mardi 3 juillet 2012

أصول الفلسفة الماركسية (المنهج المتافيزيقي والمنهج الجدلي)


(المنهج المتافيزيقي والمنهج الجدلي)

أصول الفلسفة الماركسية

--------------------------
--

"المنهج الجدلي"


تنظر الجدلية إلى الأشياء والمعاني في ترابطها بعضها بالبعض وما يقوم

بينها من علاقة متبادلة، وتأثير كل منها في الآخر. وما ينتج عن ذلك من تغيير. كما تنظر إليها عند ولادتها ونموها وانحطاطها وهكذا تتعارض الجدلية في كل ناحية مع الميتافيزيقا. وليس ذلك لأن الجدلية لا تقبل أي سكون أو فصل بين مختلف جوانب الواقع بل هي ترى في السكون جانبا نسبيا من الواقع. بينما الحركة مطلقة. وهي تعتبر أيضًا أن كل فصل أو
تمييز هو نسبي لأن كل شيء يحدث في الواقع بطريقة أو أخرى وأن كل شيء يؤثر في الآخر.
وهكذا لما كانت الجدلية تهتم بالحركة في كل أشكالها وليس فقط بالتغيير
المكاني بل بت غييرات الحالات كتحول الماء السائل إلى بخار فإنها تفسر الحركة عن طريق نضال الأضداد. ذلك أهم قانون في الجدلية،
يقوم الميتافيزيقي بعزل الأضداد بعضها عن بعض، وينظر إليها على أنها
متنافرة بصورة منظمة. أما الجدلي فهو يكتشف بأنه لا يمكن أن يوجد بعضها دون البعض، وأن كل حركة وكل تحول إنما يفسره ما ينشأ بينها من نضال.
ولقد أشرنا إلى أن حياة الجسد هي نتيجة نضال مستمر بين قوى الحياة وقوى الموت، وأنها انتصار تنتزعه الحياة من براثن الموت.
إذ أن كل كائن عضوي هو في كل لحظة، ذاته وليس بذاته، فهو، في كل
لحظة. يتمثل مواد غريبة ويفرز مواد أخرى، تموت في كل لحظة، خلايا من
جسده بينما تتكون أخر ى. فإذا بماهية هذا الجسد تتجدد في مدة قصيرة، وقد حل محلها ذرات مادية أخرى، بمعنى أن كل كائن عضوي هو دائما ذاته وليس بذاته.
حتى إذا ما تأملنا الأشياء جيدا وجدنا أن قطبي التناقض لا يمكن الفصل
بينهما بالرغم من تناقضهما، وأن كلا منهما يتداخل في الآخر، وهكذا فأن السبب والنتيجة هما تصوران لا قيمة لهما ألا إذا طبقناهما على حالة معينة، حتى إذا ما اعتبرنا هذه الحالة المعينة في علاقتها بمجموع العالم انحلا في نظرتنا إلى التفاعل الشامل المتبادل حيث تتبدل الأسباب والنتائج باستمرار فيصبح ما كان نتيجة هنا سببا هناك وهكذا دواليك وهكذا شأن المجتمع أيضا. وسنرى بأن نضال الأضداد يظهر في المجتمع في صورة نضال الطبقات. كما أن نضال الأضداد يثير الفكر.

يعود الفضل إلى الفلاسفة اليونان في البدء بتكوين الجدلية. فقد تصوروا

الطبيعة ككل. وكان هرقليط يعلم الناس أن هذا الكل يتحول، فكان يقول لا ندخل قط في نفس النهر مرتين. كما يحتل نضال الأضداد عنده مكانة كبيرة ولا سيما عند أفلاطون الذي يشير إلى خصب هذا النضال، إذ أن الأضداد يولد كل منها الآخر ...وكلمة "الجدلية" مشتقة من الكلمة اليونانية " dia legein" وتعني "جادل" فهي تعبر عن صراع الأفكار المتناقضة.
ونجد عند أكبر مفكري العصر الحديث ولا سيما عند ديكار ت وسبينورزا
أمثلة رائعة على التفكير الجدلي. أعجب هيجل بالثورة البرجوازية التي أتنصرت في فرنسا وقضت على المجتمع الإقطاعي الذي خيل إليه أنه أبدي لا يزول، فإذا بهيجل يقوم بثورة مماثلة في الأفكار فينزل الميتافيزيقا وحقائقها الخالدة عن عرشها السامي، وإذا بالحقيقة، عنده، ليست مجموعة من المبادىء الجاهزة، بل هي عملية تاريخية، تبدأ بالمعرفة البدائية لتنتهي بالمعرفة السامية. وهي تتبع في ذلك حركة العلم نفسه الذي لا يتطور إلا إذا عمد إلى نقد نتائجه باستمرار،وتجاوز هذه النتائج. وهكذا نرى أن الدافع لكل تحول هو نضال الأضداد. ومع ذلك كان هيجل مثاليا، أي أن طبيعة التاريخ الإنساني، بالنسبة إليه لم تكن سوى تجلي الفكرة الأزلية وهكذا تظل جدلية هيجل جدلية روحية صرفة.
ولقد رأى ماركس، وكان زميلا لهيجل في أول الأمر، في الجدلية المنهج
العلمي الوحيد. غير أنه عرف أيضًا، كمادي، أن يعيد الجدلية إلى مكانها
الحقيقي. فرفض القول بالنظرة المثالية للعالم التي ترى في الكون المادي ثمرة للفكرة، وأدرك أ ن قوانين الجدلية هي قوانين العالم المادي، وأنه إذا كان الفكر جدليا فلأن الناس ليسوا غرباء في هذا العالم بل هم جزء منه.
كتب انجلز، وهو صديق مار كس ومساعده، يقول: "ليست الجدلية، عند هيجل التي تتجلى في الطبيعة والتاريخ في صورة ترابط التقدم السببي الذي نجده منذ البداية حتى النهاية خلال جميع الحركات المتعرجة الالتواءات الموقتة ليست هذه الجدلية سوى صورة لحركة الفكرة الذاتية التي تستمر منذ الأزل حيث لا ندري مستقلة عن كل ذهن إنساني مفكر. فكان لا بد من تجنب هذا الانقلاب الفكري فنظرنا إلى أفكار الذهن نظرة مادية على أنها انعكاس للأشياء بدلا من أن ننظر إلى الأشياء على أنها انعكاس لدرجة معينة من درجات الفكرة المطلقة...وهكذا أصبحت الجدلية معرفة قوانين الحركة العامة في العالم الخارجي أم في
التفكير الإنساني. وهما طائفتان من القوانين المتماثلة في الأصل المختلفة في الشكل بمعنى أن الذهن الإنساني يمكن أن يطبقها عن وعي وإدراك بينما هي لا تطبق في الطبيعة أو التاريخ الإنساني الا بصورة غير واعية في شكل الضرورة الخارجية وسط العديد من الصدف الظاهرة. فإذا بجدلية الفكر ليست سوى انعكاس بسيط واع لحركة العالم الحقيقي الجدلية. وإذا بجدلية هيجل ترفع رأسها فتقف على رجليها بعد أن كانت تقف على رأسها.
رفض ماركس أذن القشور المثالية في فلسفة هيجل واحتفظ "باللباب العقلي" أي احتفظ بالجدلية. وهو يقول ذلك بنفسه بوضوح في المقدمة الثانية لرأس المال :
"لا يختلف منهجي الجدلي في الأساس عن منهج هيجل فقط، بل هو نقيضه تماما. إذ يعتقد هيجل أن حركة الفكر التي يجسدها باسم الفكرة هي مبدعة الواقع الذي ليس هو سوى الصورة الظاهرية للفكرة. أما أنا فاعتقد على العكس، أن حركة الفكر ليست سوى انعكاس حركة الواقع وقد انتقلت إلى ذهن الإنسان "
كيف وصل ماركس وانجلز إلى هذا الانقلاب الخطير؟ نجد الجواب على ذلك
في مؤلفاتهما. إذ أن ازدهار علوم الطبيعة في القرن الثامن عشر وفي السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، هو الذي أدى بهما إلى القول بأن للجدلية أساسا موضوعيًا.
وكان للاكتشافات الثلاثة التالية أثر كبير في ذلك:
١) اكتشاف الخلية الحية التي تتطور عنها الأجسام المعقدة.
٢) اكتشاف تحول الطاقة من حرارة وكهرباء ومغناطيس وطاقة كيمائية،
الخ. في صور مختلفة نوعيا لحقيقة مادية واحدة.
٣) نظرية التطور عند داروين. فلقد أظهرت هذا النظرية اعتمادا على علم وعلم تربية الحيوان، أن جميع الكائنات الحية (paleontologie) الحفريات (ومنها الإنسان) هي ثمرات التطور الطبيعي
ولقد أوضحت هذه الاكتشافات، ك ما أوضحت جميع العلوم في ذلك العصر
(كفرضية كانت ولابلاس التي تفسر النظام الشمسي بأنه قد تولد من
أو نشوء علم طبقات الأرض (الجيولوجيا) الذي يعيد بناء تاريخ الكرة الأرضية، الطابع الجدلي في الطبيعة على أنها وحدة لكل شاسع. في
صيرورة دائمة. يتطور حسب قوانين ضرورية ولا يكف عن توليد المظاهر
الجديدة وما النوع الإنساني والمجتمع سوى لحظة من هذه الصيرورة الشاملة.
انتهى ماركس وانجلز إلى القول بأنه يجب الاستغناء عن المنهج الميتافيزيقي لفهم هذه الحقيقة الجدلية، ذلك المنهج الذي يقضي على وحدة العالم ويجمد حركته. فكان لا بد من منهج جدلي، وقد أعاد هيجل الاعتبار إلى هذا المنهج ولكن لم يستطيع اكتشاف الأسس الموضوعية له.
لم يأت، إذن، ماركس وانجلز بالمنهج الجدلي من الخارج بصورة اعتباطية،
بل استقياه من العلوم نفسها التي تتخذ الطبيعة موضوعا لها والطبيعة جدلية في ذاتها..ولهذا ظل كل من ماركس وانجلز، طيلة حياتهما على اتصال دائم بتقدم العلوم.. وقد ازداد المنهج الجدلي في دقته كلما ازدادت معرفة العالم اتساعا وعمقا:
كرس انجلز، بالاتفاق مع ماركس (الذي ألف رأس الما ل) سنوات طويلة لدراسة الفلسفة وعلوم الطبيعة دراسة دقيقة كما كتب عامي ١٨٧٧ ١٨٧٨ كتابه "ضد دورنج".
كان لا بد من أن يفوز المنهج الجدلي برضا عدد من العلماء الذين اعتنقوا
الماركسية. وأشهر هؤلاء في فرنسا الفيزيائي العظيم بول لانجفين الذي كان أيضا مواطنا كبيرا ووطنيا رائعا.
برهن المنهج الجدلي على خصبه عند ماركس وانجلز نفسيهما. فلقد حل كل من ماركس وانجلز، وكانا ثائرين ومفكرين في نفس الوقت، لأنهما كانا جدليين، المشكلة التي لم ينجح سابقوهما في وضعها. فلقد طبقا الجدلية المادية على التاريخ الإنساني فأسسا علم المجتمعات (الذي يقوم على فلسفة المادية التاريخية).
وبهذا وضعا الأساس العلمي للاشتراكية.ولهذا أعلنت البرجوازية، خدمة لمصلحتها الطبقية، الحرب على الجدلية لأن الجدلية فضيحة بالنسبة للطبقات المسيطرة ومفكريها، ولأن النظرة الموضوعية للأشياء الموجودة تتضمن أيضا ادراك زوال هذه الطبقات وفناءها الضروري لأن هذه الجدلية تدرك الحركة ولا يمكن لأي شيء أن يفرض عليها هذه الحركة
.إذ هي جدلية نقدية ثورية...ولهذا لجأت البرجوازية إلى الميتافيزيقا، وسوف نبرهن على ذلك.
--------------------------

" المنهج المتافيزيقي"


اشترينا زوجا من الأحذية الصفراء. وبعد مدة من الزمن تبلى فنصلحها ومع ذلك نقول بأننا نلبس أحذية صفراء دون أن ندرك أنها لم تعد نفس الأحذية التي اشتريناها سابقا ، ولكننا نهمل الإشارة إلى ما أصابها من تغيير فنعتبرها وكأنها لا تزال على حالها.

سيساعدنا هذا المثال على فهم ماهية المنهج الميتافيزيقي.
يعتبر مثل هذا المنهج، حسب قول انجلز، الأشياء "وكأنها تامة الصنع لا
تتغير، لا تتأثر بأسباب التغير"
ولنشر إلى أن كلمة "ميتافيزيقية" مشتقة من "ميتا" اليونانية وهي تعني "ما وراء" و "فيزيقيا" وهي تعني علم الطبيعة. وموضوع الميتافيزيقيا (ولا سيما عند ارسطو) هو دراسة الكائن الذي يوجد وراء الطبيعة. وبينما الطبيعة متغيرة، فأن الكائن الذي يوجد وراء الطبيعة ابدي لا يتغير. يسميه البعض المطلق، ويسميه الآخرون يهوة.. الخ.
ويعتقد الماديون، الذين لا يعتمدون على العلم فقط، أن هذا الكائن خيالي. ولما كان قدماء الأغريق لم يصلوا إلى تفسير الحركة فقد اضطر بعض فلاسفتهم أن يقيموا، وراء الطبيعة المتغيرة، مبدأ أبديا.
فإذا ما تحدثنا عن منهج ميتافيزيقي أردنا بذلك منهجا يجهل حقيقة الحركة والتغير. ولهذا كان عدم رؤيتي لتغير حذائي موقفا ميتافيزيقيا. تجهل الميتافيزيقيا الحركة وتقول بالسكون والتماثل وشعارها "لا جديد تحت الشمس". كما أن القول بأن الرأسمالية أبدية وأن مصائب الرأسمالية وعيوبها (من أفساد وأنانية وقسو ة) التي تولدها في الناس مخلدة ضرب من التفكير الميتافيزيقي. لأن الميتافيزيقي يتمثل في خاطره إنسانا أبديا لا يتغير..لماذا ؟ لأنه يفصل الإنسان عن بيئته وعن مجتمعه. فهو يقو ل: "يوجد من جهة الإنسان، ومن جهة ثانية المجتمع. فإذا ما قضينا على المجتمع الرأسمالي ليحل محله مجتمع اشتراكي ظل الإنسان مع ذلك إنسانا". نقع هنا على صفة ثانية من صفات الميتافيزيقيا: فهي تفصل بصورة اعتباطية بين ما هو في الواقع لا انفصال بينه. فالإنسان ثمرة لتاريخ المجتمعات. وهو ليس كذلك خارج المجتمع بل بتأثيره. وهكذا يفصل المنهج الميتافيزيقي ما هو متصل في الواقع. ويقوم بتصنيف جميع الأشياء تصنيفا نهائيا. فهو يقول مثلا: "السياسة من جهة والنقابة من جهة". ولا شك أن السياسة والنقابة شيئان، غير أن التجربة والحياة تبرهن لنا على أنه لا يمكن فصل السياسة عن النقابة، لأن ما يحدث في النقابة يؤثر في السياسة، كما أن النشاط السياسي (كالدولة، والأحزاب، والانتخابات) يؤثر في النقابة.
تؤدي هذه التجزئة بالميتافيزيقي إلى أن يفكر في كل مناسبة بهذا الشكل:
يكون الشيء هذا أو ذاك، فهو لا يمكنه أن يكون في نفس الوقت هذا أو ذاك"
مثال: ليست الديمقراطية هي الدكتاتورية، وليست الدكتاتورية هي الديمقراطية فالدولة إذن إما أ ن تكو ن ديمقراطية وأما أن تكون دكتاتورية. ولكن ما الذي تعلمنا أياه الحياة ؟ تعلمنا الحياة أن الدولة يمكن أن تكون، في نفس الوقت،دكتاتورية وديمقراطية. فالدولة البرجوازية، في الولايات المتحدة مثلا،ديمقراطية بالنسبة لأقلية من كبار الممولين الذين يتمتعون بجميع الحقوق وكل السلطات. وهي دكتاتورية بالنسبة للأغلبية الساحقة من أوساط الناس الذين لا يتمتعون إلا بحقوق وهمية.

ولما كان الميتافيزيقي يحدد الأشياء تحديدًا نهائيًا ويحرص على أن يعزلها

بعضها عن بعض، فأنه مضطر إلى أن يناقض بعضها بالبعض على أنها متنافرة لا يمكن التوحيد بينها. فهو يعتقد أنه لا يمكن أن يوجد متناقضان في نفس الوقت، فهو يقول إن الكائن إما أن يكون حيا وإما أن يكون ميتا، ولا يمكن أن يتصور أن كائنا ما يمكن أن يكون حيا وميتا في نفس الوقت. ومع ذلك تحل في الجسد الإنساني. في كل لحظة. خلايا جديدة محل الخلايا الميتة. وتقوم حياة الجسم على هذا النضال المستمر بين الأضداد.
يمتاز المنهج الميتافيزيقي إذن برفضه للتغير وفصله بين ما لا يمكن فصله
وإهماله للأضداد.
يمكننا أن نحس بالأخطار التي يمكن أن يؤدي إليها المنهج الميتافيزيقي في البحث عن الحقيقة والتأثير في العالم. لأن الميتافيزيقيا يفوتها جوهر الواقع الذي هو تغير مستمر وتحول دائم: فهي لا تريد أن ترى إلا جانبا واحدا من هذا الواقع الغني وأن ترد الكل إلى أحد أجزائه فترد الغابة بأكملها إلى إحدى شجراته ا. فهي لا تتخذ صورة الواقع كما تفعل الجدلية بل تريد أن تحمل الواقع الحي على أن يتخذ صورة قوالبها الميتة. وهي مهمة مصيرها إلى الفشل.
تروي خرافة يونانية قديمة مساوىء قاطع الطريق بروكست الذي كان يرقد
ضحاياه على سرير ضيق. فإذا كانت الضحية أضخم من السرير قطع رجليها،وإذا كانت ضئيلة مدد أعضاءها... وهكذا تفعل الميتافيزيقا بالوقائع غير أن الوقائع عنيدة لا تستسلم.

قبل أن نتعلم رسم الأشياء المتحركة يجب علينا أن نتعلم رسم الأشياء

الثابتة. وهذا هو شأن تاريخ الإنسانية. فلقد أدى لها المنهج الميتافيزيقي خدمات جلى حين لم يكن باستطاعتها تكوين منهج جدلي.
كان للمنهج القديم في البحث والتفكير، والذي يسميه هيجل المنهج
"الميتافيزيقي"، والذي كان يفضل دراسة الأشياء على أنها ثابتة والذي لا تزال بقاياه تراود العقول، كان لهذا المنهج ضرورته التاريخية. إذ كان يجب دراسة الأشياء به أولا، قبل دراسة ما يعتريه من تغيرات وتحولات كان يجب معرفة ماهية هذا الشيء أو ذاك قبل ملاحظة ما يعتريه من تحول. وكذلك كان شأن العلوم الطبيعية ولقد كانت الميتافيزيقا القديمة، التي كانت تعتبر الأشياء أبدية لا تتغير، ثمرة علم الطبيعة الذي كان يدرس الأشياء الميتة والحية على أنها لا تتغير...ولم يكن باستطاعة علم الطبيعة آنذاك أن يفعل غير ما فعل. إذ كان يجب معرفة الأنواع الحية، أولا، والتمييز بينها بعناية، وتصنيفها لمعرفة أن النبات ليس حيوانا وأن الحيوان ليس نباتا. كما كان يجب في علم الفيزياء فصل الحرارة عن النور والكثافة.. الخ، خوفا من الخلط بينها والتكرس لدراسة أبسط الظواهر.
وهكذا لم يستطع العلم، مدة طويلة من الزمن، تحليل الحركة، أيام جاليلي وديكارت بل أكتفى بأبسط صور الحركة وهي تغيير المكان.
غير أن تقدم العلوم حمل العلماء على الخروج عن نطاق الميتافيزيقا الضيق..حتى إذا ما تقدمت دراسة الطبيعة وأمكن الانتقال لدراسة التغييرات التي تخضع لها الأشياء ضمن الطبيعة بصورة منظمة أزفت ساعة أفول الميتافيزيقا القديمة.
------------------------
--

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire