samedi 18 février 2017

كارل ماركس // نقد برنامج غوته

نقد برنامج غوتا





مقدمة لفريدريك انجلس1


ان المخطوطة التي تطبع في هذا الكراس، - سواء الرسالة الى براكه او نقد مشروع البرنامج - قد ارسلت الى براكه في عام 1875 ، قبيل انعقاد مؤتمر غوتا التوحيدي2، لكي يعرضها بدوره على غيب وآوير وبيبلوليبكنخت ثم يعيدها الى ماركس. ولما كانت مناقشة برنامج غوتا واردة في جدول اعمال مؤتمر الحزب في هاله3، فاني اعتقد اني اقترف جريمة اذا ما تماهلت زمناً آخر ايضاً بنشر هذه الوثيقة الهامة ، والتي ربما تكون اهم الوثائق التي تتعلق بهذه المناقشة.

ولكن للمخطوطة شأناً آخر ايضاً، واكبر بكثير. فللمرة الاولى نجد فيها الموقف الذي اتخده ماركس ازاء الخطة التي تبناها لاسال منذ بداية نشاطه التحريضي ، نجده معروضاً بوضوح ودقة، شاملاً في آن مبادىء لاسال الاقتصادية وتكتيكه.

فان الصرامة القاطعة التي حلل بها ماركس مشروع البرنامج، والتصلب الذي اورد فيه استنتاجاته، ونقاط الضعف التي كشفها وعرّاها في المشروع ، كل ذلك لو يعد بالامكان ان يجرح اليوم احداً ، بعد مضي خمسة عشر عاماً . فلم يبق من اللاساليين الاصليين الا في الخارج، بصورة انقاض منفردة ، بل ان واضعي برنامج غوتا قد تخلوا عنه في هاله باعتباره غير مرض اطلاقاً.

ورغم ذلك، حذفت، حيث لا يهم الحذف، التعابير والتقديرات القاسية المتعلقة ببعض الشخصيات، واستعضت عنها بنقط. ان ماركس كان فعل الشيء نفسه لو انه نشر مخطوطته اليوم. فان عنف اللهجة الذي نجده فيها احياناً انما نجم عن اعتبارين. الاول، هو اننا كنا، ماركس وانا، ملتحمين في الحركة الالمانية اكثر مما في اية اخرى، فكان لابد للتراجع البين في مشروع البرنامج من ان يبعث فينا بالغ الاشمئزاز. اما الاعتبار الثاني، قهو اننا كنا حينذاك، وما كادت تمضي سنتان على مؤتمر الاممية في لاهاي4، في ذروة المعركة ضد باكونين واتباعه من الفوضويين الذين كانوا يعتبروننا مسؤولين عن كل ما يجري في صفوف الحركة العمالية في المانيا ؛ ولذا كان لابد لنا ان نتوقع ان تنسب الينا ابوة هذا البرنامج السرية. ولكن هذين الاعتبارين قد بطلا اليوم ، كما بطلت في الوقت نفسه ضرورة المقاطع المذكورة آنفاً.

وفضلا عن ذلك ، ثمة جمل استعيض عنها بالنقط ، لاسباب تتعلق برقابة الصحافة. وحيث ترتب علي ان اختار تعبيراً ألطف، وضعته بين معقفين. وما عدا هذا، طبعت المخطوطة بنصها الحرفي.



فريدريك أنجلس
لندن، 6 يناير 1891
نشرت في مجلة "Die Neue Zeit"
(الازمنة الحديثة)

رسالة كارل ماركس الى براكه


لندن، 5 ماي 1875

عزيزي براكه !

بعد مطالعة الملاحظات الانتقادية الواردة ادناه بخصوص البرنامج التوحيدي، تفضل بارسالها الى غيب وآوير وبيبل وليبكنخت للاطلاع عليها. ان لدي من الشغل لما فوق رأسي فأراني مضطراً لأن اتخطى بعيداً حدود وقت العمل الذي يسمح لي به الاطباء. ولذا لم اجد "لذة" خاصة في خربشة هذه الكمية البالغة من الورق. ولكن هذا كان ضرورياً لكي لا يستطيع الاصدقاء الحزبيون الذين حررت من اجلهم هذه الملاحظات ان يفسروا فيما بعد تفسيراً خاطئاً التدابير التي سيترتب علىّ ان اتخدها من جانبي. – اقصد بذلك بياناً موجزاً سننشره انجلس ولنا بعد المؤتمر التوحيدي ونعلن فيه انه لا علاقة لنا اطلاقاً ولا صلة بهذا البرنامج المبدئي المشار اليه.

وهذا المسعى ضروري لأنه تروج في الخارج اشاعة كاذبة تماماً يغذيها اعداء الحزب بامعان وتزعم اننا نوجه من هنا، سرّاً، حركة الحزب المسمى بحزب ايزيناخ5. فان باكونين، مثلاً، قد نشر لأمد قريب كتاباً باللغة الروسيى6 جعلني فيه مسؤولاً، لا عن كل برنامج هذا الحزب وغير ذلك من وثائقه فحسب، بل ايضاً عن كل خطوة خطاها ليبكنخت منذ بداية تعاونه مع حزب الشعب7.

وما عدا ذلك، لا يسمح لي واجبي بان اعترف، وان بصمت ديبلوماسي، ببرنامج انا مقتنع بانه غير صالح اطلاقاً وبانه يهدم من معنويات الحزب.

ان كل خطوة تخطوها الحركة الفعلية لأهم من دزينة من البرامج. ولذا، اذا كان قد تبين انه من المستحيل تجاوز برنامج ايزيناخ – والظروف لم تكن تسمح بذلك – فقد كان من المترتب عقد اتفاق، على الاقل، من اجل العمل ضد العدو المشترك. ولكنهم، اذ عمدوا الى وضع برامج مبدئية (بدلا من تأجيل هذا الامر الى مرحلة يحضره فيها نشاط مشترك اطول)، يقيمون بالتالي امام العالم كله صوى يحكم الناس بالاستناد اليها على المستوى الذي بلغته حركة الحزب.

لقد جاء زعماء اللاساليين الينا بدافع الظروف. فلو قيل لهم منذ البدء بانه لن يقدم احد على اية مساومة حول المبادىء، لكان ترتب عليهم طبعاً الاكتفاء ببرنامج عمل او ببرنامج تنظيم بغية القيام بعمل مشترك. ولكن بدلا من هذا يسمحون لهم بان يأتوا مسلحين بتفويضات ويعترفون بمفعولها الالزامي، وهكذا يستسلمون ويضعون انفسهم تحت رحمة اناس هم انفسهم بحاجة الى المساعدة. وزيادة في الطين بلة، عقد هؤلاء مؤتمرهم قبل المؤتمر التوفيقي في حين عقد الحزب بالذات مؤتمره post festum*.

. ومن الجلي انه كان ثمة سعي الى درء أي انتقاد والى منع الحزب بالذات من الفكير في المسألة. ومعلوم ان واقع الاتحاد بالذات يرضي العمال، ولكنهم يخطئون اولئك الذين يعتقدون ان هذا النجاح العابر لا يكلف غالياً جداً.

وفضلا عن ذلك، فان البرنامج لا قيمة له، حتى ولو لم نأخذ بعين الاعتبار انه يضفي صفة القداسة على قوانين الايمان اللاسالية.

وفي القريب العاجل، سارسل لك الكراريس الاخيرة من الطبعة الفرنسية ل"رأس المال". وقد تأخر طبعها زمناً طويلاً بسبب من منع الحكومة الفرنسية. ان الكتاب سيكون جاهزاً في هذا الاسبوع او في مطلع الاسبوع القادم. فهل تلقيت الكراريس الستة الاولى ؟ ارجوك ايضاً ان ترسل لي عنوان برهارد بيكر الذي يتعين عليّ ان ارسل له ايضاً هذه الكراريس الاخيرة.

ان لدار الطبع"Volksstaat" عاداتها الخاصة. فاني لم استلم مثلا حتى الآن اية نسخة من الطبعة الجديدة لكتاب "محاكمة الشيوعيين في كولونيا"**.

مع اطيب تمنياتي


المخلص كارل ماركس

ملاحظات على برنامج
حزب العمال الالماني


1- "العمل مصدر كل ثروة وكل ثقافة، ولما كان العمل المفيد غير ممكن الا في المجتمع وبواسطة المجتمع، فان دخل العمل يخص بشكله غير المنقوص، وبالحق المتساوي، جميع اعضاء المجتمع".

القسم اول من هذه الفقرة : "العمل مصدر كل ثروة وكل ثقافة".

ان العمل ليس مصدر كل ثروة. فالطبيعة هي مصدر القيم الاستعمالية (التي هي بالضبط تؤلف الثروة المادية !) بقدر ما هو عليه العمل الذي ليس هو نفسه سوى ظاهرة لقوة من قوى الطبيعة أي لقوة عمل الانسان. وهذه الجملة الواردة اعلاه تعثرون عليها في جميع كتب الالفباء، ولا تصح الا بقدر ما تعني ان العمل يجري عند توافر الاشياء والادوات المناسبة. ولكنه لا يجوز لبرنامج اشتراكي ان يحتوي مثل هذه التعابير والجمل البرجوازية التي تلزم الصمت حول الشروط التي وحدها تستطيع ان تعطيها معنى. فان عمل الانسان لن يصبح مصدر القيم الاستعمالية، وبالتالي مصدر الثروة، الا شرط ان يسلك، منذ البدء، سلوط المالك ازاء الطبيعة، ازاء هذا المصدر الاول لجميع وسائل العمل ومواد العمل، شرط ان يعاملها كأنها شيء يخصه. ان للبرجوازيين اسبابا وجيهة جدا لكي ينسبوا الى العمل هذه القوة الخلاقة الفائقة الطبيعة ؛ اذ ينجم من كون العمل مشروطا بالطبيعة، ان الانسان الذي لا يملك غير قوة عمله، يصبح بالضرورة، مهما كانت احواله الاجتماعية والثقافية، عبد الذين وضعوا ايديهم على شروط العمل المادية. فلا يستطيع ان يعمل، وبالتالي ان يعيش، الا باذن هؤلاء.

ولكن لندع الآن هذه الجملة كما وردت ومهما كانت عيوبها. فاي استنتاج يمكن ان نتوقعه ؟ طبعاً، الاستنتاج التالي :

لما كان العمل مصدر كل ثروة، فما من انسان في المجتمع يستطيع ان يستاتر بالثروة بدون الاستئثار بنتاج العمل. فاذا كان هذا الانسان لا يشتغل بنفسه، فانه يعيش على حساب عمل الآخرين، بل انه يكسب ثقافته ايضاً على حساب عمل الآخرين".

وبدلا من هذا الاستنتاج، يضيفون الى الجملة الاولى جملة ثانية بواسطة التعبير "ولما"، لكي يستخلصوا من الثانية، لا من الاولى، استنتاجاً.

القسم الثاني من الفقرة : "العمل المفيد غير ممكن الا في تامجتمع وبواسطة المجتمع".

وفقاً للموضوعة الاولى، كان العمل مصدر كل ثروة وكل ثقافة، وبالتالي لا يمكن ان يكون ثمة مجتمع دون عمل. ولكن، ها نحن نعتم بالعكس ان العمل "المفيد" غير ممكن بدون المجتمع.

وعلى هذا المنوال، يمكن القول ايضاً ان في المجتمع فقط يمكن للعمل غير المفيد، وحتى الضار اجتماعياً، ان يصبح فرعا من فروع الصناعة، وان في المجتمع فقط للمرء ان يعيش بدون عمل، الخ.، الخ.. – أي انه، بكلمة موجزة، يمكن استنساخ كل روسو.

وما هو العمل "المفيد" ؟ انه ليس العمل الذي يعطي النتيجة المفيدة المرغوب فيها. فالانسان المتوحش – وقد كان الانسان متوحشاً بعد ان كف عن يكون قرداً – الذي يقتل حيواناً بضربة حجر، او يقطف الثمر، الخ.، انما يقوم بعمل "مفيد".

ثالثا. الاستنتاج : "ولما كان العمل المفيد غير ممكن الا في المجتمع وبواسطة المجتمع، فان دخل العمل يخص بشكله غير المنقوص، وبالحق المتساوي، جميع اعضاء المجتمع".

فيا له من استنتاج ظريف ! فاذا كان العمل المفيد غير ممكن الا في المجتمع وبواسطة المجتمع، فان دخل العمل يخص المجتمع، ولا يعود الى الشغيل بمفرده من هذا الدخل الا شيء يزيد عما لا غنى عنه لبقاء المجتمع بوصفه "شرط" العمل.

وبالفعل، كان المدافعون عن كل نظام اجتماعي قائم يتقدمون في جميع الازمان بهذه الموضوعة. اولا، ترد ادعاءات الحكومة، مع كل ما ياتصق بها، لأن الحكومة، كما يقال، هي جهاز المجتمع للمحافظة على النظام الاجتماعي ؛ ثم ترد ادعاءات شتى انواع الملكية الخاصة، لأن شتى انواع الملكية الخاصة هي كلها، كما يقال، اساس المجتمع، الخ.. وهكذا نرى ان جميع هذه الجمل الفارغة يمكن قلبها وتفسيرها حسب الرغبة.

ولن يكون ثمة أي ترابط منطقي بين القسم الاول والقسم الثاني من هذه الفقرة الا اذا وضعناها كما يلي :

"ان العمل لا يكون مصدراً للثروة والثقافة الا اذا كان عملا اجتماعياً"، او، بتعبير آخر يؤدي المعنى نفسه، "في المجتمع وبواسطة المجتمع".

ان هذه الموضوعة صحيحة لا جدال فيها لأن العمل المنفرد (هذا اذا افترضنا وجود شروطه المادية)، اذا كان يستطيع ان يخلق قيماً استعمالية، انما لا يستطيع ان يخلق لا الثروة ولا الثقافة.

ولكن الموضوعة الاخرى صحيحة ايضاً ولا جدال فيها :

"وبقدر ما يتطور العمل تطوراً اجتماعياً ويغدو بالتالي مصدراً للثروة والثقافة، بقدر ما يشتد الفقر والاملاق عند العامل، وتتعاظم الثروة والثقافة عند غير العامل".

ذلك هو قانون التاريع برمته حتى الآن. فبدلا من الجمل والتعابير العامة حول "العمل" و"المجتمع"، كان ينبغي اذن ان يوضع هنا بدقة كيف تكوّنت في نهاية الامر، في ظل المجتمع الرأسمالي الحالي، الشروط المادية وغيرها من الشروط التي تجعل العمال قادين على دك هذه اللعنة الاجتماعية وتدفغهم الى تحطيمها.

ولكن كل هذه الفقرة، غير الموفقة شكلا والخاطئة اساساً، لم ترد هنا الا لكي يستطاع كتابة الصيغة اللاسالية "دخل العمل غير المنقوص"، كاول شعار على راية الحزب. وسأعود فيما بعد الى "دخل العمل" و"الحق المتساوي"، الخ..، لأن الشيء نفسه يتكرر فيما بعد على نحو مختلف نوعاً.

2- "ان وسائل العمل في المجتمع الحالي هي احتكار الطبقة الرأسمالية. وتبعية الطبقة العاملة، الناجمة عن هذا الوضع، هي سبب البؤس والاستبداد بكل اشكالهما".

ان هذه الفقرة، المقتبسة من نظام الاممية الداخلي، خاطئة بهذه الصيغة "المحسنة".

فان وسائل العمل في المجتمع الحالي هي احتكار الملاكين العقاريين (بل ان احتكار الملكية العقارية هو ساس الاحتكار الراسمالي) و". ان اضافة كلمتي "مصادر الحياة" تبين كفاية ان الارض هي فب عداد وسائل العمل.

وقد اجري هذا التحسين لأن لاسال، لاسباب غدت معروفة اليوم لدى الجميع، كان يهاجم الطبقة الراسمالية وحدها، دون الملاكين العقاريين. ففي انجلترا، لايكون الرأسمالي، عادة، مالكا حتى للارض التي يقوم عليها مصنعه.

3- "ان تحرير العمل يتطلب رفع وسائل العمل الى مستوى ملكية المجتمع باسره، وضبط العمل الاجمالي بصورة جماعية مع توزيع دخل العمل توزيعا عادلاً".

"ان رفع وسائل العمل الى مستوى ملكية المجتمع باسره" (!) يعني على ما يبدو "تحويلها الى ملكية للمجتمع باسره"، ونقول هذا عرضاً.

ما المقصود ب"دخل العمل ؟" أهو نتاج العمل ام قيمته ؟ فاذا عنيت قيمته، فهل قيمة النتاج الاجمالية او فقط القسم من البقية الذي اضافه العمل الى قيمة وسائل الانتاج المستهلكة ؟

ان "دخل العمل" عبارة عن فكرة غامضة كان لاسال يتخدها بدلا من مفاهيم اقتصادية واضحة.

وما هو "التوزيع العادل" ؟

الا يدّعي البرجوازيون ان التوزيع الحالي "عادل" ؟ وبالفغل، اليس التوزيع الحالي التوزيع "العادل" الوحيد على اساس اسلوب الانتاج الحالي ؟ وهل العلاقات الاقتصادية تنظمها المفاهيم الحقوقية ام الامر على العكس، أي ان العلاقات الحقوقية هي التي تنبثق من العلاقات الاقصادية ؟ ثم، ألا يتبنى اصحاب الشيع الاشتراكية المختلفة، اكثر الآراء تبايناً حول هذا التوزيع "العادل" ؟

فلكي ندرك ما هو المقصود هنا بهاتين الكلمتين : التوزيع "العادل"، ينبغي لنا ان نقارن الفقرة الاولى بالفقرة الثالثة. فالفقرة الثالثة تفترض مجتمعاً "تكون قيه وساءل العمل ملكية المجتمع بأسره، ويضبط فيه العمل الاجمالي بصورة جماعية"، بينما تقول لنا الفقرة الاولى "ان دخل العمل بخص بكليته وبالحق المتساوي، جنيع اعضاء المجتمع".

"جميع اعضاء المجتمع" ؟ حتى اولئك الذين لا يشتغلون ؟ واذ ذاك، اين هو "دخل العمل غير المنقوص" ؟ مجرد اعضاء المجتمع الذين يشتغلون ؟ فاين هو اذن "الحق المتساوي" بين جميع اعضاء المجتمع ؟

ولكن "جميع اعضاء المجتمع" و"الحق المتساوي" ليسا سوى مجرد جملتين. اما الجوهر، فقوامه انه ينبغي في هذا المجتمع الشيوعي ان ينال كل شغيل، كما يقول لاسال، "دخل العمل غير المنقوص".

فاذا اخدنا اولا كلمتي "دخل العمل" بمعنى نتاج العمل، فان دخل العمل الجماعي يعني حينذاك النتاج الاجتماعي الاجمالي.

والآن، ينبغي ان نقتطع منه :
اولاً، ما نستعيض به عن وسائل الانتاج المستهلكة ؛
ثانياً، قسماً اضافياً لتوسيع الانتاج ؛
ثالتاً، اموالا للاحتياط او للتأمين ضد الطوارىء، والكوارث الطبيعية، الخ..

ان هذه الاقتطاعات من "دخل العمل غير المنقوص" تحتمها الضرورة الاقتصادية، وتتحدد مقاديرها وفقاً للوسائل والقوى المتوافرة، وجزئياً بموجب حساب الاتفاق ؛ ولكنها في مطلق الاحوال لا يمكن تحديدها على اساس العدالة.

يبقى القسم الآخر من النتاج الاجمالي، وهو القسم المعد للاستهلاك.

ولكن قبل الشروع بتوزيعه على الافراد منه ايضاً :

اولا، النفقات الادراية العامة، التي لا علاقة مباشرة لها بالانتاج.
ان هذا الجزء سيهبط فوراً هبوطاً ملحوظاً بالقياس الى قدره في المجتمع الحالي، وسيقل بقدر ما يتطور المجتمع الجديد.

ثانياً، ما هو معذّ لتلبية حاجيات المجتمع المشتركة، من مدارس، ومؤسسات صحية، الخ..
ان هذا الجزء سيزداد فوراً زيادة كبيرة بالقياس الى قدره في المجتمع الحالي، وسينمو بقدر ما يتطور المجتمع الجديد.

ثالثاً، الاموال الضرورية لإغاثة العاجزين عن العمل، الخ.، أي، بكلمة موجزة، ما يعود الى ما يسمى اليوم باغاثة الفقراء الرسمية.

وبعد ذلك فقط، نصل الى ذلك "التوزيع" الذي لا يعني البرنامج الا اياه، تحت تأثير لاسال، وبصورة ضيقة، محدودة، أي الى هذا القسم من اشياء الاستهلاك الذي يوزع بصورة افرادية بين منتجي المجتمع

وهكذا تحوّل "دخل العمل غير المنقوص" بصورة غير محسوسة الى "دخل منقوص"، رغم ان ما يؤخذ من المنتج، بوصفه فرداً، انما يعود عليه بالنفع من جديد، مباشرة ام بصورة غير مباشرة، بوصفه عضواً في المجتمع.

وكما ان تعبير "دخل العمل النتقوص" قد ذاب واختفى، كذلك يذوب ويختفي تعبير "دخل العمل" بوجه عام.

في مجتمع قائم على المبادىء الجماعية، قائم على الملكية العامة لوسائل الانتاج، لا يتبادل المنتجون منتجاتهم ؛ ان العمل المبذول على المنتجات لا يظهر في هذا النظام الاجتماعي على انه قيمة هذه المنتجات، على انه صفة مادية تنطوي عليها المنتجات، اذ انه خلافاً لما يجري في المجتمع الرأسمالي، يغدو عمل الفرد بصورة مباشرة، لا بصورة غير مباشرة، جزءاً لا يتجزأ من عمل المجتمع. وهكذا، ان تعبير "دخل العمل"، الذي لا يصمد للنقد حتى في ايامنا هذه بسبب ابهامه، يفقد كل معنى.

ان ما نواجهه هنا، انما هو مجتمع شيوعي لا كما تطور على اسسه الخاصة بل بالعكس، كما يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي، أي مجتمع لا يزال، من جميع النواحي، الاقتصادية والاخلاقية والفكرية، يحمل سمات المجتمع القديم الذي خرج من احشائه. فالمنتج يتلقى اذن بصورة فردية –بعد جميع الاقتطاعات- ما يوازي تماماً ما قدمه للمجتمع. وما قدمه للمجتمع، انما هو نصيبه الفردي من العمل. مثلا، ان يوم العمل الاجتماعي يمثل مجمل ساعات العمل الفردية ؛ ووقت العمل الفردي الذي بذله كل منتج هو النصيب الذي قدمه من يوم العمل الاجتماعي، هو القسط الذي اسهم به في هذا العمل. وهو يتلقى من المجتمع سنداً يثبت انه قدّم قدراً معيناً من العمل (بعد اقتطاعات العمل المبذول من اجل الصناديق الاجتماعية) وبهذا السند، يأخذ من المخزون الاجتماعي كمية من اشياء الاستهلاك تناسب قدر عمله. وهطذا فان نفس النصيب من العمل الذي قدمه للمجتمع بشكل معين، انما يتلقاه من المجتمع بشكل آخر.

ومن الواضح اننا نواجه هنا نفس المبدأ الذي ينظم تبادل البضائع طالما انه تبادل قيم متساوية. ان المحتوى والشكل يتغيران لأنه، نظراً لتغير الاحوال، لا يستطيع احد ان يقدّم شيئاً غير عمله، هذا من جهة، ولأنه، من جهة اخرى، لا يمكن لغير اشياء الاستهلاك الفردي ان يدخل في ملكية الفرد. اما فيما يتعلق بتوزيع هذه الاشياء بين المنتجين بصورة فردية، فان المبدأ الموجه هو نفس المبدأ الذي يسود فيما يتعلق بتبادل البضائع المتعادلة : فان قدراً معيناً من العمل بشكل ما يبادل لقاء نفس القدر من العمل بشكل آخر.

وهكذا فان الحق المتساوي يظل هنا، من حيث المبدأ، الحق البرجوازي، رغم ان المبدأ والتطبيق العملي يكفان عن التناقض هنا، في حين ان تبادل القيم المتعادلة لا يبقى في ظل تبادل البضائع الا بصورة وسطية، لا في كل من الحالات.

ورغم هذا التقدم، يظل هذا الحق المتساوي محصوراً من ناحية واحدة ضمن حدود برجوازية. فان حق المنتج يتناسب مع العمل الذي بذله ؛ والمساواة تتجلى هنا في اتخاذ العمل وحدة مشتركة للقياس.

ولكن، رب فرد يتفوّق جسدياً او فكرياً على فرد آخر، فهو اذن يقدّم، خلال القت نفسه، قدراً اكبر من العمل او انه يستطيع ان يعمل وقتاً أطول ؛ ولكن يكون العمل مقياساً، ينبغي ان يتحدد بمدته او شدّته، والا كفّ عن ان يكون وحدة للقياس. ان هذا الحق المتساوي هو حق غير متساو لقاء عمل غير متساو ؛ فهو لا يقر باي امتياز طبقيلأن كل انسان ليس سوى شغيل كغيره ؛ ولكنه يقرّ ضمناً بعدم المساواة في الملكات الفردية، وبالثالي في الكفاءات الانتاجية بوصفها امتيازات طبيعية. فهو اذن، من حيث المحتوى، حق قائم على عدم المساواة، ككل حق. فالحق، بحكم طبيعته، لا يمكن ان يتجلى الاّ في استعمال نفس الوحدة القياسية ؛ ولكن الافراد غير المتساوين (ولن يكونوا افراداً متمايزين اذا لم يكونوا غير متساوين) لا يمكن قياسهم وفقاً لوحدة مشتركة الا بقدر ما يرى اليهم من وجهة النظر نفسها، الا بقدر ما يرى اليهم من زاوية معينة، واحدة، مثلا، في الحالة المعينة، حيث لا يرى اليهم الا بوصفهم عمالا، لا اكثر، وبصورة مستقلة عن كل الباقي. وبعد : رب عامل متزوج، والآخر عازب ؛ ورب رجل عنده من الاولاد اكثر من رجل آخر ؛ الخ.. وهكذا، لقاء العمل المتساوي، وبالتالي مع الاستفادة المتساوية من الصندوق الاجتماعي للاستهلاك، يتلقى احدهم بالفعل اكثر من الآخر، ويظهر اغنى منه، الخ.. ولإجتناب كل هذا، لا ينبغي ان يكون الحق متساوياً، بل ينبغي ان يكون غير متساو.

ولكنها تلك عيوب محتومة لا مناص منها في الطور الاول من المجتمع الشيوعي كما يخرج من المجتمع الرأسمالي بعد مخاض طويل وعسير.فالحق لا يمكن ابداً ان يكون في مستوى اعلى من النظام الاقتصادي ومن درجة التمدن الثقافي التي تناسب هذا النظام.

وفي الطور الاعلى من المجتمع الشيوعي، بعد ان يزول خضوع الافراد المذل لتقسيم العمل ويزول معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي ؛ وحين يصبح العمل، لا وسيلة للعيش وحسب، بل الحاجة الاولى للحياة ايضاً ؛ وحين تتنامى القوى المنتجة مع تطور الافراد في جميع النواحي، وحين تتدفق جميع ينابيع الثروة العامة بفيض وغزارة، -حينذاك فقط، يصبح بالامكان تجاوز الافق الضيق للحق البرجوازي تجاوزاً تاماً، ويصبح بامكان المجتمع ان يسجل على رايته : من كل حسب كفاءاته، ولكل حسب حاجاته !

لقد توسعت بخاصة حول "دخل العمل غير المنقوص" من جهة، وكذلك حول "الحق المتساوي" و"التوزيع العادل"، من جهة اخرى، لكي ابين اية جريمة كبيرة ترتكب، من جهة، حين يراد من جديد ان تفرض على حزبنا، كعقائد جامدة، مفاهيم كان اها بعض المعنى في مرحلة معينة، ولكنها لم تبق اليوم سوى عبارات مطروقة باطلة، ومن جهة اخرى، حين يراد تشويه النظرة الواقعية التي كلفت جهوداً طائلة لبثها في صفوف الحزب، ولكنها التي رسخت فيه عميقا اليوم، وذلك بواسطة مفاهيم حقوقية خرقاء وغير ذلك من الاضاليل الشائعة بين الديمقراطيين وبين الاشتراكيين الفرنسيين.

وبصرف النظر عما قيل آنفاً، كان من الخطأ على وجه العموم ان يجعل مما يسمى التوزيع الامر الاساسي وان يصار الى ابرازه.

فان توزيع اشياء الاستهلاك، في كل عصر وطور، ليس سوى نتيجة لتوزيع شروط الانتاج نفسها. ولكن توزيع هذه الاخيرة يعبر عن طابع اسلوب الانتاج بالذات.

فان اسلوب الانتاج الرأسمالي، مثلاً، يرتكز على كون شروط الانتاج المادية بشكل ملكية الرأسمال وملكية الارض، تقع في ايدي غير الشغيلة بينما سواد الناس لا يملكون سوى الشرط الشخصي للامناج – قوة العمل. واذا كانت عناصر الانتاج موزعة على هذا النحو، فان التوزيع الحالي لاشياء الاستهلاك ينبع منه تلقائاً. فاذا غدت شروط الانتاج المادية ملكية عامة للعمال انفسهم، تغير توزيع اشياء الاستهلاك عما هو عليه الآن. ان الاشتراكية المبتذلة (ومن خلالها ايضاً قسماً من الديمقراطية) قد اقتبست من الاقتصاديين البرجوازيين عادة اعتبار التوزيع وبحثه بوصفه امراً مستقلاً عن اسلوب الانتاج، وعادة تصوير الاشتراكية بالتالي كأنها تدور في الاساس حول قضايا التوزيع. ولكن حين تكون العلاقات الفعلية قد اتضحت منذ زمن بعيد. فما الفائدة من العودة الى الوراء ؟

4- "ان تحرير العمل ينبغي ان يكون من صنع الطبقة العاملة التي لا تشكل جميع الطبقات الاخرى ازاءها سوى كتلة رجعية واحدة".

ان الجملة الاولى مستقاة من مقدمة نظام الاممية الداخلي، ولكنها واردة بصيغة "محسنة". فان هذه المقدمة تقول : "ان تحرير الطبقة العاملة ينبغي ان يكون من صنع العمال انفسهم"، ولكن "الطبقة العاملة"، هنا، ترى، ماذا عليها ان تحرر ؟ - "العمل". فافهم اذا كنت قادراً على الفهم.

وبالمقابل، يتحفوننا بجملة اضافية موصولة، مستقاة من اعمق ينابيع لاسال : "(الطبقة العاملة) التي لا تشكل جميع الطبقات الاخرى ازاءها سوى كتلة رجعية واحدة".

لقد جاء في "البيان الشيوعي" قوله : "ليس بين جميع الطبقات التي تقف الآن امام البرجوازية وجهاً لوجه الا طبقة واحدة ثورية حقاً، هي البروليتاريا. فان جميع الطبقات الاخرى تنحط وتهلك مع نمو الصناعة الكبرى، اما البروليتاريا فهي، على العكس من ذلك، اخص منتجات هذه الصناعة".

وهكذا يرى في هذا المقطع الى البرجوازية – بوصفها عامل الصناعة الكبيرة – على انها طبقة ثورية بالنسبة للاقطلعيين والفئات المتوسطة، الذين يرغبون في الحفاظ لانفسهم على جميع المراكز الاجتماعية الباقية عن اساليب الانتاج البالية. فالاقطاعيون والفئات المتوسطة لا يشكلون اذن مع البرجوازية كتلة رجعية واحدة.

ومن جهة اخرى، نرى ان البروليتاريا ثورية بالنسبة للبرجوازية’ لأنها، وهي التي نشأت ونمت وترعرعت على اساس الصناعة الكبيرة. تقصد ان تنزع عن الانتاج هذا الطابع الرأسمالي الذي تحاول البرجوازية تخليده. ولكن "البيان الشيوعي" يضيف قائلاً : ان "الفئات المتوسطة" تغدو ثورية "اذ ينتظرها السقوط الى صفوف البروليتاريا".

ومن وجهة النظر هذه، كان خطل الرأي ان يقال عن الفئات المتوسطة انها "تشكل مع البرجوازية"، ومع الاقطاعيين ايضاً، "كتلة رجعية واحدة" بالنسبة للطبقة العاملة.

فابان الانتخابات الاخيرة، ترى، هل قيل للحرفيين وصغار الصناعيين، الخ..، والفلاحين : "انكم لا تشكلون مع البرجوازيين والاقطاعيين سوى كتلة رجعية واحدة بالنسبة الينا" ؟

لقد كان لاسال يعرف "البيان الشيوعي" عن ظهر قلب، كما ان اتباعه الامناء يعرفون الكتابات المقدسة التي دبجها هو بنفسه . فاذا كان قد زوّر "البيان الشيوعي" بمثل هذه الفظاظة، فانه شاء فقط ان يبرر تحالفه مع الاخصام الاقطاعيين والمستبدين ضد البرجوازية.

وفضلا عن ذلك، تبدو الحكمة اللاسالية الواردة في الفقرة المذكورة آنفاً، كأنها ملصوقة لصقا، ولا تمت باية صلة الى الاستشهاد "المحسن" بشكل اخرق من نظام الاممية الداخلي. وهكذا نجد انفسنا هنا امام وقاحة، ووقاحة، في الحقيقة، لا تزعج السيد بيسمارك ابداً، امام فظاظة من هذه الفظاظات الرخيصة التي اشتهر بها مارا برلين9.

5- "ان الطبقة العاملة تعمل على تحرير نفسها اولا في نطاق الدولة القومية الحالية، وهي على علم تام بان النتيجة الضرورية لجهودها التي يشاركها بها عمال جميع البلدان المتمدنة، ستكون تآخي الشعوب العالمي".

خلافا "البيان الشيوعي" ولكل الاشتراكية السابقة، كان لاسال قد رأى الى الحركة العمالية من اضيق وجهات النظر القومية. وها هم يقتفون خطواته في هذا الميدان، وذلك بعد ما قامت به الاممية من اعمال !

وغني عن البيان تماماً انه ينبغي للطبقة العاملة، لكي تستطيع النضال على وجه العموم، ان تنتظم حيثما هي بوصفها طبقة، وان بلادها بالذات هي الميدان المباشر لنضالها. ولهذا كان نضالها الطبقي قومياً، لا من حيث المحتوى، بل، كما يقول "البيان الشيوعي"، "من حيث الشكل". ولكن "نطاق الدولة القومية الحالية"، مثلا، نطاق الامبراطورية الالمانية، يدخل ايضاً بدوره، اقتصادياً "في نطاق السوق العالمية"، وسياسياً "في نطاق نظام الدول". فان اول تاجر تصادفه يعرف ان التجارة الالمانية هي في الوقت نفسه تجارة خارجية، وان عظمة السيد بيسمارك تكمن على وجه الدقة في انتهاجه نوعاً معيناً من السياسة الدولية.

وعلام يقصر حزب العمال الالماني امميته ؟ على ادراك ان نتيجة جهوده ستكون "تآخي الشعوب العالمي". وتلك جملة مقتبسة عن عصبة السلام والحــرية10 البرجوازية، ويقصد منها ان تعني شيئاً يساوي التآخي العالمي بين الطبقات العاملة في البلدان المختلفة في نضالها المشترك ضد الطبقات السائدة وحكوماتها. ولكننا لا نجد كلمة واحدة عن المهمات الاممية للطبقة العاملة الالمانية ! وهذا كل ما يقترحونه على الطبقة العاملة الالمانية لمعارضة برجوازيتها الخاصة التي تآخت ضدها مع برجوازية جميع البلدان الاخرى ولمعارضة سياسة السيد بيسمارك القائمة على التآمر الدولي !

وبالفعل، ان نزعة البرنامج الاممية ادنى الى ما لا حد له، من النزعة الاممية التي يتصف بها حزب التجارة الحرة. قان هذا الحزب ايضا يزعم ان نتيجة عمله ستكون "تآخي الشعوب العالمي". ولكنه على الاقل يعمل شيئاً ما لجعل التجارة عالمية، ولا يكتفي ابدا بأن يعرف ان كل شعب يتعاطى التجارة في بلاده.

ان نشاط الطبقة العاملة في مختلف البلدان لا يتوقف، في حال من الاحوال، على وجود "جمعية الشغيلة العالمية". فان هذه المنظمة كانت فقط اول محاولة لتزويد هذا العمل بجهاز مركزي، محاولة كانت لها نتائج لا تمحى بسبب من الاندفاع الذي بثته، ولكنه لم يبق من الممكن القيام بها، بشكلها التاريخي الاول، بعد سقوط كمونة باريس11.

لقد كانت صحيفة بيسمارك، "Norddeutsche"، على تمام الحق حين اعلنت، لما فيه رضى صاحبها، ان حزب العمال الالماني قد جحد النزعة الاممية في برنامجه الجديد12.

II


"وانطلاقا من هذه المبادىء، يسعى حزب العمال الالماني جهده، بجميع الوسائل المشروعة، الى تاسيس الدولة الحرة - و - المجتمع الاشتراكي ؛ الى الغاء نظام الاجرة مع قانون الاجور الحديدي - و - الى محو الاستثمار بجميع اشكاله ؛ الى القضاء على كل تفاوت اجتماعي وسياسي".

سأعود فيما بعد الى لحديث عن الدولة "الحرة".

وهكذا اذن، ينبغي على حزب العمال الالماني ان يؤمن، من الآن فصاعدا، "بقانون" لاسال "الحديدي" ! ولأجل ايجاد مكان له في البرنامج، يتحدثون بسخافة عن "الغاء نظام الاجرة" (وكان ينبغي القول : نظام العمل المأجور) مع "قانون الاجور الحديدي. فاذا الغيت العمل المأجور الغيت بالطبع قوانينه ايضاً، سواء كانت من "الحديد" او من الاسفنج، ولكن نضال لاسال ضد العمل المأجور يكاد يدور بوجه الحصر حول هذا القانون المزعوم. وعليه، من أجل البرهنة على ان زمرة لاسال هي الظافرة، ينبغي الغاء "نظام الاجرة" "مع قانون الاجر الحديدي"، لا بدونه.

ومن "قانون الاجور الجديدي" هذا، لا شيء، كما هو معروف، يخص لاسال، الاكلمة "الحديدي" المقتبسة من "القوانين الخالدة الحديدية الكبرى" التي قال بها غوته" هي بمثابة لصقة يتعارف بها المؤمنون الحقيقيون. ولكن، اذا قبلت القانون وعليه خاتم لاسال، وبالتالي، بالمعنى الذي يقصده لاسال لهذا القانون. فما هو هذا التعليل ؟ انه، كما اوضح لانغه، بعد وفاة لاسال، النظرية المالتوسية حول نمو السكان (التي يروج بها لانغه بالذات). ولكن، اذا كانت النظرية صحيحة، تعذر علي إطلاقاً الغاء "القانون الحديدي"، حتى ولو الغيت العمل المأجور مئة مرة، لان هذا القانون لا يشمل حينذاك نظام العمل المأجور وحسب، انما يشمل ايضاً كل نظام اجتماعي. وبالاستناد الى هذه النظرية على وجه الدقة، يحاول الاقتصاديون منذ خمسين سنة ونيف ان يثبتوا ان الاشتراكية لا يمكنها الغاء الفقر الموجود بحكم الطبيعة، انما تستطيع فقط ان تعممه، وتنشره على كل سطح المجتمع !

ولكن كل هذا ليس بالامر الرئيسي. فبصرف النظر اطلاقاً عن خظأ لاسال في فهم هذا القانون، يتجلى التراجع الذي يثير الاستياء حقاً فيما يلي.

منذ وفاة لاسال هذا المفهوم العلمي القائل ان اجرة العمل ليست ما تبدو عليه، أي قيمة (أو ثمن) العمل، بل هي فقط شكل مموه لقيمة (أو ثمن) قوة العمل. وهكذا رمي مرة واحدة في سلة المهملات بالمفهوم البرجوازي حول اجرة العمل، كما رمي في الوقت نفسه بكل الانتقاد الذي كان موجهاً ضد هذا المفهوم فيما مضى، وكان من الواضح والثابت انه غير مسموح للعامل الاجير بان يشتغل لتأمين معيشته بالذات، أي، ان يعيش، الاّ اذا اشتغل مجانا بعض الوقت للرأسمالي (وايضا لشركائه في ابتزاز القيمة الزائدة) ؛ وان المحور الذي يدور حوله كل نظام الانتاج الرأسمالي هو السعي الى زيادة العمل المجاني بإطالة يوم العمل او بزيادة انتاجية العمل، أي بالمزيد من الجهد الذي تبذله قوة العمل، الخ.. ؛ وان نظام العمل المأجور هو بالتالي نظام رق واستعباد، وهو في الحقيقة استعباد تشتد وطأته بقدر ما تتطور قوة العمل الاجتماعية المنتجة، مهما كانت عليه الاجرة التي يتقاضاها العامل، سواء كانت احسن ام اسوأ بعض الشيء. وبعد ما شرع هذا المفهوم العلمي ينتشر اكثر فأكثر في حزبنا، يعودون الى عقائد لااسال، في حين ينبغي لهم ان يعرفوا ان لااسال كان يجهل ما هي اجرة العمل، وكان، على غرار الاقتصاديين البرجوازيين، يعتبر مظهر الشيء انه الشيء بالذات.

فكأن يقوم العبيد بثورة بعد ان يدركوا سر عبوديتهم، ويعمد عبد غارق في لجة المفاهيم البنلية، ويسجل في برنامج الثورة : ينبغي الغاء العبودية لان اعالة العبيد لا يمكن ان تتجاوز في نظام العبودية حداً أعلى معيناً قليل الارتفاع !

ان مجرد كون ممثلي حزبنا قد استطاعوا ان يقترفوا مثل هدا العدوان الفظيع على المفهوم الشائع بين جماهير حزبنا، ليثبت باية خفة اجرامية واي انعدام في الوجدان عملوا في صياغة برنامج المساومة هذا !

فبدلا من الصيغة الغامضة التي تنتهي بها الفقرة : "القضاء على كل تفاوت اجتماعي وسياسي"، كان ينبغي القول انه مع الغاء الفوارق الطبقية، يزول من تلقاء مفسه كل تفاوت اجتماعي وسياسي ناجم عن هذه الفوارق.

III


"لأجل تمهيد السبيل الى حل المسألة الاجتماعية، يطالب حزب العمال الالماني بانشاء جمعيات للانتاج بمساعدة الدولة، وتحت رقابة الشعب الشغيل الديموقراطية. وينبغي استثارة نشوء جمعيات الانتاج في الصناعة والزراعة الى حد ان ينجم عنها التنظيم الاشتراكي للعمل الاجمالي".

بعد "قانون الاجور الحديدي" للاسال الاجتماعية" التي "تُمهِّد السبيل" من اجل "حلها" الدولة، لا العمال. ان لاسال وحده، بغروره وخياله، قادر على الاعتقاد انه من الممكن، بواسطة منح الدولة، بناء مجتمع جديد بنفس السهولة التي يبنى بها خط حديدي جديد !

وبدافع من بقايا حس الحياء يضعون "مساعدة الدولة"... تحت رقابة "الشعب الشغيل" الديموقراطية.

اولا، يتألف "الشعب الشغيل" باكثريته في المانيا من فلاحين لا من بروليتاريين.

ثانيا، تعني كلمة "ديموقراطي" بالالمانية "بواسطة حكم الشعب". وفي هذه الحال، ماذا تعني "رقابة الشعب الشغيل بواسطة حكم الشعب" ؟ وخصوصاً بالنسبة لشعب يتقدم من الدولة بمثل هذه المطالب، ويعترف بالتالي بانه لا يتسلم زمام الحكم ولم ينضج لتسلم زمام الحكم !

ومن نافل الكلام ان نتطرق هنا الى انتقاد الوصفة التي وصفها بوشه في عهد لويس فيليب على النقيض من الاشتـراكيين الفرنسيين والتــي تبناها عمــال "Atelier" الرجعيون. ولا تنحصر المصيبة الكبرى في وردود هذا العلاج العجائبي الخاص في البرنامج، بل في التراجع على العموم من مقهوم الحركة الطبقية الى مفهوم الحركة الانعزالية.

وعندما يسعى العمال الى توفير شروط الانتاج الجماعي على نطاق المجتمع بأسره، في بادىء الامر، على النطاق الوطني في بلادهم، فان هذا يعني فقط انهم يناضلون في سبيل اجراء انقلاب في شروط الانتاج الحالية ؛ فيما يتعلق بالجمعيات التعاونية الحالية، فانها لا تتسم باية قيمة الا بقدر ما تكون مؤسسات مستقلة، من صنع العمال انفسهم، ولا تتمتع لا بحماية الحكومات ولا بحماية البرجوازية.

IV


وانتقل الآن الى القسم الديموقراطي :



أ – "اساس حر للدولة".

اولا : وفقاً لما جاء في الفصل الثاني، يسعى الحزب الالماني الى تحقيق "الدولة الحرة".

الدولة الحرة – ولكن ما هي ؟

ان جعل تادولة حرة ليس مطلقاً هدف العمال الذين تحرروا من عقلية الخضوع والذل الضيقة المحدودة. فان "الدولة" في الامبراطورية الالمانية تكاد تكون "حرة" كما هي عليه في روسيا. ان الحرية هي في تحويل الدولة من جهاز فوق المجتمع الى جهاز خاضع بكليته لهذا المجتمع ؛ وحتى في ايامنا، تتفاوت اشكال الدولة حرية بقدر ما تحد من "حرية الدولة".

ان حزب العمال الالماني، - اذا تبنى هذا البرنامج على الاقل، - يكشف مدى النقص في استيعابه الاقكار الاشتراكية ؛ وهو، بدلا من ان يعتبر المجتمع الحالي (وهذا القول يصح بالنسبة لكل مجتمع مقبل ايضا) "اساس الحالية (أو المجتمع المقبل اساساً للدولة المقبلة)، يعتبر الدولة، على العكس، واقعاً مستقلاً له "اسسه الروحية والاخلاقية والحرة" الخاصة.

ثم أي سوء استعمال فظ في البرنامج لكلمات "الدولة الحالية"، وكذلك أي سوء فهم، اخشن ايضاً، لتلك الدولة التي يتقدم منها بمطالبه !

ان "المجتمع الحالي"، انما هو المجتمع الرأسمالي القائم في جميع البلدان المتمدنة وقد تطهر الى هذا الحد او ذاك من عناصر القرون الوسطى وعدلته الى هذا الحد او ذاك خصائص التطور التاريخي في كل بلد من البلدان، وتطور الى هذا الحد او ذاك. اما "الدولة الحالية"، فانها، على العكس، تتغير مع الحدود. فهي في الامراطورية البروسية الالمانية غيرها في سويسرا، وهي في انجلترا غيرها في الولايات المتحدة. "فالدولة الحالية" اذن مجرد وهم من الاوهام.

ومع ذلك فان مختلف الدول في مختلف البلدان المتمدنة تتصف جميعها بطابع مشترك، رغم تنوع اشكالها، هو انها تقوم في ارض المجتمع البرجوازي الحديث، المتطور رأسمالياً الى هذا الحد او ذاك. ولذا فانها تشترك ببعض الصفات الجوهرية. وبهذا المعنى يمكن الحديث عن "الدولة الحالية" خلافا لدولة المستقبل حيث يزول المجتمع البرجوازي الذي تنبثق منه الآن.

ثم يوضع السؤال التالي : أي تحول يطرأ على الدولة في المجتمع الشيوعي ظ وبتعبير آخر : اية وظائف اجتماعية مماثلة للوظائف الحالية للدولة تظل قائمة في المجتمع الشيوعي ؟ العلم وحده يستطيع الجواب عن هذا السؤال ؛ ولن ندفع القضية الى امام قيد شعرة ولو قرنا بالف طريقة كلمة "الشعب" بكلمة "الدولة".

بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي، تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحولا ثورياً الى المجتمع الشيوعي. وتناسبها مرحلة انتقال سياسي لا يمكن ان تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا.

ولكن البرنامج لا يعالج قضية هذه الديكتاتورية ولا طبيعة الدولة المقبلة في المجتمع الشيوعي.

ان مطالب البرنامج السياسية لا تنطوي على غير الترداد الديموقراطي الذي يعرفه الجميع : الحق الانتخابي العام، التشريع المباشر، حقوق الشعب، تسليح الشعب، الخ.. وهي مجرد صدى لحزب الشعب البرجوازي، لعصبة السلام والحرية. وهذه كلها مطالب قد تحققت، بقدر ما لم يبالغ بها لحد الغرابة. الا ان الدولة التي حققتها لا تقوم في داخل حدود الامبراطورية الالمانية، بل في سويسرا، والولايات المتحدة، الخ.. ان هذا النوع من "دولة المستقبل"، انما هو دولة حالية، رغم انها تقوم خارج "نطاق" الامبراطورية الالمانية.

ولكنهم نسوا امراً واحداً. فيما ان حزب العمال الالماني يعلن بصراحة ووضوح انه يعمل في داخل "الدولة القومية الحالية" وبالتالي في داخل دولته الخاصة، الامبراطورية البروسية-الالمانية – وإلاكانت مطالبه، بمعظمها، خرقاء، اذ لا يطالب المرء الا بما هو ليس بحاصل عليه – لذن، كان عليه الا ينسى النقطة الرئيسية التالية، وهي ان جميع هذه الاشياء الجميلة تفترض الاعتراف بما يسمى سيادة الشعب، وانها لا تجد مكانها بالتالي الا في جمهورية ديموقراطية.

وبما انه لم يكن ليديهم الشجاعة الكافية – وحسنا فعلوا، لان الوضع يتطلب الحذر – للمطالبة بالجمهورية الديموقراطية كما فعل العمال الفرنسيون في برلمجهم في عهد لويس فيليب ولويس نابوليون، فقد كان عليهم اذ ذاك ايضاً ألا يلجؤوا الى هذه الحيلة، التي ليست "شريفة" ولا لائقة، أي الى المطالبة باشياء لا معنى لها الا في جمهورية ديموقراطية، وذلك من دولة ليست سوى استبداد عسكري، مصنوع بطريقة بيروقراطية ومحافظ عليه بطريقة بوليسية، مزين باشكال برلمانية، متسم بمجيز من العناصر الاقطاعية، وخاضع في الوقت نفسه للثأثيرات البرجوازية. وكان عليهم علاوة على ذلك الاّ يُقنعوا مثل هذه الدولة، بكل مهابة ورصانة، بأنهم يأملون الحصول منها على شيء مماثل "بوسائل شرعية" !

بل ان الديموقراطية المبتذلة، التي ترى فردوسها الارضي في الجمهورية الديموقراطية والتي لا تظن ان النضال الطبقي يجب ان يجد حلا له بقوة السلاح في ظل هذا الشكل الاخير للدولة في المجتمع البرجوازي، حتى هذه الديموقراطية بالذات اعلى بكثير من هذا الضرب من الديموقراطية المحصورة في نطاق ما يسمح به البوليس وما يحرمه المنطق.

فقد كان عليهم اذ ذاك ايضاً ألا يلجؤوا الى هذه الحيلة، التي ليست "شريفة" ولا لائقة، أي الى المطالبة باشياء لا معنى لها الا في جمهورية ديموقراطية، وذلك من دولة ليست سوى استبداد عسكري، مصنوع بطريقة بيروقراطية ومحافظ عليه بطريقة بوليسية، مزين باشكال برلمانية، متسم بمجيز من العناصر الاقطاعية، وخاضع في الوقت نفسه للثأثيرات البرجوازية. وكان عليهم علاوة على ذلك الاّ يُقنعوا مثل هذه الدولة، بكل مهابة ورصانة، بأنهم يأملون الحصول منها على شيء مماثل "بوسائل شرعية" !

بل ان الديموقراطية المبتذلة، التي ترى فردوسها الارضي في الجمهورية الديموقراطية والتي لا تظن ان النضال الطبقي يجب ان يجد حلا له بقوة السلاح في ظل هذا الشكل الاخير للدولة في المجتمع البرجوازي، حتى هذه الديموقراطية بالذات اعلى بكثير من هذا الضرب من الديموقراطية المحصورة في نطاق ما يسمح به البوليس وما يحرمه المنطق.

وبالفعل، سواء كان القصد من كلمة "الدولة" الآلة الحكومية ام الدولة بوصفها تشكل، بسبب تقسيم العمل، جهازاً خاصاً، منفصلاً عن المجتمع، فان ذلك واضح من الكلمات التالية : "ان حزب العمال الالماني يطالب بان يكون اساس الدولة الاقتصادي ضريبة موحدة تصاعدية على الدخل"، الخ.. فالضرائب هي الاساس الاقتصادي للآلة الحكومية، ولا أي شيء آخر. وهذا المطلب يكاد يكون محققاً في "دولة المستقبل" القائمة في سويسرا. فان ضريبة الدخل تفترض موارد للدخل تختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية، أي انها تفترض بالتالي المجتمع الرأسمالي. فلا عجب اذن اذا كان دعاة الاصلاح المالي في ليفربول Financial Reformer de Liverpool – وهم جماعة من البرجوازيين على رأسهم اخو غلادستون – قد صارعوا نفس المطالب التي وردت في البرنامج.

ب- "ان حزب العمال الالماني يطالب بان يكون اساس الدولة الروحي والاخلاقي :
1- التربية الشعبية العامة والمتساوية للجميع بواسطة الدولة. الزامية التمدرس، مجانية التعليم".

التربية الشعبية المتساوية للجميع ؟ ماذا يقصدون بهذه الكلمات ؟ أيضنون ان التربية في المجتمع الحالي (ولا يقصد هنا الا هذا المجتمع) يمكن ان تكون متساوية بالنسبة لجميع الطبقات ؟ ام انهم يريدون اكراه الطبقات العليا بالقوة على ان تتلقى ايضاً هذه التربية المتواضعة، أي المدرسة الابتدائية، التي تتلاءم وحدها، لا مع اوضاع العمال الاجراء الاقتصادية وحسب، بل ايضاً مع اوضاع الفلاحين الاقتصادية ؟

"الزامية التمدرس، مجانية التعليم". ان الاول موجود حتى في المانيا، والثاني في سويسرا والولايات المتحدة فيما يتعلق بالمدارس الابتدائية. واذا كان التعليم في مؤسسات التعليم الثانوي في بعض الولايات من امريكا الشمالية "مجانا" ايضاً، فهذا يعني فعلا فقط ان الطبقات العليا تسدد نفقلت تربيتها من الضرائب النترتبة على الجميع. وعرضاً نقول ان الحال هي نفسها فيما يتعلق "بمجانية القضاء"، التي يطالب بها البند الخامس من الفصل أ. فالقضاء الجزائي في كل مكان ؛ اما القضاء المدني فان صلاحيته تشمل كلياً تقريباً النزاعات حول الملكية، وهو بالتالي يتعلق تماماً تقريبا بالطبقات المالكة. فهل نقترح عليها ان تلاحق قضاياها على حساب اموال الشعب ؟

ولقد كان يترتب على لبفقرة تامتعلقة بالمدارس ان تطالب على الاقل بانشاء المدارس التقنية (النظرية والتطبيقية) الى جانب المدارس الابتدائية.

ان"التربية الشعبية بواسطة الدولة" لأمرغير مقبول اطلاقاً. فان سن قانون عام يحدد نفقات المدارس الابتدائية، والكفاءات المطلوبة من رجال التعليم، والمواد المدرسّة، الخ.. ومراقبة تنفيذ هذه الاجراءات القانونية بواسطة مفتشي الدولة كما هو الحال عليه في الولايات المتحدة، انما هو أمر يختلف تماماً عن جعل الدولة مربية الشعب ! بل انه ينبغي، بالعكس، استبعاد المدرسة عن أي تأثير حكومي وديني. ويقيناً ان الدولة في الامبراطورية الالمانية-البروسية (ولا يلجأنّ احد الى هذا المهرب التافه بان الحديث يدور حول "دولة المستقبل" : فلقد رأينا ما يعني ذلك) هي التي تحتاج الى تربية قاسية جداً من قبل الشعب.

وفضلا عن ذلك، فان البرنامجكله، رغم كل قرقعته الديموقراطية، مشبع برمته بالايمان الذليل الذي تكنه الزمرة اللاسالية للدولة، او بالايمان بالعجائب الديموقراطية – وهذا الايمان الاخير ليس خيرا من الاول – او انه بالاحرى عبارة عن شيء وسط بين هذين النوعين من الايمان بالعجائب، وكل منهما غريب عن الاشتراكية نفس الغرابة.

"حرية العلم" – هكذا جاء في احدى فقرات الدستور البروسي. فلماذا اذن نراها هنا ؟

"حرية الاعتقاد" ! اذا كان يُراد بهذا ايام Kulturkamph ("النضال من اجل الثقافة")14 هذه، تذكير الليبيراليين بشعاراتهم القديمة، فلم يكن بالامكان تحقيق هذه الرغبة الا على النحو التالي : " ينبغي ان يكون في وسع كل امرىء ان يلبي حاجاته الدينية والجسدية على السواء دون ان يحشر البوليس انفه في الموضوع." ولكنه كان على الحزب ان ينتهز هذه الفرصة ويعرب عن اقتناعه بان "حرية الاعتقاد" البرجوازية لا تعني بالفعل سوى التساهل بجميع الانواع الممكنة من "حرية المعتقد الديني" وان يعلن انه بالعكس يسعى جاهدا الى تحرير الضنائر من الاوهام والخرافات الدينية. ولكن بعضهم عندنا يمتنع عن تجاوز المستوى "البرجوازي".

ها انا على وشك ان ابلغ النهاية، لان الملحق المرفق بالبرنامج لا يشكل جزءاً جوهرياً منه. ولذا اكتفي هنا بملاحظات وجيزة.



2- "يوم العمل الطبيعي".



ان حزب العمال، في بلد من البلدان، لم يقتصر على طلب غامض كهذا الطلب، انما عين دائماً بدقة ليوم العمل مدة يعتبرها طبيعية، بالنظر الى الاحوال المعينة.



3- "الحد [limitation] من عمل النساء ومنع عمل الاولاد".



ان تحديد يوم العمل يفترض سلفاً الحد [limitation] من عمل النساء، باعتبار انه يتناول مدة يوم العمل، وفترات الراحة، الخ.. والا، فان هذا التحديد لن يلعني الا منع عمل النساء في الفروع الصناعية التي تضر خاصة بصحتهن او التي تفسد اخلاقهن من حيث انهن نساء. فاذا كان ذلك هو المقصود، فقد كان ينبغي قوله.

"منع عمل الاطفال" ! كان من الضروري اطلاقاً تحديد العمر.

فان منع عمل الاطفال منعا تاماً لايتفق مع وجود الصناعة الكبيرة، وهو بالتالي مجرد رغبة سادجة لا شأن لها.

وتحقيق هذا المطلب – اذا كان ممكنا – يكون عملا رجعياً اذ انه في حال تأمين تحديد لمدة العمل حسب الاعمار وغير ذلك من التدابير لحماية الاطفال، يكون تنسيق العمل المنتج مع التعليم في مرحلة العمر المبكرة وسيلة من اقوى الوسائل لتحويل المجتمع الحالي.



4- "رقابة الدولة على العمل في المصانع والاوراش والبيوت".



لما كان المطلب يتعلق بالدولة البروسية-الالمانية، فقد كان ينبغي ان يطلب بكل دقة ووضوح ان تكون اقالة المفتشين في المصانع من صلاحية المحاكم وحدها، وان يستطيع كل عامل مقاضاتهم امام المحاكم لتخلفهم عن القيام بواجباتهم ؛ وان ينتقوا من الهيئة الطبية.



5- "تنظيم العمل في السجون".



انه لمطلب زهيد في برنامج عمالي عام. وفي مطلق الاحوال، كان ينبغي القول بوضوح ان العمال لا يريدون ان يسمح بمعاملة مجرمي الحق العام معاملة المواشي، وخشية من مزاحمتهم، ولا سيما ان يحرموهم من الوسيلة الوحيدة لصلاحهم، أي العمل المنتج. ويقيناً ان هذا اقل ما كان يمكن توقعه من الاشتراكيين.



6- "قانون فعال حول المسؤولية".



كان ينبغي القول ما هو المقصود بقانون "فعال" حول المسؤولية

ملاحضة عابرة : في الفقرة عن يوم العمل الطبيعي، نسي القسم من تشريع المصانع الذي بتعلق بالانظمة الصحية، والتدابير الواجب اتخادها لتجنب الطوارىء، الخ.. فان القانون حول المسؤولية يصبح ساري المفعول ما ان تخالف هذه الاحكام.

وبكلمة، ان هذه الاضافة سيئة الصيغة ايضاً.

Dixi et salvavi animam meam.
[قلت وخلصت ضميري]

كارل ماركس

كتب باللغة الالمانية
في ابريل - مطلع ماي 1875
نشر مع بعض الاقتطاعات في
Die Neue Zeit Bd. 1
no. 18, 1890-1891.

رسالة15 فريدريك انجلس الى بيبل



لندن، 18-28 مارس 1875

عزيزي بيبل !

تلقيت رسالتك المؤزخة في 23 فبراير وقد سررت جداً لانك في صحة وعافية.

تسألني رأينا في كل حكاية التوحيد هذه، ولكن نصيبنا منها، لسوء الحظ، هو كنصيبك تماماً.فلا ليبكنخت ولا أي كان ابلغنا أي شيء، ولذا فنحن ايضاً لا نعرف الا ما تقيدنا الصحف ولكنها قبل نشر المشروع، منذ ثمانية ايام، لم تنشر شيئا وبالطبع اثار هذا المشروع بالع دهشتنا

فان حزبنا غالبا ما مد يده الى اللاساليين وعرض عليهم المصالحة او على الاقل التعاون، وغالباً ما صده بوقاحة هازينكليفر وهاسلمان وتولكه ومن لف لفهم الى حد ان أي طفل كان بوسعه ان يستنتج انه اذا كان هؤلاء السادة يأتون الينا عاؤضين المصالحة، فلأنهم واقعون في مأزق. وبما ان طابع هؤلاء الجماعة اصبح معروفا جيداً، فانه من واجبنا ان نستغل المأزق الذي آلوا اليه، لكي نحصل على جميع الضمانات الممكنة بصورة يستحيل معها عللى هؤلاء السادة ان يعززوا من جديد مواقعهم المتزعزعة في عيون العمال على حساب حزبنا. ولذا كان ينبغي ان نستقبلهم باشد ما يكون من البرودة والحذر، وان نعلق قضية التوحيد على درجة الاستعداد التي يبدونها للتخلي عن شعاراتهم الانعزالية وعن "مساعدة الدولة"، ولقبول برنامج أيزيناخ لعام 1869 بخطوطه الاساسية او لقبول طبعة جديدة من هذا البرنامج محسنة ومنطبقة على الوضع الراهن. فمن الناحية النظرية، أي فيما يتعلق بما هو حاسم بالنسبة للبرنامج، ليس حزبنا اطلاقاً ما يتعلمه من اللاساليين ؛ اما اللاساليون فمن المفيد لهم، طبعاً، ان يتعلموا من حزبنا. فالشرط الاول للتوحيد كان ان يكفوا عن ان يكونوا انعزاليين، أي لاساليين ؛ وهذا يعني انه ينبغي عليهم، إن لم يتخلوا تماما عن هذا الترياق الشافي الوافي الذي يسمونه مساعدة الدولة، ان يعتبروه على الاقل تدبيرا انتقائياً وثانوياً، بين كثير من غيره من التدابير الممكنة. ان مشروع البرنامج يثبت ان اصحابنا متفقون كثيرا على قادة اللاساليين من الناحية النظرية، ولكنهم بالمقابل، ليسوا اطلاقاً في مستواهم من حيث حبك الحيل السياسية. وهكذا فان "الشرفاء" [الايزيناخيين] قد تلقوا هذه المرة ايضا درساً قاسياً من غير الشرفاء.

اولاً، اقر هذا البرنامج جملة لاسال الطنانة، ولكنها الخاطئة تاريخياً، القائلة بأنه ازاء الطبقة العاملة، لا تشكل جميع الطبقات الاخرى سوى كتلة رجعية واحدة. ان هذه الومضوعة غير صحيحة الا في بعض الحالات الاستثنائية، مثلا، في حال ثورة بروليتارية ككمونة باريس، او في بلد ليست البرجوازية وحدها التي كيفت الدولة والمجتمع على صورتها ومثالها، بل حيث جاءت البرجوازية الصغيرة الديموقراطية بعدها وانهت هذا التحويل حتى نتائجه الاخيرة. فاذا كانت البرجوازية الصغيرة الديموقراطية، في المانيا مثلا، من عداد هذه الكتلة الرجعية الواحدة، فكيف استطاع حزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي ان يسير طوال سنوات، يداً بيد معها، مع حزب الشعب ؟ وكيف استطاعت صحيفة Volksstaat ان تستمد كل محتواها السياسي تقريبا من صحيفة Frankfurter Zeitung ("جريدة فرانكفورت")16 البرجوازية الصغيرة الديموقراطية ؟ وكيف حدث ان سبعة من مطالب هذا البرنامج بالذات ظهرت منطبقة، كلمة كلمة، مع برنامج حزب الشعب والديموقراطية البرجوازية الصغيرة ؟ اني اقصد بهذه المطالب المطالب السياسية السبعة المرقمة من 1 الى 5 ومن 1 الى 2، والتي ليس بينها مطلب غير برجوازي ديموقراطي17.

ثانياً، ان مبدأ اممية الحركة العمالية هو، فعلا، مبدأ مرفوض تماماً في الوقت الحاضر، مبدأ ينكره اناس كانوا، طوال سنوات وفي اصعب الاحوال، يطبقون هذا المبدأ باروع ما يكون. ان كون العمال الالمان يسيرون اليوم على رأس الحركة الاوروبية انما يرتكز قبل كا شيء على الموقف الاممي حقاً الذي وقفوه ابان الحرب18 ؛ وليس ثمة بروليتاريا اخرى كان بوسعها ان تسلك مثل هذا السلوك القويم. والآن، وقد اصبح العمال في البلدان الاجنبية يتمسكون في كل مكان بهذا المبدأ بنفس الحزم والقوة اللذين تسعى الحكومات بهما الى كبت كل محاولة لتحقيقه في منظمة من المنظمات، يقترح عليهم الآن ان يتخلوا عنه في هذا الوقت بالذات ! وما عساه ان يبقى اذن من اممية الحركة العمالية ؟ لن يبقى حتى ذلك الامل الضعيف بتعاون مقبل بين عمال اوروبا في النضال من اجل تحررهم، لن يبقى على الاكثر سوى ذلك الأمل الضعيف "بتآخي الشعوب العالمي" في المستقبل، و"بالولايات المتحدة الاوروبية" التي يقول بها برجوازيو عصبة السلام !

وبديهي انه لم يكن من الضروري التحدث عن الاممية بوصفها منظمة. ولكنه كان ينبغي على الاقل عدم التراجع عن برنامج 1869 والقول بهذا الصدد على النحو التالي تقريباً : بالرغم من ان حزب العمال الالماني يعملقبل كل شيء ضمن حدود الدولة (فليس من حقه ان يتحدث باسم البروليتاريا الاوروبية، وليس من حقه بالاحرى ان يدلي بآراء خاطئة)، فانه يدرك، مع ذلك، تضامنه مع عمال جميع البلدان وسيكون مستعداً على الدوام لأن ينفذ في المستقبل ايضاً، كما نفذ حتى الآن، الواجبات المترتبة عن هذا التضامن. ومثل هذه الواجبات موجودة حتى ولو لم يعلن الحزب نفسه عضواً في الاممية او يقل عن نفسه انه منتسب اليها. وهذه الواجبات هي مثلا تقديم المعونة ومنع كسر الاضرابات، واتخاد التدابير اللازمة لكي تطلع هيئات الحزب العمال الالمان على احوال الحركة في الخارج، والتحريض ضد الحروب التي يثيرها الملوك او قد يثيرونها، والتزام موقف ابان هذه الحروب كموقف العمال الالمان في 1870 و1871، الذي اصبح قدوة يقتدى بها، الخ..

ثالثاً، لقد سمح اصحابنا بان يفرض عليهم اللاساليون "قانون الاجور الحديدي" الذي يرتكز على مفهوم في الاقتصاد السياسي ولى عهده تماماً، ونعني به ذلك المفهوم القائل ان العامل لا يتلقى، بوجه عام، سوى الحد الادنى من الاجرة وذلك بالضبط لأن ثمة دائماً فيضاً من العمال، حسب النظرية المالتوسية لنمو السكان (وتلك كانت حجة لاسال). لكن ماركس قد اثبت بالتفصيل في "رأس المال" ان القوانين التي تحدد الاجور معقدة كثيراً وان هذا القانون او ذاك هو الذي يسود حسب الظروف، وان هذه القوانين ليست حديدية اطلاقاً بل هي على العكس مطاطية جداً، وانه يستحيل بوجه عام حل هذه المسألة ببضع كلمات كما يتصور لاسال. ان المبررات المالتوسية للقانون الذي نقله لاسال عن مالتوس وريكاردو (مع تحريف ريكاردو)، كما وردت، مثلا، في الصفحة 5 من "كتاب القراءة للعمال"، وهي مأخودة من كراس آخر للاسال، انما دحضها ماركس بالتفصيل في فصل "تراكم الرأسمال". وهكذا فانهم بتبني "القانون الحديدي" الذي قال به لاسال، انما تبنوا فكرة خاطئة ومبررات خاطئة.

رابعاً، ان المطلب الاجتماعي الوحيد الوارد في البرنامج هو مساعدة الدولة التي قال بها لاسال، وقد ورد بأقل الاشكال تيسراً وكما سرقة لاسال عن بوشه. وهذا بعدما اثبت براكه بروعة كل تفاهة هذا المطلب19، بعدما اضطر جميع خطباء حزبنا تقريبا او جميعهم بالضبط الى محاربة "مساعدة الدولة" هذه في غمرة نضالهم ضد اللاساليين ! حقاً، لم يكن بوسع حزبنا ان يحقر نفسه اكثر مما فعل. لقد هبط بالاممية الى مستوى اماند غوغ، وبالاشتراكية الى مستوى الجمهورية الربجوازية الي قال بوشه الذي كان يعارض الاشتراكيين بهذا المطلب قصد محاربتهم !

وفي احسن الاحوال، ليست "مساعدة الدولة"، بالمعنى الذي يقصده لاسال، سوى تدبير في جملة غيره من التدابير، من اجل بلوغ الهدف الذي تعنيه هنا، في مشروع البرنامج، الكلمات العرجاء التالية : "تمهيد السبيل الى حل المسألة الاجتماعية" كأنما لا تزال ثمة، بالنسبة الينا، وفي المجال النظري، مسألة اجتماعية لم تحل ! ولذا، عندما يقال : "ان حزب العمال الالماني يرمي الى الغاءالعمل المأجور، وبالتالي الى محو الفوارق الطبقية، وذلك بتنظيم الانتاج الجماعي في الصناعة والزراعة وفي عموم البلاد وانه يؤيد كل تدبير من شأنه ان يسهم في بلوغ هذا الهدف"، - فلن يكون بمستطاع أي لاسالي ان يعارض هذا القول بوجه من الوجوه.

خامساً، ليس ثمة اية اشارة الى تنظيم الطبقة العاملة، بوصفها طبقة، عن طريق النقابات. وتلك نقطة جوهرية بالغة، اذ أن هذه بالضبط منظمة طبقية حقيقية للبروليتاريا تخوض البروليتاريا في صفوفها نضالاتها اليومية ضد الرأسمال، وتكون لها بمثابة مدرسة، منظمة لا تستطيع خنقها اية رجعية مهما بلغت قساوتها (كما هي الحال الآن في باريس). وبالنظر الى الاهمية التي تتخدها هذه المنظمة ايضاً في المانيا، نرى من الضروري اطلاقاً التنويه بها في البرنامج ومنحها مكاناً في تنظيم الحزب بقدر الامكان.

ذلك ما فعله اصحابنا ارضاءً للاساليين. ولكن عما تنازل هؤلاء ؟ ان حاصل هذا التنازل هو انه يبرز في البرنامج عدد كبير من المطالب الديموقراطية الصرف المشوشة جداً والتي قسم منها لمجرد انه على الموضة، "كالتشريع الشعبي" القائم، مثلا، في سويسرا، والذي شرّه في هذا البلد اكثر من خيره، هذا اذا كان له أي تأثير بوجه عام. ولو انهم قالوا : "ادارة بواسطة الشعب" لكان لكلامهم معنى. ثم انه ليس ثمة اية اشارة الى الشرط الاول لكل حرية ونعني به ان يكون كل موظف مسؤولا عن كل اعماله الرسمية ازاء كل مواطن امام المحاكم العادية وطبقاً للقانون العام. ولن اسهب في القول بان مطالب كحرية التعليم وحرية الاعتقاد ترد في كل برنامج ليبيرالي برجوازي وانها تبدو هنا غريبة نوعاً.

ان الدولة الشعبية الحرة قد تحولت الى دولة حرة. والحال، ان الدولة الحرة، بمعنى هاتين الكلمتين النحوي، هي دولة حرة ازاء مواطنيها، وبالتالي دولة تقوم فيها حكومة استبدادية. ولذا ينبغي الاقلاع عن كل هذه الثرثرة حول الدولة، ولا سيما بعد كومونة باريس التي لم تكن دولة، بمعنى الكلمة الاصلي. فلطالما انتقدنا الفوضويون بصدد "الدولة الشعبية"، رغم ان مؤلف ماركس20 ضد برودون ثم "البيان الشيوعي" قد اوضحا صراحة ان الدولة ستنحل من تلقاء نفسها sich auflöst وتزول عند اقامة النظام الاجتماعي الاشتراكي. وبما ان الدولة ليست سوى منظمة مؤقتة تستخدم في النضال، في الثورة من اجل تحطيم الاعداء بالعنف، فان من الخرق والتناقض القول بدولة شعبية حرة. وما دامت البروليتاريا تحتاج الى الدولة، فانها لا تحتاج اليها من اجل الحرية، بل لقمع اعدائها، وما ان يصبح بالامكان التحدث عن الحرية حتى تزول الدولة بوصفها دولة. ولذا نقترح لاستعاضة في كل مكلن عن كلمة "الدولة" بكلمة "المشاعة" Gemeinwesen وهي كلمة المانية قديمة ملائمة تعادل كلمة Commune(كومونة) الفرنسية.

ان استعمال تعبير "القضاء على كل تفاوت اجتماعي وسياسي" بدلا من تعبير "الغاء جميع الفوارق الطبقية" يفسح المجال للتساؤل والشك. فبين بلد وآخر، وبين واقليم وآخر، وحتى بين محلة وأخرى سيظل ابداً بعضالتفاوت في ظروف المعيشة، تفاوت قد يمكن تخفيفه الى الحد الادنى ولمكنه لن يمكن ابداً ازالته تماماً. فان سكان جبال الالب، ستختلف دائماً ظروف معيشتهم عن ظروف معيشة سكان السهول. ان التفكير بان المجتمع الاشتراكي يعني سيادة المساواة انما هو تفكير فرنسي وحيد الجانب، يرتكز على شعار "الحرية، المساواة، الاخاء" القديم، وكان له ما يبرره في زمانه ومكانه، لأنه كان يستجيب لدرجة معينة من التطور، ولكنه ينبغي الآن تجاوزه، شأنه شأن كل المفاهيم الوحيدة الجانب التي قالت بها المدارس الاشتراكية السابقة، لأنه لا يؤدي الا الى التشويش ولأنه توجد الآن اساليب ادق لبسط هذه المسألة.

سأتوقف عن البحث، رغم ان كل كلمة تقريباً في هذا البرنامج، المكتوب علاوة على ذلك بلغة ركيكة، تفسح المجال للانتقاد. ولقد صيغ بنحو لن نوافق معه اطلاقاً، ماركس وأنا، في حال اقراره، على ان ننتسب الى الحزب الجديد، القائم على هذا الاساس، فنضطر الى التفكير جدياً بالموقف الذي نتخده منه (وعلناً ايضاً). حذ علماً انهم في الخارج، يجعلوننا نحن مسؤولين عن جميع اقوال واعمال حزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي الالماني. فهذا ما فعله باكونين مثلاً في مؤلفه "الدولة والفوضى" حيث جعلنا مسؤولين عن كل كلمة طائشة قالها او كتبها ليبكنخت منذ تأسيس صحيفة Demokratisches Wochenblatt ("الجريدة الاسبوعية الديموقراطية،")21. ان الناس يتصورون اننا نمسك من هنا بكل خيوط الحركة، في حين انك تعلم مثلي اننا لم نتدخل قط تقريباً في شؤون الحزب الداخلية، واننا اذا كنا تدخلنا، فقد كان ذلك لمجرد ان نصلح بقدر الامكان ما كنا نعتبره اخطاء، الاخطاء النظرية فقط. انك سترى بنفسك ان هذا البرنامج هو نقطة انعطاف قد تحملنا بكل سهولة على ان نرفع عن انفسنا كل مسؤولية عن الحزب الذي اقرّ هذا البرنامج.

ان البرنامج الرسمي لحزب من الاحزاب يتسم على وجه العموم، باهمية اقل مما تتسم به اعماله. ولكن البرنامج الجديد هو دائماً بمثابة راية ترفع امام انظار الجميع، وعلى اساسها يرى العالم الخارجي الى الحزب. ولذا ينبغي في مطلق للاحوال الا يكون البرنامج خطوة الى الوراء. اما مشروع البرنامج هذا فهو بالضبط خطوة الى الوراء بالنسبة لبرنامج ايزيناخ. وكان ينبغي التفكير فيما سيقوله عن هذا البرنامج عمال البلدان الاخرى وفي التأثير الذي سيحدثه استسلام البروليتاريا الاشتراكية الالمانية برمتها الاساليين.

وفضلا عن ذلك، انا مقتنع بأن توحيداً على مثل هذا الاساس لن يدوم سنة واحدة. فهل يقبل خيرة رجال حزبنا بأن يرردوا في خطبهم جمل لااسال حول قانون الاجور الحديدي ومساعدة الدولة، تلك الجمل التي حفظوها عن ظهر قلب ؟ اني اود لو اراك انت، مثلا، منصرفا الى هذا العمل ! واذا ما فعلوا ذلك، فان سامعيهم سيصفرون لهم. والحال، اني على ثقة بأن اللاساليين يصرون، بالدقة، على هذه النقاط من البرنامج كما كان المرابي شيلوك يصر على رطله من اللحم البشري. ان الانشقاق آت، ولكننا نكون قد جعلنا هاسلمان وهازينكليفر وتولكه ومن لف لفهم في اعداد "الشرفاء" من جديد ؛ وسنخرج من الانشقاق اضعف مما مضى ويخرج اللاساليون اقوى ؛ وسيفقد حزبنا نقاوته السياسية، ولن يستطيع ابداً ان يناضل بتفان ضد جمل لاسال، فانه لم يسهم فيه الا بمطالب الديموقراطية البرجوازية الصغيرة، التي وصفها هو بالذات في نفس البرنامج بأنها جزء من "الكتلة الرجعية".

لقد اجلت ارسال هذه الرسالة لك، لاني كنت اعلم انه لن يخلى سبيلك الا في ابريل، على شرف عيد ميلاد بيسمارك، ولم اشأ ان اجازف بها واعرّضها للمصادرة اثناء محاولة تهريبها لك. ولكني تلقيت للتو رسالة من براكهيعرب فيها، هو ايضاً، عن شكوكه الكبيرة بصدد البرنامج ويريد ان يعرف رأينا في الموضوع. وبقصد التعجيل، ارسل هذه الرسالة اليه، لكي يقرأها هو ولكي لا اضطر الى تكرير كل الحكاية. واضيف قائلاً اني كتبت صراحة ايضاً الى رامّ. اما ليبكنخت، فقد كتبت له بايجاز. واني لا استطيع ان اغفر له عدم كتابته لنا اية كلمة عن كل الحكاية قبل ان بفوت الاوان نوعاً (في حين ان رامّ وغيره كانوا يعتقدون انه ابلغنا). ولكن ليست تلك هي المرة الاولى التي يتصرف فيها على هذا النحو، والدليل على ذلك الرسائل العديدة المزعجة التي تبادلناها معه – ماركس وانا - غير انه تجاوز الحدود هذه المرة، وعليه فاننا نرفض السير معه في هذه الطريق رفضاً قاطعاً.

اما انت، فحاول ان تدبر الامور بصورة تستطيع معها المجيء الى هنا في هذا الصيف. وستحل، بالطبع، ضيفا عليّ، واذا ما سمح لنا الطقس، مضينا لقضاء بضعة ايام على شاطىء البحر، ولا شك انك ستستفيد من هذه الراحة بعد ان

 كارل ماركس و فريدريك انجلس  / الصفحة الرئيسية


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire