في يوم 21يناير/كانون الثّاني من سنة1924 إهتزّت روسيا وذهل العالم يمينه ويساره وتوجّهت الأبصار لموسكو وتداعى قادة الثّورة البلشفيّة من كلّ حدب وصوب بعضهم يصطدم ببعض والوجوم باد على الوجوه والحيرة الدّامغة:الرّفيق لينين مات؛هذا ما تردّد وهذا ما يقوله الجميع وحيرة ما بعدها حيرة على الرّغم من يقينهم بحالته الصّحّية التي ستؤدّي لهذه النّهاية المحتومة إلاّ أنّ الخبر كان صاعقا بلا ريب جعل ذكريات تتداعى داخل كلّ بلشفيّ وإهتزازات داخل كلّ إنتهازيّ؛في كلمة:لم يكن الوضع على ما هو عليه.من هو لينين وهل كان يستحقّ ما ذرفه العمّال وطلائعهم من دموع؟
ولد فلاديمير أوليانوف الشّهير بلينين في نيسان/أبريل 1870 بمدينة سيميرسك الرّوسيّة لوالد متفقّدا لمعلّمي المدارس الإبتدائيّة وكان الثّالث من نصف دستة أطفال فمرّ يطفولة عاديّة وإلتحق بالدّراسة وكان جدّيّا منضبطا متفوّقا في تدرّجه الدّراسي؛إلتحق بجامعة كازن في نفس السّنة التي ألقي القبض فيها على شقيقه أكسندر بتهمة التّواطؤ لإغتيال القيصر ألكسندر الثّالث وليتمّ إعدامه في ماي من نفس السّنة وكان عضوا في جماعة تتبنّى الإرهاب الفردي وتكتيك الإغتيالات الموجّهة ونجحت من قبل في إغتيال القيصر ألكسندر الثّاني سنة 1881 الأمر الذي ترك أثرا حادّا في نفسه.
كانت روسيا القيصريّة في النّصف الثّاني للقرن التّاسع عشر تمرّ بمرحلة تحوّلات إنعكست على البنية الفوقيّة السّائدة وخلقت حراكا عامّا ونقاشات متعدّدة برزت فيها حلقات ثوريّة ومجموعات إشتراكيّة وحتّى حلقة ماركسيّة أسّسها بليخانوف منذ 1883 في جنيف بعد إتّصاله المباشر بإنغلس آنذاك تدعى:"مجموعة تحرير العمّال"في خضمّ تلك المجريات إذن إلتحق فلاديمير بالجامعة التي سرعان ما يتمّ طرده منها بسبب مشاركته في مظاهرات طلاّبيّة فيها,في كازان,إلتحق بحلقة ماركسيّة درس فيها مبادئ رأس المال ومؤلّفات هامّة جديدة مثل "ضدّ دوهرينغ لإنغلس"ومؤلّفات هامّة جعلت منه مفكّرا في ذلك السنّّ مثل الحرب الأهليّة في فرنسا الذي كثيرا ما كتب عنه.
إنتسب فلاديمير لجامعة سان بطرسبرغ كطالب مستقلّ سنة 1891 ليواصل فيها دراسته وينهيها بتفوّق وينال درجة المحاماة في نفس السّنة؛لم يتفرّغ فلاديمير لمهنته التي أهّلته الرّخصة والشّهادة الجامعيّة لممارستها إلاّ بضعة أشهر ليندفع إلى العمل الثّوريّ بلا كلل أهّله لتأسيس :"إتحاد نضال وتحرّر الطّبقة العاملة في روسيا"ممّا كلّفه في كانون الاوّل/ديسمبر 1895 الإعتقال والسّجن لمدّة سنة كاملة تمّ تزيينها بثلاث أعوام أخرى نفي لسيبيريا بعد أن وضع أوّل مؤلّفاته التي نبّهت العالم وبالأخصّ ثوريّي روسيا لعبقريّة هذا الرّجل وهو كتاب:"من هم أصدقاء الشّعب؟"ناقض فيه ما يروج من أفكار إقتصاديّة/إجتماعيّة وسياسيّة رائجة في الأوساط الثوريّة آنذاك وكان المنفى بالنّسبة لثوريّ لا يتعب فرصة للإنكباب على صياغة واحد من أهمّ المؤلّفات التي شكّلت فيما بعد أحد قواعد تأسيس الحزب وهو:"تطوّر الرّأسماليّة في روسيا"الذي صدر في أبريل/نيسان 1899 وكان قد تزوّج قبلها وهو في المنفى مع رفيقته ناديزدا كروبسكاياسنة 1898 نفس السّنة التي إنعقد فيها مؤتمر التّأسيس لحزب العمّال الإشتراكيّ الدّيمقراطيّ الرّوسي بمدينة منسك الذي لم ينهي أشغاله بحكم إقتحام قاعة المؤتمر من الأمن وإيقاف كلّ المؤتمرين.
تنتهي سنوات النّفي لفلاديمير مع إشتداد القبضة الأمنيّة ممّا حدا به للمغادرة نحو سويسرا سنة 1900 ثمّ ألمانيا حيث إلتقى بليخانوف فعملا على إنشاء الإيسكرا اللّسان المركزيّ للحزب وعلى نشر مؤلّفات ماركس وإنغلس وإنتقل نشرها مرار من ألمانيا لبريطانيا لسويسرا لكنّها لم تتوقّف وإزدادت زخما خاصّة مع التّحضيرات الحثيثة لإنعقاد المؤتمر الثّاني لحزب العمّال الإستراكي الدّيمقراطي المزمع عقده سنة 1903 وأوكل إلى لينين ؛كما صار يعرف وطنيّا وأمميّا؛ مهمّة إعداد برنامج الحزب وإنعقدت الأشغال في بروكسال ولم يستطع مواصلة المؤتمر للمحاصرة الأمنيّة ممّا جعل المؤتمرين ينهون أعمالهم في لندن بحضور 44مندوبا حزبيّا مثّلوا 24 منظّمة حزبيّة(لجان)ليبرز بعده الإنشقاق التّاريخي بين أغلبيّة"بلاشفة"وأقلّيّة"مناشفة"يتزعّمها مارتوف وعنوان الإنشقاق مضمون القانون الأساسي للحزب وتحديدا الفقرة المتعلّقة بتحديد العضويّة حيث حدّد لينين شروطا واضحة نقضها مارتوف تحت تأثير الرّغبة في تخريط كلّ من يمتلك طاقة نضاليّة يتعاون مع الحزب في حين أنّ لينين كان صارما بالتّنصيص على ضرورة تحمّل مسؤوليّة حزبيّة بالإنظمام لإحدى منظّمات الحزب علاوة على الموافقة النصّيّة بعد الإقتناع على القانون الأساسي والبرنامج ودفع معلوم عضويّة وكانت أولى المحاولات .الواضحة للتّحريفيّة جعلت من بليخانوف نصيرا للمناشفة ومن تروتسكي مصوّتا لهم وتسبّبت في إستقالة لينين من رئاسة تحرير الإيسكرا التي حدث نزاع حول توسيع أو تحديد أعضاء رئاسة تحريرها
في التّاسع من يناير/كانون الثّاني سنة1905بدأت سلسلة مداهمات أمنيّة ومذابح إرتكبتها القوّات القيصريّة في بترسبورغ ممّا تسبّب في ثورة1905 التي حلّل لينين أطوارها ودوافعها ونتائجها وأسباب إنكسارها منصّصا على الدّور الهامّ الذي قامت به الجماهير البروليتاريّة المنتفضة والتي تحمّلت وطأة القمع الدّموي فيما بعد والذي طال زعماء تلك الإنتفاضة ومنهم لينين الذي كان، بعد أن عاد في نوفمبر 1905 ليشارك في تنظيم الجماهير،مجبرا على الهجرة القسريّة سنة 1907 بعد فترة السّريّة التي عاشها وكانت أوضاع الحزب سيّئة كما تقول تروبسكايا في مذكّراتها حيث عمّ التفكّك وإنتكس عدد هامّ من الثّوريّين تحت وطأة القمع وطالب البعض بمقاطعة النّشاط العلني ودخل البعض الآخر في دوّامة تفلسف مثاليّ يشكّك حتّى في المادّيّة والدّيالكتيك دفع الرّفيق فلاديمير لينين للرّدّ عليهم في كرّاسه الهامّ والذي إعتمده عديد الإيبستيمولوجيّون فيما بعد وهو:"المادّيّة ونقد المذهب التّجريبيّ"الصّادر سنة 1908 (كما أوردت لنا دار التقدّم ومنها أعتمد تواريخ الإصدار)ومن جديد كان على الرّفيق البدأ من جديد معتمدا على دستة ثوريّة نحتتها الظّروف الثّوريّة والتمرّس في أعمال الصّراع الطّبقي مستفيدة من خبرة تجربة ثوريّة ميدانيّة ومن تعاقب القمع عليها وكان هدفها تطهير الحزب من كلّ شوائب فكر بورجوازيّ أو إنحراف يمينيّا حينا ويسراويّا حينا آخر يبرز تحت تأثير القمع وحالة الجزر العامّة
في أواخر 1910؛برزت حالة جديدة من المدّ الثّوريّ في روسيا وتوضّح بلا رجعة إنشقاق بلاشفة/مناشفة بتأسيس جماعة مارتوف حزبا خاصّا بهم وإنهمك البلاشفة في نضالهم الذي جعل منهم منظّمين حزبيّا لحوالي 80%لعموم العمّال الثّوريّين وأصدروا "البرافدا"لسنا مركزيّا لهم وتمكّنوا من إيصال ستّة مناضلين لمجلس الدّوما في إنتخابات تفتقد المصداقيّة دخلوها في ظرف خاصّ وشروط خاصّة حدّدها لينين ولتنتهي هذه الفترة التي تابعها لينين موجّها وكاتبا ومناضلا من منفاه بإندلاع الحرب الكونيّة الأولى التي تسبّبت في إنشقاق حزب العمّال الإشتراكي الدّيمقراطي الرّوسي عن الأمميّة الثّانية التي صوّتت مع قرار المشاركة في حرب إعتبرها لينين حربا إمبرياليّة الهدف منها إعادة تقسيم مناطق النّفوذ ومجالات النّهب الرّأسمالي وناقة ولا جمل للبروليتاريا المختنقة فيها وعليه فالنّضال ضدّ هذه القوى أولويّة ثوريّة معتبرا أنّ الكفاح الحقيقي ضدّ الإمبرياليّة التي حدّدها في كتابه الشّهير:"الإمبرياليّة أعلى مراحل الرّأسماليّة"سنة 1916 هو الكفاح ضدّ الحكومة المحلّيّة وصاغ دعوته التي تردّد صداها:"لتتحوّل الحرب الإمبرياليّة لحرب أهليّة ضدّ الرّأسماليّين" وقضّى تلك السّنوات في دراسة الماركسيّة وتبادل المراسلات مع ماركسّيي أوروبا والكتابة في صحيفة الحزب وبحلول سنة 1917؛وجرّاء تبعات وتكاليف الحرب التي تخوضها روسيا القيصريّة بسلسلة هزائم،تفجّرت الأوضاع إجتماعيّا في شباط/فيفري حيث شهدت شوارع المدن الكبرى القيصريّة توقفا للعمّال في ذكرى اليوم العالمي للمرأة وتتحوّل لمظاهرا ضخمة تطوّرت بارتباط مع هشاشة النّظام المنشغل بأعباء الحرب غربا وبوجود قوى سياسيّة لتصبح إنتفاضة ضدّ القيصريّة حيث رفع العمّال شعار"نريد الخبز"ولتسقط الحرب/لتسقط القيصريّة"وسرعان ما يتهاوى نيكولاي الثّاني وتقوم حكومة لفوف رسميّا وسفياتات شعبيّا وتتطوّر الأوضاع مع إحتدام الصّراع الطّبقي وطنيّا وأمميّا وينفّذ البلاشفة ثورتهم في أكتوبر1917 ويعود لينين من منفاه في زوريخ بسويسرا عبر فنلندا بالقطار ويصل بتروغراد ليشرع في تثبيت ما ورد في "رسائل من بعيد" محيّياً الجماهير بقوله:"لتحيا الثّورة البروليتاريّة" وتستلم الحكومة الثوريّة مجتمعا هو الحلقة الأضعف في المنظومة الرّأسماليّة منهارا على جميع الأصعدة وفي اليوم من حكمها،أعلنت الحكومة السّفياتيّة قرارها الشّهير بمرسوم الأرض والشّروع في إعادة الجنود بعقد هدنة وفضح إتّفاقيّة سايكس بيكو ولم تسمح الإمبرياليّة بالرجّة الثّوريّة التي تتهدّدها فأنهت الحرب فيما بينها وأعلنت هجومها موحّدة على الحكومة السّفياتيّة الفتيّة بقيادة الرّفيق لينين لتقوم حرب أخرى واجهها الحزب البلشفيّ بكفاءة وبتضحيات جماهير روسيا وبحنكة البلاشفة وزعيمهم لينين الذي تعرّض هو نفسه لمحاولة إغتيال في 30أغسطس/آب 1918 و يتمّ الشّروع في شيوعيّة الحرب والنّيب لحين الإنتهاء من الثّورة المضادّة سنة 1922 التي أصيب في ربيعها الرّفيق لينين بشلل نصفي سرعان ما عاد إليه بعد أن كاد أن يشفى منه في نهاية العام وفي مارس 1923 أصيب بجلطة جديدة ألزمته الفراش دون التوقّف عن الكتابة رغم توصيات اللّجنة التّنفيذيّة للحزب بتوقّفه عن العمل ويفقد الرّفيق القدرة على الكلام ويكون المصاب الجلل حيث وجمت الوجوه ويبكي قادة الثّورة رفيق دربهم وتتداعى أفواج العاملات والعمّال وتخرج الهيئة الطبّيّة معلنة وفاة أحد معلّمي البروليتاريا ذات صباح 12يناير/كانون الثّاني 1924.
ترك لينين إرثا مكتوبا تمّ تجميعه في مجلّدات تجاوزت في بعض الطّبعات الثّلاثين بأربعة أو ستّة أجزاء حسب دور النّشر منها: من هم أصدقاء الشعب ؟
تطور الرأسمالية في روسيا مالعمل ؟ خطوة للأمام وخطوتان للوراء- تكتيكان اشتراكيان ديموقراطيان في الديموقراطية المادية والنقدية التجريبية الأمبرياليه- أعلى مراحل الرأسماليه أطروحات نيسان-آبريل الدولة والثورة المهام العاجلة للسلطة السوفيتية الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي اليسارية مرض الشيوعية الطفولي أهمية المادية النضالية - عن التعاون الأفضل أقل ولكنه الأفضل هذا إضافة لمئات المقالات والمراسلات التي شكّلت بحقّ إضافة
وفهم عميق للماركسيّة التي يشكّل وفق لينين الدّيالكتيك الثّوري عنصر ديناميّتها
http://www.alnoor.se/article.asp?id=100353
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire