samedi 21 janvier 2012
مطارحات لينينية
أن الحديث عن التروتسكية كنظرية مستقلة و منسجمة من الصعوبة بما كان نتيجة لتدبدب مواقف صاحبهــــا (أي تروتسكي) ابان الثورة الروسية فكما قال لينين "ان تروتسكي لم يكن له في يوم من الأيام رأي ثابت في أي قضية جدية من قضايا الماركسية فقد كان"يتسلل" دائما في "الثغرات" الإختلافات , وينتقل من معسكر لأخر" لكن سنحاول توضيح الخطوط العريضة لتلك "النظرية" وذلك من خلال تقييم عام لمراحل الثورة الروسية واضعين على بساط البحث المواقف المختلفة لكل من لينين و تروتسكي حتى يتسنى لنا الإجابة على السؤال المطروح "هل بالفعل تمثل التروتسكية امتدادا لللينينية ؟ أم هي تحريف سافل لها؟"*ثورة 1905 إستطاع البلاشفة تحت قيادة لينين من تحديد المضمون الإقتصادي و السياسي لثورة 1905 بكونها ثورة ذات مضمون برجوازي ديموقراطي ، يستهدف الإطاحة بالملاكين الكبار و مصادرة أملاكهم لصالح الفلاحين وارساء ديكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية ، وحددوا مهمة البروليتاريا آنذاك في حمل الفلاح على التمرد على النظام وتمرينه للإستيلاء على الارض ومن هنا كانت الضرورة الملحة لتحالف البروليتاريا مع الفلاحين شريطة قيادة البروليتاريا لذلك التحالف حتى يتسنى السير بالثورة حتى النهاية. ففشل ثورتي 1848- 1871الفرنسيتين كان نتاج عدم قدرة البروليتاريا على جذب الفلاحين الى جانبها ، كما يقول إنجلز خصوصا في مجتمع يشكل فيه الفلاحون أغلبية السكان.ففي معرض حديثه عن دور حزب البروليتاريا اتجاه الفلاحين أكد انجلز ولكن يجب على هذا الحزب،لكي يظفر بالسلطة السياسية، أن يذهب بادئ ذي بدء من المدينة الى الريف، يجب عليه أن يغدوقوة في الريف
كيف كان ينظر تروتسكي الى ثورة 1905 ؟
بعد انفصاله عن الجناح المنشفي في أواخر1904 ارتبط فكريا مع بارفوس(الا.ش.الد.الالماني) وأكد بذلك على نظرياته بخصوص الحزب /التنظيم الذي طرحه في نفس السنة في كراس تحت عنوان واجباتنا السياسية والتي أعلن فيها رفضه بشكل قا طع لمجمل نظرية لينين عن الحـزب الثوري التي نجذها بشكل واضح في كتاب ما العمل تفضي نظرية لينين الى مايلي :تحل منظمة الحزب أولا محل مجمل الحزب,ثم تحل اللجنة المركزية محل المنظمة ذاتها وأخيرا سيحل "ديكتاتور"فرد محل اللجنة المركزية " واضعا لومه على لينين بسبب " ريبته السيئة النية و الكريهة أخلاقيا"و سنعود الى هذه المسألة لاحقا (أي رؤية تروتسكي للتنظيم) . لقد حدد تروتسكي الى جانب بارفوس مضمون ثورة 1905 في شعار : "ليسقط القيصر ولتحيا الحكومة العمالية" الذي انتقده لينين بشدة في كتابه " رسائل حول التكتيك " هكـذا كان تروتسكي دائما رائعا في القفز على المراحل ,الشيء الذي سيؤدي الى تحطيم الثورةعلى رأسه , لكن ذلك ليس بمهم فما يهمنا هو المعانات التي سيلقاها الشعب الروسي بعد ذلك . هذه المعانات التي عاشها الشعب الفرنسي بعد فشل ثورتي 1848 -1871 نتيجة لعدم اعطاء الاهمية الضرورية للفلاحين في الثورة( أنظر بهذا الصدد مقال انجلس " المسألة الفلاحية في فرنسا و ألمانيا ") فتلك هي السمة الاولى التي تميز فكر تروتسكي وهي القفز على المراحل و الادماج الارادي للمراحل هنا نجد تروتسكي في نفس مواقع المناشفة على مستوى المضمون يقول لنين :"ان تروتسكي مثله مثل مارتوف , يخلط في كومة واحدة مراحل تاريخية متنوعة,مواجها روسيا التي تقوم بثورتها البرجوازية بأروبا التي أنجزت من زمان ثوراتها البرجوازية " كان تروتسكي يرى في سياسة البلاشفة على انها سياسة تتسم بطابع "رجعي"لانها تسعى الى اشراك الفلاحين في الحكم الى جانب البروليتاريا على اعتبار ان الملكية الصغيرة التي يمثلها الفلاحون هي قوة رجعية من وجهة نظر الاشتراكية . هكذا كان يرى تروتسكي التحـالف بين الفلاحين والبروليتـــاريا على أنه "يناقض كل مجرى التطور الاقتصادي "ليصل فيمــا بعد الى فكرة حتمية نشوب الصراع بين الفلاحين والبروليتاريا إذا ما أنجزت هذه الثورة تحت شعار البلاشفة "ديكتاتورية البروليتـاريا والفلاحين الديمقراطية".( فما أسهل الانزلاق عندما نصل الى المنحدر ) فلنين كان دائما يؤكد خلال تلك المرحلة على أن ذلك التحالف هو الكفيل ولوحده أن يزيح كل بقايا الإقطاع وبالتالي هو الذي سيساهم في التطور الاقتصادي لروسيا" وانه خاطئ اصلا الرأي الذي يزعم ان ديكتاتورية هاتين الطبقتين اتجاها حزبيا عاما < لكنه ليس في الحقيقة سوى "اتجاها عاما معاد للحزب " ومحاولة لتكوين كتلة مستقلة الشيء الذي أكدته التجربة بعد ذلك وحيث اصبح تروتسكي أحد المدافعين والمتسترين عن تيار التصفوية . كان التصفويون يجمعون بين شعار "حرية التحالف " وشعار " ليسقط الحزب الثوري " ليسقط النضال في سبيل الجمهورية " أي تصفية حزب الطبقة العاملة الثوري غير الشرعي مع الدعوة الى عقد " مؤتمر عمالي لا حزبي " من اجل تأسيس حزب عمالي شرعي " واسع " أما الإنسحابيون فكانوا " تصفويون بالمقلوب" كما وصفهم لينين فقد طالبو بانسحاب النواب الإشتراكيون ــ الديمقراطيون من دوما الدولة وبوقف عمل الحزب في المنظمات الشرعية ـ العلنية ،النقابات التعاونيات ...الخ قي ظل هذا الارتداد وجد ترتسكي الفرصة سانحة تماما للانقضاض على البلاشفة بمحاولة توحيد الإنسحابيين والتصفويين وبعض الفرق الإنتهازية ذات الطابع البرجوازي في الخارج في "كتلة أغسطس"و بعد سنة ونصف تحقق تنبأ لينين بتفكك"كتلة أغسطس" وانبتق عنها اتجاهان ،الاتجاه اللونشي المنشفي ـ التصفوي والاتجاه التروتسكي الملتف حول جريدة" يوربا" التي مافتئت بعد ذلك بالصراخ عدم تكتليتها ، حول الوحدة ، لكن هل بالفعل كانت تدافع عن الوحدة ؟ كلا ، فقد كانت تطرح الوحدة مع التصفويين والإنسحابيين الذين تم طردهم من الحزب عند انعقاد المجلس العام السادس لعامة روسيا ـ الذي شكل من الناحية التنظيمية حزب البلاشفة المستقل ـ بل الأدهى من ذلك فقد رفض تروتسكي وجهة نظر النصفوي لارين الذي كان يقترح الوحدة في شكل الفيدرايبون (الاتحاد ) بالشكل الذي تتساوى فيه الحقوق بين اغلبية العمال الواعين والكتل التصفوية الصغيرة واقترح ضرورة التمازج بين الكل على "على اساس القرارات التكتيكية المشتركة " ذلك موقف تروتسكي في تلك المرحلة الدقيقة ،الدفاع عن مخربي حزب الطبقة العاملة وقد كتب لينين في تقييمه لتلك المحطة : "إن الوحدة شيء عظيم وشعار عظيم ، لكن قضية العمال بحاجة الى وحدة ماركسيين وليس الى وحدة ماركسيين مع خصوم الماركسية ومشوهيها " . وفي تلك الفترة بالضبط في سنة 1914 نشب صراع حاد بين البلاشفة والتصفويين حول الفقرة التاسعة من برنامج الحزب الخاصة بحق الأمم في تقرير مصيرها . فاعتبر تروتسكي ذلك الصراع بمثابة فرصة سانحة من اجل تسعير الاختلافات بين خصوم تيار التصفوية من روس وبولونيين لاجل تدعيم موقف التصفويين ضد البلاشفة وقد كتب لينين ناعتا تروتسكي على ذلك الموقف "إن تروتسكي المخلص لأشد خطرا من العدو! " واواقع أن تروتسكي لم يكن يعترف بحق الأمم في تقرير مصيرها الا شفاهيا فلم يكن يحرك ساكنا من أجل الدفاع عن حرية الأمم التي تضطهدها روسيا والدي اعتبره لينين جوهر التحريض في تلك الفترة : والآن لا يزال الإشتراكيون ـ الإمبرياليون السافرون من نوع لينين، يرفعون الصوت علنا ضد حرية تقرير المصير وضد انكار الإلحاق على السواء .اما الكاوتسكيون فهم يقرون ونفاقا بحرية تقرير المصير ،كما يفعل تروتسكي ومارتوف عندنا في روسيا ، فكلاهما يؤيد بالأقوال حرية تقرير المصير مثل كاوتسكي ، لكن ما هو موقفهما في الواقع ؟ خدوا مقالات تروتسكي " الأمة والإقتصاد "تلمسوا اختياريته العادية فهو يقول من جهة أن الإقتصاد يوحد الأمم ويدمج بعضها في بعض ويقول من جهة اخرى أن الاضطهاد القومي يفرق اللأمم بعضها عن بعض . فما الخلاصة ؟ الخلاصة هي أن النفاق السائد لما يكشف القناع عنه وأن العمل التحريضي ما يزال جامدا لا حياة لأنه لا يمس الشيء الرئيسي الجوهري الأساسي القريب من التطبيق العملي ونعني به موقف المرء من الأمة التي تضطهدها " امته " ." وهكذا "مهما كانت نوايا تروتسكي ومارتوف الذاتية الطيبة فإنهمــا، موضوعيا ،يؤيدان الإشتراكية ـ الإمبريالية الروسية بمراوغتهما وموقفهمــا الغامض" ثورة1917 ثورة فبراير – مارس
استطاع البلاشفة تحت قيادة لينين في فبراير 1917 من دفع عجلة الثورة الى الأمام واسقاط القيصرية فحلت محل حكومة الملاكين العقاريين حكومة ليبرالية موالية للبورجوازية الإمبريالية تحت زعامة حزب الكاديت وقدا اعتبر لينين هذه الثورة طور الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية من الثورة. فجوهر المرحلة الأولى يكمن في انتقال السلطة من طبقة الملاكين العقاريين إلى طبقة البرجوازية "إن انتقال سلطة الدولة من طبقة إلى أخرى هو الدليل الأول الرئيسي الجوهري على الثورة سواء بمعنى الكلمة العلمي الدقيق أو بمعناها السياسي العملي " وهكذا كان لزاما على الحزب البلشفي ان يحدد المهام الجديدة التي تتوافق والواقع الموضوعي الجديد ، و في الرابع من نيسان قدم لينين موضوعات نيسان حيث ثم خلالها تغيير شعار " ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية " بشعار اخر"ديكتاتورية البروليتاريا المستندة الى الفلاحين" وقد اتارت هذه الموضوعات غضب و إحتجاج مجموعة من البلاشفة أنفسهم والذين قال عنهم لينين " إن من لا يتحدث اليوم إلا عن " ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية " يتأخر عن موكب الحياة ،ينتقل عمليا الى البورجوازية الصغيرة ضد النضال البروليتاري الطبقي ويستحق نبده الى أرشيف" التحف البلشفبة " ما قبل الثورة أو قد يمكن القول الى أرشيف البلاشفة القدامى ." لنرتبط بالموضوع المتناول بين أيدينا ولنطرح التساؤل التالي :هل كان بالفعل تغيير الشعار السياسي من طرف لينين منسجما مع " الثورة الدائمة " كما ادعى تروتسكي ؟ فكما هو معلوم أن تروتسكي حاول مرارا وتكرارا أن يجد لنظرية " ثورته الدائمة " مكانا ما في الفكر اللينيني،فطانت موضوعات نيسان بمثابة المفتاح السحري ليمرر نظريته تحت راية اللينينية خصوصا بعدما أثبتت هاته الأخيرة على قوتها وقدرتها في قراءة الواقع والإجابة عليه .وهكذا نجده يطرح في كتابه "الخط الجديد" :" أما فيما يخص نظرية الثورة الدائمة فإنني لا أرى من داع لتعديل أي شيء مما كتبته عن هذا الموضوع بين 1904 ـ 1906 وفيما بعد أنني لا أزال على رأيي بأن الأفكار التي عرضتها آنذاك في مجملها أقرب بكثير الى محتوى اللينينية الفعلي مما كان يكتبه عدد من البلاشفة ... ولقد تعني هذه النظرية بالنسبة الى روسيا : أن م ا نحن بحاجة اليه ليس الجمهورية البرجوازية ولا حتى الديكتاتورية الديمقراطية للبروليتاريا وللطبقة الفلاحية ، و انما الحكومة العمالية المدعومة من قبل الطبقة الفلاحية والمدشنة لعصر الثورة الإشتراكية الأممية ... وما كانت كتاباتي في تلك المرحلة تنطوي على أي محاولة " للقفز فوق الطبقة الفلاحيــة " وكانت نظرية "الثورة الدائمة " تقود مباشرة الى اللينينية ولاسيما الى أطروحات نيسان 1917 " .ونجد نفس المحولة والموقف في رسالة وجهها اولمنسكي » إنني ابعد ما أكون عن الاعتقاد بأنني كنت على خطأ على طول الخط مناقشاتي مع البلاشفة ... وإنني على يقين بأن تقييمي للقوى المحركة للثورة كان صحيحا مطلق الصحة وما يزال بإمكاني الى الآن بلا مشقة أن أقسم الى قسمين مقالاتي الجدلية التي كتبتها سابقا ضد المناشفة والبلاشفة : فبعضهــا مكرس لتحليل قوى الثـورة الداخلية ومنظوراتها...وبعضها الآخر مكرس لتقييم أجنحة الاشتراكية الديمقراطية الروسية وصراعاتها... وما يزال بوسعي الى اليوم أن أنشر مقالات الجزء الأول من دون أن أبدل فيها شيأ لأنها تتطابق تماما مع وجهات نظر حزبنا إبتداءا من عام 1917 « . لنرى إذن هل بالفعل كان تروتسكي محقا في كتاباته هاته ؟ أم هي محاولة خسيسة لقرصنة اللينينية وتجريدها من كل ما تزخر به من الجدل الماركسي الثوري ؟ ولأجل ذلك يجب أولا توضيح قراءة لينين لواقع الثورة الروسية والذي أفضى إلى تغيير الشعار التكتيكي (( إن الماركسية تطلب منا أن نأخذ بالحسبان على أدق وجه وبصورة يمكن معها التثبت من صحته موضوعيا النسبة بين الطبقات والخصائص الملموسة في كل حقبة تاريخية محددة ))تلك هي الجملة التي كان دائما يرددها لينين ويلح عليها وعلى تطبيقها قبل رفع أي شعار سياسي فصيغة » ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية «ليست سوى تعبيرا دقيقا ينص على نسبة القوى بين الطبقات ، وتحدد المهمة التالية : محل السيادة البرجوازية يجب أن تحل سيادة البروليتاريا والفلاحين .إلا أن واقع الصراع الطبقي في روسيا قد أسفر عن تمازج تلك السيادتين .ف» سوفييت نواب العمال والفلاحين والجنود هو بالضبط » ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية « وقد اثبت الواقع الحي نقطة جوهرية وأساسية لا يجب إغفالها تماما ألا وهي التناول الإرادي والحر لهاته الديكتاتورية عن السلطة البورجوازية وأن الفلاحين يتجهون بشكل قوي نحو التعاون الطبقي مع البورجوازية وهـذا الواقع الجديد طرح مهمة جديدة في جدول اعمـال الثورة وهي الفصل في قلب هذه الديكتاتورية بين العناصر الشيوعية ، البرو ليتاريا وبين العناصر البورجوازية الصغيرة خصوصا اذا علمنا أن هذه الاخيرة قد انعطفت نحو الشوفينية وبالتالي نحو المساندة الفعلية للبورجوازية الإمبريالية لذلك بالضبط وجب تغيير الشعار الى شعار ديكتاتورية البروليتاريا المستندة إلى الفلاحين وقد كتب لينين في سنة 1917 موضحا خطر الشعارات التي صاغها تروتسكي سنة 1905 "الا نتعرض لخطر الوقوع في الذاتية ،في رغبة القفز من فوق الثورة البورجوازية ـ الديمقراطية، غير المنتهية ـ والتي ما زالت مشوبة بميزات حركة الفلاحين ـ إلى الثورة الاشتراكية ؟ لو قلت " لا نريد قيصر، نريد حكومة عمال " لتعرضت لهذا الخطر ولكني لم أقل هذا، إنما قلت شيئا آخر قلت أنه ايمكن أن يكون ثمة حكومة في روسيا باستثناء الحكومة البورجوازية ، غير سوفيتات نواب العمال والأجراء الزراعيين والجنود والفلاحين " .فالصراع الطبقي آنذاك لم يصل إلى مرحلة وجب خلالها رفع شعار " الثورة الإشتراكية " لأن الثورة الزراعية لم تنته بعد وبالتالي وجب استخدام القوى الثورية للفلاحين لتمهيـد المرور إلى الاشتراكية وهكذا يتضح بشكل جلي أن لينين لم ينظر للفلاحين وكأنهم قبليا أعداء للطبقة العاملة وإنما كحلفاء موضوعيين ممكنين وجب على الطبقة العاملة توجيههم والسير بهم حتى يصبحوا قوة ثورية ذات وزن حاسم في النضال من أجل الاشتراكية "أنا لا أقول : ليسقط القيصر لتحيا الحكومة العمالية ! بل أقول : لدينا سوفيتات بورجوازية صغيرة . أنا لا أقول: الاشتراكية حالا ، بل أقول : إن هذا الأجراء أو ذاك يوفر مكاسب للفـلاح و يسدد في الوقت نفسه ضربة للملكية " .ما بعد الثورة :لقـد كانت الدولة السوفيتية بعد انتصار ثورة أكتوبر العظمى تعاني من المشاكل الاقتصادية والسياسية فمن الجوع و قلة المحاصيل وصولا إلى تهديد الثورة المضادة الزاحفة وهجوم الإمبريالية الألمانية كان أي خطأ سياسي تكتيكي يعني انفجار البركان وبالتالي موت الثورة الفتية ففي اليوم الثاني من إقامة السلطة السوفييتية ، أقر مؤتمر السوفييتات الثاني لعامة روسيا مرسومين أساسيين مرسوم الأرض الذي صفيت بموجبه الملكية الإقطاعية وألغيت الملكية الخاصة للأرض كما تمت بموجبه إحالة الأرض كلهـا إلى الفلاحين ، وقد اشتمل مرسوم الأرض على "التوصية الفلاحة بصدد الأرض " والتي اقترحت إقرار شعار الاشتراكيين ـ الثــوريين القائل" بالانتفاع المتساوي للأرض على أساس العمل وقد صرح لينين في تفسير الأسباب التي دفعت البلاشفة إلى قبول هذا الشعار مع أنهم كانوا ضده من قبل :" نحن كحكومة ديمقراطية ،لا يسعنا أن نتجاهل قرار الفئات الشعبية الدنيا رغم أننا لسنا موافقين عليه ... ففي نار الحياة سيدرك الفلاحون أنفسهم أين هي الحقيقة بتطبيقه عمليا ، بتطبيقه في مطامحهم " وبالإضافة إلى مرسوم الأرض وفي نفس المحطة تم إصدار مرسوم آخر هو مرسوم الفلاح الذي تقدم من شعوب وحكومات جميع البلدان المتحاربة بإقتراح عقد هدنة على الفور والشروع بمفاوضات الصلح وفي الوقت نفسه أعلنت الحكومة السوفييتية أنها لا تتقدم بشروطها بشكل نهائي قاطع وإنها مستعدة للبحث في أي شروط أخرى للصلح تتقدم بها أي من الدول المتحاربة .لكن لم ترد أي من الدول الامبريالية المتحاربة على نداء الحكومة السوفييتية .إلا أنه في دجنبر 1917 بدأت في" بريست ليستوفيك " مفاوضات مع الحكومة الألمانية لأجل عقد الصلح ، فوقف الاشتراكيون ـ الثـوريون وكذلك فريق من" الشيوعيين اليساريين " برئاسة بوخارين ضد المفاوضات وطالبو بأن تخوض روسيا السوفييتية الحرب الثورية ضد ألمانيا ،وحين كان تروتسكي في المرحلة الثانية من مفاوضات الصلح رئيس الوفد السوفييتية لن توقع الصلح .وأعلن أن روسيا السوفييتية لن توقع الصلح وأنها توقف الحرب وتسرح الجيش وهكذا انتقلت ألمانيا إلى الهجوم مما أدى إلى توقيع الصلح وأنها فيما بعد كما تنبا لينين بشروط أشق . وفي 24 يناير 1918 اتخذ مكتب بمقاطعة موسكو الذي كان يرأسه تروتسكي قرارا بحجب الثقة عن اللجنة المركزية ورفض الخضوع لقراراتها " التي سترتبط اسماهم ب " العناصر الانتهازية المعتدلة داخل الحزب " . والأدهى من ذلك هو ما جاء في النص التفسيري لذلك القرار: وفي مصلحة الثورة العالمية ،نعتبر من العقلاني القبول باحتمال خسارة السلطة السوفييتية التي تغدو الآن شكلية بحتا " . وقد أوضح لينين جوهر هذه المواقف في مقالة رائعة تحمل عنوان »غريب وفظيع « ، جاء فيها أنه إذ ا كان من مصلحة الثورة العالمية تحريم إي صلح كان مع الإمبرياليين فمن وجهة نظر مثل هذه الآراء لا يمكن للجمهورية الاشتراكية في وسط الإمبريالية أن تعقد أي معاهدات اقتصادية ، لا يمكن لها أن توجد إن لم تطر الى القمر .وإذا كانت مصلحة الثورة تتطلب دفعها فإن نظرية كهذه تقطع كل صلة بالماركسية التي أنكرت دائما » دفع « الثورات لأن هذه الأخيرة تتطور وتتنامى بقدر ما تتفاقم التناقضات الطبقية التي تولد الثــورات . وفي ذلك الزمن زمن صلح » بريست« ليتوفيسك حدد أيضا موقفا دقيقا بصدد الاختيارات الإستراتيجية للثورة وللحزب البلشفي فقد ربط إمكانية انتصار الثورة في بلد واحد و إمكانية انتصارها في مجموعة من البلدان .... ولنصل الآن إلى محطة أساسية أخرى من الصراع الذي عرفه الحزب البلشفي بين تروتسكي ولينين والتي ميزت بدابة العشرينات ونقصد بها النقاشات الصاخبة حول النقابات ودورها والتي كشفت عن النزعة العسكرية لتروتسكي في إدارة مؤسسات الدولة ،فخلال المؤتمر العاشر للحزب تقدم تروتسكي ب "كراس ـ منهج " تحت عنوان " دور النقابات ومهامها " اقترف من خلاله تروتسكي مجموعة من الأخطاء النظرية والسياسية.فعلى المستوى السياسي كان كراسه بمثابة الإعلان عن تأسيس كتلة داخل الحزب وبالتالي توفير الأرضية لخلق وضع التكتلات داخل الحزب والمنضمات العمالية الشيء الذي سيؤدي لا محالة إلى خلق واقع الانشقاقات والذي حصل بالفعل في "التسيكتران" ( اللجنة المركزية للنقابة المتحدة للنقليات الحديدية والمائية )، بعد أن طبق أنصار تروتسكي المستلمون زمام القيادة بها ،الطرائق العسكرية، الإدارية التي نادى بها تروتسكي في كراسه السابق الذكر ،وقد أوضح لينين في ذالك الحين الخطر السياسي من الانشقاق بقوله " واضح أن الانشقاق في وسط البروليتاريا او بين الحزب البروليتاري وجمهور البروليتاريا في بلد تقوم فيه ديكتاتورية البروليتاريا ليس خطرا وحسب ، بل فادح الخطر أيضا ... والحال تعني الانشقاقات في الحركة النقابية ، انشقاقات في جمهور البروليتاريا بالذات " .ومن بين ما أسفر عليه ذالك النقاش الواسع " إن كل من تروتسكي و بوخارين أوضحا 1ـ تناسيا للماركسية تجلى في تعريف اختيـاري غير صحيح نظريا للعلاقة بين الاقتصاد والسياسة ،2ـ دفاعا او تسترا عن ذالك الخطأ السياسي الذي تجلى في سياسة النفض الذي تشرب بها كل "الكراس ـ المنهج " الذي وضعه تروتسكي ،وهذا الخطأ يؤدي إلى سقوط البروليتاريا إذا لم تدركه وتصلحه ،3ـ خطوة الى الوراء في ميدان القضايا الإنتاجية ، الاقتصادية الصرف المتعلقة بكيفية زيادة الإنتاج..." فإذا كان تروتسكي يدعو إلى تدويل النقابات وبذلك يكشف على نزعة بيروقراطية فإن لينين عارض بشدة تلك الدعوة الى التدويل والح على منح النقابات الحق في الدفاع عن العمال ضد الدولة السوفياتية ، باعتبارها دولة عمالية لكن تتسم بسمتين أساسيتين لا يجب إطلاقا إغفالهما .
1ـ أن الفلاحين لا العمال يؤلفون غالبية السكان.
2ـ انها عمالية مشوهة بيروقراطيا.و هاته السمات دفعت لينين الى القول " إن الرفيق تروتسكي يتحدث عن الدولة العمالية ،اسمحوا لي أن أقول لكم إن هذا تجريد ...إن دولتنا بوضعها الراهن توجب على البروليتاريا المنظمة أن تدافع عن نفسها وأن تستخدم المنظمات العمالية للدفاع عن العمال ضد الدولة ولدفاع العمال عن دولتنا ". إذن بعد هذا التوضيح الوجيز جدا للأخطاء النظرية والسياسية التي اقترفها تروتسكي والتي توضح بجـــلاء الابتعاد الكلي عن الفكر اللينيني ،تطرح تساؤلا جوهريا كيف نتعامل مع هذا "الفكر"؟ لنستشهد من اجل الإجابة على هذا السؤال بداية بقول تروتسكي نفسه " إن الواقع لا يغفر غلطة نظرية واحدة" فهل نطلب من الواقع أن يغفر لتروتسكي على تلك الكومة الفظيعة من الأخطاء النظرية ؟ مهما طالبنا فالواقع لن يجيب ولن يلبي ،ونحن غير ملزمين بالمطالبة ولكننا ملزمين بخوض الصراع ضد هذه » النظرية « التي دحضهـــا لينين منذ ولادتها . اولا لإيماننا بسدادة النظرية الماركسية ـ اللينينية في قدرتها على قراءة الواقع بشكل علمي والإجابة عليه بشكل دقيق ،ثانيا للدفاع عن شعار الماركسيين ـ اللينينين المغاربة شعار "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية "كشعار سياسي دقيق للمرحلة التي يجتازها المغرب على اعتبار أن التناقضات الرئيسية بالمغرب لم تدخل بعد مرحلة تستدعي رفع شعار "الثورة الاشتراكية التي يتغنى بها أنصار التروتسكية الذين يعتبرون المغرب بلدا رأسماليا كباقي بلدان أوربا ، شأنه في ذلك شأن باقي دول"العالم الثالث" وهنا ندرج قول لينين للرد على هذه السخافة "إنه لمن المضحك والرجعي مجرد القبول بأن واقع روسيا القيصرية هو نفسه واقع البلدان الأوربية "وعلى العموم إذا كان هذا العرض يهدف الى تحقيق نقطة وحيدة أي نزع القناع عن التروتسكية من خلال توضيح قراءات و تقييم كل من لينين وتروتسكي لأطوار ومراحل الثورة بروسيا وتبيان الاختلاف الجوهري بينهما ،فإن هاته النقطة لن تكون إلا مقدمة أولية وضرورية لطرح النقاش حول الأسس النظرية للتروتسكية كنظرية منفصلة تماما عن اللينينية
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire