معركة أنوال كانت معركة هامة في حرب الريف، لأنها مثلت منعطفا في الصراع مع المستعمر، إذ انتقل بعدها الريفيون من الدفاع إلى الهجوم، ومثلت كذلك حدا فاصلا بين مرحلتين، مرحلة ساد فيهااليأس من مواجهة المستعمر ومرحلة توحدت فيها القوى الريفية لدحض الاستعمار وإعادة بناء المجتمع الريفي…
إن الحديث عن معركة أنوال لا يعني أنها المعركة الوحيدة الهامة التي خاضها الريفيون خلال حرب الريف، بل كانت هناك معارك أخرى لا تقل أهمية (مثل معركة أغزار أوشان واركاث وأشاون والبيبان وغيرها)، فلا بد أن نقر بأن أنوال كانت معركة ضمن عشرات المعارك التي خاضتها المقاومة الريفية. كما أن حرب الريف وما أنجزه المقاومون خلال هاته الحرب لم يأتي من فراغ أو كان نتاج صدفة، بل هو نتاج للمواجهات المريرة التي خاضها الريفيون ضد الغزاة دفاعا عن الأرض والحرية والكرامة، فجذور المقاومة الريفية تضرب في أعماق التاريخ، ولا يسع المجال هنا للحديث عن المحطات البارزة في تاريخ هذه المقاومة (المساهمة إلى جانب القائد الأمازيغي شيشونغ لصد هجمات الفراعنة، المشاركة في صد هجمات الرومان والعرب والإسبان والبرتغال…).
الحديث عن معركة أنوال لا يستقيم دون الحديث عن المعارك التي خاضتها المقاومة الريفية قبيل أنوال وبعيدها، وبالضبط منذ معركة دهار أوبران حتى معركة أذرار أعروي، وقبل ذلك لا بد أن نذكر ببعض المعطيات التي سبقت معركة أنوال:
- خلف استشهاد كل من الشريف محمد أمزيان سنة 1912 والفقيه العلامة السي محمد حدو العزوزي سنة 1915، فراغا في قيادة المقاومة الريفية دام أزيد من 5 سنوات، فراغا استغله الإسبان للسيطرة على مجموعة من القبائل والمواقع وأصبح الحديث عن مواجهة الإسبان ضربا من الجنون…
- فشل القاضي السي عبد الكريم الخطابي في كل المحاولات التي كان يقوم بها للتوصل إلى اتفاق مع الإسبان يسمح للريفيين بتسيير بلادهم ويمكن الإسبان من بعض الامتيازات…
- العائلة الخطابية تقرر مواجهة الإسبان، ويتمكن السي عبد الكريم من تجنيد عدد من المجاهدين وصل عددهم في أواخر يونيو 1920 إلى 2000، ويعمل على إنشاء معسكر بتفرسيت في موقع يدعى وذيع، وقام بمحاصرة الإسبان لمدة تزيد عن 20 يوما ومنعهم من التقدم لاحتلال المزيد من الأراضي… لكن هذا المعسكر سينهار بسرعة نتيجة المرض الذي ألم بالقاضي السي عبد الكريم بعد تسميمه من قبل أحد العملاء، وبعد رحيله يوم 07 غشت 1920 سينقض الإسبان على تفرسيت ويعملون للاستيلاء على مزيد من الأراضي وأغلب الحالات دون قتال يذكر نتيجة الجفاف والجوع والخوف من بطش الإسبان وكذلك لاستعمال المال.
- استغل أصدقاء إسبانيا بالريف رحيل القاضي للإسراع في تنفيذ مخططاتهم، حيث قاموا بعدة محاولات للحيلولة دون تنظيم السكان لأنفسهم وقاموا بأعمال دنيئة لإشعال فتيل المواجهات الداخلية وزرع الأحقاد واليأس وسط الساكنة والمجاهدين. فحسب بعض الباحثين فإنه داخل قبيلتي إبقوين وأيث ورياغل لوحدهما كان عدد أصدقاء إسبانيا المهمين يتجاوز الأربعين، 25 منهم يتقاضون رواتب شهرية قيمتها 75 بسيطة.
- ورغم ذلك ستتزايد الرغبة في إعادة تنظيم صفوف المقاومة، ويتمكن محمد بن عبد الكريم الخطابي من عقد اجتماع بإمزورن ضم زعماء قبيلة أيث ورياغل وبعض المجاهدين من القبائل المجاورة، أسفر على ضرورة التصدي للغزاة وتجنب الأحقاد والضغائن… ومع العمل الجبار الذي كان يقوم به مولاي موحند سيصر الإسبان على التقدم في أراضي الريف:
+ ففي 05 دجمبر 1920 سيتم إخضاع قبيلة أيث وليشك وبعدها قبيلة أيث السعيد.
+ وفي 12 يناير 1921 سيتم الاستيلاء على سيذي احساين ورأس أفراو.
+ وفي 15 يناير سيتم الاستيلاء على موقع أنوال بعد تحصين الإسبان لمواقعهم المتواجدة بكل من بنطيب والدريوش. وموقع أنوال يتواجد بقبيلة أيث وليشك ومتاخم لجبال تمسمان وقريب من مرتفعات أيث السعيد، يبعد عن بنطيب ب 16 كلم وعن الدريوش ب 35 كلم وب 106 كلم عن مليلية.
+ وفي 12 مارس سيتم الاستيلاء على موقع سيذي ادريس الواقع عند مصب واد أمقران.
- في 13 أبريل ستقمبل اسبانيا انطلاقا من مدافعها بجزيرة انكور أحد الأسواق بقبيلة ايث ورياغل وذلك لتهديد هذه القبيلة ومعاقبتها على عدم حضور أعيانها إلى الجزيرة لاستقبال المقيم العام برينكر، لكن الورياغليين ولإبراز استعدادهم للمواجهة ردوا على هذا القصف ببنادقهم. ويطلق مولاي موحند صرخته الشهيرة: “الموت دفاعا عن الأرض خير من الاستسلام للغزاة”.
- ومع تردد أعيان قبيلة تمسامان في التصدي للغزاة، بل وانصياع العديد منهم لرغبات الإسبان يقرر المجاهدون استباق الإسبان إلى تمسامان، وفيها أسسوا معسكرا بجبل القامة تواجد فيه أزيد من 500 مجاهد، وكان ذلك في أواخر شهر يناير 1921. وفي أبريل سيتعزز هذا المعسكر بقدوم مقاتلين آخرين، إذ وصل عدد المرابطين بالقامة 3000 ينتسبون إلى ايث ورياغل وإبقوين وأيث توزين وتمسامان (ربع تروكوت).
- في 13 أبريل ستتمكن المقاومة من إنشاء معسكر قرب سيدي بويعقوب وأخر قرب سيدي شعيب بالموضع المسمى أليمان، وذلك لمراقبة تحركات الإسبان على طول الخط الرابط بين أنوال وسيدي ادريس، وكانت المقاومة تعتزم إنشاء معسكر بدهار أوبران الذي يبعد عن القامة ب 5 كلم للتحكم بواد أمقران.
- الجنيرال سلفيستري رئيس القيادة العليا للجيش بمليلية وصديق الملك الإسباني ألفونصو 13، الذي استخف من إقامة معسكر قاما في البداية واعتبره مجرد محاولة من عبد الكريم لتقوية موقعه التفاوضي مع إسبانيا، سرعان ما يغير رأيه بعد إنشاء المجاهدين للمعسكرين المذكورين. فكان سلفيستري يعتزم السيطرة على واد أمقران عند متم نهاية غشت أو بداية سبتمبر، لكن تقدم المقاومة ونزايد عدد المقاتلين وارتفاع درجة الحرارة وكذلك نتيجة الغرور الذي اتسم به سلفيستري، جعل هذا الأخير يقرر الهجوم، خصوصا بعد تشجيعه من قبل بعض أعيان تمسمان الذين رأوا أن الفرصة سانحة لاحتلال أبران بعد أن تأكدوا من مغادرة أغلب المجاهدين لمعسكر القامة (بينهم مولاي موحند) للحضور في اجتماع انعقد بأربعاء سيذي بوحفاف.
- في ليلة 01 يونيو (24 رمضان) سينطلق من أنوال وتحت قيادة بياريا أزيد من 1500 جندي و485 دابة محملة بالعتاد والغذاء لاحتلال أبران، ورغم أن المسافة بين أنوال وأبران لا تتعدى 6 كلم فإن الكوكبة استغرقت في قطعها لهذه المسافة أزيد من 4 ساعات، وعند احتلاله شرع الجنود في حفر الخنادق ووضع المتاريس والأسلاك… بعد ذلك انسحب أغلبهم، ولم يبقى بأبران إلا 278 جنديا (بينهم 200 من المحليين) ومدفعين.
- ظهور الإسبان على قمة أبران فاجأ المجاهدين، لكنه لم يربكهم، بل سارعوا إلى إعلان تواجد العدو فوق أبران، عاد المجاهدون إلى موقع القامة، وبسرعة فائقة تطوع للهجوم على أبران 500 مجاهد انقسموا إلى ثلاث مجموعات، الأولى هاجمت من جهة الغرب (أيث بويعقوب) والثانية من جهة الشمال والثالثة من جهة الشرق (مدشر إفاسيا)، وخلال ساعتين من القتال تمكن المجاهدون من تحرير قمة دهار أوبران (الهجوم ابتدأ مع الساعة الثالثة بعد الزوال وانتهى مع الساعة الخامسة مساء).
- تمكن من الفرار 20 مكلفا بالمدفعية (وقيل 6) و50 من المرتزقة.
- قتل أزيد من 150 جندي وعدد من الضباط. واستولى الريفيون على المدفعين وعلى الرشاشات والبنادق والخرطوشات والأطعمة.
- استشهد خلال هذه المواجهة 4 مجاهدين.
- بعد ذلك حاول المجاهدون اقتحام مركز سيدي ادريس الذي وصلوه ليلا، لكنهم فشلوا في ذلك.
- بعد أبران أتى دور الإسبان للاحتماء من نيران المجاهدين. حيث سارعوا لتكثيف قواتهم في المراكز القريبة من أنوال (بومجان، أمزاورو…) المتواجدة على الهضاب المطلة على أنوال، وتعزيز مركز سيدي ادريس برا وبحرا، وانكب قادة المقاومة على كبح جماح المجاهدين الذين وصل عددهم 4000 وتنظيمهم وتدريبهم وضمان المؤونة والاستفادة من انتصار أبران واستثماره ميدانيا.
- في 12 يونيو ستعبر مجموعة من المجاهدين واد أمقران، وفي 14 منه ستصل إلى أمزاورو الذي كانت به حامية إسبانية انسحبت منه، وأمزاورو يوجد في قلب تمسامان وقريب من قشلة بومجان ويبتعد عن أنوال بحوالي 9 كلم، والمسافة بينهما كلها حواجز طبيعية تجعل مراقبة الإسبان لتحركات المجاهدين داخله غير ممكنة، وعند وصول المجاهدين إلى أمزاورو سيتم قصفهم من أنوال وبومجان، وذلك لإبعادهم عن هذا الموقع الحيوي، ونتيجة للقصف المستمر عمد المجاهدون إلى حفر الخنادق ليلا والتراجع نهارا. وبعد توفير الشروط الضرورية ستنشئ المقاومة معسكرها الرئيسي في أمزاورو.
- لمراقبة تحركات المجاهدين داخل أمزاورو كان الإسبان يرسلون كوكبة مكونة من 50 جنديا إلى مكان قريب من ضريح سيدي ابراهيم الواقع بين أمزاورو وأنوال، وتمكث هذه الكوكبة النهار كله في هذا الموقع وتعود إلى أنوال ليلا.
- يوم 15 يونيو سيتم القضاء على هذه الكوكبة التي لم تستطع الصمود أمام ضربات المقاومة رغم الدعم الذي قدم من أنوال ونيران المدافع من المرتفعات القريبة، وتستمر المعركة أزيد من 10 ساعات، سقط فيها أزيد من 200 بين قتيل وجريح.
- بالسيطرة على موقع سيدي ابراهيم، ستشرع المقاومة في تعبئة المجاهدين ونشر الوعي وسطهم ويبدأ العمل السياسي والاتصالات السرية مع المرتزقة الريفيين في جيش الإسبان. كما بدؤوا في التناور (يهاجمون ويتراجعون) لمعرفة قدرات العدو وحجم قواته وفعاليتها.
- يوم 17 يونيو سيقوم الإسبان باحتلال موقع إغريبا المتواجد بتمسامان والقريب من ثيزي عزة والذي يبعد عن أنوال بحوالي 6 كلم ويضمن الطريق الرابطة بين أنوال وبن الطيب. وتم إنشاء مركز فوقه تواجد فيه 500 جنديا يقودهم المدعو بنيتيز. وبعيد احتلاله حاول المجاهدون تحريره من خلال فرقتين، الأولى انطلقت من سيدي بويعقوب والثانية من مرتفعات ثيزي عزة لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، مما حذا بهم إلى استغلال نقطة ضعف هذا الموقع، وهي ابتعاده عن مصدر الماء، فالعين القريبة منه وهي عين سيدي عبد الرحمان تبعد عنه بحوالي 4 كلم، فتواجد المجاهدين بموقع سيدي ابراهيم مكنهم من محاصرة هذه العين ومنع الإسبان من التزود بالماء، وقام الإسبان بعدة محاولات للاستيلاء على هذه العين لكن دون جدوى، ففي كل محاولة كانت تقع اشتباكات يخسر فيها الإسبان عددا هاما من الجند والذخيرة والأسلحة… بعد ذلك بدأ الدعم يصل من أنوال لفك الحصار عن إغريبا وتمكينها من الماء والمؤونة، لكن دون جدوى، فكل قافلة تأتي من أنوال يكون مصيرها الهزيمة والتراجع.
- ساهم في حصار إغريبا أزيد من 700 مجاهد تمترسوا في الخنادق، وقطعوا الطريق عن الامدادات لتواجدهم على كل الممرات التي يمكن أن يستغلها الإسبان لنجدة إغريبا، وتكلف بالسيطرة على واد الحمام الذي يفصل بين أنوال وإغريبا 100 مقاتل مشهود لهم بالبسالة والشجاعة والتسديد الدقيق.
- حصار إغريبا دام 5 أيام، ابتدأ في 17 يوليوز وانتهى في 22 يوليوز.
- يوم 18 يوليوز سيستعمل المجاهدون المدفع الذي غنموه بأبران لقصف إغريبا انطلاقا من إحدى المرتفعات بثيزي عزة.
- يوم 19 يوليوز سيلجأ الإسبان إلى تكتيك الأرض المحروقة، باستعمالهم الطائرات والمدافع، ويقومون بهجوم كاسح استعملوا فيه جميع أنواع الأسلحة، لكن دون جدوى إذ ظل الحصار محكما على إغريبا.
- يوم 20 يوليوز وصل إلى أنوال دعما وصل إلى 1400 جندي بقيادة القبطان نافارو، وفي نفس اليوم سيتفقد مولاي موحند المجاهدين في خنادقهم للرفع من معنوياتهم وحثهم على الصمود وعدم التراجع، وتبيان أهمية الانتصار في هذه المعركة. كما سيطلب من بينيتز ضرورة الاستسلام والانسحاب من إغريبا، لكن هذا الأخير لم يقبل بالانسحاب منتظرا فك الحصار. رغم أن جنوده بدؤوا في شرب المداد وماء البطاطس…
- صبيحة يوم 21 يوليوز سيترأس سيلفيستري بمعية نافارو هجوما استعملا فيه 3000 جندي، دامت المعركة أزيد من 8 ساعات، ومع تكاثف الرصاص الذي يطلقه المجاهدون من خنادقهم سيضطر هذا الجيش إلى التراجع صوب أنوال بعد أن خلف العديد من الجرحى والقتلى وخسائر في المعدات…
- مساء يوم 21 يوليوز يطلب سلفيستري من بينيتز الانسحاب من إغريبا والالتحاق بأنوال، وعندما حاول هذا الأخير القيام بذلك قطع عليه المجاهدون الطريق، ولم يصل إلى أنوال إلا 20 نفرا في حالة يرثى لها (وقيل 9 جنود)، واستشهد 50 مجاهدا (وقيل 86)وجرح 165، وغنم المجاهدون 4 مدافع كبيرة وعددا من الرشاشات والبنادق والبهائم…
- بعد السيطرة على إغريبا سيتخندق المجاهدون بواد الحمام على أبواب معسكر أنوال الذي كان يتواجد به أزيد من 6000 جندي ويحيط به أزيد من 84 مدفعا، وشارك في حصار أنوال أزيد من 1500 مجاهد، توزعوا على مختلف الواجهات بشكل رائع، ولحيويتهم اعتقد الإسبان أن عددهم يزيد عن 10 ألاف .
- يوم 22 يوليوز عقد سيلفيستري اجتماعا مع قادة الجيش لتدارس الوضعية واتخاذ القرار المناسب، وبعد نقاشات صاخبة يقرر المجتمعون خوض هجوم كاسح بكل ما يملكونه من قوة وبشكل يفاجئ الريفيين، وحدد يوم 24 يوليوز موعدا لهذا الهجوم، لكن جنديين من المرتزقة أبلغ هذا القرار لعبد الكريم الذي اتخذ الاحتياطات اللازمة والتدابير الضرورية.
- يوم الجمعة 23 يوليوز أصبح معسكر أنوال مطوقا من كل جانب، ومع مرور الوقت كان الحصار يشتد ومعنويات الإسبان تتهاوى أكثر فأكثر، والمجاهدون كانوا متأهبين للانقضاض على المعسكر، لكن الأمير تريث في الهجوم وانتظر ما سيقدم عليه سيلفيستري.
- يوم 24 يوليوز بدأ الإسبان في قصف محيط المعسكر بالطائرات والمدافع، ومساء نفس اليوم هاجم عدد من المرتزقة بقيادة المدعو بوثنشنوشث خنادق المجاهدين، لكن قتل هذا الأخير جعل بقية المرتزقة ينسحبون من المعركة عائدين صوب منازلهم حاملين معهم الأسلحة التي كانت بحوزتهم. بعد هذا الهجوم الفاشل تيقن الأمير أن سيلفيستري سينسحب إلى ما وراء أنوال، لذلك أصدر أوامره بقطع خط العودة والسيطرة على جميع المسالك المؤدية إلى بنطيب وغيره من المراكز التي يسيطر عليها الإسبان. وبعد أن تأكد سيلفيستري من أن الدعم العسكري الذي طلبه لن يصل، رفض التفاوض مع عبد الكريم رغم إلحاح بعض قادة الجيش على ذلك (مانيلا مثلا)، وقرر الانسحاب من أنوال يوم 25 يوليوز على الساعة العاشرة صباحا بعد تدمير معظم الآليات العسكرية، وتم الانسحاب بشكل فوضوي دفع عنه الإسبان ثمنا غاليا، حيث قتل العديد منهم، وشارك في قتل الجنود الإسبان إضافة إلى المجاهدين عدد من المرتزقة والسكان المجاورين… ولم يبقى داخل معسكر أنوال إلا كتيبة من الجنود يقودها المدعو نافارو أوكل إليها مهمة تغطية الانسحاب، حيث توجهت صوب بوفرقوش ثم الدريوش فثيزظوظين لتستقر في معسكر أعروي الذي وصله نافارو صحبة ما تبقى من مجموعته يوم 29 يوليوز 2008، ووصل عدد الجنود في هذا المعسكر أزيد من 3000.
- بعد ذلك ستسقط تباعا العديد من المراكز (قشلة بومجان، اثماميست، بنطيب، دار بوزيان، الدريوش، دار الكبداني…) وأغلبها دون قتال يذكر، ورغم الدفاع عن مركز سيذي اذريس من البحر فإن المجاهدين تمكنوا من السيطرة عليه.
- يوم 2 غشت سيقتحم المجاهدون مدينة الناضور، وقامت عناصر حديثة العهد بالمقاومة بسلوكات غير منضبطة، وبعض من هاته العناصر كان يفكر في صنع البطولات والاستحواذ على ممتلكات الإسبان داخل هاته المدينة، مما دفع الأمير إلى إرسال فرقة من المجاهدين الأكفاء إلى الناضور لحماية المدنيين الإسبان وممتلكاتهم وفرض النظام والانضباط.
- يوم 03 غشت ستتحرر سلوان.
- ومنذ 02 غشت كانت المقاومة تحاصر مركز أعروي (الذي احتله الإسبان في يونيو 1914، وكان مركزا استراتيجيا بحكم موقعه، فهو يبعد عن مليلية بنحو 40 كلم ويشرف على سهل بوعارك ومنه يمكن حماية مناجم جبل إيكسان وخط السكة الحديدية، واستعمل لاحقا كنقطة تواصل بين قيادة دريوش والناضور وبين أنوال ومليلية)،، الذي تحصن داخله أزيد من 3000 جندي بينهم 70 ضابطا، حوصر المركز لمدة 10 أيام من كل جوانبه ومنع الإسبان من التزود بالماء والطعام، وبعد أن يئسوا من قدوم دعم عسكري من مليلية، قبل الجنيرال نافارو التفاوض مع قوات مولاي موحند، وتوسط في هذه المفاوضات ادريس بنسعيد كاتب بالإقامة العامة بتطوان وبنشلال أحد أعيان قبيلة أيث بويفرور، ووصل الطرفين إلى اتفاق يقضي بضمان انسحاب المحاصرين بأمان والتحاقهم بمليلية مع ترك جميع أسلحتهم داخل المعسكر، وعند تنفيذ هذا الانسحاب يوم 12 غشت قام بعض الجنود الإسبان بإطلاق النار على بعض المجاهدين، وكان رد هؤلاء سريعا، حيث أجهزوا على كل الجنود المتواجدين بالمعسكر، وكانت الحصيلة أزيد من 2000 قتيل وسط الإسبان و70 وسط المجاهدين، وتم أسر أزيد من 400 بينهم نافارو. ولقد غضب الأمير كثيرا من الأحداث التي وقعت بأعروي ودار الكبداني وسلوان، وقام باتخاذ تدابير صارمة تمثلت في معاقبة كل مقاوم يقتل أسيرا أو مستسلما.
- لقد كانت مدينة مليلية قاب قوسين أو أدنى من الريفيين، لكن عبد الكريم أمر قواته بعدم اقتحامها، ولتحقيق ذلك أرسل رجاله المخلصين لحماية أسوار المدينة ومنع المجاهدين من دخولها، حيث كان بعضهم قد بدأ في تخريب المنازل المتواجدة عند مدخل المدينة. وقرار عبد الكريم بعدم تحرير مليلية لا زال يطرح إلى اليوم العديد من التساؤلات، وكانت وراء هذا القرار عدة اعتبارات نذكر منها:
+ تفادي المسؤولية الدولية نظرا لوضعية المدينة.
+ عدم تقدير الحجم الحقيقي للقوات الإسبانية المتواجدة داخل المدينة وعدم معرفة المواقع التي يتحصن بها الإسبان…
+ تجنب ارتكاب جرائم وسط المدنيين الإسبان، خصوصا من قبل الملتحقين الجدد بالمقاومة.
بعد هاته المعارك التي انطلقت يوم فاتح يونيو وانتهت يوم 12 غشت سيتمكن الريفيون خلال 72 يوما من استرجاع ما احتله الإسبان منذ أزيد من 11 سنة، وسيتكبد الإسبان خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، (أزيد من 10000 بين قتيل وجريح، أسر أزيد من 1100، غنم 192 مدفعا و350 رشاشا و19504 بندقية، خراطيش الرصاص والمواد الغذائية والأدوية…)، وستعمل قيادة المقاومة على استثمار هذه الانتصارات في تقوية صفوف المجاهدين وتأطير الملتحقين الجدد، وعلى سن قوانين جديدة وتطوير الزراعة والتعليم وتقوية الشبكة الطرقية… ليتوج كل ذلك بالإعلان رسميا عن قيام جمهورية الريف.
وكانت لهذه لمعارك ولمعركة أنوال على وجه التحديد الكثير من التداعيات:
- فعلى مستوى المقاومة ساهمت انتصارات أنوال في الرفع من معنويات المجاهدين وتقوية الصفوف بانضمام عدد مهم من المقاتلين، كما أعلن العديد من أعيان القبائل دعمهم لحركة محمد بن عبد الكريم الخطابي وانخراطهم في المشروع المجتمعي قيد الإنجاز، وجعلت الريف يدخل التاريخ من بوابته الرسمية…
- أما على المستوى الإسباني فإن هزيمة أنوال مثلت كارثة حقيقية للإسبان وكان وقعها على الإسبان فضيعا حتى كاد جيشهم في الجبهة الشرقية أن ينهار كلية، مما دفع بالمسؤولين الإسبان إلى تغيير سياستهم الاستعمارية وتكثيف قواتهم والاستنجاد بالدول الأوروبية الأخرى لتحديث ترسانتهم العسكرية، كما دفعهم إلى اللجوء إلى أساليب قذرة في المعارك التي وقعت بعد أنوال (استعمال المواد الكيماوية وحرق المحاصيل واستهداف المدنين وتلويث المياه…)، واضطروا للتحالف مع الفرنسيين لكسب الحرب، كما كانت هزيمة أنوال وراء التغيير الذي طرأ على النظام السياسي الإسباني (من ملكية إلى جمهورية عسكرية بقيادة بريمو ذي ريفيرا سنة 1923) وسببا في اندلاع الحرب الأهلية الطاحنة سنة 1936.
- أما على المستوى الدولي فإن معركة أنوال قلبت مجرى الأحداث عالميا، فصدى أنوال وصل إلى الكثير من البلدان واستفادت منه العديد من حركات التحرر عبر العالم، وتبين للمستعمرين أن هزم المستعمر ممكن إذا ما توفرت الشروط وتوحدت الطاقات.
الحدث وتداعياته معركة أنوال: معطيات عن الحدث وتداعياته
المصدر - عمر المعلم: رئيس جمعية ذاكرة الريف
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire