صنف جديد من النقد المسرحي الإسرائيلي"، هو الذي يهاجم المسرحية حتى قبل أن تُعرض على الخشبة. وحرص المسرح، من ناحية أخرى، على توكيد أن مؤلف المسرحية هو كاتب إسرائيلي، وأنها اعتمدت على رواية كنفاني وحسب، وأن "العديد من مؤسسات التربية والتعليم في إسرائيل سبق أن تبنت رواية كنفاني، نظرًا الى مساهمتها في فهم الهوية العربية". وأضاف المسرح أن فئة المنتقدين لا تزال أسيرة تفكير قديم بأن الآخر هو عدو لا أكثر، وأنه يجب فرض الصمت على الأصوات الفنية كافة وأن يبقى الهدير من نصيب المدافع فقط.
وأكد القيّمون على المسرح: "إننا نفكر بطريقة مغايرة. وإن مسرح الكاميري يفتخر بتقديمه مسرحية عائد إلى حيفا، ويعرب عن غضبه إزاء ما تعرضت له من هجوم لا يمت بصلة إلى الواقع. وندعو جمهورنا كافة، بمن فيه الذين يشنون الهجوم علينا، إلى حضور المسرحية والتفاعل مع ما تنطوي عليه من أحداث ومفارقات، وإلى التماثل مع معاناة العائلتين، العربية واليهودية، اللتين تتصارعان على أحقيتهما في الولد نفسه. ربما هذا هو ما يثير حنق المهاجمين، أي خطر أن يجدوا أنفسهم يذرفون الدمع جراء آلام الآخر ومعاناته".
أمّا مؤلف المسرحية بوعاز غاؤون فقال لصحيفة "هآرتس": "لم أكن أعرف أن الرعب من النبش في جذور النزاع بات في الوقت الحالي أكبر مما كان عليه في عام 1969، إبان نشر الرواية الأصلية... لست معنيًا بالدخول في جدل مع أشخاص يهاجمون المسرحية حتى قبل مشاهدتها، ومن دون قراءتها أو قراءة رواية كنفاني. لعل الأمر الذي يخيف هؤلاء هو أن يكون هناك مشاهدون تؤدي المسرحية إلى تماهيهم مع معاناة الطرف الآخر".
من الجائز أن المسرحية تتيح إمكان التماهي مع معاناة الفلسطيني، إلا إن معادلة ألم الزوجين الفلسطينيين بألم عائلة يهودية ناجية من أتون المحرقة النازية تنطوي على خلط مريب للأوراق. فضلاً عن ذلك فإن المسرحية تعرض العائلة اليهودية في سياق من الكينونة المنطقية والمبرّرة مبنى ومعنى، بدءًا بـ "تسلمها" البيت الفلسطينيّ في عام 1948 بعد تجاوزها محنة المحرقة وانتهاء بعام 1967 واستقبالها العائلة الفلسطينية وإبدائها الاستعداد لأي حل وسط إنسانيّ يخفّف محنة تلك العائلة، في حين أن تاريخ الأخيرة يبدأ في المسرحية من عام 1967 واستعادة ما حلّ بها من نكبة في عام 1948 تتم على لسانها فقط، وهذا التسلسل يمنح العائلة اليهودية صدقية أكثر علاوة على مدّها بقدر من التفوّق الأخلاقيّ.
وفي حقيقة الأمر فإن بعض النقد الإسرائيلي للمسرحية انتبه إلى مثالب الطرح القائم على احتواء المحرقة النازية للنكبة الفلسطينية وما يسفر عنه من خلط للأوراق ومن خدمة للرواية الإسرائيلية المتعلقة بنكبة 1948. فمثلاً أبرز الناقد المسرحي في صحيفة "هآرتس"، ميخائيل هاندلزلتس، البون الشاسع بين حرص المسرحية على توكيد مقولة فحواها أن مشكلة الصراع "كامنة في الإنسان" كما لو أنه غير خاضع للسياسة وممارساتها ومحدداتها وبين هيمنة واقع الاحتلال الإسرائيلي في إثر حرب حزيران 1967 القائم على التضحيـة بالإنسان. وهاجم ناقد آخر، هو كوبي نيف، واقع جعل البطلين الفلسطينيين في المسرحية يتكلمان اللغة العبرية ليس مع الشخصيات اليهودية فحسب بل أيضًا في ما بينهما، في حين أن اللغة تعتبر عنصرًا مركزيًا من عناصر الهوية، ليخلص إلى الاستنتاج بأن اليهود صادروا مرة أخرى من العرب حق التكلم بلغتهم الأم، ولذا فإن المسرحية بدت أقرب إلى استمرار الاحتلال لكن بطرق ناعمـة.
وبطبيعة الحال فإن المسرحية الإسرائيلية تكذب في تأويل لجوء كنفاني إلى اختيار عائلة يهودية ناجية من المحرقة كي تستوطن البيت الفلسطيني وتستملك ما يحتويه كله من بشر وأثاث، ذلك بأنها رأت أن هذا الاختيار يشفّ فقط عن تماهٍ مع محنة اليهود ضحايا المحرقة، بينما توحي وقائع رواية "عائد إلى حيفا" بمحصلة مغايرة جملة وتفصيلاً، مؤداها وقوع الفلسطيني ضحية لـ "الضحيـة" برغم أنه لا ناقة له ولا جمـل في أحداث المحرقة. وفي غمرة ذلك فإنه يصوّر الصراع بين الحق والباطل، بين صاحب البيت والمستعمر الغاصب في رحلة دائمة للاستقرار واسترداد الحقوق إن لم يكن في الحاضر، فعلى الأقل في المستقبل.
وما نصادفه في الرواية هو أن الإنسان في نهاية الأمر قضية، وليس دما ولحما فقط، وأن حقيقة الإنسان هي ما يحقن فيه ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم وعامًا بعد عام. وبعد هذا لم يعد أمل في استعادة الابن، بل ينشأ في ذهن الأب الفلسطيني ذلك الصراع الأبدي بين الماضي الذي يمثله ابنه هذا الذي تنكر له (خلدون أو دوف) وبين المستقبل الذي يمثله خالد، الابن الثاني الذي ولد بعد ولادة خلدون بثلاثة أعوام والذي لطالما ألح على أبيه أن يسمح له بالانضمام إلى صفوف الفدائيين. ويضيع الأب في حمأة السؤال عن حقيقة الوطن: هل هو الأبوة أم البنوة...؟، ويقول بعد مرارة الذي عاشه: "لقد أخطأنا عندما اعتبرنا أن الوطن هو الماضي فقط، أما خالد فالوطن عنده هو المستقبل". ويشعر الأب بعودته هذه أنه كان يعاكس مجرى التاريخ، ويسبح ضد التيار، ليخلص إلى النتيجة الحتمية التي هي المسؤولية الجماعية، فيقول مخاطبا ربة العائلة اليهودية: "أتعرفين شيئا يا سيدتي؟ يبدو لي أن كل فلسطيني سيدفع ثمنا، أعرف الكثيرين دفعوا أبناءهم، وأعرف الآن أنني أنا الآخر دفعت ابنا بصورة غريبة"، ثم يجيء قرار الحسم وهو يغادر المنزل، فيخاطب ساكنيه قائلا: "تستطيعان البقاء مؤقتا في بيتنا، فذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب".

اعتراف متجدّد بمسؤولية
إسرائيل عن اغتيال كنفاني


مة مسألة أخرى أعادتها هذه المسرحية إلى الصدارة تكمن في إجماع معظم التقارير الصحافية الإسرائيلية، التي غطت العاصفة الملازمة لها، على أن إسرائيل هي التي ارتكبت جريمة اغتيال الأديب غسان كنفاني في تموز 1972. ولا يعد هذا الكشف جديدًا كل الجدة، ذلك بأن إسرائيل سبق أن اعترفت لأول مرة وبشكل رسمي أن عملاء جهاز "الموساد" هم الذين اغتالوا كنفاني بزرع عبوة ناسفة في سيارته، في سياق تقرير بقلم المعلق الصحافي الواسع الإطلاع إيتان هابِر نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 3 تشرين الأول 2005، وانطوى على "كشف جديد" لمعلومات تتعلق بـ"حملة الثأر" التي نفذها عملاء "الموساد" في عدد من الدول ضد فلسطينيين في أعقاب مقتل رياضيين إسرائيليين خلال دورة الألعاب الاولمبية في عام 1972 في مدينة ميونيخ الألمانية.
يشار إلى أن هابِر، وهو الناطق بلسان رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إسحاق رابين، وكاتب خطاباته، كان قد ألّف سوية مع الدكتور ميخائيل بار زوهر كتابا في هذا الموضوع بعنوان "مطاردة الأمير الأحمر" علي حسن سلامة.
وجاء في التقرير المنشور في "يديعوت أحرونوت" أنه في إثر قيام مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين باختطاف أحد عشر رياضيا إسرائيليا كانوا يشاركون في دورة ألعاب ميونيخ الأولمبية قامت الشرطة الألمانية بقتل جزء من الخاطفين والرياضيين الإسرائيليين كلهم.
وكتب هابِر أن "الألمان، بتشجيع من الحكومة الإسرائيلية، لم ينووا تحرير الخاطفين. فقد انتظرهم شرطيون ألمان في المطار وفتحوا عليهم النيران ما أدى إلى مقتل الرياضيين وعدد من الخاطفين". وأضاف أنه "بعد عامين من تلك العملية (أي في عام 1974) تبين أن القتلى جميعًا قضوا بنيران القناصة الألمان، برغم أن الاعتقاد السائد كان أن الرياضيين قتلوا على يد الخاطفين". وتابع أنه على الرغم من ذلك فقد أصدرت رئيسة الحكومة الإسرائيلية في حينه، غولدا مائير، أمرا بالانتقام وتم تشكيل لجنة وزارية كُلفت بمهمة إصدار "أحكام بالإعدام". وتشكلت اللجنة الوزارية الإسرائيلية من مائير نفسها ومن وزير الدفاع، موشيه دايان ووزير الخارجية، ايغال ألون والوزير بدون حقيبة يسرائيل غليلي ورئيس الموساد، تسفي زامير ومستشاري رئيسة الحكومة للشؤون الاستخبارية، أهارون يريف ورحبعام زئيفي (الأخير أصبح وزيرًا في حكومة أريئيل شارون الأولى في عام 2001 وقتل على يد فلسطينيين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في فندق "هيات" في القدس).
وبحسب هابِر فانه عندما تقرر تنفيذ "أحكام الإعدام" بحق فلسطينيين في عواصم أوروبية تبين أن قاعدة "الموساد" في أوروبا لم تكن بالحجم الكافي، وأن اذرع جهاز الاستخبارات الإسرائيلية كانت "ضعيفة" ولم تكن قادرة على اختراق الجاليات العربية في أوروبا. وعقب ذلك قام "الموساد"، المسؤول عن عمليات إسرائيل في الخارج، بتجنيد دعم من الأذرع الأمنية الإسرائيلية كلها، بينها جهاز الأمن العام (شاباك) والوحدة العسكرية النخبوية المعروفة بالوحدة رقم 504، كما تم تجنيد أبرز رجال الاستخبارات المعروفين بقدراتهم على جمع المعلومات مثل شموئيل غورين وباروخ كوهين وتسادوق أوفير ورافي سيتون وإليعازر تسَفرير ومايك هراري وناحوم أدموني، وهذا الأخير كان مسؤولا عن العلاقات مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية.
وكان قناصة الشرطة الألمانية قتلوا بالإضافة إلى الرياضيين الإسرائيليين خمسة من الخاطفين من أصل ثمانية فيما تم اعتقال الثلاثة الآخرين. وبعد بضعة أشهر تم الإفراج عن الخاطفين الثلاثة عقب اختطاف طائرة تابعة لشركة لوفتهانزا الألمانية في شهر تشرين الأول من العام ذاته ولم تتمكن الاستخبارات الإسرائيلية بعدها من اقتفاء آثارهم.
ولفت المعلق الصحافي إلى أنه على الرغم من مرور أعوام طويلة على حملة "الانتقام" الإسرائيلية التي جاءت في إثر أحداث ميونيخ إلا إن العديد من المعلومات ما زالت طيّ السرية. وقال إن أحد أوائل الأشخاص الذين نفذت إسرائيل بحقهم "حكم الإعدام" كان منتميًا إلى منظمة "أيلول الأسود"، لكن رغم مرور الأعوام فان اسمه وظروف مقتله وحتى كنيته ممنوعة من النشر حتى الآن. وتابع أن هناك عمليات تم التخطيط لها لكنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ.
واعترفت إسرائيل، من خلال تقرير هابِر هذا، بقيام عملائها بقتل علي حسن سلامة وبفشل محاولة اغتياله الأولى في بلدة ليلهامر في نروج حيث تم قتل نادل مغربي يدعى أحمد بوشيكي خطأ. وتابع التقرير الإسرائيلي أن سلامة قتل لدى مروره بسيارته قرب سيارة مفخخة في بيروت.
وقال هابِر إنه قتل في "حملة تنفيذ أحكام الإعدام" الإسرائيلية أناس "على الرغم من عدم وجود علاقة لهم بالإرهاب عامة وعملية ميونيخ خاصة". وأضاف "يعترفون الآن في الموساد بأن هناك من سقط ضحية في أعقاب القرار القاضي بخلق أجواء من الرعب والردع في صفوف الجالية الفلسطينية في أوروبا. ولعل أبرز هؤلاء كان غسان كنفاني، أحد أشهر الأدباء الفلسطينيين في الفترة التي أعقبت عام 1948... وقد قضى نحبه في عام 1972 في سيارته بعدما زرع مجهولون عبوة ناسفة فيها"!



( باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire