لقد ابتدأ المعمل الأوتوماتيكي عمله ببعض الأعمال الصغيرة التي كانت تحسب أعمالا إنسانية. لقد كان الأولاد يعملون تحت ضربات السوط، وجعل الأولاد مسألة مصلحة حتى أن المعامل أخذت تفتش عن الأيتام لتشغيلهم. وكانت كل القوانين المطبقة على تعليم المهن قد أعيدت لأنه – لنستعمل جملة برودون – لم يعد أحد بحاجة للعمال كنتيجة للفكرة Synthesis. وأخيرا من سنة 1825 أو ما بعدها كانت تقريبا كل الاختراعات الجديدة نتيحة لاصطدامات بين العامل ورب العمل، لأنه رب العمل كان يحاول مهما كلفه الأمر أن ينقص ويحقر مقدرة الاختصاص عند العامل، وبعد كل اضراب مهما كانت أهميته كانت تظهر آلة جديدة، وقليلا ما كان العامل يرى في الآلة نوعا من استعاضة عمله لكنه في القرن الثامن عشر وقف موقفا لسلطة الآلة.
يقول الدكتور أور « لقد اخترع هوايت الآلة التي تدور ... (وأصابع الغزل اخترعها اركرايت)... ولم تكن الصعوبة الوحيدة في اختراع الآلة لذاتها ... بل الصعوبة في تثقيف الناس ليستلموا عادات العمل غير المنظمة وأن تجعلهم يخضعون أنفسهم لنظام الآلة المتغير. ولوضع شريعة ناجحة لنظام المعمل (تناسب حاجيات ومتطلبات آداب المعمل) كان مشروع اركرايت ».
ونقول باختصار أن ادخال الآلة سبب نمو تقسيم العمل ضمن المجتمع، وسهل عمل العامل ضمن المعمل، وسبب تجمع رأس المال وسبب أيضا تقسيم الناس.
وعندما يريد برودون أن يكون اقتصاديا وأن يهمل لزمن ما « تطور الأفكار في فهم علاقة اللوائح » فإنه يتخذ أقواله من آدم سميث ولكي نشرح هذا جيدا علينا أن نقرأ هذه المقاطع من كتاب الدكتور أور ( كتابه « فلسفة الصناعيين » ).
« عندما كتب آدم سميث آراءه الإقتصادية الخالدة – وكانت الآلة الأوتوماتيكية تكاد أن تكون مجهولة – أعتـُبر تقسيم العمل المبدأ الأول لتحسين الصناعة وبرهن في مثاله عن صناعة الدبُّوس – كيف أن كل صاحب مهنة وهو قادر على أن يتمرن ليتخصص في نقطة واحدة يصبح عاملا أرخص وأسرع. ورأى في في كل فرع من فروع الصناعة أن بعض الأقسام – بناءاً على مثال صناعة الدبوس – سهلة مثل قطع دبابيس من الأسلاك بأطوال متناسبة وبعضها صعب مثل تشكيل وتثبيت الرؤوس (أي رؤوس الدبابيس) ! واستنتجَ أن لكل قسم من أقسام صناعة الدبوس يجب تعيين عامل ذي قيمة مناسبة، وهذه القيمة المناسبة تشكل جوهر تقسيم العمل.. ولكن الشيء الذي كان على أيام الدكتور سميث موضوعاً مهماً، لا يمكن أن يُعدَّ اليوم هاماً ؛ لكي لا نقود الشعب إلى الخطأ، ولكي لا يكون مبدءاً للصناعة. وفي الواقع أن التقسيم، أو بالأحرى تكييف العمل لذكاء الناس المختلف لا يفكر به المعمل. وعلى العكس عندما تحتاج عملية ما مهارة خاصة وثبات يد، فإن هذه العملية لا تطبق على العامل الماهر؛ لأن عملاً آخر لايناسبه يُعطى له، ويقوم بعمل ميكانيكي آخر يقوم به طفل صغير.
« إن مبدأ نهج المصنع هو – استبدال مهارة اليد بالعلم الميكانيكي – تفريق عملية لأقسامها الضرورية، بالنسبة لتقسيم وإعطاء درجات العمل للعمال والمهنيين. ففي أيام الصناعة اليدوية كان الإنتاج يكلف كثيراً، ولكن بالطريقة الأوتوماتيكية (أي الآلة) نجد أن المهارة في العمل تتفوق ويستعاض عنها بأناس ينظرون إلى الآلات فقط ولا يعملون شيئاً بأيديهم. »
« ونرى أنه كلما كان العامل ماهراً، ورغم أنه قادر على أن يبدع في عمله، فإنه لن ينفع شيئاً طالما أن الآلة هي التي تقوم بالعمل عنه، ولذلك فهو يسبب خسارةً لكل المصنع إن عمل بمهارته. فالشيء المهم بالنسبة للصناعة الحديثة هو– إتحاد رأس المال والعلم – تخفيف مهارة العمال. »
« وبالنسبة لإيجاد درجات العمل نجد أن الرجل عليه أن يخدم في مهنته سنين عديدة قبل أن تصبح يده أو عينه ماهرة لكي تقوم بالعمل الآلي، ولكن لدى تقسيم العمل إلى أعمال صغيرة جداً، أو لدى قيام الآلات بهذه الأعمال الصغيرة، نرى أنه لا يمكن تسليم هذه الآلة لشخص معتدل في مهارته ويمكن مدير العمل استبداله متى شاء.أن هذا لا يتفق مع مبدأ تقسيم العمل في الماضي؛ إذ كان يوضع رجل لتهيئة رأس الدبوس وآخر لتنعيمه، هذا العمل البسيط المزعج طول الحياة... ولكن لدى تساوي العمال كلهم بوجود آلات تعمل بذاتها، فإن فن الشخص ومهارته يجب أن تخضع لتمرين خاص يناسب عمل الآلة.. وبما أن العمل هو الوقوف على آلة منظمة بذاتها فإنه يقدر أن يستلم عمله بمدة قصيرة، وعندئذ ينتقل من العمل على آلة للعمل على آلة أخرى، فإنه يبدل عمله ويوسع آراءه لأنه يفكر بهذه الأقسام المختلفة تنتج عن عمله وعمل رفاقه العمال. إذاً لنتخلص من النظرة الضيقة التي وصفت بها تقسيم العمل أنها تضيق أقف العامل،إن هذه النظرة الضيقة لا توجد بعد في حالة التوزيع العادل للصناعة... »
« إن هدف تحسين كل صناعة حتى تتفوق على العمل البشري، أو لكي تنقص من قيمته ولكي يستعيض تحسين الصناعة بعمل الرجال عن عمل النساء والأولاد أو بالأستغناء عن عمل المهنيين... وهذا الميل الذي يهدف لخلق أولاد بعيون يقظة، وبأصابع ماهرة عوضاً عن عمال مياومة ولهم إختبارات كبيرة يظهر لنا كيف أن الصناعيين المتنورين لم يطبقوا نظرية تقسيم العمل بالنسبة لدرجات المهارة ».
يقول لومتني « إننا نُعجب ونُدهش عندما نرى بين الأقدمين شخصاً يميزه عن غيره بأنه فيلسوف، وشاعر، وخطيب، ومؤرخ، وكاهن، وإداري وقائد جيش من الدرجة الأولى. إن أرواحنا تتألم لمثل هذا الحكم. وكل واحد منا يحصر نفسه في دائرة صغيرة، ويطلق النار على نفسه، ولا أدري إن كان هذا العمل يوسع العلم أو ينقصه ».
والصفة التي نطلقها على تقسيم العمل في المصنع الأوتوماتيكي هي أن العمل هناك فقد صفته في الإختصاص. ولكن عندما يقف كل نمو خاص فالحاجة للتعليم والميل لوجود نمو جديد للفردية يقود الثورة. إن المصنع الأوتوماتيكي يقضي على الإختصاصيين والمهنيين المجانين.
إن برودون – وهو لم يفهم هذه الناحية الثورية في المصنع الأوتوماتيكي – يأخذ خطوة للوراء ويقترح على العامل أنه لا يقوم فقط بالقسم الثاني عشر من صناعة الدبوس، لكنه يجب أن يعمل كل الأقسام الثانية عشرة. والعامل عندئذ يصل إلى فهم وإدراك صناعة الدبوس. وهذه هي نتيجة فكرة برودون – ولا أحد يعارض أنه لدى القيام بحركة للأمام وحركة للوراء، يعني القيام بحركة نتيجة فكرة.
ولنقل خلاصة، نقول أن برودون لم يكن إلا بورجوازياً صغيراً مثاليا. ولكي يحقق مثاليته ما كان يفكر إلا أن يرجعنا إلى العامل اليومي، وإلى المهنيين الإختصاصيين في القرون الوسطى. هذا ما يقوله في مكان ما في كتابه أنه يكفي أن يخلق عملاً عظيما مرة في الحياة، وأنه يشعر أنه كان رجلا ولو مرة واحدة ! ليس هذا العمل العظيم هو الشيء الذي كانت تطلبه النقابات التجاريه في القرون الوسطى.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire