تقرير حول موجة الإحتجاجات الأخيرة على طول النقط الساخنة بالمغرب
احتقان ببوذنيب وبمداشر بالرشيدية وعصيان بثانوية بميدلت ومسيرات متواصلة بزايو، وعشرات الاحتجاجات التي لا تصل أخبارها، يخرجون بشكل جماعي تارة وفئوي تارة أخرى، سحنات الوجوه ينز منها القهر، والشعار واحد نطالب بالكرامة وتحسين الأوضاع، صبيحة أمس كان سكان بوذنيب، على الحدودالمغربية الجزائرية، بإقليم الرشيدية في حالة غليان بعد إيقاف ثلاثة من نشطاء جمعية مدنية، على خلفية الحركة الاحتجاجية التي نفذت في المنطقة بسبب أزمة توزيع قنينات الغاز.
السكان الذين خاضوا مظاهرة أمام مركز الدرك، احتجوا في الأصل على «البوطا»، لكنهم جاؤوا للاحتجاج على حصيلة معالجة المشكل الذي أجج غضبهم ودفعهم لقطع الطريق الوطنية بقنيناتهم الفارغة، هكذا تتحول مظاهر احتجاجات اجتماعية إلى مواجهات بفعل أعطاب التدبير والانصات لمعاناة أهالي مدن المغرب العميق، في أسبوع واحد هناك عشرات الوقفات، والحكمة البسيطة التي تفنى تقول «الوقاية خير من العلاج». «القضية مرنكا». لا حاجة لتفسير حمولة المفردتين في تخوم المغرب العميق، يتمثلون مضمونها في شرق البلاد، ويفهمونها جيدا في شمال وجنوب الشرق، ومعناها لمن يبعدون عن لسان مستعمليها، هو أن الوضعية صعبة بالتخفيف وكارثية بالجدية الكاملة، عشرات الجمعيات وآلاف السكان يخرجون للصدح بمعاناتهم في تخوم السهوب والهضاب، احتجاجات عادة ما تتحول في هذه المناطق إلى معركة الدفاع عن «النيف»، حيث تغيب أسباب الاحتجاج البسيطة لتبقى جمرة المواجهات تحرق الجميع.
زايو.. البؤرة الساخنة
بعد اشتعال كل من فكيك وبوعرفة، جاء الدور على زايو هذه المدينة الوديعة القريبة من الناظور تعيش علىإيقاع احتجاجات ومسيرات
فمنذ بداية سنة 2013 وبالضبط يوم الخميس 3 يناير، خاض شباب زايو ورجالاتها أولى غمار الاحتجاجات ليتحول الموعد إلى عادة كل مساء، تعددت الشعارات واختزلت صمتهم لسنين طويلة، والهدف هو الإصرار على تحقيق مطالبهم التي يحتجون من أجلها رغم أنهم يدركون جيدا أنها صعبة المنال والتحقيق.
غضب الأهالي بزايو لم تكن دوافعه اقتصادية أو اجتماعية هذه المرة ، بل هو مواجهة مع الجهاز الأمني بالمنطقة فكل مساء، يقفون قبالة مخفر للشرطة وينصبون ما يسموه ب «المحاكم الشعبية« لعناصر أمنية يتهمونها بالفساد، ويسمعون لشهادات حية لمن مورست ضدهم خروقات واعتداءات.
الحكاية انطلقت في تمام الساعة العاشرة صباحا من يوم السبت 2 مارس الجاري، عناصر أمنية بزي مدني على متن سيارة عادية، كانوا يترصدون أحد الشباب المعروفين بتزعمهم للاحتجاجات التي تشهده البلدة قبل شهرين، وبمحطة سيارات الأجرة الكبيرة التي تقل المسافرين في اتجاه المدن المجاورة كبركان والناظور ووجدة وقع الحدث.
في رمشة عين يتم اعتقال الشاب المذكور وتسير السيارة في اتجاه غير معلوم، ولأن المدن الصغيرة لا تغمض العين فيها فقد انتشر الخبر بسرعة متناهية ، وحكاية «الحاضر يخبر الغائب»، جعلت القضية في عمق «الرأي العام » بالبلدة.
بسرعة يجتمع الشباب ليبحثوا عن رد يقودهم إلى معرفة زميلهم، لتنطلق شعارات استرداد الكرامة من جهاز تحول إلى خصم، انطلقت التعبئة بين الساكنة، لينطلق مسلسل الاحتجاجات من جديد، كان أولها مسيرة احتجاجية سلمية في خطوة تضامنية مع الزميل الموقوف.
الوجهة كانت في اتجاه مفوضية الأمن والهدف المطالبة بإطلاق سراحه فورا، عناصر أمنية تابعة لقوات التدخل السريع ترد على الفور من خلال محاصرة المسيرة وتطويقها من كل جانب، والوسيلة، حسب المحتجين، إلى استعمال القوة لتفريق المتظاهرين لتنطلق الهراوات في وجه الجميع بما فيهم الصحافيون الذين جاؤوا لتغطية الحدث .
مسيرة ثاني مارس أفضت أيضا إلى اعتقال 6 زعماء آخرين للحراك الشعبي ليتم اقتيادهم نحو المقر الإقليمي لمدينة الناظور بغاية تعميق البحث معهم في انتظار إحالتهم على القضاء ليقول كلمته بخصوص التهم المنسوبة إليهم، ومن حينها تحولت المدينة إلى ما يشبه رضرابات مد الضف الغربية، في سلوك غريب يعمق يوما عن يوم هذا التوتر الذي توجد في قلبه الكثير من الاختلالات في الاحتجاج وفي المعالجة.
مشاكل بتالسينت
«اللي ما عندو همو تولدو معزتو» هي ذي الوصفة التي يعلق بها فاعلون يضعون أيديهم على قلوبهم كلما اشتعلت الحركات الاحتجاجية بهذه التخوم، والمقصود إن الدولة والحكومات التي عاشت المرارة في إطفاء الاحتجاجات ظلت تتماطل في حل مجموعة من المشاكل التي تغذي الصراعات، فمنذ سنة 1994 كانت جماعة بومريم مسرحا لصراع بين قبيلتين متجاورتين تاروا وتامسلمت حول أرض يدعي كل طرف أنها في ملكيته، وراح ضحية تلك المواجهات التي استعملت فيها الأسلحة البيضاء والهراوات عدد كبير من الجرحى.
السلطة المحلية التي فاجأتها هذه الصراعات رعت اجتمعا بين الطرفين بحضور رئيس الجماعة القروية آنذاك وبعض أعيان القبيلتين .وأسفر هذا اللقاء على تحرير محضر لترسيم الحدود بين القبيلتين،استمر هذا الوضع إلى حدود شهر يناير المنصرم حيث تم تجاوز الحدود والترامي على ملك الطرف الأخر لاستغلال الأرض في إطار عملية الحرث.
وبغض النظر عن مسؤولية هذا الطرف من ذاك، فقد تبين أن مهمة الدورلة الأولى في تحفيظ الأراضي وفك إشكالية تؤرق ساكنة المناطق الشرقية بدت واضحة في عودة النزاع من جديد، والمعطيات الواردة من المنطقة، حسب مصادرنا، تؤكد إن منطقة تامسلمت ظلت محاصرة من كل الجهات لأيام، وهو ما حال دون تنقل الساكنة من أجل التبضع من مدينة ميسور أو تالسينت، كما حرمت التلاميذ من التوجه إلى مدارسهم والالتحاق بمؤسساتهم، وهو وضع عمق من وضعية الحصار التي يعيشها السكان أصلا بسبب العزلة التي تعرفها المنطقة.
أهالي تالسينت الذين عاشوا فرحة وهم البترول انتقلوا للاحتجاج للدفاع عن حقوق كان من الممكن توفيرها منذ أكثر من عشرين سنة، لكن العارفين بالمنطقة يدركون أن الدم يسيل في هذه المناطق من أجل الأرض والماء، فهل هناك من يستخلص العبر؟.
تاوريرت وجرادة
لم يخب رماد الاحتجاجات الذي عاشته تاوريرت وجرادة لسنوات، ولم تهدأ هذه المدينة بشكل كامل، ففي كل أسبوع تسجل وقفات للتعبير عن سخط قطاعي يحرك الجمر في حضن الرماد، قبل أسبوع خاض أساتذة سد الخصاص بالمدينة وقفة احتجاجية صبيحة الثلاثاء 05 مارس الجاري كرد على ما وصفوه بـ«سياسة التماطل في صرف المستحقات المالية»، وكذا عدم التعامل بجدية مع ملفهم ألمطلبي، نظمت هذه الوقفة أمام قصر البلدية، واستمرت طيلة صبيحة اليوم المذكور وتحولت إلى قبلةلمختلف الشرائح الاجتماعية التي كانت تراقب ما يجري.
حاول أساتذة سد الخصاص مواصلة وقفتهم بتنظيم مسيرة سلمية باتجاه مقر النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية مرورا بالقرب من مقر العمالة، إلا أن فرقا من الأجهزة الأمنية التي كانت مدججة بالهراوات قامت بمحاصرتهم.
عمال آبار الفحم بجرادة لم يحركوا أصبعهم عن جرح المعاناة الذي ضرب هذه المدينة، وقلب حالها رأسا على عقب، من مدينة كانت تعيش حيوية بفعل نشاط صناعي ، قبل أن تستفيق على كساد مسخ وجهها، منذ سنوات انتقل نشاط مجموعة كبيرة من عمال المفاحم الذين تحولو إلى عاطلين إلى عمل فردي في استخراج كميات من الفحم في ظروف مذلة ومحفوفة المخاطر، وكل ما يطلبونه استمرار الوسطاء في إنعاش هذه الحرفة المتلاشية.
تخلي الإدارة المركزية للمركب الحراري عن التعامل مع الوسطاء بدعوى أن الفحم المستخرج بطريقة غير نظامية ممزوج بكمية كبيرة من التراب حسب تصريح المسؤولين عن المركب، مثل في نظر النقابيين خرقا لاتفاقية مع المسؤولين على المركب تلزمهم باقتناء الفحم الحجري، في معمعة هذا الجدل تسكن شرارة قد تعيد المدينة ري مربع التوتر الذي عاشته لسنوات .
النقابيون خاضوا وقفة احتجاجية إنذارية منتصف الشهر الماضي، وهددوا بصيغ احتجاجية أخرى لتصعيد الموقف في حال لم تستجب الإدارة لمطالب العمال المشروعة، حسب بيان للمجتمعين. 1500 من هؤلاء العمال يجاهدون للدفاع عن آخر منفذ لتنفس هواء العيش، وفي حال إغلاق الصنبور ستكون المدينة بالقرب من فوهة بركان.
هو غليان بالمعطيات والوقائع، متفرقات الاحتجاج موجودة، والحكمة التي يرددها عقلاء العمل الجمعوي والسياسة بهذه المناطق، هي التصدي للمشاكل التي لا تحتاج لأدنى مجهود، وفتح الحوار بالأسلوب الهادئ لحفظ كرامة المحتجين من القلب السليم، لأن مراكمة الأخطاء المتفرقة عادة ما تنتهي بفوضى المطلب والاحتجاج.
مداشر الريش
منذ أن عرت النضالات الحقوقية السجون السرية بالمغرب تعرف المغاربة على مناطق كتازمامرت وبوعزة والريش، وبعد أن عرت الثلوج والبرد القاتل عن معاناة الأهالي بالأطلس تعرفوا على أنفكو ونواحيها، وبعد أن جاء دور الفياضانات اطلع المغاربة على واقع مجموعة من المناطق المعزولة والمنسية بإقليم الرشدية، وأضحت مناطق كتونفيت وبويبلاضن وتاساوت والمداشر الممتدة على حوض ملوية تسكن ذاكرة المغاربة.
وحين تعرف الأهالي بهذه الجبال والسهوب أن هناك إمكانية للصراخ والاحتجاج على مرارة العيش، تدربوا على تنظيم الوقفات، واليوم تعرف هذه المناطق غليانا قد يظهر للعلن تارة، وقد تسري حرارته في صمت، لكن المعطيات المتواترة تؤكد وجود غليان على طول شريط المغرب العميق .
خلال هذا الأسبوع خرجَ المئاتُ من الأهالي بمجموعة من المداشر للاحتجاج آخرها كان ببلدة «كْرَّامَة»، ضواحيَ إقليم ميدلت، احتجاجاً على ما وصفوه ب «تردِّي الأوضاع الاجتماعية»، طالبوا في شعارات صدحت بها حناجرهم، وترجمتها لافتات برفعِ الهشاشةَ التي تلازمهم حياتهم.
تعلم الأهالي بفضل جمعيات تكاثرت أنهم يعيشون في عزلة مزمنة، وتمكنوا من معرفة أن جزءا من الثروات التي تحتضنها مناطقهم مستغلة عن بعد، تفاعلوا مع قصص الغاسول والحديد والزنك التي تستخرج لسنوات من مناطقهم دون أن تنعكس على حياتهم اليومية، فانتهوا إلى قناعة المطالبة بتوظيفَ ثروات المنطقة لأجل إحداث تنمية بها، تعالجَ واقعَ الفقر والحاجة، الذي يعيشهُ جل السكان.
«راحنا بدينا تنعياو من الاحتجاج» يقول موحى بندريس، هذا الفلاح الذي غزت التجاعيد ناصيته واكتسحت وجهه لم يتخلف عن كل الاحتجاجات التي نظمت بالمنطقة، الحماس الذي تملكه للمطالبة السلمية بتغيير الأوضاع، يعيش انتكاسة عميقة وهو يطوي لافتة بعد انتهاء الوقفة للتعبير عن درجة الاحتقان التي استبدت بالأهالي.
المطالب الاجتماعية التي تتحول فجأة إلى انتفاضة تبدو اليوم بسيطة، فهم يطالبون بتعبيد الطريق الجهويَّة رقم 708، الرابطة بين الريش وتالسينت، وكذا إتمام تعبيد الطريق الرابطة بيم مركز «كْرَّامة» وتيوزاكين، بحثا عن فكِّ العزلة عن دواوير؛ تيزي ويلالن، وأداشر، وتلالون، وإيسكني، وتاوسارت، وتاخليفات، وتاخنداست، وجميع المداشر التابعة لـ«كْرَّامَة»، و«الكير».
احتقان ببوذنيب وبمداشر بالرشيدية وعصيان بثانوية بميدلت ومسيرات متواصلة بزايو، وعشرات الاحتجاجات التي لا تصل أخبارها، يخرجون بشكل جماعي تارة وفئوي تارة أخرى، سحنات الوجوه ينز منها القهر، والشعار واحد نطالب بالكرامة وتحسين الأوضاع، صبيحة أمس كان سكان بوذنيب، على الحدودالمغربية الجزائرية، بإقليم الرشيدية في حالة غليان بعد إيقاف ثلاثة من نشطاء جمعية مدنية، على خلفية الحركة الاحتجاجية التي نفذت في المنطقة بسبب أزمة توزيع قنينات الغاز.
السكان الذين خاضوا مظاهرة أمام مركز الدرك، احتجوا في الأصل على «البوطا»، لكنهم جاؤوا للاحتجاج على حصيلة معالجة المشكل الذي أجج غضبهم ودفعهم لقطع الطريق الوطنية بقنيناتهم الفارغة، هكذا تتحول مظاهر احتجاجات اجتماعية إلى مواجهات بفعل أعطاب التدبير والانصات لمعاناة أهالي مدن المغرب العميق، في أسبوع واحد هناك عشرات الوقفات، والحكمة البسيطة التي تفنى تقول «الوقاية خير من العلاج». «القضية مرنكا». لا حاجة لتفسير حمولة المفردتين في تخوم المغرب العميق، يتمثلون مضمونها في شرق البلاد، ويفهمونها جيدا في شمال وجنوب الشرق، ومعناها لمن يبعدون عن لسان مستعمليها، هو أن الوضعية صعبة بالتخفيف وكارثية بالجدية الكاملة، عشرات الجمعيات وآلاف السكان يخرجون للصدح بمعاناتهم في تخوم السهوب والهضاب، احتجاجات عادة ما تتحول في هذه المناطق إلى معركة الدفاع عن «النيف»، حيث تغيب أسباب الاحتجاج البسيطة لتبقى جمرة المواجهات تحرق الجميع.
زايو.. البؤرة الساخنة
بعد اشتعال كل من فكيك وبوعرفة، جاء الدور على زايو هذه المدينة الوديعة القريبة من الناظور تعيش علىإيقاع احتجاجات ومسيرات
فمنذ بداية سنة 2013 وبالضبط يوم الخميس 3 يناير، خاض شباب زايو ورجالاتها أولى غمار الاحتجاجات ليتحول الموعد إلى عادة كل مساء، تعددت الشعارات واختزلت صمتهم لسنين طويلة، والهدف هو الإصرار على تحقيق مطالبهم التي يحتجون من أجلها رغم أنهم يدركون جيدا أنها صعبة المنال والتحقيق.
غضب الأهالي بزايو لم تكن دوافعه اقتصادية أو اجتماعية هذه المرة ، بل هو مواجهة مع الجهاز الأمني بالمنطقة فكل مساء، يقفون قبالة مخفر للشرطة وينصبون ما يسموه ب «المحاكم الشعبية« لعناصر أمنية يتهمونها بالفساد، ويسمعون لشهادات حية لمن مورست ضدهم خروقات واعتداءات.
الحكاية انطلقت في تمام الساعة العاشرة صباحا من يوم السبت 2 مارس الجاري، عناصر أمنية بزي مدني على متن سيارة عادية، كانوا يترصدون أحد الشباب المعروفين بتزعمهم للاحتجاجات التي تشهده البلدة قبل شهرين، وبمحطة سيارات الأجرة الكبيرة التي تقل المسافرين في اتجاه المدن المجاورة كبركان والناظور ووجدة وقع الحدث.
في رمشة عين يتم اعتقال الشاب المذكور وتسير السيارة في اتجاه غير معلوم، ولأن المدن الصغيرة لا تغمض العين فيها فقد انتشر الخبر بسرعة متناهية ، وحكاية «الحاضر يخبر الغائب»، جعلت القضية في عمق «الرأي العام » بالبلدة.
بسرعة يجتمع الشباب ليبحثوا عن رد يقودهم إلى معرفة زميلهم، لتنطلق شعارات استرداد الكرامة من جهاز تحول إلى خصم، انطلقت التعبئة بين الساكنة، لينطلق مسلسل الاحتجاجات من جديد، كان أولها مسيرة احتجاجية سلمية في خطوة تضامنية مع الزميل الموقوف.
الوجهة كانت في اتجاه مفوضية الأمن والهدف المطالبة بإطلاق سراحه فورا، عناصر أمنية تابعة لقوات التدخل السريع ترد على الفور من خلال محاصرة المسيرة وتطويقها من كل جانب، والوسيلة، حسب المحتجين، إلى استعمال القوة لتفريق المتظاهرين لتنطلق الهراوات في وجه الجميع بما فيهم الصحافيون الذين جاؤوا لتغطية الحدث .
مسيرة ثاني مارس أفضت أيضا إلى اعتقال 6 زعماء آخرين للحراك الشعبي ليتم اقتيادهم نحو المقر الإقليمي لمدينة الناظور بغاية تعميق البحث معهم في انتظار إحالتهم على القضاء ليقول كلمته بخصوص التهم المنسوبة إليهم، ومن حينها تحولت المدينة إلى ما يشبه رضرابات مد الضف الغربية، في سلوك غريب يعمق يوما عن يوم هذا التوتر الذي توجد في قلبه الكثير من الاختلالات في الاحتجاج وفي المعالجة.
مشاكل بتالسينت
«اللي ما عندو همو تولدو معزتو» هي ذي الوصفة التي يعلق بها فاعلون يضعون أيديهم على قلوبهم كلما اشتعلت الحركات الاحتجاجية بهذه التخوم، والمقصود إن الدولة والحكومات التي عاشت المرارة في إطفاء الاحتجاجات ظلت تتماطل في حل مجموعة من المشاكل التي تغذي الصراعات، فمنذ سنة 1994 كانت جماعة بومريم مسرحا لصراع بين قبيلتين متجاورتين تاروا وتامسلمت حول أرض يدعي كل طرف أنها في ملكيته، وراح ضحية تلك المواجهات التي استعملت فيها الأسلحة البيضاء والهراوات عدد كبير من الجرحى.
السلطة المحلية التي فاجأتها هذه الصراعات رعت اجتمعا بين الطرفين بحضور رئيس الجماعة القروية آنذاك وبعض أعيان القبيلتين .وأسفر هذا اللقاء على تحرير محضر لترسيم الحدود بين القبيلتين،استمر هذا الوضع إلى حدود شهر يناير المنصرم حيث تم تجاوز الحدود والترامي على ملك الطرف الأخر لاستغلال الأرض في إطار عملية الحرث.
وبغض النظر عن مسؤولية هذا الطرف من ذاك، فقد تبين أن مهمة الدورلة الأولى في تحفيظ الأراضي وفك إشكالية تؤرق ساكنة المناطق الشرقية بدت واضحة في عودة النزاع من جديد، والمعطيات الواردة من المنطقة، حسب مصادرنا، تؤكد إن منطقة تامسلمت ظلت محاصرة من كل الجهات لأيام، وهو ما حال دون تنقل الساكنة من أجل التبضع من مدينة ميسور أو تالسينت، كما حرمت التلاميذ من التوجه إلى مدارسهم والالتحاق بمؤسساتهم، وهو وضع عمق من وضعية الحصار التي يعيشها السكان أصلا بسبب العزلة التي تعرفها المنطقة.
أهالي تالسينت الذين عاشوا فرحة وهم البترول انتقلوا للاحتجاج للدفاع عن حقوق كان من الممكن توفيرها منذ أكثر من عشرين سنة، لكن العارفين بالمنطقة يدركون أن الدم يسيل في هذه المناطق من أجل الأرض والماء، فهل هناك من يستخلص العبر؟.
تاوريرت وجرادة
لم يخب رماد الاحتجاجات الذي عاشته تاوريرت وجرادة لسنوات، ولم تهدأ هذه المدينة بشكل كامل، ففي كل أسبوع تسجل وقفات للتعبير عن سخط قطاعي يحرك الجمر في حضن الرماد، قبل أسبوع خاض أساتذة سد الخصاص بالمدينة وقفة احتجاجية صبيحة الثلاثاء 05 مارس الجاري كرد على ما وصفوه بـ«سياسة التماطل في صرف المستحقات المالية»، وكذا عدم التعامل بجدية مع ملفهم ألمطلبي، نظمت هذه الوقفة أمام قصر البلدية، واستمرت طيلة صبيحة اليوم المذكور وتحولت إلى قبلةلمختلف الشرائح الاجتماعية التي كانت تراقب ما يجري.
حاول أساتذة سد الخصاص مواصلة وقفتهم بتنظيم مسيرة سلمية باتجاه مقر النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية مرورا بالقرب من مقر العمالة، إلا أن فرقا من الأجهزة الأمنية التي كانت مدججة بالهراوات قامت بمحاصرتهم.
عمال آبار الفحم بجرادة لم يحركوا أصبعهم عن جرح المعاناة الذي ضرب هذه المدينة، وقلب حالها رأسا على عقب، من مدينة كانت تعيش حيوية بفعل نشاط صناعي ، قبل أن تستفيق على كساد مسخ وجهها، منذ سنوات انتقل نشاط مجموعة كبيرة من عمال المفاحم الذين تحولو إلى عاطلين إلى عمل فردي في استخراج كميات من الفحم في ظروف مذلة ومحفوفة المخاطر، وكل ما يطلبونه استمرار الوسطاء في إنعاش هذه الحرفة المتلاشية.
تخلي الإدارة المركزية للمركب الحراري عن التعامل مع الوسطاء بدعوى أن الفحم المستخرج بطريقة غير نظامية ممزوج بكمية كبيرة من التراب حسب تصريح المسؤولين عن المركب، مثل في نظر النقابيين خرقا لاتفاقية مع المسؤولين على المركب تلزمهم باقتناء الفحم الحجري، في معمعة هذا الجدل تسكن شرارة قد تعيد المدينة ري مربع التوتر الذي عاشته لسنوات .
النقابيون خاضوا وقفة احتجاجية إنذارية منتصف الشهر الماضي، وهددوا بصيغ احتجاجية أخرى لتصعيد الموقف في حال لم تستجب الإدارة لمطالب العمال المشروعة، حسب بيان للمجتمعين. 1500 من هؤلاء العمال يجاهدون للدفاع عن آخر منفذ لتنفس هواء العيش، وفي حال إغلاق الصنبور ستكون المدينة بالقرب من فوهة بركان.
هو غليان بالمعطيات والوقائع، متفرقات الاحتجاج موجودة، والحكمة التي يرددها عقلاء العمل الجمعوي والسياسة بهذه المناطق، هي التصدي للمشاكل التي لا تحتاج لأدنى مجهود، وفتح الحوار بالأسلوب الهادئ لحفظ كرامة المحتجين من القلب السليم، لأن مراكمة الأخطاء المتفرقة عادة ما تنتهي بفوضى المطلب والاحتجاج.
مداشر الريش
منذ أن عرت النضالات الحقوقية السجون السرية بالمغرب تعرف المغاربة على مناطق كتازمامرت وبوعزة والريش، وبعد أن عرت الثلوج والبرد القاتل عن معاناة الأهالي بالأطلس تعرفوا على أنفكو ونواحيها، وبعد أن جاء دور الفياضانات اطلع المغاربة على واقع مجموعة من المناطق المعزولة والمنسية بإقليم الرشدية، وأضحت مناطق كتونفيت وبويبلاضن وتاساوت والمداشر الممتدة على حوض ملوية تسكن ذاكرة المغاربة.
وحين تعرف الأهالي بهذه الجبال والسهوب أن هناك إمكانية للصراخ والاحتجاج على مرارة العيش، تدربوا على تنظيم الوقفات، واليوم تعرف هذه المناطق غليانا قد يظهر للعلن تارة، وقد تسري حرارته في صمت، لكن المعطيات المتواترة تؤكد وجود غليان على طول شريط المغرب العميق .
خلال هذا الأسبوع خرجَ المئاتُ من الأهالي بمجموعة من المداشر للاحتجاج آخرها كان ببلدة «كْرَّامَة»، ضواحيَ إقليم ميدلت، احتجاجاً على ما وصفوه ب «تردِّي الأوضاع الاجتماعية»، طالبوا في شعارات صدحت بها حناجرهم، وترجمتها لافتات برفعِ الهشاشةَ التي تلازمهم حياتهم.
تعلم الأهالي بفضل جمعيات تكاثرت أنهم يعيشون في عزلة مزمنة، وتمكنوا من معرفة أن جزءا من الثروات التي تحتضنها مناطقهم مستغلة عن بعد، تفاعلوا مع قصص الغاسول والحديد والزنك التي تستخرج لسنوات من مناطقهم دون أن تنعكس على حياتهم اليومية، فانتهوا إلى قناعة المطالبة بتوظيفَ ثروات المنطقة لأجل إحداث تنمية بها، تعالجَ واقعَ الفقر والحاجة، الذي يعيشهُ جل السكان.
«راحنا بدينا تنعياو من الاحتجاج» يقول موحى بندريس، هذا الفلاح الذي غزت التجاعيد ناصيته واكتسحت وجهه لم يتخلف عن كل الاحتجاجات التي نظمت بالمنطقة، الحماس الذي تملكه للمطالبة السلمية بتغيير الأوضاع، يعيش انتكاسة عميقة وهو يطوي لافتة بعد انتهاء الوقفة للتعبير عن درجة الاحتقان التي استبدت بالأهالي.
المطالب الاجتماعية التي تتحول فجأة إلى انتفاضة تبدو اليوم بسيطة، فهم يطالبون بتعبيد الطريق الجهويَّة رقم 708، الرابطة بين الريش وتالسينت، وكذا إتمام تعبيد الطريق الرابطة بيم مركز «كْرَّامة» وتيوزاكين، بحثا عن فكِّ العزلة عن دواوير؛ تيزي ويلالن، وأداشر، وتلالون، وإيسكني، وتاوسارت، وتاخليفات، وتاخنداست، وجميع المداشر التابعة لـ«كْرَّامَة»، و«الكير».
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire