samedi 18 février 2017
تحليل حول حركة 20 فبراير
يوم 18 دجنبر 2011، أصدرت الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان بيان تعلن فيه "توقيف انخراط" شبابها في حركة 20فبراي
إن البيان المشار إليه أعلاه والطريقة التي كتب بها، وما حمله من تناقضات، وتوقيته، طرح الكثير من الأسئلة بين شباب حركة عشرين فبراير وبين المتتبعين، بل وحتى بين قواعد الجماعة الذين سقط عليهم القرار كصاعقة من سماء صافية.
في البداية يجب أن نوضح أن قرار جماعة ياسين الانسحاب من الحركة، لا يعنينا بشكل مباشر، كماركسيين، لأنه يخص تنظيما رجعيا معبرا عن الطبقة السائدة، تيار معادي للتقدم ومدافع شرس عن الملكية الخاصة والتبعية، وليس بالمطلق تيارا تقدميا ولا ديمقراطيا، كما أننا نعتبر أن انتمائه إلى الحركة في البداية كان مجرد تعبير عن طفولتها (الحركة) وأزمتها وتخلف وعيها... إن انسحاب جماعة ياسين من الحركة يشكل، من وجهة نظر الماركسيين، محطة نوعية في سيرورة تطور الحركة النضالية، ونقطة تحول هامة في مستوى وعي شباب الحركة في طريق تخلصهم من أوهامهم حول التيارات الأصولية، وهو ما يجب على اليسار أن يفهمه ويقدم الإجابات الضرورية لاستثماره من أجل تطوير الحركة وتعميق انغراسه في صفوف الجماهير بما يؤهله لإنجاز مهامه التاريخية.
لكن وبالنظر إلى الأسئلة الكثيرة التي خلقها بين شباب الحركة، الذين ينتظرون إجابات شافية، فإنه يتطلب منا الإسهام في توضيح الأمور، وفق ما تسمح به المعطيات المتوفرة، وهي المهمة التي نعتبرها جزءا أصيلا من مهمتنا داخل الحركة.
"مبررات" العدل والإحسان للخروج من الحركة
لم تقدم العدل والإحسان مبررات واضحة لخروجها من الحركة، لأنه ليست لديهم مبررات موضوعية يمكنهم من خلالها إقناع من راهن عليهم من الشباب والجماهير، وصدق الشعارات الديماغوجية التي زعموا أنها سبب انتماءهم إلى الحركة والدفاع عنها داخل الحركة ومع الحركة، أي: «[...] تحرير المغرب من قبضة الاستبداد ومن أجل بناء مغرب حر يسع جميع أبنائه بدون إقصاء ولا هيمنة، مغرب يدبر اختلافاته على أرضية الديمقراطية وسيادة الشعب». فلا تحرير المغرب من قبضة الاستبداد تحقق، ولا ديمقراطية ولا سيادة الشعب، كما أن كل المطالب الملحة التي دفعت بالجماهير إلى الخروج إلى الشارع، من بطالة وفقر وتشرد الخ، لم تجد حلا لها في أرض الواقع.
إن ما فبركته العدل والإحسان من "مبررات" لتغطية الأسباب الحقيقة لانسحابها هو قول البيان إن الحركة:
«حفلت بمن جعل كل همه كبح جماح الشباب، أو بث الإشاعات وتسميم الأجواء، أو الإصرار على فرض سقف معين لهذا الحراك وتسييجه بالاشتراطات التي تخرجه من دور الضغط في اتجاه التغيير الحقيقي إلى عامل تنفيس عن الغضب الشعبي [...]»
وهي المبررات التي لا يمكنها أن تقنع ولو طفلا صغيرا، إذ كيف يمكن لمن يرفض "كبح جماح الشباب" و"فرض سقف معين لهذا الحراك" أن يغادر الحركة ويفضل الانسحاب من الشارع؟ كان الأحرى لو أن هذا هو السبب حقيقي أن تصر جماعة الشيخ على البقاء في الشارع وتصعيد النضال بأشكال أكثر جذرية، وتطرح له سقفا أكثر علوا. لكن شيئا من هذا لم يحدث، مما يوضح أن هذا المبرر مجرد لغو لا طائل من وراءه إلا التغطية على الانسحاب والمهادنة بدخان من التجذر اللفظي الكاذب، موجه للاستهلاك الداخلي بين قواعدها الذين يتشكلون هم أيضا من شباب عاطلين وفقراء وكادحين.
وفي نفس سياق مبررات الانسحاب، أضاف البيان أنه يوجد داخل الحركة من يحاول: «صبغ هذا الحراك بلون إيديولوجي أو سياسي ضدا على هوية الشعب المغربي المسلم في تناقض واضح مع ما يميز حركة الشارع في كل الدول العربية». مما يشكل تكرارا ممجوجا لنفس الاتهامات ضد اليسار التي طالما استعملها النظام وأبواقه ضد الحركة، وخاصة منهم الفيزازي والمغراوي والعدالة والتنمية، أي: نشر الإلحاد و"الشذوذ"، الخ.
ولإعطاء الدليل على المزيد من الالتباس والتناقض، سارع كاتبوا البيان إلى القول بأن قرار الانسحاب من حركة 20 فبراير
«غير موجه ضد أحد غير الاستبداد ومن يدور في فلكه الذي كان وسيظل في نظرنا المعضلة الجوهرية في البلد، وهو المعني الأول بهذا القرار الذي يقول له بأننا لن نكون أداة أو عامل تسكين أو جزءا من ديكور يؤثث الديمقراطية الوهمية المزيفة». ؟؟؟؟
أما لماذا لا يكون الانسحاب موجها ضد من يحاولون صبغ الحراك بلون إيديولوجي وهم السبب في لجوء الجماعة إليه، وكيف يمكن أن يكون الانسحاب من الشارع موجها ضد الاستبداد، فهي أسرار لا يعرفها إلا كاتبو البيان.
ويضيف البيان إن انسحاب شباب الجماعة من الحركة يأتي وهم ما يزالون:
«مقتنعين بمشروعية مطالبها وبحق الشعب في الاحتجاج السلمي بمختلف أشكاله، [وسيبقون] داعمين لجهود كل قوى التغيير ومساهمين في التصدي لكل من يستهدفها ويضيق عليها».
مما يجعلنا نستشف مسألتين: الأولى هي أن الجماعة تحاول الحفاظ على لحمتها بقول الشيء ونقيضه، بين جناح الشباب والكادحين المتضررين فعلا من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة ولديهم مصلحة فعلية في مواصلة النضال، والذين أوقعهم سوء حظهم وضعف اليسار في قبضة الجماعة وأمثالها من التنظيمات البرجوازية الأخرى، وبين جناح القيادة التي "تورطت" في مساومات معينة استلزمت منها التخلي عن الخروج إلى الشارع لصالح ما أسماه البيان: "الوسائل المشروعة".
والثانية: هي رغبتها في ترك الباب مواربا، حتى تعود متى رغبت للركوب على الأحداث، وهذا تكتيك ليس غريب عن الإسلاميين، إذ أن جماعة الإخوان المسلمين محترفة في هذا التكتيك، فبالرغم من عدم مشاركتها في بداية الثورة المصرية، إلا أنها تشارك في بعض الأحداث وتنسحب من الأخرى، والهدف الأساسي الذي يقيمون به مشاركتهم في الأحداث من عدمه هو إمكانية استفادتهم من المقاعد البرلمانية والمناصب الحكومية.
قبل أن نسترسل في النقاش لا بد أن نفتح قوسا بخصوص الموقف الحقيقي للجماعة من حركة عشرين فبراير، لأنه هو المحدد في آخر المطاف لموقفهم من الانتماء إليها والانسحاب منها. وقد سبق لنا أن شرحنا موقفهم بالتفصيل في مقال سابق (أنظر: المغرب: هل "العدل والإحسان" تيار مناضل من أجل الديمقراطية؟).
إن قراءة مواقف العدل والإحسان الحقيقية المثبتة في كتابات صاحبها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك في أن العدل والإحسان تنظيم رجعي بالمطلق لا يتقاسم مع الحركة أيا من مطالبها الحقيقية، فلا هو تنظيم يعادي الاستبداد أو الحكم الفردي مبدئيا، كما يمكننا أن نرى بوضوح في مواقف شيخهم، ياسين، الذي يقول، في كتابه "الإسلاميون والحكم"، على سبيل المثال،
«من الإسلاميين من يتصور أنّ على الأمير أن يشاور ولا يتعدَّى الشورى قيد أُنملة. معنى هذا الشللُ التامُّ العامَّ. ومنهم من يأنَف من مسألـة الطاعة وكأنه يرى في كل حبل مفتول أفعى قاتلة لطول ما عانينا من الاستبداد».
وهكذا فليست الديمقراطية وحدها المرفوضة، بل حتى الشورى الملزمة للحاكم، باعتبارها سببا للشلل التام، والبديل طبعا هو الطاعة.
ولا هو تنظيم معاد للبيعة بشكل مبدئي، حيث يقول ياسين في هذا الصدد:
«البيعة من خصائص الحكم الإسلامي. هي عقدٌ يُلْزِمُ ذمة الأمير والمأمور، ويحدد مسؤولية الجانبين، ويوضح اختصاصات الحاكم وواجبـه، ويَحسم في مسألة أساسية من مسائل الحكم لا تزال الديمقراطية تتناولها بالتجربة والخطإ : هي مسألة القيادة».
ولا هو تنظيم ديمقراطي، ولا مشروعه الذي يطمح إليه مشروع ديمقراطي، لأن الديمقراطية من وجهة نظر شيخ التنظيم:
«[...] عقلنة للحكم، وحكمة إنسانية، وزبدةُ تجربة، وما شئت من فضائل حقيقية أو وهمية. كنا نبحث، ونحن في الحوار والمطارحة النظرية، عن عيوب الديمقراطية لولا أن مأخذنا عليها الجوهري ليس من كونها عقلنة للحكم في حاجة لاستكمال، وحكمة إنسانية تشينها الأخطاء اللازمة لكل اجتهاد بشري، وزبدة تجربة جرت وقائعها في مناخ اجتماعي تاريخي غير مجتمعنا وتاريخنا، فهي لذلك نبتة غريبة، أنّى لها أن تستنبت في أرض غير أرضها»
وهي «ترقيعٌ هو من أصله اقتراح ديمقراطية في بلاد المسلمين، والتنادي إلى تخليق هذه الديمقراطية الغريبة، عن وطنها وعن شروط حياتها ترقيع على ترقيع. غريبةٌ هي وغريبٌ مشروع تخليقها المقترحُ في ديارنا».
، السبب الحقيقي لكل المآسي من استغلال وبطالة وحروب وفقر، الخ. وحتى عندما يحاول أن يوهم العمال والكادحين بأنه يرفض الرأسمالية، تحت مسمى "اقتصاد إسلامي" مزعوم، لا يلبث أن يؤكد:
«إن رفض الرأسمالية لا يعني رفض وجود رؤوس أموال حرة، بل يعني رفض الأمراض الأنانية التي تطرأ على الفطر فتجمح بها. وإن رفض الرأسمالية لا يعني رفض المبادرة الحرة الشخصية أو الجماعية في شركات، إنما يعني إبعاد التضامنات الاحتكارية، ورفع الأسعار التعسفي، وطلب الربح المادي على حساب المصلحة الاجتماعية، واستعباد العامل الأجير واستغلاله».(عبد السلام ياسين:في الاقتصاد )
إنه لا يرفض في الرأسمالية إلا تمظهراتها بينما أسسها التي هي: الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ورؤس الأموال الحرة، الخ. فإنه يعتبرها أساس الاقتصاد الذي يدافع عنه ويسعى إلى حمايته، ضد الاشتراكية التي يدعي كذبا أنها بإلغائها للملكية الخاصة ستؤدي إلى القضاء "على الاقتصاد وتحكم عليه بالفشل". فيعمل على تقديم علاج أخلاقي طوباوي لتمظهرات المرض، مع الدفاع عن جذوره التي هي امتلاك وسائل الإنتاج من آلات ومناجم وأراضي من طرف طبقة تمثل أقلية في المجتمع، بينما تحرم الأغلبية إلا من البؤس.
كما أنه من المعلوم عنه انه ليس تنظيما معاديا حقا للتبعية للإمبريالية (الأمريكية منها على وجه الخصوص). وبالتالي فمن الطبيعي أنه عدو لدود لحركة عشرين فبراير ولم يكن التحاقه بها إلا لكي يستغلها لأهداف تكتيكية والحرص على عدم اتجاهها في مسارات ثورية تضرب مصلحة الطبقة السائدة، طبقة الرأسماليين الكبار، التي يعبر عن مصالحها.
بالرغم من الصدمة التي خلقها، لشباب الحركة ولعموم المتتبعين، انسحاب الجماعة من الحركة في هذا التوقيت بالضبط، فإننا، نحن الماركسيون داخل الحركة، حتى وإن كنا لا نعلم بدقة توقيت انسحابهم، فإننا كنا نعرف أن جماعة ياسين لم تنتم إلى الحركة إلا من أجل الركوب عليها واستغلالها وفق تكتيكين اثنين، إما أن تؤدي الحركة إلى إسقاط شكل حكم محمد السادس فيستغلون الفرصة للوصول إلى الحكم، وإما أن تخلق لهم شروطا تفاوضية ملائمة للحصول على الشرعية، وهذا ما كنا قد عبرنا عنه في مقالنا الذي سبقت الإشارة إليه، حيث أوضحنا أن:
«العدل والإحسان تمتلك سيناريوهات متعددة لإمكانية تطور الحركة الحالية وعلى أساس تلك السيناريوهات تبني تكتيكاتها. فإذا ما تمكنت الحركة من الانتصار وإسقاط شكل حكم محمد السادس فإنها سوف تطرح نفسها بديلا يحمي النظام القائم، ومصالح البرجوازية والإمبريالية. إما لوحدها (التجربة الإيرانية) - وهذا مستبعد ربما - أو بتحالف مع جزء من العائلة المالكة (الأمير هشام مثلا) أو مع الجيش (بالأصح قادته). أما إذا لم يتحقق هذا السيناريو ولم تتمكن الحركة سوى من إنهاك النظام القائم وخلخلة موازين القوى فإن تكتيك العدل والإحسان سيكون هو الاستفادة من تلك الموازين لتشكيل حزب سياسي وفق شروط أخف من هاته التي يفرضها عليها النظام في الوقت الحالي.
ويبدو أن العدل والإحسان قد وصلت إلى هذه القناعة الثانية، أي الاستفادة من موازين القوى القائمة، بدل الرهان على الحركة لإسقاط حكم محمد السادس، وهذا ما يتضح من تصريح أرسلان، لموقع كود الالكتروني، إذ يقول:
«». (التشديد من عندنا)
وهكذا فإن أرسلان يقدم جانبا من أسباب انسحابهم من الحركة ألا وهو "استنفاذها لصلاحيتها" بالنسبة إليهم، وبطبيعة الحال لا يعني "استنفاذها للصلاحية" كونها حققت مطالبها في الديمقراطية والعدالة والكرامة والقضاء على الاستبداد، بل كونها أوصلتهم إلى موقع ملائم لينطلقوا إلى "فضاء آخر": فضاء الشرعية واستعمال "وسائل أخرى أكثر نجاعة للتدافع ومحاولة انتزاع المكاسب"، أي وسيلة الحزب السياسي والانتخابات.
إن نجاح العدالة والتنمية في الانتخابات، دون أن يحدث ذلك أي رد فعل ضدهم، مشابه لرد الفعل الذي كان ضد نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ، في بداية التسعينات، والانتصار الذي حققته النهضة ومشاركة السلفيين في الانتخابات (الحرام شرعا من وجهة نظرهم) إلى جانب الإخوان المسلمين واكتساحهم للمقاعد، كل هذا بمباركة القوى الامبريالية (الأمريكية، الفرنسية، البريطانية الخ) التي سارعت جميعها إلى تهنئة الفائزين وعبرت عن استعدادها "للتعاون" معهم، كل هذه المعطيات جعلت لعاب العدل والإحسان يسيل بشدة، إذ أن السؤال الذي يطرح الآن داخلهم بين تيار لا بأس به هو: "لم لا؟"، "وحتى متى سنبقى في الهامش". وكما سبق لنا أن أشرنا :
«إن تشكيل حزب سياسي، بدون الشروط الصعبة والمذلة التي يفرضها عليها الآن النظام القائم كان دائما حلما يراود جماعة ياسين، وهو ما أكده فتح الله أرسلان، في نفس اللقاء [مع] المسؤولين في السفارة الأمريكية حيث قال إن جماعته: "طلبت سنة 1981 من الحكومة المغربية التحول إلى حزب سياسي، لكن السلطات المغربية رفضت ذلك".»
وفي سياق تحديد المصدر الذي قدم للجماعة الضمانات الكافية لكي تتخلى بهذه الطريقة المضحكة وبذلك البيان الركيك عن "مشاركة" شبابها في الحركة. نجد بعض ملامح الإجابة في تصريح عبد الله بوانو، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية والنائب البرلماني عن الحزب ذاته، لهسبريس، أن قرار جماعة العدل والإحسان، توقيف المشاركة في حركة "20 فبراير"، تحية خاصة من الجماعة لحكومة العدالة والتنمية. وأضاف قائلا: "أعتقد أن هذه مناسبة لدخول الجماعة المعترك السياسي".
إلا أن حزب العدالة والتنمية كما يقول أحد نشطاء حركة 20 فبراير، بموقع طنجة، السيد محمد المساوي في مقاله "المسكوت عنه في قرار انسحاب -العدل والإحسان- من حركة 20 فبراير":
«لا يمكن له أن يحمل الجماعة على اتخاذ مثل هذا القرار، نعم قد تكون هناك مفاوضات في الكواليس مع بنكيران، لكن لابد من ضمانات حقيقية فبنكيران ليس ضمانة حتى لنفسه، وهذا ما يشير إليه البيان».
وفي هذا المقال الذي يبتدأ بسؤال عميق مفاده: هل فعلتها السفارة الأمريكية؟ يمضي في شرح موقفه قائلا:
«من خلال قراءتي أستبعد ذلك [المساومة بين العدل والإحسان والعدالة والتنمية] وأظن أن الضمانة الوحيدة التي قد تجعل الجماعة تقبل الخضوع لترتيبات الكواليس هي ما قدمته السفارة الأمريكية لمسئولي الدائرة السياسية في الجماعة خلال الخمسة أشهر الماضية»
خصوصا أن السفارة الأمريكية عقدت العديد من اللقاءات مع جماعة العدل والإحسان، وهذا ما اعترف به السفير الأمريكي بالرباط صامويل كابلان لجريدة ليكونوميست، حيث اعتبر أن هذه اللقاءات كان الهدف من وراءها تقصي واستطلاع الطرق التي تفكر بها الجهات المعارضة للسلطة بالمغرب، ولو أنه استدرك قائلا إن هذه اللقاءات تتم بعلم وزارة الخارجية المغربية، التي يتم موافاتها بكافة التفاصيل قبل الاجتماعات، وهو الشيء الذي يوحي بأن السفارة كانت تقوم بدور الوسيط بين الجماعة والنظام المغربي.
أضف إلى هذا أن النقطة الثامنة في بيان الجماعة والتي تقول:
«8- دعوتنا إلى الكف عن دعم أنظمة التسلط التي تتصدى لحق الشعوب في الحرية والكرامة والعدل، فالآليات الديمقراطية كل لا يتجزأ، ».
تسير في نفس الاتجاه، اتجاه الاستقواء بالإمبريالية وطلب عونها في تمكين الجماعة من موقع يليق بما تقدمه من ضمانات لحماية النظام، ويأخذ بالاعتبار عدد رؤوس البشر التي تمتلكها.
وعليه فإننا لا نستبعد مطلقا أن تكون الإمبريالية الأمريكية، التي تربطها بالعدل والإحسان علاقات طيبة ووثيقة، عرابة هذا الاتفاق وراعيته، (بمساعدة أخوية من جماعة بنكيران ومستشاري الملك، ربما) خاصة إذا عرفنا أن موقف الأمريكان من الجماعة هو: «إن قبول الجماعة بالنظام الملكي، ، لكنه سيقوي تأثير الإسلاميين في الحياة السياسية المغربية». (انظر مقالنا المشار إليه أعلاه)، بل هو الاحتمال الغالب والذي يقدم تفسيرا لذلك الغموض الذي يلف المسألة.
نعيد التأكيد مرة أخرى أننا، نحن الماركسيون داخل الحركة، نعتبر أن انسحاب العدل والإحسان محطة نوعية في مسار تطور الحركة وتخلصها من أصدقائها المزيفين، سواء اللبراليين أو الأصوليين. إنها فرصة تاريخية لتطور وعي الجماهير الكادحة المشاركة في الحركة والشباب، ستفتح بدون أي شك فرصة عظيمة لليسار لكي ينغرس في صفوف الكادحين ويكسب من بينهم قادة التغيير الاشتراكي للمغرب.
إنها فرصة تاريخية لليسار الثوري أن يشرح للجماهير طبيعة هذه التيارات والموقع الطبقي الذي تدافع عنه وعلاقاتها بالرأسمالية والاستبداد والإمبريالية. ليس فقط من خلال الأدلة الملموسة في المغرب وحده بل أيضا من خلال الأمثلة التي تقدمها لنا الثورات المصرية والتونسية والليبية، حيث يلعب الأصوليون دور رأس رمح الثورة المضادة، وكلاب حراسة مصالح الرأسمال المحلي والإمبريالي. ي.
من المحتمل جدا أن يصاب العديد من شباب الحركة، الذي لا يمتلك تكوينا سياسيا مسبقا، بالإحباط والصدمة؛ وقد تعرف الحركة في أول خروج لها بعد الانسحاب تراجعا نسبيا في عدد المتظاهرين، ليس لأن العدل والإحسان كانت توفر كما كبيرا للحركة، فهي بالعكس كانت تكتفي بإرسال تمثيلية هزيلة إلا فيما ندر، بل لأن دعايتها ستنظاف إلى دعاية الأعداء السابقين للحركة، وستكرر نفس مصطلحاتهم من "شذوذ" وإلحاد وما إلى ذلك، ولأن الجماهير ما تزال تتسائل ماذا حصل؟ إلا أن كل هذا الوضع مؤقت بطبيعته. فالمطالب الملحة التي خرجت على أساسها الجماهير إلى الشارع لن يخف منها انسحاب العدل والإحسان ولا تعبئتها المسممة ولا افتراءاتها. وسرعان ما سوف يستوعب الشباب والجماهير الدرس، وينطلقون إلى النضال مجددا.
في هذه الأثناء على اليسار الحقيقي أن يتحمل مسؤوليته التاريخية في البقاء في الشارع وطرح برامج واضحة تبين للجماهير الحل لمشاكلها.
على اليسار الحقيقي أن يستعد لتقديم كل التضحيات، مثلما هو حاله دائما، ويعبئ قواه من أجل المزيد من الانغراس في الأحياء العمالية والمعامل والجامعات والثانويات والبوادي، ويستنهض الجماهير الكادحة للنضال الثوري الذي سيدك نظام الاستغلال والاستبداد والاضطهاد.
على اليسار أن يعيد إحياء تكتيك الجبهة الموحدة، القائم على الضرب معا، والالتقاء على مطالب ديمقراطية واقتصادية معينة والعمل على تعبئة الجماهير حولها ومن أجلها.
ثم على النقابات العمالية أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في هذه اللحظة الدقيقة للدفاع عن العمال والفلاحين الفقراء وأبنائهم العاطلون والطلاب الخ. وعلى القوى اليسارية داخلها أن تناضل من أجل استعادة هذه التنظيمات لتعود أسلحة في يد الطبقة العاملة وليس وسائل للمساومة وتلجيم النضالات.
ونحن في رابطة العمل الشيوعي إذ ندعو إلى هذا نؤكد على استمرارنا في كل مواقع النضال وإلى جانب الحركة واستعدادنا لتقديم جميع التضحيات حتى تحقيق مطالب الشعب المغربي الكادح في التحرر والديمقراطية.
ونعتبر أنه ليس للثورة المغربية (والمصرية والتونسية، الخ) أي مخرج إلا التغيير الاشتراكي للمجتمع، الذي سيضع وسائل الإنتاج (الآلات والأرض والمناجم) في يد المنتجين الحقيقيين للثروة من عمال وفقراء الفلاحين، في ظل دولة الديمقراطية العمالية التي تسيرها الجماهير عبر مجالسها والنقابات المنتخبة ديمقراطيا في الأحياء والمصانع والمدارس والثكنات. هذا هو موقفنا الذي نتحرك على أساسه ونطرحه للنقاش أمام الشباب المناضل والعمال والمناضلين اليساريين والنقابيين.
أعلى الصفحة
الصفحة الرئيسية
vendredi 17 février 2017
اسس اللينينية // جوزيف ستالين
أسس اللينينية
#جوزيف_ستالين
- 1 -
الجذور التاريخية اللينينية
ترعرعت اللينينية وتكونت في ظروف الاستعمار، حين بلغت تناقضات الرأسمالية نقطتها القصوى، حين أصبحت الثورة البروليتارية قضية نشاط عملي مباشر، حين انتهت المرحلة القديمة، مرحلة تهيئة الطبقة العاملة للثورة، إلى غايتها، أي تحولت إلى مرحلة جديدة، هي مرحلة الهجوم المباشر على الرأسمالية.
كان لينين يسمي الاستعمار الرأسمالية المحتضرة . فلماذا؟ لأن الاستعمار يدفع بتناقضات الرأسمالية إلى الحد الأخير، إلى الحدود القصوى التي من بعدها تبدأ الثورة. ومن بين هذه التناقضات ثلاثة ينبغي النظر إليها على أنها أهم التناقضات.
التناقض الأول، هو التناقض القائم بين العمل والرأسمال. فالاستعمار هو تسلط التروستات والكتل الاحتكارية الضخمة والمصارف والطغمة المالية، تسلطاً مطلقاً، في الأقطار الصناعية. وقد تبين، أثناء النضال ضد هذا التسلط المطلق، أن الأساليب المعتادة لدى الطبقة العاملة - كالنقابات والتعاونيات والأحزاب البرلمانية والنضال البرلماني – ليست كافية على الإطلاق. فأما أن تضع نفسك تحت رحمة الرأسمال، وتعيش في ضنك كما في السابق، وتنحدر باستمرار أدنى فأدنى، وإلا فعليك بسلاح جديد: هكذا يضع الاستعمار المسألة أمام جماهير البروليتاريا الغفيرة. إن الاستعمار يسوق الطبقة العاملة إلى الثورة.
التناقض الثاني، هو التناقض القائم بين مختلف الكتل المالية والدول الاستعمارية، في صراعها من أجل مصادر المواد الأولية، ومن أجل أراضي الغير. فالاستعمار هو تصدير رؤوس الأموال إلى مصادر المواد الأولية، هو الصراع الجنوني لامتلاك هذه المصادر امتلاكاً احتكارياً، هو الصراع لإعادة تقسيم عالم تم تقسيمه من قبل. وهو الصراع تشنه، بعنف شديد، الكتل المالية الجديدة والدول الجديدة، التي تفتش عن مكان تحت الشمس ، ضد الكتل والدول القديمة التي تتشبث بما اغتصبته بكل ما لديها من قوة. ولهذا الصراع الجنوني بين مختلف الكتل الرأسمالية، خاصة جديرة بالملاحظة، هي أنه يحتم قيام الحروب الاستعمارية، كعنصر لا مناص منه، في سبيل الاستيلاء على أراضي الغير. وهذه الظاهرة لها، هي أيضاً، خاصة جديرة بالملاحظة تتجلى في أنها تؤدي إلى إضعاف الرأسماليين بعضهم لبعض، وإلى إضعاف موقف الرأسمالية بوجه عام، وإلى تقريب ساعة الثورة البروليتارية، وإلى جعل هذه الثورة ضرورة عملية.
التناقض الثالث، هو التناقض الموجود بين قبضة من الأمم المتمدنة السائدة وبين مئات الملايين من أبناء الشعوب المستعمرة والتابعة في العالم. فالاستعمار هو أوقح أنواع الاستثمار، وأشد أشكال الاضطهاد غير الإنساني، الوحشي، ضد مئات الملايين من سكان الأقطار الشاسعة الواسعة في المستعمرات والبلدان التابعة. وهدف هذا الاستثمار وهذا الاضطهاد، أنما هو نهب الأرباح الفاحشة. ولكن الاستعمار، حين يستثمر هذه البلدان، يضطر إلى أن ينشىء فيها خطوطاً حديدية ومصانع ومعامل ومراكز صناعية وتجارية. ولذلك فظهور طبقة بروليتارية، وتكوين مثقفين من أبناء البلاد، ويقظة الوعي الوطني، واشتداد حركة التحرر، هي النتائج المحتومة لهذه السياسة . وأن تعاظم قوة الحركة الثورية في جميع المستعمرات وفي جميع البلدان التابعة دون استثناء لدليل واضح على ذلك. وهي حالة تهم البروليتاريا، من حيث أنها تزعزع مواقع الرأسمالية وتدكها من جذورها، وذلك بتحويلها المستعمرات والبلدان التابعة من احتياطي للاستعمار إلى احتياطي للثورة البروليتارية.
تلك هي، بالإجمال، تناقضات الاستعمار الرئيسية التي حولت الرأسمالية القديمة المزدهرة إلى رأسمالية محتضرة.
وقد كان من جملة معاني الحرب الاستعمارية التي نشبت منذ عشر سنين، أنها جمعت كل هذه التناقضات في عقدة واحدة، وألقت بها في كفة الميزان، وبذلك عجلت المعارك الثورية للبروليتاريا وسهلتها.
وبعبارة أخرى: إن الاستعمار لم يؤد فقط إلى أن الثورة أصبحت شيئاً لا بد منه من الناحية العملية، بل أدى أيضاً إلى تكوّن ظروف ملائمة للهجوم المباشر على قلاع الرأسمالية.
هذا هو الوضع الدولي الذي ولَّد اللينينية.
وقد يقال لنا: كل هذا حسن جداً. ولكن ما شأن روسيا هنا، وهي ما كانت، ولا كان من الممكن أن تكون، البلد الكلاسيكي(1) للاستعمار؟ وما شأن لينين هنا، وهو الذي عمل قبل كل شيء في روسيا ومن أجل روسيا؟ ولماذا كانت روسيا بالذات، منبت اللينينية، وموطن نظرية الثورة البروليتارية وتكتيكها؟
ذلك لأن روسيا كانت أكثر من سواها، نقطة التقاء لجميع تناقضات الاستعمار هذه.
ذلك لأن روسيا كانت أكثر من أي بلد آخر حبلى بالثورة، ولهذا السبب كانت وحدها قادرة على حل هذه التناقضات بالطريق الثوري.
فأولاً، كانت روسيا القيصرية موطن الاضطهاد بكل أنواعه – الرأسمالي والاستعماري والعسكري على السواء – وفي أشد أشكاله وحشية وبربرية. فمن ذا الذي يجهل أن سلطان الرأسمال في روسيا كان يمتزج بالاستبداد القيصري، وأن عدوانية القومية الروسية كانت تمتزج بقيام القيصرية بدور الجلاد ضد الشعوب غير الروسية، وأن استثمار مناطق كاملة – في تركيا وإيران والصين – كان يرافقه إلحاق هذه المناطق بالقيصرية، كما تلازمه حرب الفتوحات؟ لقد كان لينين على حق في قوله بأن القيصرية هي استعمار عسكري إقطاعي . فقد كانت القيصرية خلاصة مكثفة لأشد نواحي الاستعمار سلبية، مرفوعة إلى التربيع.
ثم أن روسيا القيصرية كانت احتياطياً قوياً للاستعمار الغربي، ليس فقط من حيث أنها كانت تفتح الأبواب على مصراعيها للرأسمال الأجنبي الذي كان يهيمن في روسيا على فروع من الاقتصاد الوطني ذات شأن حاسم، كالمحروقات وصناعة التعدين، بل لأنها كانت أيضاً تستطيع أن تضع ملايين الجنود على الأقدام لمصلحة الاستعماريين الغربيين. تذكروا الجيش الروسي بملاينه الأربعة عشر، الذي سفك دمه على الجبهات الاستعمارية في سبيل تأمين الأرباح الفاحشة للرأسماليين الانكليز والفرنسيين.
ثم أن القيصرية لم تكن فقط كلب الحراسة للاستعمار في شرقي أوروبا، بل كانت فوق ذلك أيضاً عملية للاستعمار الغربي لكي تستنزف من السكان مئات الملايين، لتسديد فوائد القروض الممنوحة لها في باريس ولندن وبرلين وبروكسل.
وأخيراً، كانت القيصرية حليفاً أميناً كل الأمانة للاستعمار الغربي في اقتسام تركيا وإيران والصين، الخ. ومن ذا الذي يجهل أن القيصرية خاضت الحرب الاستعمارية إلى جانب الاستعماريين الحلفاء، وأن روسيا كانت عنصراً أساسياً في هذه الحرب؟
لهذا كانت مصالح القيصرية والاستعمار الغربي تندمج وتندغم بعضها ببعض، لتشكل في النهاية شلة واحدة من مصالح الاستعمار. فهل كان باستطاعة الاستعمار الغربي أن يرتضي فقدان سند قوي في الشرق، ومستودع زاخر بالقوى والموارد، كروسيا القديمة، روسيا القيصرية والبرجوازية، دون أن يجرب قواه كلها في نضال مستميت ضد الثورة في روسيا، للدفاع عن القيصرية وتثبيت أقدامها؟ كلا، طبعاً.
غير أنه ينتج عن هذا أن كل من كان يريد ضرب القيصرية، كان يرفع يده بالضرورة على الاستعمار، وأن كل من كان ينتصب في وجه القيصرية كان مضطراً للوقوف أيضاً في وجه الاستعمار، ذلك لأن كل من كان يعمل للقضاء على القيصرية، كان لا بد له من القضاء على الاستعمار أيضاً، إذا كان ينوي فعلاً أن لا يكتفي بضرب هذه القيصرية، بل كذلك أن يجهز عليها وأن لا يبقي لها أثراً. وهكذا كانت الثورة ضد القيصرية تقارب الثورة ضد الاستعمار، وكان لا بد لها من أن تتحول إلى ثورة ضد الاستعمار، إلى ثورة بروليتارية.
وخلال ذلك، كانت تصعد في روسيا أعظم ثورة شعبية وقفت على رأسها أعظم بروليتاريا ثورية في العالم، تحت تصرفها حليف له من الشأن ما لجماهير الفلاحين الثوريين في روسيا. فهل من حاجة إلى البرهان على أن ثورة كهذه ما كان من الممكن أن تقف في منتصف الطريق، وأنها، في حال نجاحها، كان لا بد لها من السير قدماً، رافعةً علم الانتفاض المسلح على الاستعمار؟
لهذا السبب كان لا بد لروسيا من أن تصبح نقطة الالتقاء لتناقضات الاستعمار، ليس فقط من حيث أن هذه التناقضات كانت تتجلى بأوضح ما يمكن في روسيا نظراً لما تميزت به هذه التناقضات فيها من خساسة وفظاعة ووطأة لا تطاق، وليس فقط من حيث أن روسيا كانت دعامة رئيسية للاستعمار الغربي، تربط الرأسمال المالي في الغرب بمستعمرات الشرق، بل كذلك من حيث أن القوة الحقيقية القادرة على حل تناقضات الاستعمار بالطريق الثوري، كانت موجودة فقط في روسيا.
فينتج من هذا إذن، أن الثورة في روسيا لم يكن من الممكن إلا أن تصبح بروليتارية، لم يكن من الممكن إلا أن ترتدي، منذ الأيام الأولى من تطورها، طابعاً أممياً، وبالتالي، لم يكن من الممكن إلا أن تزعزع نفس أركان الاستعمار العالمي.
فهل كان بمستطاع الشيوعيين الروس، في مثل هذه الحالة، أن ينحصروا في عملهم ضمن نطاق الثورة الروسية الوطني الضيق؟ طبعاً لا. بل على العكس، كان الوضع بكامله سواء في الداخل (أزمة ثورية عميقة) أو في الخارج (الحرب) يدفعهم إلى أن يتجاوزوا، في عملهم، هذا النطاق، وأن ينقلوا النضال إلى الحلبة الدولية، وأن يكشفوا جروح الاستعمار، وأن يبرهنوا حتمية إفلاس الرأسمالية(2)، وأن يحطموا الاشتراكية الشوفينية والاشتراكية المسالمة ، وأخيراً أن يقضوا على الرأسمالية في بلادهم، وأن يبدعوا للبروليتاريا سلاحاً جديداً للنضال، هو نظرية وتكتيك الثورة البروليتارية، وذلك لكي يسهلوا على البروليتاريين في جميع الأقطار مهمة القضاء على الرأسمالية. ولم يكن في وسع الشيوعيين الروس أن ينهجوا غير هذا النهج، إذ عن هذا الطريق فقط كان من الممكن الاعتماد على حدوث بعض تغيرات في الوضع الدولي من شأنها أن تقي روسيا من عودة النظام البرجوازي إليها.
هذا هو السبب في أن روسيا صارت موطن اللينينية، وأن لينين قائد الشيوعيين الروس صار خالق اللينينية.
وهنا اتفق لروسيا وللينين، ما اتفق تقريباً لألمانيا ولماركس وأنجلس بين 1840 و 1850. فقد كانت ألمانيا إذ ذاك حبلى بثورة برجوازية، كما كانت روسيا في بداية القرن العشرين. وقد كتب ماركس في البيان الشيوعي :
إن انتباه الشيوعيين يتجه على الأخص نحو ألمانيا، لأنها على أعتاب ثورة برجوازية، ولأنها ستقوم بهذه الثورة في ظروف أكثر تقدماً من حيث المدنية الأوروبية، وبوجود بروليتاريا متطورة أكثر بكثير مما كانت عليه في انكلترا في القرن السابع عشر، وفي فرنسا في القرن الثامن عشر، وبالتالي، فالثورة البرجوازية الألمانية، لا يمكن أن تكون سوى مقدمة مباشرة لثورة بروليتارية .
وبعبارة أخرى، كان مركز الحركة الثورية ينتقل نحو ألمانيا.
وقد لا يكون ثمة مجال للشك في أن هذه الظروف التي أشار إليها ماركس في المقطع المذكور هي التي كانت السبب الراجح في أن ألمانيا صارت موطن الاشتراكية العلمية، وفي أن زعيمي البروليتاريا الألمانية، ماركس وأنجلس، هما اللذان كانا مبدعيها.
ويجب أن يقال مثل هذا، ولكن على درجة أرفع أيضاً، عن روسيا في بداية القرن العشرين. فقد كانت روسيا، عهد ذاك، على أعتاب ثورة برجوازية، وكان عليها أن تقوم بهذه الثورة ضمن ظروف أكثر تقدماً في أوروبا، وبوجود بروليتاريا متطورة أكثر مما كانت عليه في ألمانيا في أعوام 1840 – 1850، (فضلاً عن انكلترا وفرنسا). وكانت كل العلائم تحمل على الاعتقاد بأن هذه الثورة ينبغي أن تكون خميرة ومقدمة للثورة البروليتارية. وليس من باب الصدفة أن لينين، منذ عام 1902، حين كانت الثورة الروسية بعد، في طور التهيئة، كتب في كتابه ما العمل؟ ، هذه الكلمات التي فيها من النبوءة ما فيها:
يضع التاريخ الآن أمامنا (يعني أمام الماركسيين الروس - ستالين) مهمة قريبة، هي مهمة ثورية أكثر من جميع المهام القريبة الموضوعة أمام البروليتاريا في أي بلد آخر...
فانجاز هذه المهمة، أي تهديم أقوى حصن لا للرجعية الأوروبية فحسب، بل (ويمكننا قول ذلك الآن) وللرجعية الأسيوية أيضاً، سيجعل من البروليتاريا الروسية طليعة البروليتاريا الثورية العالمية . (لينين) – المؤلفات الكاملة. صفحة 382، الطبعة الروسية).
وبتعبير آخر: كان من الواجب أن ينتقل مركز الحركة الثورية نحو روسيا.
ومعلوم أن مجرى الثورة في روسيا قد حقق نبوءة لينين هذه تماماً.
فهل بعد هذا مجال للدهشة من أن يصبح بلد قام بمثل هذه الثورة، ولديه مثل هذه البروليتاريا، موطن نظرية وتكتيك الثورة البروليتارية؟
وهل بعد هذا مجال للدهشة من أن يكون لينين، زعيم البروليتاريا الروسية، قد أصبح، في الوقت نفسه، مبدع هذه النظرية التكتيك وزعيم البروليتاريا العالمية؟
(1)كلاسيكي ـ Classique : نعت للدلالة على القدمية، والأصالة وإتباع السنن المقررة، ومعناه هنا: البلد النموذجي للاستعمار، أو العريق فيه – هيئة التعريب.
(2)الاشتراكية المسالمة pacifisme – Social: الاشتراكية المزيفة الداعية إلى الخنوع وتكتيف الذراعين خلال الحرب، بحجة أن الاشتراكية هي "مسالمة" وتكره الحرب. وذلك عوضاً عن الدعوة إلى النضال لتحويل الحرب الاستعمارية إلى نضال لقلب الاستعمار- هيئة التعريب.
#ستالين #لينين #ماركسية
#جوزيف_ستالين
- 1 -
الجذور التاريخية اللينينية
ترعرعت اللينينية وتكونت في ظروف الاستعمار، حين بلغت تناقضات الرأسمالية نقطتها القصوى، حين أصبحت الثورة البروليتارية قضية نشاط عملي مباشر، حين انتهت المرحلة القديمة، مرحلة تهيئة الطبقة العاملة للثورة، إلى غايتها، أي تحولت إلى مرحلة جديدة، هي مرحلة الهجوم المباشر على الرأسمالية.
كان لينين يسمي الاستعمار الرأسمالية المحتضرة . فلماذا؟ لأن الاستعمار يدفع بتناقضات الرأسمالية إلى الحد الأخير، إلى الحدود القصوى التي من بعدها تبدأ الثورة. ومن بين هذه التناقضات ثلاثة ينبغي النظر إليها على أنها أهم التناقضات.
التناقض الأول، هو التناقض القائم بين العمل والرأسمال. فالاستعمار هو تسلط التروستات والكتل الاحتكارية الضخمة والمصارف والطغمة المالية، تسلطاً مطلقاً، في الأقطار الصناعية. وقد تبين، أثناء النضال ضد هذا التسلط المطلق، أن الأساليب المعتادة لدى الطبقة العاملة - كالنقابات والتعاونيات والأحزاب البرلمانية والنضال البرلماني – ليست كافية على الإطلاق. فأما أن تضع نفسك تحت رحمة الرأسمال، وتعيش في ضنك كما في السابق، وتنحدر باستمرار أدنى فأدنى، وإلا فعليك بسلاح جديد: هكذا يضع الاستعمار المسألة أمام جماهير البروليتاريا الغفيرة. إن الاستعمار يسوق الطبقة العاملة إلى الثورة.
التناقض الثاني، هو التناقض القائم بين مختلف الكتل المالية والدول الاستعمارية، في صراعها من أجل مصادر المواد الأولية، ومن أجل أراضي الغير. فالاستعمار هو تصدير رؤوس الأموال إلى مصادر المواد الأولية، هو الصراع الجنوني لامتلاك هذه المصادر امتلاكاً احتكارياً، هو الصراع لإعادة تقسيم عالم تم تقسيمه من قبل. وهو الصراع تشنه، بعنف شديد، الكتل المالية الجديدة والدول الجديدة، التي تفتش عن مكان تحت الشمس ، ضد الكتل والدول القديمة التي تتشبث بما اغتصبته بكل ما لديها من قوة. ولهذا الصراع الجنوني بين مختلف الكتل الرأسمالية، خاصة جديرة بالملاحظة، هي أنه يحتم قيام الحروب الاستعمارية، كعنصر لا مناص منه، في سبيل الاستيلاء على أراضي الغير. وهذه الظاهرة لها، هي أيضاً، خاصة جديرة بالملاحظة تتجلى في أنها تؤدي إلى إضعاف الرأسماليين بعضهم لبعض، وإلى إضعاف موقف الرأسمالية بوجه عام، وإلى تقريب ساعة الثورة البروليتارية، وإلى جعل هذه الثورة ضرورة عملية.
التناقض الثالث، هو التناقض الموجود بين قبضة من الأمم المتمدنة السائدة وبين مئات الملايين من أبناء الشعوب المستعمرة والتابعة في العالم. فالاستعمار هو أوقح أنواع الاستثمار، وأشد أشكال الاضطهاد غير الإنساني، الوحشي، ضد مئات الملايين من سكان الأقطار الشاسعة الواسعة في المستعمرات والبلدان التابعة. وهدف هذا الاستثمار وهذا الاضطهاد، أنما هو نهب الأرباح الفاحشة. ولكن الاستعمار، حين يستثمر هذه البلدان، يضطر إلى أن ينشىء فيها خطوطاً حديدية ومصانع ومعامل ومراكز صناعية وتجارية. ولذلك فظهور طبقة بروليتارية، وتكوين مثقفين من أبناء البلاد، ويقظة الوعي الوطني، واشتداد حركة التحرر، هي النتائج المحتومة لهذه السياسة . وأن تعاظم قوة الحركة الثورية في جميع المستعمرات وفي جميع البلدان التابعة دون استثناء لدليل واضح على ذلك. وهي حالة تهم البروليتاريا، من حيث أنها تزعزع مواقع الرأسمالية وتدكها من جذورها، وذلك بتحويلها المستعمرات والبلدان التابعة من احتياطي للاستعمار إلى احتياطي للثورة البروليتارية.
تلك هي، بالإجمال، تناقضات الاستعمار الرئيسية التي حولت الرأسمالية القديمة المزدهرة إلى رأسمالية محتضرة.
وقد كان من جملة معاني الحرب الاستعمارية التي نشبت منذ عشر سنين، أنها جمعت كل هذه التناقضات في عقدة واحدة، وألقت بها في كفة الميزان، وبذلك عجلت المعارك الثورية للبروليتاريا وسهلتها.
وبعبارة أخرى: إن الاستعمار لم يؤد فقط إلى أن الثورة أصبحت شيئاً لا بد منه من الناحية العملية، بل أدى أيضاً إلى تكوّن ظروف ملائمة للهجوم المباشر على قلاع الرأسمالية.
هذا هو الوضع الدولي الذي ولَّد اللينينية.
وقد يقال لنا: كل هذا حسن جداً. ولكن ما شأن روسيا هنا، وهي ما كانت، ولا كان من الممكن أن تكون، البلد الكلاسيكي(1) للاستعمار؟ وما شأن لينين هنا، وهو الذي عمل قبل كل شيء في روسيا ومن أجل روسيا؟ ولماذا كانت روسيا بالذات، منبت اللينينية، وموطن نظرية الثورة البروليتارية وتكتيكها؟
ذلك لأن روسيا كانت أكثر من سواها، نقطة التقاء لجميع تناقضات الاستعمار هذه.
ذلك لأن روسيا كانت أكثر من أي بلد آخر حبلى بالثورة، ولهذا السبب كانت وحدها قادرة على حل هذه التناقضات بالطريق الثوري.
فأولاً، كانت روسيا القيصرية موطن الاضطهاد بكل أنواعه – الرأسمالي والاستعماري والعسكري على السواء – وفي أشد أشكاله وحشية وبربرية. فمن ذا الذي يجهل أن سلطان الرأسمال في روسيا كان يمتزج بالاستبداد القيصري، وأن عدوانية القومية الروسية كانت تمتزج بقيام القيصرية بدور الجلاد ضد الشعوب غير الروسية، وأن استثمار مناطق كاملة – في تركيا وإيران والصين – كان يرافقه إلحاق هذه المناطق بالقيصرية، كما تلازمه حرب الفتوحات؟ لقد كان لينين على حق في قوله بأن القيصرية هي استعمار عسكري إقطاعي . فقد كانت القيصرية خلاصة مكثفة لأشد نواحي الاستعمار سلبية، مرفوعة إلى التربيع.
ثم أن روسيا القيصرية كانت احتياطياً قوياً للاستعمار الغربي، ليس فقط من حيث أنها كانت تفتح الأبواب على مصراعيها للرأسمال الأجنبي الذي كان يهيمن في روسيا على فروع من الاقتصاد الوطني ذات شأن حاسم، كالمحروقات وصناعة التعدين، بل لأنها كانت أيضاً تستطيع أن تضع ملايين الجنود على الأقدام لمصلحة الاستعماريين الغربيين. تذكروا الجيش الروسي بملاينه الأربعة عشر، الذي سفك دمه على الجبهات الاستعمارية في سبيل تأمين الأرباح الفاحشة للرأسماليين الانكليز والفرنسيين.
ثم أن القيصرية لم تكن فقط كلب الحراسة للاستعمار في شرقي أوروبا، بل كانت فوق ذلك أيضاً عملية للاستعمار الغربي لكي تستنزف من السكان مئات الملايين، لتسديد فوائد القروض الممنوحة لها في باريس ولندن وبرلين وبروكسل.
وأخيراً، كانت القيصرية حليفاً أميناً كل الأمانة للاستعمار الغربي في اقتسام تركيا وإيران والصين، الخ. ومن ذا الذي يجهل أن القيصرية خاضت الحرب الاستعمارية إلى جانب الاستعماريين الحلفاء، وأن روسيا كانت عنصراً أساسياً في هذه الحرب؟
لهذا كانت مصالح القيصرية والاستعمار الغربي تندمج وتندغم بعضها ببعض، لتشكل في النهاية شلة واحدة من مصالح الاستعمار. فهل كان باستطاعة الاستعمار الغربي أن يرتضي فقدان سند قوي في الشرق، ومستودع زاخر بالقوى والموارد، كروسيا القديمة، روسيا القيصرية والبرجوازية، دون أن يجرب قواه كلها في نضال مستميت ضد الثورة في روسيا، للدفاع عن القيصرية وتثبيت أقدامها؟ كلا، طبعاً.
غير أنه ينتج عن هذا أن كل من كان يريد ضرب القيصرية، كان يرفع يده بالضرورة على الاستعمار، وأن كل من كان ينتصب في وجه القيصرية كان مضطراً للوقوف أيضاً في وجه الاستعمار، ذلك لأن كل من كان يعمل للقضاء على القيصرية، كان لا بد له من القضاء على الاستعمار أيضاً، إذا كان ينوي فعلاً أن لا يكتفي بضرب هذه القيصرية، بل كذلك أن يجهز عليها وأن لا يبقي لها أثراً. وهكذا كانت الثورة ضد القيصرية تقارب الثورة ضد الاستعمار، وكان لا بد لها من أن تتحول إلى ثورة ضد الاستعمار، إلى ثورة بروليتارية.
وخلال ذلك، كانت تصعد في روسيا أعظم ثورة شعبية وقفت على رأسها أعظم بروليتاريا ثورية في العالم، تحت تصرفها حليف له من الشأن ما لجماهير الفلاحين الثوريين في روسيا. فهل من حاجة إلى البرهان على أن ثورة كهذه ما كان من الممكن أن تقف في منتصف الطريق، وأنها، في حال نجاحها، كان لا بد لها من السير قدماً، رافعةً علم الانتفاض المسلح على الاستعمار؟
لهذا السبب كان لا بد لروسيا من أن تصبح نقطة الالتقاء لتناقضات الاستعمار، ليس فقط من حيث أن هذه التناقضات كانت تتجلى بأوضح ما يمكن في روسيا نظراً لما تميزت به هذه التناقضات فيها من خساسة وفظاعة ووطأة لا تطاق، وليس فقط من حيث أن روسيا كانت دعامة رئيسية للاستعمار الغربي، تربط الرأسمال المالي في الغرب بمستعمرات الشرق، بل كذلك من حيث أن القوة الحقيقية القادرة على حل تناقضات الاستعمار بالطريق الثوري، كانت موجودة فقط في روسيا.
فينتج من هذا إذن، أن الثورة في روسيا لم يكن من الممكن إلا أن تصبح بروليتارية، لم يكن من الممكن إلا أن ترتدي، منذ الأيام الأولى من تطورها، طابعاً أممياً، وبالتالي، لم يكن من الممكن إلا أن تزعزع نفس أركان الاستعمار العالمي.
فهل كان بمستطاع الشيوعيين الروس، في مثل هذه الحالة، أن ينحصروا في عملهم ضمن نطاق الثورة الروسية الوطني الضيق؟ طبعاً لا. بل على العكس، كان الوضع بكامله سواء في الداخل (أزمة ثورية عميقة) أو في الخارج (الحرب) يدفعهم إلى أن يتجاوزوا، في عملهم، هذا النطاق، وأن ينقلوا النضال إلى الحلبة الدولية، وأن يكشفوا جروح الاستعمار، وأن يبرهنوا حتمية إفلاس الرأسمالية(2)، وأن يحطموا الاشتراكية الشوفينية والاشتراكية المسالمة ، وأخيراً أن يقضوا على الرأسمالية في بلادهم، وأن يبدعوا للبروليتاريا سلاحاً جديداً للنضال، هو نظرية وتكتيك الثورة البروليتارية، وذلك لكي يسهلوا على البروليتاريين في جميع الأقطار مهمة القضاء على الرأسمالية. ولم يكن في وسع الشيوعيين الروس أن ينهجوا غير هذا النهج، إذ عن هذا الطريق فقط كان من الممكن الاعتماد على حدوث بعض تغيرات في الوضع الدولي من شأنها أن تقي روسيا من عودة النظام البرجوازي إليها.
هذا هو السبب في أن روسيا صارت موطن اللينينية، وأن لينين قائد الشيوعيين الروس صار خالق اللينينية.
وهنا اتفق لروسيا وللينين، ما اتفق تقريباً لألمانيا ولماركس وأنجلس بين 1840 و 1850. فقد كانت ألمانيا إذ ذاك حبلى بثورة برجوازية، كما كانت روسيا في بداية القرن العشرين. وقد كتب ماركس في البيان الشيوعي :
إن انتباه الشيوعيين يتجه على الأخص نحو ألمانيا، لأنها على أعتاب ثورة برجوازية، ولأنها ستقوم بهذه الثورة في ظروف أكثر تقدماً من حيث المدنية الأوروبية، وبوجود بروليتاريا متطورة أكثر بكثير مما كانت عليه في انكلترا في القرن السابع عشر، وفي فرنسا في القرن الثامن عشر، وبالتالي، فالثورة البرجوازية الألمانية، لا يمكن أن تكون سوى مقدمة مباشرة لثورة بروليتارية .
وبعبارة أخرى، كان مركز الحركة الثورية ينتقل نحو ألمانيا.
وقد لا يكون ثمة مجال للشك في أن هذه الظروف التي أشار إليها ماركس في المقطع المذكور هي التي كانت السبب الراجح في أن ألمانيا صارت موطن الاشتراكية العلمية، وفي أن زعيمي البروليتاريا الألمانية، ماركس وأنجلس، هما اللذان كانا مبدعيها.
ويجب أن يقال مثل هذا، ولكن على درجة أرفع أيضاً، عن روسيا في بداية القرن العشرين. فقد كانت روسيا، عهد ذاك، على أعتاب ثورة برجوازية، وكان عليها أن تقوم بهذه الثورة ضمن ظروف أكثر تقدماً في أوروبا، وبوجود بروليتاريا متطورة أكثر مما كانت عليه في ألمانيا في أعوام 1840 – 1850، (فضلاً عن انكلترا وفرنسا). وكانت كل العلائم تحمل على الاعتقاد بأن هذه الثورة ينبغي أن تكون خميرة ومقدمة للثورة البروليتارية. وليس من باب الصدفة أن لينين، منذ عام 1902، حين كانت الثورة الروسية بعد، في طور التهيئة، كتب في كتابه ما العمل؟ ، هذه الكلمات التي فيها من النبوءة ما فيها:
يضع التاريخ الآن أمامنا (يعني أمام الماركسيين الروس - ستالين) مهمة قريبة، هي مهمة ثورية أكثر من جميع المهام القريبة الموضوعة أمام البروليتاريا في أي بلد آخر...
فانجاز هذه المهمة، أي تهديم أقوى حصن لا للرجعية الأوروبية فحسب، بل (ويمكننا قول ذلك الآن) وللرجعية الأسيوية أيضاً، سيجعل من البروليتاريا الروسية طليعة البروليتاريا الثورية العالمية . (لينين) – المؤلفات الكاملة. صفحة 382، الطبعة الروسية).
وبتعبير آخر: كان من الواجب أن ينتقل مركز الحركة الثورية نحو روسيا.
ومعلوم أن مجرى الثورة في روسيا قد حقق نبوءة لينين هذه تماماً.
فهل بعد هذا مجال للدهشة من أن يصبح بلد قام بمثل هذه الثورة، ولديه مثل هذه البروليتاريا، موطن نظرية وتكتيك الثورة البروليتارية؟
وهل بعد هذا مجال للدهشة من أن يكون لينين، زعيم البروليتاريا الروسية، قد أصبح، في الوقت نفسه، مبدع هذه النظرية التكتيك وزعيم البروليتاريا العالمية؟
(1)كلاسيكي ـ Classique : نعت للدلالة على القدمية، والأصالة وإتباع السنن المقررة، ومعناه هنا: البلد النموذجي للاستعمار، أو العريق فيه – هيئة التعريب.
(2)الاشتراكية المسالمة pacifisme – Social: الاشتراكية المزيفة الداعية إلى الخنوع وتكتيف الذراعين خلال الحرب، بحجة أن الاشتراكية هي "مسالمة" وتكره الحرب. وذلك عوضاً عن الدعوة إلى النضال لتحويل الحرب الاستعمارية إلى نضال لقلب الاستعمار- هيئة التعريب.
#ستالين #لينين #ماركسية
mardi 14 février 2017
حقيبة التكوين الالكترونية للمتعاقدين
الثلاثاء , فبراير 14 2017
الرئيسيةمهام المركزمجلة المركزنشرة المركزاتصل بناخريطة الموقع
الرئيسيةالهيكلةخدماتخدمات تربويةوثـــــــــــائقمستجدات تربوية تكوينيةمقالات صحفيةفيديو وصورمواقـــــــــع مهمة
الرئيسية / خدمات تربوية تكوينية / حقيبة التكوين الخاصة بالأساتذة الموظفين بموجب عقود
حقيبة التكوين الخاصة بالأساتذة الموظفين بموجب عقود
2 يومين مضت اضف تعليق 1,198 زيارة
Facebook Twitter
حقيبة التكوين في مهن التدريس الخاصة بالأساتذة الموظفين بموجب عقود،
ولكل الراغبين في تطوير معارفهم ومهاراتهم المهنية انطلاقا من الوثائق المعتمدة
رابط التحميل
شاركها Facebook Twitter
السابقوثائق خاصة بالتكوين الحضوري لفائدة الأساتذة الموظفين بموجب عقود (فوج 2017/2016)
أضف تعليقاً
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
التعليق
احدث المقالات
حقيبة التكوين الخاصة بالأساتذة الموظفين بموجب عقود 11 فبراير 2017وثائق خاصة بالتكوين الحضوري لفائدة الأساتذة الموظفين بموجب عقود (فوج 2017/2016) 6 فبراير 2017الدورة التكوينية الأولى من التكوين الحضوري لفائدة الأساتذة الموظفين بموجب عقود (فوج 2017/2016) 6 فبراير 2017إعلان خاص بسحب شهادة التأهيل التربوي 24 يناير 2017مراكز ومواعيد إجراء الإختبارات الشفوية والعملية لمباريات توظيف الأساتذة من الدرجة الثانية الحاصلين على شهادة التأهيل التربوي. دورة دجنبر 2016. -جهة الشرق- 24 ديسمبر 2016توزيع المترشحين لمباراة توظيف أساتذة التعليم من الدرجة الثانية (دورة دجنبر 2016)13 ديسمبر 2016إخبار خاص بمقرات الاختبارات الكتابية لمباراة توظيف أساتذة التعليم – دورة دجنبر 2016- 10 ديسمبر 2016إعلان خاص بإيداع ملفات الترشيح لمباريات توظيف الأساتذة الحاصلين على شهادة التأهيل التربوي -دورة دجنبر 2016- 5 ديسمبر 2016بلاغ خاص بنتائج تقويم التدريب الميداني والمشروع الشخصي (خاص بجهة الشرق) 2 ديسمبر 2016إعلان خاص بالقن السري الخاص بدخول بوابة التوظيف 2 ديسمبر 2016
الأخيرةالأشهرتعليقاتالوسوم
حقيبة التكوين الخاصة بالأساتذة الموظفين بموجب عقود2 يومين مضت
وثائق خاصة بالتكوين الحضوري لفائدة الأساتذة الموظفين بموجب عقود (فوج 2017/2016)أسبوع واحد مضت
الدورة التكوينية الأولى من التكوين الحضوري لفائدة الأساتذة الموظفين بموجب عقود (فوج 2017/2016)أسبوع واحد مضت
إعلان خاص بسحب شهادة التأهيل التربوي3 أسابيع مضت
مقالات
إعلان خاص بلائحة الانتظار8 أكتوبر 2015 68
إعلان خاص بالمشروع الشخصي للأساتذة المتدربين (فوج أبريل نونبر 2016)28 أكتوبر 2016 54
النتائج النهائية لمباراة ولوج سلك تأهيل أطر هيئة التدريس – دورة 2015 –5 أكتوبر 2015 52
Powered by WordPress | Designed by Tielabs
© Copyright 2017, All Rights Reserved
dimanche 12 février 2017
عاجل مدبربة اقليمية ترفص التحاق المتعاقدين
عاجل
مديرية التعليم بتاونات تتبرأ من الاساتذة المتعاقدين وتعتبرهم مجرد متطوعين .
اكثر من 200 متعاقد قيل لهم الا يلتحقوا وان التحقوا فهم متطوعون ولا تتحمل الادارة اية مسؤولية في التحاقهم .
مديرية التعليم بتاونات تتبرأ من الاساتذة المتعاقدين وتعتبرهم مجرد متطوعين .
اكثر من 200 متعاقد قيل لهم الا يلتحقوا وان التحقوا فهم متطوعون ولا تتحمل الادارة اية مسؤولية في التحاقهم .
عاجل // هده هي الثروات المنهوبة من المغرب
الرباط – «القدس العربي»: كشفت منظمة حقوقية تنشط في ميدان مكافحة الفساد ان عملية تهريب الأموال من المغرب خلال السنوات الأولى من العقد الحالي تجاوزت ال41 مليار دولار.
وقالت منظمة النزاهة المالية في أحدث تقاريرها، إن المغرب خسر أزيد من 41 مليار دولار، أي ما يعادل أزيد من 414 مليار درهم، من خلال التدفقات المالية غير المشروعة، وذلك خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى 2013.
ويقصد بالتدفقات المالية غير المشروعة، الأموال التي تنتقل من مكان إلى آخر بطريقة غير مشروعة، وتشمل أيضاً أموالاً غير معروفة المصدر تنتقل من مكان لآخر سواء بطريقة قانونية أو غيرها لتمويل استثمارات.
وقالت دراسة قام بإعدادها مركز البحوث التطبيقية في المدرسة النرويجية للاقتصاد وفريق من الخبراء العالميين، إن المغرب عرف أعلى تدفق مالي غير مشروع خلال سنتي 2005 و2008 حيث خسر 5.5 و5.4 مليار دولار على التوالي.
وفي المقابل، خرجت 4.5 مليار دولار من المغرب بطريقة غير مشروعة خلال 2012، وخسر ما يزيد عن أربعة مليارات دولار في كل من سنتي 2007 و2011. هذا، وتتراوح قيمة الأموال المتدفقة بطريقة غير مشروعة من المغرب بين 3 و3.9 مليار دولار خلال سنوات 2004 و2006 و2009 و2010 و2013.
ويعتقد أن التلاعب في الفواتير في مجال التجارة الخارجية، واحد من أكبر مجالات التدفقات المالية غير المشروعة من البلدان النامية. وفقا لمعطيات التقرير، خسر المغرب 38.22 مليار دولار، أي أزيد من 386 مليار درهم، من خلال التلاعب في الفواتير. مبرزاً أن سنة 2005 شهدت أعلى تدفق مالي في هذا المجال حيث خسر المغرب أزيد من خمسة ملايير دولار، فيما قدر حجم الخسائر بـ4.9 مليار سنة 2008. وسجلت سنتي 2004 و2006 أقل حجم من الخسائر عبر التلاعب بالفواتير بـ2.7 مليار دولار.
وأضافت المنظمة، التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقراً لها، أن أزيد من 2.79 مليار دولار (حوالي 29 مليار درهم)، فقدها المغرب خلال السنوات التسع المذكورة، وتم رصدها من خلال احتساب تسريبات ميزان المدفوعات، وهو خلاصة للعمليات المالية التي تتمّ، خلال فترة معينة من الزمن، بين بلد ما ومختلف البلدان الأجنبية.
samedi 11 février 2017
جدادات للابتدائي كل المستويات
https://m.facebook.com/groups/1487416884619755?view=permalink&id=1576995752328534&refid=18&_ft_=qid.6385820284883011153%3Amf_story_key.1576995752328534%3Atop_level_post_id.1576995752328534%3Atl_objid.1576995752328534&__tn__=%2As
vendredi 10 février 2017
لائحة التكليفات للمتعاقدين
لائحة التكليفات فاس مكناس
https://doc-00-20-docs.googleusercontent.com/docs/securesc/909c5a70n8f6557dhhra07jloehv93gh/t8min6q27qh6uqmbbs0j7f4e264acjnj/1486764000000/18281889994676276120/13542212914299927045/0B8nDGlCk4QWVMjJzVWlpdHAtOGprSURXejNEeXdLTU4xZHJ3?e=download&nonce=k89bpof633u3i&user=13542212914299927045&hash=cn9eogc31qci5nsl716na4dofqhpel9b
https://doc-00-20-docs.googleusercontent.com/docs/securesc/909c5a70n8f6557dhhra07jloehv93gh/t8min6q27qh6uqmbbs0j7f4e264acjnj/1486764000000/18281889994676276120/13542212914299927045/0B8nDGlCk4QWVMjJzVWlpdHAtOGprSURXejNEeXdLTU4xZHJ3?e=download&nonce=k89bpof633u3i&user=13542212914299927045&hash=cn9eogc31qci5nsl716na4dofqhpel9b
mardi 7 février 2017
عاجل وحصري // هدا هو موعد اعلان مباراة المراكز الحهوية للترببة و التكوين
اكدت مصادر مطلعة للمدونة ان البلوكاج الحكومي وعدم وضع ميزانية سنة 2017 كان وراء عدم تحديد عدد المناصب المالية المخصصة لقطاع التربية الوطنية
ويترتب علي دلك تاخير موعد مباراة المراكز الجهوية للتربية الي مابعد شتنبر 2017
بالارقام'// هزيمة تاريخية للاتحاد الاشتراكي
ية
رئيسيةسياسةتشريح دقيق للأرقام يكشف الهزيمة الكارثية وغير المسبوقة للاتحاد الاشتراكي
ي
تكويني في الرياضيات والإحصائيات يدفعني مرارا إلى البحث في الأرقام وخاصة في التفاصيل الصغيرة ولكن ذات الدلالة الكبيرة في التحليل. هكذا ومنذ سنين دأبت على قراءة نتائج الانتخابات بكل من فرنسا وإسبانيا وبطبيعة الحال وطني المغرب. عادة ما يهم المواطن، هو النتائج العامة وخاصة الفائز بالانتخابات وأحيانا الخاسر. أما أنا فأغوص في نتائج كل دائرة وكل حزب. هذا العمل مُضني ومُتعب ويتطلب وقتا وصبرا. أحيانا لا أجد ما يشفي الغليل، لكن أحيانا أخرى أجد أشياء مهمة. هذا ما وقع لي بالضبط عندما بدأت تشريح تفاصيل نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة للسابع من أكتوبر 2016. وأنا أتصفح نتائج كل دائرة وجهة ومدينة كبرى، بدأت أرقام حزب تاريخي تثير فضولي. صدمتني وآلمتني ولم أكن أعتقد أنها سيئة للغاية رغم معرفتي باندحار وفشل هذا الحزب منذ زمن بعيد.
أتحدث عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان آمال المغاربة لعقود طويلة وقدم العديد من الشهداء والمعتقلين وصارع من أجل الديمقراطية وكون أجيالا من المناضلين والأطر والذي خاض أول تجربة للانتقال الديمقراطي، قادها القائد التاريخي عبدالرحمن اليوسفي. ستقولون أن اندحاره ظاهر للعيان. معكم الحق، وهذا كان موقفي أيضا. لكن لا تتسرعوا، الاندحار أعمق وأشمل وعام. امنحوني صبرا وستقرءون العجب العجاب. حينها لكم حرية الحُكم.
بداية كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان من الأحزاب التي خسرت الانتخابات إذ بقدرة قادر تمكن من الحصول على عشرون مقعدا مكنته من تكوين فريق برلماني. ونعلم أنه خَسِر 19 مقعدا مقارنة مع انتخابات 2011 و37 مقعدا مقارنة بسنة 1997!!.. ونعلم أيضا أن المقاعد العشرون تتكون من 14 مقعدا في إطار اللوائح المحلية و6 مقاعد في إطار اللائحة الوطنية للشباب والنساء (يعتبرها البعض ريعا انتخابيا)… كما لا يخفى عليكم كون هذا الحزب حصل على 3 مقاعد من ضمن 8 مقاعد بجهة كلميم وادي النون ومقعدا من أربعة بجهة الداخلة وادي الذهب وصفرا من ضمن 21 مقعدا بجهة سوس ماسة ومقعدا واحدا من ضمن 39 مقعدا بجهة الرباط سلا القنيطرة ومقعدين من ضمن 57 مقعدا بجهة الدارالبيضاء سطات…
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينتمي للأممية الاشتراكية، وكلنا نعرف أن ثقافة الأحزاب الجادة مبنية على شرعيتين. الشرعية الحزبية وتتجسد في المؤتمرات الوطنية الدورية حيث يتم انتخاب قيادة الحزب انطلاقا من مشروع وأفكار وأطروحات قادرة على ربح المعارك الانتخابية وتمكين رئيس الحزب من الصراع على احتلال مراتب متقدمة ولما لا قيادة الحكومة. لذا فجل قادة الحزب يتقدمون للانتخابات للدفاع عن برنامج الحزب وربح الشرعية الشعبية الانتخابية. كيف تعامل حزب الاتحاد مع هذا الثابت الاشتراكي والحزبي؟ هنا خيبة الأمل كانت كبيرة لأن أغلب قادة الحزب بما فيهم الكاتب الأول لم يترشحوا، والغالب لعلمهم أن حظوظهم منعدمة. وها هو الدليل القاطع.
دأب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بالتقدم وأحيانا النجاح للبرلمان بالدائرة الانتخابية “الرباط-شالة”. لم يتقدم هذه المرة وكان قراره صائبا لأن لائحة الحزب في الدائرة احتلت المرتبة الثامنة ب 1.757 صوتا في الوقت الذي حازت لائحة حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى ب 22.551 صوتا… القضية ليست مقتصرة على الكاتب الأول، بل نجد أن عضوا واحدا من ضمن 31 عضوا من المكتب السياسي المنتخب في آخر مؤتمر، استطاع الظفر بمقعد انتخابي، في الوقت الذي فاز 14 قياديا من ضمن 25 عضوا للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بمقاعد برلمانية وبالمرتبة الأولى وأحيانا بمقعدين وأكثر… يا ترى من يكون العضو القيادي الاتحادي الفائز في الدوائر المحلية؟
بطبيعة الحال تعرفونه، إنه “الحبيب المالكي”، أستاذ جامعي ومفكر اقتصادي وعضو قديم بقيادة الحزب وحاليا رئيس المجلس الوطني للحزب والأهم هو تبوأه ثالث مرتبة في هرم الدولة من خلال انتخابه رئيسا للبرلمان المغربي وذلك قبل تشكيل الأغلبية البرلمانية والحكومة. لأول وهلة سيقول قائل أن هذه المناصب ستجعلنا نستنبط كون الشخص المذكور يتوفر على معقل انتخابي لا يجادله فيه أحدا… للآسف الشديد هذا الاستنتاج غير صحيح بالمرة، بحيث نجده احتل المرتبة الثالثة في الدائرة الانتخابية “خريبكة” ب 10.168 صوتا ولكن بعيدا عن مرشح حزب العدالة والتنمية ب 15.979 صوتا ومرشح حزب الأصالة والمعاصرة ب 15.888 صوتا… ستقولون أنه بدون شك، سيكون قيدوم البرلمانيين وقائد الحزب لسنين عديدة يتوفر على معقل انتخابي قار وقوي… نتحدث عن “عبدالواحد الراضي” الذي عمر كل البرلمانات وتقدم لانتخابات 2016 بدائرته المعتادة “سيدي سليمان”… تعرفون نتيجته؟
نجح هذا القائد التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحصول على مقعده البرلماني لكن باحتلاله المرتبة الثانية ب 10.733 صوتا وتفوق عليه الشاب ياسين الراضي ب 12.536 صوتا وهو المنتمي لحزب الاتحاد الدستوري، هذا الحزب الصغير اليوم، كان يُنعت حين تأسيسه بحزب الإدارة و”كوكوت مينوت” من طرف كوادر ومناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية… ألم أقل لكم أن التعمق في الأرقام سيثير شهيتنا في الاستمرار في الغوص في الأعماق… مثلا، هل تعلمون أن قياديا منتخبا في آخر مؤتمر للحزب وقدم استقالته منه وتقدم للانتخابات البرلمانية في صفوف حزب الأحرار نجح في الانتخابات واحتل المرتبة الأولى بمعقله الانتخابي بدائرة “ميدلت”؟
أتحدث عن “سعيد شبعتو” الذي حصل على الرتبة الأولى ب 16.085 صوتا في الوقت الذي حصل مرشح الاتحاد الاشتراكي بنفس الدائرة على المرتبة العاشرة ب 691 صوتا. لا بد من طرح هذا السؤال: هل هذا الشخص كان يعرف أن حظوظه وحظوظ الحزب الاشتراكي منعدمة واتخذ قرار مغادرة الحزب والتوجه لحزب آخر؟ هذا السؤال مشروع جدا حين نعثر بالصدفة على صورة مرشح آخر غادر الحزب الاشتراكي وترشح في صفوف حزب آخر واستطاع النجاح كبرلماني… والغريب في الأمر أن نفس الشخص ترأس لائحة حزب الاتحاد الاشتراكي خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2015 بمقاطعة “حسان” بالرباط وحصلت لائحته على المرتبة الثامنة ب 726 صوتا وصفر مقعدا إذ لم تحصل على العتبة وإذا به يتقدم سنة 2016 في قائمة مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة في دائرة “الراشيدية” وينجح كبرلماني بحصوله على المرتبة الثانية ب 15.744 صوتا في حين حصل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المرتبة السادسة ب 7.233 صوتا… إنه النقابي “عدي بوعرفة”… هل تريدون المزيد؟
كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد صفوف المعارضة الوطنية لسنين عديدة من موقع طليعي يصعب عليه قبول كونه أصبح حزبا وطنيا عاديا وصغيرا وفي حاجة لأحزاب أخرى أصبحت تلعب أدوارا كبرى على الساحة السياسية الوطنية. هكذا فالمتتبع العادي يفهم كيف أصبح حزب الاتحاد الاشتراكي قريب من حزب، كان إلى البارحة ينعته بالوافد الجديد، ألا وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي بفضل 102 من برلمانييه استطاع أحد القادة الاشتراكيين من الفوز برآسة البرلمان. ويفهم أيضا صراعه ومعارضته لحزب العدالة والتنمية الذي أصبح حزبا ذو شعبية كبيرة ويكتسح المواقع الانتخابية. هنا ما يهمنا هو الخطة التي نهجها حزب الاتحاد الاشتراكي لمنافسة أمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة “عبدالإله بنكيران” في الدائرة الانتخابية “سلا المدينة”… الصدمة ستكون قوية لمن لا يدري النتيجة…
تقدم “عبدالإله بنكيران” لمرة أخرى بمعقله الانتخابي في مواجهة 14 حزبا وكانت هذه الدائرة لرمزيتها مثار اهتمام وطني ودولي. واستطاعت لائحة حزب المصباح من الاكتساح الانتخابي إذ حصلت على نصف الأصوات المعبر عنها بما مقداره 36.404 صوتا ومقعدين ضمن أربعة مقاعد. لننظر الآن في موضوع منافسة حزب الاتحاد الاشتراكي لخصمه الأول والرئيس. قلت سابقا، الصدمة كانت قوية، لأنه لم يكن هنالك في أرض الواقع أي تنافس يذكر، بل هزيمة كبيرة لمرشح الاتحاد الاشتراكي الذي لم يستطع تجاوز الألف صوت، بتحقيقه 913 صوتا من أكثر من 72 ألف صوت معبر عنها…
هذا دليل قاطع على أن المعارضة الكلامية للاتحاد الاشتراكي رغم حدتها وأسلوبها وأدواتها وأفكارها، لا تأثير لها على أرض الواقع الانتخابي المغربي… وما يحز أكثر في النفس هو كون لائحة الاتحاد الاشتراكي بنفس المدينة وبدائرة “سلا الجديدة” وفي مواجهة أحد قياديي العدالة والتنمية ووزرائه خيبت الآمال حيث فاز حزب المصباح بمقعدين من ثلاثة وب 25.020 صوتا في حين اندحرت لائحة الاشتراكي للصفوف الأخيرة ب 355 صوتا، متقدما عليها حزب صغير وهو حزب البيئة والتنمية المستدامة ب 404 صوتا…
والغريب هو أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حصد في العديد من الدوائر على أصوات قليلة جدا ولا تصل الألف وأحيانا عشرات الأصوات كما هو الحال في دائرة “النواصر” بالدارالبيضاء حيث احتلت لائحته المرتبة الأخيرة ب 127 صوتا يتقدم عليه حزب جديد هو حزب الديمقراطيين الجدد ب 213 صوتا، كما احتل الصف ما قبل الأخير بدائرة “مديونة” ب 65 صوتا (نعم 65 صوتا) ضمن أكثر من 30.000 صوت معبر عنها وبعيدا عن أحزاب صغيرة مثل حزب الشورى والاستقلال (92 صوتا) وحزب البيئة والتنمية المستدامة (74 صوتا)… سيقول البعض أن هذا الأمر يقع لكل الأحزاب لأنه يصعب عليها ضبط كل الخريطة الانتخابية الوطنية. أجيب بنعم وفي نفس الوقت أقول أن هذا الأمر يمكن أن يحدث لأحزاب جديدة وصغيرة وغير معروفة. إننا هنا بصدد الحديث عن حزب المهدي بنبركة وعمر بن جلون وعبدالرحيم بوعبيد وعبدالرحمن اليوسفي والفقيه البصري ونوبير الأموي ومحمد اليازغي وعبدالواحد الراضي وآخرون كثر، بمعنى آخر نتحدث عن حزب معروف في كل مدينة وقرية وحارة ودار… يمكن لحزب كبير أن ينهزم انتخابيا ولكن بهذا الشكل فهو عقاب انتخابي ونكسة وليس هزيمة… خاصة أن هذا الوضع عام وشامل وفي كل المدن الكبرى وفي المعاقل التاريخية للحزب. والطامة الكبرى هو كون حزب يساري صغير لم يحصل سوى على مقعدين برلمانيين استطاع التفوق على حزب تاريخي كبير في دوائر كثيرة نذكر منها:
مدينة الرباط، عاصمة المملكة، وقلعة اتحادية تاريخية منذ تَقَّدم الشهيد المهدي بنبركة لمنافسة الفديك سنة 1963 بيعقوب المنصور، هذه المدينة التي صمدت في وجه التزوير في سنوات الرصاص ومنحت مقاعد برلمانية عديدة لقادة الاتحاد حتى أصبحوا برلمانيين ووزراء، أصبحت “مقبرة” للوائح الاتحاد الاشتراكي وهذا يتجلى في النتائج المحصل عليها من طرف مرشحي الحزب الاشتراكي. هكذا وفي دائرة “الرباط-المحيط”، حصل مرشح الاتحاد على المرتبة الثامنة ب 1.109 صوتا واستطاع “عمر بلافريج” وكيل لائحة تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي بالظفر بمنصب برلماني باحتلاله الصف الثالث ب 8.048 صوتا في الوقت الذي احتل حزب العدالة والتنمية الصف الأول ومقعدين ب 29.531 صوتا. أما في قلعة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، دائرة “الرباط-شالة”، فكما قلنا سابقا احتل وكيل لائحة الاتحاد الاشتراكي المرتبة السادسة ب 1.757 صوتا وتجاوزه اليسار الديمقراطي ب 3.085 صوتا، في حين فازت لائحة حزب العدالة والتنمية بمقعدين و 22.551 صوتا..
ما وقع في الرباط، حدث أيضا في كبريات المدن وفي معاقل سابقة للاتحاد الاشتراكي. نأخذ مثلا المدينة العمالية والاقتصادية والمالية، الدارالبيضاء، حيث السمة البارزة هي الهزيمة والاندحار… فمن ضمن 57 مقعدا برلمانيا يخص جهة الدارالبيضاء-سطات، فاز الاتحاد الاشتراكي بمقعدين في كل من مدن الجديدة وسطات، أما في مختلف مقاطعات وعمالات الدارالبيضاء فصفر مقعد. لكن ما يلفت الأنظار كون الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، حصل على أصوات أكثر من حزب الاتحاد الاشتراكي في كل المقاطعات بدون استثناء.
بل في دائرة الطبقة المتوسطة والكبيرة، عمالة مقاطعة أنفا، استطاع “مصطفى الشناوي” عن حزب اليسار الديمقراطي من ربح مقعد برلماني بحصوله على المرتبة الرابعة و 6.629 صوتا في حين حصلت لائحة الاتحاد الاشتراكي على المرتبة السادسة ب 3.477 صوتا والمرتبة الأولى عادت لحزب العدالة والتنمية بمقعدين و 30.617 صوتا.. إنها أرقام صادمة وعقاب انتخابي يصعب إخفاءه.. هكذا وبدائرة “عمالة مقاطعة ابن مسيك” (الأول، العدالة والتنمية ب 15.584 صوتا واليسار الديمقراطي 648 صوتا والاتحاد الاشتراكي 426)، “دائرة مقاطعة الفداء مرس السلطان” (العدالة والتنمية 21.439 واليسار 1.213 والاتحاد 685)، “دائرة مقاطعة سيدي البرنوصي” (العدالة 33.140، اليسار 2.208، الاتحاد 832)، “مقاطعة عين السبع الحي المحمدي” (العدالة 27.038، اليسار 2.208، الاتحاد 2.068)، “عمالة مقاطعة مولاي رشيد (العدالة 26.039، اليسار 946، الاتحاد 799)، “عمالة مقاطعة الحي الحسني” (العدالة 22.799، اليسار 2.262، الاتحاد 609)، “مقاطعة عين الشق” (العدالة 23.545، اليسار 2069، الاتحاد 548).. وتحدثنا سابقا عن دائرة “مديونة” ودائرة “عمالة مقاطعة أنفا”… الخلاصة الصادمة، في كل الدوائر الانتخابية بمدينة الدارالبيضاء، تفوق الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، على الحزب التاريخي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ووقع عقاب تاريخي له من طرف الناخبين…
نفس الوضع نجده في كل المدن الأخرى، نأخذ مثلا العاصمة العلمية للمملكة، فاس، التي كانت معقلا انتخابيا للاتحاد الاشتراكي.. هكذا تجاوز حزب تحالف أحزاب اليسار الديمقراطي (4.659 صوتا) حزب الاتحاد (4.496) بينما احتل حزب العدالة والتنمية الصدارة ب 75.398 صوتا!!.. مثلا مدينة مراكش بكل دوائرها بوأت حزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 91.384 صوتا واليسار (5.815) والاتحاد (2.434 صوتا)، والغريب أنه في دائرة “مراكش جليز المنارة”، التي عرفت حربا ضروسا ضد ترشيح السلفي حمادي القباج بمساهمة مرشح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كانت نتيجة التصويت عقابية في حق هذا الأخير إذ احتل المرتبة السابعة ب 930 صوتا، في حين احتل تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.267 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 27.959 صوتا. وكنت في كتابات سابقة تحدثت عن اندحار صوت القوات الشعبية خلال الانتخابات الجزئية لسنة 2013 بنفس الدائرة وكان حينها مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي حصل على 446 صوتا. الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي في تقهقر مستمر…
وليس بعيد عن الرباط، بدائرة “الخميسات ولماس”، معقل الحركة الشعبية، حيث حصل هذا الأخير على الصف الأول ب 13.470 صوتا واليسار الديمقراطي الصف العاشر ب 863 صوتا والاتحاد الاشتراكي الصف الثالث عشر بسوى 182 صوتا، وراء أحزاب مثل حزب الشورى والاستقلال وحزب الحرية والعدالة الاجتماعية وحزب القوى الديمقراطية وغيرها!!..
أما في دائرة “طنجة أصيلة”، فحزب الاتحاد الاشتراكي يعتبر منقرضا بلغة الأرقام، إذ احتل الرتبة السابعة ب 748 صوتا فيما تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.668 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول على الصعيد الوطني ب 60.278 صوتا وثلاثة مقاعد… وبدائرة “الرحامنة”، عاقب الناخبون حزب الاتحاد بحصوله على 190 صوتا في الوقت الذي حصل اليسار الديمقراطي على 3.813 صوتا واحتل حزب الأصالة والمعاصرة الصف الأول ب 26.513 صوتا.. ونفس المصير بمدينة مكناس، الاتحاد 2.090 واليسار 5.875 والصف الأول للعدالة ب 48.120 صوتا… وبالشرق، بدائرة “وجدة أنكاد”، الاتحاد احتل الصف الخامس ب 1.676 صوتا واليسار الصف الرابع ب 2.103 والصف الأول احتله حزب الأصالة والمعاصرة ب 30.448 صوتا… أينما وليت نظرك في خريطة المغرب وإلا عثرت على نتائج عقابية في حق مرشحي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…
لتعرج على الجنوب وبقلعتين تاريخيتين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أتحدث من جهة عن “أكادير إداوتنان” (الصف الأول، حزب العدالة والتنمية ب 36.504 صوتا والاتحاد في الصف الرابع ب 3.758 صوتا)، ومن جهة أخرى على مدينة “تارودانت” (الصف الأول، العدالة والتنمية ب 59.781 صوتا والاتحاد الاشتراكي في الصف الخامس ب 5.918 صوتا)… هل تريدون المزيد؟ أسمعكم تقولون: كفى، كفى… إنه أمر مؤلم لكل من عايش أو ناضل أو صوت على هذا الحزب العتيد الذي كان يقضي وجع السلطة لعشرات السنين. لكن الأخطاء والابتعاد عن هموم الشعب ومطالبه، لها تكلفة انتخابية كبيرة وها هو أحد أكبر الأحزاب التاريخية ينقرض انتخابيا رويدا رويدا واستحقاقا وراء استحقاق منذ زمن بعيد، ولا يبدو في الأفق تغيير لهذا المسار الاندحاري…
ولولا تدارك الأمر من طرف سلطة الإدارة الترابية التي دافعت عن تخفيض العتبة من 6 بالمائة إلى 3 بالمائة وعرقلة تأسيس حزب اليازغي الإبن، لكان الاتحاد الاشتراكي اليوم بدون فريق برلماني وأعضائه في حدود 15-16 برلماني وبرلمانية!! وهذا نستشفه من نتائج برلمانيي الحزب الناجحين ب دائرة “تطوان” (الصف الخامس ب 10.639 صوتا في حين حصل العدالة والتنمية على الصف الأول ب 20.136)، دائرة “وزان” (الصف الثالث ب 11.190 صوتا والحزب الأول ب 24.871 صوتا)، دائرة “الجديدة (المرتبة الخامسة ب 10.418 صوتا والصف الأول حزب الاستقلال ب 25.163 صوتا) وأخيرا دائرة “سطات” (المقعد الرابع ب 8.875 صوتا والحزب الأول العدالة والتنمية ب 20.542 صوتا)… كل هذه المقاعد كانت ستكون في عداد المقاعد الخاسرة لم بقيت العتبة في 6 بالمائة والجميع يتذكر أن حزب القوات الشعبية كان قد دافع سنوات عدة عن ضرورة تخليق المشهد السياسي من خلال رفع العتبة إلى 10 بالمائة!!…
يمكن أن نستمر في هذا التشريح وذلك من خلال تحليل دقيق للواقع الانتخابي في الدوائر التي خسرها الحزب، وهي 19 دائرة مقارنة مع استحقاقات 2011، بما فيها المعقل الانتخابي للمرحوم الزايدي بدائرة “بنسليمان” ودوائر أخرى كما هو حال “أكادير” و”قلعة السراغنة” و”الحسيمة”… كما يمكن الغوص في تحليل بروفيلات البرلمانيين الجدد للحزب وعلاقتهم بتاريخ الحزب… كل هذا موجود ويمكن أن يكون مادة لمقال لاحق… لنكتفي بهذا القدر، لأن النبش والتعمق أكثر في الأرقام لن يغير من واقع الاندحار، أو بالأحرى الانقراض كما كان يتنبأ به أحد القادة والمفكرين الكبار لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، السوسيولوجي محمد كسوس رحمه الله، الذي كان في محاضرات حزبية عديدة يحذر من انقراض الحزب كما وقع للعديد من الأحزاب التقدمية بدول عديدة كمصر مثلا…
كما يجب التوضيح أيضا أننا لم نتطرق للمشاكل والصراعات الداخلية للحزب، بل حاولنا التطرق بكل موضوعية وتجرد عن الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انطلاقا من نتائج الانتخابات الصادرة رسميا عن وزارة الداخلية… عادة، بالنسبة لحزب اشتراكي ينتمي للأممية الاشتراكية وقريب من تنظيماتها القوية بكل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال، ما يتقدم قادة الحزب ليلة الهزيمة الانتخابية بتقديم الاستقالة أو على الأقل طلب التئام هيئات الحزب لتقييم الوضع الانتخابي والتنظيمي والخط السياسي في إطار الإعداد لمؤتمر استثنائي يعالج الخلل تنظيميا وسياسيا…
اختار قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ ظهور نتائج الانتخابات ليلة السابع من أكتوبر 2016، التفرغ للتحالفات الحزبية من أغلبية ومعارضة والبحث عن موطئ قدم داخل هذه الكتلة أو تلك والدفاع عن حقهم في المناصب انطلاقا من رصيدهم الحزبي التاريخي غير آبهين بنكستهم الانتخابية وتحقق لهم ذلك من خلال الظفر برئاسة البرلمان بفضل أصواتهم العشرون وأصوات أحزاب الإدارة، أساسا حزب الأصالة والمعاصرة ببرلمانييه المائة واثنين وكذا أصوات حزب الأحرار (37) وحزب الاتحاد الدستوري (19) وحزب الحركة الشعبية (27)… واليوم، يدافعون على “حقهم” الدخول للحكومة في إطار تكتل حزبي يقوده الرجل القوي الجديد…
هناك مقاربتان للشأن الحزبي، المقاربة السائدة بالأحزاب الاشتراكية الأوروبية التي لا يمكن لها التغاضي عن نتائج الانتخابات والتي تتفاعل في الحين مع نتائجها أو توقعاتها، وهو الواقع الذي ألزم الرئيس الفرنسي إعلان انسحابه من الانتخابات التمهيدية لرئاسة الحكومة وفرضت على وزيره الأول خوضها وفشله في تحقيق الدعم التمهيدي لشعب اليسار… ويبدو أن حزب الاتحاد الاشتراكي اختار مقاربة أخرى، لا تبالي بنتائج الانتخابات وبصوت الشعب واختار الاصطفاف إلى جانب صف الأحزاب القريبة من مراكز القرار وذلك في أفق بناء حزب جديد تقليدي يعتمد على الأعيان وليس المناضلين… إلا أن السؤال يطرح نفسه إن كان الأعيان سيختارون حزب الاتحاد الاشتراكي عوض أحزاب الأحرار والأصالة والمعاصرة؟ أم أن قادة الاتحاد الحاليين اختاروا طريق الدفاع عن مصالحهم الشخصية وجعل الحزب المعارض التاريخي الذي كان يلعب أدوارا ريادية، حزبا صغيرا وتابعا لأحزاب أخرى… هذه أسئلة يطرحها العديد من المواطنين في انتظار وضوح الصورة… وللحديث بقية عن الواقع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأحزاب وطنية أخرى…
بقلم: عبدالحق الريكي
الرباط، 03 فبراير 2017
Share this on WhatsApp
المقال السابقفرنسا تتجه لتحميل الجزائر مسؤولية المجازر التي تعرض لها "الخونة"
المقالة القادمةجندي فرنسي يحبط محاولة لاقتحام متحف اللوفر
الأول
مقالات ذات صلة
هل الجزائر “متيقة” أن المغرب سيعترف بالبوليساريو؟
الشرطة العلمية: هذه حقيقة الكيس الذي عثر عليه بمحطة القطار الرباط
خطير.. اكتشاف كيس بلاستيكي يعتقد أنه مليئ بالمتفجرات بسكة محطة الرباط
الأكثر مشاهدة
أخنوش يهاجم الرميد بعد وصفه بالمبتدئ: أنا راجل ولن نقبل أن...
الملك يثير جدلا في الصحافة الفرنسية بسبب أزمة مياه المدينة التي...
الفاسي: لا أنطق اسم بوستة إلا بالاحترام.. وبادو: هذه كواليس العريضة...
عاجل.. نقل خولة النخيلي إلى المستشفى بعدما أغمي عليها داخل المحكمة
حمل أكثر
آخر الفيديوهات
فيديو..القبض على شخص حاول حرق الكعبة
فيديو.. شاب حاول إحراق نفسه بالكعبة
فيديو.. مصير درامي للص سرق هاتفا في طنجة
برلماني كندي يلقي كلمة مؤثرة في حق المسلمين الذين قتلوا بكيبيك
مكالمة هاتفية “تكشف” العلاقة بين مدير دوزيم والفتاة التي تتهمه...
فيديو.. بنعبد الله: يتعين أن يخرج بنكيران معززا مكرما
عن الأول
تابعنا
للإعلان على موقعنا هيئة التحرير من نحن اتصل بنا شروط الإستعمال
©
رئيسيةسياسةتشريح دقيق للأرقام يكشف الهزيمة الكارثية وغير المسبوقة للاتحاد الاشتراكي
ي
تكويني في الرياضيات والإحصائيات يدفعني مرارا إلى البحث في الأرقام وخاصة في التفاصيل الصغيرة ولكن ذات الدلالة الكبيرة في التحليل. هكذا ومنذ سنين دأبت على قراءة نتائج الانتخابات بكل من فرنسا وإسبانيا وبطبيعة الحال وطني المغرب. عادة ما يهم المواطن، هو النتائج العامة وخاصة الفائز بالانتخابات وأحيانا الخاسر. أما أنا فأغوص في نتائج كل دائرة وكل حزب. هذا العمل مُضني ومُتعب ويتطلب وقتا وصبرا. أحيانا لا أجد ما يشفي الغليل، لكن أحيانا أخرى أجد أشياء مهمة. هذا ما وقع لي بالضبط عندما بدأت تشريح تفاصيل نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة للسابع من أكتوبر 2016. وأنا أتصفح نتائج كل دائرة وجهة ومدينة كبرى، بدأت أرقام حزب تاريخي تثير فضولي. صدمتني وآلمتني ولم أكن أعتقد أنها سيئة للغاية رغم معرفتي باندحار وفشل هذا الحزب منذ زمن بعيد.
أتحدث عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان آمال المغاربة لعقود طويلة وقدم العديد من الشهداء والمعتقلين وصارع من أجل الديمقراطية وكون أجيالا من المناضلين والأطر والذي خاض أول تجربة للانتقال الديمقراطي، قادها القائد التاريخي عبدالرحمن اليوسفي. ستقولون أن اندحاره ظاهر للعيان. معكم الحق، وهذا كان موقفي أيضا. لكن لا تتسرعوا، الاندحار أعمق وأشمل وعام. امنحوني صبرا وستقرءون العجب العجاب. حينها لكم حرية الحُكم.
بداية كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان من الأحزاب التي خسرت الانتخابات إذ بقدرة قادر تمكن من الحصول على عشرون مقعدا مكنته من تكوين فريق برلماني. ونعلم أنه خَسِر 19 مقعدا مقارنة مع انتخابات 2011 و37 مقعدا مقارنة بسنة 1997!!.. ونعلم أيضا أن المقاعد العشرون تتكون من 14 مقعدا في إطار اللوائح المحلية و6 مقاعد في إطار اللائحة الوطنية للشباب والنساء (يعتبرها البعض ريعا انتخابيا)… كما لا يخفى عليكم كون هذا الحزب حصل على 3 مقاعد من ضمن 8 مقاعد بجهة كلميم وادي النون ومقعدا من أربعة بجهة الداخلة وادي الذهب وصفرا من ضمن 21 مقعدا بجهة سوس ماسة ومقعدا واحدا من ضمن 39 مقعدا بجهة الرباط سلا القنيطرة ومقعدين من ضمن 57 مقعدا بجهة الدارالبيضاء سطات…
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينتمي للأممية الاشتراكية، وكلنا نعرف أن ثقافة الأحزاب الجادة مبنية على شرعيتين. الشرعية الحزبية وتتجسد في المؤتمرات الوطنية الدورية حيث يتم انتخاب قيادة الحزب انطلاقا من مشروع وأفكار وأطروحات قادرة على ربح المعارك الانتخابية وتمكين رئيس الحزب من الصراع على احتلال مراتب متقدمة ولما لا قيادة الحكومة. لذا فجل قادة الحزب يتقدمون للانتخابات للدفاع عن برنامج الحزب وربح الشرعية الشعبية الانتخابية. كيف تعامل حزب الاتحاد مع هذا الثابت الاشتراكي والحزبي؟ هنا خيبة الأمل كانت كبيرة لأن أغلب قادة الحزب بما فيهم الكاتب الأول لم يترشحوا، والغالب لعلمهم أن حظوظهم منعدمة. وها هو الدليل القاطع.
دأب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بالتقدم وأحيانا النجاح للبرلمان بالدائرة الانتخابية “الرباط-شالة”. لم يتقدم هذه المرة وكان قراره صائبا لأن لائحة الحزب في الدائرة احتلت المرتبة الثامنة ب 1.757 صوتا في الوقت الذي حازت لائحة حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى ب 22.551 صوتا… القضية ليست مقتصرة على الكاتب الأول، بل نجد أن عضوا واحدا من ضمن 31 عضوا من المكتب السياسي المنتخب في آخر مؤتمر، استطاع الظفر بمقعد انتخابي، في الوقت الذي فاز 14 قياديا من ضمن 25 عضوا للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بمقاعد برلمانية وبالمرتبة الأولى وأحيانا بمقعدين وأكثر… يا ترى من يكون العضو القيادي الاتحادي الفائز في الدوائر المحلية؟
بطبيعة الحال تعرفونه، إنه “الحبيب المالكي”، أستاذ جامعي ومفكر اقتصادي وعضو قديم بقيادة الحزب وحاليا رئيس المجلس الوطني للحزب والأهم هو تبوأه ثالث مرتبة في هرم الدولة من خلال انتخابه رئيسا للبرلمان المغربي وذلك قبل تشكيل الأغلبية البرلمانية والحكومة. لأول وهلة سيقول قائل أن هذه المناصب ستجعلنا نستنبط كون الشخص المذكور يتوفر على معقل انتخابي لا يجادله فيه أحدا… للآسف الشديد هذا الاستنتاج غير صحيح بالمرة، بحيث نجده احتل المرتبة الثالثة في الدائرة الانتخابية “خريبكة” ب 10.168 صوتا ولكن بعيدا عن مرشح حزب العدالة والتنمية ب 15.979 صوتا ومرشح حزب الأصالة والمعاصرة ب 15.888 صوتا… ستقولون أنه بدون شك، سيكون قيدوم البرلمانيين وقائد الحزب لسنين عديدة يتوفر على معقل انتخابي قار وقوي… نتحدث عن “عبدالواحد الراضي” الذي عمر كل البرلمانات وتقدم لانتخابات 2016 بدائرته المعتادة “سيدي سليمان”… تعرفون نتيجته؟
نجح هذا القائد التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحصول على مقعده البرلماني لكن باحتلاله المرتبة الثانية ب 10.733 صوتا وتفوق عليه الشاب ياسين الراضي ب 12.536 صوتا وهو المنتمي لحزب الاتحاد الدستوري، هذا الحزب الصغير اليوم، كان يُنعت حين تأسيسه بحزب الإدارة و”كوكوت مينوت” من طرف كوادر ومناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية… ألم أقل لكم أن التعمق في الأرقام سيثير شهيتنا في الاستمرار في الغوص في الأعماق… مثلا، هل تعلمون أن قياديا منتخبا في آخر مؤتمر للحزب وقدم استقالته منه وتقدم للانتخابات البرلمانية في صفوف حزب الأحرار نجح في الانتخابات واحتل المرتبة الأولى بمعقله الانتخابي بدائرة “ميدلت”؟
أتحدث عن “سعيد شبعتو” الذي حصل على الرتبة الأولى ب 16.085 صوتا في الوقت الذي حصل مرشح الاتحاد الاشتراكي بنفس الدائرة على المرتبة العاشرة ب 691 صوتا. لا بد من طرح هذا السؤال: هل هذا الشخص كان يعرف أن حظوظه وحظوظ الحزب الاشتراكي منعدمة واتخذ قرار مغادرة الحزب والتوجه لحزب آخر؟ هذا السؤال مشروع جدا حين نعثر بالصدفة على صورة مرشح آخر غادر الحزب الاشتراكي وترشح في صفوف حزب آخر واستطاع النجاح كبرلماني… والغريب في الأمر أن نفس الشخص ترأس لائحة حزب الاتحاد الاشتراكي خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2015 بمقاطعة “حسان” بالرباط وحصلت لائحته على المرتبة الثامنة ب 726 صوتا وصفر مقعدا إذ لم تحصل على العتبة وإذا به يتقدم سنة 2016 في قائمة مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة في دائرة “الراشيدية” وينجح كبرلماني بحصوله على المرتبة الثانية ب 15.744 صوتا في حين حصل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المرتبة السادسة ب 7.233 صوتا… إنه النقابي “عدي بوعرفة”… هل تريدون المزيد؟
كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد صفوف المعارضة الوطنية لسنين عديدة من موقع طليعي يصعب عليه قبول كونه أصبح حزبا وطنيا عاديا وصغيرا وفي حاجة لأحزاب أخرى أصبحت تلعب أدوارا كبرى على الساحة السياسية الوطنية. هكذا فالمتتبع العادي يفهم كيف أصبح حزب الاتحاد الاشتراكي قريب من حزب، كان إلى البارحة ينعته بالوافد الجديد، ألا وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي بفضل 102 من برلمانييه استطاع أحد القادة الاشتراكيين من الفوز برآسة البرلمان. ويفهم أيضا صراعه ومعارضته لحزب العدالة والتنمية الذي أصبح حزبا ذو شعبية كبيرة ويكتسح المواقع الانتخابية. هنا ما يهمنا هو الخطة التي نهجها حزب الاتحاد الاشتراكي لمنافسة أمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة “عبدالإله بنكيران” في الدائرة الانتخابية “سلا المدينة”… الصدمة ستكون قوية لمن لا يدري النتيجة…
تقدم “عبدالإله بنكيران” لمرة أخرى بمعقله الانتخابي في مواجهة 14 حزبا وكانت هذه الدائرة لرمزيتها مثار اهتمام وطني ودولي. واستطاعت لائحة حزب المصباح من الاكتساح الانتخابي إذ حصلت على نصف الأصوات المعبر عنها بما مقداره 36.404 صوتا ومقعدين ضمن أربعة مقاعد. لننظر الآن في موضوع منافسة حزب الاتحاد الاشتراكي لخصمه الأول والرئيس. قلت سابقا، الصدمة كانت قوية، لأنه لم يكن هنالك في أرض الواقع أي تنافس يذكر، بل هزيمة كبيرة لمرشح الاتحاد الاشتراكي الذي لم يستطع تجاوز الألف صوت، بتحقيقه 913 صوتا من أكثر من 72 ألف صوت معبر عنها…
هذا دليل قاطع على أن المعارضة الكلامية للاتحاد الاشتراكي رغم حدتها وأسلوبها وأدواتها وأفكارها، لا تأثير لها على أرض الواقع الانتخابي المغربي… وما يحز أكثر في النفس هو كون لائحة الاتحاد الاشتراكي بنفس المدينة وبدائرة “سلا الجديدة” وفي مواجهة أحد قياديي العدالة والتنمية ووزرائه خيبت الآمال حيث فاز حزب المصباح بمقعدين من ثلاثة وب 25.020 صوتا في حين اندحرت لائحة الاشتراكي للصفوف الأخيرة ب 355 صوتا، متقدما عليها حزب صغير وهو حزب البيئة والتنمية المستدامة ب 404 صوتا…
والغريب هو أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حصد في العديد من الدوائر على أصوات قليلة جدا ولا تصل الألف وأحيانا عشرات الأصوات كما هو الحال في دائرة “النواصر” بالدارالبيضاء حيث احتلت لائحته المرتبة الأخيرة ب 127 صوتا يتقدم عليه حزب جديد هو حزب الديمقراطيين الجدد ب 213 صوتا، كما احتل الصف ما قبل الأخير بدائرة “مديونة” ب 65 صوتا (نعم 65 صوتا) ضمن أكثر من 30.000 صوت معبر عنها وبعيدا عن أحزاب صغيرة مثل حزب الشورى والاستقلال (92 صوتا) وحزب البيئة والتنمية المستدامة (74 صوتا)… سيقول البعض أن هذا الأمر يقع لكل الأحزاب لأنه يصعب عليها ضبط كل الخريطة الانتخابية الوطنية. أجيب بنعم وفي نفس الوقت أقول أن هذا الأمر يمكن أن يحدث لأحزاب جديدة وصغيرة وغير معروفة. إننا هنا بصدد الحديث عن حزب المهدي بنبركة وعمر بن جلون وعبدالرحيم بوعبيد وعبدالرحمن اليوسفي والفقيه البصري ونوبير الأموي ومحمد اليازغي وعبدالواحد الراضي وآخرون كثر، بمعنى آخر نتحدث عن حزب معروف في كل مدينة وقرية وحارة ودار… يمكن لحزب كبير أن ينهزم انتخابيا ولكن بهذا الشكل فهو عقاب انتخابي ونكسة وليس هزيمة… خاصة أن هذا الوضع عام وشامل وفي كل المدن الكبرى وفي المعاقل التاريخية للحزب. والطامة الكبرى هو كون حزب يساري صغير لم يحصل سوى على مقعدين برلمانيين استطاع التفوق على حزب تاريخي كبير في دوائر كثيرة نذكر منها:
مدينة الرباط، عاصمة المملكة، وقلعة اتحادية تاريخية منذ تَقَّدم الشهيد المهدي بنبركة لمنافسة الفديك سنة 1963 بيعقوب المنصور، هذه المدينة التي صمدت في وجه التزوير في سنوات الرصاص ومنحت مقاعد برلمانية عديدة لقادة الاتحاد حتى أصبحوا برلمانيين ووزراء، أصبحت “مقبرة” للوائح الاتحاد الاشتراكي وهذا يتجلى في النتائج المحصل عليها من طرف مرشحي الحزب الاشتراكي. هكذا وفي دائرة “الرباط-المحيط”، حصل مرشح الاتحاد على المرتبة الثامنة ب 1.109 صوتا واستطاع “عمر بلافريج” وكيل لائحة تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي بالظفر بمنصب برلماني باحتلاله الصف الثالث ب 8.048 صوتا في الوقت الذي احتل حزب العدالة والتنمية الصف الأول ومقعدين ب 29.531 صوتا. أما في قلعة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، دائرة “الرباط-شالة”، فكما قلنا سابقا احتل وكيل لائحة الاتحاد الاشتراكي المرتبة السادسة ب 1.757 صوتا وتجاوزه اليسار الديمقراطي ب 3.085 صوتا، في حين فازت لائحة حزب العدالة والتنمية بمقعدين و 22.551 صوتا..
ما وقع في الرباط، حدث أيضا في كبريات المدن وفي معاقل سابقة للاتحاد الاشتراكي. نأخذ مثلا المدينة العمالية والاقتصادية والمالية، الدارالبيضاء، حيث السمة البارزة هي الهزيمة والاندحار… فمن ضمن 57 مقعدا برلمانيا يخص جهة الدارالبيضاء-سطات، فاز الاتحاد الاشتراكي بمقعدين في كل من مدن الجديدة وسطات، أما في مختلف مقاطعات وعمالات الدارالبيضاء فصفر مقعد. لكن ما يلفت الأنظار كون الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، حصل على أصوات أكثر من حزب الاتحاد الاشتراكي في كل المقاطعات بدون استثناء.
بل في دائرة الطبقة المتوسطة والكبيرة، عمالة مقاطعة أنفا، استطاع “مصطفى الشناوي” عن حزب اليسار الديمقراطي من ربح مقعد برلماني بحصوله على المرتبة الرابعة و 6.629 صوتا في حين حصلت لائحة الاتحاد الاشتراكي على المرتبة السادسة ب 3.477 صوتا والمرتبة الأولى عادت لحزب العدالة والتنمية بمقعدين و 30.617 صوتا.. إنها أرقام صادمة وعقاب انتخابي يصعب إخفاءه.. هكذا وبدائرة “عمالة مقاطعة ابن مسيك” (الأول، العدالة والتنمية ب 15.584 صوتا واليسار الديمقراطي 648 صوتا والاتحاد الاشتراكي 426)، “دائرة مقاطعة الفداء مرس السلطان” (العدالة والتنمية 21.439 واليسار 1.213 والاتحاد 685)، “دائرة مقاطعة سيدي البرنوصي” (العدالة 33.140، اليسار 2.208، الاتحاد 832)، “مقاطعة عين السبع الحي المحمدي” (العدالة 27.038، اليسار 2.208، الاتحاد 2.068)، “عمالة مقاطعة مولاي رشيد (العدالة 26.039، اليسار 946، الاتحاد 799)، “عمالة مقاطعة الحي الحسني” (العدالة 22.799، اليسار 2.262، الاتحاد 609)، “مقاطعة عين الشق” (العدالة 23.545، اليسار 2069، الاتحاد 548).. وتحدثنا سابقا عن دائرة “مديونة” ودائرة “عمالة مقاطعة أنفا”… الخلاصة الصادمة، في كل الدوائر الانتخابية بمدينة الدارالبيضاء، تفوق الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، على الحزب التاريخي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ووقع عقاب تاريخي له من طرف الناخبين…
نفس الوضع نجده في كل المدن الأخرى، نأخذ مثلا العاصمة العلمية للمملكة، فاس، التي كانت معقلا انتخابيا للاتحاد الاشتراكي.. هكذا تجاوز حزب تحالف أحزاب اليسار الديمقراطي (4.659 صوتا) حزب الاتحاد (4.496) بينما احتل حزب العدالة والتنمية الصدارة ب 75.398 صوتا!!.. مثلا مدينة مراكش بكل دوائرها بوأت حزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 91.384 صوتا واليسار (5.815) والاتحاد (2.434 صوتا)، والغريب أنه في دائرة “مراكش جليز المنارة”، التي عرفت حربا ضروسا ضد ترشيح السلفي حمادي القباج بمساهمة مرشح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كانت نتيجة التصويت عقابية في حق هذا الأخير إذ احتل المرتبة السابعة ب 930 صوتا، في حين احتل تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.267 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 27.959 صوتا. وكنت في كتابات سابقة تحدثت عن اندحار صوت القوات الشعبية خلال الانتخابات الجزئية لسنة 2013 بنفس الدائرة وكان حينها مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي حصل على 446 صوتا. الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي في تقهقر مستمر…
وليس بعيد عن الرباط، بدائرة “الخميسات ولماس”، معقل الحركة الشعبية، حيث حصل هذا الأخير على الصف الأول ب 13.470 صوتا واليسار الديمقراطي الصف العاشر ب 863 صوتا والاتحاد الاشتراكي الصف الثالث عشر بسوى 182 صوتا، وراء أحزاب مثل حزب الشورى والاستقلال وحزب الحرية والعدالة الاجتماعية وحزب القوى الديمقراطية وغيرها!!..
أما في دائرة “طنجة أصيلة”، فحزب الاتحاد الاشتراكي يعتبر منقرضا بلغة الأرقام، إذ احتل الرتبة السابعة ب 748 صوتا فيما تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.668 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول على الصعيد الوطني ب 60.278 صوتا وثلاثة مقاعد… وبدائرة “الرحامنة”، عاقب الناخبون حزب الاتحاد بحصوله على 190 صوتا في الوقت الذي حصل اليسار الديمقراطي على 3.813 صوتا واحتل حزب الأصالة والمعاصرة الصف الأول ب 26.513 صوتا.. ونفس المصير بمدينة مكناس، الاتحاد 2.090 واليسار 5.875 والصف الأول للعدالة ب 48.120 صوتا… وبالشرق، بدائرة “وجدة أنكاد”، الاتحاد احتل الصف الخامس ب 1.676 صوتا واليسار الصف الرابع ب 2.103 والصف الأول احتله حزب الأصالة والمعاصرة ب 30.448 صوتا… أينما وليت نظرك في خريطة المغرب وإلا عثرت على نتائج عقابية في حق مرشحي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…
لتعرج على الجنوب وبقلعتين تاريخيتين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أتحدث من جهة عن “أكادير إداوتنان” (الصف الأول، حزب العدالة والتنمية ب 36.504 صوتا والاتحاد في الصف الرابع ب 3.758 صوتا)، ومن جهة أخرى على مدينة “تارودانت” (الصف الأول، العدالة والتنمية ب 59.781 صوتا والاتحاد الاشتراكي في الصف الخامس ب 5.918 صوتا)… هل تريدون المزيد؟ أسمعكم تقولون: كفى، كفى… إنه أمر مؤلم لكل من عايش أو ناضل أو صوت على هذا الحزب العتيد الذي كان يقضي وجع السلطة لعشرات السنين. لكن الأخطاء والابتعاد عن هموم الشعب ومطالبه، لها تكلفة انتخابية كبيرة وها هو أحد أكبر الأحزاب التاريخية ينقرض انتخابيا رويدا رويدا واستحقاقا وراء استحقاق منذ زمن بعيد، ولا يبدو في الأفق تغيير لهذا المسار الاندحاري…
ولولا تدارك الأمر من طرف سلطة الإدارة الترابية التي دافعت عن تخفيض العتبة من 6 بالمائة إلى 3 بالمائة وعرقلة تأسيس حزب اليازغي الإبن، لكان الاتحاد الاشتراكي اليوم بدون فريق برلماني وأعضائه في حدود 15-16 برلماني وبرلمانية!! وهذا نستشفه من نتائج برلمانيي الحزب الناجحين ب دائرة “تطوان” (الصف الخامس ب 10.639 صوتا في حين حصل العدالة والتنمية على الصف الأول ب 20.136)، دائرة “وزان” (الصف الثالث ب 11.190 صوتا والحزب الأول ب 24.871 صوتا)، دائرة “الجديدة (المرتبة الخامسة ب 10.418 صوتا والصف الأول حزب الاستقلال ب 25.163 صوتا) وأخيرا دائرة “سطات” (المقعد الرابع ب 8.875 صوتا والحزب الأول العدالة والتنمية ب 20.542 صوتا)… كل هذه المقاعد كانت ستكون في عداد المقاعد الخاسرة لم بقيت العتبة في 6 بالمائة والجميع يتذكر أن حزب القوات الشعبية كان قد دافع سنوات عدة عن ضرورة تخليق المشهد السياسي من خلال رفع العتبة إلى 10 بالمائة!!…
يمكن أن نستمر في هذا التشريح وذلك من خلال تحليل دقيق للواقع الانتخابي في الدوائر التي خسرها الحزب، وهي 19 دائرة مقارنة مع استحقاقات 2011، بما فيها المعقل الانتخابي للمرحوم الزايدي بدائرة “بنسليمان” ودوائر أخرى كما هو حال “أكادير” و”قلعة السراغنة” و”الحسيمة”… كما يمكن الغوص في تحليل بروفيلات البرلمانيين الجدد للحزب وعلاقتهم بتاريخ الحزب… كل هذا موجود ويمكن أن يكون مادة لمقال لاحق… لنكتفي بهذا القدر، لأن النبش والتعمق أكثر في الأرقام لن يغير من واقع الاندحار، أو بالأحرى الانقراض كما كان يتنبأ به أحد القادة والمفكرين الكبار لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، السوسيولوجي محمد كسوس رحمه الله، الذي كان في محاضرات حزبية عديدة يحذر من انقراض الحزب كما وقع للعديد من الأحزاب التقدمية بدول عديدة كمصر مثلا…
كما يجب التوضيح أيضا أننا لم نتطرق للمشاكل والصراعات الداخلية للحزب، بل حاولنا التطرق بكل موضوعية وتجرد عن الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انطلاقا من نتائج الانتخابات الصادرة رسميا عن وزارة الداخلية… عادة، بالنسبة لحزب اشتراكي ينتمي للأممية الاشتراكية وقريب من تنظيماتها القوية بكل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال، ما يتقدم قادة الحزب ليلة الهزيمة الانتخابية بتقديم الاستقالة أو على الأقل طلب التئام هيئات الحزب لتقييم الوضع الانتخابي والتنظيمي والخط السياسي في إطار الإعداد لمؤتمر استثنائي يعالج الخلل تنظيميا وسياسيا…
اختار قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ ظهور نتائج الانتخابات ليلة السابع من أكتوبر 2016، التفرغ للتحالفات الحزبية من أغلبية ومعارضة والبحث عن موطئ قدم داخل هذه الكتلة أو تلك والدفاع عن حقهم في المناصب انطلاقا من رصيدهم الحزبي التاريخي غير آبهين بنكستهم الانتخابية وتحقق لهم ذلك من خلال الظفر برئاسة البرلمان بفضل أصواتهم العشرون وأصوات أحزاب الإدارة، أساسا حزب الأصالة والمعاصرة ببرلمانييه المائة واثنين وكذا أصوات حزب الأحرار (37) وحزب الاتحاد الدستوري (19) وحزب الحركة الشعبية (27)… واليوم، يدافعون على “حقهم” الدخول للحكومة في إطار تكتل حزبي يقوده الرجل القوي الجديد…
هناك مقاربتان للشأن الحزبي، المقاربة السائدة بالأحزاب الاشتراكية الأوروبية التي لا يمكن لها التغاضي عن نتائج الانتخابات والتي تتفاعل في الحين مع نتائجها أو توقعاتها، وهو الواقع الذي ألزم الرئيس الفرنسي إعلان انسحابه من الانتخابات التمهيدية لرئاسة الحكومة وفرضت على وزيره الأول خوضها وفشله في تحقيق الدعم التمهيدي لشعب اليسار… ويبدو أن حزب الاتحاد الاشتراكي اختار مقاربة أخرى، لا تبالي بنتائج الانتخابات وبصوت الشعب واختار الاصطفاف إلى جانب صف الأحزاب القريبة من مراكز القرار وذلك في أفق بناء حزب جديد تقليدي يعتمد على الأعيان وليس المناضلين… إلا أن السؤال يطرح نفسه إن كان الأعيان سيختارون حزب الاتحاد الاشتراكي عوض أحزاب الأحرار والأصالة والمعاصرة؟ أم أن قادة الاتحاد الحاليين اختاروا طريق الدفاع عن مصالحهم الشخصية وجعل الحزب المعارض التاريخي الذي كان يلعب أدوارا ريادية، حزبا صغيرا وتابعا لأحزاب أخرى… هذه أسئلة يطرحها العديد من المواطنين في انتظار وضوح الصورة… وللحديث بقية عن الواقع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأحزاب وطنية أخرى…
بقلم: عبدالحق الريكي
الرباط، 03 فبراير 2017
Share this on WhatsApp
المقال السابقفرنسا تتجه لتحميل الجزائر مسؤولية المجازر التي تعرض لها "الخونة"
المقالة القادمةجندي فرنسي يحبط محاولة لاقتحام متحف اللوفر
الأول
مقالات ذات صلة
هل الجزائر “متيقة” أن المغرب سيعترف بالبوليساريو؟
الشرطة العلمية: هذه حقيقة الكيس الذي عثر عليه بمحطة القطار الرباط
خطير.. اكتشاف كيس بلاستيكي يعتقد أنه مليئ بالمتفجرات بسكة محطة الرباط
الأكثر مشاهدة
أخنوش يهاجم الرميد بعد وصفه بالمبتدئ: أنا راجل ولن نقبل أن...
الملك يثير جدلا في الصحافة الفرنسية بسبب أزمة مياه المدينة التي...
الفاسي: لا أنطق اسم بوستة إلا بالاحترام.. وبادو: هذه كواليس العريضة...
عاجل.. نقل خولة النخيلي إلى المستشفى بعدما أغمي عليها داخل المحكمة
حمل أكثر
آخر الفيديوهات
فيديو..القبض على شخص حاول حرق الكعبة
فيديو.. شاب حاول إحراق نفسه بالكعبة
فيديو.. مصير درامي للص سرق هاتفا في طنجة
برلماني كندي يلقي كلمة مؤثرة في حق المسلمين الذين قتلوا بكيبيك
مكالمة هاتفية “تكشف” العلاقة بين مدير دوزيم والفتاة التي تتهمه...
فيديو.. بنعبد الله: يتعين أن يخرج بنكيران معززا مكرما
عن الأول
تابعنا
للإعلان على موقعنا هيئة التحرير من نحن اتصل بنا شروط الإستعمال
©
ية
رئيسيةسياسةتشريح دقيق للأرقام يكشف الهزيمة الكارثية وغير المسبوقة للاتحاد الاشتراكي
ي
تكويني في الرياضيات والإحصائيات يدفعني مرارا إلى البحث في الأرقام وخاصة في التفاصيل الصغيرة ولكن ذات الدلالة الكبيرة في التحليل. هكذا ومنذ سنين دأبت على قراءة نتائج الانتخابات بكل من فرنسا وإسبانيا وبطبيعة الحال وطني المغرب. عادة ما يهم المواطن، هو النتائج العامة وخاصة الفائز بالانتخابات وأحيانا الخاسر. أما أنا فأغوص في نتائج كل دائرة وكل حزب. هذا العمل مُضني ومُتعب ويتطلب وقتا وصبرا. أحيانا لا أجد ما يشفي الغليل، لكن أحيانا أخرى أجد أشياء مهمة. هذا ما وقع لي بالضبط عندما بدأت تشريح تفاصيل نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة للسابع من أكتوبر 2016. وأنا أتصفح نتائج كل دائرة وجهة ومدينة كبرى، بدأت أرقام حزب تاريخي تثير فضولي. صدمتني وآلمتني ولم أكن أعتقد أنها سيئة للغاية رغم معرفتي باندحار وفشل هذا الحزب منذ زمن بعيد.
أتحدث عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان آمال المغاربة لعقود طويلة وقدم العديد من الشهداء والمعتقلين وصارع من أجل الديمقراطية وكون أجيالا من المناضلين والأطر والذي خاض أول تجربة للانتقال الديمقراطي، قادها القائد التاريخي عبدالرحمن اليوسفي. ستقولون أن اندحاره ظاهر للعيان. معكم الحق، وهذا كان موقفي أيضا. لكن لا تتسرعوا، الاندحار أعمق وأشمل وعام. امنحوني صبرا وستقرءون العجب العجاب. حينها لكم حرية الحُكم.
بداية كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان من الأحزاب التي خسرت الانتخابات إذ بقدرة قادر تمكن من الحصول على عشرون مقعدا مكنته من تكوين فريق برلماني. ونعلم أنه خَسِر 19 مقعدا مقارنة مع انتخابات 2011 و37 مقعدا مقارنة بسنة 1997!!.. ونعلم أيضا أن المقاعد العشرون تتكون من 14 مقعدا في إطار اللوائح المحلية و6 مقاعد في إطار اللائحة الوطنية للشباب والنساء (يعتبرها البعض ريعا انتخابيا)… كما لا يخفى عليكم كون هذا الحزب حصل على 3 مقاعد من ضمن 8 مقاعد بجهة كلميم وادي النون ومقعدا من أربعة بجهة الداخلة وادي الذهب وصفرا من ضمن 21 مقعدا بجهة سوس ماسة ومقعدا واحدا من ضمن 39 مقعدا بجهة الرباط سلا القنيطرة ومقعدين من ضمن 57 مقعدا بجهة الدارالبيضاء سطات…
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينتمي للأممية الاشتراكية، وكلنا نعرف أن ثقافة الأحزاب الجادة مبنية على شرعيتين. الشرعية الحزبية وتتجسد في المؤتمرات الوطنية الدورية حيث يتم انتخاب قيادة الحزب انطلاقا من مشروع وأفكار وأطروحات قادرة على ربح المعارك الانتخابية وتمكين رئيس الحزب من الصراع على احتلال مراتب متقدمة ولما لا قيادة الحكومة. لذا فجل قادة الحزب يتقدمون للانتخابات للدفاع عن برنامج الحزب وربح الشرعية الشعبية الانتخابية. كيف تعامل حزب الاتحاد مع هذا الثابت الاشتراكي والحزبي؟ هنا خيبة الأمل كانت كبيرة لأن أغلب قادة الحزب بما فيهم الكاتب الأول لم يترشحوا، والغالب لعلمهم أن حظوظهم منعدمة. وها هو الدليل القاطع.
دأب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بالتقدم وأحيانا النجاح للبرلمان بالدائرة الانتخابية “الرباط-شالة”. لم يتقدم هذه المرة وكان قراره صائبا لأن لائحة الحزب في الدائرة احتلت المرتبة الثامنة ب 1.757 صوتا في الوقت الذي حازت لائحة حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى ب 22.551 صوتا… القضية ليست مقتصرة على الكاتب الأول، بل نجد أن عضوا واحدا من ضمن 31 عضوا من المكتب السياسي المنتخب في آخر مؤتمر، استطاع الظفر بمقعد انتخابي، في الوقت الذي فاز 14 قياديا من ضمن 25 عضوا للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بمقاعد برلمانية وبالمرتبة الأولى وأحيانا بمقعدين وأكثر… يا ترى من يكون العضو القيادي الاتحادي الفائز في الدوائر المحلية؟
بطبيعة الحال تعرفونه، إنه “الحبيب المالكي”، أستاذ جامعي ومفكر اقتصادي وعضو قديم بقيادة الحزب وحاليا رئيس المجلس الوطني للحزب والأهم هو تبوأه ثالث مرتبة في هرم الدولة من خلال انتخابه رئيسا للبرلمان المغربي وذلك قبل تشكيل الأغلبية البرلمانية والحكومة. لأول وهلة سيقول قائل أن هذه المناصب ستجعلنا نستنبط كون الشخص المذكور يتوفر على معقل انتخابي لا يجادله فيه أحدا… للآسف الشديد هذا الاستنتاج غير صحيح بالمرة، بحيث نجده احتل المرتبة الثالثة في الدائرة الانتخابية “خريبكة” ب 10.168 صوتا ولكن بعيدا عن مرشح حزب العدالة والتنمية ب 15.979 صوتا ومرشح حزب الأصالة والمعاصرة ب 15.888 صوتا… ستقولون أنه بدون شك، سيكون قيدوم البرلمانيين وقائد الحزب لسنين عديدة يتوفر على معقل انتخابي قار وقوي… نتحدث عن “عبدالواحد الراضي” الذي عمر كل البرلمانات وتقدم لانتخابات 2016 بدائرته المعتادة “سيدي سليمان”… تعرفون نتيجته؟
نجح هذا القائد التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحصول على مقعده البرلماني لكن باحتلاله المرتبة الثانية ب 10.733 صوتا وتفوق عليه الشاب ياسين الراضي ب 12.536 صوتا وهو المنتمي لحزب الاتحاد الدستوري، هذا الحزب الصغير اليوم، كان يُنعت حين تأسيسه بحزب الإدارة و”كوكوت مينوت” من طرف كوادر ومناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية… ألم أقل لكم أن التعمق في الأرقام سيثير شهيتنا في الاستمرار في الغوص في الأعماق… مثلا، هل تعلمون أن قياديا منتخبا في آخر مؤتمر للحزب وقدم استقالته منه وتقدم للانتخابات البرلمانية في صفوف حزب الأحرار نجح في الانتخابات واحتل المرتبة الأولى بمعقله الانتخابي بدائرة “ميدلت”؟
أتحدث عن “سعيد شبعتو” الذي حصل على الرتبة الأولى ب 16.085 صوتا في الوقت الذي حصل مرشح الاتحاد الاشتراكي بنفس الدائرة على المرتبة العاشرة ب 691 صوتا. لا بد من طرح هذا السؤال: هل هذا الشخص كان يعرف أن حظوظه وحظوظ الحزب الاشتراكي منعدمة واتخذ قرار مغادرة الحزب والتوجه لحزب آخر؟ هذا السؤال مشروع جدا حين نعثر بالصدفة على صورة مرشح آخر غادر الحزب الاشتراكي وترشح في صفوف حزب آخر واستطاع النجاح كبرلماني… والغريب في الأمر أن نفس الشخص ترأس لائحة حزب الاتحاد الاشتراكي خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2015 بمقاطعة “حسان” بالرباط وحصلت لائحته على المرتبة الثامنة ب 726 صوتا وصفر مقعدا إذ لم تحصل على العتبة وإذا به يتقدم سنة 2016 في قائمة مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة في دائرة “الراشيدية” وينجح كبرلماني بحصوله على المرتبة الثانية ب 15.744 صوتا في حين حصل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المرتبة السادسة ب 7.233 صوتا… إنه النقابي “عدي بوعرفة”… هل تريدون المزيد؟
كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد صفوف المعارضة الوطنية لسنين عديدة من موقع طليعي يصعب عليه قبول كونه أصبح حزبا وطنيا عاديا وصغيرا وفي حاجة لأحزاب أخرى أصبحت تلعب أدوارا كبرى على الساحة السياسية الوطنية. هكذا فالمتتبع العادي يفهم كيف أصبح حزب الاتحاد الاشتراكي قريب من حزب، كان إلى البارحة ينعته بالوافد الجديد، ألا وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي بفضل 102 من برلمانييه استطاع أحد القادة الاشتراكيين من الفوز برآسة البرلمان. ويفهم أيضا صراعه ومعارضته لحزب العدالة والتنمية الذي أصبح حزبا ذو شعبية كبيرة ويكتسح المواقع الانتخابية. هنا ما يهمنا هو الخطة التي نهجها حزب الاتحاد الاشتراكي لمنافسة أمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة “عبدالإله بنكيران” في الدائرة الانتخابية “سلا المدينة”… الصدمة ستكون قوية لمن لا يدري النتيجة…
تقدم “عبدالإله بنكيران” لمرة أخرى بمعقله الانتخابي في مواجهة 14 حزبا وكانت هذه الدائرة لرمزيتها مثار اهتمام وطني ودولي. واستطاعت لائحة حزب المصباح من الاكتساح الانتخابي إذ حصلت على نصف الأصوات المعبر عنها بما مقداره 36.404 صوتا ومقعدين ضمن أربعة مقاعد. لننظر الآن في موضوع منافسة حزب الاتحاد الاشتراكي لخصمه الأول والرئيس. قلت سابقا، الصدمة كانت قوية، لأنه لم يكن هنالك في أرض الواقع أي تنافس يذكر، بل هزيمة كبيرة لمرشح الاتحاد الاشتراكي الذي لم يستطع تجاوز الألف صوت، بتحقيقه 913 صوتا من أكثر من 72 ألف صوت معبر عنها…
هذا دليل قاطع على أن المعارضة الكلامية للاتحاد الاشتراكي رغم حدتها وأسلوبها وأدواتها وأفكارها، لا تأثير لها على أرض الواقع الانتخابي المغربي… وما يحز أكثر في النفس هو كون لائحة الاتحاد الاشتراكي بنفس المدينة وبدائرة “سلا الجديدة” وفي مواجهة أحد قياديي العدالة والتنمية ووزرائه خيبت الآمال حيث فاز حزب المصباح بمقعدين من ثلاثة وب 25.020 صوتا في حين اندحرت لائحة الاشتراكي للصفوف الأخيرة ب 355 صوتا، متقدما عليها حزب صغير وهو حزب البيئة والتنمية المستدامة ب 404 صوتا…
والغريب هو أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حصد في العديد من الدوائر على أصوات قليلة جدا ولا تصل الألف وأحيانا عشرات الأصوات كما هو الحال في دائرة “النواصر” بالدارالبيضاء حيث احتلت لائحته المرتبة الأخيرة ب 127 صوتا يتقدم عليه حزب جديد هو حزب الديمقراطيين الجدد ب 213 صوتا، كما احتل الصف ما قبل الأخير بدائرة “مديونة” ب 65 صوتا (نعم 65 صوتا) ضمن أكثر من 30.000 صوت معبر عنها وبعيدا عن أحزاب صغيرة مثل حزب الشورى والاستقلال (92 صوتا) وحزب البيئة والتنمية المستدامة (74 صوتا)… سيقول البعض أن هذا الأمر يقع لكل الأحزاب لأنه يصعب عليها ضبط كل الخريطة الانتخابية الوطنية. أجيب بنعم وفي نفس الوقت أقول أن هذا الأمر يمكن أن يحدث لأحزاب جديدة وصغيرة وغير معروفة. إننا هنا بصدد الحديث عن حزب المهدي بنبركة وعمر بن جلون وعبدالرحيم بوعبيد وعبدالرحمن اليوسفي والفقيه البصري ونوبير الأموي ومحمد اليازغي وعبدالواحد الراضي وآخرون كثر، بمعنى آخر نتحدث عن حزب معروف في كل مدينة وقرية وحارة ودار… يمكن لحزب كبير أن ينهزم انتخابيا ولكن بهذا الشكل فهو عقاب انتخابي ونكسة وليس هزيمة… خاصة أن هذا الوضع عام وشامل وفي كل المدن الكبرى وفي المعاقل التاريخية للحزب. والطامة الكبرى هو كون حزب يساري صغير لم يحصل سوى على مقعدين برلمانيين استطاع التفوق على حزب تاريخي كبير في دوائر كثيرة نذكر منها:
مدينة الرباط، عاصمة المملكة، وقلعة اتحادية تاريخية منذ تَقَّدم الشهيد المهدي بنبركة لمنافسة الفديك سنة 1963 بيعقوب المنصور، هذه المدينة التي صمدت في وجه التزوير في سنوات الرصاص ومنحت مقاعد برلمانية عديدة لقادة الاتحاد حتى أصبحوا برلمانيين ووزراء، أصبحت “مقبرة” للوائح الاتحاد الاشتراكي وهذا يتجلى في النتائج المحصل عليها من طرف مرشحي الحزب الاشتراكي. هكذا وفي دائرة “الرباط-المحيط”، حصل مرشح الاتحاد على المرتبة الثامنة ب 1.109 صوتا واستطاع “عمر بلافريج” وكيل لائحة تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي بالظفر بمنصب برلماني باحتلاله الصف الثالث ب 8.048 صوتا في الوقت الذي احتل حزب العدالة والتنمية الصف الأول ومقعدين ب 29.531 صوتا. أما في قلعة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، دائرة “الرباط-شالة”، فكما قلنا سابقا احتل وكيل لائحة الاتحاد الاشتراكي المرتبة السادسة ب 1.757 صوتا وتجاوزه اليسار الديمقراطي ب 3.085 صوتا، في حين فازت لائحة حزب العدالة والتنمية بمقعدين و 22.551 صوتا..
ما وقع في الرباط، حدث أيضا في كبريات المدن وفي معاقل سابقة للاتحاد الاشتراكي. نأخذ مثلا المدينة العمالية والاقتصادية والمالية، الدارالبيضاء، حيث السمة البارزة هي الهزيمة والاندحار… فمن ضمن 57 مقعدا برلمانيا يخص جهة الدارالبيضاء-سطات، فاز الاتحاد الاشتراكي بمقعدين في كل من مدن الجديدة وسطات، أما في مختلف مقاطعات وعمالات الدارالبيضاء فصفر مقعد. لكن ما يلفت الأنظار كون الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، حصل على أصوات أكثر من حزب الاتحاد الاشتراكي في كل المقاطعات بدون استثناء.
بل في دائرة الطبقة المتوسطة والكبيرة، عمالة مقاطعة أنفا، استطاع “مصطفى الشناوي” عن حزب اليسار الديمقراطي من ربح مقعد برلماني بحصوله على المرتبة الرابعة و 6.629 صوتا في حين حصلت لائحة الاتحاد الاشتراكي على المرتبة السادسة ب 3.477 صوتا والمرتبة الأولى عادت لحزب العدالة والتنمية بمقعدين و 30.617 صوتا.. إنها أرقام صادمة وعقاب انتخابي يصعب إخفاءه.. هكذا وبدائرة “عمالة مقاطعة ابن مسيك” (الأول، العدالة والتنمية ب 15.584 صوتا واليسار الديمقراطي 648 صوتا والاتحاد الاشتراكي 426)، “دائرة مقاطعة الفداء مرس السلطان” (العدالة والتنمية 21.439 واليسار 1.213 والاتحاد 685)، “دائرة مقاطعة سيدي البرنوصي” (العدالة 33.140، اليسار 2.208، الاتحاد 832)، “مقاطعة عين السبع الحي المحمدي” (العدالة 27.038، اليسار 2.208، الاتحاد 2.068)، “عمالة مقاطعة مولاي رشيد (العدالة 26.039، اليسار 946، الاتحاد 799)، “عمالة مقاطعة الحي الحسني” (العدالة 22.799، اليسار 2.262، الاتحاد 609)، “مقاطعة عين الشق” (العدالة 23.545، اليسار 2069، الاتحاد 548).. وتحدثنا سابقا عن دائرة “مديونة” ودائرة “عمالة مقاطعة أنفا”… الخلاصة الصادمة، في كل الدوائر الانتخابية بمدينة الدارالبيضاء، تفوق الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، على الحزب التاريخي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ووقع عقاب تاريخي له من طرف الناخبين…
نفس الوضع نجده في كل المدن الأخرى، نأخذ مثلا العاصمة العلمية للمملكة، فاس، التي كانت معقلا انتخابيا للاتحاد الاشتراكي.. هكذا تجاوز حزب تحالف أحزاب اليسار الديمقراطي (4.659 صوتا) حزب الاتحاد (4.496) بينما احتل حزب العدالة والتنمية الصدارة ب 75.398 صوتا!!.. مثلا مدينة مراكش بكل دوائرها بوأت حزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 91.384 صوتا واليسار (5.815) والاتحاد (2.434 صوتا)، والغريب أنه في دائرة “مراكش جليز المنارة”، التي عرفت حربا ضروسا ضد ترشيح السلفي حمادي القباج بمساهمة مرشح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كانت نتيجة التصويت عقابية في حق هذا الأخير إذ احتل المرتبة السابعة ب 930 صوتا، في حين احتل تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.267 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 27.959 صوتا. وكنت في كتابات سابقة تحدثت عن اندحار صوت القوات الشعبية خلال الانتخابات الجزئية لسنة 2013 بنفس الدائرة وكان حينها مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي حصل على 446 صوتا. الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي في تقهقر مستمر…
وليس بعيد عن الرباط، بدائرة “الخميسات ولماس”، معقل الحركة الشعبية، حيث حصل هذا الأخير على الصف الأول ب 13.470 صوتا واليسار الديمقراطي الصف العاشر ب 863 صوتا والاتحاد الاشتراكي الصف الثالث عشر بسوى 182 صوتا، وراء أحزاب مثل حزب الشورى والاستقلال وحزب الحرية والعدالة الاجتماعية وحزب القوى الديمقراطية وغيرها!!..
أما في دائرة “طنجة أصيلة”، فحزب الاتحاد الاشتراكي يعتبر منقرضا بلغة الأرقام، إذ احتل الرتبة السابعة ب 748 صوتا فيما تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.668 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول على الصعيد الوطني ب 60.278 صوتا وثلاثة مقاعد… وبدائرة “الرحامنة”، عاقب الناخبون حزب الاتحاد بحصوله على 190 صوتا في الوقت الذي حصل اليسار الديمقراطي على 3.813 صوتا واحتل حزب الأصالة والمعاصرة الصف الأول ب 26.513 صوتا.. ونفس المصير بمدينة مكناس، الاتحاد 2.090 واليسار 5.875 والصف الأول للعدالة ب 48.120 صوتا… وبالشرق، بدائرة “وجدة أنكاد”، الاتحاد احتل الصف الخامس ب 1.676 صوتا واليسار الصف الرابع ب 2.103 والصف الأول احتله حزب الأصالة والمعاصرة ب 30.448 صوتا… أينما وليت نظرك في خريطة المغرب وإلا عثرت على نتائج عقابية في حق مرشحي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…
لتعرج على الجنوب وبقلعتين تاريخيتين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أتحدث من جهة عن “أكادير إداوتنان” (الصف الأول، حزب العدالة والتنمية ب 36.504 صوتا والاتحاد في الصف الرابع ب 3.758 صوتا)، ومن جهة أخرى على مدينة “تارودانت” (الصف الأول، العدالة والتنمية ب 59.781 صوتا والاتحاد الاشتراكي في الصف الخامس ب 5.918 صوتا)… هل تريدون المزيد؟ أسمعكم تقولون: كفى، كفى… إنه أمر مؤلم لكل من عايش أو ناضل أو صوت على هذا الحزب العتيد الذي كان يقضي وجع السلطة لعشرات السنين. لكن الأخطاء والابتعاد عن هموم الشعب ومطالبه، لها تكلفة انتخابية كبيرة وها هو أحد أكبر الأحزاب التاريخية ينقرض انتخابيا رويدا رويدا واستحقاقا وراء استحقاق منذ زمن بعيد، ولا يبدو في الأفق تغيير لهذا المسار الاندحاري…
ولولا تدارك الأمر من طرف سلطة الإدارة الترابية التي دافعت عن تخفيض العتبة من 6 بالمائة إلى 3 بالمائة وعرقلة تأسيس حزب اليازغي الإبن، لكان الاتحاد الاشتراكي اليوم بدون فريق برلماني وأعضائه في حدود 15-16 برلماني وبرلمانية!! وهذا نستشفه من نتائج برلمانيي الحزب الناجحين ب دائرة “تطوان” (الصف الخامس ب 10.639 صوتا في حين حصل العدالة والتنمية على الصف الأول ب 20.136)، دائرة “وزان” (الصف الثالث ب 11.190 صوتا والحزب الأول ب 24.871 صوتا)، دائرة “الجديدة (المرتبة الخامسة ب 10.418 صوتا والصف الأول حزب الاستقلال ب 25.163 صوتا) وأخيرا دائرة “سطات” (المقعد الرابع ب 8.875 صوتا والحزب الأول العدالة والتنمية ب 20.542 صوتا)… كل هذه المقاعد كانت ستكون في عداد المقاعد الخاسرة لم بقيت العتبة في 6 بالمائة والجميع يتذكر أن حزب القوات الشعبية كان قد دافع سنوات عدة عن ضرورة تخليق المشهد السياسي من خلال رفع العتبة إلى 10 بالمائة!!…
يمكن أن نستمر في هذا التشريح وذلك من خلال تحليل دقيق للواقع الانتخابي في الدوائر التي خسرها الحزب، وهي 19 دائرة مقارنة مع استحقاقات 2011، بما فيها المعقل الانتخابي للمرحوم الزايدي بدائرة “بنسليمان” ودوائر أخرى كما هو حال “أكادير” و”قلعة السراغنة” و”الحسيمة”… كما يمكن الغوص في تحليل بروفيلات البرلمانيين الجدد للحزب وعلاقتهم بتاريخ الحزب… كل هذا موجود ويمكن أن يكون مادة لمقال لاحق… لنكتفي بهذا القدر، لأن النبش والتعمق أكثر في الأرقام لن يغير من واقع الاندحار، أو بالأحرى الانقراض كما كان يتنبأ به أحد القادة والمفكرين الكبار لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، السوسيولوجي محمد كسوس رحمه الله، الذي كان في محاضرات حزبية عديدة يحذر من انقراض الحزب كما وقع للعديد من الأحزاب التقدمية بدول عديدة كمصر مثلا…
كما يجب التوضيح أيضا أننا لم نتطرق للمشاكل والصراعات الداخلية للحزب، بل حاولنا التطرق بكل موضوعية وتجرد عن الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انطلاقا من نتائج الانتخابات الصادرة رسميا عن وزارة الداخلية… عادة، بالنسبة لحزب اشتراكي ينتمي للأممية الاشتراكية وقريب من تنظيماتها القوية بكل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال، ما يتقدم قادة الحزب ليلة الهزيمة الانتخابية بتقديم الاستقالة أو على الأقل طلب التئام هيئات الحزب لتقييم الوضع الانتخابي والتنظيمي والخط السياسي في إطار الإعداد لمؤتمر استثنائي يعالج الخلل تنظيميا وسياسيا…
اختار قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ ظهور نتائج الانتخابات ليلة السابع من أكتوبر 2016، التفرغ للتحالفات الحزبية من أغلبية ومعارضة والبحث عن موطئ قدم داخل هذه الكتلة أو تلك والدفاع عن حقهم في المناصب انطلاقا من رصيدهم الحزبي التاريخي غير آبهين بنكستهم الانتخابية وتحقق لهم ذلك من خلال الظفر برئاسة البرلمان بفضل أصواتهم العشرون وأصوات أحزاب الإدارة، أساسا حزب الأصالة والمعاصرة ببرلمانييه المائة واثنين وكذا أصوات حزب الأحرار (37) وحزب الاتحاد الدستوري (19) وحزب الحركة الشعبية (27)… واليوم، يدافعون على “حقهم” الدخول للحكومة في إطار تكتل حزبي يقوده الرجل القوي الجديد…
هناك مقاربتان للشأن الحزبي، المقاربة السائدة بالأحزاب الاشتراكية الأوروبية التي لا يمكن لها التغاضي عن نتائج الانتخابات والتي تتفاعل في الحين مع نتائجها أو توقعاتها، وهو الواقع الذي ألزم الرئيس الفرنسي إعلان انسحابه من الانتخابات التمهيدية لرئاسة الحكومة وفرضت على وزيره الأول خوضها وفشله في تحقيق الدعم التمهيدي لشعب اليسار… ويبدو أن حزب الاتحاد الاشتراكي اختار مقاربة أخرى، لا تبالي بنتائج الانتخابات وبصوت الشعب واختار الاصطفاف إلى جانب صف الأحزاب القريبة من مراكز القرار وذلك في أفق بناء حزب جديد تقليدي يعتمد على الأعيان وليس المناضلين… إلا أن السؤال يطرح نفسه إن كان الأعيان سيختارون حزب الاتحاد الاشتراكي عوض أحزاب الأحرار والأصالة والمعاصرة؟ أم أن قادة الاتحاد الحاليين اختاروا طريق الدفاع عن مصالحهم الشخصية وجعل الحزب المعارض التاريخي الذي كان يلعب أدوارا ريادية، حزبا صغيرا وتابعا لأحزاب أخرى… هذه أسئلة يطرحها العديد من المواطنين في انتظار وضوح الصورة… وللحديث بقية عن الواقع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأحزاب وطنية أخرى…
بقلم: عبدالحق الريكي
الرباط، 03 فبراير 2017
Share this on WhatsApp
المقال السابقفرنسا تتجه لتحميل الجزائر مسؤولية المجازر التي تعرض لها "الخونة"
المقالة القادمةجندي فرنسي يحبط محاولة لاقتحام متحف اللوفر
الأول
مقالات ذات صلة
هل الجزائر “متيقة” أن المغرب سيعترف بالبوليساريو؟
الشرطة العلمية: هذه حقيقة الكيس الذي عثر عليه بمحطة القطار الرباط
خطير.. اكتشاف كيس بلاستيكي يعتقد أنه مليئ بالمتفجرات بسكة محطة الرباط
الأكثر مشاهدة
أخنوش يهاجم الرميد بعد وصفه بالمبتدئ: أنا راجل ولن نقبل أن...
الملك يثير جدلا في الصحافة الفرنسية بسبب أزمة مياه المدينة التي...
الفاسي: لا أنطق اسم بوستة إلا بالاحترام.. وبادو: هذه كواليس العريضة...
عاجل.. نقل خولة النخيلي إلى المستشفى بعدما أغمي عليها داخل المحكمة
حمل أكثر
آخر الفيديوهات
فيديو..القبض على شخص حاول حرق الكعبة
فيديو.. شاب حاول إحراق نفسه بالكعبة
فيديو.. مصير درامي للص سرق هاتفا في طنجة
برلماني كندي يلقي كلمة مؤثرة في حق المسلمين الذين قتلوا بكيبيك
مكالمة هاتفية “تكشف” العلاقة بين مدير دوزيم والفتاة التي تتهمه...
فيديو.. بنعبد الله: يتعين أن يخرج بنكيران معززا مكرما
عن الأول
تابعنا
للإعلان على موقعنا هيئة التحرير من نحن اتصل بنا شروط الإستعمال
©
رئيسيةسياسةتشريح دقيق للأرقام يكشف الهزيمة الكارثية وغير المسبوقة للاتحاد الاشتراكي
ي
تكويني في الرياضيات والإحصائيات يدفعني مرارا إلى البحث في الأرقام وخاصة في التفاصيل الصغيرة ولكن ذات الدلالة الكبيرة في التحليل. هكذا ومنذ سنين دأبت على قراءة نتائج الانتخابات بكل من فرنسا وإسبانيا وبطبيعة الحال وطني المغرب. عادة ما يهم المواطن، هو النتائج العامة وخاصة الفائز بالانتخابات وأحيانا الخاسر. أما أنا فأغوص في نتائج كل دائرة وكل حزب. هذا العمل مُضني ومُتعب ويتطلب وقتا وصبرا. أحيانا لا أجد ما يشفي الغليل، لكن أحيانا أخرى أجد أشياء مهمة. هذا ما وقع لي بالضبط عندما بدأت تشريح تفاصيل نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة للسابع من أكتوبر 2016. وأنا أتصفح نتائج كل دائرة وجهة ومدينة كبرى، بدأت أرقام حزب تاريخي تثير فضولي. صدمتني وآلمتني ولم أكن أعتقد أنها سيئة للغاية رغم معرفتي باندحار وفشل هذا الحزب منذ زمن بعيد.
أتحدث عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان آمال المغاربة لعقود طويلة وقدم العديد من الشهداء والمعتقلين وصارع من أجل الديمقراطية وكون أجيالا من المناضلين والأطر والذي خاض أول تجربة للانتقال الديمقراطي، قادها القائد التاريخي عبدالرحمن اليوسفي. ستقولون أن اندحاره ظاهر للعيان. معكم الحق، وهذا كان موقفي أيضا. لكن لا تتسرعوا، الاندحار أعمق وأشمل وعام. امنحوني صبرا وستقرءون العجب العجاب. حينها لكم حرية الحُكم.
بداية كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان من الأحزاب التي خسرت الانتخابات إذ بقدرة قادر تمكن من الحصول على عشرون مقعدا مكنته من تكوين فريق برلماني. ونعلم أنه خَسِر 19 مقعدا مقارنة مع انتخابات 2011 و37 مقعدا مقارنة بسنة 1997!!.. ونعلم أيضا أن المقاعد العشرون تتكون من 14 مقعدا في إطار اللوائح المحلية و6 مقاعد في إطار اللائحة الوطنية للشباب والنساء (يعتبرها البعض ريعا انتخابيا)… كما لا يخفى عليكم كون هذا الحزب حصل على 3 مقاعد من ضمن 8 مقاعد بجهة كلميم وادي النون ومقعدا من أربعة بجهة الداخلة وادي الذهب وصفرا من ضمن 21 مقعدا بجهة سوس ماسة ومقعدا واحدا من ضمن 39 مقعدا بجهة الرباط سلا القنيطرة ومقعدين من ضمن 57 مقعدا بجهة الدارالبيضاء سطات…
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينتمي للأممية الاشتراكية، وكلنا نعرف أن ثقافة الأحزاب الجادة مبنية على شرعيتين. الشرعية الحزبية وتتجسد في المؤتمرات الوطنية الدورية حيث يتم انتخاب قيادة الحزب انطلاقا من مشروع وأفكار وأطروحات قادرة على ربح المعارك الانتخابية وتمكين رئيس الحزب من الصراع على احتلال مراتب متقدمة ولما لا قيادة الحكومة. لذا فجل قادة الحزب يتقدمون للانتخابات للدفاع عن برنامج الحزب وربح الشرعية الشعبية الانتخابية. كيف تعامل حزب الاتحاد مع هذا الثابت الاشتراكي والحزبي؟ هنا خيبة الأمل كانت كبيرة لأن أغلب قادة الحزب بما فيهم الكاتب الأول لم يترشحوا، والغالب لعلمهم أن حظوظهم منعدمة. وها هو الدليل القاطع.
دأب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بالتقدم وأحيانا النجاح للبرلمان بالدائرة الانتخابية “الرباط-شالة”. لم يتقدم هذه المرة وكان قراره صائبا لأن لائحة الحزب في الدائرة احتلت المرتبة الثامنة ب 1.757 صوتا في الوقت الذي حازت لائحة حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى ب 22.551 صوتا… القضية ليست مقتصرة على الكاتب الأول، بل نجد أن عضوا واحدا من ضمن 31 عضوا من المكتب السياسي المنتخب في آخر مؤتمر، استطاع الظفر بمقعد انتخابي، في الوقت الذي فاز 14 قياديا من ضمن 25 عضوا للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بمقاعد برلمانية وبالمرتبة الأولى وأحيانا بمقعدين وأكثر… يا ترى من يكون العضو القيادي الاتحادي الفائز في الدوائر المحلية؟
بطبيعة الحال تعرفونه، إنه “الحبيب المالكي”، أستاذ جامعي ومفكر اقتصادي وعضو قديم بقيادة الحزب وحاليا رئيس المجلس الوطني للحزب والأهم هو تبوأه ثالث مرتبة في هرم الدولة من خلال انتخابه رئيسا للبرلمان المغربي وذلك قبل تشكيل الأغلبية البرلمانية والحكومة. لأول وهلة سيقول قائل أن هذه المناصب ستجعلنا نستنبط كون الشخص المذكور يتوفر على معقل انتخابي لا يجادله فيه أحدا… للآسف الشديد هذا الاستنتاج غير صحيح بالمرة، بحيث نجده احتل المرتبة الثالثة في الدائرة الانتخابية “خريبكة” ب 10.168 صوتا ولكن بعيدا عن مرشح حزب العدالة والتنمية ب 15.979 صوتا ومرشح حزب الأصالة والمعاصرة ب 15.888 صوتا… ستقولون أنه بدون شك، سيكون قيدوم البرلمانيين وقائد الحزب لسنين عديدة يتوفر على معقل انتخابي قار وقوي… نتحدث عن “عبدالواحد الراضي” الذي عمر كل البرلمانات وتقدم لانتخابات 2016 بدائرته المعتادة “سيدي سليمان”… تعرفون نتيجته؟
نجح هذا القائد التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحصول على مقعده البرلماني لكن باحتلاله المرتبة الثانية ب 10.733 صوتا وتفوق عليه الشاب ياسين الراضي ب 12.536 صوتا وهو المنتمي لحزب الاتحاد الدستوري، هذا الحزب الصغير اليوم، كان يُنعت حين تأسيسه بحزب الإدارة و”كوكوت مينوت” من طرف كوادر ومناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية… ألم أقل لكم أن التعمق في الأرقام سيثير شهيتنا في الاستمرار في الغوص في الأعماق… مثلا، هل تعلمون أن قياديا منتخبا في آخر مؤتمر للحزب وقدم استقالته منه وتقدم للانتخابات البرلمانية في صفوف حزب الأحرار نجح في الانتخابات واحتل المرتبة الأولى بمعقله الانتخابي بدائرة “ميدلت”؟
أتحدث عن “سعيد شبعتو” الذي حصل على الرتبة الأولى ب 16.085 صوتا في الوقت الذي حصل مرشح الاتحاد الاشتراكي بنفس الدائرة على المرتبة العاشرة ب 691 صوتا. لا بد من طرح هذا السؤال: هل هذا الشخص كان يعرف أن حظوظه وحظوظ الحزب الاشتراكي منعدمة واتخذ قرار مغادرة الحزب والتوجه لحزب آخر؟ هذا السؤال مشروع جدا حين نعثر بالصدفة على صورة مرشح آخر غادر الحزب الاشتراكي وترشح في صفوف حزب آخر واستطاع النجاح كبرلماني… والغريب في الأمر أن نفس الشخص ترأس لائحة حزب الاتحاد الاشتراكي خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2015 بمقاطعة “حسان” بالرباط وحصلت لائحته على المرتبة الثامنة ب 726 صوتا وصفر مقعدا إذ لم تحصل على العتبة وإذا به يتقدم سنة 2016 في قائمة مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة في دائرة “الراشيدية” وينجح كبرلماني بحصوله على المرتبة الثانية ب 15.744 صوتا في حين حصل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المرتبة السادسة ب 7.233 صوتا… إنه النقابي “عدي بوعرفة”… هل تريدون المزيد؟
كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد صفوف المعارضة الوطنية لسنين عديدة من موقع طليعي يصعب عليه قبول كونه أصبح حزبا وطنيا عاديا وصغيرا وفي حاجة لأحزاب أخرى أصبحت تلعب أدوارا كبرى على الساحة السياسية الوطنية. هكذا فالمتتبع العادي يفهم كيف أصبح حزب الاتحاد الاشتراكي قريب من حزب، كان إلى البارحة ينعته بالوافد الجديد، ألا وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي بفضل 102 من برلمانييه استطاع أحد القادة الاشتراكيين من الفوز برآسة البرلمان. ويفهم أيضا صراعه ومعارضته لحزب العدالة والتنمية الذي أصبح حزبا ذو شعبية كبيرة ويكتسح المواقع الانتخابية. هنا ما يهمنا هو الخطة التي نهجها حزب الاتحاد الاشتراكي لمنافسة أمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة “عبدالإله بنكيران” في الدائرة الانتخابية “سلا المدينة”… الصدمة ستكون قوية لمن لا يدري النتيجة…
تقدم “عبدالإله بنكيران” لمرة أخرى بمعقله الانتخابي في مواجهة 14 حزبا وكانت هذه الدائرة لرمزيتها مثار اهتمام وطني ودولي. واستطاعت لائحة حزب المصباح من الاكتساح الانتخابي إذ حصلت على نصف الأصوات المعبر عنها بما مقداره 36.404 صوتا ومقعدين ضمن أربعة مقاعد. لننظر الآن في موضوع منافسة حزب الاتحاد الاشتراكي لخصمه الأول والرئيس. قلت سابقا، الصدمة كانت قوية، لأنه لم يكن هنالك في أرض الواقع أي تنافس يذكر، بل هزيمة كبيرة لمرشح الاتحاد الاشتراكي الذي لم يستطع تجاوز الألف صوت، بتحقيقه 913 صوتا من أكثر من 72 ألف صوت معبر عنها…
هذا دليل قاطع على أن المعارضة الكلامية للاتحاد الاشتراكي رغم حدتها وأسلوبها وأدواتها وأفكارها، لا تأثير لها على أرض الواقع الانتخابي المغربي… وما يحز أكثر في النفس هو كون لائحة الاتحاد الاشتراكي بنفس المدينة وبدائرة “سلا الجديدة” وفي مواجهة أحد قياديي العدالة والتنمية ووزرائه خيبت الآمال حيث فاز حزب المصباح بمقعدين من ثلاثة وب 25.020 صوتا في حين اندحرت لائحة الاشتراكي للصفوف الأخيرة ب 355 صوتا، متقدما عليها حزب صغير وهو حزب البيئة والتنمية المستدامة ب 404 صوتا…
والغريب هو أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حصد في العديد من الدوائر على أصوات قليلة جدا ولا تصل الألف وأحيانا عشرات الأصوات كما هو الحال في دائرة “النواصر” بالدارالبيضاء حيث احتلت لائحته المرتبة الأخيرة ب 127 صوتا يتقدم عليه حزب جديد هو حزب الديمقراطيين الجدد ب 213 صوتا، كما احتل الصف ما قبل الأخير بدائرة “مديونة” ب 65 صوتا (نعم 65 صوتا) ضمن أكثر من 30.000 صوت معبر عنها وبعيدا عن أحزاب صغيرة مثل حزب الشورى والاستقلال (92 صوتا) وحزب البيئة والتنمية المستدامة (74 صوتا)… سيقول البعض أن هذا الأمر يقع لكل الأحزاب لأنه يصعب عليها ضبط كل الخريطة الانتخابية الوطنية. أجيب بنعم وفي نفس الوقت أقول أن هذا الأمر يمكن أن يحدث لأحزاب جديدة وصغيرة وغير معروفة. إننا هنا بصدد الحديث عن حزب المهدي بنبركة وعمر بن جلون وعبدالرحيم بوعبيد وعبدالرحمن اليوسفي والفقيه البصري ونوبير الأموي ومحمد اليازغي وعبدالواحد الراضي وآخرون كثر، بمعنى آخر نتحدث عن حزب معروف في كل مدينة وقرية وحارة ودار… يمكن لحزب كبير أن ينهزم انتخابيا ولكن بهذا الشكل فهو عقاب انتخابي ونكسة وليس هزيمة… خاصة أن هذا الوضع عام وشامل وفي كل المدن الكبرى وفي المعاقل التاريخية للحزب. والطامة الكبرى هو كون حزب يساري صغير لم يحصل سوى على مقعدين برلمانيين استطاع التفوق على حزب تاريخي كبير في دوائر كثيرة نذكر منها:
مدينة الرباط، عاصمة المملكة، وقلعة اتحادية تاريخية منذ تَقَّدم الشهيد المهدي بنبركة لمنافسة الفديك سنة 1963 بيعقوب المنصور، هذه المدينة التي صمدت في وجه التزوير في سنوات الرصاص ومنحت مقاعد برلمانية عديدة لقادة الاتحاد حتى أصبحوا برلمانيين ووزراء، أصبحت “مقبرة” للوائح الاتحاد الاشتراكي وهذا يتجلى في النتائج المحصل عليها من طرف مرشحي الحزب الاشتراكي. هكذا وفي دائرة “الرباط-المحيط”، حصل مرشح الاتحاد على المرتبة الثامنة ب 1.109 صوتا واستطاع “عمر بلافريج” وكيل لائحة تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي بالظفر بمنصب برلماني باحتلاله الصف الثالث ب 8.048 صوتا في الوقت الذي احتل حزب العدالة والتنمية الصف الأول ومقعدين ب 29.531 صوتا. أما في قلعة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، دائرة “الرباط-شالة”، فكما قلنا سابقا احتل وكيل لائحة الاتحاد الاشتراكي المرتبة السادسة ب 1.757 صوتا وتجاوزه اليسار الديمقراطي ب 3.085 صوتا، في حين فازت لائحة حزب العدالة والتنمية بمقعدين و 22.551 صوتا..
ما وقع في الرباط، حدث أيضا في كبريات المدن وفي معاقل سابقة للاتحاد الاشتراكي. نأخذ مثلا المدينة العمالية والاقتصادية والمالية، الدارالبيضاء، حيث السمة البارزة هي الهزيمة والاندحار… فمن ضمن 57 مقعدا برلمانيا يخص جهة الدارالبيضاء-سطات، فاز الاتحاد الاشتراكي بمقعدين في كل من مدن الجديدة وسطات، أما في مختلف مقاطعات وعمالات الدارالبيضاء فصفر مقعد. لكن ما يلفت الأنظار كون الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، حصل على أصوات أكثر من حزب الاتحاد الاشتراكي في كل المقاطعات بدون استثناء.
بل في دائرة الطبقة المتوسطة والكبيرة، عمالة مقاطعة أنفا، استطاع “مصطفى الشناوي” عن حزب اليسار الديمقراطي من ربح مقعد برلماني بحصوله على المرتبة الرابعة و 6.629 صوتا في حين حصلت لائحة الاتحاد الاشتراكي على المرتبة السادسة ب 3.477 صوتا والمرتبة الأولى عادت لحزب العدالة والتنمية بمقعدين و 30.617 صوتا.. إنها أرقام صادمة وعقاب انتخابي يصعب إخفاءه.. هكذا وبدائرة “عمالة مقاطعة ابن مسيك” (الأول، العدالة والتنمية ب 15.584 صوتا واليسار الديمقراطي 648 صوتا والاتحاد الاشتراكي 426)، “دائرة مقاطعة الفداء مرس السلطان” (العدالة والتنمية 21.439 واليسار 1.213 والاتحاد 685)، “دائرة مقاطعة سيدي البرنوصي” (العدالة 33.140، اليسار 2.208، الاتحاد 832)، “مقاطعة عين السبع الحي المحمدي” (العدالة 27.038، اليسار 2.208، الاتحاد 2.068)، “عمالة مقاطعة مولاي رشيد (العدالة 26.039، اليسار 946، الاتحاد 799)، “عمالة مقاطعة الحي الحسني” (العدالة 22.799، اليسار 2.262، الاتحاد 609)، “مقاطعة عين الشق” (العدالة 23.545، اليسار 2069، الاتحاد 548).. وتحدثنا سابقا عن دائرة “مديونة” ودائرة “عمالة مقاطعة أنفا”… الخلاصة الصادمة، في كل الدوائر الانتخابية بمدينة الدارالبيضاء، تفوق الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، على الحزب التاريخي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ووقع عقاب تاريخي له من طرف الناخبين…
نفس الوضع نجده في كل المدن الأخرى، نأخذ مثلا العاصمة العلمية للمملكة، فاس، التي كانت معقلا انتخابيا للاتحاد الاشتراكي.. هكذا تجاوز حزب تحالف أحزاب اليسار الديمقراطي (4.659 صوتا) حزب الاتحاد (4.496) بينما احتل حزب العدالة والتنمية الصدارة ب 75.398 صوتا!!.. مثلا مدينة مراكش بكل دوائرها بوأت حزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 91.384 صوتا واليسار (5.815) والاتحاد (2.434 صوتا)، والغريب أنه في دائرة “مراكش جليز المنارة”، التي عرفت حربا ضروسا ضد ترشيح السلفي حمادي القباج بمساهمة مرشح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كانت نتيجة التصويت عقابية في حق هذا الأخير إذ احتل المرتبة السابعة ب 930 صوتا، في حين احتل تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.267 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 27.959 صوتا. وكنت في كتابات سابقة تحدثت عن اندحار صوت القوات الشعبية خلال الانتخابات الجزئية لسنة 2013 بنفس الدائرة وكان حينها مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي حصل على 446 صوتا. الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي في تقهقر مستمر…
وليس بعيد عن الرباط، بدائرة “الخميسات ولماس”، معقل الحركة الشعبية، حيث حصل هذا الأخير على الصف الأول ب 13.470 صوتا واليسار الديمقراطي الصف العاشر ب 863 صوتا والاتحاد الاشتراكي الصف الثالث عشر بسوى 182 صوتا، وراء أحزاب مثل حزب الشورى والاستقلال وحزب الحرية والعدالة الاجتماعية وحزب القوى الديمقراطية وغيرها!!..
أما في دائرة “طنجة أصيلة”، فحزب الاتحاد الاشتراكي يعتبر منقرضا بلغة الأرقام، إذ احتل الرتبة السابعة ب 748 صوتا فيما تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.668 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول على الصعيد الوطني ب 60.278 صوتا وثلاثة مقاعد… وبدائرة “الرحامنة”، عاقب الناخبون حزب الاتحاد بحصوله على 190 صوتا في الوقت الذي حصل اليسار الديمقراطي على 3.813 صوتا واحتل حزب الأصالة والمعاصرة الصف الأول ب 26.513 صوتا.. ونفس المصير بمدينة مكناس، الاتحاد 2.090 واليسار 5.875 والصف الأول للعدالة ب 48.120 صوتا… وبالشرق، بدائرة “وجدة أنكاد”، الاتحاد احتل الصف الخامس ب 1.676 صوتا واليسار الصف الرابع ب 2.103 والصف الأول احتله حزب الأصالة والمعاصرة ب 30.448 صوتا… أينما وليت نظرك في خريطة المغرب وإلا عثرت على نتائج عقابية في حق مرشحي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…
لتعرج على الجنوب وبقلعتين تاريخيتين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أتحدث من جهة عن “أكادير إداوتنان” (الصف الأول، حزب العدالة والتنمية ب 36.504 صوتا والاتحاد في الصف الرابع ب 3.758 صوتا)، ومن جهة أخرى على مدينة “تارودانت” (الصف الأول، العدالة والتنمية ب 59.781 صوتا والاتحاد الاشتراكي في الصف الخامس ب 5.918 صوتا)… هل تريدون المزيد؟ أسمعكم تقولون: كفى، كفى… إنه أمر مؤلم لكل من عايش أو ناضل أو صوت على هذا الحزب العتيد الذي كان يقضي وجع السلطة لعشرات السنين. لكن الأخطاء والابتعاد عن هموم الشعب ومطالبه، لها تكلفة انتخابية كبيرة وها هو أحد أكبر الأحزاب التاريخية ينقرض انتخابيا رويدا رويدا واستحقاقا وراء استحقاق منذ زمن بعيد، ولا يبدو في الأفق تغيير لهذا المسار الاندحاري…
ولولا تدارك الأمر من طرف سلطة الإدارة الترابية التي دافعت عن تخفيض العتبة من 6 بالمائة إلى 3 بالمائة وعرقلة تأسيس حزب اليازغي الإبن، لكان الاتحاد الاشتراكي اليوم بدون فريق برلماني وأعضائه في حدود 15-16 برلماني وبرلمانية!! وهذا نستشفه من نتائج برلمانيي الحزب الناجحين ب دائرة “تطوان” (الصف الخامس ب 10.639 صوتا في حين حصل العدالة والتنمية على الصف الأول ب 20.136)، دائرة “وزان” (الصف الثالث ب 11.190 صوتا والحزب الأول ب 24.871 صوتا)، دائرة “الجديدة (المرتبة الخامسة ب 10.418 صوتا والصف الأول حزب الاستقلال ب 25.163 صوتا) وأخيرا دائرة “سطات” (المقعد الرابع ب 8.875 صوتا والحزب الأول العدالة والتنمية ب 20.542 صوتا)… كل هذه المقاعد كانت ستكون في عداد المقاعد الخاسرة لم بقيت العتبة في 6 بالمائة والجميع يتذكر أن حزب القوات الشعبية كان قد دافع سنوات عدة عن ضرورة تخليق المشهد السياسي من خلال رفع العتبة إلى 10 بالمائة!!…
يمكن أن نستمر في هذا التشريح وذلك من خلال تحليل دقيق للواقع الانتخابي في الدوائر التي خسرها الحزب، وهي 19 دائرة مقارنة مع استحقاقات 2011، بما فيها المعقل الانتخابي للمرحوم الزايدي بدائرة “بنسليمان” ودوائر أخرى كما هو حال “أكادير” و”قلعة السراغنة” و”الحسيمة”… كما يمكن الغوص في تحليل بروفيلات البرلمانيين الجدد للحزب وعلاقتهم بتاريخ الحزب… كل هذا موجود ويمكن أن يكون مادة لمقال لاحق… لنكتفي بهذا القدر، لأن النبش والتعمق أكثر في الأرقام لن يغير من واقع الاندحار، أو بالأحرى الانقراض كما كان يتنبأ به أحد القادة والمفكرين الكبار لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، السوسيولوجي محمد كسوس رحمه الله، الذي كان في محاضرات حزبية عديدة يحذر من انقراض الحزب كما وقع للعديد من الأحزاب التقدمية بدول عديدة كمصر مثلا…
كما يجب التوضيح أيضا أننا لم نتطرق للمشاكل والصراعات الداخلية للحزب، بل حاولنا التطرق بكل موضوعية وتجرد عن الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انطلاقا من نتائج الانتخابات الصادرة رسميا عن وزارة الداخلية… عادة، بالنسبة لحزب اشتراكي ينتمي للأممية الاشتراكية وقريب من تنظيماتها القوية بكل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال، ما يتقدم قادة الحزب ليلة الهزيمة الانتخابية بتقديم الاستقالة أو على الأقل طلب التئام هيئات الحزب لتقييم الوضع الانتخابي والتنظيمي والخط السياسي في إطار الإعداد لمؤتمر استثنائي يعالج الخلل تنظيميا وسياسيا…
اختار قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ ظهور نتائج الانتخابات ليلة السابع من أكتوبر 2016، التفرغ للتحالفات الحزبية من أغلبية ومعارضة والبحث عن موطئ قدم داخل هذه الكتلة أو تلك والدفاع عن حقهم في المناصب انطلاقا من رصيدهم الحزبي التاريخي غير آبهين بنكستهم الانتخابية وتحقق لهم ذلك من خلال الظفر برئاسة البرلمان بفضل أصواتهم العشرون وأصوات أحزاب الإدارة، أساسا حزب الأصالة والمعاصرة ببرلمانييه المائة واثنين وكذا أصوات حزب الأحرار (37) وحزب الاتحاد الدستوري (19) وحزب الحركة الشعبية (27)… واليوم، يدافعون على “حقهم” الدخول للحكومة في إطار تكتل حزبي يقوده الرجل القوي الجديد…
هناك مقاربتان للشأن الحزبي، المقاربة السائدة بالأحزاب الاشتراكية الأوروبية التي لا يمكن لها التغاضي عن نتائج الانتخابات والتي تتفاعل في الحين مع نتائجها أو توقعاتها، وهو الواقع الذي ألزم الرئيس الفرنسي إعلان انسحابه من الانتخابات التمهيدية لرئاسة الحكومة وفرضت على وزيره الأول خوضها وفشله في تحقيق الدعم التمهيدي لشعب اليسار… ويبدو أن حزب الاتحاد الاشتراكي اختار مقاربة أخرى، لا تبالي بنتائج الانتخابات وبصوت الشعب واختار الاصطفاف إلى جانب صف الأحزاب القريبة من مراكز القرار وذلك في أفق بناء حزب جديد تقليدي يعتمد على الأعيان وليس المناضلين… إلا أن السؤال يطرح نفسه إن كان الأعيان سيختارون حزب الاتحاد الاشتراكي عوض أحزاب الأحرار والأصالة والمعاصرة؟ أم أن قادة الاتحاد الحاليين اختاروا طريق الدفاع عن مصالحهم الشخصية وجعل الحزب المعارض التاريخي الذي كان يلعب أدوارا ريادية، حزبا صغيرا وتابعا لأحزاب أخرى… هذه أسئلة يطرحها العديد من المواطنين في انتظار وضوح الصورة… وللحديث بقية عن الواقع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأحزاب وطنية أخرى…
بقلم: عبدالحق الريكي
الرباط، 03 فبراير 2017
Share this on WhatsApp
المقال السابقفرنسا تتجه لتحميل الجزائر مسؤولية المجازر التي تعرض لها "الخونة"
المقالة القادمةجندي فرنسي يحبط محاولة لاقتحام متحف اللوفر
الأول
مقالات ذات صلة
هل الجزائر “متيقة” أن المغرب سيعترف بالبوليساريو؟
الشرطة العلمية: هذه حقيقة الكيس الذي عثر عليه بمحطة القطار الرباط
خطير.. اكتشاف كيس بلاستيكي يعتقد أنه مليئ بالمتفجرات بسكة محطة الرباط
الأكثر مشاهدة
أخنوش يهاجم الرميد بعد وصفه بالمبتدئ: أنا راجل ولن نقبل أن...
الملك يثير جدلا في الصحافة الفرنسية بسبب أزمة مياه المدينة التي...
الفاسي: لا أنطق اسم بوستة إلا بالاحترام.. وبادو: هذه كواليس العريضة...
عاجل.. نقل خولة النخيلي إلى المستشفى بعدما أغمي عليها داخل المحكمة
حمل أكثر
آخر الفيديوهات
فيديو..القبض على شخص حاول حرق الكعبة
فيديو.. شاب حاول إحراق نفسه بالكعبة
فيديو.. مصير درامي للص سرق هاتفا في طنجة
برلماني كندي يلقي كلمة مؤثرة في حق المسلمين الذين قتلوا بكيبيك
مكالمة هاتفية “تكشف” العلاقة بين مدير دوزيم والفتاة التي تتهمه...
فيديو.. بنعبد الله: يتعين أن يخرج بنكيران معززا مكرما
عن الأول
تابعنا
للإعلان على موقعنا هيئة التحرير من نحن اتصل بنا شروط الإستعمال
©
ية
رئيسيةسياسةتشريح دقيق للأرقام يكشف الهزيمة الكارثية وغير المسبوقة للاتحاد الاشتراكي
ي
تكويني في الرياضيات والإحصائيات يدفعني مرارا إلى البحث في الأرقام وخاصة في التفاصيل الصغيرة ولكن ذات الدلالة الكبيرة في التحليل. هكذا ومنذ سنين دأبت على قراءة نتائج الانتخابات بكل من فرنسا وإسبانيا وبطبيعة الحال وطني المغرب. عادة ما يهم المواطن، هو النتائج العامة وخاصة الفائز بالانتخابات وأحيانا الخاسر. أما أنا فأغوص في نتائج كل دائرة وكل حزب. هذا العمل مُضني ومُتعب ويتطلب وقتا وصبرا. أحيانا لا أجد ما يشفي الغليل، لكن أحيانا أخرى أجد أشياء مهمة. هذا ما وقع لي بالضبط عندما بدأت تشريح تفاصيل نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة للسابع من أكتوبر 2016. وأنا أتصفح نتائج كل دائرة وجهة ومدينة كبرى، بدأت أرقام حزب تاريخي تثير فضولي. صدمتني وآلمتني ولم أكن أعتقد أنها سيئة للغاية رغم معرفتي باندحار وفشل هذا الحزب منذ زمن بعيد.
أتحدث عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان آمال المغاربة لعقود طويلة وقدم العديد من الشهداء والمعتقلين وصارع من أجل الديمقراطية وكون أجيالا من المناضلين والأطر والذي خاض أول تجربة للانتقال الديمقراطي، قادها القائد التاريخي عبدالرحمن اليوسفي. ستقولون أن اندحاره ظاهر للعيان. معكم الحق، وهذا كان موقفي أيضا. لكن لا تتسرعوا، الاندحار أعمق وأشمل وعام. امنحوني صبرا وستقرءون العجب العجاب. حينها لكم حرية الحُكم.
بداية كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان من الأحزاب التي خسرت الانتخابات إذ بقدرة قادر تمكن من الحصول على عشرون مقعدا مكنته من تكوين فريق برلماني. ونعلم أنه خَسِر 19 مقعدا مقارنة مع انتخابات 2011 و37 مقعدا مقارنة بسنة 1997!!.. ونعلم أيضا أن المقاعد العشرون تتكون من 14 مقعدا في إطار اللوائح المحلية و6 مقاعد في إطار اللائحة الوطنية للشباب والنساء (يعتبرها البعض ريعا انتخابيا)… كما لا يخفى عليكم كون هذا الحزب حصل على 3 مقاعد من ضمن 8 مقاعد بجهة كلميم وادي النون ومقعدا من أربعة بجهة الداخلة وادي الذهب وصفرا من ضمن 21 مقعدا بجهة سوس ماسة ومقعدا واحدا من ضمن 39 مقعدا بجهة الرباط سلا القنيطرة ومقعدين من ضمن 57 مقعدا بجهة الدارالبيضاء سطات…
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينتمي للأممية الاشتراكية، وكلنا نعرف أن ثقافة الأحزاب الجادة مبنية على شرعيتين. الشرعية الحزبية وتتجسد في المؤتمرات الوطنية الدورية حيث يتم انتخاب قيادة الحزب انطلاقا من مشروع وأفكار وأطروحات قادرة على ربح المعارك الانتخابية وتمكين رئيس الحزب من الصراع على احتلال مراتب متقدمة ولما لا قيادة الحكومة. لذا فجل قادة الحزب يتقدمون للانتخابات للدفاع عن برنامج الحزب وربح الشرعية الشعبية الانتخابية. كيف تعامل حزب الاتحاد مع هذا الثابت الاشتراكي والحزبي؟ هنا خيبة الأمل كانت كبيرة لأن أغلب قادة الحزب بما فيهم الكاتب الأول لم يترشحوا، والغالب لعلمهم أن حظوظهم منعدمة. وها هو الدليل القاطع.
دأب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بالتقدم وأحيانا النجاح للبرلمان بالدائرة الانتخابية “الرباط-شالة”. لم يتقدم هذه المرة وكان قراره صائبا لأن لائحة الحزب في الدائرة احتلت المرتبة الثامنة ب 1.757 صوتا في الوقت الذي حازت لائحة حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى ب 22.551 صوتا… القضية ليست مقتصرة على الكاتب الأول، بل نجد أن عضوا واحدا من ضمن 31 عضوا من المكتب السياسي المنتخب في آخر مؤتمر، استطاع الظفر بمقعد انتخابي، في الوقت الذي فاز 14 قياديا من ضمن 25 عضوا للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بمقاعد برلمانية وبالمرتبة الأولى وأحيانا بمقعدين وأكثر… يا ترى من يكون العضو القيادي الاتحادي الفائز في الدوائر المحلية؟
بطبيعة الحال تعرفونه، إنه “الحبيب المالكي”، أستاذ جامعي ومفكر اقتصادي وعضو قديم بقيادة الحزب وحاليا رئيس المجلس الوطني للحزب والأهم هو تبوأه ثالث مرتبة في هرم الدولة من خلال انتخابه رئيسا للبرلمان المغربي وذلك قبل تشكيل الأغلبية البرلمانية والحكومة. لأول وهلة سيقول قائل أن هذه المناصب ستجعلنا نستنبط كون الشخص المذكور يتوفر على معقل انتخابي لا يجادله فيه أحدا… للآسف الشديد هذا الاستنتاج غير صحيح بالمرة، بحيث نجده احتل المرتبة الثالثة في الدائرة الانتخابية “خريبكة” ب 10.168 صوتا ولكن بعيدا عن مرشح حزب العدالة والتنمية ب 15.979 صوتا ومرشح حزب الأصالة والمعاصرة ب 15.888 صوتا… ستقولون أنه بدون شك، سيكون قيدوم البرلمانيين وقائد الحزب لسنين عديدة يتوفر على معقل انتخابي قار وقوي… نتحدث عن “عبدالواحد الراضي” الذي عمر كل البرلمانات وتقدم لانتخابات 2016 بدائرته المعتادة “سيدي سليمان”… تعرفون نتيجته؟
نجح هذا القائد التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحصول على مقعده البرلماني لكن باحتلاله المرتبة الثانية ب 10.733 صوتا وتفوق عليه الشاب ياسين الراضي ب 12.536 صوتا وهو المنتمي لحزب الاتحاد الدستوري، هذا الحزب الصغير اليوم، كان يُنعت حين تأسيسه بحزب الإدارة و”كوكوت مينوت” من طرف كوادر ومناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية… ألم أقل لكم أن التعمق في الأرقام سيثير شهيتنا في الاستمرار في الغوص في الأعماق… مثلا، هل تعلمون أن قياديا منتخبا في آخر مؤتمر للحزب وقدم استقالته منه وتقدم للانتخابات البرلمانية في صفوف حزب الأحرار نجح في الانتخابات واحتل المرتبة الأولى بمعقله الانتخابي بدائرة “ميدلت”؟
أتحدث عن “سعيد شبعتو” الذي حصل على الرتبة الأولى ب 16.085 صوتا في الوقت الذي حصل مرشح الاتحاد الاشتراكي بنفس الدائرة على المرتبة العاشرة ب 691 صوتا. لا بد من طرح هذا السؤال: هل هذا الشخص كان يعرف أن حظوظه وحظوظ الحزب الاشتراكي منعدمة واتخذ قرار مغادرة الحزب والتوجه لحزب آخر؟ هذا السؤال مشروع جدا حين نعثر بالصدفة على صورة مرشح آخر غادر الحزب الاشتراكي وترشح في صفوف حزب آخر واستطاع النجاح كبرلماني… والغريب في الأمر أن نفس الشخص ترأس لائحة حزب الاتحاد الاشتراكي خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2015 بمقاطعة “حسان” بالرباط وحصلت لائحته على المرتبة الثامنة ب 726 صوتا وصفر مقعدا إذ لم تحصل على العتبة وإذا به يتقدم سنة 2016 في قائمة مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة في دائرة “الراشيدية” وينجح كبرلماني بحصوله على المرتبة الثانية ب 15.744 صوتا في حين حصل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المرتبة السادسة ب 7.233 صوتا… إنه النقابي “عدي بوعرفة”… هل تريدون المزيد؟
كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد صفوف المعارضة الوطنية لسنين عديدة من موقع طليعي يصعب عليه قبول كونه أصبح حزبا وطنيا عاديا وصغيرا وفي حاجة لأحزاب أخرى أصبحت تلعب أدوارا كبرى على الساحة السياسية الوطنية. هكذا فالمتتبع العادي يفهم كيف أصبح حزب الاتحاد الاشتراكي قريب من حزب، كان إلى البارحة ينعته بالوافد الجديد، ألا وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي بفضل 102 من برلمانييه استطاع أحد القادة الاشتراكيين من الفوز برآسة البرلمان. ويفهم أيضا صراعه ومعارضته لحزب العدالة والتنمية الذي أصبح حزبا ذو شعبية كبيرة ويكتسح المواقع الانتخابية. هنا ما يهمنا هو الخطة التي نهجها حزب الاتحاد الاشتراكي لمنافسة أمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة “عبدالإله بنكيران” في الدائرة الانتخابية “سلا المدينة”… الصدمة ستكون قوية لمن لا يدري النتيجة…
تقدم “عبدالإله بنكيران” لمرة أخرى بمعقله الانتخابي في مواجهة 14 حزبا وكانت هذه الدائرة لرمزيتها مثار اهتمام وطني ودولي. واستطاعت لائحة حزب المصباح من الاكتساح الانتخابي إذ حصلت على نصف الأصوات المعبر عنها بما مقداره 36.404 صوتا ومقعدين ضمن أربعة مقاعد. لننظر الآن في موضوع منافسة حزب الاتحاد الاشتراكي لخصمه الأول والرئيس. قلت سابقا، الصدمة كانت قوية، لأنه لم يكن هنالك في أرض الواقع أي تنافس يذكر، بل هزيمة كبيرة لمرشح الاتحاد الاشتراكي الذي لم يستطع تجاوز الألف صوت، بتحقيقه 913 صوتا من أكثر من 72 ألف صوت معبر عنها…
هذا دليل قاطع على أن المعارضة الكلامية للاتحاد الاشتراكي رغم حدتها وأسلوبها وأدواتها وأفكارها، لا تأثير لها على أرض الواقع الانتخابي المغربي… وما يحز أكثر في النفس هو كون لائحة الاتحاد الاشتراكي بنفس المدينة وبدائرة “سلا الجديدة” وفي مواجهة أحد قياديي العدالة والتنمية ووزرائه خيبت الآمال حيث فاز حزب المصباح بمقعدين من ثلاثة وب 25.020 صوتا في حين اندحرت لائحة الاشتراكي للصفوف الأخيرة ب 355 صوتا، متقدما عليها حزب صغير وهو حزب البيئة والتنمية المستدامة ب 404 صوتا…
والغريب هو أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حصد في العديد من الدوائر على أصوات قليلة جدا ولا تصل الألف وأحيانا عشرات الأصوات كما هو الحال في دائرة “النواصر” بالدارالبيضاء حيث احتلت لائحته المرتبة الأخيرة ب 127 صوتا يتقدم عليه حزب جديد هو حزب الديمقراطيين الجدد ب 213 صوتا، كما احتل الصف ما قبل الأخير بدائرة “مديونة” ب 65 صوتا (نعم 65 صوتا) ضمن أكثر من 30.000 صوت معبر عنها وبعيدا عن أحزاب صغيرة مثل حزب الشورى والاستقلال (92 صوتا) وحزب البيئة والتنمية المستدامة (74 صوتا)… سيقول البعض أن هذا الأمر يقع لكل الأحزاب لأنه يصعب عليها ضبط كل الخريطة الانتخابية الوطنية. أجيب بنعم وفي نفس الوقت أقول أن هذا الأمر يمكن أن يحدث لأحزاب جديدة وصغيرة وغير معروفة. إننا هنا بصدد الحديث عن حزب المهدي بنبركة وعمر بن جلون وعبدالرحيم بوعبيد وعبدالرحمن اليوسفي والفقيه البصري ونوبير الأموي ومحمد اليازغي وعبدالواحد الراضي وآخرون كثر، بمعنى آخر نتحدث عن حزب معروف في كل مدينة وقرية وحارة ودار… يمكن لحزب كبير أن ينهزم انتخابيا ولكن بهذا الشكل فهو عقاب انتخابي ونكسة وليس هزيمة… خاصة أن هذا الوضع عام وشامل وفي كل المدن الكبرى وفي المعاقل التاريخية للحزب. والطامة الكبرى هو كون حزب يساري صغير لم يحصل سوى على مقعدين برلمانيين استطاع التفوق على حزب تاريخي كبير في دوائر كثيرة نذكر منها:
مدينة الرباط، عاصمة المملكة، وقلعة اتحادية تاريخية منذ تَقَّدم الشهيد المهدي بنبركة لمنافسة الفديك سنة 1963 بيعقوب المنصور، هذه المدينة التي صمدت في وجه التزوير في سنوات الرصاص ومنحت مقاعد برلمانية عديدة لقادة الاتحاد حتى أصبحوا برلمانيين ووزراء، أصبحت “مقبرة” للوائح الاتحاد الاشتراكي وهذا يتجلى في النتائج المحصل عليها من طرف مرشحي الحزب الاشتراكي. هكذا وفي دائرة “الرباط-المحيط”، حصل مرشح الاتحاد على المرتبة الثامنة ب 1.109 صوتا واستطاع “عمر بلافريج” وكيل لائحة تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي بالظفر بمنصب برلماني باحتلاله الصف الثالث ب 8.048 صوتا في الوقت الذي احتل حزب العدالة والتنمية الصف الأول ومقعدين ب 29.531 صوتا. أما في قلعة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، دائرة “الرباط-شالة”، فكما قلنا سابقا احتل وكيل لائحة الاتحاد الاشتراكي المرتبة السادسة ب 1.757 صوتا وتجاوزه اليسار الديمقراطي ب 3.085 صوتا، في حين فازت لائحة حزب العدالة والتنمية بمقعدين و 22.551 صوتا..
ما وقع في الرباط، حدث أيضا في كبريات المدن وفي معاقل سابقة للاتحاد الاشتراكي. نأخذ مثلا المدينة العمالية والاقتصادية والمالية، الدارالبيضاء، حيث السمة البارزة هي الهزيمة والاندحار… فمن ضمن 57 مقعدا برلمانيا يخص جهة الدارالبيضاء-سطات، فاز الاتحاد الاشتراكي بمقعدين في كل من مدن الجديدة وسطات، أما في مختلف مقاطعات وعمالات الدارالبيضاء فصفر مقعد. لكن ما يلفت الأنظار كون الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، حصل على أصوات أكثر من حزب الاتحاد الاشتراكي في كل المقاطعات بدون استثناء.
بل في دائرة الطبقة المتوسطة والكبيرة، عمالة مقاطعة أنفا، استطاع “مصطفى الشناوي” عن حزب اليسار الديمقراطي من ربح مقعد برلماني بحصوله على المرتبة الرابعة و 6.629 صوتا في حين حصلت لائحة الاتحاد الاشتراكي على المرتبة السادسة ب 3.477 صوتا والمرتبة الأولى عادت لحزب العدالة والتنمية بمقعدين و 30.617 صوتا.. إنها أرقام صادمة وعقاب انتخابي يصعب إخفاءه.. هكذا وبدائرة “عمالة مقاطعة ابن مسيك” (الأول، العدالة والتنمية ب 15.584 صوتا واليسار الديمقراطي 648 صوتا والاتحاد الاشتراكي 426)، “دائرة مقاطعة الفداء مرس السلطان” (العدالة والتنمية 21.439 واليسار 1.213 والاتحاد 685)، “دائرة مقاطعة سيدي البرنوصي” (العدالة 33.140، اليسار 2.208، الاتحاد 832)، “مقاطعة عين السبع الحي المحمدي” (العدالة 27.038، اليسار 2.208، الاتحاد 2.068)، “عمالة مقاطعة مولاي رشيد (العدالة 26.039، اليسار 946، الاتحاد 799)، “عمالة مقاطعة الحي الحسني” (العدالة 22.799، اليسار 2.262، الاتحاد 609)، “مقاطعة عين الشق” (العدالة 23.545، اليسار 2069، الاتحاد 548).. وتحدثنا سابقا عن دائرة “مديونة” ودائرة “عمالة مقاطعة أنفا”… الخلاصة الصادمة، في كل الدوائر الانتخابية بمدينة الدارالبيضاء، تفوق الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، على الحزب التاريخي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ووقع عقاب تاريخي له من طرف الناخبين…
نفس الوضع نجده في كل المدن الأخرى، نأخذ مثلا العاصمة العلمية للمملكة، فاس، التي كانت معقلا انتخابيا للاتحاد الاشتراكي.. هكذا تجاوز حزب تحالف أحزاب اليسار الديمقراطي (4.659 صوتا) حزب الاتحاد (4.496) بينما احتل حزب العدالة والتنمية الصدارة ب 75.398 صوتا!!.. مثلا مدينة مراكش بكل دوائرها بوأت حزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 91.384 صوتا واليسار (5.815) والاتحاد (2.434 صوتا)، والغريب أنه في دائرة “مراكش جليز المنارة”، التي عرفت حربا ضروسا ضد ترشيح السلفي حمادي القباج بمساهمة مرشح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كانت نتيجة التصويت عقابية في حق هذا الأخير إذ احتل المرتبة السابعة ب 930 صوتا، في حين احتل تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.267 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 27.959 صوتا. وكنت في كتابات سابقة تحدثت عن اندحار صوت القوات الشعبية خلال الانتخابات الجزئية لسنة 2013 بنفس الدائرة وكان حينها مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي حصل على 446 صوتا. الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي في تقهقر مستمر…
وليس بعيد عن الرباط، بدائرة “الخميسات ولماس”، معقل الحركة الشعبية، حيث حصل هذا الأخير على الصف الأول ب 13.470 صوتا واليسار الديمقراطي الصف العاشر ب 863 صوتا والاتحاد الاشتراكي الصف الثالث عشر بسوى 182 صوتا، وراء أحزاب مثل حزب الشورى والاستقلال وحزب الحرية والعدالة الاجتماعية وحزب القوى الديمقراطية وغيرها!!..
أما في دائرة “طنجة أصيلة”، فحزب الاتحاد الاشتراكي يعتبر منقرضا بلغة الأرقام، إذ احتل الرتبة السابعة ب 748 صوتا فيما تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.668 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول على الصعيد الوطني ب 60.278 صوتا وثلاثة مقاعد… وبدائرة “الرحامنة”، عاقب الناخبون حزب الاتحاد بحصوله على 190 صوتا في الوقت الذي حصل اليسار الديمقراطي على 3.813 صوتا واحتل حزب الأصالة والمعاصرة الصف الأول ب 26.513 صوتا.. ونفس المصير بمدينة مكناس، الاتحاد 2.090 واليسار 5.875 والصف الأول للعدالة ب 48.120 صوتا… وبالشرق، بدائرة “وجدة أنكاد”، الاتحاد احتل الصف الخامس ب 1.676 صوتا واليسار الصف الرابع ب 2.103 والصف الأول احتله حزب الأصالة والمعاصرة ب 30.448 صوتا… أينما وليت نظرك في خريطة المغرب وإلا عثرت على نتائج عقابية في حق مرشحي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…
لتعرج على الجنوب وبقلعتين تاريخيتين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أتحدث من جهة عن “أكادير إداوتنان” (الصف الأول، حزب العدالة والتنمية ب 36.504 صوتا والاتحاد في الصف الرابع ب 3.758 صوتا)، ومن جهة أخرى على مدينة “تارودانت” (الصف الأول، العدالة والتنمية ب 59.781 صوتا والاتحاد الاشتراكي في الصف الخامس ب 5.918 صوتا)… هل تريدون المزيد؟ أسمعكم تقولون: كفى، كفى… إنه أمر مؤلم لكل من عايش أو ناضل أو صوت على هذا الحزب العتيد الذي كان يقضي وجع السلطة لعشرات السنين. لكن الأخطاء والابتعاد عن هموم الشعب ومطالبه، لها تكلفة انتخابية كبيرة وها هو أحد أكبر الأحزاب التاريخية ينقرض انتخابيا رويدا رويدا واستحقاقا وراء استحقاق منذ زمن بعيد، ولا يبدو في الأفق تغيير لهذا المسار الاندحاري…
ولولا تدارك الأمر من طرف سلطة الإدارة الترابية التي دافعت عن تخفيض العتبة من 6 بالمائة إلى 3 بالمائة وعرقلة تأسيس حزب اليازغي الإبن، لكان الاتحاد الاشتراكي اليوم بدون فريق برلماني وأعضائه في حدود 15-16 برلماني وبرلمانية!! وهذا نستشفه من نتائج برلمانيي الحزب الناجحين ب دائرة “تطوان” (الصف الخامس ب 10.639 صوتا في حين حصل العدالة والتنمية على الصف الأول ب 20.136)، دائرة “وزان” (الصف الثالث ب 11.190 صوتا والحزب الأول ب 24.871 صوتا)، دائرة “الجديدة (المرتبة الخامسة ب 10.418 صوتا والصف الأول حزب الاستقلال ب 25.163 صوتا) وأخيرا دائرة “سطات” (المقعد الرابع ب 8.875 صوتا والحزب الأول العدالة والتنمية ب 20.542 صوتا)… كل هذه المقاعد كانت ستكون في عداد المقاعد الخاسرة لم بقيت العتبة في 6 بالمائة والجميع يتذكر أن حزب القوات الشعبية كان قد دافع سنوات عدة عن ضرورة تخليق المشهد السياسي من خلال رفع العتبة إلى 10 بالمائة!!…
يمكن أن نستمر في هذا التشريح وذلك من خلال تحليل دقيق للواقع الانتخابي في الدوائر التي خسرها الحزب، وهي 19 دائرة مقارنة مع استحقاقات 2011، بما فيها المعقل الانتخابي للمرحوم الزايدي بدائرة “بنسليمان” ودوائر أخرى كما هو حال “أكادير” و”قلعة السراغنة” و”الحسيمة”… كما يمكن الغوص في تحليل بروفيلات البرلمانيين الجدد للحزب وعلاقتهم بتاريخ الحزب… كل هذا موجود ويمكن أن يكون مادة لمقال لاحق… لنكتفي بهذا القدر، لأن النبش والتعمق أكثر في الأرقام لن يغير من واقع الاندحار، أو بالأحرى الانقراض كما كان يتنبأ به أحد القادة والمفكرين الكبار لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، السوسيولوجي محمد كسوس رحمه الله، الذي كان في محاضرات حزبية عديدة يحذر من انقراض الحزب كما وقع للعديد من الأحزاب التقدمية بدول عديدة كمصر مثلا…
كما يجب التوضيح أيضا أننا لم نتطرق للمشاكل والصراعات الداخلية للحزب، بل حاولنا التطرق بكل موضوعية وتجرد عن الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انطلاقا من نتائج الانتخابات الصادرة رسميا عن وزارة الداخلية… عادة، بالنسبة لحزب اشتراكي ينتمي للأممية الاشتراكية وقريب من تنظيماتها القوية بكل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال، ما يتقدم قادة الحزب ليلة الهزيمة الانتخابية بتقديم الاستقالة أو على الأقل طلب التئام هيئات الحزب لتقييم الوضع الانتخابي والتنظيمي والخط السياسي في إطار الإعداد لمؤتمر استثنائي يعالج الخلل تنظيميا وسياسيا…
اختار قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ ظهور نتائج الانتخابات ليلة السابع من أكتوبر 2016، التفرغ للتحالفات الحزبية من أغلبية ومعارضة والبحث عن موطئ قدم داخل هذه الكتلة أو تلك والدفاع عن حقهم في المناصب انطلاقا من رصيدهم الحزبي التاريخي غير آبهين بنكستهم الانتخابية وتحقق لهم ذلك من خلال الظفر برئاسة البرلمان بفضل أصواتهم العشرون وأصوات أحزاب الإدارة، أساسا حزب الأصالة والمعاصرة ببرلمانييه المائة واثنين وكذا أصوات حزب الأحرار (37) وحزب الاتحاد الدستوري (19) وحزب الحركة الشعبية (27)… واليوم، يدافعون على “حقهم” الدخول للحكومة في إطار تكتل حزبي يقوده الرجل القوي الجديد…
هناك مقاربتان للشأن الحزبي، المقاربة السائدة بالأحزاب الاشتراكية الأوروبية التي لا يمكن لها التغاضي عن نتائج الانتخابات والتي تتفاعل في الحين مع نتائجها أو توقعاتها، وهو الواقع الذي ألزم الرئيس الفرنسي إعلان انسحابه من الانتخابات التمهيدية لرئاسة الحكومة وفرضت على وزيره الأول خوضها وفشله في تحقيق الدعم التمهيدي لشعب اليسار… ويبدو أن حزب الاتحاد الاشتراكي اختار مقاربة أخرى، لا تبالي بنتائج الانتخابات وبصوت الشعب واختار الاصطفاف إلى جانب صف الأحزاب القريبة من مراكز القرار وذلك في أفق بناء حزب جديد تقليدي يعتمد على الأعيان وليس المناضلين… إلا أن السؤال يطرح نفسه إن كان الأعيان سيختارون حزب الاتحاد الاشتراكي عوض أحزاب الأحرار والأصالة والمعاصرة؟ أم أن قادة الاتحاد الحاليين اختاروا طريق الدفاع عن مصالحهم الشخصية وجعل الحزب المعارض التاريخي الذي كان يلعب أدوارا ريادية، حزبا صغيرا وتابعا لأحزاب أخرى… هذه أسئلة يطرحها العديد من المواطنين في انتظار وضوح الصورة… وللحديث بقية عن الواقع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأحزاب وطنية أخرى…
بقلم: عبدالحق الريكي
الرباط، 03 فبراير 2017
Share this on WhatsApp
المقال السابقفرنسا تتجه لتحميل الجزائر مسؤولية المجازر التي تعرض لها "الخونة"
المقالة القادمةجندي فرنسي يحبط محاولة لاقتحام متحف اللوفر
الأول
مقالات ذات صلة
هل الجزائر “متيقة” أن المغرب سيعترف بالبوليساريو؟
الشرطة العلمية: هذه حقيقة الكيس الذي عثر عليه بمحطة القطار الرباط
خطير.. اكتشاف كيس بلاستيكي يعتقد أنه مليئ بالمتفجرات بسكة محطة الرباط
الأكثر مشاهدة
أخنوش يهاجم الرميد بعد وصفه بالمبتدئ: أنا راجل ولن نقبل أن...
الملك يثير جدلا في الصحافة الفرنسية بسبب أزمة مياه المدينة التي...
الفاسي: لا أنطق اسم بوستة إلا بالاحترام.. وبادو: هذه كواليس العريضة...
عاجل.. نقل خولة النخيلي إلى المستشفى بعدما أغمي عليها داخل المحكمة
حمل أكثر
آخر الفيديوهات
فيديو..القبض على شخص حاول حرق الكعبة
فيديو.. شاب حاول إحراق نفسه بالكعبة
فيديو.. مصير درامي للص سرق هاتفا في طنجة
برلماني كندي يلقي كلمة مؤثرة في حق المسلمين الذين قتلوا بكيبيك
مكالمة هاتفية “تكشف” العلاقة بين مدير دوزيم والفتاة التي تتهمه...
فيديو.. بنعبد الله: يتعين أن يخرج بنكيران معززا مكرما
عن الأول
تابعنا
للإعلان على موقعنا هيئة التحرير من نحن اتصل بنا شروط الإستعمال
©
رئيسيةسياسةتشريح دقيق للأرقام يكشف الهزيمة الكارثية وغير المسبوقة للاتحاد الاشتراكي
ي
تكويني في الرياضيات والإحصائيات يدفعني مرارا إلى البحث في الأرقام وخاصة في التفاصيل الصغيرة ولكن ذات الدلالة الكبيرة في التحليل. هكذا ومنذ سنين دأبت على قراءة نتائج الانتخابات بكل من فرنسا وإسبانيا وبطبيعة الحال وطني المغرب. عادة ما يهم المواطن، هو النتائج العامة وخاصة الفائز بالانتخابات وأحيانا الخاسر. أما أنا فأغوص في نتائج كل دائرة وكل حزب. هذا العمل مُضني ومُتعب ويتطلب وقتا وصبرا. أحيانا لا أجد ما يشفي الغليل، لكن أحيانا أخرى أجد أشياء مهمة. هذا ما وقع لي بالضبط عندما بدأت تشريح تفاصيل نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة للسابع من أكتوبر 2016. وأنا أتصفح نتائج كل دائرة وجهة ومدينة كبرى، بدأت أرقام حزب تاريخي تثير فضولي. صدمتني وآلمتني ولم أكن أعتقد أنها سيئة للغاية رغم معرفتي باندحار وفشل هذا الحزب منذ زمن بعيد.
أتحدث عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان آمال المغاربة لعقود طويلة وقدم العديد من الشهداء والمعتقلين وصارع من أجل الديمقراطية وكون أجيالا من المناضلين والأطر والذي خاض أول تجربة للانتقال الديمقراطي، قادها القائد التاريخي عبدالرحمن اليوسفي. ستقولون أن اندحاره ظاهر للعيان. معكم الحق، وهذا كان موقفي أيضا. لكن لا تتسرعوا، الاندحار أعمق وأشمل وعام. امنحوني صبرا وستقرءون العجب العجاب. حينها لكم حرية الحُكم.
بداية كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان من الأحزاب التي خسرت الانتخابات إذ بقدرة قادر تمكن من الحصول على عشرون مقعدا مكنته من تكوين فريق برلماني. ونعلم أنه خَسِر 19 مقعدا مقارنة مع انتخابات 2011 و37 مقعدا مقارنة بسنة 1997!!.. ونعلم أيضا أن المقاعد العشرون تتكون من 14 مقعدا في إطار اللوائح المحلية و6 مقاعد في إطار اللائحة الوطنية للشباب والنساء (يعتبرها البعض ريعا انتخابيا)… كما لا يخفى عليكم كون هذا الحزب حصل على 3 مقاعد من ضمن 8 مقاعد بجهة كلميم وادي النون ومقعدا من أربعة بجهة الداخلة وادي الذهب وصفرا من ضمن 21 مقعدا بجهة سوس ماسة ومقعدا واحدا من ضمن 39 مقعدا بجهة الرباط سلا القنيطرة ومقعدين من ضمن 57 مقعدا بجهة الدارالبيضاء سطات…
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينتمي للأممية الاشتراكية، وكلنا نعرف أن ثقافة الأحزاب الجادة مبنية على شرعيتين. الشرعية الحزبية وتتجسد في المؤتمرات الوطنية الدورية حيث يتم انتخاب قيادة الحزب انطلاقا من مشروع وأفكار وأطروحات قادرة على ربح المعارك الانتخابية وتمكين رئيس الحزب من الصراع على احتلال مراتب متقدمة ولما لا قيادة الحكومة. لذا فجل قادة الحزب يتقدمون للانتخابات للدفاع عن برنامج الحزب وربح الشرعية الشعبية الانتخابية. كيف تعامل حزب الاتحاد مع هذا الثابت الاشتراكي والحزبي؟ هنا خيبة الأمل كانت كبيرة لأن أغلب قادة الحزب بما فيهم الكاتب الأول لم يترشحوا، والغالب لعلمهم أن حظوظهم منعدمة. وها هو الدليل القاطع.
دأب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بالتقدم وأحيانا النجاح للبرلمان بالدائرة الانتخابية “الرباط-شالة”. لم يتقدم هذه المرة وكان قراره صائبا لأن لائحة الحزب في الدائرة احتلت المرتبة الثامنة ب 1.757 صوتا في الوقت الذي حازت لائحة حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى ب 22.551 صوتا… القضية ليست مقتصرة على الكاتب الأول، بل نجد أن عضوا واحدا من ضمن 31 عضوا من المكتب السياسي المنتخب في آخر مؤتمر، استطاع الظفر بمقعد انتخابي، في الوقت الذي فاز 14 قياديا من ضمن 25 عضوا للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بمقاعد برلمانية وبالمرتبة الأولى وأحيانا بمقعدين وأكثر… يا ترى من يكون العضو القيادي الاتحادي الفائز في الدوائر المحلية؟
بطبيعة الحال تعرفونه، إنه “الحبيب المالكي”، أستاذ جامعي ومفكر اقتصادي وعضو قديم بقيادة الحزب وحاليا رئيس المجلس الوطني للحزب والأهم هو تبوأه ثالث مرتبة في هرم الدولة من خلال انتخابه رئيسا للبرلمان المغربي وذلك قبل تشكيل الأغلبية البرلمانية والحكومة. لأول وهلة سيقول قائل أن هذه المناصب ستجعلنا نستنبط كون الشخص المذكور يتوفر على معقل انتخابي لا يجادله فيه أحدا… للآسف الشديد هذا الاستنتاج غير صحيح بالمرة، بحيث نجده احتل المرتبة الثالثة في الدائرة الانتخابية “خريبكة” ب 10.168 صوتا ولكن بعيدا عن مرشح حزب العدالة والتنمية ب 15.979 صوتا ومرشح حزب الأصالة والمعاصرة ب 15.888 صوتا… ستقولون أنه بدون شك، سيكون قيدوم البرلمانيين وقائد الحزب لسنين عديدة يتوفر على معقل انتخابي قار وقوي… نتحدث عن “عبدالواحد الراضي” الذي عمر كل البرلمانات وتقدم لانتخابات 2016 بدائرته المعتادة “سيدي سليمان”… تعرفون نتيجته؟
نجح هذا القائد التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحصول على مقعده البرلماني لكن باحتلاله المرتبة الثانية ب 10.733 صوتا وتفوق عليه الشاب ياسين الراضي ب 12.536 صوتا وهو المنتمي لحزب الاتحاد الدستوري، هذا الحزب الصغير اليوم، كان يُنعت حين تأسيسه بحزب الإدارة و”كوكوت مينوت” من طرف كوادر ومناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية… ألم أقل لكم أن التعمق في الأرقام سيثير شهيتنا في الاستمرار في الغوص في الأعماق… مثلا، هل تعلمون أن قياديا منتخبا في آخر مؤتمر للحزب وقدم استقالته منه وتقدم للانتخابات البرلمانية في صفوف حزب الأحرار نجح في الانتخابات واحتل المرتبة الأولى بمعقله الانتخابي بدائرة “ميدلت”؟
أتحدث عن “سعيد شبعتو” الذي حصل على الرتبة الأولى ب 16.085 صوتا في الوقت الذي حصل مرشح الاتحاد الاشتراكي بنفس الدائرة على المرتبة العاشرة ب 691 صوتا. لا بد من طرح هذا السؤال: هل هذا الشخص كان يعرف أن حظوظه وحظوظ الحزب الاشتراكي منعدمة واتخذ قرار مغادرة الحزب والتوجه لحزب آخر؟ هذا السؤال مشروع جدا حين نعثر بالصدفة على صورة مرشح آخر غادر الحزب الاشتراكي وترشح في صفوف حزب آخر واستطاع النجاح كبرلماني… والغريب في الأمر أن نفس الشخص ترأس لائحة حزب الاتحاد الاشتراكي خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2015 بمقاطعة “حسان” بالرباط وحصلت لائحته على المرتبة الثامنة ب 726 صوتا وصفر مقعدا إذ لم تحصل على العتبة وإذا به يتقدم سنة 2016 في قائمة مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة في دائرة “الراشيدية” وينجح كبرلماني بحصوله على المرتبة الثانية ب 15.744 صوتا في حين حصل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المرتبة السادسة ب 7.233 صوتا… إنه النقابي “عدي بوعرفة”… هل تريدون المزيد؟
كلنا نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد صفوف المعارضة الوطنية لسنين عديدة من موقع طليعي يصعب عليه قبول كونه أصبح حزبا وطنيا عاديا وصغيرا وفي حاجة لأحزاب أخرى أصبحت تلعب أدوارا كبرى على الساحة السياسية الوطنية. هكذا فالمتتبع العادي يفهم كيف أصبح حزب الاتحاد الاشتراكي قريب من حزب، كان إلى البارحة ينعته بالوافد الجديد، ألا وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي بفضل 102 من برلمانييه استطاع أحد القادة الاشتراكيين من الفوز برآسة البرلمان. ويفهم أيضا صراعه ومعارضته لحزب العدالة والتنمية الذي أصبح حزبا ذو شعبية كبيرة ويكتسح المواقع الانتخابية. هنا ما يهمنا هو الخطة التي نهجها حزب الاتحاد الاشتراكي لمنافسة أمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة “عبدالإله بنكيران” في الدائرة الانتخابية “سلا المدينة”… الصدمة ستكون قوية لمن لا يدري النتيجة…
تقدم “عبدالإله بنكيران” لمرة أخرى بمعقله الانتخابي في مواجهة 14 حزبا وكانت هذه الدائرة لرمزيتها مثار اهتمام وطني ودولي. واستطاعت لائحة حزب المصباح من الاكتساح الانتخابي إذ حصلت على نصف الأصوات المعبر عنها بما مقداره 36.404 صوتا ومقعدين ضمن أربعة مقاعد. لننظر الآن في موضوع منافسة حزب الاتحاد الاشتراكي لخصمه الأول والرئيس. قلت سابقا، الصدمة كانت قوية، لأنه لم يكن هنالك في أرض الواقع أي تنافس يذكر، بل هزيمة كبيرة لمرشح الاتحاد الاشتراكي الذي لم يستطع تجاوز الألف صوت، بتحقيقه 913 صوتا من أكثر من 72 ألف صوت معبر عنها…
هذا دليل قاطع على أن المعارضة الكلامية للاتحاد الاشتراكي رغم حدتها وأسلوبها وأدواتها وأفكارها، لا تأثير لها على أرض الواقع الانتخابي المغربي… وما يحز أكثر في النفس هو كون لائحة الاتحاد الاشتراكي بنفس المدينة وبدائرة “سلا الجديدة” وفي مواجهة أحد قياديي العدالة والتنمية ووزرائه خيبت الآمال حيث فاز حزب المصباح بمقعدين من ثلاثة وب 25.020 صوتا في حين اندحرت لائحة الاشتراكي للصفوف الأخيرة ب 355 صوتا، متقدما عليها حزب صغير وهو حزب البيئة والتنمية المستدامة ب 404 صوتا…
والغريب هو أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حصد في العديد من الدوائر على أصوات قليلة جدا ولا تصل الألف وأحيانا عشرات الأصوات كما هو الحال في دائرة “النواصر” بالدارالبيضاء حيث احتلت لائحته المرتبة الأخيرة ب 127 صوتا يتقدم عليه حزب جديد هو حزب الديمقراطيين الجدد ب 213 صوتا، كما احتل الصف ما قبل الأخير بدائرة “مديونة” ب 65 صوتا (نعم 65 صوتا) ضمن أكثر من 30.000 صوت معبر عنها وبعيدا عن أحزاب صغيرة مثل حزب الشورى والاستقلال (92 صوتا) وحزب البيئة والتنمية المستدامة (74 صوتا)… سيقول البعض أن هذا الأمر يقع لكل الأحزاب لأنه يصعب عليها ضبط كل الخريطة الانتخابية الوطنية. أجيب بنعم وفي نفس الوقت أقول أن هذا الأمر يمكن أن يحدث لأحزاب جديدة وصغيرة وغير معروفة. إننا هنا بصدد الحديث عن حزب المهدي بنبركة وعمر بن جلون وعبدالرحيم بوعبيد وعبدالرحمن اليوسفي والفقيه البصري ونوبير الأموي ومحمد اليازغي وعبدالواحد الراضي وآخرون كثر، بمعنى آخر نتحدث عن حزب معروف في كل مدينة وقرية وحارة ودار… يمكن لحزب كبير أن ينهزم انتخابيا ولكن بهذا الشكل فهو عقاب انتخابي ونكسة وليس هزيمة… خاصة أن هذا الوضع عام وشامل وفي كل المدن الكبرى وفي المعاقل التاريخية للحزب. والطامة الكبرى هو كون حزب يساري صغير لم يحصل سوى على مقعدين برلمانيين استطاع التفوق على حزب تاريخي كبير في دوائر كثيرة نذكر منها:
مدينة الرباط، عاصمة المملكة، وقلعة اتحادية تاريخية منذ تَقَّدم الشهيد المهدي بنبركة لمنافسة الفديك سنة 1963 بيعقوب المنصور، هذه المدينة التي صمدت في وجه التزوير في سنوات الرصاص ومنحت مقاعد برلمانية عديدة لقادة الاتحاد حتى أصبحوا برلمانيين ووزراء، أصبحت “مقبرة” للوائح الاتحاد الاشتراكي وهذا يتجلى في النتائج المحصل عليها من طرف مرشحي الحزب الاشتراكي. هكذا وفي دائرة “الرباط-المحيط”، حصل مرشح الاتحاد على المرتبة الثامنة ب 1.109 صوتا واستطاع “عمر بلافريج” وكيل لائحة تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي بالظفر بمنصب برلماني باحتلاله الصف الثالث ب 8.048 صوتا في الوقت الذي احتل حزب العدالة والتنمية الصف الأول ومقعدين ب 29.531 صوتا. أما في قلعة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، دائرة “الرباط-شالة”، فكما قلنا سابقا احتل وكيل لائحة الاتحاد الاشتراكي المرتبة السادسة ب 1.757 صوتا وتجاوزه اليسار الديمقراطي ب 3.085 صوتا، في حين فازت لائحة حزب العدالة والتنمية بمقعدين و 22.551 صوتا..
ما وقع في الرباط، حدث أيضا في كبريات المدن وفي معاقل سابقة للاتحاد الاشتراكي. نأخذ مثلا المدينة العمالية والاقتصادية والمالية، الدارالبيضاء، حيث السمة البارزة هي الهزيمة والاندحار… فمن ضمن 57 مقعدا برلمانيا يخص جهة الدارالبيضاء-سطات، فاز الاتحاد الاشتراكي بمقعدين في كل من مدن الجديدة وسطات، أما في مختلف مقاطعات وعمالات الدارالبيضاء فصفر مقعد. لكن ما يلفت الأنظار كون الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، حصل على أصوات أكثر من حزب الاتحاد الاشتراكي في كل المقاطعات بدون استثناء.
بل في دائرة الطبقة المتوسطة والكبيرة، عمالة مقاطعة أنفا، استطاع “مصطفى الشناوي” عن حزب اليسار الديمقراطي من ربح مقعد برلماني بحصوله على المرتبة الرابعة و 6.629 صوتا في حين حصلت لائحة الاتحاد الاشتراكي على المرتبة السادسة ب 3.477 صوتا والمرتبة الأولى عادت لحزب العدالة والتنمية بمقعدين و 30.617 صوتا.. إنها أرقام صادمة وعقاب انتخابي يصعب إخفاءه.. هكذا وبدائرة “عمالة مقاطعة ابن مسيك” (الأول، العدالة والتنمية ب 15.584 صوتا واليسار الديمقراطي 648 صوتا والاتحاد الاشتراكي 426)، “دائرة مقاطعة الفداء مرس السلطان” (العدالة والتنمية 21.439 واليسار 1.213 والاتحاد 685)، “دائرة مقاطعة سيدي البرنوصي” (العدالة 33.140، اليسار 2.208، الاتحاد 832)، “مقاطعة عين السبع الحي المحمدي” (العدالة 27.038، اليسار 2.208، الاتحاد 2.068)، “عمالة مقاطعة مولاي رشيد (العدالة 26.039، اليسار 946، الاتحاد 799)، “عمالة مقاطعة الحي الحسني” (العدالة 22.799، اليسار 2.262، الاتحاد 609)، “مقاطعة عين الشق” (العدالة 23.545، اليسار 2069، الاتحاد 548).. وتحدثنا سابقا عن دائرة “مديونة” ودائرة “عمالة مقاطعة أنفا”… الخلاصة الصادمة، في كل الدوائر الانتخابية بمدينة الدارالبيضاء، تفوق الحزب الصغير، تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، على الحزب التاريخي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ووقع عقاب تاريخي له من طرف الناخبين…
نفس الوضع نجده في كل المدن الأخرى، نأخذ مثلا العاصمة العلمية للمملكة، فاس، التي كانت معقلا انتخابيا للاتحاد الاشتراكي.. هكذا تجاوز حزب تحالف أحزاب اليسار الديمقراطي (4.659 صوتا) حزب الاتحاد (4.496) بينما احتل حزب العدالة والتنمية الصدارة ب 75.398 صوتا!!.. مثلا مدينة مراكش بكل دوائرها بوأت حزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 91.384 صوتا واليسار (5.815) والاتحاد (2.434 صوتا)، والغريب أنه في دائرة “مراكش جليز المنارة”، التي عرفت حربا ضروسا ضد ترشيح السلفي حمادي القباج بمساهمة مرشح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كانت نتيجة التصويت عقابية في حق هذا الأخير إذ احتل المرتبة السابعة ب 930 صوتا، في حين احتل تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.267 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول ب 27.959 صوتا. وكنت في كتابات سابقة تحدثت عن اندحار صوت القوات الشعبية خلال الانتخابات الجزئية لسنة 2013 بنفس الدائرة وكان حينها مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي حصل على 446 صوتا. الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي في تقهقر مستمر…
وليس بعيد عن الرباط، بدائرة “الخميسات ولماس”، معقل الحركة الشعبية، حيث حصل هذا الأخير على الصف الأول ب 13.470 صوتا واليسار الديمقراطي الصف العاشر ب 863 صوتا والاتحاد الاشتراكي الصف الثالث عشر بسوى 182 صوتا، وراء أحزاب مثل حزب الشورى والاستقلال وحزب الحرية والعدالة الاجتماعية وحزب القوى الديمقراطية وغيرها!!..
أما في دائرة “طنجة أصيلة”، فحزب الاتحاد الاشتراكي يعتبر منقرضا بلغة الأرقام، إذ احتل الرتبة السابعة ب 748 صوتا فيما تحالف اليسار الصف الخامس ب 2.668 صوتا وحزب العدالة والتنمية الصف الأول على الصعيد الوطني ب 60.278 صوتا وثلاثة مقاعد… وبدائرة “الرحامنة”، عاقب الناخبون حزب الاتحاد بحصوله على 190 صوتا في الوقت الذي حصل اليسار الديمقراطي على 3.813 صوتا واحتل حزب الأصالة والمعاصرة الصف الأول ب 26.513 صوتا.. ونفس المصير بمدينة مكناس، الاتحاد 2.090 واليسار 5.875 والصف الأول للعدالة ب 48.120 صوتا… وبالشرق، بدائرة “وجدة أنكاد”، الاتحاد احتل الصف الخامس ب 1.676 صوتا واليسار الصف الرابع ب 2.103 والصف الأول احتله حزب الأصالة والمعاصرة ب 30.448 صوتا… أينما وليت نظرك في خريطة المغرب وإلا عثرت على نتائج عقابية في حق مرشحي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…
لتعرج على الجنوب وبقلعتين تاريخيتين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أتحدث من جهة عن “أكادير إداوتنان” (الصف الأول، حزب العدالة والتنمية ب 36.504 صوتا والاتحاد في الصف الرابع ب 3.758 صوتا)، ومن جهة أخرى على مدينة “تارودانت” (الصف الأول، العدالة والتنمية ب 59.781 صوتا والاتحاد الاشتراكي في الصف الخامس ب 5.918 صوتا)… هل تريدون المزيد؟ أسمعكم تقولون: كفى، كفى… إنه أمر مؤلم لكل من عايش أو ناضل أو صوت على هذا الحزب العتيد الذي كان يقضي وجع السلطة لعشرات السنين. لكن الأخطاء والابتعاد عن هموم الشعب ومطالبه، لها تكلفة انتخابية كبيرة وها هو أحد أكبر الأحزاب التاريخية ينقرض انتخابيا رويدا رويدا واستحقاقا وراء استحقاق منذ زمن بعيد، ولا يبدو في الأفق تغيير لهذا المسار الاندحاري…
ولولا تدارك الأمر من طرف سلطة الإدارة الترابية التي دافعت عن تخفيض العتبة من 6 بالمائة إلى 3 بالمائة وعرقلة تأسيس حزب اليازغي الإبن، لكان الاتحاد الاشتراكي اليوم بدون فريق برلماني وأعضائه في حدود 15-16 برلماني وبرلمانية!! وهذا نستشفه من نتائج برلمانيي الحزب الناجحين ب دائرة “تطوان” (الصف الخامس ب 10.639 صوتا في حين حصل العدالة والتنمية على الصف الأول ب 20.136)، دائرة “وزان” (الصف الثالث ب 11.190 صوتا والحزب الأول ب 24.871 صوتا)، دائرة “الجديدة (المرتبة الخامسة ب 10.418 صوتا والصف الأول حزب الاستقلال ب 25.163 صوتا) وأخيرا دائرة “سطات” (المقعد الرابع ب 8.875 صوتا والحزب الأول العدالة والتنمية ب 20.542 صوتا)… كل هذه المقاعد كانت ستكون في عداد المقاعد الخاسرة لم بقيت العتبة في 6 بالمائة والجميع يتذكر أن حزب القوات الشعبية كان قد دافع سنوات عدة عن ضرورة تخليق المشهد السياسي من خلال رفع العتبة إلى 10 بالمائة!!…
يمكن أن نستمر في هذا التشريح وذلك من خلال تحليل دقيق للواقع الانتخابي في الدوائر التي خسرها الحزب، وهي 19 دائرة مقارنة مع استحقاقات 2011، بما فيها المعقل الانتخابي للمرحوم الزايدي بدائرة “بنسليمان” ودوائر أخرى كما هو حال “أكادير” و”قلعة السراغنة” و”الحسيمة”… كما يمكن الغوص في تحليل بروفيلات البرلمانيين الجدد للحزب وعلاقتهم بتاريخ الحزب… كل هذا موجود ويمكن أن يكون مادة لمقال لاحق… لنكتفي بهذا القدر، لأن النبش والتعمق أكثر في الأرقام لن يغير من واقع الاندحار، أو بالأحرى الانقراض كما كان يتنبأ به أحد القادة والمفكرين الكبار لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، السوسيولوجي محمد كسوس رحمه الله، الذي كان في محاضرات حزبية عديدة يحذر من انقراض الحزب كما وقع للعديد من الأحزاب التقدمية بدول عديدة كمصر مثلا…
كما يجب التوضيح أيضا أننا لم نتطرق للمشاكل والصراعات الداخلية للحزب، بل حاولنا التطرق بكل موضوعية وتجرد عن الوضع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انطلاقا من نتائج الانتخابات الصادرة رسميا عن وزارة الداخلية… عادة، بالنسبة لحزب اشتراكي ينتمي للأممية الاشتراكية وقريب من تنظيماتها القوية بكل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال، ما يتقدم قادة الحزب ليلة الهزيمة الانتخابية بتقديم الاستقالة أو على الأقل طلب التئام هيئات الحزب لتقييم الوضع الانتخابي والتنظيمي والخط السياسي في إطار الإعداد لمؤتمر استثنائي يعالج الخلل تنظيميا وسياسيا…
اختار قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ ظهور نتائج الانتخابات ليلة السابع من أكتوبر 2016، التفرغ للتحالفات الحزبية من أغلبية ومعارضة والبحث عن موطئ قدم داخل هذه الكتلة أو تلك والدفاع عن حقهم في المناصب انطلاقا من رصيدهم الحزبي التاريخي غير آبهين بنكستهم الانتخابية وتحقق لهم ذلك من خلال الظفر برئاسة البرلمان بفضل أصواتهم العشرون وأصوات أحزاب الإدارة، أساسا حزب الأصالة والمعاصرة ببرلمانييه المائة واثنين وكذا أصوات حزب الأحرار (37) وحزب الاتحاد الدستوري (19) وحزب الحركة الشعبية (27)… واليوم، يدافعون على “حقهم” الدخول للحكومة في إطار تكتل حزبي يقوده الرجل القوي الجديد…
هناك مقاربتان للشأن الحزبي، المقاربة السائدة بالأحزاب الاشتراكية الأوروبية التي لا يمكن لها التغاضي عن نتائج الانتخابات والتي تتفاعل في الحين مع نتائجها أو توقعاتها، وهو الواقع الذي ألزم الرئيس الفرنسي إعلان انسحابه من الانتخابات التمهيدية لرئاسة الحكومة وفرضت على وزيره الأول خوضها وفشله في تحقيق الدعم التمهيدي لشعب اليسار… ويبدو أن حزب الاتحاد الاشتراكي اختار مقاربة أخرى، لا تبالي بنتائج الانتخابات وبصوت الشعب واختار الاصطفاف إلى جانب صف الأحزاب القريبة من مراكز القرار وذلك في أفق بناء حزب جديد تقليدي يعتمد على الأعيان وليس المناضلين… إلا أن السؤال يطرح نفسه إن كان الأعيان سيختارون حزب الاتحاد الاشتراكي عوض أحزاب الأحرار والأصالة والمعاصرة؟ أم أن قادة الاتحاد الحاليين اختاروا طريق الدفاع عن مصالحهم الشخصية وجعل الحزب المعارض التاريخي الذي كان يلعب أدوارا ريادية، حزبا صغيرا وتابعا لأحزاب أخرى… هذه أسئلة يطرحها العديد من المواطنين في انتظار وضوح الصورة… وللحديث بقية عن الواقع الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأحزاب وطنية أخرى…
بقلم: عبدالحق الريكي
الرباط، 03 فبراير 2017
Share this on WhatsApp
المقال السابقفرنسا تتجه لتحميل الجزائر مسؤولية المجازر التي تعرض لها "الخونة"
المقالة القادمةجندي فرنسي يحبط محاولة لاقتحام متحف اللوفر
الأول
مقالات ذات صلة
هل الجزائر “متيقة” أن المغرب سيعترف بالبوليساريو؟
الشرطة العلمية: هذه حقيقة الكيس الذي عثر عليه بمحطة القطار الرباط
خطير.. اكتشاف كيس بلاستيكي يعتقد أنه مليئ بالمتفجرات بسكة محطة الرباط
الأكثر مشاهدة
أخنوش يهاجم الرميد بعد وصفه بالمبتدئ: أنا راجل ولن نقبل أن...
الملك يثير جدلا في الصحافة الفرنسية بسبب أزمة مياه المدينة التي...
الفاسي: لا أنطق اسم بوستة إلا بالاحترام.. وبادو: هذه كواليس العريضة...
عاجل.. نقل خولة النخيلي إلى المستشفى بعدما أغمي عليها داخل المحكمة
حمل أكثر
آخر الفيديوهات
فيديو..القبض على شخص حاول حرق الكعبة
فيديو.. شاب حاول إحراق نفسه بالكعبة
فيديو.. مصير درامي للص سرق هاتفا في طنجة
برلماني كندي يلقي كلمة مؤثرة في حق المسلمين الذين قتلوا بكيبيك
مكالمة هاتفية “تكشف” العلاقة بين مدير دوزيم والفتاة التي تتهمه...
فيديو.. بنعبد الله: يتعين أن يخرج بنكيران معززا مكرما
عن الأول
تابعنا
للإعلان على موقعنا هيئة التحرير من نحن اتصل بنا شروط الإستعمال
©
lundi 6 février 2017
معطيات نادرة حول الامير الخطابب
6 فبراير 1963 _ 6 فبراير 2017
ذكرى رحيل الزعيم والامير محمد بن عبد الكريم الخطابي :
ولد "محمد بن عبدالكريم الخطابي" في بلدة (أجدير) بالمغرب الأقصى سنة 1882.
- نشأ في أسرة كريمة تحت كنف والده الذي كان يتزعم قبيلة بني ورياغل
تلقى تعليمه في جامعة القيروبين؛ حيث درس العلوم الشرعية واللغوية.
تولى منصب القضاء الشرعي في مدينة مليلة.
تولى زعامة قبيلته بعد وفاة والده، وقاد ثورة الريف ضد الإسبان.
حقق انتصارًا عسكريًّا هائلاً على الإسبان في معركة أنوال سنة 1921.
أقام دولة في منطقة الريف، ووضع لها دستورًا، وأسس لها جمعية وطنية.
اجتمعت فرنسا وإسبانيا على حربه، وتمكنا من هزيمة قواته.
اضطر الأمير محمد عبد الكريم الخطابي إلى الاستسلام للقوات الفرنسية.
تم نفي الأمير إلى إحدى جزر المحيط الهندي سنة 1926 وظل بها أكثر من عشرين عامًا.
التجأ الخطابي إلى القاهرة سنة 1947، واتخذها وطنًا له.
وفي فترة إقامته بالقاهرة كان يتابع نشاط المقاومة من أبناء المغرب العربي من خلال لجنة تحرير المغرب، التي أسسها وتولى رئاستها.
- ظل الخطابي مقيمًا بالقاهرة حتى وفاته في 6 فبراير سنة 1963.
تقديم :
تقاسمت إسبانيا وفرنسا النفوذ في المغرب التي كانت تعاني من ضعف وانقسام وصراع داخلي، واستعانة بالقوى الخارجية، وترتب على هذا التقسيم أن صار القسم الشمالي من مراكش خاضع للسيطرة الإسبانية، وهذا الجزء ينقسم بدوره إلى قسم شرقي يعرف ببلاد الريف، وغربي يعرف بجبالة، وتمتد بلاد الريف بمحاذاة الساحل لمسافة تبلغ 120 ميلاً، وتمتد عرضًا لمسافة 25 ميلاً، وتسكنها قبائل ينتمي معظمها إلى أصل بربري، يأتي في مقدمتها قبيلة بني ورياغل، التي ينتمي إليها الأمير الخطابي، الذي قاد الثورة ضد الإسبان، وأقام دولة ناشئة، وحقق انتصارات عظيمة.
النشأة والتكوين:
ولد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1882 في بلدة أجدير المغربية، ونشأ تحت كنف والده، الذي كان يتزعم قبيلة "بني ورياغل"، وقد حفظ القرآن الكريم، ثم أرسله أبوه إلى جامعة القيرويين بمدينة (فاس) لدراسة العلوم الشرعية واللغوية، وبعد تخرجه من الجامعة عاد إلى مليلة، واشتغل بالقضاء الشرعي، وفي الوقت نفسه عمل في تحرير جريدة "تلغراف الريف"، واتصل بالإسبان في شمالي مراكش، وقد ساعد كل ذلك على تكوين شخصية الأمير الذي كانت الأقدار تعد له أعظم المهام وقيادة إقليمه في مواجهة الاستعمار الإسباني والفرنسي.
وبعد إعلان إسبانيا الحماية على شمال المغرب، وتطلعها إلى التهام منطقة الريف، اصطدمت بوالد الخطابي زعيم قبيلة بني ورياغل، الذي رفض الخضوع للإسبان، وتقديم فروض الولاء للجنرال الإسباني "غودرانا"، وأدى هذا الخلاف إلى قيام الإسبان بعزل الخطابي الابن عن القضاء، وسجنه نحو عام، ولما خرج من معتقله وجد أباه يعد العدة لقتال الإسبان، لكن الموت لم يمكنه من تحقيق أمنيته، فتوفي في سنة 1920، وخلفه ابنه الأمير عبد الكريم الخطابي في زعامة قبيلته.
من القضاء إلى المقاومة:
كان الأمير الخطابي في التاسعة والثلاثين حين تولى مقاليد الأمور في منطقة الريف، قد حنكته التجارب، وأصقلته الأيام، ووحد هدفه، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم على القيام به من مواصلة المقاومة ، وإخراج الإسبانيين من البلاد.
وفي تلك الأثناء كان الجنرال "سلفستر"- قائد قطاع مليلة- يزحف نحو بلاد الريف؛ ليحكم السيطرة عليها، ونجح في بادئ الأمر في الاستيلاء على بعض المناطق، وحاول الأمير عبد الكريم الخطابي أن يحذر الجنرال "سلفستر" من مغبة الاستمرار في التقدم، والدخول في مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية الأجنبية، لكن الجنرال المغرور لم يأبه لكلام الأمير، واستمر في التقدم ممنيًا نفسه باحتلال بلاد الريف.
كانت قوات الجنرال الإسباني تتألف من أربعة وعشرين ألف جندي مجهزين بالأسلحة والمدفعية، ولم تصادف هذه القوات في زحفها في بلاد الريف أي مقاومة، واعتقد الجنرال أن الأمر سهلاً، وأعماه غروره الا أن رجال عبد الكريم الخطابي يعملون على استدراج قواته داخل المناطق الجبلية المرتفعة، واستمرت القوات الإسبانية في التقدم وتحقيق انتصارات صغيرة؛ حتى احتلت مدينة أنوال في 15 من مايو 1921.
بعد ذلك بدأ رجال عبد الكريم الخطابي هجومهم على كل المواقع التي احتلها الإسبانيون، وحاصروا هذه المواقع حصارًا شديدًا، وفشل الجنرال في رد الهجوم، أو مساعدة المواقع المحاصرة، وأصبحت قواته الرئيسة، التي جمعها في "أنوال" مهددة، بعد أن حاصرها وطوقها رجال الريف، وحين حاول الانسحاب بقواته اصطدم بقوات الخطابي في 21 من يوليو 1921 في معركة حاسمة عُرفت بمعركة (أنوال)، وكانت الهزيمة الساحقة للقوات الإسبانية؛ حيث أبيد معظم الجيش المحتل، وأقر الإسبان بأنهم خسروا في تلك المعركة 15 ألف قتيل يتقدمهم الجنرال "سلفستر"، ووقع في الأسر 570 أسيرًا، غير الغنائم من الأسلحة.
ما إن ذاع خبر انتصار الخطابي ورجاله في معركة (أنوال)، حتى هبت قبائل الريف تطارد الإسبان أينما وُجدوا، ولم يمض أسبوع إلا وقد ظفر الريف عليهم، وأصبح وجود الإسبان مقتصرًا على مدينة "تطوان" وبعض الحصون في منطقة الجبالة.
من الثورة إلى بناء الدولة:
بسط الأمير الخطابي سلطته على بلاد الريف بعد جلاء الإسبان عنه ، واتجه إلى تأسيس دولة منظمة،
وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته تتمثل في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الإسبان من المناطق التي احتلوها، وإقامة علاقة طيبة مع جميع الدول، والاستعانة بالخبراء الأوربيين في بناء الدولة، وقام بتحويل رجاله المقاتلين إلى جيش نظامي على النسق الحديث، وعمل على تنظيم الإدارة المدنية، وقام بشق الطرق ومد سلوك البرق والهاتف، وأرسل وفودًا إلى العواصم العربية للحصول على تأييدها، وطلب من بريطانيا وفرنسا والفاتيكان الاعتراف بدولته.
وفوق ذلك كله دعا إلى وضع دستور تلتزم به الحكومة، وتم تشكيل مجلس عام عرف باسم الجمعية الوطنية، كان أول قرارته إعلان الاستقلال الوطني، وتأسيس حكومة دستورية لقيادة البلاد.
صدى الهزيمة في إسبانيا:
كان من أثر هذه الهزيمة المدوية أن قام انقلاب عسكري في إسبانيا بقيادة "بريمودي ريفيرا" سنة 1923 ، لكن هذا لم يغير من حقيقة الأوضاع في المغرب ، ولم تعلن الحكومة الجديدة إنهاء احتلالها للمغرب ؛ الأمر الذي دعا الأمير الخطابي إلى مواصلة المقاومة ضدها، فقام بهجوم عام سنة 1924 على مدينة "تطوان"، لكنها لم تسقط في يده على رغم من وصول جنوده إلى ضواحيها، واضطرت القوات الإسبانية إلى الانسحاب من المناطق الداخلية، والتمركز في مواقع حصينة على الساحل، كما أنها أخلت مواقعها في إقليم "الجبالة"، في أواخر سنة 1924 بعد أن ثبت لها عجزها عن الاحتفاظ بهذا الإقليم أمام هجمات الأمير الخطابي.
سياسة فرنسا مع الخطابي:
فوجئ الفرنسيون بانتصار الخطابي على الإسبان، وكانوا يتمنون غير ذلك، كما فجعوا بانسحاب القوات الإسبانية من إقليم جبالة كله؛ ولذا قرروا التدخل في القتال ضد الخطابي ولمصلحة الإسبان، وكانت فرنسا تخشى من أن يكون نجاح الخطابي في مقاومته عاملاً مشجعًا للمقاومة في شمال إفريقيا ضدها، كما أن قيام جمهورية قوية في الريف يدفع المغاربة إلى الثورة على الفرنسيين ورفض الحماية الفرنسية.
واستعانت فرنسا لمحاربة الخطابي بزيادة قواتها الموجودة في مراكش، وبدأت تبحث عن مبرر للتدخل في منطقة الريف، فحاولوا إثارة الأمير الخطابي أكثر من مرة بالتدخل في منطقته، وكان الخطابي يلتزم الصمت أمام هذه الاستفزازات؛ حتى لا يحارب في جبهتين، ويكتفي باستنكار العدوان على الأراضي التابعة له، ثم قام الفرنسيون بتشجيع رجال الطرق الصوفية على إثارة بعض القلاقل والاضطرابات في دولة الريف، فلما تصدى لهم الأمير الخطابي تدخلت فرنسا بحجة حماية أنصارها، واندلع القتال بين الخطابي والفرنسيين في إبريل 1925, وفوجئ الفرنسيون بالتنظيم الجيد الذي كانت عليه قوات الأمير الخطابي، وببسالتهم في القتال، فاضطروا إلى التزام موقف الدفاع طيلة أربعة أشهر، وأصيبت بعض مواقعهم العسكرية بخسائر فادحة.
استسلام الأمير عبد الكريم الخطابي:
لم يعد أمام الدولتين الكبيرتين (فرنسا وإسبانيا) سوى أن يجتمعا على حرب الأمير الخطابي، وأُعد لهذا الأمر عدته بالإمدادت الهائلة لقواتهما في المغرب، والإنزال البحري في مكان قرب (خليج الحسيمة)، الذي يمتد في قلب بلاد الريف، وأصبح على الأمير الخطابي أن يواجه هذه الحشود الضخمة بقواته التي أنهكها التعب والقتال المستمر، فضلاً عن قلة المؤن التي أصبحت تهددها.
وبالإضافة إلى ذلك لجأت فرنسا إلى دعم موقفها في القتال، فأغرت السلطان المغربي بأن يعلن أن الخطابي أحد العصاة الخارجين على سلطته الشرعية، ففعل السلطان ما أمر به، كما قامت بتحريض بعض قبائل المقاومة على الاستسلام، فنجحت في ذلك.
وكان من نتيجة ذلك أن بدأت الخسائر تتوالى على الخطابي في المعارك التي يخوضها، وتمكن الإسبان بصعوبة من احتلال مدينة (أجدير) عاصمة الأمير الخطابي، ثم تمكنت القوات الإسبانية والفرنسية من الاستيلاء على حصن (ترجست)، الذي اتخذه الأمير مقرًّا له بعد سقوط (أغادير) في 23 مايو1926.
واضطر الأمير "عبد الكريم الخطابي" إلى تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية باعتباره أسير حرب بعد أن شعر بعدم جدوى المقاومة، وأن القبائل قد أُنهكت، ولم تعد مستعدة لمواصلة القتال.. وقد قامت فرنسا بنفي الأمير المجاهد إلى جزيرة نائية في المحيط الهندي.
وفي تلك الجزيرة عاش الأمير المجاهد مع أسرته أكثر من عشرين عامًا.
الإقامة بالقاهرة:
وفي سنة 1947 قررت فرنسا نقله إليها على متن سفينة، فلما وصلت إلى ميناء بورسعيد تمكَّن بعض شباب المغرب المقيمين في مصر من زيارته على متن السفينة، ورجوه أن يتقدم باللجوء إلى مصر ليواصل مسيرة المقاومة من أجل تحرير المغرب، فوافق على هذا الرأي شريطة أن توافق الحكومة المصرية على طلبه،
وتمت الموافقة على طلبه على الرغم من احتجاج السفير الفرنسي في مصر، وبدأ "الخطابي" عهدًا جديدًا من النضال الوطني من أجل تحرير بلاده، وأسس مع أبناء المغرب العربي لجنة أطلقوا عليها "لجنة تحرير المغرب العربي"، تولى هو رئاستها في 9 ديسمبر 1947.
ظل محمد بن عبد الكريم الخطابي في مصر الى أن وافته المنية بها في 6 فبراير سنة 1963.
ذكرى رحيل الزعيم والامير محمد بن عبد الكريم الخطابي :
ولد "محمد بن عبدالكريم الخطابي" في بلدة (أجدير) بالمغرب الأقصى سنة 1882.
- نشأ في أسرة كريمة تحت كنف والده الذي كان يتزعم قبيلة بني ورياغل
تلقى تعليمه في جامعة القيروبين؛ حيث درس العلوم الشرعية واللغوية.
تولى منصب القضاء الشرعي في مدينة مليلة.
تولى زعامة قبيلته بعد وفاة والده، وقاد ثورة الريف ضد الإسبان.
حقق انتصارًا عسكريًّا هائلاً على الإسبان في معركة أنوال سنة 1921.
أقام دولة في منطقة الريف، ووضع لها دستورًا، وأسس لها جمعية وطنية.
اجتمعت فرنسا وإسبانيا على حربه، وتمكنا من هزيمة قواته.
اضطر الأمير محمد عبد الكريم الخطابي إلى الاستسلام للقوات الفرنسية.
تم نفي الأمير إلى إحدى جزر المحيط الهندي سنة 1926 وظل بها أكثر من عشرين عامًا.
التجأ الخطابي إلى القاهرة سنة 1947، واتخذها وطنًا له.
وفي فترة إقامته بالقاهرة كان يتابع نشاط المقاومة من أبناء المغرب العربي من خلال لجنة تحرير المغرب، التي أسسها وتولى رئاستها.
- ظل الخطابي مقيمًا بالقاهرة حتى وفاته في 6 فبراير سنة 1963.
تقديم :
تقاسمت إسبانيا وفرنسا النفوذ في المغرب التي كانت تعاني من ضعف وانقسام وصراع داخلي، واستعانة بالقوى الخارجية، وترتب على هذا التقسيم أن صار القسم الشمالي من مراكش خاضع للسيطرة الإسبانية، وهذا الجزء ينقسم بدوره إلى قسم شرقي يعرف ببلاد الريف، وغربي يعرف بجبالة، وتمتد بلاد الريف بمحاذاة الساحل لمسافة تبلغ 120 ميلاً، وتمتد عرضًا لمسافة 25 ميلاً، وتسكنها قبائل ينتمي معظمها إلى أصل بربري، يأتي في مقدمتها قبيلة بني ورياغل، التي ينتمي إليها الأمير الخطابي، الذي قاد الثورة ضد الإسبان، وأقام دولة ناشئة، وحقق انتصارات عظيمة.
النشأة والتكوين:
ولد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1882 في بلدة أجدير المغربية، ونشأ تحت كنف والده، الذي كان يتزعم قبيلة "بني ورياغل"، وقد حفظ القرآن الكريم، ثم أرسله أبوه إلى جامعة القيرويين بمدينة (فاس) لدراسة العلوم الشرعية واللغوية، وبعد تخرجه من الجامعة عاد إلى مليلة، واشتغل بالقضاء الشرعي، وفي الوقت نفسه عمل في تحرير جريدة "تلغراف الريف"، واتصل بالإسبان في شمالي مراكش، وقد ساعد كل ذلك على تكوين شخصية الأمير الذي كانت الأقدار تعد له أعظم المهام وقيادة إقليمه في مواجهة الاستعمار الإسباني والفرنسي.
وبعد إعلان إسبانيا الحماية على شمال المغرب، وتطلعها إلى التهام منطقة الريف، اصطدمت بوالد الخطابي زعيم قبيلة بني ورياغل، الذي رفض الخضوع للإسبان، وتقديم فروض الولاء للجنرال الإسباني "غودرانا"، وأدى هذا الخلاف إلى قيام الإسبان بعزل الخطابي الابن عن القضاء، وسجنه نحو عام، ولما خرج من معتقله وجد أباه يعد العدة لقتال الإسبان، لكن الموت لم يمكنه من تحقيق أمنيته، فتوفي في سنة 1920، وخلفه ابنه الأمير عبد الكريم الخطابي في زعامة قبيلته.
من القضاء إلى المقاومة:
كان الأمير الخطابي في التاسعة والثلاثين حين تولى مقاليد الأمور في منطقة الريف، قد حنكته التجارب، وأصقلته الأيام، ووحد هدفه، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم على القيام به من مواصلة المقاومة ، وإخراج الإسبانيين من البلاد.
وفي تلك الأثناء كان الجنرال "سلفستر"- قائد قطاع مليلة- يزحف نحو بلاد الريف؛ ليحكم السيطرة عليها، ونجح في بادئ الأمر في الاستيلاء على بعض المناطق، وحاول الأمير عبد الكريم الخطابي أن يحذر الجنرال "سلفستر" من مغبة الاستمرار في التقدم، والدخول في مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية الأجنبية، لكن الجنرال المغرور لم يأبه لكلام الأمير، واستمر في التقدم ممنيًا نفسه باحتلال بلاد الريف.
كانت قوات الجنرال الإسباني تتألف من أربعة وعشرين ألف جندي مجهزين بالأسلحة والمدفعية، ولم تصادف هذه القوات في زحفها في بلاد الريف أي مقاومة، واعتقد الجنرال أن الأمر سهلاً، وأعماه غروره الا أن رجال عبد الكريم الخطابي يعملون على استدراج قواته داخل المناطق الجبلية المرتفعة، واستمرت القوات الإسبانية في التقدم وتحقيق انتصارات صغيرة؛ حتى احتلت مدينة أنوال في 15 من مايو 1921.
بعد ذلك بدأ رجال عبد الكريم الخطابي هجومهم على كل المواقع التي احتلها الإسبانيون، وحاصروا هذه المواقع حصارًا شديدًا، وفشل الجنرال في رد الهجوم، أو مساعدة المواقع المحاصرة، وأصبحت قواته الرئيسة، التي جمعها في "أنوال" مهددة، بعد أن حاصرها وطوقها رجال الريف، وحين حاول الانسحاب بقواته اصطدم بقوات الخطابي في 21 من يوليو 1921 في معركة حاسمة عُرفت بمعركة (أنوال)، وكانت الهزيمة الساحقة للقوات الإسبانية؛ حيث أبيد معظم الجيش المحتل، وأقر الإسبان بأنهم خسروا في تلك المعركة 15 ألف قتيل يتقدمهم الجنرال "سلفستر"، ووقع في الأسر 570 أسيرًا، غير الغنائم من الأسلحة.
ما إن ذاع خبر انتصار الخطابي ورجاله في معركة (أنوال)، حتى هبت قبائل الريف تطارد الإسبان أينما وُجدوا، ولم يمض أسبوع إلا وقد ظفر الريف عليهم، وأصبح وجود الإسبان مقتصرًا على مدينة "تطوان" وبعض الحصون في منطقة الجبالة.
من الثورة إلى بناء الدولة:
بسط الأمير الخطابي سلطته على بلاد الريف بعد جلاء الإسبان عنه ، واتجه إلى تأسيس دولة منظمة،
وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته تتمثل في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الإسبان من المناطق التي احتلوها، وإقامة علاقة طيبة مع جميع الدول، والاستعانة بالخبراء الأوربيين في بناء الدولة، وقام بتحويل رجاله المقاتلين إلى جيش نظامي على النسق الحديث، وعمل على تنظيم الإدارة المدنية، وقام بشق الطرق ومد سلوك البرق والهاتف، وأرسل وفودًا إلى العواصم العربية للحصول على تأييدها، وطلب من بريطانيا وفرنسا والفاتيكان الاعتراف بدولته.
وفوق ذلك كله دعا إلى وضع دستور تلتزم به الحكومة، وتم تشكيل مجلس عام عرف باسم الجمعية الوطنية، كان أول قرارته إعلان الاستقلال الوطني، وتأسيس حكومة دستورية لقيادة البلاد.
صدى الهزيمة في إسبانيا:
كان من أثر هذه الهزيمة المدوية أن قام انقلاب عسكري في إسبانيا بقيادة "بريمودي ريفيرا" سنة 1923 ، لكن هذا لم يغير من حقيقة الأوضاع في المغرب ، ولم تعلن الحكومة الجديدة إنهاء احتلالها للمغرب ؛ الأمر الذي دعا الأمير الخطابي إلى مواصلة المقاومة ضدها، فقام بهجوم عام سنة 1924 على مدينة "تطوان"، لكنها لم تسقط في يده على رغم من وصول جنوده إلى ضواحيها، واضطرت القوات الإسبانية إلى الانسحاب من المناطق الداخلية، والتمركز في مواقع حصينة على الساحل، كما أنها أخلت مواقعها في إقليم "الجبالة"، في أواخر سنة 1924 بعد أن ثبت لها عجزها عن الاحتفاظ بهذا الإقليم أمام هجمات الأمير الخطابي.
سياسة فرنسا مع الخطابي:
فوجئ الفرنسيون بانتصار الخطابي على الإسبان، وكانوا يتمنون غير ذلك، كما فجعوا بانسحاب القوات الإسبانية من إقليم جبالة كله؛ ولذا قرروا التدخل في القتال ضد الخطابي ولمصلحة الإسبان، وكانت فرنسا تخشى من أن يكون نجاح الخطابي في مقاومته عاملاً مشجعًا للمقاومة في شمال إفريقيا ضدها، كما أن قيام جمهورية قوية في الريف يدفع المغاربة إلى الثورة على الفرنسيين ورفض الحماية الفرنسية.
واستعانت فرنسا لمحاربة الخطابي بزيادة قواتها الموجودة في مراكش، وبدأت تبحث عن مبرر للتدخل في منطقة الريف، فحاولوا إثارة الأمير الخطابي أكثر من مرة بالتدخل في منطقته، وكان الخطابي يلتزم الصمت أمام هذه الاستفزازات؛ حتى لا يحارب في جبهتين، ويكتفي باستنكار العدوان على الأراضي التابعة له، ثم قام الفرنسيون بتشجيع رجال الطرق الصوفية على إثارة بعض القلاقل والاضطرابات في دولة الريف، فلما تصدى لهم الأمير الخطابي تدخلت فرنسا بحجة حماية أنصارها، واندلع القتال بين الخطابي والفرنسيين في إبريل 1925, وفوجئ الفرنسيون بالتنظيم الجيد الذي كانت عليه قوات الأمير الخطابي، وببسالتهم في القتال، فاضطروا إلى التزام موقف الدفاع طيلة أربعة أشهر، وأصيبت بعض مواقعهم العسكرية بخسائر فادحة.
استسلام الأمير عبد الكريم الخطابي:
لم يعد أمام الدولتين الكبيرتين (فرنسا وإسبانيا) سوى أن يجتمعا على حرب الأمير الخطابي، وأُعد لهذا الأمر عدته بالإمدادت الهائلة لقواتهما في المغرب، والإنزال البحري في مكان قرب (خليج الحسيمة)، الذي يمتد في قلب بلاد الريف، وأصبح على الأمير الخطابي أن يواجه هذه الحشود الضخمة بقواته التي أنهكها التعب والقتال المستمر، فضلاً عن قلة المؤن التي أصبحت تهددها.
وبالإضافة إلى ذلك لجأت فرنسا إلى دعم موقفها في القتال، فأغرت السلطان المغربي بأن يعلن أن الخطابي أحد العصاة الخارجين على سلطته الشرعية، ففعل السلطان ما أمر به، كما قامت بتحريض بعض قبائل المقاومة على الاستسلام، فنجحت في ذلك.
وكان من نتيجة ذلك أن بدأت الخسائر تتوالى على الخطابي في المعارك التي يخوضها، وتمكن الإسبان بصعوبة من احتلال مدينة (أجدير) عاصمة الأمير الخطابي، ثم تمكنت القوات الإسبانية والفرنسية من الاستيلاء على حصن (ترجست)، الذي اتخذه الأمير مقرًّا له بعد سقوط (أغادير) في 23 مايو1926.
واضطر الأمير "عبد الكريم الخطابي" إلى تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية باعتباره أسير حرب بعد أن شعر بعدم جدوى المقاومة، وأن القبائل قد أُنهكت، ولم تعد مستعدة لمواصلة القتال.. وقد قامت فرنسا بنفي الأمير المجاهد إلى جزيرة نائية في المحيط الهندي.
وفي تلك الجزيرة عاش الأمير المجاهد مع أسرته أكثر من عشرين عامًا.
الإقامة بالقاهرة:
وفي سنة 1947 قررت فرنسا نقله إليها على متن سفينة، فلما وصلت إلى ميناء بورسعيد تمكَّن بعض شباب المغرب المقيمين في مصر من زيارته على متن السفينة، ورجوه أن يتقدم باللجوء إلى مصر ليواصل مسيرة المقاومة من أجل تحرير المغرب، فوافق على هذا الرأي شريطة أن توافق الحكومة المصرية على طلبه،
وتمت الموافقة على طلبه على الرغم من احتجاج السفير الفرنسي في مصر، وبدأ "الخطابي" عهدًا جديدًا من النضال الوطني من أجل تحرير بلاده، وأسس مع أبناء المغرب العربي لجنة أطلقوا عليها "لجنة تحرير المغرب العربي"، تولى هو رئاستها في 9 ديسمبر 1947.
ظل محمد بن عبد الكريم الخطابي في مصر الى أن وافته المنية بها في 6 فبراير سنة 1963.
عاجل // قتلي وجرحي في انفجار ضواحي الرباط
ا
لاي 2017-02-06
لقي أربعة أشخاص مصرعهم وتعرض العشرات لإصابات متفاوتة الخطورة، صباح يومه الاثنين 6 فبراير الجاري، في سوق أسبوعي بمنطقة عين عودة قرب مدينة الرباط، بسبب انفجار قنينة غاز.
وحسب مصادر عليمة، فإن قنينة غاز من الحجم الصغير انفجرت داخل خيمة مخصصة لبيع الأسماك، وقد انتقلت ألسنة النيران إلى خيم مجاورة بسرعة كبيرة.
وأضافت مصادرنا، أن قوة الانفجار أدت إلى جرح العشرات من المواطنين خصوصا وأن السوق الأسبوعي كان ممتلئا عن آخره. كما خلف دوي الانفجار حالة من الرعب والخوف في صفوف المواطنين جراء قوة الانفجار وتصاعد ألسنة النيران، التي أتت على أغلب الخيام.
وفور علمها بالحادث، انتقلت عناصر الوقاية المدنية لإسعاف المواطنين.
ا
dimanche 5 février 2017
دليل تكوين الاساتدة المتعاقدين
https://www.fichier-pdf.fr/2017/01/30/guide-formation-contractuels-v20170128-1-1/
Inscription à :
Articles (Atom)