samedi 17 décembre 2011
الفتاوى الغريبة
قبل سنوات على صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم كانت تصدر بين الفينة والأخرى فتاوى غريبة عن شيوخ وأئمة تصدم الرأي العام وتشعل نار الجدل في المجتمع ، بل منها ما يثير حتى الضحك لغرابتها وبعدها عن العصر، ومع تولي تيارات وأحزاب إسلامية تدبير الشأن العام في العديد من الدول مستفيدة من أجواء الربيع العربي ، أخذت هذه الفتاوى الغريبة تأخذ منحى آخر يثير التخوف لدى العديد من مكونات المجتمع العربي ، إذ يرون فيها مؤشرا يتهدد العديد من المكتسبات وما يمكن أن يشهده المجتمع من نكوص وتراجع فكري يمس الحريات ويقيد من انفتاح المجتمع على عصره. ومن أجل محاولة لفهم ماجرى وما يجري نستعيد بعض الفتاوى الغريبة القديمة والجديدة في المغرب والمشرق ونستمع لرأي المختصين في سعي للوقوف على أسباب هذه الظاهرة الدينية والاجتماعية .،
فتاوى الزمزمي والمغراوي
اشتهر الفقيه عبد الباري الزمزمي رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل بالعديد من الفتاوى الغريبة والمثيرة في نفس الآن ، والتي تصدرت الصحف والمواقع الإلكترونية و أثارت لأسابيع جدلا واسعا. ،ومن بينها جواز شرب المرأة الحامل للخمر في فترة الوحم أثناء جواب عن سؤال حول الموضوع يهم حالة خاصة ،وهي حالة امرأة غير مسلمة كانت تشرب الخمر قبل الإسلام ولما أسلمت أقلعت عن ذلك وأثناء فترة الحمل وجدت في نفسها رغبة في شرب الخمر ومخافة أن يصاب الجنين بمكروه ، تم السماح لها بالشرب . وفي نفس الإطار أي إطار الحالة الخاصة جاءت فتوى إجازة ممارسة الرجل للجنس مع زوجته الميتة وهي التي جاءت جوابا عن سؤال لإحدى الصحف ….
لكن الفتوى التي كانت أكثر إثارة للجدل وللرفض هي الفتوى الصادرة عن الشيخ محمد المغراوي بجواز جواز بنت التسع سنوات وهو ما استدعى من المجلس العلمي الأعلى إصدار بلاغ في حينه يندد بهذه الفتوى وبصاحبها معتبرا أن السن القانوني لزواج الفتيات هو المثبث في مدونة الأسرة
وجه المرأة كفرجها
من أحدث ماوقع عليه بعض الشيوخ والدعاة من مثير القول وغريب الحديث ما جاء على لسان الداعية السلفي أبو إسحاق الحويني من خلال تشبيه وجه المرأة بفرجها بقوله : «وجه المرأة كفرجها » في سياق إقامة التدليل على وجوب حجاب المرأة «أي ستر الوجه مثل ستر الفرج » مستعينا في ذلك على حكاية عودة هند شعرواي رمز تحرير المرأة في مصر من فرنسا سافرة مما دفع بوالدها أن يشيح بوجهه عنها جراء سفورها بعد حجابها متسائلا إن كان ذلك من الدين ومجيبا بأن هذا ما كان يقضي به العرف في ذلك الزمان « قدتكون امرأة منقبة ، ولا تصلي ، العرف أن تكون منقبة ولا تخلع الحياء ، هذا عيب، ماهو البرقع ؟ : البرقع هو القطعة التي تغطي وجه المرأة ، فكان وجه المرأة كفرجها.« وهو التشبيه الذي أثار عليه ردود فعل منددة قوية .
فتوى إرضاع الكبير والزميل في العمل
من بين الفتاوى التي أثارت حدلا واسعا في مصر وفي باقي العالم العربي الفتوى الصادرة عن عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر والتي يقول فيها بجواز إرضاع المرأة لزميلها في العمل حتى تحرم عليه تصبح الخلوة بينهما شرعية . وهو الأمر الذي استتبعه توقيق وفصل صاحب هذه الفتوى من منصبه ، رغم تراجعه عن ماصدر منه واعتذاره عن الفتوى .
وفي نفس السياق تقريبا كان الشيخ السعودي عبد المحسن العبيكان قد أفتى بجواز إرضاع المرأة للكبير و ذلك من أجل تلافي الحرج الذي يسبب تردد أجنبي على بيت ما ودخوله على نساء هذا البيت وعليه يجوز للمرأة أن ترضع هذا الرجل رفعا لهذا الحرج وشرعنة الخلوة وقد أثارت هذه الفتوى هي الأخرى جدلا واسعا في الأوساط السعودية والعربية على العموم وهو ما اضطر مصدرها إلى الإسراع في تبيين وتوضيح بعض الأمور والحيثيات في ما يبدو نوعا من التراجع ، حيث في حوار سابق له شدد على أن الرضاعة لا تكون مباشرة من ثدي المرأة ولكن يحلب الحليب منها ويوضع في إناء أو ماشابه ذلك ثم في إطار التراجع حصر العبيكان جواز إرضاع الكبير إذا تعلق الأمر ب« طفل أخذ من ملجأ لا يعرف له أم ولا أب أو أخ احتاج للسكن مع أخيه المتزوج واستثنى من الكبار الذين تجوز رضاعتهم الخدم والسائقين.
فتوى تحريم عيادة المرضى بالزهور
من أغرب الفتاوى المثيرة للجدل والضحك أيضا فتوى تحريم إهداء الزهور للمرضى خلال عيادتهم تحت ذريعة أن ذلك ليس من عادة المسلمين و إنما شيء غريب عنهم وافد من بلاد الكفر وتشبه بأهل هذه البلاد الذين لا يدينون بدين الإسلام ، وأن إهداء الزهور لا يجلب منفعة للمريض لا يخفف عنه ألما ولا يشفيه من علة وإنما هو فقط تبذير للمال على شيء غير نافع وتقليد للآخرين و كان من الأحرى والأليق أن يصرف المال الذي يشترى به الزهور في أمور تفيد وتعود بالنفع وبالتالي فإنه من المطلوب تنبيه بائعيها ومشتريها لينتهوا عن فعلتهم هاته .
فتوى تكريم المرأة بالضرب
«ضرب المرأة المسلمة هو تكريم لها من الله عز وجل » تحت هذا العنوان العريض جاءت فتوى غريبة وعجيبة من توقيع الشيخ والداعية السعودي المعروف سعد عرفات على شاشة قناة « الرحمة » : «أقول إن الله كرم المرأة بهذه العقوبة، عقوبة الضرب. كيف؟ قال نبينا (ص) : ولا تضرب الوجه ولا تقبح.
وفي شرحه لهذا الحديث قال سعد عرفات «بمعنى إن ضربها لا يضربها على وجهها. حتى وهو يضربها لا يسبها ولا يشتمها. إذن هو يضرب للتأديب». وفي تفصيل مثير لطرق الضرب بدا أن هذا الداعية كأنه يضع فصلا في قانون خاص بالعقوبات المرتبطة بالمرأة المتزوجة. فالرجل حين يضرب زوجته عليه “ألا يزيد عن عشر (يعني 10 ضربات). وإذا ضرب لا يكسر عظما، ولا يقطع لحما، ولا يكسر سنا، ولا يفقأ عينا».
ورأى “الشيخ” سعد عرفات في هذا “أدب في الضرب إذا ضرب (الرجل امرأته) للتأديب. لا يرفع يده إلى أعلى بل بحذاء صدره. كل هذا تكريم للمرأة. فهيب تحتاج إلى التأديب». وبعد مشوار طويل في بيان أحقية الرجل في ضرب زوجته وفق “أصول الشرع” من منظور الداعية المذكور، وبيان سبل ممارسة هذا “الحق” قال سعد عرفات في آخر الحلقة المبثوثة على قناة “الرحمة” أنه “من تكريم الإسلام للمرأة أنه لم يُجز العقوبة بالضرب إلا في حالة واحدة هي عند امتناعها عن فراش زوجها». هكذا ربط هذا “الشيخ” ضرب المرأة بعدم تلبيتها حاجة زوجها في الجنس.
عبد الباري الزمزمي:
الفتاوى القادمة من الشرق وبال على المسلمين
* هناك عدد من الفتاوى الغريبة تثير حفيظة الناس خصوصا حين لا يعرفون حيثياتها. ألا يمكن تجنب هذا النوع من الفتاوى، وتحديدا إذا كانت لن تقدم أو تؤخر في شيء؟ ونذكر في هذا السياق فتواك الأخيرة عن مضاجعة الرجل لجثمان زوجته؟
** الفتوى ليست ابتكارا من المفتي أو من اختراعه. وكما يقع لي في كثير من الأحوال لا يخطر لي على بالي هذا النوع من الأسئلة التي يطرحها الناس ويطلبون بشأنها فتوى، مثل ما ذكرت عن مضاجعة الجثة الميتة. لم يخطر على بالي وجود موضوع من هذا القبيل، ولا فكرت فيه ولا خطر على ذهني. جاءني سؤال من جريدة حلو الموضوع وأبديت عجبي من وجود حالات من هذه الشاكلة، بل أوردت لي الصحافية التي اتصلت بي حالات لا يقرب فيها الرجل زوجته إلا وهي في حالة من الاتساخ. بالطبع هذه أنواع من الشذوذ. فكان ردي أن هذا غير مقبول ومستهجن، لكن من الناحية الشرعية لا يمكن منع الرجل من زوجته. والعلاقة الزوجية لا تنتهي بالموت. هذا هو سياق هذه الفتوى. جواب على سؤال. أما الفتوى بالنسبة للمفتي هي دين وأمانة، لأن الحديث النبوي يقول «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار». فلا عذر للمفتي إذا كان له علم أن يتهرب من الجواب ومن إعطاء الفتوى إلا إذا كان ذلك يعود بالضرر عليه. يعني خوفا من الأئي كما كان يقول أبو هرير «حفظت من رسول الله وعاءين (يعني حديثين) وعاء بثته بينكم. ووعاء لو بثته (أي أخرجته) لقطع مني هذا البلعوم (يعني لذُبح)» ويعني هنا الأحاديث التي تتعلق باستبداد الحكام والتسلط على الناس. في هذه الحالة للمفتي عذر مع الله تعالى. أما إذا خاف من الناس ومن أن يقبلوا فتواه أو لا يقبلوها فهذا اعتبار ساقط في الفتوى، إذ لا بد أن يبلغ المفتي حكم الله تعالى. فإذا كان العلماء ورثة الزنبياء فإن الله يقول لرسوله ما معناه بلغ ما أنزل لك من ربك وإذا لم تفعل فما بلغت رسالتي. والذين يبلغون رسالة الله لا يخشون أحدا إلا الله. الفتوى أمانة وواجب على المفتي إذا كان يعلم.
* هل مأسسة الفتوى بإسنادها إلى المجالس العلمية محاولة للحد من تناسل الفتاوى وإقفال الباب على الفقهاء الذين لا ينتمون إلى هذه المؤسسات الرسمية؟
** بالنسبة للمجلس العلمي الأعلى فإن الفتاوى المسنودة له هي تلك التي تطلبها الدولة. من طرف الحكومة مثلا أو الملك. ولكن المفتي لا يفتي للعوام. أما المجالس العلمية فلها هذا الحق. ثمة هاتف مفتوح لكل مواطن له سؤال يخص شؤون الدين. ولكن هذا لا يمنع العلماء الآخرين من الفتوى. فلا يوجد في المغرب إلى الآن قانون يمنع العلماء من أن يفتوا من سألهم. والفتوى ذات طابع شخصي بين السائل والمجيب. ولو فرضنا أنه خرج قانون يمنع الفتوى على العلماءفلا يمكن أن يقع ذلك، لأن الفتوى بحر لا يمكن حصره. والسائل يستفتي من يثق به.
* هناك طلب على الفتوى في المغرب. فيما مضي كان التلفزيون المغربي (ركن المفتي) يستجيب لهذه الحاجة والطلب. اليوم غابت برامج متخصصة وأصبح المواطن المغربي يتوجه إلى الفضائيات المشرقية المختصة في الإفتاء…
** لا أعرف ماهي الأسباب الكامنة خلف عدم اهتمام التلفزيون المغربي ببرامج مختصة في الفتوى. أشاهد بين الحين والآخر في قناة السادسة علماء ومفتين يجيبون عن أسئلة الناس، ولكن لا في الأولى ولا في غيرها تغيب هذه البرامج مع العلم أن هذا الوقت هو الذي يجب أن تكون الفتوى في التلفزيون المغربي حاضرة بشكل دائم ولأكثر من مرة في الأسبوع. هذا علي الأقل سيمنع الناس من الأخذ بالفتاوى الآتية من الشرق عبر الفضائيات. هذه الفتاوى غير ملزمة. وقد قرأت قبل يومين في “الأحداث المغربية” خبرا عن شيخ سعودي يقول بأن عقوبة ضرب المرأة تكريم لها…
* الشيخ قال هذا في فضائية إسمها “الرحمة”..
** هذه الفضائيات كانت وبالا على المسلمين. يأتون بمثل هؤلاء الشيوخ الذين هم حجارة لا يتفجر منها الماء. هذه حجارة مغلقة صماء لا يخرج منها ماء. كيف يعقل أن يقول عاقل مثل هذا الكلام. هذه الفتاوى الصادرة عن هذه الفتاوى يجب الوقوف ضدها وتبيان ما فيها من أخطاء وأخطار. والأمر موكول للتلفزيون ولوزارة الأوقاف وللمؤسسات العلمية. لذلك لابد من برامج تلفزية تتصدى لهذا السيل من الفتاوى القادمة من فضائيات الشرق.
* إلى ماذا ترد هذا الإقبال من المغاربة على الفتوى؟
** هذا راجع إلى تدين المجتمع المغربي. فحتى أولئك الذين هم في الظاهر يبدون منحرفين دينيا فإن التدين متغلغل في أعماق قلوبهم.
مصطفى بوهندي :
صعود الإسلاميين إلى الحكم سيزيد من سلطة الفتاوى على الناس
* إلى ماذا ترد تناسل هذا الكم الكبير من الفتاوى الغريبة في الآونة الأخيرة؟
** في معالجة موضوع الفتوى هناك مجموعة من المشاكل. أبرزها اعتبار الفتوى حكما شرعيا. بينما الفتوى هي رأي شخص معين أو أشخاص أو مؤسسة. الفتوى رأي بشري فيه اجتهاد وفيه عقل وفيه رؤية وفيه فقه. وعندما نتحدث عن الفقه فإننا نتحدث عن محاولة من الشارع أو الفقيه لفهم ظاهرة معينة وربطها بالدين، بالنص الشرعي. ومحاولة الربط هاته كل شيء فيها بشري. فيها ما يتعلق بفهم هذا الفقيه ومستواه المعرفي، وبمذهبه وبانتماءاته السياسية. لذلك لا بد ونحن نتناول هذا الموضوع من إدخاله في المجال البشري، في المجال الإنساني وليس في مجال المقدس. إذن لا بد من إخراج الفتوى من مجال المقدس. بمعنى أن الفتوى تبقي مجرد اجتهاد إنساني قد يكون صحيحا وقد يكون خاطئا وبعيدا مثل الفتاوى الغريبة التي كثيرا ما يهلل اها كثيرون. حتى المخالفون للفكر الديني كثيرا ما يبحثون عن هذه الخرجات الغريبة ليقولوا أن هذه هي كل الفتوى الدينية. والأمر أن الفتوى موجودة باعتبارها اجتهادات لأناس أغلبهم ليس لهم حتى الأسس البسيطة للعلم، أي أنهم مجرد حفظة لمجموعة من الفتاوى القديمة التي يبنون عليها ويقيسون عليها ويخرجون بفتاوى غريبة. وهؤلاء لا يمثلون في حقيقة الدين أي شيء. قد يمثلون في تياراتهم ومذاهبهم أشياء ولكنها لا تمس الحقيقة العلمية. لذلك علينا أن نعرف أن الفتوى اجتهاد. وكما أن هناك مجتهدون يبنون أحكاما وفق شروط العلم هناك المخرفون. وبإرجاع الفتوى إلي الإطار البشري سنعرف أن المفتي بشر له الكثير من التحيزات. وكثير من المفتين مستعدون لأن يتقلبوا في فتاواهم وفق تبدل تحيزاتهم. قد يفتي فقيه بهذه الفتوى نظرا لزاوية نظر معينة يأخذ بها اليوم، وإذا غير موقعه في المساء أو في الغد فإنه سيغير فتواه حسب موقعه الجديد سواء كان موقعا علميا أو مذهبيا أو سياسيا. أما في سياق الفتاوى الغريبة فستجد منها ما تشاء في القديم وحديثا. وهي بالنسبة لي اصطياد في الماء العكر. والتيارات الدينية اليوم تتقوى في وسط هذه الأشياء. وتأخذ مكانها بين الناس في العالم العربي والإسلامي وسط هذه التصيدات. والخطير في هذا أننا ننسب إلى الله هذه الفتوى. وقولي بضرورة إدخال الفتوى في الإطار البشري القصد منه هو ألا تبقى لها سلطة القداسة التي تجعل الناس لا يستطيعون حتى الرد على الفتاوى. وقد يأخذون موقفا نفسيا يتحول إلى موقف رفض للدين برمته بسبب قول رجل جاهل أو قول رجل لا يفهم شيئا ولا علاقة له بالدين وهو ليس متكلما باسم الله، والله لا يحتاج إلى هؤلاء الناس الذين بدل أن يبينوا الدين يتحدثون عن أشياء لا علاقة لها به. لذلك لا بد من الاحتياط والقول بصريح العبارة أن الفتوى ليست مقدسة. الفتوى هي كما أي رأي وخبرة وفكرة في تخصص آخر. وهؤلاء الذين يتصدون للفتوى أغلبهم أقل مستوى من الذين يستمعون إليهم. لكن القداسة جعلتهم أعلى.
* هل مأسسة الفتوى بالمغرب إجراء كاف للحد من تناسلها أم أن الأمر يرتبط ببرامج تعليمية واضحة تربي على العقلانية والنقد وقيم الحداثة الحقة..؟
** المشكلة هي مشكلة المؤسسة الدينية في البلاد. هي مؤسسة إيديولوجية. مؤسسة في خدمة القوي. إذا كانت السلطة هي القوية فإنها تخدمها إذ تجدها تضع فتاوى مناسبة وتتكلم من أجل قضايا السلطة ومذهبها. ومع صعود التيارات الإسلامية للسلطة سيظهر مفتون ويصبح للفتوى ثقلها السياسي، حتى أننا نخاف أن ندخل إلى فتاوى التجريم والتكفير وفتاوى طرد الناس من أعمالهم. نحن نتمنى ألا يحدث هذا. الناس الذين في التيارات الإسلامية أعقل، ويفهمون أن هذه السلطة مداولة «وتلك الأيام نداولها بين الناس». لذلك نتمنى ألا يصفوا حساباتهم مع الآخرين باسم الفتوى : هؤلاء ملاحدة، وهؤلاء منحرفون وهؤلاء هراقطة إلخ وبهذا نصبح في محاكم تفتيش جديدة باسم الفتوى وباسم الله. هذا أمر فعلا خطير لكني أظن أن التيار الإسلامي في المغرب هو أعقل من أن يدخل في هذا المنزلق. وهو منزلق مطروح…
* كانت ثمة سوابق منها الحملة الشعواء التي تعرضت لها إثر صدور كتابك «أكثر أبو هريرة»..
** نعم نعم. مع العلم أنه في ذلك الوقت لم تكن ثمة سلطة للإسلاميين. نخاف أن يصبح الكلام المخالف كيفما كان سواء بالعلم أو بغيره كلاما تصدر في حقه الفتاوى. ونصبح باسم الفتوى نقع في منع لحرية التفكير وحرية التعبير والحريات الأخرى وذلك باسم مخالفة الإجماع والخروج عن الدين والكفر وما إلـى ذلك مما وجد فيه الرد على كتابي “أكثر أبو هريرة”، بل اليوم قد يصير ذلك مؤيدا بالعصا وبالسلطة وقد حاولوا ذلك عندما طرحوا الأمر في البرلمان وحرضوا المساجد للتكلم عن شخص مس صحابيا.. نخاف، فعلا نخاف. لقد رأينا كيف اتخذت مؤسسة وزارة الأوقاف موقفا فعليا وليس موقفا قوليا من الدكتور مصطفى بوهندي . أنا ممنوع من إلقاء أي محاضرة لها علاقة بوزارة الأوقاف. وهذا شيء رسمي أقوله وأتحمل مسؤوليتي فيه. بوهندي لا يجب أن يشارك في أي نشاط يتعلق بالمجال الديني حتى في التلفزيون. لماذا؟ لأن له آراء لا أدري ماذا يسمونها. وهذه عبارة عن فتوى فعلية وليس فتوى قولية. لذلك نخاف أن تسير الحكومة الجديدة في هذا الاتجاه. أنا معك في أن المؤسسة لا بد وأن تكون مؤسسة حقيقية بعيدة عن الثقل السياسي والمذهبي الذي هي فيه الآن. مازالت مؤسسة الفتوى والدين خاضعة للثقل السياسي والمذهبي ونتمنى أن تتحرر وتسير نحو العلمية. نقول هذا ونحن نعرف أن للمؤسسة مجالات اشتغال مهمة جدا. والمجتمع يحتاج إلى الفتوى الدينية، لكن لا بد أن تراعي هذه الفتوى عموم الناس والحاجات الحقيقية للإنسان الاجتماعية والثقافية والحياتية وليست مرتبطة بأجوبة قديمة أو مذهبية تنتمي لأي مذهب من المذاهب. نريد مؤسسة فتوى منفتحة تأخذ مكتسبات الإنسان بعين الاعتبار، فالناس اجتهدوا في كل الأمم من أجل تحقيق مجموعة من المكاسب للبشر فلا ينبغي أن تكون مؤسسة الفتوى إما ليست عالمة بهذا الموضوع أو متخلفة عن هذه المكتسبات وترجع بنا إلى الوراء باسم الانتماء إلي مذهب ما سواء كان المذهب المالكي أو أي مذهب آخر. لا بد من اجتهادات جديدة تدفع الإنسان نحو الخير والرفاهية والحرية وتدفع نحو الإيمان بالاختلاف وأن تتجه إلى الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان والقيم الكونية.
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire