تنبؤات سمير امين
روزا موسوي: الأحداث التي تهز مصر وتونس هل هي مجرد "انتفاضات شعبية" أم أنها تعلن عن دخول هذه البلدان في عمليات ثورية؟
سمير أمين: إنها انتفاضات شعبية تحمل في طياتها إمكانية تبلورٍ لبدائلٍ، قادرة على المدى البعيد أن تضع نفسها في مسارٍ اشتراكي. وهذا هو السبب الذي يجعل النظام الرأسمالي، أي رأسمال الاحتكارات المسيطرة على المستوى العالمي، لا يتساهل إزاء تطور هذه الحركات. كما سيحشد كل وسائل زعزعة الاستقرار الممكنة، من الضغوط الاقتصادية والمالية إلى التهديد العسكري. وسيدعم، تبعاً لما تقتضيه الظروف، البدائل الخادعة الفاشية أو التي تميل للفاشية، أو وضع دكتاتوريات عسكرية. يجب أن لا نصدق أي كلمة مما يقوله أوباما. إن أوباما هو جورج بوش، لكن مستخدماً لغةً أخرى. وهنا نواجه إزدواجية دائمة. وفي الواقع، إنه في حالة مصر، ساندت الولايات المتحدة النظام. ويمكن أن ينتهي بها الأمر إلى أن ترى أنه من الأكثر فائدة لها أن تضحي بشخص مبارك. لكنها لن تتخلى عن الحفاظ على الشيء الأساسي: النظام العسكري والبوليسي. ومن الممكن لها أن تفكر في تعزيز هذا النظام العسكري والبوليسي بفضل تحالف مع الإخوان المسلمين. وفي الواقع، أن المسئولين في الولايات المتحدة يحملون في أذهانهم النموذج الباكستاني، الذي ليس هو بنموذج ديمقراطي، ولكنه خليط بين سلطة إسلامية ودكتاتورية عسكرية. وعلى كل حال، فإنه في حالة مصر، فإن جزء مهم من القوى الشعبية التي تحركت تدرك تاماً هذه التوجهات.
هذه الانتفاضات هي على وجه الخصوص من صنع شباب لا يشعر بالأمان، وخريجين عاطلين عن العمل. ما هو تفسيرك لها؟ كانت مصر عبد الناصر تمتلك نظاماً اقتصادياً واجتماعيا قابلاً للنقد، إلا أنه نظام متماسك. راهن عبد الناصر على خلق نظام صناعي بغرض الخروج من التخصيص الصناعي الاستعماري العالمي الذي كان يحصر البلاد في تصدير القطن. تمكن هذا النظام من ضمان توزيع جيد للدخول لصالح الطبقات الوسطى، لكن دون إفقار للطبقات الشعبية. هذه الصفحة انطوت عقب الهجمات العسكرية في 1956 و1967 التي حشدت فيها إسرائيل قواتها. عمل السادات ومن بعده مبارك بصورة أكبر على تفكيك النظام الإنتاجي المصري، الذي وضعا عوضاً عنه نظاماً خالياً تماماً من التماسك، يقوم أساساً على البحث عن الربح. إن معدلات النمو المصرية التي يقال عنها مرتفعة، والتي يشيد بها البنك الدولي منذ عشرين عاماً، ليس لها أي وزن. إنها ليست سوى ذرٍ للرماد في العيون. إن النمو المصري ضعيف للغاية، ويعتمد على السوق الخارجية وعلى تدفق رؤوس الأموال النفطية الآتية من بلدان الخليج الريعية. ومع أزمة النظام العالمي، تجلى هذا الضعف في حدوث اختناق مفاجئ. اصطحب هذا النمو ارتفاع لا يصدق في الفوارق وارتفاع في البطالة، التي تعصف بغالبية الشباب. كان هذا الوضع قابلاً للانفجار، ثم انفجر. أما ما يحدث الآن، بخلاف المطالب الأولى الخاصة بسقوط النظام وإقامة الحريات الديمقراطية، فإنه معركة سياسية.
لماذا أصبح الإخوان المسلمون يحاولون أن يظهروا كـ"معتدلين"؟
لأنه طُلب منهم أن يؤدوا هذه اللعبة. إن الإخوان المسلمين لم يسبق لهم أبداً أن كانوا معتدلين. إنهم لا يمثلون حركة دينية، وإنما حركة سياسية تستخدم الدين. لعبت هذه الحركة منذ تأسيسها في عام 1920 بواسطة البريطانيين والنظام الملكي دوراً نشطاً كأداة مضادة للشيوعية، مضادة للتقدم، مضادة للديمقراطية. إن هذا هو سبب وجود الإخوان المسلمين، وهم يجاهرون بذلك. ويؤكدون علناً: إنهم إذا ما كسبوا انتخابات، فإنها ستكون الأخيرة، لأن النظام الانتخابي هو نظام غربي مستورد يتعارض مع الطبيعة الإسلامية. إنهم لم يتبدلوا نهائياً على هذا الصعيد. ففي الواقع، إن الإسلام السياسي ظلّ دائماً مدعوماً من الولايات المتحدة. لقد قدم الأمريكان الطالبان في الحرب ضد الاتحاد السوفيتي كأبطال للحرية. وحينما أغلق الطالبان مدارس البنات التي أنشأها الشيوعيون، كانت هناك حركات نسوية في الولايات المتحدة توضح بأنه لا بد من احترام "تقاليد" هذا البلد. وهذا يُعد لعبة مزدوجة. فهناك الدعم من ناحية. ومن ناحية أخرى،هناك توظيف تطرف الأصوليين الطبيعي في تغذية نبذ المهاجرين وتبرير العدوان العسكري. وبناءً على هذه الاستراتيجية، لم يحارب نظام مبارك الإسلام السياسي مطلقاً. بل بدلاً عن ذلك، أدرجه في النظام الذي يقوم عليه.
هل باع مبارك المجتمع المصري بالباطن إلى الإخوان المسلمين؟
بكل تأكيد. لقد أسند إليهم ثلاث مؤسسات أساسية: القضاء، التعليم والتلفزيون. لكن النظام العسكري يريد أن يحتفظ لنفسه بالإدارة، التي طالب بها الإخوان المسلمون. إن الولايات المتحدة تستخدم هذا الصراع البسيط داخل التحالف بين العسكريين والإسلامويين لتضمن إنصياع كلا الطرفين إليها. إن الشيء الأساسي أنهم جميعاً يقبلون بالرأسمالية كما هي. إن الإخوان المسلمين لم يفكروا مطلقاً في تغيير الأمور بشكلٍ جاد. فحينما حدثت الإضرابات العمالية الكبرى في 2007-2008، صوّت نوابهم إلى جانب الحكومة ضد المضربين. وفي مواجهة نضالات الفلاحين المطرودين من أرضهم على يد كبار الملاك العقاريين، وقف الإخوان المسلمون ضد حركة الفلاحين. فالملكية الخاصة، وحرية الشركات والربح هي أشياء مقدسة بالنسبة إليهم.
ما هي أهدافهم على مستوى الشرق الأوسط؟
إنهم جميعاً سهلو القياد. إن العسكريين مثلما هو الحال بالنسبة للإسلاميين يقبلون بهيمنة الولايات المتحدة في المنطقة وبالسلام مع إسرائيل كما هو عليه. وكلاهما سيواصل التأكيد على هذا التساهل الذي يسمح لإسرائيل بمواصلة استعمار ما تبقى من فلسطين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire