يعري الرفيق الطاهر الدريدي من خلال المقال التالي المسرحية المصطنعة من وراء تهويل حرق المصحف والذي تبتغي من ورائه الامبريالية المزيد من تخدير العالم في أتون أفيون الشعوب، فلا تنتبه البروليتاريا المستعبدة المقموعة للموجة القادمة من الاستعباد والقمع والاستغلال فيضل الصراع الطبقي خامدا وتضل الحركة الثورية البروليتارية جامدة
مسرحية مصطنعة
فما الغرض من زوبعة التهويل الإمبريالية ؟
تخبرنا الرواية أن القرآن قد جاء عبارة عن سور وآيات في شكل كلام يتم قوله وترديده تم حفظه.
كما يخبرنا التاريخ كذلك أن الرسول لم يكن قارئا أو كاتبا، مثله مثل الكثير من معاصريه بشبه الجزيرة العربية. ولم تبرز الحاجة إلى تدوين القرآن سوى في عهد عثمان بن عفان، وفي عهده فقط أصبح للمسلمين المصحف كتاب دون القرآن . ولم يحدث هذا سوى بعد موت الرسول وأقرب المقربين إليه وهم أبو بكر تم عمر.
ولقد كان من الطبيعي أن يحافظ المسلمون على كتابهم المقدس القرآن مثلما تحافظ كل الديانات على كتبها (الإنجيل بالنسبة للمسيحية والثوراة بالنسبة لليهودية...) وصيانتها من خلال كتابتها على الورق ونقشها على جدران البنايات وفوق الخشب ومختلف الأحجار و الأواني المعدنية...، ومع تقدم العلوم أصبح بالإمكان حفظ القرآن مثل أي كتاب أو مخطوط آخر في أشرطة مسموعة أو مرئية أو على الرقائق أو الأقراص المدمجة، بل أصبحت هناك مؤسسات قائمة بذاتها وتمول بملايين الدولارات النفطية، لاتسهر على شيئ آخر غير حفظ القرآن.ويدخل الأمر في إطار السيادة الطبقية عبر تقوية الهيمنة الإديولوجية على المجتمع.
كما أصبح بالإمكان طبع ملايين النسخ من المصحف وملايير الأشرطة والأقراص المدمجة الحاملة للقرآن المجود والمرتل التي يروجها آلاف الباعة المتجولون في مختلف الأسواق والشوارع والحافلات وغيرها.
وبالتالي ومع هذا التطور العلمي والتكنولوجي والذي يرجع الفضل فيه للجنس البشري بمختلف دياناته ومعتقداته بما فيها الدهرية منها، لا يمكن للقرآن إلا أن يبقى محفوظا مدى الزمان كغيره مما نريد حفظه من الكتب الدينية أو العلمية أو الفنية أوغيرها وهذه هي الحقيقة العلمية التي لا يمكن أن ينكرها سوى جاحد أو جاهل.
ومن هنا فلا خوف نهائيا على القرآن أو غيره من الكتب الدينية أو ما دونها من الكتب والمخطوطات، سواء أحرقها ذلك القس المسمى تيري جونز أو غيره.
لذلك فإن ما أثير حول المسألة ليس سوى زوبعة في فنجان يراد من وراءها خدمة مآرب أخرى للسياسة الإمبريالية الأمريكية.
إن المشين في الأمر ليس هو إعلان ذلك الراهب عزمه ورغبته في إحراق القرآن . فكم هو عدد المصاحف والمخطوطات القرآنية التي أحرقت وأتلفت منذ ظهور الدين الإسلامي وحتى الآن؟
أكيد أن عددها سوف يكون بمآت الملايين، ولم يكن إحراقها وإتلافها يثير مثل هذه الزوابع.
لقد دمرت أمريكا العراق ومنازل العراق ومساجدها وكنائسها، وأشعلت النار في الشجر والحجر والبشر،فلماذا لا يتسائل أحدهم عن كم أحرقت أمريكا (الطاعون، حسب قول الشاعر) مع أولائك الضحايا من المصاحف؟
و لماذا لم تهتز مشاعر المسلمين لأولائك البشر المحروقين والكتب المقدسة المحروقة معهم؟
تم لماذا لم يتدخل إثرها رئيس دولة أمريكا أورئيس أية دولة أخرى ليوقف إحراق البشر والمصاحف؟
نفس الشيئ قامت به إسرائيل ضد غزة. فكم أحرقت هي الأخرى من المصاحف ، هي التي سبق لها وأن أشعلت النار في الأقصى؟
إنها ليست سوى زوبعة إمبريالية أمريكية خطيرة بشحنات إديولوجية غيبية خطيرة،لها آثار أخطر من الأفيون بل وأخطر من أقوى المخدرات، تستهدف الشباب والأطفال والنساء وعامة الناس البسطاء.
تم حتى إذا ما لو أن ذلك الراهب المغمور، الأحمق والمعتوه، نفد وعده و أحرق نسخا من القرآن، فسوف لن يحرق في حقيقة الأمر سوى قطعا من الورق والحبر الجاف الممددعليها في شكل حروف وكلمات وبعض الزخارف التي تزين بها المصاحف.
ولنتساءل أي أثر كان سوف يكون لذلك على الدين الإسلامي وعلى المسلمين وأي أثر كان سيكون لذلك على الدين المسيحي وعلى المسيحيين؟
وحتى لو أنه،أي ذلك القس، قام بما ينوي القيام به،وأحرق القرآن، فهو لن يظهر أكثر مما أظهر لحد الآن من ندالة وعنصرية،جسدها بعدم إحترامه للحق في المعتقد لمئات الملايين من المسلمين ذلك الحق المضمون بموجب مختلف الشرائع والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
إن المثير والمشبوه في الأمر حقا، ومبعث كل التساؤلات المشروعة، هو الدافع وراء هذا كله . ولماذا كل هذه الزوبعة الإعلامية والسياسية المثيرة للتعصب الديني، الذي يضاهي في خطورته المجازفة باللعب بالنار.
ألم يعد سواء للمسيحيين أو المسلمين في حياتهم الإجتماعية وحياة عائلاتهم وأبنائهم، من شيئ آخر يهتمون به غير مثل هذه التفاهات بل والحماقات؟
إن تصريحات ذلك القس وما أعلن عنه من نوايا بحرق نسخ من القرآن، تم ما أثاره ذلك من ردود فعل على المستوى الدولي إنما يبرز مستوى التطرف والتعصب المعشعش في بعض المجتمعات الرأسمالية، وعدم إقامة أي اعتبار للآخر وإحترام رأيه ومعتقده.كما يبرز كذلك مستوى التعصب الذي تعيشه بعض المجتمعات الإسلامية لدينا.
وفوق هذا كله، إنما يفضح هذا نوع ومستوى الـتأطير المجتمعي ومدى الضحالة الفكرية التي يسير نحوها المجتمع البشري، الذي أصبح رهينة في يد الرأسمالية ومؤسساتها، توجهه كما تشاء بهدف وحيد و أوحد يتمثل في استهلاك منتوجاتها، ضمانا لتدوير آلتها الصناعية والتجارية والمالية وغيرها من الآليات المدرة للأرباح.
الدريدي الطاهر
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire