بقلم: *لحسن سويري
أن تكون أستاذا متدرّباً في المغرب يعني أن..تملك أبوين رائعين تفانوا ليعيشوا معك عيشا كريما..وعندما كنت طفلا كان حلمهما أن يروك رجل ذو مكانة اجتماعية ووظيفة فقط..نعم هكذا أراود أن تكون..لكن قبل ذلك لم يخفوا سعادتهم واستمتعوا بتلك اللحظات التي يستقبلونك فيها عائدا من المدرسة..على أمل أن تشرّفهم يوماً ببلوغك أسمَى الدرجات العلمية..وتنال بعدها تلك الوظيفة التي غالبا ما يرغبون ويتمنون أن تكون عند المخزن ..لتحصل من خلالها على راتب قار..وبعده على تقاعد بعد أن تكونَ قد أدّيت عملكَ ومسؤوليتكَ لسنوات طويلة فوق كرسي هش..قد يجعلك تكره الجلوس ما تبقى من عمرك.
أن تكون أستاذًا متدرّباً في المغرب يعني أن.. تقاَتل ليس لأجل تحقيق حلم أبويك فقط..بل لأجل حلمك أنتَ ولأجل مجتمعك أيضاً..حينها تكون قد تحمّلت تعب الدراسة ومصاريفها وسهرت اللّيالي..واكتفيتَ بالسكن في غرفة أبعادُها الضيق وما يحمل معه من مشاكل..ويحدث في مرات كثيرة أن تجد رِجل صديقك فوق بطنك..أو يفاجئك وهو غارق في النوم بصفعة عفوية فوق رأسك..الذي كان منذ تلك اللحظة يتدرّب على تلقي إحدى هراوات الأمن مستقبلًا.
أن تكون أستاذا متدرّباً في المغرب يعني أن..يحدثَ كل هذَا وأنت مازلتَ تقاتل وتقاتل..حتى لا تعود إلى والدَيك وملامح الحزن بادية على وجهكَ..بعد أن تعودوا على استقبالكَ بعناق و ابتسامة متبادلين.
أن تكون أستاذا متدرّباً في المغرب يعني أن..تصبح رجلاً وقد راكمتَ تجربة في الحياة ..والتهمَ جسدك مجموعة من الشواهد العلمية..جعلتك ترتقي درجات..ووضعتك أيضا أمام مجموعة من الخيارات منها الغير المرغوب فيها..كاللجوء للعمل في أوراش البناء مقابل أجر زهيد..وأخرى كانت الهدف المنشود منذ أن تعلمت لأول مرة كيفية نطق الحرف الأول بشكل سليم..وهي انتظار مباريات ولوج أحد المراكز لمهن التربية والتكوين..و إن شاءت الأقدار وتضمّنت لائحة المقبولين اسمكَ..فهنَا تكون قد حكمتَ على نفسكَ بفصول أخرى من المعاناة تعيشها لاحقاً..ويكون الفاصل بينكَ وبين حلمكَ نضال مستمر وهراوات تتلقاها قريباً.
أن تكون أستاذا متدرّباً في المغرب يعني أن..تتوالى الأشهر عليك..وتجد نفسكَ تسلك الطريق الصحيح.. وبات الحصول على وظيفة عند المخزن وإسعاد عائلتك التي كانت تنتظر ذلك بشغف كبير..أٌقرب من أي وقت مضى..لكن يتحتم عليك قبل نيلها مواجهته والوقوف في وجهه لأجل غير معروف.
أن تكون أستاذا متدرباً في المغرب يعني أن..تكون مجبرا على إجراء مباراة للولوج إلى الوظيفة..بعد أن تحصل على شهادة نتيجة لسنة من التكوين قضيتها داخل أصوار أحد المراكز الجهوية للتكوين الأساتذة.. يعني أن تجد نفسك مضطر لتنقل بين المدن للمشاركة في المسيرات في غير أوقات السفر وبجيب مثقوب..وعندما تخرج في مسيرة احتجاجية سلمية..يسلط عليك من علمتهم أبجدية الحروف لأول مرة..فيكسرون عظامك وفي الأخير يكذبون ما التقطته الكاميرات..لتستمر المعركة دون أن تستطيع توقع نتائجها.