La marche ouvrière
contre l'arbitraire
Depuis des semaines des dizaines d'ouvriers et d'ouvrières de la société SOPHACA (ci-dessous des informations sur SOPHACA et sur l'origine du conflit) sont en sit in illimité devant les locaux de la dite société, protestant ainsi contre les agissements arbitraires de celle-ci.
Le mercredi 13 janvier, et avec la participation de certains cadres nationaux de l'UMT, les victimes de l'arbitraire patronal ont organisé une marche du siège de la société à la préfecture de Sidi Maârouf. Rappelons que les différentes administrations concernées par ce type de conflit sont complices du patron.
Ces dizaines de prolétaires luttent dans des conditions difficiles
LA SOLIDARITE NOUS INTERPELLE
Ali Fkir
Victimes de l'arbitraire du patron
Victimes de la complicité de l'Etat
Au Maroc, dans le "monde de travail", c'est l'arbitraire patronal qui prédomine dans les relations "sociales". La seule chose qui intéresse les patrons reste la maximisation du profit, la dite maximisation qui ne peut être atteinte que par l'extorsion effrénée de la plus-value. Par la surexploitation de la force de travail et avec la bénédiction de l'Etat qui n'est là que pour imposer "la paix sociale".
Les dizaines d'ouvriers et d'ouvrières de SOPHACA (Sidi Maârfouf, casablanca), société de distribution des produits pharmaceutiques, sont aujourd'hui victimes de décisions arbitraires et d'agissements illégaux du capitaliste.
Pour poser leurs problèmes et discuter avec la direction de la société de leur situation catastrophiques (pas de SMIG dans plusieurs cas, non rémunération des heures supplémentaires, non déclaration à la CNSS, absence d'assurance contre les accidents de travail, remplacement illégal des "uséEs" par des "vierges"... ), les ouvriers et les ouvrières de SOPHOCA ont rejoint les 25/10/2009 le syndicat UMT, ont élu leur bureau selon la loi en vigueur. La réaction du patron ne s'est pas faite attendre. Allergique, comme la plus part des patrons marocains au syndicalisme, le patron refuse de discuter avec les représentants des salariés, multiplie ses actes répressifs.
Aujourd'hui des dizaines d'ouvriers et d'ouvrières sont en sit in légitime devant les locaux de la société. Les administrations de l'Etat auxquelles incombe la charge de l'application la législation de travail sont complices du patron, puisque elles ne font rien pour imposer au dit- patron le respect du code de travail malgré ses nombreuses tares.
Condamnons l'arbitraire patronal
Dénonçons la connivence Etat-patrons
Exprimons notre solidarité avec les prolétaires, victimes de cette connivence
LA SOLIDARITE NOUS INTERPELLE
ALI FKIR (3 décembre 32009)
samedi 30 janvier 2010
النهج الديمقراطي الكتابة الوطنية : رسالة مفتوحة حول الإعلام
النهج الديمقراطي الكتابة الوطنية
رسالة مفتوحة حول الإعلام
توصلت جريدة النهج الديمقراطي في شخص مديرها الرفيق عبد الله الحريف برسالة موقعة من طرف رؤساء الفرق البرلمانية التالية : حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والأصالة و والمعاصرة والأحرار والحركة الشعبية.
والرسالة هي عبارة عن نداء هذه الفرق" لتنظيم حوار وطني موسع حول دور ومستقبل وسائل الإعلام في المجتمع المغربي".......
وفي إجتماعها العادي ليوم 16/01/20010 ،تدارست الكتابة الوطنية للنهج الديمقراطي هذه الدعوة ،فقررت عدم مشاركتها في هذا الحوار مع توجيه هذه الرسالة المفتوحة في الموضوع للرأي العام الوطني ولجميع المهتمين بقطاع الإعلام ببلادنا.
إننا في النهج الديمقراطي نعتبر أن من الضروري توفير الشروط السياسية الأدنى قبل إطلاق أي حوار وطني حول الإعلام ببلادنا ،وذلك لكي نضمن لهذه المبادرة المصداقية والجدية.
1 - محنة الإعلام الديمقراطي بالمغرب
يعيش الإعلام ،وخاصة الديمقراطي منه ببلادنا في الفترة الراهنة ،وضعية القمع والتضييق والخنق .وهذه الوضعية تعد ترجمة ملموسة وتجسيدا لسياسة قمع حرية الرأي والتعبير بالمغرب.
فلا مفر من الاعتراف بواقع الحال هذا ومن أجل معالجته فورا وبدون تأخير.
* إننا في النهج الديمقراطي نرفض المشاركة في ذلك الحوار لأن الدعوة له صادرة عن قوى برلمانية مساهمة أو مساندة لحكومة مسئولة عن واقع القمع الذي يتعرض له الإعلام الديمقراطي أو الإعلام الغير موالي...إنهم يفعلون كمثل الذي يقتل الميت ويسير في جنازته ...إنها لعبة خلط الأوراق التي نرفضها وندعو باقي الفرقاء إلى عدم تزكيتها .إننا لم نسمع من هذه الفرق البرلمانية وأحزابها إستنكارا واضحا لهذه الأمواج المتلاطمة من القمع الذي يتعرض له الإعلام الديمقراطي ببلادنا...فكلامهم عن دعم الإعلام و...سيبقى بدون مصداقية.
* لفتح نقاش وطني جدي من أجل دعم الإعلام ببلادنا ومن أجل ترشيده، لابد من توفر الإرادة السياسية التي تحمي الحقوق الديمقراطية لشعبنا وعلى رأسها حرية التعبير وحرية إبداء الرأي بعيدا عن فزاعة المقدس. إن التطورات الأخيرة والإعتقالات والمحاكمات المنصوبة لجرائد وصحفيين مغاربة كافية للتدليل عن خطورة التراجعات عن تلك المكتسبات البسيطة التي إنتزعها شعبنا عبر تضحيات مناضليه وقواه الحية.
* فمن أجل إطلاق نقاش مسئول لابد من توفير الشروط السياسية الملائمة له وعلى رأسها إطلاق سراح الإعلاميين المعتقلين وإلغاء الأحكام الجائرة والمتابعات في حق منابر إعلامية وصحفيين...وإلتزام الدولة بتطبيق وإحترام حرية الرأي والتعبير.
2- الإعلام العمومي محتكر من طرف الدولة المغربية
فقبل الكلام عن الحوار بشان الإعلام ببلادنا ،لابد من تسليط الضوء على الخلل الفاضح والمتمثل في الاحتكار الذي تقوم به الدولة المغربية للإعلام العمومي .
إننا في النهج الديمقراطي ممنوعون من حقنا في الأعلام العمومي والذي نعتبره ملكا لشعبنا ولا يحق للدولة أن تحتكره لنفسها أو تسخره للأحزاب الموالية .والحالة هذه ، فإننا نرفض المشاركة في ذلك الحوار لأننا نرفض أن نكون كومبارس لمسرحية تستبلد ذكاء جماهير شعبنا أو تستغفل قطاع الإعلام الديمقراطي ببلادنا.
و من أجل توفير الشروط السياسية الملائمة لنقاش جدي حول وضع الإعلام ببلادنا وجب فتح مجالات الإعلام العمومي أمام النهج الديمقراطي وكل القوى المحرومة منه إلى حد الآن.
3- الإعلام الديمقراطي في المواجهة.
إن الإعلام الديمقراطي ببلادنا يخوض معارك ضارية ضد الرجعية وقواها القمعية ،وذلك مند بدايات سنوات الاستقلال الشكلي ،ولازال المشتغلون في هذا المضمار يؤدون ضريبة الدفاع عن المواقف النبيلة صونا لكرامة شعبنا ودودا عن حقوقه بالكلمة الشجاعة. لذلك لا يمكن لهذا الإعلام الديمقراطي إلا التعويل على نفسه و على القوى الديمقراطية الحقيقية من أجل إنتزاع الحقوق وصيانة المكتسبات .
ولهذا فإننا في النهج الديمقراطي نعتبر تلك الدعوة لن تثمر أية نتيجة لأنه سرعان ما سيطوي النسيان خلاصاتها لأنه ليس المهم الخلاصات بقدر ما يهمهم الكم الهائل من الندوات والحوارات .أليست هذه من آليات الديمقراطية الشكلية ديمقراطية الواجهة؟
لكننا في الوقت الذي نرفض فيه سلك طريق الحوارات الشكلية والعقيمة وخلط الأوراق والمساواة بين من يجلد الإعلام وبين الضحية ،فإننا ندعو جميع المسئولين عن المنابر الإعلامية وكل المشتغلين في مجال الإعلام الديمقراطي ببلادنا إلى تنظيم مناظرة وطنية تتوخى تناول مشاكل الإعلام ببلادنا وتسطير برنامج وخطة عمل تؤطر البرنامج المطلبي الذي يوجه للحكومة كمطالب وجب تحقيقها مع إعتماد الأدوات النضالية المناسبة.ومن أجل تجسيد ذلك ،فان النهج الديمقراطي يوجه نداء لتشكيل تنسقية تتولى الإعداد للمناظرة الوطنية للأعلام الديمقراطي ببلادنا.
النهج الديمقراطي الكتابة الوطنية
رسالة مفتوحة حول الإعلام
توصلت جريدة النهج الديمقراطي في شخص مديرها الرفيق عبد الله الحريف برسالة موقعة من طرف رؤساء الفرق البرلمانية التالية : حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والأصالة و والمعاصرة والأحرار والحركة الشعبية.
والرسالة هي عبارة عن نداء هذه الفرق" لتنظيم حوار وطني موسع حول دور ومستقبل وسائل الإعلام في المجتمع المغربي".......
وفي إجتماعها العادي ليوم 16/01/20010 ،تدارست الكتابة الوطنية للنهج الديمقراطي هذه الدعوة ،فقررت عدم مشاركتها في هذا الحوار مع توجيه هذه الرسالة المفتوحة في الموضوع للرأي العام الوطني ولجميع المهتمين بقطاع الإعلام ببلادنا.
إننا في النهج الديمقراطي نعتبر أن من الضروري توفير الشروط السياسية الأدنى قبل إطلاق أي حوار وطني حول الإعلام ببلادنا ،وذلك لكي نضمن لهذه المبادرة المصداقية والجدية.
1 - محنة الإعلام الديمقراطي بالمغرب
يعيش الإعلام ،وخاصة الديمقراطي منه ببلادنا في الفترة الراهنة ،وضعية القمع والتضييق والخنق .وهذه الوضعية تعد ترجمة ملموسة وتجسيدا لسياسة قمع حرية الرأي والتعبير بالمغرب.
فلا مفر من الاعتراف بواقع الحال هذا ومن أجل معالجته فورا وبدون تأخير.
* إننا في النهج الديمقراطي نرفض المشاركة في ذلك الحوار لأن الدعوة له صادرة عن قوى برلمانية مساهمة أو مساندة لحكومة مسئولة عن واقع القمع الذي يتعرض له الإعلام الديمقراطي أو الإعلام الغير موالي...إنهم يفعلون كمثل الذي يقتل الميت ويسير في جنازته ...إنها لعبة خلط الأوراق التي نرفضها وندعو باقي الفرقاء إلى عدم تزكيتها .إننا لم نسمع من هذه الفرق البرلمانية وأحزابها إستنكارا واضحا لهذه الأمواج المتلاطمة من القمع الذي يتعرض له الإعلام الديمقراطي ببلادنا...فكلامهم عن دعم الإعلام و...سيبقى بدون مصداقية.
* لفتح نقاش وطني جدي من أجل دعم الإعلام ببلادنا ومن أجل ترشيده، لابد من توفر الإرادة السياسية التي تحمي الحقوق الديمقراطية لشعبنا وعلى رأسها حرية التعبير وحرية إبداء الرأي بعيدا عن فزاعة المقدس. إن التطورات الأخيرة والإعتقالات والمحاكمات المنصوبة لجرائد وصحفيين مغاربة كافية للتدليل عن خطورة التراجعات عن تلك المكتسبات البسيطة التي إنتزعها شعبنا عبر تضحيات مناضليه وقواه الحية.
* فمن أجل إطلاق نقاش مسئول لابد من توفير الشروط السياسية الملائمة له وعلى رأسها إطلاق سراح الإعلاميين المعتقلين وإلغاء الأحكام الجائرة والمتابعات في حق منابر إعلامية وصحفيين...وإلتزام الدولة بتطبيق وإحترام حرية الرأي والتعبير.
2- الإعلام العمومي محتكر من طرف الدولة المغربية
فقبل الكلام عن الحوار بشان الإعلام ببلادنا ،لابد من تسليط الضوء على الخلل الفاضح والمتمثل في الاحتكار الذي تقوم به الدولة المغربية للإعلام العمومي .
إننا في النهج الديمقراطي ممنوعون من حقنا في الأعلام العمومي والذي نعتبره ملكا لشعبنا ولا يحق للدولة أن تحتكره لنفسها أو تسخره للأحزاب الموالية .والحالة هذه ، فإننا نرفض المشاركة في ذلك الحوار لأننا نرفض أن نكون كومبارس لمسرحية تستبلد ذكاء جماهير شعبنا أو تستغفل قطاع الإعلام الديمقراطي ببلادنا.
و من أجل توفير الشروط السياسية الملائمة لنقاش جدي حول وضع الإعلام ببلادنا وجب فتح مجالات الإعلام العمومي أمام النهج الديمقراطي وكل القوى المحرومة منه إلى حد الآن.
3- الإعلام الديمقراطي في المواجهة.
إن الإعلام الديمقراطي ببلادنا يخوض معارك ضارية ضد الرجعية وقواها القمعية ،وذلك مند بدايات سنوات الاستقلال الشكلي ،ولازال المشتغلون في هذا المضمار يؤدون ضريبة الدفاع عن المواقف النبيلة صونا لكرامة شعبنا ودودا عن حقوقه بالكلمة الشجاعة. لذلك لا يمكن لهذا الإعلام الديمقراطي إلا التعويل على نفسه و على القوى الديمقراطية الحقيقية من أجل إنتزاع الحقوق وصيانة المكتسبات .
ولهذا فإننا في النهج الديمقراطي نعتبر تلك الدعوة لن تثمر أية نتيجة لأنه سرعان ما سيطوي النسيان خلاصاتها لأنه ليس المهم الخلاصات بقدر ما يهمهم الكم الهائل من الندوات والحوارات .أليست هذه من آليات الديمقراطية الشكلية ديمقراطية الواجهة؟
لكننا في الوقت الذي نرفض فيه سلك طريق الحوارات الشكلية والعقيمة وخلط الأوراق والمساواة بين من يجلد الإعلام وبين الضحية ،فإننا ندعو جميع المسئولين عن المنابر الإعلامية وكل المشتغلين في مجال الإعلام الديمقراطي ببلادنا إلى تنظيم مناظرة وطنية تتوخى تناول مشاكل الإعلام ببلادنا وتسطير برنامج وخطة عمل تؤطر البرنامج المطلبي الذي يوجه للحكومة كمطالب وجب تحقيقها مع إعتماد الأدوات النضالية المناسبة.ومن أجل تجسيد ذلك ،فان النهج الديمقراطي يوجه نداء لتشكيل تنسقية تتولى الإعداد للمناظرة الوطنية للأعلام الديمقراطي ببلادنا.
mercredi 27 janvier 2010
إصدار جديد : مقاربة أسس الشرعية في النظام السياسي المغربي
صدر حديثا عن دار الأمان للنشر والتوزيع، دراسة للباحثة في العلوم السياسية و الاجتماعية هند عروب تحت عنوان " مقاربة أسس الشرعية في النظام السياسي المغربي"، و هي دراسة حفرية نقدية لمنظومة الميكانيزمات المُسخَّرة لتأسيس و ترسيخ وتدعيم شرعية المؤسسة الملكية النواة الصلبة للنظام السياسي المغربي، ثم دور باقي مكونات الحقل السياسي و كذا طبيعة صلة الرعية براعيها في مأسسة المنظومة الشرعياتية وإدامتها.
-الكتاب: مقاربة أسس الشرعية في النظام السياسي المغربي
-المؤلفة: هند عروب
-عدد الصفحات: 360
-الناشر: منشورات دار الأمان, الرباط, المغرب
-الطبعة: الأولى/نونبر2009
الباحثة هند عروب في سطور :
+دكتورة باحثة في العلوم السياسية والاجتماعية.
+باحثة مشتركة في المختبر الفرنسي للسوسيولوجيا " الثقافات والمجتمعات في أوروبا" التابع للمركز الوطني للبحث العلمي و جامعة ستراسبورغ- فرنسا. CNRS
+عضوة هيأة التحرير و الهيأة العلمية لمجلة وجهة نظر، دفاترها وكراساتها الإستراتيجية.
+ناشطة حقوقية.
+صحفية سابقا بعدة منابر إعلامية مغربية وعربية.
+مشاركة في عدة ندوات و محاضرات و أيام دراسية وملتقيات، ومديرة العديد من الموائد الحوارية وطنيا و دوليا، حول قضايا سياسية واجتماعية وحقوقية وثقافية.
نماذج من أعمالها:
-المخزن في الثقافة السياسية المغربية، سلسلة دفاتر وجهة نظر، عدد 4، الرباط 2004. ( مؤلف فردي).
- الصلب والعقاب وصرخات الجياع: وضعية حقوق الإنسان في مغرب 2008، في حالة المغرب 2008-2009، منشورات وجهة نظر، الرباط 2009. ( مؤلف جماعي).
- نقد المقاربة الأمنية ضد " الجهاديين السلفيين" في المغرب، في مواجهات بين الإسلاميين و العلمانيين في المغرب، منشورات وجهة نظر، الرباط 2008. (مؤلف جماعي).
- ثقافة المواطنة في بلاد الرعية؟ المجتمع المغربي نموذجا، في السيادة والسلطة في العالم العربي: الآفاق الوظنية والحدود العالمية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2006. (مؤلف جماعي).
- مثقفون في مزادات السلطة: العروي نموذجا، مجلة وجهة نظر، عدد 24، الرباط 2005. ( دراسة).
- الواقع الدولي، الأولوية ليست للشرائع و الشعوب رقاب يقصلها منطق القوة ولهاث المصالح: العراق نموذجا،
مجلة فكر ونقد، عدد 46، الرباط 2002. (دراسة).
- في مجال الإبداع الأدبي:
ميلاد نسيم عاصف، مطبعة الرباط نت، الرباط 2008. ( ديوان )
Le mouvement de protestation des victimes des intempéries et des marginalisés par la politique de l'Etat dans le domaine de l'habitat, prend de l'ampleur. Le sit in organisé le lundi 25 janvier 2010 ( à 12h15)devant la wilaya de grand Casablanca a connu la participation des centaines de citoyen-nes venu-es d'autres bidonvilles et de quartiers à logements insalubres. Ont participé au sit in des citoyen-nes venu-es de la Médina, Aïn Sebaâ, Hay Mohammedi, Derb Ghellaf, Sidi Maârfouf, Bernoussi...Les protestataires ont scandé des slogans relatifs à leurs légitimes revendications, et dénoncé le discours démagogique de l'Etat sur le relogement des victimes des intempéries, et des marginalisés. L'INDH a été pointu du doigt.
Des dizaines de citoyen-nes se sont retrouvé-es par la suite au local d'ANNAHJ ADDIMOCRATI qui n'a pas pu accueillir tout ce monde.
L'assemblée générale avait pour ordre du jour:
- L'évaluation du sit in
- L'élargissement du "comité de suivi"
- L'élaboration du nouveau programme de lutte
1 - L'AG a souligné le succès du sit in qui a connu la participation de nouveaux quartiers pauvres
2 - Le comité de suivi comprend désormais 22 représentant-es des victimes (8 femmes et 14 hommes), et 11 militant-es de droits humains (AMDH), syndicalistes, politiques, avocats...
Sont représentés dans le comité, les citoyen-es de:Arsat ben Slama,, Boutouil, cimetière juif, carrière centrale, Douar alkrimate, Douar Sahraoua, Douar Bouâbi(...) de Sidi Maârouf, Douar Skouila, Hay Bourgogne, Derb Ghellaf...
3 - L'AG a décidé (selon le camarade Abounacer, le coordinateur du comité de suivi)
- D'organiser simultanément 3 sit in de protestation :
a - Devant la préfecture d'Anfa
b - Devant la préfecture de Hay Mohammedi-Aïn Sebaâ
c - Devant la commune d''Ahl Alghoulem (située dans la préfecture de Bernoussi)
et ce, le lundi premier février 2010 à 12h15
- D'organiser une conférence ( sous forme de nadwa) ayant pour thème " le problème de l'habitat à casablanca" et ce, le samedi 6 février 2010 à partir de 15h, probablement au local de la CDT à Derb Omar.
- D'organiser une marche populaire de solidarité à Casablanca. La date et l'itinéraire seront fixés ultérieurement.
Des dizaines de citoyen-nes se sont retrouvé-es par la suite au local d'ANNAHJ ADDIMOCRATI qui n'a pas pu accueillir tout ce monde.
L'assemblée générale avait pour ordre du jour:
- L'évaluation du sit in
- L'élargissement du "comité de suivi"
- L'élaboration du nouveau programme de lutte
1 - L'AG a souligné le succès du sit in qui a connu la participation de nouveaux quartiers pauvres
2 - Le comité de suivi comprend désormais 22 représentant-es des victimes (8 femmes et 14 hommes), et 11 militant-es de droits humains (AMDH), syndicalistes, politiques, avocats...
Sont représentés dans le comité, les citoyen-es de:Arsat ben Slama,, Boutouil, cimetière juif, carrière centrale, Douar alkrimate, Douar Sahraoua, Douar Bouâbi(...) de Sidi Maârouf, Douar Skouila, Hay Bourgogne, Derb Ghellaf...
3 - L'AG a décidé (selon le camarade Abounacer, le coordinateur du comité de suivi)
- D'organiser simultanément 3 sit in de protestation :
a - Devant la préfecture d'Anfa
b - Devant la préfecture de Hay Mohammedi-Aïn Sebaâ
c - Devant la commune d''Ahl Alghoulem (située dans la préfecture de Bernoussi)
et ce, le lundi premier février 2010 à 12h15
- D'organiser une conférence ( sous forme de nadwa) ayant pour thème " le problème de l'habitat à casablanca" et ce, le samedi 6 février 2010 à partir de 15h, probablement au local de la CDT à Derb Omar.
- D'organiser une marche populaire de solidarité à Casablanca. La date et l'itinéraire seront fixés ultérieurement.
vendredi 22 janvier 2010
كرونولوجيا حياة و مؤلفات ماركس 1818 - ميلاد كارل ماركس ببلدة نريفب بولاية رينانيا ببروسيا في كنف عائلة مثقفة و ميسورة نسبيا حيث كان والده يمتهن المحاماة.1835-1830- يتابع دراسته الثانوية بتريفيس، و قد أبدى منذ طفولته نشاطا غير عادي و ذكاءا و حنكة حادين وطاقة هائلة في استيعاب الدروس1835- يلتحق بجامعة "بون" لأن والده كان يريده دراسة الحقوق ليمارس المحاماة1837- ينتقل لجامعة"برلين" لدراسة شعبة الفلسفة التي أبدى اهتماما بها.1837- يخطب ابنة الدوق ارجيل البارونة، صديقة طفولته،" جيني فون ويستفالن"و هي من عائلة اريستوقراطيةابريل 1841- يناقش أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه في الفلسفة تحت عنوان "الاختلاف بين فلسفة الطبيعة عند دمقريطس و عند أبيقور"ابريل 1842- يعين عضوا ضمن طاقم تحرير مجلة "راينش تسايتنغ" في كولونيا "rheninshezeitungاكتوبر 1842- يتقلد منصب رئيس تحرير بنفس المجلة19 يناير 1843- إصدار مرسوم بمنع مجلة راينش تسايتنغ من الصدور بسبب خطها التحريري المنتقد للأوضاع السياسية و الاجتماعية لألمانيا1843 – يعقد قرانه على جيني فون فيسفالن بكريزناخ التي أنجب منها ولد و بنتينصيف 1843 - اصدر مقال بعنوان " مساهمة في نقد فلسفة الحق عند هيجل"نونبر 1843 -ينتقل للعيش في باريس من اجل إدارة مجلة الحولية الفرنسية الالمانية les annales franco-allemands و التي سرعان ما توقفت بسبب خلاف مع شريكه "أرنولد روغه"1843 اصدار مخطوط " نقد فلسفة الدولة عند هيجل"1844- ألف مخطوطات حول الاقتصاد السياسي و الفلسفة و مقال حول المسالة اليهوديةغشت 1844 - تشارك ماركس و انجلز في مشروع العائلة المقدسة بعد التحاق هذا الأخير بمدينة بباريسفبراير 1845- إصدار "العائلة المقدسة"1845- طرد ماركس من باريس بطلب من حكوكة بروسيا و ينتقل إلى بروكسيل ببلجيكا حيث ألف مع انجلس كتابا بعنوان " أطروحات حول فيورباخ"1846- إصدار مخطوط حول" الإيديولوجية الألمانية"ديسمبر 1846- كتب رسالة إلى أنينكوف استعرض فيها المادية التاريخية و نقد برودونفبراير 1847- أعلن ماركس و انجلس انضمامهما" لرابطة العادلين"يونيو 1847- انعقاد مؤتمر رابطة العادلين في لندن حيث تم تحويلها "لعصبة الشيوعيين،"يونيو 1847- مساهمة ماركس و انجاس في تاسيس "الحمعية الديمقراطية في بروكسيل"صيف 1847- إصدار كتاب "بؤس الفلسفة" ردا على كتاب"فلسفة البؤس" لبرودوندسمبر 1847- انعقاد المؤتمر الثاني لعصبة الشيوعيين حيث تم تكليف ماركس و أنجلس بكتابة البياندسمبر 1847- ندوة أدارها ماركس لفائدة عمال بروكسيل.فبراير 1848- نشر "البيان الشيوعي" في لندن، و في نفس الشهر استدعي ماركس لباريس من طرف لحكومة المؤقتةمارس 1848 نفي ماركس من بروكسيل و يختار الاستقرار بمدينة كولونيا حيث حرر وثيقة "مطالب الحزب الشيوعي بألمانيا"فاتح يونيو 1848 - إصدار أول عدد من" الجريدة الرينانية الجديدة" التي أسسها ماركس وتكلف بإدارتهاغشت 1848 - شارك في أشغال مؤتمر الجمعيات الديمقراطية برينانفاتح 1848 - ينتخب ماركس و أنجلس عضوين في لجنة السلامة من طرف اتحاد العمالي و الديمقراطيين بكولون16 اكتوبر 1848- ينتخب ماركس رئيس "الاتحاد العمالي" بكولون1848- نشر مقال حول" البرجوازية و الثورة المضادة"7 فبراير 1849- أحيل كل من ماركس و انجلس للعدالة بتهمة اهانة سلطات كولونيا لكن تمت تبرئتهما من التهمة المنسوبة إليهماأبريل 1849 - يترك الجمعية الديمقراطية و ينتقل إلى مدينة ويستفالي حيث اعتكف على إعادة تنظيم عصبة الشيوعيين19 ماي 1849 – إصدار آخر عدد من صحيفة رينان الجديدة تضمن مقال موجه لعمال كولونيونيو 1849 – يطرد مرة أخرى من باريس بعد أن عاد اليها منفيا من ألمانيا بسبب تظاهرة 13 يونيو 1849 بباريس15 شتنبر 1850 – تحويل مقر اللجنة المركزية لرابطة الشيوعيين من لندن الى كولونيانونبر 1852 – حل عصبة الشيوعيين باقتراح من ماركس1854 – نشر مقالات حول ثورات "التاي بين" و الحروب التي تخوضها انجلترا في السند1864-1856- مقالات حول الحركات الثورية باسبانيا1858-1859- إصدار مؤلف "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي"20 شتنبر 1864 – تأسيس بلندن "أول جمعية عالمية للعمال" حيث تكلف ماركس بكتابة مشروع قانونها الأساسييونيو 1865 – تقديم تقرير حرره ماركس لمجلس العام "للأممية"دجنبر 1865 – الانتهاء من المجلد الأول من كتاب "رأس المال"1868 زواج ابنته لورا1869- انعقاد مؤتمر الأممية بمدينة بال السويسرية.1869 – تأسيس "الحزب العمالي الاجتماعي الديمقراطي الألماني"1870 – تأسيس فرع الأممية بروسيا القيصرية18 مارس 1871 استيلاء عمال فرنسا على السلطة بباريس، حيث ناشد ماركس جميع فروع الأممية للتضامن مع الثوار.30 ماي 1871 – يبعث لأعضاء الأممية تقرير بنتائج تحليله النظري "لكمونة باريس" تحت عنوان "الحرب الأهلية في فرنسا"1872 – مؤتمر الاممية بلاهاي حيث تم طرد باكونين و تحويل مقر الاممبة لنيويورك1875 – نقد "برنامج غوثة" حول الاشتراكية و ديكتاتورية البروليتاريا1880 – يصدر تقرير بنتائج تحقيق عمالي بطلب من "الحزب العمالي الفرنسي".1880 – يحرر ديباجة" برنامج الحزب العمالي الفرنسي"1181 – يوجه رسالة لفيرا زاسوليتش حول" نقد حركة الشعبويين الروس"2 دجنبر 1881 – وفاة زوجة ماركس جيني1882 – زيارة ماركس للجزائر حيث أقام بها بضعة أشهر1883 – وفاة "ابنته جيني"14 مارس 1883- وفاة ماركس بعد صراع طويل مع مرض التهاب الكبد و داء الشعبية فدفن في "مقبرة هاي غيت" بلندن1885 – نشر المجلد الثاني من كتاب " رأس المال" من طرف" أنجلس"1894 – نشر المجلد الثالث من كتاب "رأس المال"1895 – و فاة رفيق عمره انجلس. Etre MARXISTE-LÉNINISTE c'est comprendre que:« Sans théorie révolutionnaire, pas de mouvement révolutionnaire... Seul un parti guidé par une théorie d’avant-garde peut remplir le rôle de combattant d’avant-garde. »— V. I. Lénine —« La théorie n’as plus d’objet quand elle n’est pas liée à la pratique révolutionnaire, la pratique est aveugle si sa voie n’est pas éclairée par la théorie révolutionnaire. »— J. V. Staline —THÈSES SUR LE PARTI1. L’existence d’un parti communiste révolutionnaire est une condition indispensable pour orienter le mouvement communiste et ouvrier vers la révolution prolétarienne.2. Après que le réformisme révisionniste s’est emparé et liquidé les partis communistes révolutionnaires, la tâche centrale des communistes est sa reconstruction.3. La base idéologique du parti est le marxisme-léninisme, la pensée de Marx, Engels, Lénine et Staline, avec les contributions de Mao Tsé-toung, Enver Hoxha et autres.4. La base organique du parti est l’unification des communistes autour d'un programme communiste révolutionnaire, condition du travail de conquête de l’avant-garde du prolétariat.5. En plus de ses formes nationales, la tâche de reconstruction du mouvement communiste et ouvrier se pose aussi au niveau international, ayant pour but le parti mondial.6. Pour pouvoir avancer dans la voie révolutionnaire, un bilan critique global de la riche expérience du mouvement communiste et ouvrier au niveau national et international est indispensable.EN AVANT VERS LE PARTI COMMUNISTE RÉVOLUTIONNAIRE (MARXISTE-LÉNINISTE) !EN AVANT VERS L’INTERNATIONALE COMMUNISTE RÉVOLUTIONNAIRE (MARXISTE-LÉNINISTE) !Le 15 Novembre 2008
,
,
Suite à la décision prise par les victimes des intempéries et de la négligence administrative, au cours de l'assemblée générale tenue le 13 janvier 2010 au local d'ANNAHJ ADDIMOCRATI (la Voie Démocratique), la décision qui consiste à organiser un sit in de protestation devant le wilaya de grand Casablanca et ce, le lundi 18 janvier à partir de 14h, des centaines de citoyens et citoyennes de plusieurs quartiers populaires s'étaient dirigé-es effectivement vers la place du sit in qu'ils n'ont pas pu atteindre. La place et les rues avoisinantes étaient quadrillées par les diverses forces de répression. On fit comprendre aux victimes que le sit in était interdit et que l'ordre d'utiliser la matraque a été donné.
Pour éviter une confrontation sanglante où les premières victimes ne pourraient être que les femmes, les enfants et les personnes âgées, le comité de suivi a demandé aux protestataires de rejoindre le local d'ANNAHJ ADDIMOCRATI pour débattre de la situation. Le local était encerclé, mais les victimes des intempéries et de la marginalisation makhzanienne ont tenu leur assemblée générale et scandé des slogans anti-répressive.
L'assemblée a:
- Condamné l'interdiction du sit in
- Dénoncé l'arrestation du correspondant du "LEJOURNAL HEBDOMMADAIRE"
- Décidé l'organisation d'un sit in le lundi 25 janvier à la même place et à la même heure.
LA SOLIDARITE NOUS INTERPELLE
Ali Fkir
Ci-joint:
- le communiqué du "du comité de suivi" composé de 11 personnes dont 7 victimes (3 femmes et 4 hommes)
- 3 photos prises le lundi 18/01/2010
لجنة متابعة ملف سكان المدينة القديمة
بالــدار البيضــاء
بــلاغ إلــى الــرأي العــام
على إثر الجمع العام المنعقد يوم الأربعاء 13 يناير 2010 ، الذي تقرر فيه تنظيم وقفة احتجاجية يوم الاثنين 18 يناير 2010 ابتداء من الساعة الثانية عشر زوالا أمام مقر ولاية الدار البيضاء الكبرى احتجاجا على الوضعية الخطيرة و المزرية التي يعيشها سكان المدينة القديمة جراء انهيار منازلهم أو التي على وشك الإنهيار و باقي الأحياء المهمشة، و كما كان منتظرا نزلت جماهير مدينة البيضاء إلى الوقفة التي دعت إليها لجنة متابعة ملف سكان المدينة القديمة و ضمنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. حضر بالموقع المحدد سكان عرصة بن سلامة و حي بوطويل و المقبرة اليهودية و أحياء أخرى من المدينة القديمة ، بالإضافة إلى سكان كريان سنطرال بالحي المحمدي و دوار السكويلة بحي البرنوصي و بعض سكان منطقتي عين السبع و دوار اولاد بوعبيد التابع لسيدي معروف .
لقد فوجئنا بإنزال أمني مكثف شرع قبل التحاق المتظاهرين في تفريق المواطنات و المواطنين و احتلال ساحة الأمم المتحدة بهدف منع هذه التظاهرة . و بعد مناقشات و مشادات بين مسؤولي رجال الأمن و منتدبين عن لجنة المتابعة و أمام الجماهير و الصحافة المكتوبة و بعض الإذاعات الوطنية ، تمحورالنقاش حول أسباب و أهداف الوقفة و شرعيتها باعتبار المنع انتهاك سافر للحقوق المدنية و السياسية و خاصة الحق في الاحتجاج و التظاهر و أنه الشفوي و غير قانوني و يكذب بالملموس الشعارات الزائفة حول"دولة الحق
و القانون" و" العهد الجديد " و" المفهوم الجديد للسلطة" و " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" و أنه من العار أن يتمادى المسؤولين في تماطلهم و استهتارهم بالوضعية اللاإنسانية التي يعيشها المواطنات و المواطنون بحيث أصبحوا يقطنون في العراء تحت الأمطار و البرد القارس و لا تغمض جفونهم طوال الليل بسبب وضعية منازلهم الآيلة للسقوط التي تهدد حياتهم ( نموذج الطفل سعد الذي بثرت رجله و هو في الثامنة من العمر) . و لما اتضح لنا أن السلطة عازمة على استعمال العنف ضد الشيوخ و النساء و الأطفال الذين حضروا الوقفة ، و استحضارا من لجنة المتابعة بتأثير هذا العنف على الوضعية النفسية و الصحية لهذه الفئة من المواطنات و المواطنين ، تدخل منسق اللجنة و أدان منع الوقفة ووضح للمتظاهرين أن الهدف و الرسالة المتوخاة منها قد تحقق و أنه لا داعي للدخول في مواجهة مع رجال الأمن . آنذاك تم اقتراح تحويل الوقفة إلى جمع عام طارئ بمقر جريدة النهج الديمقراطي الذي كان مراقبا من طرف الأجهزة طيلة هذه الفترة
لقد عرف الجمع العام حضورا جد مكثف و حماسا نضاليا خالصا تخللته شعارات هادفة من قبيل : "تحية نضالية للجماهير الشعبية" و " بالوحدة و التضامن اللي بغيناه يكون يكون" و " سوا اليوم سوا غدا حق السكن و لا بد " و " مبادرة وهمية لا سكن لا تنمية " و "كلنا فدا فدا للجماهير الصامدة " و " شوفوا المغرب الجديد مغرب القمع و التشريد " ...
و في عرس نضالي التحمت فيه أصوات الجماهير الكادحة بالمناضلين المرتبطين بهمومها خلص الجمع العام إلى ما يلي :
1- التنديد بالمنع الذي تعرضت له الوقفة.
2- التضامن اللامشروط مع صحفي جريدة لوجورنال LE JOURNAL HEBDOMADAIRE ) ( و التنديد باعتقاله من داخل الوقفة .
3- تنظيم نفس الوقفة في نفس المكان و الزمان الأسبوع المقبل أي يوم الاثنين 25 يناير 2010 ابتداء من الساعة الثانية زوالا أمام مقر مجلس المدينة و ولاية الدار البيضاء الكبرى .
4- تكثيف التعبئة طيلة هذا الأسبوع داخل الأحياء المتضررة .
عــــن الجمــــــــــع العـــــــــــــام
حرر بالبيضاء في : 18/01/2010
Suite à la décision prise par les victimes des intempéries et de la négligence administrative, au cours de l'assemblée générale tenue le 13 janvier 2010 au local d'ANNAHJ ADDIMOCRATI (la Voie Démocratique), la décision qui consiste à organiser un sit in de protestation devant le wilaya de grand Casablanca et ce, le lundi 18 janvier à partir de 14h, des centaines de citoyens et citoyennes de plusieurs quartiers populaires s'étaient dirigé-es effectivement vers la place du sit in qu'ils n'ont pas pu atteindre. La place et les rues avoisinantes étaient quadrillées par les diverses forces de répression. On fit comprendre aux victimes que le sit in était interdit et que l'ordre d'utiliser la matraque a été donné.
Pour éviter une confrontation sanglante où les premières victimes ne pourraient être que les femmes, les enfants et les personnes âgées, le comité de suivi a demandé aux protestataires de rejoindre le local d'ANNAHJ ADDIMOCRATI pour débattre de la situation. Le local était encerclé, mais les victimes des intempéries et de la marginalisation makhzanienne ont tenu leur assemblée générale et scandé des slogans anti-répressive.
L'assemblée a:
- Condamné l'interdiction du sit in
- Dénoncé l'arrestation du correspondant du "LEJOURNAL HEBDOMMADAIRE"
- Décidé l'organisation d'un sit in le lundi 25 janvier à la même place et à la même heure.
LA SOLIDARITE NOUS INTERPELLE
Ali Fkir
Ci-joint:
- le communiqué du "du comité de suivi" composé de 11 personnes dont 7 victimes (3 femmes et 4 hommes)
- 3 photos prises le lundi 18/01/2010
لجنة متابعة ملف سكان المدينة القديمة
بالــدار البيضــاء
بــلاغ إلــى الــرأي العــام
على إثر الجمع العام المنعقد يوم الأربعاء 13 يناير 2010 ، الذي تقرر فيه تنظيم وقفة احتجاجية يوم الاثنين 18 يناير 2010 ابتداء من الساعة الثانية عشر زوالا أمام مقر ولاية الدار البيضاء الكبرى احتجاجا على الوضعية الخطيرة و المزرية التي يعيشها سكان المدينة القديمة جراء انهيار منازلهم أو التي على وشك الإنهيار و باقي الأحياء المهمشة، و كما كان منتظرا نزلت جماهير مدينة البيضاء إلى الوقفة التي دعت إليها لجنة متابعة ملف سكان المدينة القديمة و ضمنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. حضر بالموقع المحدد سكان عرصة بن سلامة و حي بوطويل و المقبرة اليهودية و أحياء أخرى من المدينة القديمة ، بالإضافة إلى سكان كريان سنطرال بالحي المحمدي و دوار السكويلة بحي البرنوصي و بعض سكان منطقتي عين السبع و دوار اولاد بوعبيد التابع لسيدي معروف .
لقد فوجئنا بإنزال أمني مكثف شرع قبل التحاق المتظاهرين في تفريق المواطنات و المواطنين و احتلال ساحة الأمم المتحدة بهدف منع هذه التظاهرة . و بعد مناقشات و مشادات بين مسؤولي رجال الأمن و منتدبين عن لجنة المتابعة و أمام الجماهير و الصحافة المكتوبة و بعض الإذاعات الوطنية ، تمحورالنقاش حول أسباب و أهداف الوقفة و شرعيتها باعتبار المنع انتهاك سافر للحقوق المدنية و السياسية و خاصة الحق في الاحتجاج و التظاهر و أنه الشفوي و غير قانوني و يكذب بالملموس الشعارات الزائفة حول"دولة الحق
و القانون" و" العهد الجديد " و" المفهوم الجديد للسلطة" و " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" و أنه من العار أن يتمادى المسؤولين في تماطلهم و استهتارهم بالوضعية اللاإنسانية التي يعيشها المواطنات و المواطنون بحيث أصبحوا يقطنون في العراء تحت الأمطار و البرد القارس و لا تغمض جفونهم طوال الليل بسبب وضعية منازلهم الآيلة للسقوط التي تهدد حياتهم ( نموذج الطفل سعد الذي بثرت رجله و هو في الثامنة من العمر) . و لما اتضح لنا أن السلطة عازمة على استعمال العنف ضد الشيوخ و النساء و الأطفال الذين حضروا الوقفة ، و استحضارا من لجنة المتابعة بتأثير هذا العنف على الوضعية النفسية و الصحية لهذه الفئة من المواطنات و المواطنين ، تدخل منسق اللجنة و أدان منع الوقفة ووضح للمتظاهرين أن الهدف و الرسالة المتوخاة منها قد تحقق و أنه لا داعي للدخول في مواجهة مع رجال الأمن . آنذاك تم اقتراح تحويل الوقفة إلى جمع عام طارئ بمقر جريدة النهج الديمقراطي الذي كان مراقبا من طرف الأجهزة طيلة هذه الفترة
لقد عرف الجمع العام حضورا جد مكثف و حماسا نضاليا خالصا تخللته شعارات هادفة من قبيل : "تحية نضالية للجماهير الشعبية" و " بالوحدة و التضامن اللي بغيناه يكون يكون" و " سوا اليوم سوا غدا حق السكن و لا بد " و " مبادرة وهمية لا سكن لا تنمية " و "كلنا فدا فدا للجماهير الصامدة " و " شوفوا المغرب الجديد مغرب القمع و التشريد " ...
و في عرس نضالي التحمت فيه أصوات الجماهير الكادحة بالمناضلين المرتبطين بهمومها خلص الجمع العام إلى ما يلي :
1- التنديد بالمنع الذي تعرضت له الوقفة.
2- التضامن اللامشروط مع صحفي جريدة لوجورنال LE JOURNAL HEBDOMADAIRE ) ( و التنديد باعتقاله من داخل الوقفة .
3- تنظيم نفس الوقفة في نفس المكان و الزمان الأسبوع المقبل أي يوم الاثنين 25 يناير 2010 ابتداء من الساعة الثانية زوالا أمام مقر مجلس المدينة و ولاية الدار البيضاء الكبرى .
4- تكثيف التعبئة طيلة هذا الأسبوع داخل الأحياء المتضررة .
عــــن الجمــــــــــع العـــــــــــــام
حرر بالبيضاء في : 18/01/2010
mercredi 20 janvier 2010
بيـــــــان
إن لجنة من أجل كل الحقيقة حول مصير الشهيد عبد اللطيف زروال، وبعد اطلاعها على تقرير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بخصوص متابعته لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ووقوفها على تصريحات رئيس المجلس في الندوة الصحفية وعبر وسائل الإعلام، لتستغرب أشد ما استغراب عدم ورود حالة الشهيد عبد اللطيف زروال ضمن الحالات التي عالجها المجلس لإجلاء الحقيقة حولها حسب توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في تقريرها النهائي. مما يدل على انعدام الكفاءة و الإرادة لدى المجلس في تعاطيه مع التوصيات المذكورة بل ومساهمته في طمس الحقائق وتكريس الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية و تبييضه للأجهزة المسؤولة عنها.لذا فإن اللجنة تعلن ما يلي:
أ• تطالب الدولة بالكشف عن كل الحقيقة حول ظروف اختطاف وتعذيب وقتل الشهيد عبد اللطيف زروال. ب• تطالب بمحاكمة المسئولين عن اختطاف وتعذيب وقتل الشهيد. ج• تطالب بمعاقبة المسئولين عن تزوير اسمه بالمستشفى. د• تطالب الدولة بتسليم رفاته لعائلته بعد إجراء التحاليل اللازمة للتأكد من هويته. هـ• تهيب بكل الديمقراطيات والديمقراطيين لمساندتها في مهمتها والضغط على الدولة المغربية من أجل إجلاء الحقيقة في قضية الشهيدعبد اللطيف زروال. الرباط في: 18 يناير 2010
[ Ajouter un commentaire ] [ Aucun commentaire ]
# Posté le mercredi 20 janvier 2010 10:01
L'AMDH ou l'option démocratique
الجمعية المغربية لحقوق الإنسانبين الممانعة والابتزاز
فصل المقال فيما بين حقيقة الأمور والافتراءات المجانية من انفصال
كثر الحديث وخصوصا مند آخر مؤتمر للجمعية – المؤتمرالوطني الثامن- عن ذبح الديمقراطية الداخلية وضرب الاستقلالية وتمييع الجماهيرية والمغالاة في فهم التقدمية و جعل الكونية والشمولية حصان طرودة لإسقاط السياسي على الحقوقي ،ومن داخل نفس المنطق،عن إسقاط الحزبي على الجمعوي وبشكل يغالي في المبالغة في إلحاق الجمعية بتيار سياسي بعينه ضدا على" التاريخ المجيد للجمعية الذي يشهد باستقامة قيادتها السابقة بحنكتها وتبصرها وجعلها- أي الجمعية- فوق الاعتبارات الحزبية الضيقة بل وقدرة هده القيادات السابقة على التمييز دونما الخلط بين السياسي والحقوقي ، بين الحزبي والجمعوي... "وحتى لا نسقط – كما وقع للبعض- في فخ تبخيس عمل المناضلين الشرفاء- وهم من هنا ومن هناك على كل حال- الدين أسهموا عبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في مسارها المشرف، في تقديم الشيء الكثير لحقوق الإنسان في المغرب، نود أن نوضح بعيدا عن أسلوب القذف والسب والشتم،الذي يستهدف الجمعية في صيغتها الحالية ، أن الهجوم الذي تتعرض له الجمعية تحت مسوغات " فضح الهيمنة الحزبية" الدفاع عن استقلالية الجمعية" التنديد بالحاق الجمعية بتيار معين " "ذبح الديمقراطية الديمقراطية الداخلية" وهلم جرا من العبارات "العالمة " في مظهرها الفارغة في مضمونها ... إنما هو ردة فعل يائسة لعدم قدرة البعض على مسايرة انفتاح الجمعية على محيطها العام والانخراط الكبير لعموم المواطنات والمواطنين في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وتغير قاعدتها الجماهيرية كيفا وكما وظهور طاقات جديدة تبنت النضال اليومي والجماهيري إلى جانب الفلاحين والعمال والمعطلين والمهمشين دفاعا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دونما الاكتفاء بدور المحامي الذي يسجل الخروقات وينظم الندوات وينشر البلاغات للشجب والتنديد .كما أن هذه الدينامية الجديدة أربكت العديد من الحسابات التي كانت تريد من الجمعية أن تكون أداة لتلميع صورة ا لبعض في مهامه المهنية ولما لا قناة" للتواصل" مع الدولة والتوسط في بعض القضايا الأساسية – قضية المناضلة أمينتو حيضرمثلا-.
وبالمناسبة أذكر الأقلية التي تريد أن تمارس دكتاتوريتها على الأغلبية أنه كان بوسع المؤتمر الوطني الثامن للجمعية أن يحسم بشكل ديمقراطي في عدة قضايا التي سميت قضايا خلافية إلا أن حكمة وتبصر الأغلبية العددية والنوعية أجلت الحسم في هذه القضايا الحقوقية بامتياز – الأمازيغية والعلمانية- من أجل إرضاء الأقلية والحفاظ على وحدة الجمعية وإعطاء الفرصة لمناضلات ومناضلي الجمعية لمناقشة هذه القضايا في ندوات فكرية هادئة بعيدا عن ضغط المؤتمر وحساباته . وهو ما تم بالفعل وفي الوقت الذي حدده المؤتمر . إلا أن رفاقنا في الأقلية الديكتاتورية وعملا بمنطق "ولو طارت معزة" كانوا مصرين بعد النقاش العلمي والفكري الهادئ بخصوص الأمازيغية على إخضاع قرار مطالبة الدولة بدسترة الأمازيغية إلى التصويت لكي يتباكوا بعد ذلك على هذا الشكل الديمقراطي الذي طالبوا به منددين "بدكتاتورية الأغلبية " التي تقبل بالتصويت كآلية للحسم في "القضايا الخلافية" .إنه نوع من المازوشية السياسية masochisme politique duالتي ألمت ببعض المناضلين السياسيين في هذا الوطن الجريح والذين يردون كل ويلاتهم وعجزهم إلى "المؤامرات التي تحاك ضدهم ..." أما بخصوص ندوة "العلمانية" فقد قررت الأقلية الديكتاتورية ببساطة مقاطعتها ،وكفى الله المؤمنين شر القتال ... وقد راسلني بعد هذه الندوة صديق وعضو في اللجنة الإدارية كاتبا " يا أخي نحن معشر الط... قررنا مقاطعة هذه الندوة لأننا لا نريد أن نزكي قرار الأغلبية..." مع العلم أن الندوة كانت ندوة فكرية للنقاش الهادئ ولم تكن اجتماعا تقريريا ... وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه إحدى عضوات اللجنة الإدارية- ذات التخصص في تسريب الأمور الداخلية للجمعية إلى الخارج - خلال الندوة الوطنية حول التنظيم عندما صرحت أمام أعضاء اللجنة الإدارية والملتقى الوطني للفروع بالهرهورة "أن التصويت في المؤتمر الوطني الثامن للجمعية كان ديمقراطيا ولكنه لم يكن حقوقياallez comprendre !!! كم ستروقني هذه الجملة الأخيرة لو كانت في سياق آخر أعني لو نطق بها Samuel Beckett أو Eugène Ionesco وهم بالمناسبة من أعلام مسرح العبث ... إن رفيقاتنا ورفاقنا في الأقلية الديكتاتورية والذين قرروا في المؤتمر الأخير للجمعية أن يحسموا مع سياسة الريع وأزبدوا وأرغدوا بما ملكت أيمانهم من أجل تبني صيغة الاقتراع السري المباشر عوض صيغة لجنة الترشيحات- وهو ما استجابت له إرادة المؤتمر التي لا تقهر- لم يكونوا يعلمون أن السحر سينقلب ضد الساحر أو ربما أخطؤوا حساباتهم ،فكانت النتيجة عكس الانتظارات وحاولوا تدارك الوضع عبر مجموعة من التكتيكات التي لم تجدي نفعا من قبيل " الباقي مع" لكن هيهات ،انطلق قطار الجمعية في اتجاه الديمقراطية تاركا وراءه المحطات السابقة التي كانت تسوى فيها الأمور بشكل "حقوقي" من حقي ، حقك" "وليس ديمقراطي" أي حكم المؤتمر لنفسه بنفسه...
واليوم ها هم إخواننا وأخواتنا ، في الأقلية الديكتاتورية يشنون حربا ضروسا ضد الديمقراطية ،منهم من يمتلك الجرأة على التعبير عن رأيه ورأي الأقلية بوضوح لا يخلو في غالب الأحيان من التجريح والقدف والسب والشتم – نال منه الرفيق المناضل الكبير آمين حميد عبد الحميد النصيب الأوفر و حتى الرئيسة الرفيقة خديجة الرياضي لم تسلم من الهجوم المنظم علاوة على عبد السلام العسال وفتيحة المصباحي وقبلهم سميرة كناني وفاطمة الزهراء زرموق والقائمة تطول ، ومنهم ومنهن، من يهاجمون من وراء حجاب لكي يكون هامش إحداث الضرر أكبر وأوسع في صفوف "العدو" - الأغلبية داخل الجمعية المغرية لحقوق الإنسان ولما لا داخل التيار السياسي "المهيمن" داخل الجمعية- ... فشكرا للأخوات والإخوة، ها قد وجدتم عدوا طبقيا جديدا بعد ما تصالحتم ونسقتم – مؤتمر المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف الأخير- مع اليمين الانتهازي " المكتب السياسي" على حد تعبيركم أيام جريدة "الطريق" المجيدة ... استلوا خناجركم واضربوا فسيصير في وسعكم بعدها ،أن تشربوا كأسا على قبر الشهيدة – هنا الجمعية- كما قال نزار قباني... تذكير لا بد منه . إن المتتبع للجرائد الوطنية: يومية، أسبوعية، شهرية، ناطقة بالعربية أو الفرنسية مستقلة أو حزبية سيلاحظ، وعلى امتداد خريطة البلاد، أن حضور الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على صفحات هده الجرائد يكاد يكون أمرا بديهيا وواقعا لا مفر منه . كما سيلاحظ كدالك أن مجالات تدخل الجمعية يشمل كل الحقوق المتعارف عليها دوليا ودون استثناء ودون أدنى تردد أو تقديرات وهو ما لا ينطبق حتما على باقي الإطارات الحزبية، النقابية أو الجمعوية ، ذات الحسابات المتعددة.أكيد إذن، أن الدم الجديد التي ضخته دينامية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في شرايين الحركة الاحتجاجية والمطلبية المغربية، بعد أن ارتد كل من يهمهم الأمر إلى الوراء، أصبح واضحا للعيان إلى درجة إحراج البعض واستفزاز البعض الآخر! ومن الطبيعي أن تسيل هده الدينامية الكثير من المداد وأن تلهم العديد من الأقلام الجادة والغيورة على مستقبل الجمعية كما الناقمة أوالناطقة باسم سيدها ...فادا كانت الجمعية، في المراحل الأولى من التأسيس قد ناضلت من أجل إثبات الذات وفرض الوجود في وجه الآلة القمعية لسنوات الجمر و الرصاص وتمكنت من دلك ، وهو ما نفتخر به ، فإنها استطاعت اليوم وخصوصا مند مؤتمرها الوطني الثامن أن تحقق تلك القفزة النوعية التي نعتزلها كذلك والتي يجب أن يعتز لها كل مناضل ديمقراطي.
لقد شكل هدا المؤتمر و بحق، لحطة ديمقراطية متميزة في تاريخ الجمعية ، لقد كان المخاض عسيرا لكن الولادة كانت موفقة لأنها كانت – هده المرة- طبيعية ولم تكن قيصرية - الاقتراع السري المباشر عوض لجنة الترشيحات -.وبديهي داخل أحضان كل إطار حيوي، مناضل ديمقراطي وجماهيري كالجمعية أن ترتفع أصوات بعض المناضلات والمناضلين للتعبير عن تخوفهم ! رفضهم ! تحفظهم ! من وتيرة السرعة التي أصبحت تسير بها الجمعية ، الآليات الجديدة التي تشتغل بها ، المواضيع والاهتمامات التي تتصدر جداول أعمالها ! مؤاخذة إياها – حتى لا أقول متهمة إياها- بتسييس العمل الحقوقي وتقمص دور الحزب وبالتالي حشر الجمعية في اهتمامات ليست من اهتمامات العمل الحقوقي !!! وبديهي كذلك، أن ترتفع أصوات أخرى لتنتقد الجمعية متهمة إياها بممارسة النضال البورجوازي النخبوي وتلطيف أجواء الصراع وتأخير مراحل الحسم الثوري مع العدو الطبقي... ! وعين الصواب أن عمل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يتموقع بين الرأيين وبمسافة محترمة . ولعل الرأيان النقيضان معا يجيبان عن بعضهما بالنفي المتبادل. فلا الجمعية تتقمص دور الحزب وتنسلخ من جلدها الحقوقي ولا هي نضالا نخبويا بورجوازيا ملجما للنضالات الشعبية الحقيقية المطالبة بالديمقراطية في أبعادها السياسية والديمقراطية. إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هي إطار جماهيري، ديمقراطي، تقدمي ومستقل يؤمن بأن حقوق الإنسان هي حقوق كونية ولا يمكن إلا أن تكون شمولية. وبالتالي فكل تأويل يبغي تقزيم أو قولبة هده المبادئ وفق خصوصيات محلية أو قومية أو دينية أو لاعتبارات مرحلية وتكتيكية فهو تأويل يجانب الصواب ويضرب في العمق الأسس والمبادئ الكونية التي تؤطر عمل الجمعية . كما أن من ينتظر من الجمعية أن تعلن العصيان المدني أو الكفاح المسلح فهو أكيد يحمل الجمعية ما لا طاقة لها به ويدمج بين الحقول السياسية ،الجمعوية والنقابية وبالتالي يسقط – بضم الياء- مضمون العمل السياسي الحزبي على مضمون العمل الجمعوي .إن تراجع النضال اليساري وانحصار الفعل التقدمي المغربي لأسباب ذاتية وموضوعية مقابل الهجوم الخطير على أبسط شروط العيش الكريم للمواطن المغربي والتراجعات المخيفة عن جملة من المكتسبات ، هي إحدى الأسباب الرئيسية التي جعلت الجمعية المغربية من خلال نضالاتها اليومية في الدفاع عن حقوق الإنسان، السياسية،الثقافية والاقتصادية تظهر للبعض وكأنها " تنوب "عن الجميع في أداء مهامهم النضالية وبالتالي الغوص في مجالات غير المجالات الحقوقية !
كما تبدو للبعض الآخر وكأنها البديل المنتظر وبالتالي وجب عليها الرفع من وتيرتها واستبدال أساليب عملها وإلا فإنها واجهة من واجهات تلميع صورة التحالف الطبقي المسيطر وبالتالي لا خير يرجى منها وعلى الأرجح فضحها ومواجهتها أيدلوجيا ولما لا" بالعنف الثور"3...!أما بخصوص "القضايا الخلافية " الأمازيغية والعلمانية فأعتقد جازما أن الأمر لا يغدو إلا أن يكون تكتيكا من طرف الإخوة ليس إلا ،على اعتبار أنهم يعلمون حق المعرفة أن هذه القضايا هي قضايا حقوقية بامتياز وأن حشرها في ملفات السياسة هو من باب خلط الأوراق و تمييع النقاش وافتعال الخلافات لغرض في النفس الأمارة بالسوء ... كيف ذلك ؟ أوضح : الأمازيغية : قضية شعب ومطلب حقوقي وليست ورقة للابتزاز احتد النقاش أو بالأحرى أريد له – بضم الهمزة- أن يحتد حول هده القضية الجوهرية بشكل واضح مند المؤتمر الوطني السابع أبريل 2004 عندما طرحت فكرة مطالبة الدولة المغربية بضرورة دسترة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية وإدراج هدا المطلب في البيان الختامي للمؤتمر المذكور.ونظرا لأن لجنة الترشيحات التي كانت تبت بشكل موازي لأشغال الو رشات في لائحة اللجنة الإدارية للجمعية، كانت تواجهها بعض الصعوبات ذات العلاقة بتمثيلية كل توجه داخل هدا الجهاز، فقد أعطيت الإشارة لبعض المناضلين من داخل المؤتمر بتصعيد الخطاب وممارسة المعارضة / التكتيك من أجل تقوية موقف معين داخل لجنة الترشيحات. وهده المعارضة/ التكتيك وجدت في الأمازيغية كبش فدائها .حيث حاول بعض المؤتمرين بما أوتوا من قوة ،لم تخلو في غالب الأحيان من البوليميك الرخيص والتحقير والاستفزاز- أترفع عن ذكر ما سمعت في لجنة البيان العام- من تبيان أن الأمازيغية هي ابعد من أن تكون مطلبا حقوقيا وحتى إن كان فإن دسترتها لن تجلب إلى الشعب المغربي إلا الويلات والمآسي والتفرقة ... بل هناك من المؤتمرين المعارضين الجاهلين ببعض الحقائق التاريخية من تحد المؤتمرين ونفى بشكل قاطع وجود أي دولة في العالم أقرت أكثر من لغة في دستورها !!! إن النقاش الذي حمي وطيسه حول الأمازيغية وخاصة مند المؤتمر السابع للجمعية لم يكن بهدف تأصيل للمفاهيم وتدقيق الإشكاليات وحصر الحدود بين السياسي والحقوقي بقدر ما كان الغرض منه ممارسة الضغط ، التحكم في بعض التوازنات والحفاظ على المكاسب ! مكاسب التواجد العددي في أجهزة الجمعية . وإلا فكيف يمكن لأي مناضل حقوقي وخاصة مناضلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ذات المرجعية الكونية والمؤمنة بشمولية حقوق الإنسان أن يقاوم ويناهض حق الآخرين ورغبتهم في التحدث بلغتهم الأصلية في مؤسسات وإدارات الدولة المغربية دون خوف ولا تقريع ولا تحقير ولا استهزاء من موظفي الدولة .
هل يعلم هؤلاء المناضلين الدين يعتبرون مطلب دسترة الأمازيغية » مطلبا سياسيا « وليس مطلبا حقوقيا أن العديد من الإدارات – محاكم ، درك شرطة ، مستشفيات ... تستعين بخدمات " مترجمين " للتواصل مع الأمازيغيين في مناطقهم وكأنهم مهاجرين سريين أحرقوا كل أوراقهم وفقدوا لسانهم / لغتهم ؟ هل يعي هؤلاء المناضلين الرافدين لدسترة الأمازيغية كيف أن قبيلة برمتها تتكون من 6000 نسمة فما فوق مضطرة لبدل أكبر المجهودات من أجل التواصل مع ممرض أو معلم أو دركي أو حارس غابوي حل بمنطقتهم أو دوارهم يجهل الأمازيغية عوض أن يكون هدا الموظف هو من يتحدث لغتهم ؟هل يعلم هؤلاء المناضلين أن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة قد راسلت ملك المغرب مطالبة إياه بضرورة "تطبيق المغرب للتوصيات والخلاصات الصادرة عن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة بتاريخ 19 ماي 2006"؟ هل يعلم هؤلاء المناضلين أن العديد من دول العالم الديمقراطي قد أقرت في دساتيرها أكثر من لغة دون أن ينتج عن دلك تناحر عرقي أو تقاتل "قبلي " وند كرمنها إسبانيا الجارة وبلجيكا وكندا وجنوب إفريقيا وسويسرا ... ؟ فأي إسقاط هدا الذي تتحدثون عنه وأي تسييس هدا للنضال الحقوقي وأي إلحاق حزبي وهلم جر... إن الأحزاب والجمعيات ذات الصلة بحقوق الإنسان في أبعادها الإنسانية مطالبة اليوم بالنضال من أجل حث الدولة المغربية على ضرورة الاعتراف الرسمي بالأمازيغية في الدستور المغربي بل بضرورة إيلاء هد المكون الأساسي في هوية الشعب المغربي المتعددة كل الاهتمام وكل الاحترام ورد الاعتبار للامازيغية لغة وثقافة وحضارة بعد كل هده القرون من الإقصاء والتهميش والعزلة... وأن من يتقاعس في تفعيل هدا المطلب هو من يمارس الحزبوية والسايسوية والإسقاطات الدينية الضيقة والقومية الشوفينية...خلاصة القول : إن مطلب دسترة الأمازيغية مطلب حقوقي بامتياز وحق لايجب أن يخضع لأي ابتزاز أو حسابات أو تكتيكات مرحلية . واليوم والجمعية المغربية لحقوق الإنسان قد حسمت هدا الموضوع بعد سنوات من النقاش الديمقراطي من أجل إقناع الجميع لصالح دسترة الأمازيغية ،فإن فروع الجمعية ومناضليها ومناضلاتها مطالبون بإبداع كل الأشكال النضالية من أجل إحقاق هدا الحق. العلمانية : حماية للديمقراطية والتنوع والاختلاف وليست ورقة للمزايدة ...
العلمانية مصطلح طفا مؤخرا على سطح جدول أعمال الجمعية في شقه اللغوي أي على مستوى الدال وليس على مستوى المدلول signifiant et non signifié أما مضمونا فالجمعية علمانية مند تأسيسها انطلاقا من مرجعيتها ومبادئها ومن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقول في المادة 18 " لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ،ويشمل هدا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته ،وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان دلك سرا أم مع الجماعة''ادن، الجمعية لا يمكن إلا أن تكون علمانية أو لائكية لأنها تستمد مرجعيتها من المواثيق الدولية. وعندما نقول علمانية أولائكية نقصد فصل الدين عن مؤسسات الدولة وليس عن المجتمع باعتباره مسألة شخصية لا دخل فيها للدولة أو الجماعات الدينية وكما قال كارل ماركس : : « Chacun doit pouvoir satisfaire ses besoins religieux et corporels, sans que la police y fourre le nez ». فنعني بدلك اختصارا الحق في اعتناق دين من الأديان سماويا أو وضعيا أو عدم اعتناق أي دين أو تغيير الدين أو عدم الإيمان نهائيا دون أن يكون لدلك أي تأثير على حياة الفرد أو الجماعة إيجابا أو سلبا من طرف أفراد أو جماعات أو النظام السياسي القائم في البلد المعني . إذن فمناضلات ومناضلوا الجمعية الدين ناقشوا و"اختلفوا" بخصوص العلمانية / اللائكية ، لم يختلفوا على كون الجمعية المغربية لحقوق الإنسان علمانية أم لا لأنها كذلك ولأنه لم يسبق لنا في الجمعية أن طالبنا مناضلاتنا ومناضلينا بخلع أو ارتداء الحجاب أو أن يقصوا الشارب ويعفوا عن اللحية وإقامة صلاة الجماعة قبل استئناف الاجتماع أو التصريح بعقيدتهم قبل الانخراط في الجمعية . وإنما سبب الضجة كلها حول العلمانية كان بخصوص مطالبة الجمعية للدولة بتبني العلمانية من عدمه. هدا المطلب الذي لم يكن وليد الصدفة أو إشباعا لنزوات معينة أو نزولا عند رغبات في ممارسة الترف الفكري والنخبوي ،بل مطلب علمانية الدولة أولائكيتها هو إفراز موضوعي لضرورة أساسية و حقوقية وهي الرغبة في الإحساس بالانتماء إلى دولة المواطنين وليس إلى دولة الرعايا ! ألسنا نتذكر عدد المواطنين بمن فيهم الشيوخ والأطفال الدين توبعوا وحوكموا بالمس بالمقدسات !!! أليست وفاة شيخ اليوسوفية عن سن تناهز 95 سنة في زنزانته بعد متابعته بتهمة المقدس وصمة عار على جبينا جميعا وليس على جبين النظام السياسي الذي حاكمه !!!
أيعقل أن يكون هناك في هدا البلد وغيره في القرن 21 من يثير ضجة – كان يجب اعتبراها هديانا – عندما أصدر فتوى بتزويج طفلات في مقتبل العمر -9 سنوات- وتستنفر المجالس العلمية طاقتها و يحتد الجدل بين الفقهاء ورجال الدين للبحث في شرعية أو عدم شرعية الفتوى عوض التنديد والاستنكار وتحرك النيابة العامة وتقديم المعني بالأمر إلى العدالة بتهمة التحريض بالتغرير بالقاصرين!!! أيعقل أن يكون مبدعونا وشعراؤنا وسينمائيونا ومناضلونا تحت رحمة محاكم التفتيش القرسطوية التي تمارس الرقابة على الخلق والإبداع والإنتاج الفكري انطلاقا من البوتقة الفقهية الجامدة المتخلفة في الوقت الذي تستمر فيه القنوات والجرائد البترودولارية في نشر الترهات الرجعية والظلامية على شاكلة أهوال القبور وعذاب القبر بين صفوف المواطنات والمواطنين الفاقدين لأية مناعة ضد هده السموم الحضارية !!! وهنا مرة أخرى عوض أن يأخذ النقاش مجراه الطبيعي بهدوء وتبصر، استغل البعض الفرصة لتصفية الحسابات وشيطنة الطرف الآخر- أي ما يسمى بالجناح المهيمن على الجمعية !!!- . والخطير في الأمر أن بعض الخرجات الإعلامية على شكل بيانات وبلاغات و الموقعة من طرف ما سمي أحيانا بالقطاعات و أحيانا أخرى بالفرق الحقوقية لأحزاب معينة ، كانت - أي هده الخرجات الإعلامية- تبعث بأكثر من رسالة لأكثر من جهة لتتبرأ من توجهات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومواقفها وكأنها تعطي الضوء الأخضر لكل من يهم الأمر للاستفراد بالجمعية !!! الخلاصة / النداء إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في اعتقادي ، هي إحدى أجمل الإفرازات لأحدى أجمل تجارب العمل الوحدوي للمناضلات والمناضلين التقدميين المغاربة . إطار أنشئ لحاجة مجتمعية ملحة في زمان ومكان معينين ، قاوم وصمد دون تقديم تنازلات ولازال صامدا مقاوما وممانعا وسيستمر كذلك لأن هدا الشعب الذكي قد احتضنه بعد أن وهبه ثقته وحبه. هده الجمعية على غيرها من الكثير من التنظيمات ،التي أصيبت بأمراض مزمنة والتي من بين أهم أعراضها تقلص عدد المنخرطين والمتعاطفين معها ، أكدت - أي الجمعية - على قدرتها على الإغراء ونيل الإعجاب والتوسع بفضل قدرتها على تطوير آليات اشتغالها ومناهج عملها وانفتاحها على المجتمع ونبد ثقافة الصالونات والنقاشات البيزنطية والعمل بمقولة التحليل الملموس للواقع الملموس ... وفي إطار الاحترام التام لمرجعيتها الكونية ومبادئها الستة ومنها مبدأ الاستقلالية عن التنظيمات الأخرى ولكن عن الدولة كذلك ...
إن مناضلات ومناضلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمتعاطفين معها مطالبون جميعا بتحصين هده التجربة المتميزة في الواقع المغربي والحيلولة دون إصابتها بعدوى انفلونزا الأحزاب والنقابات والجمعيات الأخرى إلا قليلها ،هده العدوى التي تنتقل عبر " المناضلات والمناضلين" الدين لم ينالوا نصيبهم من التلقيح الضروري والكافي ، كما يمكن أن تنتقل عبر الأبواق المسخرة من أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان... فلنحصن جميعا هده التجربة ،إحدى نقط الضوء الوحيدة في فضائنا المظلم ، عبر النقاش الصريح والوضوح الفكري والإيمان بالديمقراطية كأسلوب ضامن للممارسة الاختلاف ، والثبات على المبادئ بعيدا عن ثقافة الدسائس وحروب داحس والغبراء ونصرة القبيلة وسياسة الأرض المحروقة لعل هده التجربة، تجربة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تلهم تجارب أخرى سياسيا، نقابيا ، وجمعويا ، تجارب نريدها كلها قوية، ممانعة و ديمقراطية في أفق بناء دولة الديمقراطية والكرامة وكل الحقوق للجميع. عزيز عقاوي مناضل الجمعية المغربية لحقوق الانسان خنيفرة
[ Ajouter un commentaire ] [ Aucun commentaire ]
إن لجنة من أجل كل الحقيقة حول مصير الشهيد عبد اللطيف زروال، وبعد اطلاعها على تقرير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بخصوص متابعته لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ووقوفها على تصريحات رئيس المجلس في الندوة الصحفية وعبر وسائل الإعلام، لتستغرب أشد ما استغراب عدم ورود حالة الشهيد عبد اللطيف زروال ضمن الحالات التي عالجها المجلس لإجلاء الحقيقة حولها حسب توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في تقريرها النهائي. مما يدل على انعدام الكفاءة و الإرادة لدى المجلس في تعاطيه مع التوصيات المذكورة بل ومساهمته في طمس الحقائق وتكريس الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية و تبييضه للأجهزة المسؤولة عنها.لذا فإن اللجنة تعلن ما يلي:
أ• تطالب الدولة بالكشف عن كل الحقيقة حول ظروف اختطاف وتعذيب وقتل الشهيد عبد اللطيف زروال. ب• تطالب بمحاكمة المسئولين عن اختطاف وتعذيب وقتل الشهيد. ج• تطالب بمعاقبة المسئولين عن تزوير اسمه بالمستشفى. د• تطالب الدولة بتسليم رفاته لعائلته بعد إجراء التحاليل اللازمة للتأكد من هويته. هـ• تهيب بكل الديمقراطيات والديمقراطيين لمساندتها في مهمتها والضغط على الدولة المغربية من أجل إجلاء الحقيقة في قضية الشهيدعبد اللطيف زروال. الرباط في: 18 يناير 2010
[ Ajouter un commentaire ] [ Aucun commentaire ]
# Posté le mercredi 20 janvier 2010 10:01
L'AMDH ou l'option démocratique
الجمعية المغربية لحقوق الإنسانبين الممانعة والابتزاز
فصل المقال فيما بين حقيقة الأمور والافتراءات المجانية من انفصال
كثر الحديث وخصوصا مند آخر مؤتمر للجمعية – المؤتمرالوطني الثامن- عن ذبح الديمقراطية الداخلية وضرب الاستقلالية وتمييع الجماهيرية والمغالاة في فهم التقدمية و جعل الكونية والشمولية حصان طرودة لإسقاط السياسي على الحقوقي ،ومن داخل نفس المنطق،عن إسقاط الحزبي على الجمعوي وبشكل يغالي في المبالغة في إلحاق الجمعية بتيار سياسي بعينه ضدا على" التاريخ المجيد للجمعية الذي يشهد باستقامة قيادتها السابقة بحنكتها وتبصرها وجعلها- أي الجمعية- فوق الاعتبارات الحزبية الضيقة بل وقدرة هده القيادات السابقة على التمييز دونما الخلط بين السياسي والحقوقي ، بين الحزبي والجمعوي... "وحتى لا نسقط – كما وقع للبعض- في فخ تبخيس عمل المناضلين الشرفاء- وهم من هنا ومن هناك على كل حال- الدين أسهموا عبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في مسارها المشرف، في تقديم الشيء الكثير لحقوق الإنسان في المغرب، نود أن نوضح بعيدا عن أسلوب القذف والسب والشتم،الذي يستهدف الجمعية في صيغتها الحالية ، أن الهجوم الذي تتعرض له الجمعية تحت مسوغات " فضح الهيمنة الحزبية" الدفاع عن استقلالية الجمعية" التنديد بالحاق الجمعية بتيار معين " "ذبح الديمقراطية الديمقراطية الداخلية" وهلم جرا من العبارات "العالمة " في مظهرها الفارغة في مضمونها ... إنما هو ردة فعل يائسة لعدم قدرة البعض على مسايرة انفتاح الجمعية على محيطها العام والانخراط الكبير لعموم المواطنات والمواطنين في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وتغير قاعدتها الجماهيرية كيفا وكما وظهور طاقات جديدة تبنت النضال اليومي والجماهيري إلى جانب الفلاحين والعمال والمعطلين والمهمشين دفاعا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دونما الاكتفاء بدور المحامي الذي يسجل الخروقات وينظم الندوات وينشر البلاغات للشجب والتنديد .كما أن هذه الدينامية الجديدة أربكت العديد من الحسابات التي كانت تريد من الجمعية أن تكون أداة لتلميع صورة ا لبعض في مهامه المهنية ولما لا قناة" للتواصل" مع الدولة والتوسط في بعض القضايا الأساسية – قضية المناضلة أمينتو حيضرمثلا-.
وبالمناسبة أذكر الأقلية التي تريد أن تمارس دكتاتوريتها على الأغلبية أنه كان بوسع المؤتمر الوطني الثامن للجمعية أن يحسم بشكل ديمقراطي في عدة قضايا التي سميت قضايا خلافية إلا أن حكمة وتبصر الأغلبية العددية والنوعية أجلت الحسم في هذه القضايا الحقوقية بامتياز – الأمازيغية والعلمانية- من أجل إرضاء الأقلية والحفاظ على وحدة الجمعية وإعطاء الفرصة لمناضلات ومناضلي الجمعية لمناقشة هذه القضايا في ندوات فكرية هادئة بعيدا عن ضغط المؤتمر وحساباته . وهو ما تم بالفعل وفي الوقت الذي حدده المؤتمر . إلا أن رفاقنا في الأقلية الديكتاتورية وعملا بمنطق "ولو طارت معزة" كانوا مصرين بعد النقاش العلمي والفكري الهادئ بخصوص الأمازيغية على إخضاع قرار مطالبة الدولة بدسترة الأمازيغية إلى التصويت لكي يتباكوا بعد ذلك على هذا الشكل الديمقراطي الذي طالبوا به منددين "بدكتاتورية الأغلبية " التي تقبل بالتصويت كآلية للحسم في "القضايا الخلافية" .إنه نوع من المازوشية السياسية masochisme politique duالتي ألمت ببعض المناضلين السياسيين في هذا الوطن الجريح والذين يردون كل ويلاتهم وعجزهم إلى "المؤامرات التي تحاك ضدهم ..." أما بخصوص ندوة "العلمانية" فقد قررت الأقلية الديكتاتورية ببساطة مقاطعتها ،وكفى الله المؤمنين شر القتال ... وقد راسلني بعد هذه الندوة صديق وعضو في اللجنة الإدارية كاتبا " يا أخي نحن معشر الط... قررنا مقاطعة هذه الندوة لأننا لا نريد أن نزكي قرار الأغلبية..." مع العلم أن الندوة كانت ندوة فكرية للنقاش الهادئ ولم تكن اجتماعا تقريريا ... وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه إحدى عضوات اللجنة الإدارية- ذات التخصص في تسريب الأمور الداخلية للجمعية إلى الخارج - خلال الندوة الوطنية حول التنظيم عندما صرحت أمام أعضاء اللجنة الإدارية والملتقى الوطني للفروع بالهرهورة "أن التصويت في المؤتمر الوطني الثامن للجمعية كان ديمقراطيا ولكنه لم يكن حقوقياallez comprendre !!! كم ستروقني هذه الجملة الأخيرة لو كانت في سياق آخر أعني لو نطق بها Samuel Beckett أو Eugène Ionesco وهم بالمناسبة من أعلام مسرح العبث ... إن رفيقاتنا ورفاقنا في الأقلية الديكتاتورية والذين قرروا في المؤتمر الأخير للجمعية أن يحسموا مع سياسة الريع وأزبدوا وأرغدوا بما ملكت أيمانهم من أجل تبني صيغة الاقتراع السري المباشر عوض صيغة لجنة الترشيحات- وهو ما استجابت له إرادة المؤتمر التي لا تقهر- لم يكونوا يعلمون أن السحر سينقلب ضد الساحر أو ربما أخطؤوا حساباتهم ،فكانت النتيجة عكس الانتظارات وحاولوا تدارك الوضع عبر مجموعة من التكتيكات التي لم تجدي نفعا من قبيل " الباقي مع" لكن هيهات ،انطلق قطار الجمعية في اتجاه الديمقراطية تاركا وراءه المحطات السابقة التي كانت تسوى فيها الأمور بشكل "حقوقي" من حقي ، حقك" "وليس ديمقراطي" أي حكم المؤتمر لنفسه بنفسه...
واليوم ها هم إخواننا وأخواتنا ، في الأقلية الديكتاتورية يشنون حربا ضروسا ضد الديمقراطية ،منهم من يمتلك الجرأة على التعبير عن رأيه ورأي الأقلية بوضوح لا يخلو في غالب الأحيان من التجريح والقدف والسب والشتم – نال منه الرفيق المناضل الكبير آمين حميد عبد الحميد النصيب الأوفر و حتى الرئيسة الرفيقة خديجة الرياضي لم تسلم من الهجوم المنظم علاوة على عبد السلام العسال وفتيحة المصباحي وقبلهم سميرة كناني وفاطمة الزهراء زرموق والقائمة تطول ، ومنهم ومنهن، من يهاجمون من وراء حجاب لكي يكون هامش إحداث الضرر أكبر وأوسع في صفوف "العدو" - الأغلبية داخل الجمعية المغرية لحقوق الإنسان ولما لا داخل التيار السياسي "المهيمن" داخل الجمعية- ... فشكرا للأخوات والإخوة، ها قد وجدتم عدوا طبقيا جديدا بعد ما تصالحتم ونسقتم – مؤتمر المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف الأخير- مع اليمين الانتهازي " المكتب السياسي" على حد تعبيركم أيام جريدة "الطريق" المجيدة ... استلوا خناجركم واضربوا فسيصير في وسعكم بعدها ،أن تشربوا كأسا على قبر الشهيدة – هنا الجمعية- كما قال نزار قباني... تذكير لا بد منه . إن المتتبع للجرائد الوطنية: يومية، أسبوعية، شهرية، ناطقة بالعربية أو الفرنسية مستقلة أو حزبية سيلاحظ، وعلى امتداد خريطة البلاد، أن حضور الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على صفحات هده الجرائد يكاد يكون أمرا بديهيا وواقعا لا مفر منه . كما سيلاحظ كدالك أن مجالات تدخل الجمعية يشمل كل الحقوق المتعارف عليها دوليا ودون استثناء ودون أدنى تردد أو تقديرات وهو ما لا ينطبق حتما على باقي الإطارات الحزبية، النقابية أو الجمعوية ، ذات الحسابات المتعددة.أكيد إذن، أن الدم الجديد التي ضخته دينامية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في شرايين الحركة الاحتجاجية والمطلبية المغربية، بعد أن ارتد كل من يهمهم الأمر إلى الوراء، أصبح واضحا للعيان إلى درجة إحراج البعض واستفزاز البعض الآخر! ومن الطبيعي أن تسيل هده الدينامية الكثير من المداد وأن تلهم العديد من الأقلام الجادة والغيورة على مستقبل الجمعية كما الناقمة أوالناطقة باسم سيدها ...فادا كانت الجمعية، في المراحل الأولى من التأسيس قد ناضلت من أجل إثبات الذات وفرض الوجود في وجه الآلة القمعية لسنوات الجمر و الرصاص وتمكنت من دلك ، وهو ما نفتخر به ، فإنها استطاعت اليوم وخصوصا مند مؤتمرها الوطني الثامن أن تحقق تلك القفزة النوعية التي نعتزلها كذلك والتي يجب أن يعتز لها كل مناضل ديمقراطي.
لقد شكل هدا المؤتمر و بحق، لحطة ديمقراطية متميزة في تاريخ الجمعية ، لقد كان المخاض عسيرا لكن الولادة كانت موفقة لأنها كانت – هده المرة- طبيعية ولم تكن قيصرية - الاقتراع السري المباشر عوض لجنة الترشيحات -.وبديهي داخل أحضان كل إطار حيوي، مناضل ديمقراطي وجماهيري كالجمعية أن ترتفع أصوات بعض المناضلات والمناضلين للتعبير عن تخوفهم ! رفضهم ! تحفظهم ! من وتيرة السرعة التي أصبحت تسير بها الجمعية ، الآليات الجديدة التي تشتغل بها ، المواضيع والاهتمامات التي تتصدر جداول أعمالها ! مؤاخذة إياها – حتى لا أقول متهمة إياها- بتسييس العمل الحقوقي وتقمص دور الحزب وبالتالي حشر الجمعية في اهتمامات ليست من اهتمامات العمل الحقوقي !!! وبديهي كذلك، أن ترتفع أصوات أخرى لتنتقد الجمعية متهمة إياها بممارسة النضال البورجوازي النخبوي وتلطيف أجواء الصراع وتأخير مراحل الحسم الثوري مع العدو الطبقي... ! وعين الصواب أن عمل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يتموقع بين الرأيين وبمسافة محترمة . ولعل الرأيان النقيضان معا يجيبان عن بعضهما بالنفي المتبادل. فلا الجمعية تتقمص دور الحزب وتنسلخ من جلدها الحقوقي ولا هي نضالا نخبويا بورجوازيا ملجما للنضالات الشعبية الحقيقية المطالبة بالديمقراطية في أبعادها السياسية والديمقراطية. إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هي إطار جماهيري، ديمقراطي، تقدمي ومستقل يؤمن بأن حقوق الإنسان هي حقوق كونية ولا يمكن إلا أن تكون شمولية. وبالتالي فكل تأويل يبغي تقزيم أو قولبة هده المبادئ وفق خصوصيات محلية أو قومية أو دينية أو لاعتبارات مرحلية وتكتيكية فهو تأويل يجانب الصواب ويضرب في العمق الأسس والمبادئ الكونية التي تؤطر عمل الجمعية . كما أن من ينتظر من الجمعية أن تعلن العصيان المدني أو الكفاح المسلح فهو أكيد يحمل الجمعية ما لا طاقة لها به ويدمج بين الحقول السياسية ،الجمعوية والنقابية وبالتالي يسقط – بضم الياء- مضمون العمل السياسي الحزبي على مضمون العمل الجمعوي .إن تراجع النضال اليساري وانحصار الفعل التقدمي المغربي لأسباب ذاتية وموضوعية مقابل الهجوم الخطير على أبسط شروط العيش الكريم للمواطن المغربي والتراجعات المخيفة عن جملة من المكتسبات ، هي إحدى الأسباب الرئيسية التي جعلت الجمعية المغربية من خلال نضالاتها اليومية في الدفاع عن حقوق الإنسان، السياسية،الثقافية والاقتصادية تظهر للبعض وكأنها " تنوب "عن الجميع في أداء مهامهم النضالية وبالتالي الغوص في مجالات غير المجالات الحقوقية !
كما تبدو للبعض الآخر وكأنها البديل المنتظر وبالتالي وجب عليها الرفع من وتيرتها واستبدال أساليب عملها وإلا فإنها واجهة من واجهات تلميع صورة التحالف الطبقي المسيطر وبالتالي لا خير يرجى منها وعلى الأرجح فضحها ومواجهتها أيدلوجيا ولما لا" بالعنف الثور"3...!أما بخصوص "القضايا الخلافية " الأمازيغية والعلمانية فأعتقد جازما أن الأمر لا يغدو إلا أن يكون تكتيكا من طرف الإخوة ليس إلا ،على اعتبار أنهم يعلمون حق المعرفة أن هذه القضايا هي قضايا حقوقية بامتياز وأن حشرها في ملفات السياسة هو من باب خلط الأوراق و تمييع النقاش وافتعال الخلافات لغرض في النفس الأمارة بالسوء ... كيف ذلك ؟ أوضح : الأمازيغية : قضية شعب ومطلب حقوقي وليست ورقة للابتزاز احتد النقاش أو بالأحرى أريد له – بضم الهمزة- أن يحتد حول هده القضية الجوهرية بشكل واضح مند المؤتمر الوطني السابع أبريل 2004 عندما طرحت فكرة مطالبة الدولة المغربية بضرورة دسترة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية وإدراج هدا المطلب في البيان الختامي للمؤتمر المذكور.ونظرا لأن لجنة الترشيحات التي كانت تبت بشكل موازي لأشغال الو رشات في لائحة اللجنة الإدارية للجمعية، كانت تواجهها بعض الصعوبات ذات العلاقة بتمثيلية كل توجه داخل هدا الجهاز، فقد أعطيت الإشارة لبعض المناضلين من داخل المؤتمر بتصعيد الخطاب وممارسة المعارضة / التكتيك من أجل تقوية موقف معين داخل لجنة الترشيحات. وهده المعارضة/ التكتيك وجدت في الأمازيغية كبش فدائها .حيث حاول بعض المؤتمرين بما أوتوا من قوة ،لم تخلو في غالب الأحيان من البوليميك الرخيص والتحقير والاستفزاز- أترفع عن ذكر ما سمعت في لجنة البيان العام- من تبيان أن الأمازيغية هي ابعد من أن تكون مطلبا حقوقيا وحتى إن كان فإن دسترتها لن تجلب إلى الشعب المغربي إلا الويلات والمآسي والتفرقة ... بل هناك من المؤتمرين المعارضين الجاهلين ببعض الحقائق التاريخية من تحد المؤتمرين ونفى بشكل قاطع وجود أي دولة في العالم أقرت أكثر من لغة في دستورها !!! إن النقاش الذي حمي وطيسه حول الأمازيغية وخاصة مند المؤتمر السابع للجمعية لم يكن بهدف تأصيل للمفاهيم وتدقيق الإشكاليات وحصر الحدود بين السياسي والحقوقي بقدر ما كان الغرض منه ممارسة الضغط ، التحكم في بعض التوازنات والحفاظ على المكاسب ! مكاسب التواجد العددي في أجهزة الجمعية . وإلا فكيف يمكن لأي مناضل حقوقي وخاصة مناضلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ذات المرجعية الكونية والمؤمنة بشمولية حقوق الإنسان أن يقاوم ويناهض حق الآخرين ورغبتهم في التحدث بلغتهم الأصلية في مؤسسات وإدارات الدولة المغربية دون خوف ولا تقريع ولا تحقير ولا استهزاء من موظفي الدولة .
هل يعلم هؤلاء المناضلين الدين يعتبرون مطلب دسترة الأمازيغية » مطلبا سياسيا « وليس مطلبا حقوقيا أن العديد من الإدارات – محاكم ، درك شرطة ، مستشفيات ... تستعين بخدمات " مترجمين " للتواصل مع الأمازيغيين في مناطقهم وكأنهم مهاجرين سريين أحرقوا كل أوراقهم وفقدوا لسانهم / لغتهم ؟ هل يعي هؤلاء المناضلين الرافدين لدسترة الأمازيغية كيف أن قبيلة برمتها تتكون من 6000 نسمة فما فوق مضطرة لبدل أكبر المجهودات من أجل التواصل مع ممرض أو معلم أو دركي أو حارس غابوي حل بمنطقتهم أو دوارهم يجهل الأمازيغية عوض أن يكون هدا الموظف هو من يتحدث لغتهم ؟هل يعلم هؤلاء المناضلين أن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة قد راسلت ملك المغرب مطالبة إياه بضرورة "تطبيق المغرب للتوصيات والخلاصات الصادرة عن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة بتاريخ 19 ماي 2006"؟ هل يعلم هؤلاء المناضلين أن العديد من دول العالم الديمقراطي قد أقرت في دساتيرها أكثر من لغة دون أن ينتج عن دلك تناحر عرقي أو تقاتل "قبلي " وند كرمنها إسبانيا الجارة وبلجيكا وكندا وجنوب إفريقيا وسويسرا ... ؟ فأي إسقاط هدا الذي تتحدثون عنه وأي تسييس هدا للنضال الحقوقي وأي إلحاق حزبي وهلم جر... إن الأحزاب والجمعيات ذات الصلة بحقوق الإنسان في أبعادها الإنسانية مطالبة اليوم بالنضال من أجل حث الدولة المغربية على ضرورة الاعتراف الرسمي بالأمازيغية في الدستور المغربي بل بضرورة إيلاء هد المكون الأساسي في هوية الشعب المغربي المتعددة كل الاهتمام وكل الاحترام ورد الاعتبار للامازيغية لغة وثقافة وحضارة بعد كل هده القرون من الإقصاء والتهميش والعزلة... وأن من يتقاعس في تفعيل هدا المطلب هو من يمارس الحزبوية والسايسوية والإسقاطات الدينية الضيقة والقومية الشوفينية...خلاصة القول : إن مطلب دسترة الأمازيغية مطلب حقوقي بامتياز وحق لايجب أن يخضع لأي ابتزاز أو حسابات أو تكتيكات مرحلية . واليوم والجمعية المغربية لحقوق الإنسان قد حسمت هدا الموضوع بعد سنوات من النقاش الديمقراطي من أجل إقناع الجميع لصالح دسترة الأمازيغية ،فإن فروع الجمعية ومناضليها ومناضلاتها مطالبون بإبداع كل الأشكال النضالية من أجل إحقاق هدا الحق. العلمانية : حماية للديمقراطية والتنوع والاختلاف وليست ورقة للمزايدة ...
العلمانية مصطلح طفا مؤخرا على سطح جدول أعمال الجمعية في شقه اللغوي أي على مستوى الدال وليس على مستوى المدلول signifiant et non signifié أما مضمونا فالجمعية علمانية مند تأسيسها انطلاقا من مرجعيتها ومبادئها ومن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقول في المادة 18 " لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ،ويشمل هدا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته ،وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان دلك سرا أم مع الجماعة''ادن، الجمعية لا يمكن إلا أن تكون علمانية أو لائكية لأنها تستمد مرجعيتها من المواثيق الدولية. وعندما نقول علمانية أولائكية نقصد فصل الدين عن مؤسسات الدولة وليس عن المجتمع باعتباره مسألة شخصية لا دخل فيها للدولة أو الجماعات الدينية وكما قال كارل ماركس : : « Chacun doit pouvoir satisfaire ses besoins religieux et corporels, sans que la police y fourre le nez ». فنعني بدلك اختصارا الحق في اعتناق دين من الأديان سماويا أو وضعيا أو عدم اعتناق أي دين أو تغيير الدين أو عدم الإيمان نهائيا دون أن يكون لدلك أي تأثير على حياة الفرد أو الجماعة إيجابا أو سلبا من طرف أفراد أو جماعات أو النظام السياسي القائم في البلد المعني . إذن فمناضلات ومناضلوا الجمعية الدين ناقشوا و"اختلفوا" بخصوص العلمانية / اللائكية ، لم يختلفوا على كون الجمعية المغربية لحقوق الإنسان علمانية أم لا لأنها كذلك ولأنه لم يسبق لنا في الجمعية أن طالبنا مناضلاتنا ومناضلينا بخلع أو ارتداء الحجاب أو أن يقصوا الشارب ويعفوا عن اللحية وإقامة صلاة الجماعة قبل استئناف الاجتماع أو التصريح بعقيدتهم قبل الانخراط في الجمعية . وإنما سبب الضجة كلها حول العلمانية كان بخصوص مطالبة الجمعية للدولة بتبني العلمانية من عدمه. هدا المطلب الذي لم يكن وليد الصدفة أو إشباعا لنزوات معينة أو نزولا عند رغبات في ممارسة الترف الفكري والنخبوي ،بل مطلب علمانية الدولة أولائكيتها هو إفراز موضوعي لضرورة أساسية و حقوقية وهي الرغبة في الإحساس بالانتماء إلى دولة المواطنين وليس إلى دولة الرعايا ! ألسنا نتذكر عدد المواطنين بمن فيهم الشيوخ والأطفال الدين توبعوا وحوكموا بالمس بالمقدسات !!! أليست وفاة شيخ اليوسوفية عن سن تناهز 95 سنة في زنزانته بعد متابعته بتهمة المقدس وصمة عار على جبينا جميعا وليس على جبين النظام السياسي الذي حاكمه !!!
أيعقل أن يكون هناك في هدا البلد وغيره في القرن 21 من يثير ضجة – كان يجب اعتبراها هديانا – عندما أصدر فتوى بتزويج طفلات في مقتبل العمر -9 سنوات- وتستنفر المجالس العلمية طاقتها و يحتد الجدل بين الفقهاء ورجال الدين للبحث في شرعية أو عدم شرعية الفتوى عوض التنديد والاستنكار وتحرك النيابة العامة وتقديم المعني بالأمر إلى العدالة بتهمة التحريض بالتغرير بالقاصرين!!! أيعقل أن يكون مبدعونا وشعراؤنا وسينمائيونا ومناضلونا تحت رحمة محاكم التفتيش القرسطوية التي تمارس الرقابة على الخلق والإبداع والإنتاج الفكري انطلاقا من البوتقة الفقهية الجامدة المتخلفة في الوقت الذي تستمر فيه القنوات والجرائد البترودولارية في نشر الترهات الرجعية والظلامية على شاكلة أهوال القبور وعذاب القبر بين صفوف المواطنات والمواطنين الفاقدين لأية مناعة ضد هده السموم الحضارية !!! وهنا مرة أخرى عوض أن يأخذ النقاش مجراه الطبيعي بهدوء وتبصر، استغل البعض الفرصة لتصفية الحسابات وشيطنة الطرف الآخر- أي ما يسمى بالجناح المهيمن على الجمعية !!!- . والخطير في الأمر أن بعض الخرجات الإعلامية على شكل بيانات وبلاغات و الموقعة من طرف ما سمي أحيانا بالقطاعات و أحيانا أخرى بالفرق الحقوقية لأحزاب معينة ، كانت - أي هده الخرجات الإعلامية- تبعث بأكثر من رسالة لأكثر من جهة لتتبرأ من توجهات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومواقفها وكأنها تعطي الضوء الأخضر لكل من يهم الأمر للاستفراد بالجمعية !!! الخلاصة / النداء إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في اعتقادي ، هي إحدى أجمل الإفرازات لأحدى أجمل تجارب العمل الوحدوي للمناضلات والمناضلين التقدميين المغاربة . إطار أنشئ لحاجة مجتمعية ملحة في زمان ومكان معينين ، قاوم وصمد دون تقديم تنازلات ولازال صامدا مقاوما وممانعا وسيستمر كذلك لأن هدا الشعب الذكي قد احتضنه بعد أن وهبه ثقته وحبه. هده الجمعية على غيرها من الكثير من التنظيمات ،التي أصيبت بأمراض مزمنة والتي من بين أهم أعراضها تقلص عدد المنخرطين والمتعاطفين معها ، أكدت - أي الجمعية - على قدرتها على الإغراء ونيل الإعجاب والتوسع بفضل قدرتها على تطوير آليات اشتغالها ومناهج عملها وانفتاحها على المجتمع ونبد ثقافة الصالونات والنقاشات البيزنطية والعمل بمقولة التحليل الملموس للواقع الملموس ... وفي إطار الاحترام التام لمرجعيتها الكونية ومبادئها الستة ومنها مبدأ الاستقلالية عن التنظيمات الأخرى ولكن عن الدولة كذلك ...
إن مناضلات ومناضلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمتعاطفين معها مطالبون جميعا بتحصين هده التجربة المتميزة في الواقع المغربي والحيلولة دون إصابتها بعدوى انفلونزا الأحزاب والنقابات والجمعيات الأخرى إلا قليلها ،هده العدوى التي تنتقل عبر " المناضلات والمناضلين" الدين لم ينالوا نصيبهم من التلقيح الضروري والكافي ، كما يمكن أن تنتقل عبر الأبواق المسخرة من أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان... فلنحصن جميعا هده التجربة ،إحدى نقط الضوء الوحيدة في فضائنا المظلم ، عبر النقاش الصريح والوضوح الفكري والإيمان بالديمقراطية كأسلوب ضامن للممارسة الاختلاف ، والثبات على المبادئ بعيدا عن ثقافة الدسائس وحروب داحس والغبراء ونصرة القبيلة وسياسة الأرض المحروقة لعل هده التجربة، تجربة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تلهم تجارب أخرى سياسيا، نقابيا ، وجمعويا ، تجارب نريدها كلها قوية، ممانعة و ديمقراطية في أفق بناء دولة الديمقراطية والكرامة وكل الحقوق للجميع. عزيز عقاوي مناضل الجمعية المغربية لحقوق الانسان خنيفرة
[ Ajouter un commentaire ] [ Aucun commentaire ]
jeudi 7 janvier 2010
تحرر المرأة العاملة
ألكساندرا كولونتاي
2009 / 10 / 19
من هي ألكسندرا كولونتاي؟
ألكسندرا كولونتاي من أبرز نساء الحركة الشيوعية الروسية. حتى أن مكسيم غوركي يروي على لسان مارتوف قوله: «يوجد في روسيا شيوعيان اثنان فقط: لينين ومدام كولونتاي»!
كانت أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير. ولعبت دورا هاما في الحزب والدولة خلال السنوات الأولى لثورة أكتوبر. ثم واصلت خدمتها للدولة السوفيتية في السلك الدبلوماسي خلال ربع قرن. لكن مساهمتها الكبرى هي نضالها الذي كرست له كل حياتها, ككاتبة ومناضلة شيوعية, من أجل تحرر المرأة, وتحرر النساء العاملات بشكل خاص.
ولدت ألكسندرا دومونتوفتش في أسرة عقيد بالجيش الروسي في سان بطرسبرغ عام 1872, لمئة سنة خلت, وتزوجت أحد أقاربها, المهندس فلاديمير كولونتاي. تأثرت باكرا بالأفكار الثورية عبر نظرية داروين التطورية واهتمامها بالتربية وعلم نفس الأطفال. ومع أفول القرن التاسع عشر, كانت كولونتاي في عداد ذاك الرعيل من النساء الأرستقراطيات والبرجوازيات اللواتي سعين إلى التحرر الشخصي عبر التدريس, عبر «التوجه إلى الشعب». وكانت تلك الفترة تشهد نهايات «الحركة الشعبوية» التي تعتبر الفلاحين عماد الثورة ضد القيصرية, والجماعية البدائية في الريف قاعدة الانتقال المباشر إلى الاشتراكية. وقد انشق عنها جناح إرهابي سرعان ما اتضحت حدوده, بعد سلسلة من الإغتيالات الفردية الجريئة ضد القياصرة وكبار موظفي الدولة.
وفي تلك الأثناء, كانت روسيا عند منعطف تاريخي. فقد أدى النمو المتسارع للصناعة, وتمركزها الشديد, وانتقال مئات الألوف من الأقنان السابقين للانخراط بقسوة في العمل المأجور, وتغلغل الرأسمالية في الزراعة وتدميرها السريع للإنتاج البطريركي ـ إلى ولادة الطبقة التي ستتمكن من الانتصار أخيرا على القيصرية وبناء الاشتراكية: الطبقة العاملة. ومن العلامات الفارقة لهذا الانعطاف الإضرابات العمالية الضخمة في سان بطرسبرغ عام 1896, حيث أسهمت العاملة إلى جانب العامل في تحطيم الآلات (وهو أحد الأشكال البدائية للصراع الطبقي) ومقاومة الشرطة.
مع البروز السريع للطبقة العاملة الروسية, برزت الحلقات الماركسية التي اتحدت في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي, عام 1898. انضمت كولونتاي إلى الحركة العمالية منذ سنيها الأولى. وقد أثرت فيها زيارة قامت بها لأحد مصانع النسيج الضخمة الذي يضم 12000 عاملة وعامل. فقررت بعد ذاك ربط مصيرها بالطبقة الثورية الصاعدة. فأدى التزامها السياسي إلى تأزم علاقاتها بزوجها الذي اعتبر نشاطها السياسي بمثابة تحد شخصي له. فانفصلت عنه ومعها طفلها الوحيد رغم ما كانت تكن له من حب واحترام. واختارت حياة النضال والعمل الخلاق على حياة الحب والأسرة. ولم يكن مثل هذا الاختيار أمرا يسيرا بالنسبة لها ولبنات جيلها. وتروي في مذكراتها (المكتوبة عام 1926):
«لا زلت أنتمي إلى جيل من النساء نشأ عند منعطف التاريخ. وكان الحب, بكل ما يجره من خيبات أمل متكررة ومآس وسعي دائم وراء السعادة الكاملة, لا يزال يلعب دورا كبيرا في حياتي, دورا أكبر مما يجب أن يكونه ! ولقد هدرت فيه الوقت الثمين والكثير من الطاقة, ويمكن القول أنه كان عديم الجدوى, في التحليل الأخير. فنحن, نساء الجيل الماضي, لم نكتشف السبيل إلى التحرر الفعلي. فبذلنا طاقاتنا بدون حساب, وهدرنا طاقاتنا العملية في تجارب عاطفية عقيمة. وتأكيدا, فإني وغيري من المناضلات والكادحات, أدركنا أن الحب ليس الهدف الأساسي للحياة, وتمكنا من أن نجعل العمل محورا لحياتنا. ولولا أننا لم نهدر طاقاتنا في الصراع الدائم مع عواطفنا تجاه الآخرين, لكنا استطعنا بذل المزيد من الجهد الخلاق. والواقع أن هذا النزاع كان حربا دائمة ضد تدخل الرجل في شؤوننا وتعديه على ذاتيتنا, نزاع يدور حول مشكلة معقدة: العمل أو الحب والزواج؟ نحن نساء الجيل القديم, لم ندرك, كما يدرك الشباب والشابات اليوم, أنه يمكن التوفيق بين العمل والسعي وراء الحب, بحيث يبقى العمل محورا للوجود. فقد منحنا كل ذاتنا للمحبوب على أمل بلوغ التناغم الروحي الكامل.
غير أن الرجل كان يسعى باستمرار إلى فرض ذاتيته علينا وتكييفنا حسب مبتغاه. فاضطرمت الثورة في داخلنا, رغم كل شيء, وتحول الحب تكرارا إلى قيد يقيدنا, وشعرنا بأننا مستعبدات وحاولنا التحرر من قيد الحب. وبعد نضالات متواصلة مع المحبوب, انعتقنا أخيرا, وتدافعنا نحو الحرية. وسقطنا مجددا في الوحدة والتعاسة والوحشة. لكننا كنا ننعم بحرية السعي وراء فارس أحلامنا ـ العمل.
من حسن حظ الجيل الحالي أنه ليس مضطرا إلى خوض غمار هذا النضال العديم الجدوى بالنسبة للمجتمع البشري, فيوفر كامل جهوده للنشاط الخلاق».
بعد أن استعادت كولونتاي «حريتها» غادرت روسيا إلى ألمانيا, ودرست الاقتصاد السياسي في زيوريخ, وأسهمت في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الالمانية, وتوثقت صلاتها بأبرز قادتها, وبخاصة روزا لوكسمبرغ وكلارا زتكن. أما على صعيد السياسة الثورية الروسية, فقد وقفت كولونتاي إلى جانب المناشفة خلال انشقاق الحزب عام 1903. ولم تنضم إلى البلاشفة إلا خلال الحرب العالمية الأولى.
عادت كولونتاي إلى روسيا مع اندلاع الثورة الأولى عام 1905. وكرست معظم وقتها, في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى, للعمل بين النساء. تأسست الحركة النسائية في روسيا عقب الثورة الأولى. وكانت بقيادة الحركة النسوانية البرجوازية, المطالبة بالمساواة الكاملة بين النساء والرجال, بغض النظر عن التحولات الاجتماعية والسياسية المطلوبة لتحقيقها, وسعيها لتنظيم كافة النساء حول هذا المطلب, الأمر الذي يميّع وعي العاملات للاستغلال الذي يتعرضن له ويضعهن تحت القيادة البرجوازية. في سعيها لتأسيس عمل اشتراكي بين النساء, اضطرت كولونتاي إلى النضال على جبهتين: ضد الحركة النسوانية من جهة, ومن أجل إقناع رفاقها ورفيقاتها في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بضرورة الاهتمام بتنظيم العاملات. فأسست مع رفيقات لها نادي النساء العاملات, عام 1906, لدراسة قضايا المرأة العاملة, والتدريب على مختلف أشكال الدعاية والتحريض في صفوف العاملات. وأخذت تطالب بإنشاء أجهزة حزبية متخصصة للعمل بين النساء, انطلاقا من خصوصية وضع المرأة كأم وربة بيت, وبالتالي خصوصية أشكال القهر والاستغلال الإضافية التي تتعرض لها. وقد أسهم هذا النادي في تكوين أول نواة للحركة الاشتراكية النسائية في روسيا. وفي المؤتمر النسائي الأول لعموم روسيا, المنعقد عام 1908, أمكن للمرأة العاملة أن تتمثل وتطرح مطالبها المتميزة بوفد من النساء الاشتراكيات ضم 30 عاملة, معظمهن من الأميات.
مع اشتداد موجة القمع والإرهاب, وصدور الأمر بإلقاء القبض عليها, اضطرت كولونتاي إلى سلوك طريق أعنف عام 1907. في ألمانيا، واصلت عملها النسائي, وحضرت مؤتمر شتوتغارت للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني [10]. كذلك كانت كولونتاي في عداد المحاضرين في مدرسة الكادر الحزبية للعمال الروس في ايطاليا, ووضعت مشاريع القوانين حول رعاية الأمومة والطفولة ليقدمها النواب الاشتراكيون-الديمقراطيون في مجلس الدوما. وفي المنفى صدر كتابها «الأسس الاجتماعية لمسألة المرأة» وهو بمثابة سجال ضد الاتجاه النسواني ودعوة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي أن يبني حركة عمالية نسائية. شاركت, عام 1911, في تنظيم أول عيد عالمي للمرأة, الذي ما زلنا نحتفل به في الثامن من آذار (مارس) من كل عام. وزارت فرنسا حيث ساهمت في تنظيم إضرابات ربات البيوت ضد غلاء المعيشة, وانكلترا, حيث اطلعت على الدور الذي تلعبه النساء في النقابات العمالية الانكليزية.
غادرت كولونتاي ألمانيا بعد اندلاع الحرب العالمية, وقد صعقها موقف أغلبية الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية الأوربية المؤيدة لحرب اقتسام المغانم بين الدول الاستعمارية. فقطعت صلاتها نهائيا بالاتجاه المنشفي وانضمت أخيرا إلى البلاشفة في حزيران (يونيو) 1915. ولعبت طوال ذلك العام دورا هاما, إلى جانب الكسندر شليابنيكوف, في الدعاية ضد الحرب والاتجاه الاشتراكي-الإمبريالي في الحركة العمالية, وكانت صلة الوصل بين لينين ـ في سويسرا ـ واللجنة المركزية للحزب البلشفي داخل روسيا. ثم سافرت إلى الولايات المتحدة, بتشجيع من لينين, حيث قامت بجولة واسعة ألقت خلالها عشرات المحاضرات ضد الحرب الاستعمارية ومن أجل تحويلها إلى حرب أهلية ضد الرأسمالية.
و عادت كولونتاي إلى روسيا بعد انهيار الحكم القيصري. وكانت الحرب قد رفعت أكلاف المعيشة, وهذا ما شجع البلاشفة على إيلاء العمل بين النساء العاملات أهمية خاصة. فأسهمت في إصدار صحيفة نسائية ـ «النساء العاملات» ـ وفي تنظيم تحركات العاملات ضد غلاء المعيشة ومن أجل التخفيف من أعباء العمل المنزلي. إلا أن مساهمتها الرئيسية خلال تلك الفترة كانت في الحزب نفسه. فكتبت في «البرافدا» وكانت من البلاشفة الأوائل الذين وقفوا إلى جانب لينين في نيسان (ابريل) 1917 عندما قدم أطروحاته الشهيرة الداعية إلى إسقاط الحكومة البرجوازية المؤقتة بواسطة السوفييت, وتسلم الطبقة العاملة للسلطة وبناء الاشتراكية. فاعتقلت خلال الردة الرجعية حزيران-تموز (يونيو-يوليو) 1917, وأودعت أحد سجون بتروغراد, ثم أفرج عنها لتوضع قيد الإقامة الجبرية. وكانت كولونتاي عضوا في اللجنة المركزية التي اتخذت قرار إعلان الثورة وقادت عملية تنفيذها.
عينت كولونتاي مفوضة الشعب (وزيرة) للشؤون الاجتماعية في أول حكومة بلشفية برئاسة لينين. وشغلت هذا المنصب حتى آذار (مارس) 1918. فأرست الأسس لعدد واسع من التحولات الجذرية بالنسبة لوضع المرأة والخدمات الاجتماعية عامة. وكان من أول إجراءاتها تحسين أحوال مشوهي الحرب, وإلغاء التعليم الديني للفتيات في المدارس الرسمية, وإحالة الراهبات والرهبان إلى الإدارة المدنية, ومنح الطالبات حق الإدارة الذاتية للمدارس, وإيواء الأيتام واللقطاء في مؤسسات خاصة بالمشردين. وشكلت اللجنة التي وضعت قانون الضمان الصحي المجاني الشامل لجميع سكان روسيا, وأنشأت المكتب المركزي لرعاية الأمومة والطفولة في مطلع 1918, وحولت مستشفيات التوليد إلى بيوت مجانية لرعاية الأمومة والطفولة تتولى إرشاد الحوامل وتوفير وسائل منع الحمل, وأنشأت الحضانات النهارية لإيواء أطفال العاملات...
وفي غضون سنة من تسلم البلاشفة الحكم, كانوا قد ألغوا سيطرة الكنيسة على الزواج وحققوا المساواة الكاملة في الحقوق بين الرجال والنساء, وبات الزواج اتفاقا حرا بين شريكين متساويين, يحق لأي منهما طلب حله.
وعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1918, أول مؤتمر للفلاحات والعاملات ضم 1147 مندوبة. وانبثقت عنه لجنة لتوعية النساء الكادحات, على حقوقهن الجديدة ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد النساء, في الحزب والمجتمع. وكان الهم الرئيسي لهذه اللجنة تعبئة النساء للمساهمة في النضال السياسي وفي بناء الاشتراكية.
خلال الحرب الأهلية, استدعيت كولونتاي للنضال على جبهة القتال, إذ عينت مفوضة للشعب لشؤون التوعية والإعلام في الحكومة الأوكرانية, فأسهمت في تجنيد المئات من النساء لصد الهجمة الرجعية المدعومة من الاستعمار الانكلو-فرنسي. وعند عودتها إلى موسكو, تولت مكتب التنسيق للعمل بين النساء في الحزب, الذي أشرف على إصدار صحيفة شيوعية نسائية, ونظم العمل بين النساء المسلمات, وعقد مؤتمرين عالميين للنساء في موسكو. وتكلل نشاط كولونتاي بالنجاح عندما دعم لينين شخصيا مشروعها القاضي بجعل الإجهاض شرعيا يتم تحت رعاية الدولة وعلى حسابها.
في تلك الأثناء, كان يدور في صفوف الحزب البلشفي سجال عاصف حول دور النقابات في ظل دكتاتورية البروليتاريا. فوقفت كولونتاي موقفا معارضا لأغلبية الحزب, يدعو إلى تسيير الصناعة من قبل مؤتمر للمنتجين في عموم روسيا. وشكلت كتلة حزبية معارضة مع الكسندر شليابنيكوف وبعض القادة النقابيين عرفت بـ «المعارضة العمالية» [11]. وكانت «المعارضة العمالية» ترد بالدرجة الأولى على تروتسكي الذي رفع شعار «عسكرة العمل» بفرض الإنضباط العسكري الصارم على الطبقة العاملة, وتسخير النقابات لتنفيذ هذه السياسة, واعتماد التعيين بدل الانتخاب في اختيار القيادات النقابية. وقد التفت غالبية الحزب حول لينين الذي أدان بشدة النزعة البيروقراطية الإدارية عند تروتسكي. ورد على «المعارضة العمالية» معتبرا أن الدعوة إلى تسيير النقابات للإنتاج والصناعة يلغي الدور القيادي للحزب, ودور النقابات كحلقة وصل بين الطليعة الشيوعية والجماهير, فتبقى الطبقة العاملة نهبا لشتى الأضاليل والانحرافات التي ترشح إليها من الوسط الفلاحي والبرجوازي الصغير المحيط بها. ودعا لينين في المقابل: 1- إلى منح النقابات حدا من الاستقلالية للاستمرار في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة تجاه الدولة السوفييتية, التي لم تصبح بعد دولة اشتراكية وإنما هي دولة عمالية «ذات انحراف بيروقراطي» ترتكز إلى تحالف العمال مع الفلاحين الذين يشكلون أكثرية الشعب الساحقة. 2- إلى اعتبار النقابات مدرسة للشيوعية ومدرسة للإدارة العمالية. وقد هزم الجناحان المعارضان في مؤتمر الحزب عام 1922 وصدرت عنه توصية باعتبار «المعارضة العمالية» تكتلا ممنوعا.
بعد هذا التاريخ, تقلص دور كولونتاي في السياسة الداخلية. فانضمت إلى السلك الخارجي عام 1923 وشغلت عدة مناصب دبلوماسية في النروج والمكسيك وفنلندا والسويد, إلى أن رقيت إلى رتبة سفيرة متجولة عام 1943. وقد انتدبتها الحكومة السوفييتية لتوقيع اتفاقية الهدنة السوفييتية-الفنلندية عام 1945.
وما من شك في أن انسحاب كولونتاي المبكر من الحياة السياسية الداخلية قد أنقذها من المصير المظلم الذي لاقاه رفاقها في «المعارضة العمالية» والعديد غيرهم من قادة وكوادر الحزب البلشفي من مختلف الاتجاهات على يد ستالين في منتصف الثلاثينيات. وقد توفيت كولونتاي في موسكو عام 1952 ولها من العمر ثمانون عاما. وتركت عددا كبيرا من الكتابات حول قضايا التربية, والمسألة القومية والاشتراكية في فنلندا, والحرب العالمية، والطبقة العاملة الأوربية, وقضايا السلطة العمالية في روسيا السوفييتية, ننشر منها ثلاثة نصوص «الشيوعية والأسرة» وهو كراس دعاوي كتب بعد قيام السلطة السوفييتية و «تاريخ حركة العاملات الاشتراكية في أوروبا» و «التقرير أمام المؤتمر الثالث للكومنترن» ننشره هنا مع المقررات المرتبطة به (ترجم النصين الأول والثاني فواز طرابلسي وترجم النص الثالث طلال الحسيني). لقد لخصت كولونتاي نفسها فهمها لقضية تحرر المرأة التي نذرت حياتها لها بهذه العبارات المقتطفة من مذكراتها (المكتوبة عام 1926):
«إذا كنتُ قد حققت شيئا في هذا العالم, فليس مرد ذلك لصفاتي الشخصية. فإنجازاتي ما هي إلا الدليل على أن المرأة باتت تسير باتجاه كسب الاعتراف العام بها, على الرغم من كافة الصعاب. فانخراط ملايين النساء في العمل الإنتاجي, الذي تم بوتيرة متسارعة خلال الحرب, هو الذي أفسح المجال أمام المرأة لكي تحتل أعلى المراكز السياسية والدبلوماسية. غير أنه من المؤكد أن بلدا مستقبليا، كالاتحاد السوفييتي, هو وحده القادر على معالجة قضية المرأة دون أفكار مسبقة, وعلى تقييم أعمالها فقط من منظار مهارتها ومواهبها, وبالتالي فهو وحده القادر على أن يوكل إليها مراكز المسؤولية. وحدها العواصف الثورية الجديدة امتلكت القوة الكافية لتكنيس كافة العقد والترسبات ضد النساء. ووحده الشعب الكادح المنتج هو القادر على تحقيق المساواة الكاملة والتحرر الناجز للمرأة ببنائه المجتمع الجديد».
ف. ط.
-----
الشيوعية والأسرة
إنهاء تبعية المرأة للرجل
هل تحافظ الدولة الشيوعية على الأسرة؟ هل ستبقى الأسرة في شكلها الراهن؟ ـ هذا سؤال يجول في خاطر العاملات ويثير اهتمام رفاقهن العمال. هذه هي المشكلة التي كانت تشغل بال النساء العاملات في الآونة الأخيرة. ولا عجب, فالحياة تتغير أمام أعيننا. والعادات والتقاليد السابقة تزول تدريجيا. وكل حياة الأسرة البروليتارية يعاد تنظيمها بطريقة جديدة كل الجدة, طريقة غير مألوفة, لا بل «غريبة», لم يكن بإمكاننا أن نتنبأ بها من قبل. والذي يزيد في حيرة النساء أن الطلاق بات في روسيا السوفييتية أسهل مما كان من قبل. والواقع أن الطلاق لم يعد امتيازا للأغنياء بعد صدور مرسوم «مجلس مفوضي الشعب» [12] في 18 كانون الأول (ديسمبر) 1919. لم تعد المرأة العاملة مضطرة لأن تقدم العرائض والالتماسات طوال الأشهر أو حتى السنوات للحصول على ترخيص يخولها التحرر من زوج متوحش أو سكير يقضي معظم وقته في ضربها وإهانتها. من الآن فصاعدا, بات بالإمكان الحصول على الطلاق, حبيا, بالتراضي, خلال مهلة لا تتعدى الأسبوع أو أسبوعين. لكن هذه السهولة في الحصول على الطلاق, التي تشكل مصدر أمل كبير لنساء شقيات في حياتهن الزوجية, تزرع الخوف، في الوقت ذاته, بين فئة من النساء اعتادت اعتبار الرجل «ربا للأسرة» وسندها الوحيد في الحياة ـ نساء لم تدرك بعد أنه صار يجب البحث عن هذا السند ليس في شخص الرجل وإنما في شخص المجتمع والدولة.
تغير أشكال الأسرة عبر التاريخ
لا حاجة لأن نضلل أنفسنا: الأسرة المعروفة لدينا مند القدم, حيث الرجل كل شيء والمرأة لا شيء ـ لأنها مسلوبة الإرادة, لا مال خاصا بها ولا وقت تتصرف به بملء إرادتها, هذه الأسرة آخذة بالتحول يوما بعد يوم. وهي تكاد تصبح من مخلفات الماضي. ولكن لا حاجة لأن يخيفنا هذا الأمر. البعض مستعد لأن يصدق أن كل ما هو حولنا أبدي أزلي سرمدي, لا يحول ولا يزول. هذا الاعتقاد مصدره الخطأ أو الجهل. الحقيقة أن كل ما هو حولنا يتغير باستمرار. «هكذا كانت الأمور، وهكذا ستبقى» ـ ليس أكثر تضليلا من هذه الحكمة! يكفي أن نقرأ كيف عاش أسلافنا لندرك فورا أن كل شيء عرضة للتغيير, وأنه ليس ثمة من عادات أو مؤسسات سياسية أو أعراف وقيم أخلاقية تبقى جامدة ولا تتغير, والحال أن الأسرة تغيرت بتغير أطوار حياة البشر. وقد كانت في الماضي مختلفة كليا عما هي عليه الآن.
في الماضي, كان الناس يظنون أن هناك شكلا وحيدا طبيعيا للأسرة. وهو الأسرة النسكية, أي الأسرة التي تترأسها الجدة التي يتحلق حولها ـ في حياة وعمل جماعيين ـ أولاد وأحفاد وأحفاد الأحفاد. وفي مرحلة ثانية من التاريخ, ظن الناس أن الأسرة البطريركية هي الشكل الوحيد للأسرة. والأسرة البطريركية هي التي يرأسها الأب السيد عليها. إن هذا الشكل من أشكال الأسرة لا يزال الشكل السائد بين فلاحي الريف الروسي, والواقع أن القيم الأخلاقية والأعراف العائلية في الريف غيرها في المدن بين العمال. فالريف يحتفظ بعدد كبير من العادات والتقاليد التي اندثرت في أسرة بروليتاريي المدن. ثم إن أشكال الأسرة, وعاداتها وتقاليدها, تختلف باختلاف الأجناس البشرية. هناك شعوب كالأتراك والعرب والإيرانيين مثلا, يجيز القانون عندهم للرجل بأن يتزوج أكثر من امرأة. كما أنه كان, ولا يزال, يوجد قبائل تمارس العادة المناقضة تماما ـ تلك التي تجيز للمرأة بأن تتزوج أكثر من رجل واحد. التقاليد الحالية تجيز للرجل أن يطالب ببقاء الفتاة عذراء إلى حين انعقاد الزواج الشرعي. غير أنه توجد قبائل, في المقابل, تفاخر المرأة فيها بكثرة عدد عشاقها, فتزين يديها وقدميها بخواتم بقدر عددهم. مثل هذه الممارسات التي لا تنفك تثير دهشتنا, والتي قد تذهب إلى حد اعتبارها منافية للأخلاق, قد تكون طقوسا مقدسة عند شعوب أخرى. ولو تسنى لهذه الشعوب أن تطلع على عاداتنا وتقاليدنا, لاعتبرتها كفرا وهرطقة.
فلا حاجة إذن لأن يمتلكنا الذعر من كون الأسرة تتغير وتنفض عن نفسها آثار الماضي المندثر, مفسحة المجال أمام بناء علاقات جديدة بين المرأة والرجل. يكفي أن نسأل: «ما الذي لم يعد يماشي سنة التطور في نظام الأسرة؟ وفي العلاقة بين العامل والعاملة, وبين الفلاح والفلاحة؟ وما هي الحقوق والواجبات المتبادلة الأكثر ملاءمة لظروف الحياة في روسيا الجديدة, في روسيا العمالية؟». وبناءا عليه, نستبقي كل ما يتلاءم مع الوضع الجديد. أما الحثالة التي تكدست خلال السنوات والتي أورثتنا إياها حقبات العبودية والسيطرة الكريهة اللتين مارسهما ملاك الأراضي والرأسماليون, فإننا سوف نكنسها في الوقت ذاته الذي نكنس فيه الطبقة المستغلة نفسها وسائر أعداء البروليتاريا والفقراء.
الرأسمالية تدمر الأسرة القديمة
الأسرة, في شكلها الراهن هي أيضا وبكل بساطة من مخلفات الماضي. كانت في السابق وحدة صلبة متماسكة لا تنفرط ـ وهذه على كل حال مميزات الزواج الذي يباركه رجال الدين ـ كما أنها كانت ضرورية لجميع أعضائها. فبدون الأسرة, من يطعم ويكسو ويربي الأطفال ويرشدهم على دروب الحياة؟ من هنا كان مصير اليتيم مصيرا حالكا في تلك الأيام. الزوج, في الأسرة المألوفة لدينا, هو الذي يعمل ويعيل زوجته وأطفاله. أما الزوجة, فإنها تعتني بالبيت وبتربية الأطفال (حسبما تفهم هي العناية والتربية). لكن هذا الشكل التقليدي للأسرة أخد يتلاشى تدريجيا في كل البلدان التي سيطر عليها رأس المال وحيث نمت المصانع وسواها من المنشآت التي تشغل اليد العاملة نموا فائق السرعة. وإذا العادات والتقاليد العائلية آخذة بالتحول مع تحول الظروف المعيشية. والذي أسهم أكثر من غيره في تغيير هذه العادات والتقاليد بطريقة جذرية هو بدون شك انخراط النساء في العمل المأجور على نطاق واسع. في السابق, كان الرجل هو وحده معيل الأسرة. ولكن خلال الخمسين أو الستين سنة الأخيرة, أخذ النظام الرأسمالي ـ في روسيا وقبلا في أقطار أخرى ـ يجبر النساء على الالتجاء للعمل المأجور خارج الأسرة, خارج البيت.
30 مليون امرأة تتحمل عبئا مزدوجا
لما كانت أجرة الرجل «المعيل» لم تعد كافية لسد حاجات الأسرة, وجدت المرأة نفسها مجبرة على البحث عن عمل مأجور, واضطرت الأم إلى طرق أبواب المصانع. وسنة بعد سنة كان يتضاعف يوميا عدد النساء من أفراد الطبقة العاملة اللواتي غادرن منازلهن لتضخيم صفوف البروليتاريا الصناعية والعمل كمياومات وبائعات وسكرتيرات أو كغسالات وخادمات. ويتبين من إحصاء أجري في أوربا وأميركا قبل الحرب العالمية أنه توجد حوالي 60 مليون امرأة تعيش من عملها. وقد ارتفع هذا العدد خلال الحرب. نصف هذا العدد تقريبا يتكون من النساء المتزوجات. ولا يصعب تصور نوع الحياة العائلية التي تعيشها النساء العاملات. حياة تقضي منها الزوجة (والأم) 8 ساعات يوميا في العمل خارج البيت, لا بل 10 ساعات إذا أضفنا الوقت الذي تقضيه على الطريق! فبديهي أن تهمل بيتها, وأن ينشأ أطفالها محرومين من رعاية الأم, مهملين ومعرضين لشتى الأخطار التي تحدق بهم في الأزقة حيث يقضون معظم أوقاتهم.
الزوجة والأم العاملة ينشف دمها وهي تجهد للاضطلاع بثلاث مهام في آن واحد: بذل ساعات العمل الضرورية, مثلها مثل زوجها, في مؤسسة صناعية أو تجارية, ثم تكرس ما تستطيعه من وقتها للعمل المنزلي, وأخيرا تصرف الباقي من الوقت لرعاية أطفالها. هكذا ينوء كاهل المرأة بالأعباء في ظل الرأسمالية التي حولتها إلى عامل مأجور دون أن تخفف عنها أعباء العمل المنزلي والأمومة. فنجدها مسحوقة تحت عبء مثلث لا يطاق, يستثير عندها أحيانا صيحة ألم مخنوقة أو يحمل الدمع إلى عينيها. لقد قدر دوما للمرأة أن تعتني بالآخرين. ولكن ما من فترة كانت فيها المرأة أسوء حالا وأتعس حظا مما هي عليه الآن حيث ترزح ملايين النساء العاملات تحت نير الرأسمالية. هذا في حين تشهد الصناعة فترة ازدهارها الكبرى...
العمال يتعلمون الاستغناء عن الأسرة
مع زيادة انخراط النساء في العمل المأجور, يزداد تفكك الأسرة. تعسا لها من حياة عائلية تلك التي يعمل فيها الرجل وزوجته في قسمين مختلفين من مصنع واحد! تعسا لها من حياة عائلية لا تملك الزوجة فيها الوقت الكافي لطبخ وجبة طعام لائقة لابنها! وبئس الحياة العائلية عندما يتعذر فيها على الزوجة والزوج انتزاع بضعة دقائق يقضيانها مع أولادهما من أربعة وعشرين ساعة يستهلك معظمها في العمل الشاق!
كان الأمر مختلفا كليا في ما مضى. فالأم, ربة المنزل, تلازم منزلها وتعنى بشؤونه وشؤون أولادها الذين تغمرهم بعطفها ورعايتها. أما اليوم, فالمرأة العاملة تهرول إلى عملها عندما تزعق صفارات المصنع مع طلوع الفجر, وتعود مهرولة في المساء, عندما تزعق الصفارات ثانية, لكي تهيئ الحساء للأسرة وتقوم بالأعباء المنزلية الملحة لتبدأ يومها الجديد بعد ساعات نوم قليلة. وهكذا دواليك. إن حياة المرأة العاملة المتزوجة كناية عن أشغال شاقة حقيقية! فلا عجب إذن, إذا بدأت أواصر الأسرة تتفكك في مثل هذا الوضع. فالقواعد الراسخة وعوامل التلاحم التي كانت في الماضي تجعل من الأسرة وحدة متماسكة آخذة بالتلاشي تدريجيا. والأسرة لم تعد من الضروريات لأفرادها أو للدولة. وأشكال الأسرة القديمة باتت مجرد معوقات في وجه التطور.
ما هو سر تماسك الأسرة القديمة؟ أولا, كان الزوج, أو الأب, هو معيل الأسرة. ثانيا, كان المنزل من الضروريات بالنسبة لكافة أفراد الأسرة على حد سواء. ثالثا وأخيرا, كان الأهل يربون أولادهم فعلا, ما الذي تبقى من كل ذلك اليوم؟ لقد رأينا كيف أن الزوج لم يعد هو المعيل الوحيد للأسرة. فزوجته التي تشتغل هي أيضا باتت مساوية له على هذا الصعيد. فهي تكسب معيشتها الآن, وتكسب أحيانا معيشة أطفالها وزوجها. فلا يبقى من وظيفة الأسرة سوى تربية الأطفال وإعالتهم في الصغر. يبدو أن الأسرة قادرة على الاستغناء عن هذه الوظيفة أيضا.
العمل المنزلي لم يعد ضرورة
في الماضي كانت المرأة الفقيرة, في المدينة والريف, تقضي كل حياتها في كنف الأسرة, تجهل كل ما يجري خلف عتبة دارها, لا بل إنها نادرا ما كانت تواقة إلى المعرفة, على كل حال. وكتعويض عن ذلك, كانت المرأة تؤدي في بيتها مهاما ضرورية ومتنوعة تنفع الأسرة والدولة في آن معا. كانت المرأة تؤدي كافة المهام التي تؤديها حاليا أية امرأة عاملة أو فلاحة: تطبخ وتغسل وتنظف البيت وتكوي وترتق الثياب. ولكن لم يكن عملها يقتصر على ذلك, فقد كانت تؤدي مهاما لم تعد تؤديها المرأة المعاصرة كأن تغزل الصوف والكتان وتحيك الأجواخ والقماش وتصنع الجوارب وأشرطة الزينة. كذلك كانت تصنع المخلل (الكبيس) وتدخن اللحوم بالقدر الذي تسمح لها به مواردها المادية, وتستخرج المشروبات للبيت, وتصب الشموع. ما كان أكثرها واجبات المرأة في تلك الأيام! هكذا قضت أمهاتنا وجداتنا حياتهن. وحتى في أيامنا هذه, لا زلت تجد, في بعض القرى النائية في أقاصي الريف بعيدا عن الطرقات والأنهر الكبيرة, جيوبا لا زالت تحتفظ بنمط الحياة القديم هذا بكل نقاوته, حيث ربة المنزل تنوء تحت ثقل أعباء أعفيت منها المرأة العاملة في المدن والمراكز الصناعية المكتظة بالسكان مند زمن بعيد.
عمل المرأة الصناعي في البيت
على أيام جداتنا, كان هذا العمل المنزلي عملا بالغ الأهمية والضرورة يتوقف عليه رفاه الأسرة كلها. وبالقدر الذي كانت تجتهد فيه ربة المنزل في أداء مهامها, بقدر ما كانت حياة البيت منتظمة ومزدهرة. حتى الدولة أفادت من نشاط المرأة كربة منزل. فالمرأة في تلك الأيام لم تكن تكتفي بطبخ حساء البطاطا لها ولأسرتها, وإنما كانت تصنع عدة منتجات مثل الجوخ والخيوط والزبدة, الخ... وهذه كلها يمكن بيعها في السوق حيث تتحول إلى سلع, أي إلى أشياء ذات قيمة.
صحيح أن عمل جداتنا وأمهاتنا لم يكن يثمن بالمال. لكن جميع الرجال, أكانوا فلاحين أم عمالا, كانوا يبحثون عن امرأة «يداها من ذهب»، كما يقول المثل. لأن موارد الرجل وحده, بدون «عمل المرأة المنزلي», ليست كافية لبناء بيت زوجي مزدهر. في ذلك الحين, كانت مصالح الأمة والدولة تلتقي مع مصالح الزوج. فبقدر تمسك المرأة بالأسرة بقدر إنتاجها لشتى المنتجات من نسيج وجلد وصوف يباع الفائض منها في السوق, فتسهم بذلك في ازدهار البلد الاقتصادي.
المرأة المتزوجة والمصنع
إن الرأسمالية قد غيرت كل نمط الحياة هذا. وكل ما كانت تنتجه الأسرة صارت تنتجه المشاغل والمصانع. وحلت الآلة محل أنامل المرأة الرشيقة. فأية ربة بيت تشغل نفسها الآن في صب الشموع أو غزل الصوف أو نسج الجوخ في وقت يمكن فيه شراء كل هذه الحاجيات في الحانوت المجاور؟ وهل شاهدتم صبية تصنع جواربها بنفسها؟ أولا, لا وقت لديها لذلك. فالوقت من ذهب. ومن منا يريد هدر المال بطريقة غير مجدية دون أن يجني منه أي ربح؟ إن ربة المنزل, التي هي امرأة عاملة في الوقت ذاته, تشتري جواربها في السوق بدلا من أن تضيع وقتها في صنعها. وقليلات هن النساء العاملات اللواتي يصرفن وقتا في تخليل الخيار أو صنع المحفوظات في وقت يبيع فيه البقال المجاور المخللات والمحفوظات على أنواعها.
و على الرغم من أن المنتوج الذي يبيعه البقال قد يكون أدنى من حيث النوعية, والمصنوعات الخارجة من المصنع ليست في جودة المحفوظات التي تصنعها ربة المنزل, فإن المرأة العاملة لا تملك الوقت ولا القدرة على القيام بهذه العمليات كلها. إنها عامل مأجور أولا بأول, يضطرها عملها المأجور إلى إهمال عملها المنزلي. ومهما يكن من أمر, فالأسرة في وضعها الراهن آخذة في الانعتاق تدريجيا من مختلف الأعباء المنزلية ـ هذه الأعباء التي كانت جداتنا لا تتخيلن الأسرة خالية منها. وما كانت تنتجه الأسرة في الأمس بات ينتجه الآن الجهد المشترك للعمال والعاملات في المصانع والمشاغل.
نهاية العمل المنزلي الفردي
إن الأسرة باتت تستهلك الآن ولا تنتج. والأعباء الرئيسية التي تقوم بها ربة المنزل هي: شؤون النظافة (مسح الأرض ونفض الغبار, والتدفئة, والعناية بالإضاءة,الخ) والطبخ (تحضير الغذاء والعشاء) والغسيل والاعتناء ببياض وثياب الأسرة (رتق الثياب وما شابه).
وهذه أعباء مرهقة مؤلمة تستغرق كل وقت وتستنفذ كل قوة المرأة العاملة المضطرة إلى بذل ساعات عمل طويلة في المصنع. ولكن الأكيد أن المهام التي كانت جداتنا تقوم بها كانت أكثر تنوعا. وبالإضافة لذلك, كان عمل جداتنا يتميز بميزة بات يفقدها العمل المنزلي للنساء العاملات, وهو أن النساء فقدن فائدتهن بالنسبة للدولة (من منظار مساهمتهن في الاقتصاد الوطني), ذلك أن العمل الذي يقمن به لا ينتج أي قيم جديدة ولا يسهم في ازدهار البلد.
عبثا تقضي المرأة العاملة يومها بأكمله من الصباح للمساء وهي تنظف البيت وتغسل وتكوي الثياب هادرة كل حياتها في جهود لا متناهية لرتق الثياب المهترئة أو لتحضير الطعام, حسب الموارد المتواضعة المتوافرة لديها, دون أن ينتهي يوم عملها هذا إلى أي نتيجة مادية. لأنها لا تنتج, بأيديها التي تعمل بلا كلل, أي شيء يمكن اعتباره سلعة في السوق التجاري. وحتى لو عاشت المرأة العاملة ألف سنة, فإن الأمر لن يتغير بالنسبة لها. سيبقى ثمة طبقة من الغبار يجب نفضها عن الرف, وسيبقى زوجها يأتي إلى البيت جائعا عند المساء ويبقى أطفالها يحملون الوحل على أحذيتهم. وهكذا فمع الأيام يصبح عمل ربة المنزل أكثر فأكثر تفاهة وأقل وأقل إنتاجا.
ولادة العمل المنزلي الجماعي
إن المنزل الافرادي قد جاوز حده. وها إن العمل الجماعي يحل محله تدريجيا. وإن المرأة العاملة سوف تدرك, عاجلا أم آجلا, أنها ليست بحاجة لأن تعتني بمنزلها بنفسها. ففي مجتمع الغد, في المجتمع الشيوعي, سوف يقوم بهذا العمل فئة متخصصة من النساء لا يقمن بعمل سواه. إن نساء الأغنياء قد تحررت منذ سنوات من هذه الأعباء السقيمة المرهقة. فلماذا يجب على المرأة العاملة أن تستمر في أدائها؟ في روسيا السوفييتية, يجب أن تحاط حياة المرأة العاملة بنفس الجو من الراحة والإشراق والصحة والجمال كالذي لا يزال يحيط, حتى الآن بحياة نساء الطبقات الغنية. فلا تضطر المرأة في المجتمع الشيوعي إلى قضاء ساعات فراغها ـ النادرة مع الأسف ـ في الطبخ لأن المجتمع الشيوعي سوف يوفر المطاعم العامة والمطابخ المركزية التي يحق للجميع ارتيادها.
هذه المؤسسات تتكاثر في كافة الأقطار, حتى تلك التي لازال يسيطر عليها النظام الرأسمالي. والواقع أنه طوال نصف القرن الأخير, كان عدد المقاهي والمطاعم في جميع مدن أوربا يتزايد يوما بعد يوم, فإذا بها تنبت وتتكاثر كالفطر بعد مطر الخريف. هناك ظل ذوو الجيوب المحشوة بالمال وحدهم القادرين على ارتياد مثل هذه المطاعم. أما في المجتمع الشيوعي فيصبح بمقدور أي كان أن يتناول وجبة الطعام في المطاعم والمطابخ المركزية. وما ينطبق على الأكل ينطبق على الغسيل وغيره من الأعباء. لن تكون المرأة العاملة مضطرة لأن تغرق في مستنقع من القذارة أو أن تفقد بصرها من جراء رتق الجوارب أو إصلاح البياضات. لا بل إنها سوف تحمل هذه الحاجيات إلى المغاسل المركزية كل أسبوع, وتخرجها أيضا كل أسبوع مغسولة ومكوية. هذا عبء إضافي سوف يزاح عن كاهل المرأة العاملة. كذلك فإن المحلات الخاصة لرتق وإصلاح الثياب سوف تسمح للمرأة العاملة بأن تقضي أمسياتها في القراءات المفيدة والاستجمام الصحي بدلا من أن تقضيها في الكدح المضني. لذلك فإن الأعباء الأربعة المذكورة التي لا تزال ترهق نساءنا سوف تزول في ظل النظام الشيوعي الظافر. ولا شك في أن المرأة العاملة لن تذرف دمعة واحدة على زوالها. وهكذا يكون المجتمع الشيوعي قد حطم النير المنزلي الرازح على المرأة لكي يجعل حياتها أغنى وأكمل وأسعد وأكثر امتلاء بالحرية.
تربية الأطفال في ظل الرأسمالية
ما الذي يبقى من الأسرة بعد زوال أعباء العمل المنزلي الفردي؟ تبقى تربية الأطفال. هنا أيضا تهب دولة الرفاق الكادحين لنجدة الأسرة. فيحل المجتمع تدريجيا محل الوالدين. إن تربية الأطفال في ظل الرأسمالية لم تعد مهمة يضطلع بها الوالدان. فالأطفال يتلقون تعليمهم في المدرسة. وما إن يبلغ الطفل سن الدراسة حتى يبدأ أهله يتنفسون بحرية أكبر. فنمو طفلهم الذهني لم يعد أمرا يعنيهم. إلا أن هذا لا ينهي طبعا مسؤوليات الأسرة تجاه الطفل. تبقى مهمة إطعامه وتأمين كسوته وتحويله إلى عامل ماهر ونزيه قادر على الاعتماد على نفسه, عندما تدعو الحاجة, وعلى إعالة أهله في شيخوختهم.
غير أنه نادرا ما استطاعت أسرة عمالية أن تضطلع بهذه المسؤوليات تجاه أولادها. فأجور الأهل منخفضة لا تسمح بإطعام الأولاد حتى الشبع, وندرة أوقات الفراغ لا تمكن الأهل من بذل الوقت والاهتمام الكافيين لتربية الجيل الطالع. فكانت الأسرة مضطرة إلى أن تتولى تربية أولادها بنفسها. ولكن, هل كانت تربيهم فعلا؟ الواقع أن الشارع هو الذي يربي أطفال البروليتاريا. وهؤلاء يجهلون راحة الحياة العائلية وأفراحها, تلك التي كنا نحن ننعم بها في كنف آبائنا وأمهاتنا.
ثم إن انخفاض أجور الأهل وانعدام الضمانات, لا بل المجاعة, غالبا ما تدفع بابن البروليتاري إلى أن يصبح بدوره عاملا مستقلا قبل بلوغه سن العاشرة. وما أن يبدأ الولد (سيان أكان صبيا أم بنتا) بإعالة نفسه حتى يعتبر أنه بات سيد نفسه إلى درجة يبطل معها مفعول كلمات ونصائح أهله عليه, وتتقلص سلطتهم وتنتهي طاعته لهم.
مع اضمحلال أعباء الأسرة, الواحد تلو الآخر, يحل المجتمع محل الأهل في تنفيذ واجبات الإعالة والتربية. والواقع أن الأطفال غالبا ما شكلوا, في ظل الرأسمالية, عبئا ثقيلا لا يطاق على الأسرة البروليتارية.
الطفل والدولة الشيوعية
في هذا المجال أيضا يهب المجتمع الشيوعي لمساعدة الأهل. لقد خطت روسيا السوفييتية ـ بفضل جهود مفوضيتي التربية العامة والشؤون الاجتماعية ـ خطوات هامة وحققت المنجزات العديدة في مجال التخفيف من أعباء الأسرة ومجال تربية وإعالة الأطفال. توجد بيوت للرضعاء وحضانات نهارية ورياض, ومخيمات للأطفال والأهل, ومستوصفات, ومنتجعات صحية للأطفال المرضى, ومطاعم, وطعام مجاني في المدارس, وكتب مدرسية مجانية, وملابس دافئة للشتاء وأحذية للأطفال في المؤسسات التعليمية. ألا تكفي كل هذه للتدليل على أن الطفل لم يعد عبئا على الأسرة وإنما بات المجتمع هو الذي يتولى رعايته؟
كان اهتمام الأهل بأطفالهم يشمل ثلاثة مجالات: 1) الاعتناء بالرضيع, 2) تربية الطفل, 3) تعليمه. أما بالنسبة لتعليم الأطفال في المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات, فإن هذا واجبا ملقى على عاتق الدولة, حتى في المجتمع الرأسمالي. إن تراكم الأعباء على الطبقة العاملة ونوعية ظروف معيشتها قد فرضا على المجتمع الرأسمالي إنشاء الملاعب والحضانات والرياض للأطفال. ومع تنامي وعي العمال لحقوقهم وتوطد تنظيماتهم في دولة معينة, تنامى اهتمام المجتمع بإعفاء الأسرة من أعباء رعاية الأطفال.
غير أن المجتمع البرجوازي كان يخاف التمادي في تلبية مصالح الطبقة العاملة كيلا يسهم في تقويض أركان الأسرة نفسها. فالرأسماليون أنفسهم يدركون أن الأسرة القديمة, حيث المرأة مستعبدة للرجل المسؤول عن إعالة الأسرة ورفاهها, هي أفضل سلاح لخنق تطلع البروليتاريا نحو الحرية, وإخماد الروح الثورية عند العمال والعاملات على حد سواء. فالانشغال بأمور الأسرة تفقد العامل عزيمته وتجعله يساوم مع رأس المال. وأي شيء لا يفعله أب أو أم عند رؤية أطفاله يتضورون جوعا؟
المجتمع الرأسمالي عاجز عن تحويل تربية الناشئة إلى وظيفة اجتماعية فعلية, إلى وظيفة من الوظائف التي تضطلع بها الدولة. أما المجتمع الشيوعي, في المقابل, فإنه يعتبر أن التربية الاجتماعية للجيل الطالع هي أساس قوانينه وأعرافه وحجر الزاوية في البنيان الجديد. إن إنسان مجتمع الغد لن يولد بالتأكيد من أسرة الأمس, التافهة الضيقة, بما تنطوي عليه من نزاع بين الوالدين واهتمامها الأناني بأولادهما دون سائر الأولاد. إن إنساننا الجديد, في المجتمع الجديد, يولد في رحم التنظيمات الاشتراكية كالمنتزهات والحدائق والرياض والمخيمات وغيرها من المؤسسات حيث يقضي الطفل القسط الأوفر من وقته ويتولى مربون كفؤون تحويله إلى شيوعي يعي عظمة الشعارات المقدسة, شعارات التضامن والروح الرفاقية والتعاون المتبادل والإخلاص للحياة الجماعية.
تأمين معيشة الأم
مع زوال أعباء التربية والتعليم, وخاصة بعد إعفاء الأسرة من القسط الأوفر من الأعباء المادية الناجمة عن إنجاب الأطفال, لا يبقى من واجبات الأسرة تجاه أطفالها سوى رعاية الطفل الرضيع عندما يكون بحاجة لرعاية الأم وهو في طور تعلم المشي والتعلق بثياب أمه. لن يثقل كاهل الأم الصبية بعد الآن بعبء رعاية أطفالها! فالدولة العمالية تعتبر أنه من واجبها أن تؤمن المعيشة للأم أكانت متزوجة زواجا شرعيا أم لا, ما دامت هي التي ترضع الطفل. وسوف تنشيء دور الأمومة في كل مكان, وتبني الحضانات النهارية في كل المدن والقرى, فتسمح بذلك للمرأة بأن تخدم الدولة بطريقة مجدية وأن تمارس دورها كأم في آن واحد.
لكي لا يكون الزواج قيدا
لنطمئن الأمهات العاملات: إن المجتمع الشيوعي لا يرمي إلى انتزاع الطفل من حضن أمه ولا الرضيع من على ثدييها. ولا هو ينوي تدمير الأسرة بواسطة العنف. ثقوا من أننا لسنا نضمر أيا من هذه النوايا! ليست هذه أهداف المجتمع الشيوعي.
و لكن ما الذي نشاهده اليوم؟ نشاهد الأسرة القديمة آخذة بالانحلال. وقد أخذت تتحرر تدريجيا من كافة الأعباء المنزلية التي كانت بالأمس تشكل دعائم تماسك الأسرة كوحدة اجتماعية. وماذا عن الأطفال؟ إن الأهل البروليتاريين ليسوا قادرين أصلا على الاعتناء بهم ولا على تأمين معيشتهم وتعليمهم. وهذا وضع يعاني منه الأهل والأبناء على حد سواء.
لذا يخاطب المجتمع الشيوعي العمال والعاملات ويقول لهم: «لا زلتم في ربيع العمر, وأنتم تحبون بعضكم بعضا. إن السعادة حق للجميع. فعيشوا حياتكم ولا تنفروا من السعادة. ولا تخشوا الزواج مع أنه كان قيدا على العامل والعاملة, في المجتمع الرأسمالي. والأهم من كل ذلك أن لا تترددوا, وأنتم شبان ممتلئون صحة وعافية, في أن تمنحوا الوطن عمالا وأطفالا مواطنين جدد. فإن مجتمع العمال بحاجة إلى قوى عاملة جديدة, وهو يرحب بمجيء كل طفل جديد إلى العالم. ولا حاجة لأن تقلقوا على مستقبل أطفالكم. فإنهم لن يعرفوا البرد والجوع ولا البؤس والإهمال. كما كان الحال في المجتمع الرأسمالي. فما أن يولد الطفل, حتى يؤمن المجتمع الشيوعي, حتى تؤمن الدولة العمالية للأم وطفلها ما يحتاجانه من غذاء وعناية. إن الوطن الشيوعي سوف يتولى إطعام الطفل وتربيته وتعليمه. لكنه لن ينتزع الطفل من كنف أهله, بأي حال من الأحوال, إذا كانوا يريدون الإسهام في تربية أولادهم بأنفسهم. إن المجتمع الشيوعي سوف يضطلع بكامل واجباته في مجال تربية الأطفال. إلا أنه لن يحرم أحدا من أفراح الأبوة أو حنان الأمومة إذا ثبت أنه قادر على فهمها وتقديرها قدرها الصحيح.» فهل يمكن اعتبار ذلك تدميرا للأسرة بواسطة العنف؟ وهل يمكن اعتباره انتزاعا قسريا للطفل من حضن أمه؟
الأسرة: اتحاد عاطفي ـ رفاقي
مهما يكن من أمر, فلا مفر من الاعتراف بالحقيقة القائلة أن الأسرة من النمط القديم قد تجاوزها الزمن. والمسؤول عن ذلك ليس المجتمع الشيوعي, وإنما هو تغير ظروف الحياة. لم تعد الأسرة ضرورية للدولة كما كانت بالأمس. لا بل إنها أسوء من مجرد مؤسسة عديمة الجدوى, لأنها تمنع النساء العاملات من القيام بعملهن بمزيد من الإنتاجية والجد. ولم تعد الأسرة ضرورية لأفرادها أنفسهم, لأن مهام تربية الأطفال, وقد كانت بالأمس ملقاة على عاتق الأسرة, أخذت تنتقل الآن إلى عاتق المجموع. ولكن على أنقاض الأسرة السابقة سوف يبنى شكل للعلاقات بين الرجل والمرأة جديد كليا: اتحاد عاطفي ـ رفاقي يقوم على المساواة بين مواطنين من أبناء المجتمع الشيوعي في ممارسة حريتهما واستقلالهما وعملهما.
لقد انتهى عهد عبودية المرأة المنزلية! انتهى عهد انعدام المساواة داخل الأسرة! وانقضى زمن كانت المرأة يتهددها فيه الخوف من أن تبقى بدون معيل, هي وأطفالها, إذا ما هجرها زوجها, فالمرأة في المجتمع الشيوعي لن تعتمد بعد الآن على زوجها، وإنما سوف تعتمد على عملها. ولن يعيلها زوجها, وإنما ساعداها القويان. ويزول القلق على مصير الأطفال. لأن الدولة العمالية ستكون مسؤولة عنهم. ثم إن الزواج سوف يُطهّر من كافة مقوماته المادية وأثقاله المالية التي كانت تشكل لطخة عار في الحياة العائلية حتى الآن. فمن الآن وصاعدا سوف يتحول الزواج إلى اتحاد سام بين نفسين متحابين, كل منهما يثق بالآخر ـ اتحاد يوفر لكل عامل وعاملة الحد الأقصى من السعادة والرضى. هذا ما يستحقه مواطنون يعرفون أنفسهم ويعون البيئة المحيطة بهم. وهذا الاتحاد الحر, المتين بفضل الروح الرفاقية التي تسوده, هو البديل عن العبودية العائلية الماضية الذي يقدمه مجتمع الغد الشيوعي إلى الرجال والنساء على حد سواء.
وما أن تتغير ظروف العمل وتتزايد الضمانات المادية المتوفرة للعاملات, وبعد أن يزول الزواج الديني ـ الذي كان يسمى «زواجا لا ينفصم» ليتضح أنه خدعة لا غير ـ ويحل محله اتحاد حر نزيه بين الرجال والنساء, بوصفهم عشاقا ورفاقا في آن معا, فإن كارثة إضافية مخزية تبدأ بالاضمحلال, ويزول شر مخيف كان يشكل لطخة عار في جبين الإنسانية جمعاء, غير أنه ينوء بكل ثقله على المرأة الكادحة الجائعة بشكل خاص ـ عنينا به البغاء.
إلغـــاء البغــاء
إن البغاء هو ابن النظام الاقتصادي السائد وابن مؤسسة الملكية الفردية. وما أن تلغى هذه المؤسسة, حتى تزول تجارة النساء من تلقاء نفسها.
من هنا, فلا يخيفن المرأة العاملة أن الأسرة, في شكلها الراهن, سائرة إلى زوال, لا محالة. فالأحرى بها أن تحيي انبلاج فجر مجتمع جديد, يحرر المرأة من العبودية المنزلية, ويخفف عنها أعباء الأمومة, ويمهد السبيل أخيرا أمام إلغاء البغاء ـ أبشع النكبات التي بليت بها النساء.
إن المرأة المدعوة للنضال من أجل القضية الكبرى ـ قضية تحرر البروليتاريا ـ ينبغي أن تدرك أن الدولة الجديدة لن تقبل بالانقسامات السخيفة من النمط الذي كان سائدا من قبل: «هؤلاء أطفالي أنا. وأولئك أطفالك أنت أو أطفال الجيران. وأنا لست معنية بهم. تكفيني مصائبي». إن الأم العاملة, الواعية لدورها الاجتماعي, سوف ترتفع من الآن فصاعدا إلى مستوى لا فارق فيه بين ما هو لها وما هو ليس لها, فتدرك أن الأطفال هم أطفالنا نحن, أطفال الدولة الشيوعية, وأنهم ملك مشترك لجميع الكادحين.
تحقيق المساواة الاجتماعية بين الرجال والنساء
لا بد للدولة العمالية من أن توفر شكلا جديدا للعلاقات بين الجنسين. إن العاطفة الأنانية الضيقة التي تكنها الأم لأطفالها يجب أن تتسع لتشمل جميع أطفال الأسرة البروليتارية الواسعة. وعلى أنقاض «الزواج الذي لا ينفصم», القائم على استعباد المرأة, سوف يقوم الاتحاد الحر بين الرجل والمرأة, يعززه الحب والاحترام المتبادلان بين مواطنين من مواطني الدولة العمالية, متساويين في الحقوق والواجبات. ومكان الأسرة الفردية الأنانية, سوف تقوم أسرة العمال الكبيرة الشاملة حيث الشغيلة, رجالا ونساء, هم فوق كل شيء أخوة ورفاق.
هكذا ستكون العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمع الغد الشيوعي. وهي علاقة ستضمن للإنسانية كافة المباهج التي يوفرها ما يسمى «الحب الحر», عبر تحقيق المساواة الاجتماعية الحقيقية بين المرأة والرجل, وهي مباهج يعجز عن توفيرها المجتمع التجاري في ظل الرأسمالية.
أفسحوا المجال أمام الأطفال المترعرعين, المتفجرين صحة وعافية!
أفسحوا المجال أمام شبيبة ممتلئة حيوية ونشاطا, متعلقة بالحياة ومباهجها, حرة في مشاعرها وعواطفها!
تلك هي شعارات المجتمع الشيوعي. فباسم المساواة والحرية والحب نهيب بكافة العاملات والعمال والفلاحات والفلاحين أن يضطلعوا, بجرأة وإيمان, بمهمة إعادة بناء المجتمع البشري باتجاه مزيد من الكمال والعدالة, وزيادة قدرته على أن يؤمن للأفراد السعادة التي يستحقون. إن راية الثورة الاجتماعية الحمراء, التي تنطلق من روسيا لترفرف على بلدان أخرى في العالم, إيذانا لنا باقتراب «الجنة على الأرض» التي تحلم بها البشرية منذ قرون.
--------------------------------------------------------------------------------
تاريخ حركة العاملات الاشتراكية في أوربا: أساليب عملها وأشكالها التنظيمية
مقدمة:
هذا الكراس ليس جديدا. إنه إعادة طبع لمقالات نُشرت قبل الحرب. غير أن المسألة التنظيمية المطروحة على مؤتمر النساء العاملات تضع على جدول أعمال نشاطنا الحزبي نقطة تتعلق بالتحريض بين جماهير النساء العاملات لاجتذابهن إلى صفوف الحزب, وحشد قوى جديدة للإسهام في بناء روسيا الشيوعية.
إننا نشكو نقصا فادحا في المواد التي تساعد رفيقاتنا الحزبيات المعنيات على تأسيس لجنة التحريض والدعاية بين العاملات, وتمدهم بالمعلومات اللازمة حول تاريخ الحركة الاشتراكية للمرأة العاملة, وحول الوسائل التنظيمية التي اعتمدتها منظمات البروليتاريا النسائية في البلدان الأخرى والإنجازات التي حققتها. من هنا, فإن افتقارنا إلى الأدبيات الحزبية حول هذا الموضوع يدفعني إلى إعادة نشر مقالاتي السابقة, على استعجال, دون أن تتسنى لي إعادة صياغتها. ولو أتيحت لي فرصة الكتابة الآن حول الوقائع ذاتها, لكنت قيمتها على نحو مختلف. فالحرب والثورة العالمية قد أدخلتا تعديلات أساسية على كافة الحركات العمالية الشيوعية, من حيث طبيعتها وشكلها. فالنموذج الألماني في العمل الحزبي, المعد فقط لفترة النشاط البرلماني السلمي, لم يعد نموذجا نقتدي به. فالنضال الثوري طرح قضايا ووسائل نضال جديدة. والحرب والثورة زعزعتا ما كان يبدو على أنه أرسخ أركان حياتنا. كما وأن وضع المرأة قد تغير بشكل ملموس.
قبل الحرب كانت عملية انخراط النساء في الاقتصاد الوطني تجري بوتيرة أبطأ بكثير من وتيرة السنوات الأربع والنصف الأخيرة التي شهدت تطورا اقتصاديا محموما ونموا سريعا للعمل النسائي في مجمل القطاعات الصناعية. والأسرة القديمة كانت هي أيضا تبدو راسخة لا تتزعزع. وقد اضطر الحزب إلى النضال ضد هذا النسق في الحياة, وضد التقاليد المرتبطة به, في كل مرة أراد فيها اجتذاب المرأة العاملة إلى معمعة الصراع الطبقي. فلم ينظر إلى تلاشي العمل المنزلي وإلى تعميم التعليم الرسمي للأطفال بوصفهما من القضايا الناضجة الحية في حياتنا اليومية, وإنما ننظر إلى هذا وذاك كـ«اتجاه تاريخي», كعملية سوف تستغرق وقتا طويلا. والحقيقة أن النساء العاملات أشد إحساسا بمصالحهن في المجالين الاقتصادي ـ انعدام المساواة بين أجور الرجال وأجور النساء ـ والسياسي ـ حرمان النساء من حق الاقتراع واعتبارهن مواطنات من الدرجة الثانية.
إن لا مساواة المرأة, في المجالين الاقتصادي والسياسي, وعبوديتها للأسرة وللعمل المنزلي, قد ولدتا عازلا نفسانيا بين العمال والعاملات, فكانتا التربة التي نمت عليها التنظيمات الخاصة بالعاملات في موازاة الأحزاب الاشتراكية العمالية العامة في مختلف الأقطار, على شكل جمعيات أو اتحادات أو نواد للعاملات. ولكن بالقدر الذي تكثف فيه نشاط الأحزاب الاشتراكية الدعاوي بين العاملات, تسارعت عملية اضمحلال هذه التنظيمات العمالية النسائية.
غير أن التغير الجذري الذي طرأ على كافة نواحي حياة الطبقة العاملة النسائية, البيتية منها والعائلية, وتحقيق مساواتها القانونية مع الرجل, هما العاملان الكفيلان بتكنيس ما تبقى من حواجز بين المرأة العاملة وبين إطلاق كامل قواها للمساهمة بحرية في الصراع الطبقي.
إن الحرب قد ولدت قطيعة جذرية في وضع المرأة الاجتماعي. ويبقى على الثورة أن تدفع هذه القطيعة إلى نهايتها, وتكمل ما بدأته الحرب. فالحرب حملت المرضعات المحترفات إلى جبهة القتال, مما اضطر تسعين في المئة من النساء إلى الاعتناء بأطفالهن بأنفسهن. فبرزت مشكلة صعبة: ما العمل بأطفال ملايين النساء اللواتي يقضين القسم الأكبر من يومهن في صنع الإمدادات العسكرية من قنابل يدوية ومتفجرات وذخيرة؟ هكذا طرحت المسألة, ليس بوصفها مسألة نظرية ولا بوصفها مشروعا يتحقق في المستقبل البعيد, وإنما بما هي إجراء عملي محض: ضمان الدولة للأمومة والطفولة. فقد اضطرت الحكومات الطبقية الرأسمالية إلى الاهتمام بمصير «جنود الغد», الأمر الذي دفعها رغما عنها, إلى تحميل الدولة مسؤولية رعاية الأطفال.
كذلك فإن ذهاب الخطيب والزوج إلى جبهة القتال, وخوف المرأة على مصير من تحب, كانا السبب الطبيعي لتزايد عدد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج. هنا أيضا اضطرت الدولة البرجوازية-الرأسمالية, تحت ضغط الحرب, إلى أن تسدد لنفسها ضربة جديدة, وأن تتعدى على أقدس مؤسساتها ـ الزواج الشرعي. وحرصا منها على رفاه الجنود, اضطرت إلى أن تساوي, في القانون, بين الأمهات والأطفال الشرعيين وغير الشرعيين. وهذا ما دفع ألمانيا وفرنسا وانجلترا إلى اتخاذ هذا الإجراء الثوري.
و الواقع أن الحرب لم تزعزع أركان الزواج الكنسي الذي لا ينفصم وحسب, وإنما تعدت أيضا على ركن آخر من أركان الأسرة ـ العمل المنزلي. فارتفاع الأسعار, واضطرار النساء إلى الوقوف في صفوف طويلة مرهقة للحصول على المواد الغذائية المقننة, دفعا النساء إلى الاستغناء عن الوحدة المنزلية الفردية, وتفضيل التسهيلات الجماعية.
و جاءت الثورة العمالية الكبرى لتحرر المرأة من عبوديتها الاجتماعية, كما كانت معروفة آنذاك. فشاركت العاملات والفلاحات في النضال التحرري العظيم على قدم المساواة مع الرجال. وانهار تقسيم العمل السابق الذي كان يكبل النساء عندما تزعزع ركنا المجتمع القديم: الملكية الفردية والسلطة الطبقية. إن أوار انتفاضة البروليتاريا العالمية قد انتزع المرأة من بين أواني المطبخ، ليدفع بها إلى المتاريس حيث تخاض معركة الحرية. فلم تعد المرأة تشعر بالاطمئنان في منزلها, بين الحاجيات العائلية المألوفة, والأواني المنزلية وأسرّة الأطفال, بينما الرصاص يزأر في الخارج. وأنصتت بتعجب إلى النداء الذي أطلقه العمال المناضلون: «إلى السلاح, أيها الرفاق! يا كل من يقدس الحرية. يا من فطر على كره قيود العبودية والحرمان من الحقوق المدنية! إلى السلاح, يا عمال! إلى السلاح, يا عاملات!».
إن الثورة قد عودت العاملات على الحركات الجماهيرية الكبيرة, على النضال من أجل تحقيق الشيوعية. وحققت الثورة في روسيا المساواة الكاملة للمرأة في الحقوق السياسية والمواطنية. ونفذت مطالب العاملات في كافة الأقطار: العمل المتساوي للأجر المتساوي. ووفرت للنساء فرص الانعتاق من عبودية الأسرة. وتخلصت الثورة من الأشكال السابقة للتنظيمات العمالية التي فرضتها فترة الحكم البرلماني السلمي. فالذي بات يفصلنا الآن عن عهد الأممية الثانية ليس أربع سنوات وحسب, وإنما زحلة جيولوجية كاملة في مجال العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.
من هذا المنظار, أعتبر أن الزمن قد تخطى عددا من المقالات المنشورة في هذا الكرّاس. لكن المسألة الرئيسية لم يتخطاها الزمن. لا بل إنها لا تزال بالغة الحيوية والإلحاح. وهي تشكل الخيط الذي يشد مقالاتي بعضها إلى بعض: ضرورة العمل الخاص في صفوف البروليتاريا النسائية، المتمتع بحد من الاستقلال الذاتي داخل الحزب, وتأسيس الأجهزة الحزبية الضرورية للإضطلاع بهذا العمل من لجان ومكاتب نسائية.
ومهما بلغ عمق التغييرات التي جاءت بها الحرب والثورة إلى حياة بلدنا واقتصادياته, ومهما تكن ضخامة الخطوات التي قطعتها روسيا السوفييتية في سيرها على طريق الشيوعية, فالإرث الرأسمالي لم تجر تصفيته نهائيا بعد. فإن الظروف المعيشية, ونسق حياة الأسرة العمالية, ومجمل التقاليد التي تكبل المرأة, وعبودية العمل المنزلي ـ كل هذه لم تتلاش بعد. وبالقدر الذي تستمر فيه المعوقات التي منعت نساء الطبقة العاملة, قبل الحرب, من المساهمة النشيطة في حركة تحرر البروليتاريا, وبالقدر الذي لا يزال الحزب مضطرا إلى الأخذ بالاعتبار تخلف المرأة السياسي, وعبودية المرأة العاملة لأسرتها, فإن ضرورة العمل المكثف في صفوف البروليتاريا النسائية, بمساعدة الأجهزة الحزبية المتخصصة, لا تزال ضرورة ملحة كما كانت من قبل.
و ما من شك في أن إنشاء لجنة للتحريض والدعاية بين العاملات, في العاصمة والأطراف، كفيل بالإسراع في تنفيذ هذه المهمة. في الماضي, كانت فكرة العمل المتخصص داخل الحزب, التي أدعو إليها منذ عام 1906, تلقى المعارضة حتى بين رفاقي الحزبيين. أما الآن, وبعد القرار الذي اتخذه مؤتمر النساء العاملات لعموم روسيا, والذي أقرّه الحزب, لم يعد أمامنا إلا وضع هذا الأمر موضع التنفيذ. إن حزبنا يمنع قيام حركة نسائية مستقلة أو تأسيس الاتحادات والجمعيات الخاصة بالنساء. لكنه لم يتنكر, في وقت من الأوقات, لفعالية تقسيم العمل داخل الحزب وقيام أجهزة حزبية متخصصة من شأنها مضاعفة أعداده أو تعميق نفوذه بين الجماهير.
إن روسيا السوفييتية تحتاج الآن لقوى جديدة من أجل المهمة المزدوجة: النضال ضد العدو وبناء المجتمع الشيوعي. وإن مهمة اللجنة الحزبية للتحريض والدعاية بين العاملات هي بالضبط مهمة اصطفاء وتربية هذه القوى من بين صفوف الملايين من النساء العاملات.
و إني لأرجو أن يفيد هذا الكراس في تقديم بعض الإرشاد والتوجيه للذين ينوون تكريس جهودهم للعمل في صفوف البروليتاريا النسائية. كما أرجو أن يمدهم باليقين من أنهم, في اضطلاعهم بهذا العمل الذي لا يدر أحيانا غير التعب والشقاء, يخدمون ليس فكرة «تخصص» النساء أو العمل النسائي بمعناه الضيق, وإنما مجمل مهمة بناء حزب عمالي عالمي موحد ومنيع, يبني عالما مشعا جديدا ـ عالم الشيوعية الأممية.
أ.كولونتاي
موسكو, الأول من ديسمبر 1918
--------------------------------------------------------------------------------
تطور الحركة الاشتراكية للنساء العاملات
قد يظن المرء للوهلة الأولى بأنه ليس ثمة من فكرة أدق وأوضح من فكرة «الحركة الاشتراكية النسائية». غير أنها في الواقع تثير الكثير من الاستغراب, وكثيرا ما نسمع عبارات التعجب والتساؤل: ما هي الحركة العمالية النسائية؟ ما هي مهامها وأهدافها؟ لماذا لا تندمج بالحركة العامة للطبقة العاملة؟ لماذا لا تذوب فيها, مادام الاشتراكيون الديمقراطيون ينكرون وجود مسألة نسائية مستقلة؟ أليست مثل هذه الحركة ترسبا من ترسبات الحركة النسوية [13] البرجوازية؟
و لا يقتصر طرح مثل هذه الأسئلة على روسيا وحدها. فهي تتردد في كل الأقطار تقريبا, ويمكن سماعها في كافة اللغات. والأعجب من ذلك أن المواقف الأشد تصلبا في إنكارها لضرورة العمل المستقل في صفوف البروليتاريا النسائية تصدر في الأماكن حيث الحركة العمالية النسائية أكثر تخلفا, حيث العاملات المنظمات يشكلن نسبة ضئيلة في الأحزاب والنقابات. بمثل هذه الطريقة التبسيطية يجري حل عقدة المسألة النسائية والمسألة الاجتماعية عامة.
إن حركة النساء العاملات ولدت فعلا في رحم المجتمع الرأسمالي. غير أنها ظلت, طوال فترة طويلة, تتعثر في تقدمها, وتتردد في اختيار وسائل العمل. والواقع أن الحركة العمالية النسائية تتخذ أشكالا بالغة التنوع والتعدد. وتختلف هذه الأشكال بين بلد وآخر, وهي تتكيف مع الظروف الخاصة بكل بلد, ومع طابع حركته العمالية. ولكن مع الوقت نمت هيئات حزبية متخصصة بالحركة النسائية الاشتراكية, خاصة حيث كانت الحركة الاشتراكية الديمقراطية قوية.
يصعب أن نلقى الآن مناضلا اشتراكيا يجادل حول ضرورة أو عدم ضرورة وجود تنظيم واسع للبروليتاريا النسائية. هذه مسألة باتت محسومة. والحال أن الاشتراكيين الديمقراطيين في كافة الأقطار باتوا يفاخرون بضخامة «جيشهم النسائي», وهم يأخذون بعين الاعتبار تلك القوة المتسارعة النمو في معرض حساب فرص نجاح وانتصار الصراع الطبقي. نتيجة لذلك, فإذا كان هناك ثمة من خلاف قد ينشب, فهو ليس حول جوهر المسألة, وإنما هو فقط حول وسائل وأساليب التحريض والنضال الواجب اتباعها في أوساط النصف النسائي من الطبقة العاملة. ومهما يكن من أمر, فإن الذين انتصروا في النقاش, في كافة الأقطار, هم المدافعون عن الأسلوب الألماني القائم على دمج النصفين النسائي والرجالي من الطبقة في التنظيم الحزبي الواحد, مع الاحتفاظ باستقلالية التحريض بين نساء الطبقة العاملة.
إن الحركة النسائية الاشتراكية لا تزال حركة فتية لم يمض على قيامها أكثر من عشرين سنة.
صحيح أن النساء كن فيما مضى في عداد أفراد التنظيمات العمالية والاتحادات والأحزاب. ولكن انضمام النساء العاملات إلى تنظيم نقابي أو حزبي لم يكن يترافق مع النضال في المجالات التي تهم النساء بشكل خاص. هكذا كان الوضع في ألمانيا حتى أواسط العشرينيات, وفي إنكلترا حتى القرن العشرين, وفي روسيا حتى ثورة 1905. ونتيجة لذلك, فإن البحث والاستقصاء عن القضايا التي تخص العاملات, بوصفهن نساء, والدفاع عن مصالحهن كأمهات وربات بيوت, قد تُرك في يد دعاة الاتجاه النسوي في المعسكر البرجوازي.
إن منتصف التسعينيات (من القرن الماضي) يشكل منعطفا في هذا الصدد. ففي مؤتمر غوتا للحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1896, أرسيت قواعد عمل تحريضي خاص ومستقل بين النساء, بناء على إصرار كلارا زتكن. وفي العام ذاته, خلال انعقاد «المؤتمر الاشتراكي الأممي» في لندن, عقد أول اجتماع خاص ضم حوالي ثلاثين مناضلة اشتراكية كن في عداد المندوبات إلى المؤتمر عن إنكلترا وألمانيا وبلجيكا وأميركا وهولندا وبولونيا. ويشكل هذا الاجتماع بداية محاولة متواضعة لبعث الحياة في الحركة الاشتراكية النسائية في الأقطار الأخرى.
عني هذا الاجتماع الخاص قبل كل شيء بنقاش مسألة العلاقة بين الحركة النسوية البرجوازية والحركة النسائية الاشتراكية. فأقر ضرورة رسم حد فاصل بين الحركتين, ولاحظ ضرورة التحريض الاشتراكي الخاص بين العاملات لجذبهن إلى صفوف حزب الطبقة العاملة.
لقد مضى عقدان من الزمن على انعقاد أول اجتماع للمناضلات الاشتراكيات. خلال تلك السنوات, سيطرت الرأسمالية ليس على فروع صناعية جديدة وحسب, بل وعلى أقطار جديدة أيضا. واتسعت اليد العاملة النسائية, واكتسبت المزيد من الوزن الاجتماعي في حياة الاقتصاد الوطني. لكن العاملات كن مبعثرات, لا يضمهن تنظيم ولا يربطهن بزملائهن العمال أي رابط, تظهرن كمنافسات خطيرات يهددن بتخريب تقدم نضالات العمال المنظمة. فبدت مسألة تنظيم المرأة العاملة, في تلك السنوات, كمسألة حيوية وملحة. غير أن كل قطر شق طريقه الخاص في معالجة مسألة تنظيم النصف النسائي من البروليتاريا وتكييف النساء مع ظروف الواقع الاجتماعي.
و هذا ما يفسر تنوع الأساليب التنظيمية. فقد انضمت النساء إلى اتحادات نقابية عامة أو مختلفة, أو انتظمن في نقابات خاصة بالنساء أو أسسن النوادي النسائية وجمعيات التثقيف الذاتي أو شكلن تنظيما نسائيا خاصا داخل الحزب أخذ على عاتقه العمل التحريضي والتنظيمي بين النساء. وهذا الأسلوب الأخير هو الأكثر ملاءمة لمهمة زج العاملات في الصراع الطبقي.
مع إطلالة عام 1907 كانت حركة المرأة العاملة قد بلغت من الاتساع قدرا سمح بالدعوة لعقد أول مؤتمر أممي للنساء في شتوتغارت, بالتعاون مع المؤتمر الاشتراكي الأممي العام. ولم تقتصر النساء الاشتراكيات على تبادل المعلومات حول النشاط القطري, بل إنهن أعلنّ عن تصميمهن على مواصلة العمل على الأسس السابقة, وبكافة الوسائل, من أجل تنمية وتطوير الحركة العمالية النسائية. وبعد شيء من الخلاف, اتفقت المندوبات على توصية قدمتها المندوبات الألمانيات بصدد إنشاء المكتب النسائي الأممي, تكون مهمته توثيق العلاقات بين التنظيمات العمالية النسائية في مختلف الأقطار.
هذا وقد اعترفت الهيئة المركزية للحركة العمالية النسائية الأممية بصحيفة غلايشهايت (المساواة) التي يصدرها الحزب الألماني.
و الواقع أن مؤتمر شتوتغارت عزز ذلك القسط من الاستقلالية الضروري لتنمية العمل المثمر بين البروليتاريا النسائية. فاتضح أنه بالرغم من أن الحركة البروليتارية النسائية جزء لا يتجزأ من الحركة العمالية الشاملة, إلا أنها تتمتع بمميزات خاصة, مردّها الظروف الحياتية الخاصة بالمرأة العاملة, والموقع الاجتماعي والسياسي المميز الذي تحتله المرأة في المجتمع الحديث. وعلى الرغم من أن أهداف التحريض الموجهة للنساء خاصة لا تختلف عن تلك الموجهة للحركة العمالية عامة, وعلى الرغم من أنها تشكل جزءا من هدف أشمل, غير أنها, بما هي تُعنى مباشرة بمصالح النساء, فإن أفضل وسيلة لتنفيذها هي عبر مبادرة ممثلات الطبقة العاملة النسائية.
و مع أن الاشتراكيين يعترفون بأن قضية المرأة تشكل جزءا عضويا من القضية الاجتماعية الشاملة في عصرنا, ويعتبرون المرأة العاملة عضوا في الطبقة العاملة قبل أن تكون أي شيء آخر تعاني الاستعباد والحرمان من الحقوق المدنية يضطرها النضال من أجل تحررها إلى النضال قبل كل شيء لتحرر طبقتها بأسرها ـ مع هذا كله, فالاشتراكيون يطرحون نقطة إضافية إلى جانب اعترافهم بذلك المبدأ الأساسي. وهي أن المرأة العاملة ليست فقط عضوا في الطبقة العاملة, بل إنها في الوقت ذاته ممثلة لنصف الجنس البشري. وعلى عكس دعاة النسوية, فالاشتراكيون الذين يطالبون بالحقوق المتساوية للنساء في الدولة والمجتمع, لا يغمضون أعينهم عن كون مسؤوليات المرأة تجاه المجتمع سوف تبقى مختلفة إلى حد ما عن مسؤوليات الرجل. فالمرأة ليست فقط عاملا ومواطنا مستقلا, بل إنها أيضا أم وحاملة الغد في أحشائها. وهذا ما يؤدي إلى سلسلة كاملة من المطالب الخاصة في مجالات مثل حماية عمل النساء, وضمانات الأمومة والطفولة, والمساعدة في تربية الأطفال, وإصلاح العمل المنزلي وما شابه.
و بالإضافة لذلك كله, فإننا نجد المرأة العاملة في وضع بائس في المجتمع والدولة في معظم البلدان. فالعاملة منبوذة حتى بين عبيد الرأسمالية الجدد [14], وهذا النبذ للنساء يولد عدم المساواة في الظروف الحياتية بين المرأة والرجل حتى ضمن الطبقة العاملة نفسها. فسواء في السياسة والأسرة أو في العلاقة بين الجنسين (البغاء, النفاق الأخلاقي...), أو في العمل نفسه, تحتل المرأة دائما «مركزا ثانويا». وإن حياتها كلها هي الشاهد الدافع على حرمانها من الحقوق.
طبيعي إذن أن يختلف تكوين المرأة العاملة النفسي عن تكوين العامل, تحت تأثير عبودية القرون. فالعامل أكثر استقلالا وحزما وشعورا بالتضامن. ثم إن أفقه واسع لأنه ليس سجين العلاقات العائلية الضيقة. فيسهل عليه بالتالي أن يعي مصالحه, وأن يربطها بالقضايا الاجتماعية. أما لكي تبلغ المرأة العاملة مرحلة نضج الآراء التي يبلغها العامل العادي، فهذا يعني أن تحقق قطيعة كاملة مع التقاليد والمفاهيم والقيم الأخلاقية والعادات التي تشكل جزءا لا يتجزأ من كيانها منذ نعومة أظافرها. ذلك أن التقاليد والعادات التي تسعى للمحافظة على نمط من النساء أنتجته أطوار النمو الاقتصادي السابقة, تتحول إلى عقبات كأداء في طريق بلوغ المرأة العاملة الوعي الطبقي. من هنا يمكن الخلوص إلى النتيجة الواضحة التالية: إن توعية المرأة العاملة, وبعث الحياة في إرادتها لا يكون إلا باعتماد أسلوب خاص في مخاطبتها, إلا باستخدام أساليب متخصصة للعمل بين النساء.
إن خصوصية هذه الوسائل تكمن في أنها تبقي على الصلات العامة بين الحركة العمالية النسائية والحركة العمالية العامة, لا بل تعمل من أجل انصهارها فيها عبر النضال, ودمجها معها تحت راية المهام والمطالب الطبقية العامة. غير أنها, في الوقت ذاته, تسمح بقيام جهاز خاص للتحريض معد خصيصا للنساء العاملات. ولهذا الفصل هدف مزدوج. يجب على هذه الهيئات الحزبية (لجان, مكاتب للنساء العاملات, وما شابه) أن يضطلع بعمل تحريضي متخصص متلائم مع مستوى مشاكل جمهور النساء ذي الوعي المتدني, وأن تنمي وعي العاملات, وترفعه إلى مستوى وعي الأعضاء الحزبيين, وتدفع بالنساء إلى حلبة الصراع الثوري. هذا هو الهدف الأول. أما الهدف الثاني فهو أن تتولى هذه الهيئات تمكين العاملات من طرح المطالب الخاصة بهن, بوصفهن نساء, والدفاع عنها: الأمومة, رعاية الأطفال, الحد الأدنى للأجور لعمل الأطفال والنساء, مكافحة البغاء, تخفيف أعباء العمل المنزلي, وغيرها.
ينتج عن ذلك أن تشكيل مجموعات من العاملات الحزبيات يخفف أعباء اجتذاب جماهير النساء الأدنى وعيا إلى صفوف الحزب, اللواتي ينبغي التحدث إليهن بلغة مختلفة عن اللغة المستخدمة مع الرجال. ومن جهة ثانية, فإنه ـ أي تشكيل وحدات من العاملات الحزبيات ـ يسمح بجذب اهتمام الحزب للمتطلبات الخاصة بالبروليتاريا النسائية.
تلك هي النتيجة التي توصلت إليها الرفيقات الأوروبيات تدريجيا. وسرعان ما تبنت معظم الأحزاب هذا الأسلوب في العمل. بدأت النمسا في عام 1908, وانكلترا عام 1906, والولايات المتحدة عام 1908, والبلدان السكاندينافية وبلجيكا وهولندا مع مطلع القرن العشرين. هذا وتوجد في سويسرا وفنلندا وفرنسا هيئات خاصة للنساء الاشتراكيات في كل مكان, تتولى العمل التحريضي بين العاملات وتركز اهتمام الأحزاب العمالية على ذلك الجزء من البرنامج الاشتراكي المتعلق مباشرة بمصالح النساء.
و بفضل هذا الأسلوب في العمل, أخذت الحركة العمالية النسائية تنمو وتتسع وتمد جذورها. وأخذ عدد العاملات المنظمات يرتفع في كل عام, لا بل أخذ ينمو بوتيرة أسرع نسبيا من وتيرة تزايد عدد الرجال المنظمين في الحركة الاشتراكية الديمقراطية. ففي ألمانيا, مثلا, كان الحزب لا يحوي عام 1907 أكثر من 10500 عاملة. فقفز هذا العدد عام 1908 إلى 24458، وإلى 62259 عام 1909, و82846 عام 1910, و107000 عام 1911, و130000 عام 1912, و150000 عام 1913. بكلمات أخرى, تضاعف عدد النساء في الحزب 15 مرة في غضون ست سنوات, بينما عدد الرجال بالكاد تضاعف مرتين. ففي عام 1907, كان عدد الرجال 600000, وارتفع عام 1913 إلى 830000.
مند زمن ليس بالبعيد, في المؤتمر الأممي للنساء الاشتراكيات المنعقد في شتوتغارت عام 1907, كان عدد العاملات المنظمات حزبيا من الضآلة بحيث أن معظم المندوبات لم يقدمن أي كشف بالأرقام حول عدد النساء في أحزابهن.
في ذلك الحين كانت إنكلترا تحتل المرتبة الأولى في عدد النساء العاملات المنظمات, إذ بلغ عدد العاملات في نقاباتها 150000 عاملة, في مقابل 120000 في ألمانيا, و42000 في النمسا, و15000 في المجر. أما بالنسبة للأحزاب, فإن نسبة النساء كانت أكثر انخفاضا. وكانت فنلندا الصغيرة البلد الذي يفاخر بأنه يضم أكبر نسبة من المناضلات الاشتراكيات-الديمقراطيات, غير أن هذه النسبة لم تكن تتعدى الـ 18000 عاملة.
و لقد ظهرت صورة مختلفة وأكثر إشراقا في المؤتمر الأممي الثاني للنساء الاشتراكيات المنعقد في كوبنهاغن في آب (أغسطس) 1910.
كانت ثلاث سنوات فقط قد مضت على انعقاد أول مؤتمر نسائي. ولكن, يا له من نمو هائل في جيش العاملات المساهمة بنشاط في النضال! في إنكلترا, كان عدد العاملات المنضويات في النقابات قد جاوز الـ 200000 عاملة, بينما بلغ في ألمانيا 131000 عاملة في النقابات و82645 عاملة في الحزب؛ وضم الحزب في النمسا 7000 مناضلة. كذلك ظهر تقدم ملموس في الحركة العمالية النسائية في بلدان أخرى.
و كدليل على مستوى تنظيم العاملات, نقدم الإحصائيات للسنوات الأخيرة قبل الحرب:
انكلترا (1911) في النقابات 292868 في عصبة المرأة العاملة 5000
ألمانيا (1910) في النقابات 161512 في الحزب الاشتراكي الديمقراطي 150000
النمسا (1911) في النقابات 47901 في الحزب الاشتراكي الديمقراطي 19000
فرنسا (1908) في النقابات 88906
إيطاليا (1908) في النقابات 41000 في الحزب الاشتراكي الديمقراطي 10711
هولندا (1910) في النقابات 24000 في الحزب 2943
سويسرا (1910) في النقابات 6000 في الحزب الاشتراكي الديمقراطي 1000
فنلندا (1910) في الحزب الاشتراكي الديمقراطي 17000
النروج (1909) في النقابات 3000 في الحزب 1500
لم نورد أعلاه معلومات عن عدد من البلدان ـ بلجيكا, إسبانيا, دنمارك, والسويد. ثم إن الكثير من الإحصائيات لا تقدم صورة دقيقة عن الوضع, لأن الزمن قد تجاوزها, ذلك أن حركة النساء العاملات أخذت تتقدم بخطوات سريعة في السنوات القليلة الأخيرة. لهذا يستطيع المرء أن يقول بدون مبالغة أن عدد العاملات المنظمات في أوروبا وحدها يبلغ المليون امرأة.
يكمن وراء هذه النجاحات التنظيمية الباهرة, ولا شك, عامل اقتصادي موضوعي: النمو المتسارع لليد العاملة النسائية الصناعية وخاصة في البلدان ذات الاقتصاد الرأسمالي الناشئ والسريع النمو نسبيا. ولكن بالإضافة لهذا العامل الموضوعي, فإن التأثير الحيوي الواعي للحزب على جماهير النساء والعمل المتخصص المنتظم الذي اضطلعت به التنظيمات الحزبية بنشاط ودأب, وخاصة في السنوات التي سبقت الحرب, قد لعب دورا مهما في تحقيق مثل هذه النجاحات.
و لكي نكوّن صورة أدق عن الوسائل التحريضية التي اتبعتها الحركة النسائية الاشتراكية, لا بد من دراسة تاريخ تلك الحركة بمزيد من التفصيل. وتشكل ألمانيا البلد النموذجي في هذا الصدد. فالبلدان الأخرى تكرر, مع بعض التعديلات, تجربة الحركة الاشتراكية الألمانية وتستعير منها النموذج الأساسي لعملها مع البروليتاريا النسائية.
كانت إنكلترا في مطلع القرن التاسع عشر مهد الحركات النقابية النسائية (إذ بدأت عاملات الغزل في لانكشاير تنضم إلى نقابات الغزل والنسيج منذ عام 1824), وبذلت في السبعينات من ذلك القرن محاولة أولى, بمبادرة من باترسون, لتوحيد النقابات النسائية المبعثرة في «عصبة حماية المرأة العاملة» (التي تحولت فيما بعد إلى «عصبة النقابات النسائية ـ العصبة النقابية») واستطاعت أن تربط أطراف الحركة بعضها ببعض وتؤمن الحد الأدنى من التماسك بينها. ولكن إذا كانت العاملات الإنكليزيات أول من خرج للدفاع عن الحقوق الاقتصادية المهضومة للنساء, فإن الاشتراكية الديمقراطية الألمانية هي التي حملت في أحشائها الحركة الحزبية السياسية للعاملات.
و مهما تكن أهمية النجاحات التي أحرزها التنظيم النقابي للعاملات في انكلترا, فقد ظلت هذه الحركة مطبوعة بطابع اقتصادي ضيق. فلم تعرف النقابات المختلطة ولا النقابات النسائية المستقلة أي نقاش حول المهام الاجتماعية العامة المتعلقة بتحرر النساء, ولا حول المصالح الحيوية للعاملات, بوصفهن نساء وأمهات. كانت النساء تنضم إلى الحركة النقابية فقط من أجل المكاسب العملية السريعة في مجال العمل ليس في انكلترا وحدها وإنما أيضا في بلدان أخرى كألمانيا وفرنسا وأميركا. واقتصر النقاش وطرح القضايا الاجتماعية العامة التي تمس مصالح النساء على الحركة النسوانية الصاعدة. غير أن النسوانية حرّفت مطالب العاملات وعرضتها للعالم بشكل مشوه, في صيغ عقيمة لا حياة فيها تتحدث عن المساواة المطلقة في الحقوق بين الرجال والنساء في شتى ميادين الحياة. ولا تزال الحركة النسائية العمالية في انكلترا تحمل حتى الآن آثار تلك الازدواجية. ففي المجال الاقتصادي, تناضل المرأة العاملة, بوصفها رفيقة واعية, من أجل مصالح طبقتها. ولكن نجد, في المقابل, أن العاملة المتدنية الوعي تظل متمسكة, في أفكارها الاجتماعية والسياسية, بأفكار «دعاة حق الاقتراع للنساء», لا بل إنها مستعدة للدفاع عن مبدأ مساواة النساء ولو على حساب مصالحها الطبقية.
كانت الحركة العمالية النسائية في ألمانيا مختلفة تماما. صحيح أن تنظيم العاملات كان مرتكزا في الستينات والسبعينات على النقابات بالدرجة الأولى, غير أن الزيادة الكبيرة في حجم القوة العاملة النسائية نتيجة تسارع وتيرة النمو الرأسمالي في ألمانيا, أجبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الناشئ على تحديد موقف واضح من مسألة المرأة.
كان ثمة وجهتا نظر تتصارعان داخل التنظيمات العمالية: فالبعض ينظر إلى عمل النساء المهني بوصفه انحرافا عن «النظام الاجتماعي الطبيعي» ويأمل في إجبار النساء على العودة إلى البيوت بواسطة التشريعات القسرية. أما البعض الآخر, فقد قَبِل بالظاهرة على أنها مرحلة حتمية تقود المرأة إلى تحررها النهائي, بوصفها بائعة لقوة عملها وامرأة في آن معا.
ولقد لعب كتاب بيبل «المرأة والاشتراكية» الذي صدر عام 1879 دورا حاسما في هذا المضمار. إذ ألقى الضوء الكاشف على تعقيد مسألة المرأة, وفتح الآفاق الجديدة أمام الاشتراكيين الديمقراطيين. كذلك أقام الكتاب المذكور صلة وثيقة بين مسألة المرأة وبين الهدف الطبقي العام للعمال. غير أنه نبه, في الوقت ذاته, إلى الحاجات والمطالب الخاصة بالنساء, وإلى السمات المميزة للمرأة بوصفها امرأة. إن هذا الاعتراف بالوضع الخاص للمرأة في المجتمع الحديث قد استوجب الاعتراف بأنه يوجد مجال للعمل ضمن البروليتاريا النسائية, بدون أن يُعتبر مثل هذا الاعتراف تخريبا لوحدة الحزب.
جرت أول محاولات لبناء تنظيمات نسائية اشتراكية في ألمانيا في أواسط الثمانينيات (من القرن الماضي). بمبادرة من وليام-شاك, المناضلة النسوية السابقة التي انضمت إلى الاشتراكيين الديمقراطيين, تأسست جمعيات للتثقيف الذاتي ونواد للعاملات في برلين. لكن الثمانينيات في ألمانيا كانت حقبة حالكة السواد, يطبق فيها قانون تعسفي يحظر النشاط الاشتراكي. فإذا بقوات القمع تدمر بلا رحمة منظمات بريئة, بذلت جهود جبارة لبنائها. وهكذا فإن القانون الخاص لعام 1887 سرعان ما قضى على البدايات الأولى للجمعيات النسائية الاشتراكية.
مع هزيمة هذا القانون الذي يحظر النشاط الاشتراكي, توطدت الحركة العمالية الألمانية بسرعة, وانتعشت معها الحركة العمالية النسائية. ولم تفتح أبواب النقابات أمام النساء وحسب, وإنما اختيرت امرأة أيضا رئيسة «اللجنة العامة للنقابات». أما بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي, فقد اتخذ هذا موقفا واضحا من مسألة المرأة في مؤتمر أرفورت. وإذا بالبرنامج الصادر عن ذلك المؤتمر, عام 1891, لا يشدد فقط على المطالبة بالحقوق السياسية لجميع المواطنين بدون تمييز بين رجل وامرأة, وإنما يرفع أيضا, في بنده الخامس, مطلبا محددا لمصلحة النساء. «إلغاء كافة القوانين التي تميز, حياتيا, بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالحقوق السياسية أو المدنية». هذا إقرار هام بحقوق النساء. فهو يعني أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي أخذ على عاتقه مسؤولية الدفاع عن مصالح نساء الطبقة العاملة, بالمعنى العام للكلمة. فلم تعد المسألة مسألة تحسين ظروف عمل المرأة, وإنما باتت أيضا مسألة تحررها كمواطن وإنسان.
انسجاما مع هذا الهدف المعلن الجديد, اضطر الحزب إلى تعديل أنظمته الداخلية لإفساح المجال أمام مشاركة النساء في العمل الحزبي. وكان مؤتمر الهال عام 1890 قد أقر توصية حول تولي النساء رئاسة المؤتمرات أجازت انتخاب النساء كرئيسات للاجتماعات الخاصة بالنساء.
وفي مؤتمر برلين, قدمت منظمة برلين النسائية تعديلا يقضي باستبدال منصب «الأمين السر الرجل» بمنصب «أمين السر» فقط, بحيث يتاح للنساء احتلاله. وطالبت منظمة نسائية ثانية, هي منظمة مانهايم, بتوسيع العمل التحريضي بين النساء. غير أن الخطوة الحاسمة بالنسبة لوسائل العمل الحزبي بين العاملات جاءت في مؤتمر غوثا, عام 1896. أثارت كلارا زتكن موضوع العمل الحزبي بين العاملات, وأرست قواعد قيام عمل حزبي متخصص ومستقل بين النساء. وفي سعيها لرسم الحد الفاصل بين مفاهيم المساواة التي يحملها المعسكر البرجوازي والمفاهيم النسائية الاشتراكية, أصرت كلارا زتكن, في توصية صيغت بعبارات كلاسيكية, على أن يركز التحريض بين النساء, بالإضافة لدعوته للأهداف العامة للحزب, على سلسلة كاملة من «القضايا النسائية» المحض, مثل حماية العمل وضمان الولادة ورعاية الأطفال وتربيتهم والتثقيف السياسي للنساء والمساواة السياسية للنساء وغيرها. وأقرت التوصية البدء بنشر الأدبيات والكرّاسات والبيانات الخاصة بالنساء. وبالإضافة لهذه التوصية التاريخية, التي حكمت العلاقة بين الحزب والحركة العمالية النسائية وقضاياها, فقد أقر المؤتمر ثلاث توصيات تكمل الواحدة منها الأخرى وتحدد, على نحو حاسم, الخط الجديد الذي يتبعه الحزب في مجال تنظيم العاملات.
و قد طالبت توصية تنظيم برلين بتكثيف العمل التحريضي بين النساء من أجل اجتذابهن إلى النقابات, نظرا لكون القانون يمنع النساء من الانضمام علنا إلى الحزب. أما التوصية الثانية, فكانت تتعلق بالمجال التنظيمي, وطالبت باعتماد منصب حزبي جديد هو «أمينة السر النسائية» المسؤولة عن العمل التحريضي المنتظم بين النساء من أجل رفع مستوى وعيهن الطبقي واجتذابهن إلى صفوف الحزب. واقترحت التوصية الثالثة الانعقاد الفوري للاجتماعات النسائية العامة من أجل انتخاب «أمينات السر للنساء».
بذلك يكون مؤتمر غوثا قد افتتح مرحلة العمل الحزبي لتنظيم النساء والتحريض المنتظم في صفوف البروليتاريا النسائية.
نما العمل على النحو المرسوم أعلاه بسرعة وثبات. وجاءت المؤتمرات اللاحقة لتدخل تعديلات طفيفة إلى مسألة تنظيم النساء العاملات والعمل التحريضي بينهن. ويمكن القول بشكل عام أن الحزب ظل ملتزما بخطة عمله التي وضعها في مؤتمر غوثا. صحيح أن عقبة كأداء كانت تعترض تطور الحركة الاشتراكية النسائية في ألمانيا, هي القانون الذي يحظر على النساء الانضمام العلني إلى الحزب. غير أنه في الأمكنة حيث لم يكن يوجد تشريع محلي يحظر على النساء المساهمة في الحركات السياسية ـ في بادن مثلا وورتنبرغ وساكسوني وهيسين وبعض الدويلات والمدن الحرة كبريمن ولوبيك وهامبورغ ـ انضمت النساء علنا إلى الحزب. أما في الأمكنة الأخرى, فقد انضممن للعمل السياسي تحت ستار «جمعيات التثقيف الذاتي للعاملات» أو التففن حول «أمينات سر للنساء» في مجموعات حرة غير منتظمة. وعلى الرغم من ذلك, فإن نظام «أمينات السر للنساء» ورئاسة النساء للمؤتمرات وصدور مجلة نسائية, «غلايشهايت» (المساواة) ـ كل هذه سمحت للحركة النسائية الاشتراكية بأن تكون وثيقة الارتباط بالحركة العامة للطبقة العاملة وأن تبقى تحت تأثير الاشتراكية الديمقراطية, مع أنها ظلت تنمو خارج أطر الحزب.
ومع أن الحزب عدل نظامه الداخلي في مؤتمر ماينز عام 1900, مستبدلا نظام «أمين السر» بنظام اللجان المحلية, فإن التعديلات لم تؤثر في تنظيم النساء البروليتاريات. وأقر مؤتمر ميونيخ عام 1902 الإبقاء على منصب «أمينة السر لشؤون النساء», وجرى تكليف أمينات السر بمهمة تنظيم النساء العاملات ومواصلة العمل التحريضي في صفوفهن. وأقر مؤتمر ماينز منصب أمينة السر المركزية لعموم ألمانيا. وهكذا تمكنت الحركة النسائية الاشتراكية من أن تخطو خطوات جبارة منذ مؤتمر غوثا. ومع مؤتمر ماينز, عام 1900, عقد المؤتمر الأول للنساء الاشتراكيات. وبعده, صارت المؤتمرات تنعقد دوريا في ألمانيا, مرة كل سنتين: في ماينز عام 1900, في ميونيخ عام 1902, في بريمان عام 1904, في مانهايم عام 1906, في نورنبرغ عام 1908, وفي يينا عام 1911. وجاءت مؤتمرات العاملات كجواب طبيعي على تنامي المطالب التي طرحتها الحياة نفسها. ولم يعد بالإمكان تأجيل البت بمسألة حق التصويت للنساء في الرايخشتاغ (المجلس الفدرالي) أو في اللاندتاغ (المجالس المحلية), أو بمسألة الأمومة المعقدة والمعلقة مند زمن. وكان لا بد من البت في قضايا أخرى معلقة كقضية تربية الأطفال قبل بلوغهم سن الدراسة, وحماية عمل الأطفال والنساء, وإصلاح المدارس، وإصلاح العمل المنزلي, وتنظيم خادمات البيوت, وتحديد أجورهن, وتحقيق الضمان الاجتماعي للأمهات وأطفالهن, والنضال ضد ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال, الخ.
و هذه كلها قضايا تمس العاملات مسا مباشرا, لالتصاقها بحياتهن. وقد تولدت عن هذه القضايا مطالب جديدة. وقد درست مؤتمرات النساء الاشتراكيات كافة هذه المطالب وناقشتها وحددت صياغتها, فدفعت الحزب بذلك إلى أن يدرس بمزيد من العناية والتمعن الحاجات والتطلعات الخاصة بالنساء. وهكذا تحولت المؤتمرات النسائية إلى لجان خاصة تولت تحضير المواد للمؤتمرات العمالية العامة حول الشؤون الخاصة بالنساء. فنشأ داخل الحزب تقسيم عمل محدد, لا شك في أن الحركة العمالية العامة أفادت منه كثيرا.
يُنظر عادة إلى استقلالية الحركة النسائية الاشتراكية في ألمانيا على أنها وليدة خطط تكتيكية سياسية وحسب, ردا على القانون الذي يحظر على النساء الانضمام إلى المنظمات السياسية. هذه الفكرة خاطئة. صحيح أن قانون الاتحاد والتنظيمات أجبر الحركة النسائية الاشتراكية على تكوين هيئات غير حزبية كـ «جمعيات التثقيف الذاتي للنساء العاملات». غير أنه مع تزايد عدد العاملات الواعيات سياسيا, وجد الحزب طريقة للتحايل على القانون, فانطلق من وحدة الحركة العمالية ليطالب النساء بالانضمام إلى هيئاته بوصفهن «متبرعات متطوعات» للحزب, وما لبثت هذه التبرعات أن أصبحت دورية, وتحولت بذلك إلى اشتراكات لعضوية الحزب. غير أن الحزب أبقى على منصب أمينة السر للنساء, وعلى الاجتماعات النسائية الخاصة, والمكتب النسائي المنفصل الذي يصدر صحيفته الخاصة ـ غلايشهايت ـ كما أبقى على المؤتمرات النسائية وغيرها.
و أخيرا, عندما ألغي قانون الاتحادات والتنظيمات البروسي في عام 1908, وبات بإمكان العاملات الانضمام إلى الحركة السياسية للاشتراكيين الديمقراطيين, زالت العقبات أمام إلغاء العمل الخاص بين النساء. فهل فعل الحزب ذلك؟ هل تخلى عن أساليبه السابقة بين البروليتاريا النسائية؟
بالعكس تماما. بعد مراجعته الجذرية لنظامه الداخلي في مؤتمر نورنبرغ عام 1908, أجاز الحزب للحركة النسائية الاشتراكية الاحتفاظ باستقلالها الذاتي شرط ألا يتعارض مع وحدة الحركة الطبقية.
و اعتبر الحزب أنه من واجب العاملات الانضمام إلى الحزب كعضوات مساويات للرجال, لكنه أقر رسم اشتراك أدنى من الرسم المفروض على الرجال, بسبب انخفاض أجور النساء. وعلى الرغم من إلغاء منصب «أمينة السر للنساء», فقد اعترف النظام الداخلي بضرورة إيجاد تمثيل خاص للنساء في كل لجنة حزبية, حسب نسبة العضوية النسائية في القطاع المعني بالأمر. واعتبر أنه في كافة الأحوال, يجب أن يوجد عضو واحد على الأقل في اللجنة الحزبية تنتخبه النساء, ويكون مسؤولا عن العمل التحريضي والتنظيمي بين العاملات. وتقرر أن تتمثل النساء في اللجنة المركزية للحزب, وأبقى على المكتب النسائي للحزب, وإلى جانب الصحيفة المركزية للنساء العاملات، غلايشهايت, صدرت سلسلة من المنشورات النقابية والمحلية المكرسة لمصالح العاملات ومطالبهن. كذلك أبقى النظام الداخلي على الاجتماعات الخاصة بالنساء (دروس, سهرات نقاش), وعلى «جمعيات التثقيف الذاتي» حيث تدعو الحاجة, كما أبقى, أخيرا, على المؤتمرات النسائية.
من هنا, فالتغيير الذي طرأ على قانون الاتحادات والتنظيمات لم يؤد إلى تغيير في طابع وأسلوب العمل الحزبي في ألمانيا. بل بالعكس, فإن تقسيم العمل داخل الحزب حول العمل التحريضي بين النساء, في السنوات التي سبقت الحرب مباشرة, قد أفسح أرحب المجال أمام نمو وتطور المطالب النسائية الخاصة بالعاملات. ويكفي أن نذكر في هذا الصدد «يوم المرأة» والتحريض من أجل حق الاقتراع للنساء ومحورهما وسيلة جديدة في إثارة اهتمام العاملات بالسياسة, وتثقيفهن في أمور الاجتماع الثوري انطلاقا من حرمان العاملات من الحقوق المدنية.
ونما الفرع النسائي في الحزب العمالي الألماني سنة بعد سنة, وتنوعت نشاطاته. والحزب مدين, ولا شك, لمبادرة العاملات بالنسبة لعدد واسع من الفعاليات الدائرة حول قضايا أكلاف المعيشة, وضمانات الأمومة, وتوسيع حق الاقتراع في البلديات. وقد أخذت العاملات على عاتقهن قسطا كبيرا من العمل أيام انتخابات الرايخشتاغ (المجلس الفدرالي الألماني) في يناير 1912, ولعبن دورا فعالا في انتخابات «صندوق التعويض عن المرض», وخضن تحريضا لا هوادة فيه من أجل اجتذاب النساء إلى الحزب, فعقدن الاجتماعات, ونظمن سهرات النقاش للنساء في كل مكان وصفوف الدراسة المتخصصة, الخ. ففي عام 1912, نظم المكتب النسائي 66 رحلة تحريضية عبر ألمانيا, بالإضافة إلى العمل التحريضي الذي قامت به العاملات في المقاطعات الريفية. فعقدن 22 مهرجان نسائي في الهواء الطلق, فضلا عن سهرات النقاش الدورية والدروس التثقيفية. وتمثلت النساء في 646 لجنة قطاعية (من أصل مجموع قدره 4827 لجنة). وكانت صحيفة غلايشهايت (المساواة) تطبع 107000 نسخة. وارتفع عدد النساء المنضمات إلى الحزب خلال ذاك العام إلى 22500 عضوة.
بالإضافة إلى العمل التحريضي في الاجتماعات, خاضت المناضلات الاشتراكيات نضالا تحريضيا خاصا بين «زوجات العمال» في البيوت, وأسفر هذا النضال عن نتائج رائعة. وكانت لجان رعاية الأطفال تعج بالنساء. وبلغ عددها 125 لجنة قبل الحرب, وكانت نشاطاتها متسعة باستمرار.
هكذا تبنت الحركة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية, بغض النظر عن تأثير الظروف الخارجية, مبدأ العمل الخاص المستقل بين البروليتاريا النسائية, المرتكز إلى قاعدة «قسمة العمل» داخل الحزب.
وكان الاشتراكيون الديمقراطيون النمساويون في نفس وضع الحزب الألماني, لجهة الحظر القانوني على انضمام العاملات للتنظيمات السياسية, فسلكوا سبيلهم الخاص, إلى حل مشكلة مشاركة النساء في الحركة العمالية.
فشكلوا لجنة خاصة دعيت اللجنة العامة لشؤون النساء التي كانت رسميا خارج الحزب, لكنها مرتبطة به أيديولوجيا. وابتداء من المؤتمر الثاني للنساء العاملات، المنعقد عام 1903, أدرجت مسألة «دور المرأة في النضال السياسي» على جدول الأعمال. وعلى الرغم من أن المؤتمر وافق على توسيع العمل الدعائي بين العاملات, ومن اتخاذه قرارا بتكوين لجان نسائية محلية لهذا الغرض, فإن مساهمة النساء في العمل السياسي كانت تتقدم ببطء وبصعوبة. غير أن الحركة العارمة للعمال النمساويين من أجل إصلاح القانون الانتخابي في عام 1905 شكلت حافزا جديدا للعمل النسائي. فانجذبت النساء إلى النضال, وشاركن في الإضراب العام, مما دفع باللجنة العامة لشؤون النساء إلى أن تتقدم من لجنة الحزب ولجنة النقابات بمشروع لتنظيم العمل بين العاملات على أساس الخطوط التي رسمها الحزب الألماني. وقد أقر مؤتمر الحزب عام 1907 مبدأ إنشاء فرع خاص للتحريض النسائي تابع للحزب؛ ومع انعقاد المؤتمر الثالث للنساء العاملات، في عام 1908، بدأ العمل المستقل في صفوف البروليتاريا النسائية في النمسا مستلهما النموذج الألماني. ولم يغير في الأمر شيئا إلغاء القانون الذي كان يحظر على النساء الانضمام على التنظيمات السياسية عام 1910.
في انكلترا, اضطلعت العصبة العمالية النسائية داخل حزب العمال بمهمة التحريض المستقل بين العاملات. ولكن الحزب الاشتراكي الديمقراطي البريطاني قد أنشأ في عام 1906 لجنة نسائية لهذا الغرض نفسه. وفي عام 1908, أنشأ الحزب الاشتراكي الأميركي بدوره منظمة للعاملات في أميركا لاقت نجاحا مرموقا. وفي سويسرا, أسست كلارا زتكن اتحاد النساء العاملات الذي ضم 15 فرعا, وأخذ على عاتقه شتى أشكال العمل لنشر الدعاية الاشتراكية بين العاملات قبل الحرب. والواقع أن فنلندا والسويد والنروج والدنمارك وهولندا ـ كلها اعتمدت اللجان الحزبية النسائية والمكاتب وأمانات السر النسائية. وشهدت فرنسا في السنوات الأخيرة محاولة لإنشاء تنظيمات حزبية نسائية مشابهة. وإلى جانب هذا الأسلوب في تنظيم العاملات في مختلف الأقطار ـ الولايات المتحدة, انكلترا, هولندا, السويد ـ استمرت منظمات خاصة, تقع رسميا خارج الحزب, لكنها كانت هي أيضا تحت القيادة الإيديولوجية للاشتراكيين الديمقراطيين. وشمل هذا الأسلوب في التنظيم جمعيات التثقيف الذاتي للعاملات, واتحادات التوعية وغيرها. وكان الهدف منها إما «تمهيد الطريق» للانضمام للحزب, بواسطة الدعاية في أوساط أشد الجماهير جهلا وتخلفا، وإما تعميق الوعي النظري عند العاملات, وتدريب القوى الاشتراكية الفتية للعب الأدوار القيادية في الحركة الطبقية.
في روسيا, بذلنا نحن أيضا المحاولات لإنشاء منظمات من هذا النوع. وكانت أول محاولة في ربيع عام 1906, عندما فتحنا نوادي النساء العاملات, في بعض نواحي بتروغراد, دون أخذ إذن مسبق بذلك. وجاء حل مجلس الدوما الأول ليجبر هذه النوادي على إغلاق أبوابها.
جرت المحاولة الثانية في خريف 1907, عندما بادر الاشتراكيون الديمقراطيون إلى تأسيس جمعية التثقيف الذاتي للعاملات, كان هدفها اجتذاب أوسع جماهير النساء ذوات الوعي المتدني إلى الحركة الطبقية, وإدخالهن إلى الاتحادات النقابية وإلى الحزب.
لكن النظام القيصري قضى على هذه المحاولات قبل أن تجني ثمارها. ففي عام 1909, اضطرت الحركة العمالية إلى الالتجاء للعمل السري مرة ثانية. غير أن ذلك لم يمنع العاملات الاشتراكيات الديمقراطيات من حضور أول مؤتمر نسائي لعموم روسيا, دعت له حركة الحقوق المتساوية البرجوازية عام 1908. وتمثلت العاملات الاشتراكيات الديمقراطيات في هذا المؤتمر بوفد طبقي متميز ضم 45 امرأة. وبعد أن قدم الوفد مشاريع توصياته التي أقرها المؤتمر, انسحبت العاملات من مؤتمر «بنات الذوات» هذا.
في عام 1913, قررت الحركة الاشتراكية الديمقراطية عقد يوم المرأة في روسيا. ويمكن اعتبار هذا الحدث بدء إدراك الطبقة العاملة الروسية لضرورة القيام بعمل خاص بين البروليتاريا النسائية. فمقتضيات الفاعلية وحدها تملي مثل هذا التقسيم للعمل. ذلك أن موقع العاملات في المجتمع الحديث, والمسؤوليات الخاصة التي تتحملها النساء كأمهات وربات بيوت تملي ضرورة اعتماد وسيلة تحريض خاصة للعمل بين البروليتاريا النسائية.
والواقع أن الحركة العامة للطبقة العاملة هي التي تستفيد من مثل هذا التقسيم للعمل, أي من التحريض الخاص بين العاملات, ما دام الاهتمام المتزايد بمصالح وحاجات النساء يضاعف من شعبية الحزب بين العاملات, ويشجع النساء على الانضمام إلى الهيئات الحزبية. وهكذا, فإن قيام جهاز حزبي خاص للعمل بين النصف النسائي من الطبقة العاملة لا يضر إطلاقا بوحدة الحركة الطبقية. بل بالعكس تماما, فهو يمد الحزب العمالي بأعداد من المناضلين الجدد, ويوطد قوته, ويوسع بذلك من مجال عمله الاجتماعي الخلاق حتى في مجال حل مسألة معقدة ومرتبكة كـ «مسألة المرأة».
أشكال تنظيم العاملات في الغرب
إن الأشكال التنظيمية التي اعتمدتها حركة البروليتاريا النسائية في مختلف البلدان هي من التنوع والتعقيد بحيث يصعب الإحاطة بها كليا في هذا العرض الموجز. ويعود هذا التنوع, بالدرجة الأولى, إلى تمايز الظروف الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل بلد. لكنه يعود أيضا, ولو جزئيا, إلى الدور الواعي الذي لعبته الطبقة العاملة والحركة العمالية النسائية. ولا يجوز أن يغيب عن بالنا أن حركة البروليتاريا النسائية في كل البلدان تقريبا, لا تزال في طورها الجنيني, وهي مرهونة, في تطورها, بجو «التأييد» أو «اللامبالاة» الذي تلقاه في أوساط رفاقها الطبقيين الذين ساروا قدما في طريق النضال الطويل من أجل مستقبل أفضل.
هذا وقد عبرت الحركة البروليتارية النسائية عن نفسها بأشكال نموذجية هي التالية:
أولا, النقابات. وهي على نوعين: النقابات المختلطة التي تضم الرجال والنساء معا؛ والنقابات النسائية. في عام 1824, انضمت عاملات الغزل في لانكشاير [15] إلى نقابة عمال الغزل والنسيج. وعلى الرغم من أن النساء كن محرومات من الحقوق المتساوية للرجال (إذ لم يكن يحق لهن, لفترة طويلة من الزمن, المشاركة في قيادة النقابات الانكليزية أو الترشح إلى المناصب النقابية وغيرها), فإن مساهمتهن في النضال الاقتصادي كان له أهمية تعليمية ضخمة, مهدت الطريق أمام انطلاقة الحركة النسائية الاشتراكية فيما بعد.
أما النوع الثاني من النقابات, التي تقتصر عضويتها على النساء, فقد نما بالدرجة الأولى بسبب المواقف العدائية للعمال الذكور تجاه منافسة العمل النسائي؟ غير أنها تغذت من حركة تحرر المرأة النامية في أوساط الطبقات البرجوازية. فمع السبعينيات, أسست السيدة باترسوف, عصبة حماية العمل النسائي التي عملت لمدة طويلة بالتعاون مع حملة المساواة في الحقوق ذات الطابع البرجوازي, ولم تتحول إلا لاحقا إلى عصبة للنقابات النسائية. ثم انضمت هذه العصبة إلى الاتحاد النقابي العمالي العام, وهي الآن آخذة بالتحرر تدريجيا من تأثير الحركة النسوانية.
إن المنظمات النقابية المقتصرة على النساء تشمل كافة البلدان تقريبا (الولايات المتحدة الأميركية, فرنسا, الدنمارك, ألمانيا, الخ) رغم أنها تتلاشى تدريجيا, وبفعل مفعول حتمي, لتحل محلها النقابات المختلطة. الواقع أن للنقابات مهمة محددة ـ النضال من أجل المصالح الاقتصادية لأفراد الطبقة العامة. وهذه المصالح الاقتصادية هي بالضبط المصالح التي تجمع, في وحدة واحدة لا تنفصم, الرجال والنساء من أبناء البروليتاريا. من هنا, فإن أي تمييز بن الجنسين على هذا الصعيد هو تمييز مصطنع, ويسير باتجاه معاكس تماما لمصالح العمال, ولا يؤدي إلا إلى التفريط بالأهداف المباشرة للنضال النقابي. ومع وعي البروليتاري, اعتمادا على تجربته الخاصة, لوجود هذه الوحدة في المصالح, وقبوله بانضمام النساء العاملات إلى منظماته, لا بل اتخاذه كافة الخطوات اللازمة لاجتذابهن إليها, يزول مبرر وجود النقابات الخاصة بالنساء.
و يعود استمرار النقابات النسائية إلى يومنا هذا لعاملين اثنين: (1) وجود مهن يقتصر العمل فيها على النساء. (2) وقوع هذه النقابات النسائية تحت تأثير النزعة النسوانية البرجوازية المضرة دائما وأبدا بالنضال من أجل الوحدة الطبقية للبروليتاريا.
ثانيا, التنظيمات الاشتراكية الساعية إلى تحقيق أهداف سياسية وطبقية عامة. ذلك هو الشكل التنظيمي الثاني للحركة البروليتارية النسائية. وهو أيضا على نوعين. أولهما, المنظمات المستقلة للعاملات كجمعيات التثقيف الذاتي ونوادي العاملات وروابط التوعية وغيرها. وهذه موجودة خارج أطر الحزب, رغم أنها تعمل بالتعاون الوثيق معه وتحت قيادته الإيديولوجية. حتى إن بعض هذه المنظمات, مثل «الجمعيات التثقيفية لنساء وفتيات الطبقة العاملة», التي كانت واسعة الانتشار في ألمانيا حتى عام 1908, أو الجمعية الاشتراكية النسائية في نيويورك, ونوادي النساء العاملات في السويد لا تهدف إلا إلى الدعاية في أوساط الجماهير الأشد جهلا وتخلفا لاجتذاب أعضاء جدد إلى الحزب. أما المنظمات الأخرى, مثل نوادي النساء الاشتراكيات في هولندا, فهي تضم عاملات بلغن درجة من الوعي السياسي, يجري تعميقه بواسطة التثقيف النظري والعملي تمهيدا لاضطلاعهن بالعمل الحزبي العام. وكلا هذين الفرعين من العمل النسائي الاشتراكي آخذ بالتلاشي حاليا, لعدم جدواه وعدم استجابته للتحول الثوري الذي يجمع ويلحم البروليتاريا من الجنسين في وحدة طبقية واحدة.
أما النوع الثاني من المنظمات الاشتراكية النسائية, فيضم المنظمات التي تشكل فروعا من الحزب ذاته. هذه ليست خارجة عن الحزب, وإنما تقع في داخله كهيئات وأجهزة خاصة ـ لجان, مكاتب, أمانات سر ـ يوكل إليها الحزب مهمة خاصة تتعلق بخدمة البروليتاريا النسائية. وهذا النوع من التنظيمات فعال ومجد. وتقوم هذه الأجهزة المتخصصة بنشاطات كثيفة ومتعددة الأوجه, وخاصة في ألمانيا.
وتقع على عاتق هذه الأجهزة المتخصصة مهمة «توسيد التربة لجني الحصاد الاشتراكي». ذلك أنها تدرب القوى الفتية للعب دورها «كقيادات نسائية», والمشاركة في إصدار صحيفة الحزب النسائية, ورعاية أطفال الطبقة العاملة (وكمثال على ذلك, نذكر لجنة رعاية الطفولة في ألمانيا, أو اللجان الانكليزية المعنية بتلامذة المدارس, وبتقديم «الحساء الساخن» لأبناء العمال, وتنظيم المخيمات الصيفية، وغيرها), وأخيرا, تنظيم فعاليات سياسية خاصة متعلقة بحق النساء في الاقتراع ـ كما حدث عام 1908-1909 في بروسيا بصدد الإصلاحات الانتخابية. وبالإضافة لذلك, تضطلع المكاتب واللجان وأمانات السر النسائية بمسؤولية عقد الاجتماعات النسائية, وتنظيم الدروس الخصوصية, والدعوة والتحضير للمؤتمرات النسائية, ونشر الكراسات والبيانات ـ باختصار, مسؤولية الاضطلاع بكافة أوجه العمل الواسع لنشر الدعاية والتحريض في صفوف البروليتاريا النسائية.
حاليا لا يكاد يوجد حزب اشتراكي ديمقراطي في بلد من البلدان لا يخصص أجهزة خاصة من أجهزته للعمل بين النساء. ويشعر الاشتراكيون في شتى أنحاء العالم بضرورة هذه الاستقلالية التي تمليها مقتضيات الفعالية. ذلك أن وضع المرأة المميز في المجتمع المعاصر لا يؤدي إلى نشوء مصالح خاصة بالبروليتاريا النسائية وحسب (ضمان الأمومة والطفولة, تحقيق المساواة في الحقوق المدنية والسياسية, إصلاح العمل المنزلي, وغيرها), وإنما يتطلب أيضا إحداث تعديلات هامة في أسلوب الدعاية والتحريض في صفوف النصف النسائي من الطبقة العاملة. وبديهي أن مثل هذا التخصص لا يعرض وحدة الحركة الطبقية لأي خطر. بل بالعكس تماما. فبفضل الجهود التي تبذلها الحركة الاشتراكية الديمقراطية, وقيادتها, تنخرط الحركة البروليتارية النسائية بالحركة الطبقية العامة ويرتفع مستواها, مثلما الجدول الرافد يصب في النهر الكبير.
وها إننا قد بلغنا طورا لم تعد الحركة الاشتراكية الديمقراطية العالمية تضع موضع التساؤل الجدوى من العمل الخاص بين النساء. غير أن الحذر من تأثير «النزعة النسوية», فرض على الاشتراكيين والاشتراكيات على حد سواء, التخوف من مثل هذا التقسيم للعمل طوال فترة زمنية مديدة.
على الرغم أن الحركة الاشتراكية الديمقراطية أيدت, منذ ظهورها, حقوق النساء نظريا ومبدئيا, واتخذت الخطوات العملية للدفاع عن مصالح العاملات, إلا أنها لم تبذل أي جهد خلال سنوات, ولا هي اعتمدت أي وسيلة لإيقاظ وعي جماهير النساء الغافلة المستسلمة. وإذا كان العمال الذكور المنظمون في نقابات وأحزاب قد نجحوا في كسب بعض الحقوق التي تحسن ظروف معيشة وعمل العاملات, فقد فعلوا ذلك دون مساهمة من العاملات, وإنما بالنيابة عنهن. وكان ذلك الخطأ الأساسي.
نستثني من ذلك بعض الحالات المعزولة. مثل لويزا اوتا في ألمانيا, التي خطبت في «أخوية» [16] للعمال, عام 1848, وأشارت إلى ضرورة إشراك النساء في التنظيمات العمالية. والعاملة هنريبتا لو, المرأة الوحيدة العضوة في المجلس العام للأممية الأولى, التي بذلت جهودا ملموسة لتنظيم العاملات في إنكلترا. غير أن محاولات هذه وتلك باءت بالفشل, واصطدمت بلامبالاة الرفاق العمال وبعقبات سياسية خارجية. وبالإضافة لذلك كله, يجب تذكر الموقف العدائي من منافسة العمل النسائي الذي غلب لفترة طويلة على مشاعر البروليتاريين الذكور, ودفع بالعديد من النقابات إلى إقفال أبوابها في وجه النساء. إن هذا الموقف العدائي, هذا الفهم الخاطئ والضيق الأفق لمصالح العمال, لا يزال قائما حتى الآن, تتردد أصداؤه في إنكلترا, والبلاد السكاندينافية, وفرنسا, وحتى ألمانيا. غير أن المفاهيم السليمة عن وحدة الحركة الطبقية, المتوافقة فعلا مع المصالح الحقيقية للطبقة العاملة ككل, أخذت تفرض نفسها وتحفر طريقها ببطء ولكن بانتظام.
وطبيعي أن يكون تأسيس المنظمات النسائية, وتوعية النساء, وإطلاق مبادرتهن غير كاف بحد ذاته. إذ ينبغي الاهتداء إلى الوسائل الملائمة للعمل بين النساء. وكانت ألمانيا أول من خطا الخطوات على هذا الطريق. ولعب كتاب بيبل ـ المرأة والاشتراكية ـ أكبر دور في تقييم المسألة وجلو أبعادها على نحو صائب. إن هذا الإنجيل لكل امرأة اشتراكية يقيم البرهان على أن حل «مسألة المرأة» يعتمد على حل المسائل الاشتراكية العامة لعصرنا؛ لكنه يلاحظ أيضا مميزات وضع المرأة في المجتمع الرأسمالي ـ هذه المميزات التي تثبت ضرورة العمل المستقل في صفوف البروليتاريا النسائية.
يظن البعض أن استقلالية الحركة النسائية في ألمانيا فرضتها أسباب خارجية, وبشكل خاص القانون الذي يحظر على النساء الانضمام إلى التنظيمات السياسية. هذا الظن خاطئ من أساسه. ويجدر التذكير أولا بأول بأنه بعد عام 1892, بات الحظر يشمل مساهمة النساء في التنظيمات السياسية فقط. وبالتالي, لم يكن ثمة من حظر على انضمامهن للاتحادات النقابية. والواقع أن النقابات في ألمانيا, في فترة التسعينيات, هي التي كانت تضطلع بالعمل التحريضي المستقل والمتخصص في صفوف البروليتاريا النسائية, فمهدت بذلك السبيل أمام الدعاية الاشتراكية بين العاملات. من هنا, فلا معنى للاستشهاد بذلك القانون المشؤوم من القوانين الإمبراطورية الألمانية. لأنه عندما نضجت الظروف, واتضحت مصلحة الحزب في العمل النسائي, وجدت سبل عديدة للالتفاف حول هذا القانون المزعج وحول غيره من العقبات.
و أخيرا, ألغي هذا القانون الذي يحظر على النساء الانضمام إلى التنظيمات السياسية في عام 1908, فزالت بذلك الأسباب الخارجية الموجبة لتقسيم البروليتاريا بين رجل وامرأة. فشمل العمل التنظيمي شطري البروليتاريا, الرجالي والنسائي؛ غير أن ذلك لم يقض على العمل المتخصص بين النساء. ففي مؤتمر نورنبرغ, المنعقد في ذلك العام, اعترف الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان ـ وهم في معرض مراجعة النظام الداخلي لحزبهم ـ بضرورة المحافظة على العمل الخاص بين النساء, والاستمرار في اعتماد الاجتماعات النسائية الخاصة, وتمثيل النساء قطاعيا ومركزيا, وإصدار الصحيفة النسائية المركزية, والمؤتمرات النسائية وغيرها.
ثمة عاملان ـ عامل اقتصادي وعامل سياسي ـ في تاريخ الحركة العمالية دفعا باتجاه ضرورة العمل المستقل في صفوف البروليتاريا النسائية. فمع تكاثر عدد العاملات, وتزايد منافستهن في سوق العمل, طرحت مسألة التنظيم النقابي للعاملات بحدة وحيوية متزايدتين. وبات من الضروري ـ للحفاظ على مصالح الحركة النقابية ولضمان انتصارات البروليتاريا ـ أن يجري «تحييد» تلك العناصر المبعثرة, المتدنية الوعي, التي بدأت تظهر كعقبة خطيرة في وجه الحركة الطبقية للعمال. بعبارة أخرى, بات ممن الضروري زج النساء في النضال النقابي. وفي عام 1895, أنشأت اللجنة العليا للنقابات في ألمانيا هيئة فرعية متخصصة بالتحريض بين النساء, وتوصلت إلى ابتكار أساليب جديدة للعمل بين الجماهير النسائية, واضطلعت بنمط خاص من الدعاية والتحريض بين العاملات. وطوال التسعينيات, ظلت صحيفة غلايشهايت تصدر كلسان حال لحركة نسائية كان يغلب عليها الطابع النقابي-الاقتصادي, لا السياسي.
أما العامل الثاني الذي أظهر ضرورة العمل المستقل بين النساء, داخل أطر الحزب الاشتراكي الديمقراطي, فهو عامل سياسي. خلال السنوات العشرة الأخيرة, طرحت مسألة الإصلاح الانتخابي والنضال من أجل توسيع الحريات الديمقراطية بمزيد من الحدة والإلحاح في عدد كبير من البلدان. ونتيجة لذلك, طرأ تحول ملموس على مواقف المنظمات العمالية السياسية من الحركة العمالية النسائية. وعلى الرغم من أن الحزب كان يعترف بفائدة اجتذاب العناصر البروليتارية النسائية إلى النضال السياسي, إلا أنه لم يكن يستشعر تلك الفائدة بالإلحاح نفسه الذي دفع بالنقابات إلى البحث عن أشكال وسبل جديدة للوصول إلى قلب المرأة العاملة وعقلها. ففي التسعينيات, لم يكن يوجد حزب عمالي واحد في العالم تجلى نشاطه في مجال تنظيم البروليتاريا النسائية. ومع أن مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في غوثا عام 1896 وافق, بعد إصرار وفد النساء الاشتراكيات الديمقراطيات, على إنشاء منصب «أمينة السر للنساء» المسؤولة عن كافة أوجه العمل بين البروليتاريا النسائية, إلا أن الاشتراكيين الديمقراطيين الألمان أغفلوا هذه التوصية عندما وضعوا النظام الداخلي الجديد لحزبهم, في مؤتمر ماينز عام 1900. ولكن, كان يكفي أن تظهر مسألة الإصلاح الانتخابي في اللاندتاغ الألمانية (المجالس المحلية للمقاطعات), ليطرأ تحول ملموس على موقف الحزب من الحركة النسائية العمالية.
وتعود الجذور العميقة للامبالاة الحزب تجاه هذه المسألة إلى العامل التالي: بسبب حرمان النساء من حقوقهن السياسية, تبين أن النشاط من أجل كسب الكوادر الحزبية النسائية أقل أهمية بكثير, من منظار المكاسب المباشرة للحركة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية, من النشاط المبذول في صفوف البروليتاريين الذكور. ذلك أن التحريض بين العاملات لا يؤتي النتائج الملموسة سريعا. إنه عمل ليس «للحاضر» وإنما للمستقبل البعيد. غير أن مسألة النضال من أجل الإصلاح الجذري للنظام الانتخابي دفعت بالنساء, هن أيضا, إلى حلبة الصراع السياسي. فإذا بكسب العاملات إلى صفوف الحزب, بوصفهن أصواتا انتخابية ممكنة, يكتسب أهمية حيوية. فبدأت الحركة الاشتراكية النسائية في ألمانيا تخطو خطوات واسعة إلى الأمام في مطلع القرن العشرين. لأنها باتت تحظى بتأييد واسع من الحزب, في وقت هو بالضبط موعد تفجر النضال من أجل الإصلاح الانتخابي.
الصورة تكاد تكون مماثلة في البلدان الأخرى. في إنكلترا, يمكن تفسير لا مبالاة الأحزاب الاشتراكية تجاه الحركة العمالية النسائية بالنجاح الذي أحرزته «حركة المطالبة بحق الاقتراع للنساء» (السوفراجيت) بين العاملات. وطوال فترة من الزمن, ظلت هذه الحركة المدافع الوحيد عن المطالب السياسية للنساء. غير أن بروز الحاجة إلى الإصلاح الجذري للنظام التمثيلي في إنكلترا, سرعان ما أثار الاهتمام بالحركة العمالية النسائية. فتأسست العصبة العمالية النسائية عام 1906, بوصفها الفرع النسائي لحزب العمال البريطاني. وحددت هذه هدفها على أنه أولا رص صفوف كافة قوى البروليتاريا النسائية, ومن ثم النضال من أجل نيل الحقوق السياسية للنساء. وقد أنشأ الحزب الاشتراكي الديمقراطي البريطاني، عام 1909, لجنة خاصة تتولى الدعاية الخاصة بين النساء. ونظم مناضلو الحزب, ومعظمهم من النساء, حملة للمطالبة بحق الاقتراع للجميع, للرد على «حركة المطالبة بحق الاقتراع للنساء» التي كانت تضع شروطا لأهلية النساء للاقتراع [17].
على الرغم من إلغاء البند الخامس من القانون الانتخابي النمساوي, فإن النضال من أجل الإصلاح الانتخابي في النمسا حظر هو أيضا الدعاية الحزبية بين النساء, وأدى إلى اعتماد صيغة تنظيمية نهائية لهذا النوع الخاص من العمل الحزبي.
في بلجيكا, تترافق بدايات الحركة الاشتراكية النسائية مع انطلاقة النضال من أجل الإصلاح الانتخابي.
أما في الولايات المتحدة, حيث كانت «قضايا طبقية ملحة» مطروحة على الطبقة العاملة, وحيث كانت الحركة الاشتراكية تصطدم باستمرار بالنظام البرلماني المهترئ, كانت مصالح الحزب هي أيضا التي دفعته إلى اجتذاب العاملات للنضال السياسي. وفي عام 1908, أنشأ الحزب الاشتراكي في الولايات المتحدة لجنة نسائية للتحريض والدعاية بين العاملات. ومن جهة ثانية، كانت الحركة الاشتراكية النسائية ضعيفة متخلفة في أقطار كفرنسا وسويسرا حيث لم تكن قضايا النضال الديمقراطي مطروحة في الشارع.
ختاما, كانت غالبية الهيئات النسائية الحزبية من لجان ومكاتب وما شابه حديثة العهد في كافة الأقطار ـ باستثناء ألمانيا ـ وهي لم تتبلور فعلا إلا خلال السنوات الخمس أو الست التي سبقت الحرب. والواقع أن التقدم الذي أحرزته هذه الأحزاب في السنوات الأخيرة في مجال اجتذاب العاملات يدعو فعلا إلى الإعجاب. والمؤتمر العمالي النسائي المنعقد في كوبنهاغن خير دليل على ذلك. وما من شك في أن انخراط النساء العاملات في الصراع الطبقي سوف يسير قدما إلى أمام نظرا للدعم الذي يلقاه العمل العمالي النسائي من الحركة الاشتراكية الديمقراطية.
إن مشاركة العاملات في الحركة البروليتارية الشاملة لم يعد «ترفا», بل أصبح شرطا أساسيا من شروط انتصار النضال الثوري.
--------------------------------------------------------------------------------
تقرير كولونتاي أمام المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية
(موسكو 22 حزيران ـ 12 تموز 1921) [18]
1 ـ موضوعات للدعاية بين النساء
أ ـ مبادئ عامة:
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية, بالاشتراك مع المجلس العالمي للنساء الشيوعيات, يقر رأي المؤتمرين الأول والثاني, المتعلق بضرورة قيام الأحزاب الشيوعية في الغرب والشرق, بتعزيز العمل بين البروليتاريا النسائية, وبخاصة التربية الشيوعية للجماهير الواسعة من العاملات, اللواتي ينبغي جرّهن إلى النضال من أجل سلطة السوفياتات ومن أجل تنظيم الجمهورية العمالية السوفياتية.
لقد أصبحت ديكتاتورية الطبقة العاملة, بالنسبة للبروليتاريا في العالم أجمع, وبالتالي بالنسبة للعاملات, مسألة رئيسية.
يسير الاقتصاد الرأسمالي في طريق مسدود. فالقوة المنتجة لم تعد قادرة على التطور في إطار النظام الرأسمالي. وعجز البورجوازية عن إعادة الحياة إلى الصناعة, وبؤس الجماهير الكادحة المتعاظم وتفشي المضاربات وتفسخ الإنتاج, كل هذا يؤدي إلى انتعاش الصراع الطبقي في جميع البلدان. وفي هذا الصراع تبرز مسألة معرفة من يدير عملية الإنتاج: أحفنة من البورجوازيين والمستثمرين وعلى أسس الرأسمالية والملكية الخاصة, أم طبقة المنتجين الحقيقيين وعلى أسس الشيوعية؟
يجب على الطبقة الجديدة الصاعدة, طبقة المنتجين الحقيقيين, وفقا لقوانين التطور الاقتصادي, أن تستولي على وسائل الإنتاج وأن تخلق الأشكال الاقتصادية الجديدة, فبهذا فقط تستطيع القوى المنتجة أن تعطي الحد الأقصى من مردودها, بينما تمنع فوضى الإنتاج الرأسمالي هذه القوى حتى من إعطاء المردود المؤهلة له أساسا. وطالما أن السلطة هي في حوزة البورجوازية, تبقى البروليتاريا عاجزة عن تقويم الإنتاج. ولا يمكن لأي إصلاح أو تسوية تقوم بها الحكومة الديمقراطية أو الاشتراكية في البلدان البورجوازية أن تنقذ الوضع وأن تخفف من آلام الشغيلة, لأن هذه الآلام هي نتيجة طبيعية لانهيار النظام الرأسمالي, وهذه الآلام ستبقى ما بقيت السلطة في أيدي البورجوازية, واستيلاء البروليتاريا على السلطة وحده سيمكن الطبقة العاملة من السيطرة على وسائل الإنتاج, ومن ضمان إمكانية توجيه الاقتصاد وفقا لمصلحتها الخاصة.
لكي تقرب البروليتاريا ساعة اللقاء الحاسم مع العالم البورجوازي المحتضر, عليها أن تلتزم بحزم بالتكتيك الصارم الذي أوصت به الأممية الثالثة. إن الأمر الأساسي الذي ينبغي أن يكون في صميم جدول أعمال الشيوعيين هو تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا, فهذا الأمر هو الهدف الذي على أساسه تتحدد طرق عمل الشيوعيين من الجنسين وخط سلوكهم.
و انطلاقا من أن النضال من أجل ديكتاتورية البروليتاريا هو في صميم جدول أعمال الشيوعيين في جميع الدول الرأسمالية, ومن أن بناء الشيوعية هو المهمة الراهنة في البلدان التي وصلت فيها البروليتاريا إلى السلطة, يؤكد مؤتمر الأممية الثالثة على أن استلام السلطة من قبل البروليتاريا, ثم تحقيق الشيوعية, لا يمكن أن يتم دون الدعم النشيط والفعال الذي تقدمه الجماهير النسائية البروليتارية وشبه البروليتارية.
من جهة أخرى يلفت المؤتمر انتباه النساء إلى أن المحاولات الرامية إلى تحرير المرأة ومساواتها الكاملة بالرجل لا يمكنها أن تصادف النجاح دون أن تحظى بدعم الأحزاب الشيوعية.
ـ ب ـ
إن مصلحة الطبقة العاملة تفرض انضمام النساء إلى صفوف البروليتاريا المنظمة والمكافحة في سبيل الشيوعية, وهي تفرض هذا الأمر بقدر ما تصبح أزمة الاقتصاد الرأسمالي أكثر حدة وأقل قابلية للتصحيح في نظر التجمعات الفقيرة في المدينة والريف. وبقدر ما تطرح الثورة الاجتماعية كأمر لا مناص منه أمام الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية, تطرح أمام الشعب الكادح في روسيا السوفياتية, مهمة إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس جديدة, أي على أسس الشيوعية. ويصبح تحقيق هاتين المهمتين أكثر سهولة عندما تأخذ المرأة فيهما دورا أكثر فاعلية ووعيا وإرادة.
ـ ج ـ
عندما تطرح مسألة الاستيلاء على السلطة بشكل مباشر, على الأحزاب الشيوعية أن تعرف كيف تميز بوضوح الخطر الكبير الذي تمثله في الثورة جماهير المستخدمين والعمال الخاملين والفلاحين الرازحين تحت تأثير الكنيسة والمفاهيم البرجوازية, والذي لا توجد أية روابط بعد بينهم وبين الشيوعيين. إن الجماهير النسائية في الشرق والغرب والموجودة بمنأى عن حركة الشيوعيين تشكل بالتأكيد مرتكزا للبرجوازية وحيزا لها تبث فيه دعايتها المعادية للثورة. إن تجربة الثورة المجرية حيث لعب تخلف وعي الجماهير النسائية دورا محزنا للغاية, يجب أن تظل ماثلة أمام بروليتاريا جميع البلدان المتخلفة والواقفة على أبواب الثورة الاجتماعية.
إن التجربة العملية التي خاضتها الجمهورية السوفياتية قد أظهرت الأهمية الكبرى لمشاركة العاملة والفلاحة في الدفاع عن الجمهورية أثناء الحرب الأهلية أكثر مما أظهرتها في مجالات الإدارة السوفياتية. ونفهم أهمية الدور الذي لعبته جماهير العاملات والفلاحات في بناء الجمهورية السوفييتية عندما نطلع على نشاطهن في مجالات تنظيم الدفاع, وفي تدعيم مؤخرة الجيش وفي النضال ضد القحط وفي أعمال التخريب والنسف وغير ذلك...
إن تجربة الجمهورية السوفياتية يجب أن تستوعب وأن يستفاد منها في البلدان الأخرى. إن المهمة الراهنة الملقاة على عاتق الأحزاب الشيوعية تستخلص في الأمور الآتية: إيصال تأثير الحزب الشيوعي إلى أوسع التجمعات النسائية وذلك بواسطة لجان خاصة يشكلها الحزب وبواسطة الأساليب الخاصة التي تمكن من مخالطة النساء وإخراجهن من المجالات التي تتأثر بنشاط الأحزاب المؤتلفة مع البورجوازية وذلك لجعلهن مناضلات حقيقيات من أجل تحرير المرأة الكامل.
ـ د ـ
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية عندما يضع على عاتق الأحزاب الشيوعية في الشرق والغرب مهمة تعزيز نشاط الحزب في صفوف البروليتاريا النسائية يظهر في الوقت نفسه لعمال العالم أجمع أن تحريرهم من الظلم المزمن ومن العبودية واللامساواة لا يمكن أن يتحقق إلا بانتصار الشيوعية. إن ما تقدمه الأحزاب الشيوعية للمرأة في مطلق حالة من الحالات, تعجز عن تقديمه الحركة النسائية البرجوازية, وتنتفي تماما كل إمكانية لتحرير المرأة طالما بقيت سيطرة رأس المال والملكية الخاصة قائمة.
إن القانون الانتخابي الذي يعطي للمرأة حقها بالتصويت, لا يلغي عبوديتها في المجتمع والأسرة, كما أنه لا يقدم حلا لمشكلة العلاقات القائمة بين الجنسين. إن المساواة الحقيقية وليست الشكلية بين المرأة والرجل لا تقوم إلا في إطار نظام تكون فيه المرأة العاملة سيدة وسائل الإنتاج والتوزيع ومساهمة في إدارة هذه الوسائل تعمل في نفس الظروف التي يعمل فيها سائر أعضاء المجتمع العامل. بكلام آخر لا يمكن للمساواة أن تتحقق إلا بقلب النظام الرأسمالي وإحلال الأشكال الشيوعية محل الأشكال الرأسمالية.
إن الشيوعية وحدها هي التي ستخلق ظروفا لا تكون فيها الأمومة الوظيفة الطبيعية للمرأة في حالة تناقض مع ما تفرضه تعقيدات المجتمع, وفي ظروف الشيوعية سوف لن يكون هناك ما يحول دون مساهمة المرأة في العمل المنتج لصالح الجماعة, ولكن الشيوعية هي الهدف النهائي للبروليتاريا, وبالتالي فإن نضال العامل والعاملة من أجل هذا الهدف المشترك, ينبغي له أن يستمر مشتركا, وأن لا يحدث فيه أي انفصام وذلك لمصلحة الطرفين.
ـ هـ ـ
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يؤكد صحة المبادئ الأساسية للماركسية الثورية والتي لا توجد بموجبها مشاكل «نسائية خاصة» ويعتبر أن كل صلة تقيمها المرأة العاملة مع النزعة النسوية البرجوازية وكل اعتماد من قبلها على المساومة الصريحة الخيانة، التي يمارسها الاشتراكيون-الائتلافيون والانتهازيون تضعف من قوة البروليتاريا وتؤخر الثورة الاجتماعية وتمنع في الوقت ذاته تحقيق الشيوعية وبالتالي تحول دون تحرير المرأة.
إن بلوغ المجتمع الشيوعي لا يتسم إلا باتحاد كل المستثمرين, وليس باتحاد القوى النسائية في الطبقتين المتناحرتين. إن جماهير البروليتاريا النسائية عليها أن تستوعب التكتيك الثوري للحزب الشيوعي, وأن تأخذ القسط الأكثر فعالية والأكثر تأثيرا على نشاط الجماهير في الحرب الأهلية بجميع أشكالها ومظاهرها.
ـ و ـ
إن نضال المرأة للتخلص من الاضطهاد المزدوج, اضطهاد الرأسمالية والخضوع المطلق للأسرة وللخدمات المنزلية, ينبغي له أن يأخذ في المرحلة القادمة من مراحل تطوره صفة عالمية, وذلك بتحوله على نضال تشنه البروليتاريا من الجنسين بهدف تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا والنظام السوفياتي وتحت لواء الأممية الثالثة.
ـ ز ـ
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية, عندما يحض عاملات العالم ضد كل شكل من أشكال التعاون والتحالف مع النسوية البرجوازية يعلمهن سلفا أن كل اعتماد من قبلهن على الأممية الثانية أو على العناصر الانتهازية القريبة منها لا بد إلا وأن يجر أفدح الأخطاء على حركتهن. وعلى النساء أن يتذكرن أن جميع بذور عبوديتهن ممتدة في جسم النظام البرجوازي, ولكي يتخلص من هذه العبودية ينبغي الوصول إلى نظام اجتماعي جديد.
إن التمسك بالأمميتين الثانية والثانية والنصف وبالجماعات المماثلة لها يؤدي إلى شل مسيرة الثورة, وبالتالي يمنع عملية التحول الاجتماعي بتأجيل ساعة تحرير المرأة.
و بقدر ما يكون ابتعاد الجماهير النسائية عن الأمميتين الثانية والثانية والنصف جسديا يكون انتصار الثورة الاجتماعية أمرا مضمونا. إن واجب النساء الشيوعيات هو إدانة المشككين بالتكتيك الثوري الذي تتبعه الأممية الثالثة, وإبعاد هؤلاء المشككين عن الصفوف المتراصة للأممية الشيوعية.
وعلى النساء أن يتذكرن دائما أن الأممية الثانية لم تفكر بتاتا في إيجاد لجان غايتها النضال من أجل تحرير المرأة, أما بالنسبة للاتحاد العالمي للنساء الاشتراكيات, فقد تكوّن هذا الاتحاد بمبادرة العاملات الخاصة وخارج إطار الأممية الثانية.
لقد حددت الأممية الثالثة مند مؤتمرها الأول عام 1919 موقفها من مسألة اشتراك النساء في النضال من أجل ديكتاتورية البروليتاريا, فقد عقد بمبادرة الأممية الثالثة وبمشاركتها المؤتمر الأول للنساء الشيوعيات. وفي عام 1920 تأسست الأمانة العامة العالمية للدعاوة بين النساء, وتقرر تمثيلها الدائم في اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. إن واجب العاملات الواعيات في كل البلدان هو قطع الصلة مع الأمميتين الثانية والثانية والنصف والإصرار بحزم على السياسة الثورية للأممية الثالثة.
ـ ح ـ
إن الدعم الذي ستقدمه جماهير العاملات والمستخدمات للأممية الثالثة يجب أن يتمثل أولا بانضمامهن إلى صفوف الأحزاب الشيوعية في بلدانهن. أما في البلدان والأحزاب التي لم ينته فيها الصراع بعد بين الأممية الثالثة والأممية الثانية, فإن واجب العاملات هو تقديم الدعم للحزب أو للفريق الذي يؤيد سياسة الأممية الثالثة, وأن يناضلن أيضا دون هوادة ضد العناصر الخائنة والمترددة. إن البروليتاريات الواعيات والمناضلات في سبيل تحررهن لا ينبغي لهن البقاء داخل الأحزاب غير المنتمية إلى الأممية الثالثة.
إن كل عدو للأممية الثالثة هو عدو لتحرير المرأة.
إن واجب كل عاملة واعية في الشرق والغرب هو الانتظام تحت الراية الثورية التي ترفعها الأممية الثالثة. إن كل تردد من قبل العاملات في قطع العلاقات مع الجماعات الانتهازية أو مع السلطات المعروفة يؤخر انتصار البروليتاريا على صعيد معركة الحرب الأهلية التي تأخذ شكل حرب أهلية عالمية.
2 ـ أساليب العمل بين النساء
انطلاقا من المبادئ التي سبق ذكرها يقرر المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية أن على الأحزاب الشيوعية في كل البلدان أن تعمل في صفوف البروليتاريا النسائية وعلى الأسس التالية:
1 ـ الانطلاق من المساواة التامة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة داخل الحزب والتنظيمات البروليتارية الأخرى (نقابات, تعاونيات, مجالس قدماء في المصانع).
2 ـ الأخذ بعين الاعتبار لأهمية مشاركة المرأة في كل أشكال نضال البروليتاريا (ومن ضمنها الكفاح المسلح) وأهمية تعريفها على الأسس الجديدة للمجتمع وعلى أشكال تنظيم الإنتاج بحسب المبادئ الشيوعية.
3 ـ النظر إلى الأمومة باعتبارها وظيفة اجتماعية والقيام بتطبيق كل الإجراءات الكفيلة بحماية المرأة بوصفها أماً.
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية بوقوفه ضد كل شكل من أشكال إقامة تنظيمات خاصة بالنساء داخل الحزب والنقابات والتجمعات, يعرف كم هو ضروري بالنسبة للأحزاب الشيوعية اتباع أساليب خاصة للعمل بين النساء, ويقدر فائدة إنشاء لجان خاصة لهذا العمل داخل كل حزب شيوعي. من هنا يجد المؤتمر نفسه مقودا بالاعتبارات التالية:
أ ـ استعباد المرأة داخل الأسرة ليس خاصا بالمجتمعات البرجوازية الرأسمالية بل إنه موجود أيضا في البلدان التي يسود فيها النظام السوفياتي وذلك أثناء مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية.
ب ـ القصور الذاتي الكبير والتأخر السياسي للجماهير النسائية هي نواقص تفسر كنتائج للابتعاد المزمن للمرأة عن الحياة الاجتماعية ولاستعبادها داخل الأسرة.
ج ـ الوظائف التي فرضتها الطبيعة نفسها على المرأة وما يستتبعها من خصوصيات, يضاف إلى ذلك حاجتها إلى حماية ورعاية صحية أكبر لما فيه مصلحة المجتمع ككل.
إن الأجهزة الخاصة بالعمل بين النساء يجب أن تكون قطاعات أو لجان ملحقة بكل هيئات الحزب ابتداء من اللجنة المركزية وانتهاء بلجان المناطق والضواحي. وهذا القرار هو إجباري بالنسبة لكل الأحزاب المنتمية إلى الأممية الشيوعية.
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يطلب من الأحزاب الشيوعية أن تنفذ بواسطة لجانها الخاصة بالعمل بين النساء المهمات التالية:
1 ـ تربية أوسع الجماهير النسائية بالروح الشيوعية وجر هذه الجماهير إلى صفوف الأحزاب الشيوعية.
2 ـ محاربة الأحكام المسبقة التي تطلقها النساء على جماهير البروليتاريا من الرجال, وذلك بتعزيز فكرة التضامن بين العاملات والعمال بما فيه مصالح البروليتاريا من الجنسين.
3 ـ تقوية إرادة المرأة باستخدامها في كل أشكال ومظاهر الحرب الأهلية وإيقاظ حيويتها بإشراكها في النشاطات الجماهيرية وفي النضال ضد الاستثمار الرأسمالي في البلدان البرجوازية ضد غلاء المعيشة, أزمة السكن, البطالة, وبإشراكها أيضا في تنظيم الاقتصاد الشيوعي, وبشكل عام في كافة أوجه النشاط في الجمهوريات السوفياتية.
4 ـ وضع المسائل المتعلقة بحرية المرأة, وبرعايتها كأم, وضعها بشكل دائم في جدول أعمال الحزب والمؤسسات التشريعية.
5 ـ النضال ضد تأثير التقاليد والعادات البرجوازية والكنيسة بقصد إفساح الطريق أمام إقامة علاقات أكثر سموا وانسجاما بين الجنسين.
إن عمل جميع اللجان النسائية يجب أن يتم تحت الإشراف المباشر لهيئات الحزب وعلى مسؤولية هذه الهيئات.
ينبغي أن يوجد بقدر الإمكان رفاق من الذكور بين أعضاء اللجان العاملة في صفوف النساء, حيث يكون للأحزاب الشيوعية وجود علني أو شبه علني, على هذه الأحزاب أن تشكل جهازا للعمل بين النساء وأن يكون هذا الجهاز سريا ومرتبطا بالجهاز السري العام للحزب, وفي هذا الجهاز كما في كل جهاز علني, على كل لجنة أن تضم رفيقة تكون مهمتها توجيه الدعاية السرية بين النساء.
في المرحلة الراهنة يجب أن تكون النقابات, والاتحادات المهنية المجال الرئيسي لعمل الشيوعيين بين النساء, وذلك بالنسبة للبلدان التي لم تتخلص بعد من نير الاستثمار الرأسمالي أكثر مما هو بالنسبة للبلدان التي تقام فيها جمهوريات العمال السوفييتية.
على العمل بين النساء أن يقوم تبعا للروحية التالية: وحدة بين الخط السياسي والتنظيم الحزبي. مبادرة حرة للجان والقطاعات في كل ما من شأنه أن يعطي للمرأة تحررها ومساواتها. ولكن هذا الأمر لا يتم إلا بنشاط الحزب كله, فالمطلوب هنا تكميل جهود الحزب بنشاطات المرأة ومبادراتها الخلاقة وليس بإيجاد موازاة بين الحزب وبين لجان العمل النسائي.
3 ـ العمل السياسي للحزب بين النساء في بلدان النظام السوفياتي
إن دور القطاعات النسائية في الجمهوريات السوفياتية هو تربية الجماهير النسائية بروح شيوعية بجر هذه الجماهير إلى صفوف الحزب الشيوعي ويتجلى هذا الدور أيضا في تنمية نشاط ومبادرة المرأة بجرها إلى العمل في بناء الشيوعية وبجعلها مدافعة صلبة عن الأممية الشيوعية.
على القطاعات أن تشرك المرأة في جميع مجالات التنظيم السوفياتي ابتداء من الدفاع العسكري عن الجمهورية وانتهاء بمجالات العمل الاقتصادي البالغة التعقيد. على القطاعات أن تسهر على تنفيذ مقررات المؤتمر الثالث لمجلس السوفيات والمتعلق بإشراك العاملات والفلاحات بتنظيم وبناء الاقتصاد الوطني بنفس المقدار الذي تسهر فيه على الأعضاء الذين يوجهون وينظمون ويديرون عملية الإنتاج. على القطاعات أن تتعاون في إعداد القوانين الجديدة وفي إدخال التعديلات على القوانين السارية وفقا لاحتياجات التحرر الفعلي للمرأة. وعليها أيضا أن تراقب وتختبر المبادرات الخاصة بهدف تطوير التشريعات التي تحمي حقوق المرأة. على القطاعات أن تشحذ أكبر عدد ممكن من العاملات والفلاحات في حملات انتخاب مجالس السوفييت وأن تأخذ بعين الاعتبار أن عددا من العاملات والفلاحات ينبغي انتخابهن في مجالس السوفييت واللجان التنفيذية.
ومن المهمات الملقاة على عاتق القطاعات تحسن ظروف العمل للنساء والتخصص في هذا العمل بنشر التعليم المهني الذي يزيل كثيرا من الصعوبات التي تعترض العاملات والفلاحات في عملهن.
و على القطاعات أن تسعى دائما لإدخال النساء إلى منظمات حماية العمل وأن تسعى أيضا لتعزيز نشاط منظمات رعاية الأمومة والطفولة.
وستسعى القطاعات لتطوير شبكة المنشآت العامة كدور الأيتام ومراكز غسل وتنظيف الألبسة, ومشاغل تصليح السلع والأدوات المختلفة وبهذا تكون المؤسسات الجديدة والقائمة على أسس الشيوعية قد خففت عن المرأة بعضا من حمل المرحلة الانتقالية وقدمت لها استقلالها المادي وجعلت منها مشاركة في خلق الأشكال الجديدة للحياة بعد أن كانت مجرد خادمة وعبدة للأسرة.
على القطاعات أن تسعى لتسهيل تثقيف أعضاء النقابات من النساء بروح الشيوعية وذلك بواسطة منظمات العمل النسائي التي تشكل أجزاء من الحزب داخل النقابات نفسها وستحرص القطاعات أيضا على حضور العاملات الملتزم لاجتماعات ممثلي عمال المصانع والمعامل.
و ستقوم القطاعات بتوزيع ممثلي الحزب كمتمرنين على جميع فروع العمل: السوفياتات, الاقتصاد الوطني, النقابات.
4 ـ العمل السياسي للحزب بين النساء في البلدان الرأسمالية
إن الظروف الموضوعية هي التي تحدد المهمات المباشرة للجان العمل النسائي. وتتميز هذه الظروف بانهيار الاقتصاد العالمي واشتداد حدة البطالة وتضاؤل الحاجة إلى الأيدي العاملة النسائية وما يتبع ذلك من انتشار البغاء بين النساء, وهناك أيضا غلاء المعيشة وأزمات السكن وخطر نشوب حرب إمبريالية, يضاف إلى ذلك قيام الإضرابات المطلبية بشكل متواصل في جميع البلدان الرأسمالية والاتساع المستمر للرقعة التي يغمرها الجو الخانق للحرب الأهلية حتى تشمل العالم أجمع.
إن لجان العمل النسائي بمقاومتها لفصل المرأة عن الرجل ولاعتبار خصوصية وضع المرأة, ستسعى ليس فقط لاعتبارها مساوية في الحقوق والواجبات للرجل داخل الحزب والنقابات والتنظيمات العمالية الأخرى, بل أيضا لإيصالها عن طريق الانتخاب, إلى الهيئات القيادية في هذه التنظيمات.
إن حصول المرأة على بعض حقوقها لا يعني تحررها الكامل, ولكنه يؤدي إلى إضعاف الاستثمار الرأسمالي الذي تعاني منه, لذلك فإن الحزب الشيوعي ولجان العمل النسائي ستسعى في الوقت الذي تطرح فيه نظام السوفيات كبديل للبرلمانية, إلى تمكين العاملات والفلاحات من ممارسة حقوقهن الانتخابية حتى في الانتخابات البرلمانية وغيرها من الانتخابات الأخرى.
وعلى اللجان أن تبذل غاية الجهد في سبيل تمكين العاملات والمستخدمات والفلاحات من القيام بدور فعال وواع في انتخابات السوفياتات, وفي انتخاب ممثلي العمال في المصانع, وعليها أيضا أن تجهد في إيقاظ النشاط السياسي عند الخادمات وفي نشر فكرة السوفياتات خصوصا بين الفلاحات.
وعلى اللجان أن تكرس أكبر قسط من انتباهها لتنفيذ مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي ولكي تتمكن اللجان من جمع النساء حولها لا بد لها من إشعار المرأة بقيمتها الفعلية عن طريق محاضرات مبسطة ومفهومة من الجميع. على اللجان أن تحرص على إشراك النساء الشيوعيات في المؤسسات التشريعية والمجالس البلدية بهدف نشر سياسة الحزب الثورية في هذه المؤسسات. وأثناء اشتراكهن في المؤسسات التشريعية والمجالس البلدية وغيرها من أجهزة الدولة البرجوازية, على الشيوعيات أن يتقيدن بحزم بمبادئ الحزب وتكتيكاته وعليهن أن لا ينهمكن في الركض وراء الإصلاحات التي يسمح بها النظام الرأسمالي من خلال طرحهن لمطالب الجماهير النسائية, بل عليهن من خلال هذا الطرح إيقاظ نشاط هذه الجماهير وتوجيهها في طريق الصراع الثوري من أجل دكتاتورية البروليتاريا.
على اللجان أن تبقى على اتصال وثيق مع الشيوعيين داخل البرلمانات والمجالس البلدية, وأن تتشاور معهم حول جميع المشروعات التي تتعلق بالنساء, وعليها أيضا أن تجمع النساء حول المطالب التي يطرحها الحزب الشيوعي والتي تدعو إلى تحسين وضع الطبقة العاملة, وذلك بتعريف النساء بالخصائص المتأخرة وغير الاقتصادية لنظام الخدمة المنزلية المنفصلة, وبمساوئ التربية البورجوازية التي ينشأ عليها الأطفال.
على اللجان أن تنشط عملية انضمام العاملات من أعضاء النقابات إلى صفوف الحزب وعلى قطاعات الحزب الموجودة في هذه النقابات أن تفصل لهذه الغاية أعضاء مهمتهم تنظيم العمل بين النساء, ويكون عملهم تحت الإشراف المباشر للحزب ولجانه المحلية.
على لجان العمل النسائي أن تقوم بالدعاوة بين أعضاء التنظيمات العمالية وأن توصل الأفكار الشيوعية إلى قيادات هذه التنظيمات عن طريق الشيوعيات اللواتي يتوصلن إلى دخولها وذلك نظرا لما لهذه التنظيمات من أهمية كبرى أثناء الثورة وبعدها.
إن الهدف الوحيد الذي ينبغي لعمل اللجان أن يسعى إلى تحقيقه هو تنمية النشاط الثوري للجماهير بغية الإسراع بتنفيذ الثورة الاجتماعية.
5 ـ العمل السياسي للحزب بين النساء في البلدان المتخلفة اقتصاديا (الشرق)
في البلدان ذات النمو الصناعي الضعيف على الحزب والقطاعات الحزبية النسائية أن تحصل على اعتراف بالمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة, داخل النقابات والتنظيمات العمالية الأخرى.
وعلى القطاعات واللجان الحزبية النسائية أن تحارب التعصب والأخلاقيات والعادات التي يفرضها الدين على المرأة, وأن تقوم في سبيل ذلك بالدعاوة حتى في صفوف الرجال.
وعلى الحزب الشيوعي وقطاعاته ولجانه أن تطبق أحكام المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة في مجال تربية الأطفال والعلاقات العائلية وفي الحياة العامة.
على القطاعات أن تبحث عن مرتكزات لعملها قبل كل شيء بين جماهير الحرفيات اللواتي يعملن في منازلهن, والعاملات اللواتي يشتغلن في زراعة الأرز والقطن وغير ذلك, وأن تنشط بقدر الإمكان لإنشاء المشاغل الجماعية والتعاونيات الصناعية الصغيرة (بشكل خاص بين شعوب الشرق التي تعيش في أقاصي روسيا السوفييتية) وأن تسعى أيضا لتأسيس نقابات تضم العاملات الزراعية. إن رفع المستوى الثقافي للجماهير هو من أفضل الوسائل لمحاربة الروتين والتعصب الديني السائد في بلدان الشرق. لهذا على اللجان الحزبية أن تعمل على فتح المدارس أمام الكبار والصغار على السواء وأن تسهل عملية دخول النساء إلى هذه المدارس, هذا في بلدان الشرق السوفييتي, أما في البلدان البرجوازية فعلى اللجان النسائية أن تحرض بشكل مباشر ضد تأثير الفكر البرجوازي على المدارس والتعليم.
وفي إطار الدعاوة التي تقوم بها لجان الحزب النسائية وقطاعاته, لا بد من إقامة النوادي ودعوة العاملات إليها, وبشكل خاص أكثرهن تخلفا من الناحية الثقافية, وينبغي لهذه النوادي أن تكون بمثابة مراكز نموذجية للتثقيف والتعليم والتنظيم وقادرة على إبراز ما تستطيع المرأة عمله من أجل تحررها واستقلالها, ويمكن في هذا المجال إقامة وتنظيم (دور الحضانة, حدائق الأطفال والمدارس الابتدائية لتعليم الكبار). أما عند الشعوب التي لا تزال تعيش حياة البداوة فيمكن إقامة نواد متنقلة.
في البلدان ذات النظام السوفييتي على القطاعات الحزبية النسائية بالتعاون مع الأحزاب الشيوعية أن تسهل عملية الانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية بوضع المرأة أمام الحقيقة البديهية القائلة بأن وضعها كخادمة في العائلة مهما كانت الأشكال التي ارتداها هذا الوضع حتى الآن ليس بوسعه إلا أن يزيد من عبوديتها في حين أن العمل الجماعي يحررها نهائيا.
على القطاعات الحزبية النسائية في هذه البلدان أن تسهر أيضا على أن تضع في موضع التنفيذ التشريعات السوفياتية التي تساوي بين الرجل والمرأة, وتدافع عن حقوق الأخيرة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف على القطاعات أن تفسح المجال أمام النساء للوصول إلى مناصب القضاة في المحاكم الشعبية.
كذلك على القطاعات أن تشرك النساء في انتخابات مجالس السوفييت وأن ترعى وصول العاملات والفلاحات إلى هذه المجالس وإلى اللجان التنفيذية. إن العمل في صفوف البروليتاريا النسائية في الشرق, يجب أن يقوم على أساس الصراع الطبقي ومن هنا ينبغي كشف عجز النسوية عن إيجاد حلول مختلف المشاكل التي تطرحها مسألة تحرير المرأة. وفي هذا المجال يمكن استخدام القوى الفكرية النسائية (المدرسات مثلا) لنشر التعليم في بلدان الشرق السوفييتي. وعلى لجان الحزب وقطاعاته أن تناضل علنا ضد تأثير الدين والنزعات الفوقية على النفوس وأن تتحاشى أثناء هذا النضال الصداقات الفجة والمفتقرة إلى الليونة مع المعتقدات الدينية والتقاليد القومية.
إن تنظيم العاملات في الشرق كما في الغرب لا ينبغي له أن يقوم على أساس الدفاع عن المصالح القومية, بل على أساس اتحاد البروليتاريا العالمية من الجنسين من أجل تحقيق المهمات المشتركة للطبقة العاملة.
نظرا للأهمية الكبرى التي يتمتع بها العمل مع نساء الشرق, ولكون هذا العمل يطرح قضايا جديدة كل الجدة أمام الأحزاب الشيوعية, فإن الغوص في تفصيلاته يجب أن يتم انطلاقا من معرفة خاصة بطرائق العمل التي تتلاءم مع ظروف بلدان الشرق. من هنا فإن معرفة طرائق العمل وأساليبه, يجب أن تتم جنبا إلى جنب مع معرفة موضوعات العمل.
أساليب التحريض والدعاوة, لكي تتمكن قطاعات العمل النسائي من إنجاز مهمتها الأساسية, أي تثقيف أوسع جماهير البروليتاريا النسائية بالثقافة الشيوعية, ومن ثم توسيع منظمات الحزب, لابد للأحزاب الشيوعية في الشرق والغرب من استيعاب المبدأ الأساسي لكل عمل بين النساء أي مبدأ «التحريض والدعاوة بالعمل». والتحريض بالعمل يعني مثل كل شيء إطلاق مبادرة العاملات, والقضاء على عدم ثقتهن بقواهن الخاصة, ويتم ذلك بتوجيههن نحو النشاط العملي في مجالات التنظيم وغيرها من مجالات النضال, بهدف إقناعهن بحقيقة أن كل انتصار للحزب الشيوعي, وكل نشاط ضد الاستثمار الرأسمالي هو تقدم من شأنه تحسين وضع المرأة. من هنا يتضح الأسلوب الذي ستتبعه الأحزاب الشيوعية وقطاعاتها النسائية في عملها مع النساء: «من الممارسة العملية إلى المعرفة النظرية للمثل العليا للشيوعية».
ولكي تكون القطاعات لجانا للعمل وليس لمجرد الدعوة الكلامية, عليها أن تركز على الخلايا الشيوعية الموجودة في الورش والمعامل, وأن توكل مهمة العمل بين عاملات هذه الورش وهذه المعامل إلى منظم خاص تأخذه من الخلايا التي سبق ذكرها.
إن نشر الفكر الشيوعي بالعمل يتم في روسيا السوفييتية بإدخال العاملة والفلاحة والمستخدمة إلى جميع التنظيمات السوفييتية ابتداء من الجيش والمليشيا وانتهاء بالمؤسسات الخاصة بتحرير المرأة كمؤسسات التغذية العامة ومؤسسات التوجيه الاجتماعي ومؤسسات رعاية الأمومة.. الخ, وهناك مهمة ذات أهمية خاصة ألا وهي إشراك العاملة في كل أشكال البناء الاقتصادي.
أما الدعاوة بالعمل فإنها تتم في البلدان الرأسمالية بجر العاملات إلى مختلف أشكال الإضرابات والتظاهرات والعصيانات المسلحة التي من شأنها أن تعمق الوعي الثوري عند العاملات كذلك يمكن أن تتم الدعاوة من خلال العمل السياسي بأشكاله المختلفة وخاصة العمل السري في دوائر الارتباط. ثم في تنظيم أيام السبت والأحد الشيوعية, حيث تعرف العاملة والمستخدمة كيف يمكنها بالعمل الطوعي أن تكون نافعة للحزب.
إن مبدأ إشراك النساء في الحملات السياسية والمطلبية التي ينظمها الحزب الشيوعي يؤدي إلى نفس النتائج التي تؤدي إليها الدعاوة بالعمل. لذلك على لجان الدعاوة التابعة للأحزاب الشيوعية أن توسع من مجالات نشاطها لتشمل أكثر الجماهير النسائية تعرضا للاستغلال في البلدان الرأسمالية ولتحرر أذهان بعض النساء في الجمهوريات السوفييتية من خرافات ومن مخلفات النظام الاجتماعي البائد. وعلى اللجان أن تهتم أيضا بحاجات وآلام ومطالب الحركة النسائية لأن هذا الاهتمام هو الذي يقنع النساء بأن الرأسمالية يجب أن تسحق كعدو لدود وبأن جميع الطرق يجب أن تمهد أمام الشيوعية كمحرر ومخلص بالنسبة لهن.
إن توجيه الدعاوة والتحريض بشكل منهجي يمكن أن يتم بقيام قطاعات العمل النسائي بإيجاد وتنظيم اتحادات عامة على مستوى ضاحية أو منطقة من مدينة وتضم المستخدمات والعاملات في شتى فروع الصناعة.
في التعاونيات والرابطات على العاملات الشيوعيات أن ينتخبن رفيقات مهمتهن التحريض والتنظيم في صفوف هذه التنظيمات. وعلى القطاعات في الجمهوريات السوفييتية أن تعمل من أجل انتخاب العاملات إلى مجالس المصانع وكل الهيئات الموكلة إليها مهمة إدارة ومراقبة وتوجيه عملية الإنتاج. باختصار ينبغي إيصال العاملات عن طريق الانتخاب إلى جميع التنظيمات والمؤسسات التي يمكن استخدامها في البلدان الرأسمالية أثناء استيلاء البروليتاريا على السلطة, وفي الجمهوريات السوفييتية لحماية ديكتاتورية البروليتاريا وبناء الشيوعية.
على اللجان أن تضع في المصانع الكبيرة, كعاملات ومستخدمات ممثلات عنها من النساء الشيوعيات المجربات, وأن تضع أيضا كما يحدث في الجمهوريات السوفييتية رفيقات مماثلات في المراكز والتجمعات البروليتارية الكبرى.
على القطاعات النسائية في البلدان الرأسمالية أن تحتذي بالحزب الشيوعي في روسيا السوفييتية الذي ينظم لممثلي العمال اجتماعات وندوات تلاقي بشكل دائم نجاحات منقطعة النظير وأن تقوم بدورها بتنظيم اجتماعات عامة للعاملات والشغيلات والفلاحات والمستخدمات تناقش فيها حاجات ومطالب المرأة الكادحة, وأن تنتخب لجانا خاصة كفوءة تماما لمتابعة هذه المطالب. وعلى القطاعات أيضا أن تعمق في هذه الاجتماعات البحث في المسائل التي تثار بينها وبين اللجان المنتخبة من قبل العاملات. بالإضافة إلى هذا على القطاعات أن ترسل خطباءها للاشتراك في المناقشات التي تجري في اجتماعات الأحزاب الغريبة عن الشيوعية. إن الدعاوة والتحريض من خلال الاجتماعات والنشاطات المشابهة يجب أن يتبعهما تحريض مبرمج ومطول داخل البيوت نفسها, فعلى كل شيوعية مكلفة بهذه المهمة أن تقوم بزيارات منتظمة لعشر نساء على الأكثر بمعدل زيارة على الأقل كل أسبوع ولدى كل عمل مهم يقوم به الحزب الشيوعي والجماهير البروليتارية.
وعلى القطاعات أن تنشر الأفكار الشيوعية بشكل مبسط وملائم بواسطة توزيع الكراسات والبيانات «المناشير» التي من شأنها أن تحث الجماهير النسائية وتوحدها. وعلى القطاعات أن تتأكد من قيام النساء الشيوعيات باستخدام مؤسسات الحزب ووسائل التوعية العائدة له بالطرق الأكثر فعالية وأن تقيم المحاضرات والمناقشات وتدعو إليها الشيوعيات المتخلفات نسبيا والنساء الكادحات اللواتي لا يزلن في أول عهدهن بالنشاط الثوري وذلك بهدف تعميق وعيهن وشحذ إراداتهن. ويمكن أن تقام للعاملات, دون العمال, سهرات للمطالعة والمناقشة وذلك في بعض الحالات الخاصة.
ومن المرغوب فيه, كي تنمو روح الرفاقية بين العامل والعاملة أن لا تقام للنساء الشيوعيات مدارس حزبية خالصة, إذ من المفروض أن تقدم موضوعات حول العمل بين النساء في كل مدرسة من مدارس الحزب. ويحق لقطاعات الحزب النسائية أن ترسل عددا من ممثليها للمساهمة في مناقشة الموضوعات التي يطرحها الحزب.
6 ـ تنظيم القطاعات النسائية
تنظم لجان للعمل النسائي إلى جانب لجان المناطق والمقاطعات وإلى جانب اللجنة المركزية للحزب. يحدد الحزب عدد أعضاء القطاع, ويتمتع الحزب المنتشر في أكثر من بلد بالحرية الكاملة في تحديد عدد أعضاء القطاعات التابعة له وذلك حسب ظروفه الخاصة. المسؤولة عن القطاع يجب أن تكون في نفس الوقت عضوا في لجنة الحزب المحلية, وفي حال عدم تمكنها من الجمع بين المسؤوليتين, عليها أن تحضر جلسات اللجنة المحلية دون أن يكون لها الحق بالتصويت إلا على المسائل المتعلقة بالقطاع النسائي, ويكون حضورها بصفة استشارية في المسائل الأخرى. بالإضافة إلى المهمات العامة والتي سيرد ذكرها يجب على القطاعات واللجان النسائية أن تملأ الوظائف التالية: ربط مختلف القطاعات الموجودة في منطقة معينة بالقطاع المركزي. عقد اجتماعات يتم التعرف من خلالها على نشاط القطاعات واللجان العاملة في منطقة معينة وبين القطاع المركزي. إيصال خط الحزب إلى المناطق والمقاطعات البعيدة. توزيع القوى العاملة في مجال التحريض. وضع قوى الحزب العاملة في صفوف النساء في حركة دائمة. عقد مؤتمرات منطقية للنساء الشيوعيات مرتين في العام على الأقل ومؤتمرات لممثلات القطاعات, على أن تكون نسبة التمثيل من عضو إلى عضوين عن كل قطاع. وأخيرا عقد اجتماعات للعاملات والفلاحات غير الحزبيات.
يضم كل قطاع منطقي (في الأقاليم البعيدة) من خمسة إلى سبعة أعضاء, ويتم تعيين أعضاء المكتب (السكرتاريا) من قبل هيئة الحزب المسؤولة في المنطقة, وبحضور مسؤولة القطاع التي يتم انتخابها كسائر أعضاء اللجنة المنطقية, في مؤتمر الحزب المنطقي.
أعضاء القطاعات واللجان ينتخبون في المؤتمر العام للمدينة أو المنطقة أو الإقليم, ويمكن أيضا أن يتم تعيينهم من قبل الهيئات الأعلى مباشرة, كأعضاء في لجان تابعة للجان الحزب الرئيسية. تضم اللجنة المركزية للعمل بين النساء من عضوين إلى خمسة أعضاء بينهن متفرغة واحدة على الأقل.
إن مهمات لجنة العمل النسائي المركزية والتي تنفصل عن مهمات القطاعات المنطقية والتي سيرد ذكرها هي التالية: تقديم التوجيهات إلى المحليات والأعضاء العاملين فيها. مراقبة عمل القطاعات. تزويد هيئات الحزب في المناطق برفيقات من العاملات في صفوف النساء. مراقبة ظروف وتطور العمل النسائي على ضوء التحولات الاقتصادية والقانونية وأثرها على وضع المرأة. السماح لممثلي السلطة بحضور اجتماعات اللجان الخاصة التي تدرس التحسنات التي تلحق بوضع الطبقة العاملة وبمنظمات حماية العمل والطفولة... وغيرها. إصدار نشرة مركزية وجرائد دورية ووضعها في متناول العاملات. عقد مؤتمر لممثلات جميع الأقاليم مرة في السنة على الأقل. تنظيم رحلات للدعاوة عبر البلاد. إرسال متمرسين في العمل النسائي إلى قطاعات المناطق. دفع العاملات للاشتراك في الحملات السياسية والمطلبية التي ينظمها الحزب. إقامة صلة دائمة مع الأمانة العامة العالمية للنساء الشيوعيات. وإقامة احتفال سنوي بيوم العاملة العالمي.
إذا لم تكن المسؤولة عن القطاع النسائي التابع للجنة المركزية عضوا في هذه اللجنة, فإن لها الحق بحضور جلساتها, والتصويت على المسائل المتعلقة بالقطاع, أما بالنسبة للمسائل الأخرى فإن حضورها يكون بصفة استشارية. ويمكن للمسؤولة عن القطاع النسائي المركزي أن تعين من قبل اللجنة المركزية أو أن تنتخب من قبل المؤتمر العام للحزب. ولا تصبح قرارات اللجان النسائية نافذة إلا بعد موافقة اللجان الحزبية الأعلى مباشرة.
7 ـ العمل على الصعيد العالمي
إن قيادة عمل الأحزاب الشيوعية في كل البلدان, وتوحيد القوى العمالية, وتحقيق المهمات الملقاة على عاتق الأممية الثالثة, وحشد نساء كل البلدان وكل الشعوب في النضال الثوري من أجل سلطة السوفيات وديكتاتورية الطبقة العاملة على الصعيد العالمي, هي مهمات الأمانة العامة العالمية للنساء الشيوعيات والعاملة إلى جانب الأممية الثالثة.
إن عدد أعضاء اللجنة المركزية النسائية وعدد الأعضاء الدين يتمتعون بحق التصويت, يحدد من قبل اللجنة المركزية للحزب.
8 ـ قرار حول العلاقات بين النساء الشيوعيات في العالم وبين الأمانة العامة النسائية للأممية الشيوعية
(أقر في جلسة 12 حزيران بعد تقرير الرفيقة كولونتاي وتعديل الرفيقة زيتكين).
انطلاقا من توجيهات الأممية الثالثة يقترح المؤتمر العالمي الثاني للنساء الشيوعيات على الأحزاب الشيوعية في بلدان الشرق والغرب أن تنتخب بواسطة قطاعاتها النسائية المركزية مراسلات عالميات. إن دور مراسلة الحزب الشيوعي كما تعينه توجيهات الأممية الثالثة, هو إقامة علاقات منتظمة مع المراسلات العالميات للأحزاب الأخرى ومع الأمانة العامة العالمية النسائية في موسكو التي هي جهاز عمل اللجنة التنفيذية للأممية الثالثة. وعلى الأحزاب الشيوعية أن تزود المراسلات بكل الوسائل التكنيكية, وبكل الإمكانيات التي تسهل الاتصال فيما بينهن ومع الأمانة العامة في موسكو.
تجتمع المراسلات العالميات مرة كل ستة أشهر لكي تتبادل الآراء مع ممثلي الأمانة العامة العالمية للنساء. وتستطيع الأمانة العامة أن تدعو لعقد اجتماع المراسلات تبعا للضرورة وفي أي وقت كان.
وتقوم الأمانة العامة وبموافقة اللجنة التنفيذية وبالمشاركة الكاملة للمراسلات العالميات بتنفيذ المهمات التي حددتها توجيهات الأممية. وعليها بشكل خاص أن تناضل في كل بلد, قولا وفعلا, من أجل تنمية الحركة النسائية الشيوعية التي لا تزال ضعيفة, وأن تحدد اتجاها واحدا لسير هذه الحركة في بلدان الشرق والغرب, وأن تثير وتقود النشاطات الوطنية والعالمية التي من شأنها أن تقوي وتوسع النضال الثوري للبروليتاريا.
وعلى الأمانة العامة في موسكو أن تقيم جهازا مساعدا لها في أوروبا الغربية, بهدف إيجاد ارتباط أكثر وثوقا وانتظاما مع الحركات الشيوعية النسائية في كل البلدان. وستكون وظيفة هذا الجهاز القيام بالأعمال التحضيرية والمكملة لعمل الأمانة العامة أي أنه سيكون جهازا تنفيذيا صرفا وليس له الحق في تقرير ما يكون, فهو مرتبط بتوجيهات ومقررات الأمانة العامة في موسكو, وباللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. وينبغي أن تقوم ممثلة واحدة على الأقل للأمانة العامة بمساعدة الجهاز المساعد والعامل في أوربا الغربية.
إذا ابتعد نشاط الأمانة العامة عن توجيهات الأممية تتدخل اللجنة التنفيذية للتصحيح من خلال علاقتها بهذه الأمانة, ويحدث الشيء نفسه بالنسبة لتركيب وشكل عمل الجهاز المساعد.
9 ـ قرار حول أشكال وأساليب العمل الشيوعي بين النساء
(أقر في جلسة 13 حزيران بعد تقرير الرفيقة كولونتاي)
إن المؤتمر العالمي الثاني للنساء الشيوعيات والمنعقد في موسكو يعلن:
إن انهيار الاقتصاد الرأسمالي والنظام البورجوازي المرتكز على هذا الاقتصاد, وبالمقابل تقدم الثورة العالمية, تجعل من النضال الثوري من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية وتحقيق ديكتاتورية البروليتاريا, ضرورة حيوية أكثر إلحاحا من أي وقت مضى, بالنسبة لبروليتاريا البلدان التي لا يزال يسود فيها هذا النظام, كما أنها تجعل من هذا النضال, واجبا لا يمكن تحقيقه إلا بالمشاركة الواعية والجريئة والمخلصة للجماهير النسائية.
في البلدان التي تمكنت فيها البروليتاريا من الاستيلاء على جهاز الدولة وإقامة ديكتاتوريتها على شكل السوفياتات, كما في روسيا وأوكرانيا, لا يمكن للبروليتاريا أن تباشر في توطيد مواقعها ضد الثورة المضادة في الداخل والخارج, وأن تشرع في بناء الشيوعية, طالما أن الجماهير النسائية لم تع بشكل واضح وثابت, أن الدفاع عن النظام الجديد هو في صميم مهماتها أيضا.
ومن هنا فإن المؤتمر العالمي الثاني للنساء الشيوعيات انسجاما منه مع مبادئ ومقررات الأممية الثالثة, يقترح على الأحزاب الشيوعية في كل البلدان أن تتبنى مهمة إيقاظ الجماهير النسائية, وتوحيدها وتثقيفها بروح الشيوعية, وأن تضمها إلى صفوف الأحزاب الشيوعية, وأن تشحذ بثبات وعزم إرادة هذه الجماهير على العمل والنضال.
ولبلوغ هذا الهدف على الأحزاب المنتمية إلى الأممية الثالثة أن تشكل إلى جانب جميع أجهزتها ومؤسساتها الدنيا منها والعليا, أن تشكل قطاعات نسائية يقودها أحد أعضاء قيادة الحزب, وذلك بهدف تحريض وتنظيم وتوعية جماهير العاملات اللواتي سيكون لهن ممثلات في كل الهيئات القيادية للحزب.
القطاعات النسائية لا تشكل تنظيمات مستقلة, فهي ليست إلا أجهزة عمل مهمتها تحريك العاملات وتوعيتهن بهدف الاستيلاء على السلطة السياسية وبناء الشيوعية, وهذه القطاعات تعمل في كل المجالات وفي كل الأوقات, تحت إشراف الحزب, ولكنها تتمتع بحرية الحركة الضرورية لإنشاء مؤسساتها التي تراعي الخصائص المميزة للمرأة ووضعها الخاص الذي لا يزال قائما في المجتمع والأسرة.
على الأجهزة النسائية أن تعي دائما وفي كل نشاطاتها الغاية من وراء تحقيق مهمتها المزدوجة التالية:
1 ـ حشد المزيد من الجماهير النسائية الأكثر وعيا والأكثر تصميما على المشاركة في نضال الطبقة الثورية وفي نضال كل المضطهدين والمستغلين ضد الرأسمالية ومن أجل الشيوعية.
2 ـ بعد انتصار الثورة البروليتارية, ينبغي جر الجماهير النسائية للمشاركة ببطولة ووعي في بناء الشيوعية. وعلى الأجهزة النسائية في الأحزاب الشيوعية أن تأخذ بعين الاعتبار أن وسائل التحريض والتوعية ليست في الكتابات والأحاديث بل في إتباع الوسائل التالية: إشراك النساء الشيوعيات في كل مجالات نشاط الأحزاب الشيوعية, وإشراك العاملات في كل أعمال ونضالات البروليتاريا الثورية من إضرابات وتظاهرات وعصيانات وانتفاضات مسلحة.
ترجمة: فواز طرابلسي و طلال الحسَيني
دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت
الطبعة الثالثة: أيار (مايو) 1978
ألكساندرا كولونتاي
2009 / 10 / 19
من هي ألكسندرا كولونتاي؟
ألكسندرا كولونتاي من أبرز نساء الحركة الشيوعية الروسية. حتى أن مكسيم غوركي يروي على لسان مارتوف قوله: «يوجد في روسيا شيوعيان اثنان فقط: لينين ومدام كولونتاي»!
كانت أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير. ولعبت دورا هاما في الحزب والدولة خلال السنوات الأولى لثورة أكتوبر. ثم واصلت خدمتها للدولة السوفيتية في السلك الدبلوماسي خلال ربع قرن. لكن مساهمتها الكبرى هي نضالها الذي كرست له كل حياتها, ككاتبة ومناضلة شيوعية, من أجل تحرر المرأة, وتحرر النساء العاملات بشكل خاص.
ولدت ألكسندرا دومونتوفتش في أسرة عقيد بالجيش الروسي في سان بطرسبرغ عام 1872, لمئة سنة خلت, وتزوجت أحد أقاربها, المهندس فلاديمير كولونتاي. تأثرت باكرا بالأفكار الثورية عبر نظرية داروين التطورية واهتمامها بالتربية وعلم نفس الأطفال. ومع أفول القرن التاسع عشر, كانت كولونتاي في عداد ذاك الرعيل من النساء الأرستقراطيات والبرجوازيات اللواتي سعين إلى التحرر الشخصي عبر التدريس, عبر «التوجه إلى الشعب». وكانت تلك الفترة تشهد نهايات «الحركة الشعبوية» التي تعتبر الفلاحين عماد الثورة ضد القيصرية, والجماعية البدائية في الريف قاعدة الانتقال المباشر إلى الاشتراكية. وقد انشق عنها جناح إرهابي سرعان ما اتضحت حدوده, بعد سلسلة من الإغتيالات الفردية الجريئة ضد القياصرة وكبار موظفي الدولة.
وفي تلك الأثناء, كانت روسيا عند منعطف تاريخي. فقد أدى النمو المتسارع للصناعة, وتمركزها الشديد, وانتقال مئات الألوف من الأقنان السابقين للانخراط بقسوة في العمل المأجور, وتغلغل الرأسمالية في الزراعة وتدميرها السريع للإنتاج البطريركي ـ إلى ولادة الطبقة التي ستتمكن من الانتصار أخيرا على القيصرية وبناء الاشتراكية: الطبقة العاملة. ومن العلامات الفارقة لهذا الانعطاف الإضرابات العمالية الضخمة في سان بطرسبرغ عام 1896, حيث أسهمت العاملة إلى جانب العامل في تحطيم الآلات (وهو أحد الأشكال البدائية للصراع الطبقي) ومقاومة الشرطة.
مع البروز السريع للطبقة العاملة الروسية, برزت الحلقات الماركسية التي اتحدت في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي, عام 1898. انضمت كولونتاي إلى الحركة العمالية منذ سنيها الأولى. وقد أثرت فيها زيارة قامت بها لأحد مصانع النسيج الضخمة الذي يضم 12000 عاملة وعامل. فقررت بعد ذاك ربط مصيرها بالطبقة الثورية الصاعدة. فأدى التزامها السياسي إلى تأزم علاقاتها بزوجها الذي اعتبر نشاطها السياسي بمثابة تحد شخصي له. فانفصلت عنه ومعها طفلها الوحيد رغم ما كانت تكن له من حب واحترام. واختارت حياة النضال والعمل الخلاق على حياة الحب والأسرة. ولم يكن مثل هذا الاختيار أمرا يسيرا بالنسبة لها ولبنات جيلها. وتروي في مذكراتها (المكتوبة عام 1926):
«لا زلت أنتمي إلى جيل من النساء نشأ عند منعطف التاريخ. وكان الحب, بكل ما يجره من خيبات أمل متكررة ومآس وسعي دائم وراء السعادة الكاملة, لا يزال يلعب دورا كبيرا في حياتي, دورا أكبر مما يجب أن يكونه ! ولقد هدرت فيه الوقت الثمين والكثير من الطاقة, ويمكن القول أنه كان عديم الجدوى, في التحليل الأخير. فنحن, نساء الجيل الماضي, لم نكتشف السبيل إلى التحرر الفعلي. فبذلنا طاقاتنا بدون حساب, وهدرنا طاقاتنا العملية في تجارب عاطفية عقيمة. وتأكيدا, فإني وغيري من المناضلات والكادحات, أدركنا أن الحب ليس الهدف الأساسي للحياة, وتمكنا من أن نجعل العمل محورا لحياتنا. ولولا أننا لم نهدر طاقاتنا في الصراع الدائم مع عواطفنا تجاه الآخرين, لكنا استطعنا بذل المزيد من الجهد الخلاق. والواقع أن هذا النزاع كان حربا دائمة ضد تدخل الرجل في شؤوننا وتعديه على ذاتيتنا, نزاع يدور حول مشكلة معقدة: العمل أو الحب والزواج؟ نحن نساء الجيل القديم, لم ندرك, كما يدرك الشباب والشابات اليوم, أنه يمكن التوفيق بين العمل والسعي وراء الحب, بحيث يبقى العمل محورا للوجود. فقد منحنا كل ذاتنا للمحبوب على أمل بلوغ التناغم الروحي الكامل.
غير أن الرجل كان يسعى باستمرار إلى فرض ذاتيته علينا وتكييفنا حسب مبتغاه. فاضطرمت الثورة في داخلنا, رغم كل شيء, وتحول الحب تكرارا إلى قيد يقيدنا, وشعرنا بأننا مستعبدات وحاولنا التحرر من قيد الحب. وبعد نضالات متواصلة مع المحبوب, انعتقنا أخيرا, وتدافعنا نحو الحرية. وسقطنا مجددا في الوحدة والتعاسة والوحشة. لكننا كنا ننعم بحرية السعي وراء فارس أحلامنا ـ العمل.
من حسن حظ الجيل الحالي أنه ليس مضطرا إلى خوض غمار هذا النضال العديم الجدوى بالنسبة للمجتمع البشري, فيوفر كامل جهوده للنشاط الخلاق».
بعد أن استعادت كولونتاي «حريتها» غادرت روسيا إلى ألمانيا, ودرست الاقتصاد السياسي في زيوريخ, وأسهمت في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الالمانية, وتوثقت صلاتها بأبرز قادتها, وبخاصة روزا لوكسمبرغ وكلارا زتكن. أما على صعيد السياسة الثورية الروسية, فقد وقفت كولونتاي إلى جانب المناشفة خلال انشقاق الحزب عام 1903. ولم تنضم إلى البلاشفة إلا خلال الحرب العالمية الأولى.
عادت كولونتاي إلى روسيا مع اندلاع الثورة الأولى عام 1905. وكرست معظم وقتها, في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى, للعمل بين النساء. تأسست الحركة النسائية في روسيا عقب الثورة الأولى. وكانت بقيادة الحركة النسوانية البرجوازية, المطالبة بالمساواة الكاملة بين النساء والرجال, بغض النظر عن التحولات الاجتماعية والسياسية المطلوبة لتحقيقها, وسعيها لتنظيم كافة النساء حول هذا المطلب, الأمر الذي يميّع وعي العاملات للاستغلال الذي يتعرضن له ويضعهن تحت القيادة البرجوازية. في سعيها لتأسيس عمل اشتراكي بين النساء, اضطرت كولونتاي إلى النضال على جبهتين: ضد الحركة النسوانية من جهة, ومن أجل إقناع رفاقها ورفيقاتها في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بضرورة الاهتمام بتنظيم العاملات. فأسست مع رفيقات لها نادي النساء العاملات, عام 1906, لدراسة قضايا المرأة العاملة, والتدريب على مختلف أشكال الدعاية والتحريض في صفوف العاملات. وأخذت تطالب بإنشاء أجهزة حزبية متخصصة للعمل بين النساء, انطلاقا من خصوصية وضع المرأة كأم وربة بيت, وبالتالي خصوصية أشكال القهر والاستغلال الإضافية التي تتعرض لها. وقد أسهم هذا النادي في تكوين أول نواة للحركة الاشتراكية النسائية في روسيا. وفي المؤتمر النسائي الأول لعموم روسيا, المنعقد عام 1908, أمكن للمرأة العاملة أن تتمثل وتطرح مطالبها المتميزة بوفد من النساء الاشتراكيات ضم 30 عاملة, معظمهن من الأميات.
مع اشتداد موجة القمع والإرهاب, وصدور الأمر بإلقاء القبض عليها, اضطرت كولونتاي إلى سلوك طريق أعنف عام 1907. في ألمانيا، واصلت عملها النسائي, وحضرت مؤتمر شتوتغارت للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني [10]. كذلك كانت كولونتاي في عداد المحاضرين في مدرسة الكادر الحزبية للعمال الروس في ايطاليا, ووضعت مشاريع القوانين حول رعاية الأمومة والطفولة ليقدمها النواب الاشتراكيون-الديمقراطيون في مجلس الدوما. وفي المنفى صدر كتابها «الأسس الاجتماعية لمسألة المرأة» وهو بمثابة سجال ضد الاتجاه النسواني ودعوة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي أن يبني حركة عمالية نسائية. شاركت, عام 1911, في تنظيم أول عيد عالمي للمرأة, الذي ما زلنا نحتفل به في الثامن من آذار (مارس) من كل عام. وزارت فرنسا حيث ساهمت في تنظيم إضرابات ربات البيوت ضد غلاء المعيشة, وانكلترا, حيث اطلعت على الدور الذي تلعبه النساء في النقابات العمالية الانكليزية.
غادرت كولونتاي ألمانيا بعد اندلاع الحرب العالمية, وقد صعقها موقف أغلبية الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية الأوربية المؤيدة لحرب اقتسام المغانم بين الدول الاستعمارية. فقطعت صلاتها نهائيا بالاتجاه المنشفي وانضمت أخيرا إلى البلاشفة في حزيران (يونيو) 1915. ولعبت طوال ذلك العام دورا هاما, إلى جانب الكسندر شليابنيكوف, في الدعاية ضد الحرب والاتجاه الاشتراكي-الإمبريالي في الحركة العمالية, وكانت صلة الوصل بين لينين ـ في سويسرا ـ واللجنة المركزية للحزب البلشفي داخل روسيا. ثم سافرت إلى الولايات المتحدة, بتشجيع من لينين, حيث قامت بجولة واسعة ألقت خلالها عشرات المحاضرات ضد الحرب الاستعمارية ومن أجل تحويلها إلى حرب أهلية ضد الرأسمالية.
و عادت كولونتاي إلى روسيا بعد انهيار الحكم القيصري. وكانت الحرب قد رفعت أكلاف المعيشة, وهذا ما شجع البلاشفة على إيلاء العمل بين النساء العاملات أهمية خاصة. فأسهمت في إصدار صحيفة نسائية ـ «النساء العاملات» ـ وفي تنظيم تحركات العاملات ضد غلاء المعيشة ومن أجل التخفيف من أعباء العمل المنزلي. إلا أن مساهمتها الرئيسية خلال تلك الفترة كانت في الحزب نفسه. فكتبت في «البرافدا» وكانت من البلاشفة الأوائل الذين وقفوا إلى جانب لينين في نيسان (ابريل) 1917 عندما قدم أطروحاته الشهيرة الداعية إلى إسقاط الحكومة البرجوازية المؤقتة بواسطة السوفييت, وتسلم الطبقة العاملة للسلطة وبناء الاشتراكية. فاعتقلت خلال الردة الرجعية حزيران-تموز (يونيو-يوليو) 1917, وأودعت أحد سجون بتروغراد, ثم أفرج عنها لتوضع قيد الإقامة الجبرية. وكانت كولونتاي عضوا في اللجنة المركزية التي اتخذت قرار إعلان الثورة وقادت عملية تنفيذها.
عينت كولونتاي مفوضة الشعب (وزيرة) للشؤون الاجتماعية في أول حكومة بلشفية برئاسة لينين. وشغلت هذا المنصب حتى آذار (مارس) 1918. فأرست الأسس لعدد واسع من التحولات الجذرية بالنسبة لوضع المرأة والخدمات الاجتماعية عامة. وكان من أول إجراءاتها تحسين أحوال مشوهي الحرب, وإلغاء التعليم الديني للفتيات في المدارس الرسمية, وإحالة الراهبات والرهبان إلى الإدارة المدنية, ومنح الطالبات حق الإدارة الذاتية للمدارس, وإيواء الأيتام واللقطاء في مؤسسات خاصة بالمشردين. وشكلت اللجنة التي وضعت قانون الضمان الصحي المجاني الشامل لجميع سكان روسيا, وأنشأت المكتب المركزي لرعاية الأمومة والطفولة في مطلع 1918, وحولت مستشفيات التوليد إلى بيوت مجانية لرعاية الأمومة والطفولة تتولى إرشاد الحوامل وتوفير وسائل منع الحمل, وأنشأت الحضانات النهارية لإيواء أطفال العاملات...
وفي غضون سنة من تسلم البلاشفة الحكم, كانوا قد ألغوا سيطرة الكنيسة على الزواج وحققوا المساواة الكاملة في الحقوق بين الرجال والنساء, وبات الزواج اتفاقا حرا بين شريكين متساويين, يحق لأي منهما طلب حله.
وعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1918, أول مؤتمر للفلاحات والعاملات ضم 1147 مندوبة. وانبثقت عنه لجنة لتوعية النساء الكادحات, على حقوقهن الجديدة ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد النساء, في الحزب والمجتمع. وكان الهم الرئيسي لهذه اللجنة تعبئة النساء للمساهمة في النضال السياسي وفي بناء الاشتراكية.
خلال الحرب الأهلية, استدعيت كولونتاي للنضال على جبهة القتال, إذ عينت مفوضة للشعب لشؤون التوعية والإعلام في الحكومة الأوكرانية, فأسهمت في تجنيد المئات من النساء لصد الهجمة الرجعية المدعومة من الاستعمار الانكلو-فرنسي. وعند عودتها إلى موسكو, تولت مكتب التنسيق للعمل بين النساء في الحزب, الذي أشرف على إصدار صحيفة شيوعية نسائية, ونظم العمل بين النساء المسلمات, وعقد مؤتمرين عالميين للنساء في موسكو. وتكلل نشاط كولونتاي بالنجاح عندما دعم لينين شخصيا مشروعها القاضي بجعل الإجهاض شرعيا يتم تحت رعاية الدولة وعلى حسابها.
في تلك الأثناء, كان يدور في صفوف الحزب البلشفي سجال عاصف حول دور النقابات في ظل دكتاتورية البروليتاريا. فوقفت كولونتاي موقفا معارضا لأغلبية الحزب, يدعو إلى تسيير الصناعة من قبل مؤتمر للمنتجين في عموم روسيا. وشكلت كتلة حزبية معارضة مع الكسندر شليابنيكوف وبعض القادة النقابيين عرفت بـ «المعارضة العمالية» [11]. وكانت «المعارضة العمالية» ترد بالدرجة الأولى على تروتسكي الذي رفع شعار «عسكرة العمل» بفرض الإنضباط العسكري الصارم على الطبقة العاملة, وتسخير النقابات لتنفيذ هذه السياسة, واعتماد التعيين بدل الانتخاب في اختيار القيادات النقابية. وقد التفت غالبية الحزب حول لينين الذي أدان بشدة النزعة البيروقراطية الإدارية عند تروتسكي. ورد على «المعارضة العمالية» معتبرا أن الدعوة إلى تسيير النقابات للإنتاج والصناعة يلغي الدور القيادي للحزب, ودور النقابات كحلقة وصل بين الطليعة الشيوعية والجماهير, فتبقى الطبقة العاملة نهبا لشتى الأضاليل والانحرافات التي ترشح إليها من الوسط الفلاحي والبرجوازي الصغير المحيط بها. ودعا لينين في المقابل: 1- إلى منح النقابات حدا من الاستقلالية للاستمرار في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة تجاه الدولة السوفييتية, التي لم تصبح بعد دولة اشتراكية وإنما هي دولة عمالية «ذات انحراف بيروقراطي» ترتكز إلى تحالف العمال مع الفلاحين الذين يشكلون أكثرية الشعب الساحقة. 2- إلى اعتبار النقابات مدرسة للشيوعية ومدرسة للإدارة العمالية. وقد هزم الجناحان المعارضان في مؤتمر الحزب عام 1922 وصدرت عنه توصية باعتبار «المعارضة العمالية» تكتلا ممنوعا.
بعد هذا التاريخ, تقلص دور كولونتاي في السياسة الداخلية. فانضمت إلى السلك الخارجي عام 1923 وشغلت عدة مناصب دبلوماسية في النروج والمكسيك وفنلندا والسويد, إلى أن رقيت إلى رتبة سفيرة متجولة عام 1943. وقد انتدبتها الحكومة السوفييتية لتوقيع اتفاقية الهدنة السوفييتية-الفنلندية عام 1945.
وما من شك في أن انسحاب كولونتاي المبكر من الحياة السياسية الداخلية قد أنقذها من المصير المظلم الذي لاقاه رفاقها في «المعارضة العمالية» والعديد غيرهم من قادة وكوادر الحزب البلشفي من مختلف الاتجاهات على يد ستالين في منتصف الثلاثينيات. وقد توفيت كولونتاي في موسكو عام 1952 ولها من العمر ثمانون عاما. وتركت عددا كبيرا من الكتابات حول قضايا التربية, والمسألة القومية والاشتراكية في فنلندا, والحرب العالمية، والطبقة العاملة الأوربية, وقضايا السلطة العمالية في روسيا السوفييتية, ننشر منها ثلاثة نصوص «الشيوعية والأسرة» وهو كراس دعاوي كتب بعد قيام السلطة السوفييتية و «تاريخ حركة العاملات الاشتراكية في أوروبا» و «التقرير أمام المؤتمر الثالث للكومنترن» ننشره هنا مع المقررات المرتبطة به (ترجم النصين الأول والثاني فواز طرابلسي وترجم النص الثالث طلال الحسيني). لقد لخصت كولونتاي نفسها فهمها لقضية تحرر المرأة التي نذرت حياتها لها بهذه العبارات المقتطفة من مذكراتها (المكتوبة عام 1926):
«إذا كنتُ قد حققت شيئا في هذا العالم, فليس مرد ذلك لصفاتي الشخصية. فإنجازاتي ما هي إلا الدليل على أن المرأة باتت تسير باتجاه كسب الاعتراف العام بها, على الرغم من كافة الصعاب. فانخراط ملايين النساء في العمل الإنتاجي, الذي تم بوتيرة متسارعة خلال الحرب, هو الذي أفسح المجال أمام المرأة لكي تحتل أعلى المراكز السياسية والدبلوماسية. غير أنه من المؤكد أن بلدا مستقبليا، كالاتحاد السوفييتي, هو وحده القادر على معالجة قضية المرأة دون أفكار مسبقة, وعلى تقييم أعمالها فقط من منظار مهارتها ومواهبها, وبالتالي فهو وحده القادر على أن يوكل إليها مراكز المسؤولية. وحدها العواصف الثورية الجديدة امتلكت القوة الكافية لتكنيس كافة العقد والترسبات ضد النساء. ووحده الشعب الكادح المنتج هو القادر على تحقيق المساواة الكاملة والتحرر الناجز للمرأة ببنائه المجتمع الجديد».
ف. ط.
-----
الشيوعية والأسرة
إنهاء تبعية المرأة للرجل
هل تحافظ الدولة الشيوعية على الأسرة؟ هل ستبقى الأسرة في شكلها الراهن؟ ـ هذا سؤال يجول في خاطر العاملات ويثير اهتمام رفاقهن العمال. هذه هي المشكلة التي كانت تشغل بال النساء العاملات في الآونة الأخيرة. ولا عجب, فالحياة تتغير أمام أعيننا. والعادات والتقاليد السابقة تزول تدريجيا. وكل حياة الأسرة البروليتارية يعاد تنظيمها بطريقة جديدة كل الجدة, طريقة غير مألوفة, لا بل «غريبة», لم يكن بإمكاننا أن نتنبأ بها من قبل. والذي يزيد في حيرة النساء أن الطلاق بات في روسيا السوفييتية أسهل مما كان من قبل. والواقع أن الطلاق لم يعد امتيازا للأغنياء بعد صدور مرسوم «مجلس مفوضي الشعب» [12] في 18 كانون الأول (ديسمبر) 1919. لم تعد المرأة العاملة مضطرة لأن تقدم العرائض والالتماسات طوال الأشهر أو حتى السنوات للحصول على ترخيص يخولها التحرر من زوج متوحش أو سكير يقضي معظم وقته في ضربها وإهانتها. من الآن فصاعدا, بات بالإمكان الحصول على الطلاق, حبيا, بالتراضي, خلال مهلة لا تتعدى الأسبوع أو أسبوعين. لكن هذه السهولة في الحصول على الطلاق, التي تشكل مصدر أمل كبير لنساء شقيات في حياتهن الزوجية, تزرع الخوف، في الوقت ذاته, بين فئة من النساء اعتادت اعتبار الرجل «ربا للأسرة» وسندها الوحيد في الحياة ـ نساء لم تدرك بعد أنه صار يجب البحث عن هذا السند ليس في شخص الرجل وإنما في شخص المجتمع والدولة.
تغير أشكال الأسرة عبر التاريخ
لا حاجة لأن نضلل أنفسنا: الأسرة المعروفة لدينا مند القدم, حيث الرجل كل شيء والمرأة لا شيء ـ لأنها مسلوبة الإرادة, لا مال خاصا بها ولا وقت تتصرف به بملء إرادتها, هذه الأسرة آخذة بالتحول يوما بعد يوم. وهي تكاد تصبح من مخلفات الماضي. ولكن لا حاجة لأن يخيفنا هذا الأمر. البعض مستعد لأن يصدق أن كل ما هو حولنا أبدي أزلي سرمدي, لا يحول ولا يزول. هذا الاعتقاد مصدره الخطأ أو الجهل. الحقيقة أن كل ما هو حولنا يتغير باستمرار. «هكذا كانت الأمور، وهكذا ستبقى» ـ ليس أكثر تضليلا من هذه الحكمة! يكفي أن نقرأ كيف عاش أسلافنا لندرك فورا أن كل شيء عرضة للتغيير, وأنه ليس ثمة من عادات أو مؤسسات سياسية أو أعراف وقيم أخلاقية تبقى جامدة ولا تتغير, والحال أن الأسرة تغيرت بتغير أطوار حياة البشر. وقد كانت في الماضي مختلفة كليا عما هي عليه الآن.
في الماضي, كان الناس يظنون أن هناك شكلا وحيدا طبيعيا للأسرة. وهو الأسرة النسكية, أي الأسرة التي تترأسها الجدة التي يتحلق حولها ـ في حياة وعمل جماعيين ـ أولاد وأحفاد وأحفاد الأحفاد. وفي مرحلة ثانية من التاريخ, ظن الناس أن الأسرة البطريركية هي الشكل الوحيد للأسرة. والأسرة البطريركية هي التي يرأسها الأب السيد عليها. إن هذا الشكل من أشكال الأسرة لا يزال الشكل السائد بين فلاحي الريف الروسي, والواقع أن القيم الأخلاقية والأعراف العائلية في الريف غيرها في المدن بين العمال. فالريف يحتفظ بعدد كبير من العادات والتقاليد التي اندثرت في أسرة بروليتاريي المدن. ثم إن أشكال الأسرة, وعاداتها وتقاليدها, تختلف باختلاف الأجناس البشرية. هناك شعوب كالأتراك والعرب والإيرانيين مثلا, يجيز القانون عندهم للرجل بأن يتزوج أكثر من امرأة. كما أنه كان, ولا يزال, يوجد قبائل تمارس العادة المناقضة تماما ـ تلك التي تجيز للمرأة بأن تتزوج أكثر من رجل واحد. التقاليد الحالية تجيز للرجل أن يطالب ببقاء الفتاة عذراء إلى حين انعقاد الزواج الشرعي. غير أنه توجد قبائل, في المقابل, تفاخر المرأة فيها بكثرة عدد عشاقها, فتزين يديها وقدميها بخواتم بقدر عددهم. مثل هذه الممارسات التي لا تنفك تثير دهشتنا, والتي قد تذهب إلى حد اعتبارها منافية للأخلاق, قد تكون طقوسا مقدسة عند شعوب أخرى. ولو تسنى لهذه الشعوب أن تطلع على عاداتنا وتقاليدنا, لاعتبرتها كفرا وهرطقة.
فلا حاجة إذن لأن يمتلكنا الذعر من كون الأسرة تتغير وتنفض عن نفسها آثار الماضي المندثر, مفسحة المجال أمام بناء علاقات جديدة بين المرأة والرجل. يكفي أن نسأل: «ما الذي لم يعد يماشي سنة التطور في نظام الأسرة؟ وفي العلاقة بين العامل والعاملة, وبين الفلاح والفلاحة؟ وما هي الحقوق والواجبات المتبادلة الأكثر ملاءمة لظروف الحياة في روسيا الجديدة, في روسيا العمالية؟». وبناءا عليه, نستبقي كل ما يتلاءم مع الوضع الجديد. أما الحثالة التي تكدست خلال السنوات والتي أورثتنا إياها حقبات العبودية والسيطرة الكريهة اللتين مارسهما ملاك الأراضي والرأسماليون, فإننا سوف نكنسها في الوقت ذاته الذي نكنس فيه الطبقة المستغلة نفسها وسائر أعداء البروليتاريا والفقراء.
الرأسمالية تدمر الأسرة القديمة
الأسرة, في شكلها الراهن هي أيضا وبكل بساطة من مخلفات الماضي. كانت في السابق وحدة صلبة متماسكة لا تنفرط ـ وهذه على كل حال مميزات الزواج الذي يباركه رجال الدين ـ كما أنها كانت ضرورية لجميع أعضائها. فبدون الأسرة, من يطعم ويكسو ويربي الأطفال ويرشدهم على دروب الحياة؟ من هنا كان مصير اليتيم مصيرا حالكا في تلك الأيام. الزوج, في الأسرة المألوفة لدينا, هو الذي يعمل ويعيل زوجته وأطفاله. أما الزوجة, فإنها تعتني بالبيت وبتربية الأطفال (حسبما تفهم هي العناية والتربية). لكن هذا الشكل التقليدي للأسرة أخد يتلاشى تدريجيا في كل البلدان التي سيطر عليها رأس المال وحيث نمت المصانع وسواها من المنشآت التي تشغل اليد العاملة نموا فائق السرعة. وإذا العادات والتقاليد العائلية آخذة بالتحول مع تحول الظروف المعيشية. والذي أسهم أكثر من غيره في تغيير هذه العادات والتقاليد بطريقة جذرية هو بدون شك انخراط النساء في العمل المأجور على نطاق واسع. في السابق, كان الرجل هو وحده معيل الأسرة. ولكن خلال الخمسين أو الستين سنة الأخيرة, أخذ النظام الرأسمالي ـ في روسيا وقبلا في أقطار أخرى ـ يجبر النساء على الالتجاء للعمل المأجور خارج الأسرة, خارج البيت.
30 مليون امرأة تتحمل عبئا مزدوجا
لما كانت أجرة الرجل «المعيل» لم تعد كافية لسد حاجات الأسرة, وجدت المرأة نفسها مجبرة على البحث عن عمل مأجور, واضطرت الأم إلى طرق أبواب المصانع. وسنة بعد سنة كان يتضاعف يوميا عدد النساء من أفراد الطبقة العاملة اللواتي غادرن منازلهن لتضخيم صفوف البروليتاريا الصناعية والعمل كمياومات وبائعات وسكرتيرات أو كغسالات وخادمات. ويتبين من إحصاء أجري في أوربا وأميركا قبل الحرب العالمية أنه توجد حوالي 60 مليون امرأة تعيش من عملها. وقد ارتفع هذا العدد خلال الحرب. نصف هذا العدد تقريبا يتكون من النساء المتزوجات. ولا يصعب تصور نوع الحياة العائلية التي تعيشها النساء العاملات. حياة تقضي منها الزوجة (والأم) 8 ساعات يوميا في العمل خارج البيت, لا بل 10 ساعات إذا أضفنا الوقت الذي تقضيه على الطريق! فبديهي أن تهمل بيتها, وأن ينشأ أطفالها محرومين من رعاية الأم, مهملين ومعرضين لشتى الأخطار التي تحدق بهم في الأزقة حيث يقضون معظم أوقاتهم.
الزوجة والأم العاملة ينشف دمها وهي تجهد للاضطلاع بثلاث مهام في آن واحد: بذل ساعات العمل الضرورية, مثلها مثل زوجها, في مؤسسة صناعية أو تجارية, ثم تكرس ما تستطيعه من وقتها للعمل المنزلي, وأخيرا تصرف الباقي من الوقت لرعاية أطفالها. هكذا ينوء كاهل المرأة بالأعباء في ظل الرأسمالية التي حولتها إلى عامل مأجور دون أن تخفف عنها أعباء العمل المنزلي والأمومة. فنجدها مسحوقة تحت عبء مثلث لا يطاق, يستثير عندها أحيانا صيحة ألم مخنوقة أو يحمل الدمع إلى عينيها. لقد قدر دوما للمرأة أن تعتني بالآخرين. ولكن ما من فترة كانت فيها المرأة أسوء حالا وأتعس حظا مما هي عليه الآن حيث ترزح ملايين النساء العاملات تحت نير الرأسمالية. هذا في حين تشهد الصناعة فترة ازدهارها الكبرى...
العمال يتعلمون الاستغناء عن الأسرة
مع زيادة انخراط النساء في العمل المأجور, يزداد تفكك الأسرة. تعسا لها من حياة عائلية تلك التي يعمل فيها الرجل وزوجته في قسمين مختلفين من مصنع واحد! تعسا لها من حياة عائلية لا تملك الزوجة فيها الوقت الكافي لطبخ وجبة طعام لائقة لابنها! وبئس الحياة العائلية عندما يتعذر فيها على الزوجة والزوج انتزاع بضعة دقائق يقضيانها مع أولادهما من أربعة وعشرين ساعة يستهلك معظمها في العمل الشاق!
كان الأمر مختلفا كليا في ما مضى. فالأم, ربة المنزل, تلازم منزلها وتعنى بشؤونه وشؤون أولادها الذين تغمرهم بعطفها ورعايتها. أما اليوم, فالمرأة العاملة تهرول إلى عملها عندما تزعق صفارات المصنع مع طلوع الفجر, وتعود مهرولة في المساء, عندما تزعق الصفارات ثانية, لكي تهيئ الحساء للأسرة وتقوم بالأعباء المنزلية الملحة لتبدأ يومها الجديد بعد ساعات نوم قليلة. وهكذا دواليك. إن حياة المرأة العاملة المتزوجة كناية عن أشغال شاقة حقيقية! فلا عجب إذن, إذا بدأت أواصر الأسرة تتفكك في مثل هذا الوضع. فالقواعد الراسخة وعوامل التلاحم التي كانت في الماضي تجعل من الأسرة وحدة متماسكة آخذة بالتلاشي تدريجيا. والأسرة لم تعد من الضروريات لأفرادها أو للدولة. وأشكال الأسرة القديمة باتت مجرد معوقات في وجه التطور.
ما هو سر تماسك الأسرة القديمة؟ أولا, كان الزوج, أو الأب, هو معيل الأسرة. ثانيا, كان المنزل من الضروريات بالنسبة لكافة أفراد الأسرة على حد سواء. ثالثا وأخيرا, كان الأهل يربون أولادهم فعلا, ما الذي تبقى من كل ذلك اليوم؟ لقد رأينا كيف أن الزوج لم يعد هو المعيل الوحيد للأسرة. فزوجته التي تشتغل هي أيضا باتت مساوية له على هذا الصعيد. فهي تكسب معيشتها الآن, وتكسب أحيانا معيشة أطفالها وزوجها. فلا يبقى من وظيفة الأسرة سوى تربية الأطفال وإعالتهم في الصغر. يبدو أن الأسرة قادرة على الاستغناء عن هذه الوظيفة أيضا.
العمل المنزلي لم يعد ضرورة
في الماضي كانت المرأة الفقيرة, في المدينة والريف, تقضي كل حياتها في كنف الأسرة, تجهل كل ما يجري خلف عتبة دارها, لا بل إنها نادرا ما كانت تواقة إلى المعرفة, على كل حال. وكتعويض عن ذلك, كانت المرأة تؤدي في بيتها مهاما ضرورية ومتنوعة تنفع الأسرة والدولة في آن معا. كانت المرأة تؤدي كافة المهام التي تؤديها حاليا أية امرأة عاملة أو فلاحة: تطبخ وتغسل وتنظف البيت وتكوي وترتق الثياب. ولكن لم يكن عملها يقتصر على ذلك, فقد كانت تؤدي مهاما لم تعد تؤديها المرأة المعاصرة كأن تغزل الصوف والكتان وتحيك الأجواخ والقماش وتصنع الجوارب وأشرطة الزينة. كذلك كانت تصنع المخلل (الكبيس) وتدخن اللحوم بالقدر الذي تسمح لها به مواردها المادية, وتستخرج المشروبات للبيت, وتصب الشموع. ما كان أكثرها واجبات المرأة في تلك الأيام! هكذا قضت أمهاتنا وجداتنا حياتهن. وحتى في أيامنا هذه, لا زلت تجد, في بعض القرى النائية في أقاصي الريف بعيدا عن الطرقات والأنهر الكبيرة, جيوبا لا زالت تحتفظ بنمط الحياة القديم هذا بكل نقاوته, حيث ربة المنزل تنوء تحت ثقل أعباء أعفيت منها المرأة العاملة في المدن والمراكز الصناعية المكتظة بالسكان مند زمن بعيد.
عمل المرأة الصناعي في البيت
على أيام جداتنا, كان هذا العمل المنزلي عملا بالغ الأهمية والضرورة يتوقف عليه رفاه الأسرة كلها. وبالقدر الذي كانت تجتهد فيه ربة المنزل في أداء مهامها, بقدر ما كانت حياة البيت منتظمة ومزدهرة. حتى الدولة أفادت من نشاط المرأة كربة منزل. فالمرأة في تلك الأيام لم تكن تكتفي بطبخ حساء البطاطا لها ولأسرتها, وإنما كانت تصنع عدة منتجات مثل الجوخ والخيوط والزبدة, الخ... وهذه كلها يمكن بيعها في السوق حيث تتحول إلى سلع, أي إلى أشياء ذات قيمة.
صحيح أن عمل جداتنا وأمهاتنا لم يكن يثمن بالمال. لكن جميع الرجال, أكانوا فلاحين أم عمالا, كانوا يبحثون عن امرأة «يداها من ذهب»، كما يقول المثل. لأن موارد الرجل وحده, بدون «عمل المرأة المنزلي», ليست كافية لبناء بيت زوجي مزدهر. في ذلك الحين, كانت مصالح الأمة والدولة تلتقي مع مصالح الزوج. فبقدر تمسك المرأة بالأسرة بقدر إنتاجها لشتى المنتجات من نسيج وجلد وصوف يباع الفائض منها في السوق, فتسهم بذلك في ازدهار البلد الاقتصادي.
المرأة المتزوجة والمصنع
إن الرأسمالية قد غيرت كل نمط الحياة هذا. وكل ما كانت تنتجه الأسرة صارت تنتجه المشاغل والمصانع. وحلت الآلة محل أنامل المرأة الرشيقة. فأية ربة بيت تشغل نفسها الآن في صب الشموع أو غزل الصوف أو نسج الجوخ في وقت يمكن فيه شراء كل هذه الحاجيات في الحانوت المجاور؟ وهل شاهدتم صبية تصنع جواربها بنفسها؟ أولا, لا وقت لديها لذلك. فالوقت من ذهب. ومن منا يريد هدر المال بطريقة غير مجدية دون أن يجني منه أي ربح؟ إن ربة المنزل, التي هي امرأة عاملة في الوقت ذاته, تشتري جواربها في السوق بدلا من أن تضيع وقتها في صنعها. وقليلات هن النساء العاملات اللواتي يصرفن وقتا في تخليل الخيار أو صنع المحفوظات في وقت يبيع فيه البقال المجاور المخللات والمحفوظات على أنواعها.
و على الرغم من أن المنتوج الذي يبيعه البقال قد يكون أدنى من حيث النوعية, والمصنوعات الخارجة من المصنع ليست في جودة المحفوظات التي تصنعها ربة المنزل, فإن المرأة العاملة لا تملك الوقت ولا القدرة على القيام بهذه العمليات كلها. إنها عامل مأجور أولا بأول, يضطرها عملها المأجور إلى إهمال عملها المنزلي. ومهما يكن من أمر, فالأسرة في وضعها الراهن آخذة في الانعتاق تدريجيا من مختلف الأعباء المنزلية ـ هذه الأعباء التي كانت جداتنا لا تتخيلن الأسرة خالية منها. وما كانت تنتجه الأسرة في الأمس بات ينتجه الآن الجهد المشترك للعمال والعاملات في المصانع والمشاغل.
نهاية العمل المنزلي الفردي
إن الأسرة باتت تستهلك الآن ولا تنتج. والأعباء الرئيسية التي تقوم بها ربة المنزل هي: شؤون النظافة (مسح الأرض ونفض الغبار, والتدفئة, والعناية بالإضاءة,الخ) والطبخ (تحضير الغذاء والعشاء) والغسيل والاعتناء ببياض وثياب الأسرة (رتق الثياب وما شابه).
وهذه أعباء مرهقة مؤلمة تستغرق كل وقت وتستنفذ كل قوة المرأة العاملة المضطرة إلى بذل ساعات عمل طويلة في المصنع. ولكن الأكيد أن المهام التي كانت جداتنا تقوم بها كانت أكثر تنوعا. وبالإضافة لذلك, كان عمل جداتنا يتميز بميزة بات يفقدها العمل المنزلي للنساء العاملات, وهو أن النساء فقدن فائدتهن بالنسبة للدولة (من منظار مساهمتهن في الاقتصاد الوطني), ذلك أن العمل الذي يقمن به لا ينتج أي قيم جديدة ولا يسهم في ازدهار البلد.
عبثا تقضي المرأة العاملة يومها بأكمله من الصباح للمساء وهي تنظف البيت وتغسل وتكوي الثياب هادرة كل حياتها في جهود لا متناهية لرتق الثياب المهترئة أو لتحضير الطعام, حسب الموارد المتواضعة المتوافرة لديها, دون أن ينتهي يوم عملها هذا إلى أي نتيجة مادية. لأنها لا تنتج, بأيديها التي تعمل بلا كلل, أي شيء يمكن اعتباره سلعة في السوق التجاري. وحتى لو عاشت المرأة العاملة ألف سنة, فإن الأمر لن يتغير بالنسبة لها. سيبقى ثمة طبقة من الغبار يجب نفضها عن الرف, وسيبقى زوجها يأتي إلى البيت جائعا عند المساء ويبقى أطفالها يحملون الوحل على أحذيتهم. وهكذا فمع الأيام يصبح عمل ربة المنزل أكثر فأكثر تفاهة وأقل وأقل إنتاجا.
ولادة العمل المنزلي الجماعي
إن المنزل الافرادي قد جاوز حده. وها إن العمل الجماعي يحل محله تدريجيا. وإن المرأة العاملة سوف تدرك, عاجلا أم آجلا, أنها ليست بحاجة لأن تعتني بمنزلها بنفسها. ففي مجتمع الغد, في المجتمع الشيوعي, سوف يقوم بهذا العمل فئة متخصصة من النساء لا يقمن بعمل سواه. إن نساء الأغنياء قد تحررت منذ سنوات من هذه الأعباء السقيمة المرهقة. فلماذا يجب على المرأة العاملة أن تستمر في أدائها؟ في روسيا السوفييتية, يجب أن تحاط حياة المرأة العاملة بنفس الجو من الراحة والإشراق والصحة والجمال كالذي لا يزال يحيط, حتى الآن بحياة نساء الطبقات الغنية. فلا تضطر المرأة في المجتمع الشيوعي إلى قضاء ساعات فراغها ـ النادرة مع الأسف ـ في الطبخ لأن المجتمع الشيوعي سوف يوفر المطاعم العامة والمطابخ المركزية التي يحق للجميع ارتيادها.
هذه المؤسسات تتكاثر في كافة الأقطار, حتى تلك التي لازال يسيطر عليها النظام الرأسمالي. والواقع أنه طوال نصف القرن الأخير, كان عدد المقاهي والمطاعم في جميع مدن أوربا يتزايد يوما بعد يوم, فإذا بها تنبت وتتكاثر كالفطر بعد مطر الخريف. هناك ظل ذوو الجيوب المحشوة بالمال وحدهم القادرين على ارتياد مثل هذه المطاعم. أما في المجتمع الشيوعي فيصبح بمقدور أي كان أن يتناول وجبة الطعام في المطاعم والمطابخ المركزية. وما ينطبق على الأكل ينطبق على الغسيل وغيره من الأعباء. لن تكون المرأة العاملة مضطرة لأن تغرق في مستنقع من القذارة أو أن تفقد بصرها من جراء رتق الجوارب أو إصلاح البياضات. لا بل إنها سوف تحمل هذه الحاجيات إلى المغاسل المركزية كل أسبوع, وتخرجها أيضا كل أسبوع مغسولة ومكوية. هذا عبء إضافي سوف يزاح عن كاهل المرأة العاملة. كذلك فإن المحلات الخاصة لرتق وإصلاح الثياب سوف تسمح للمرأة العاملة بأن تقضي أمسياتها في القراءات المفيدة والاستجمام الصحي بدلا من أن تقضيها في الكدح المضني. لذلك فإن الأعباء الأربعة المذكورة التي لا تزال ترهق نساءنا سوف تزول في ظل النظام الشيوعي الظافر. ولا شك في أن المرأة العاملة لن تذرف دمعة واحدة على زوالها. وهكذا يكون المجتمع الشيوعي قد حطم النير المنزلي الرازح على المرأة لكي يجعل حياتها أغنى وأكمل وأسعد وأكثر امتلاء بالحرية.
تربية الأطفال في ظل الرأسمالية
ما الذي يبقى من الأسرة بعد زوال أعباء العمل المنزلي الفردي؟ تبقى تربية الأطفال. هنا أيضا تهب دولة الرفاق الكادحين لنجدة الأسرة. فيحل المجتمع تدريجيا محل الوالدين. إن تربية الأطفال في ظل الرأسمالية لم تعد مهمة يضطلع بها الوالدان. فالأطفال يتلقون تعليمهم في المدرسة. وما إن يبلغ الطفل سن الدراسة حتى يبدأ أهله يتنفسون بحرية أكبر. فنمو طفلهم الذهني لم يعد أمرا يعنيهم. إلا أن هذا لا ينهي طبعا مسؤوليات الأسرة تجاه الطفل. تبقى مهمة إطعامه وتأمين كسوته وتحويله إلى عامل ماهر ونزيه قادر على الاعتماد على نفسه, عندما تدعو الحاجة, وعلى إعالة أهله في شيخوختهم.
غير أنه نادرا ما استطاعت أسرة عمالية أن تضطلع بهذه المسؤوليات تجاه أولادها. فأجور الأهل منخفضة لا تسمح بإطعام الأولاد حتى الشبع, وندرة أوقات الفراغ لا تمكن الأهل من بذل الوقت والاهتمام الكافيين لتربية الجيل الطالع. فكانت الأسرة مضطرة إلى أن تتولى تربية أولادها بنفسها. ولكن, هل كانت تربيهم فعلا؟ الواقع أن الشارع هو الذي يربي أطفال البروليتاريا. وهؤلاء يجهلون راحة الحياة العائلية وأفراحها, تلك التي كنا نحن ننعم بها في كنف آبائنا وأمهاتنا.
ثم إن انخفاض أجور الأهل وانعدام الضمانات, لا بل المجاعة, غالبا ما تدفع بابن البروليتاري إلى أن يصبح بدوره عاملا مستقلا قبل بلوغه سن العاشرة. وما أن يبدأ الولد (سيان أكان صبيا أم بنتا) بإعالة نفسه حتى يعتبر أنه بات سيد نفسه إلى درجة يبطل معها مفعول كلمات ونصائح أهله عليه, وتتقلص سلطتهم وتنتهي طاعته لهم.
مع اضمحلال أعباء الأسرة, الواحد تلو الآخر, يحل المجتمع محل الأهل في تنفيذ واجبات الإعالة والتربية. والواقع أن الأطفال غالبا ما شكلوا, في ظل الرأسمالية, عبئا ثقيلا لا يطاق على الأسرة البروليتارية.
الطفل والدولة الشيوعية
في هذا المجال أيضا يهب المجتمع الشيوعي لمساعدة الأهل. لقد خطت روسيا السوفييتية ـ بفضل جهود مفوضيتي التربية العامة والشؤون الاجتماعية ـ خطوات هامة وحققت المنجزات العديدة في مجال التخفيف من أعباء الأسرة ومجال تربية وإعالة الأطفال. توجد بيوت للرضعاء وحضانات نهارية ورياض, ومخيمات للأطفال والأهل, ومستوصفات, ومنتجعات صحية للأطفال المرضى, ومطاعم, وطعام مجاني في المدارس, وكتب مدرسية مجانية, وملابس دافئة للشتاء وأحذية للأطفال في المؤسسات التعليمية. ألا تكفي كل هذه للتدليل على أن الطفل لم يعد عبئا على الأسرة وإنما بات المجتمع هو الذي يتولى رعايته؟
كان اهتمام الأهل بأطفالهم يشمل ثلاثة مجالات: 1) الاعتناء بالرضيع, 2) تربية الطفل, 3) تعليمه. أما بالنسبة لتعليم الأطفال في المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات, فإن هذا واجبا ملقى على عاتق الدولة, حتى في المجتمع الرأسمالي. إن تراكم الأعباء على الطبقة العاملة ونوعية ظروف معيشتها قد فرضا على المجتمع الرأسمالي إنشاء الملاعب والحضانات والرياض للأطفال. ومع تنامي وعي العمال لحقوقهم وتوطد تنظيماتهم في دولة معينة, تنامى اهتمام المجتمع بإعفاء الأسرة من أعباء رعاية الأطفال.
غير أن المجتمع البرجوازي كان يخاف التمادي في تلبية مصالح الطبقة العاملة كيلا يسهم في تقويض أركان الأسرة نفسها. فالرأسماليون أنفسهم يدركون أن الأسرة القديمة, حيث المرأة مستعبدة للرجل المسؤول عن إعالة الأسرة ورفاهها, هي أفضل سلاح لخنق تطلع البروليتاريا نحو الحرية, وإخماد الروح الثورية عند العمال والعاملات على حد سواء. فالانشغال بأمور الأسرة تفقد العامل عزيمته وتجعله يساوم مع رأس المال. وأي شيء لا يفعله أب أو أم عند رؤية أطفاله يتضورون جوعا؟
المجتمع الرأسمالي عاجز عن تحويل تربية الناشئة إلى وظيفة اجتماعية فعلية, إلى وظيفة من الوظائف التي تضطلع بها الدولة. أما المجتمع الشيوعي, في المقابل, فإنه يعتبر أن التربية الاجتماعية للجيل الطالع هي أساس قوانينه وأعرافه وحجر الزاوية في البنيان الجديد. إن إنسان مجتمع الغد لن يولد بالتأكيد من أسرة الأمس, التافهة الضيقة, بما تنطوي عليه من نزاع بين الوالدين واهتمامها الأناني بأولادهما دون سائر الأولاد. إن إنساننا الجديد, في المجتمع الجديد, يولد في رحم التنظيمات الاشتراكية كالمنتزهات والحدائق والرياض والمخيمات وغيرها من المؤسسات حيث يقضي الطفل القسط الأوفر من وقته ويتولى مربون كفؤون تحويله إلى شيوعي يعي عظمة الشعارات المقدسة, شعارات التضامن والروح الرفاقية والتعاون المتبادل والإخلاص للحياة الجماعية.
تأمين معيشة الأم
مع زوال أعباء التربية والتعليم, وخاصة بعد إعفاء الأسرة من القسط الأوفر من الأعباء المادية الناجمة عن إنجاب الأطفال, لا يبقى من واجبات الأسرة تجاه أطفالها سوى رعاية الطفل الرضيع عندما يكون بحاجة لرعاية الأم وهو في طور تعلم المشي والتعلق بثياب أمه. لن يثقل كاهل الأم الصبية بعد الآن بعبء رعاية أطفالها! فالدولة العمالية تعتبر أنه من واجبها أن تؤمن المعيشة للأم أكانت متزوجة زواجا شرعيا أم لا, ما دامت هي التي ترضع الطفل. وسوف تنشيء دور الأمومة في كل مكان, وتبني الحضانات النهارية في كل المدن والقرى, فتسمح بذلك للمرأة بأن تخدم الدولة بطريقة مجدية وأن تمارس دورها كأم في آن واحد.
لكي لا يكون الزواج قيدا
لنطمئن الأمهات العاملات: إن المجتمع الشيوعي لا يرمي إلى انتزاع الطفل من حضن أمه ولا الرضيع من على ثدييها. ولا هو ينوي تدمير الأسرة بواسطة العنف. ثقوا من أننا لسنا نضمر أيا من هذه النوايا! ليست هذه أهداف المجتمع الشيوعي.
و لكن ما الذي نشاهده اليوم؟ نشاهد الأسرة القديمة آخذة بالانحلال. وقد أخذت تتحرر تدريجيا من كافة الأعباء المنزلية التي كانت بالأمس تشكل دعائم تماسك الأسرة كوحدة اجتماعية. وماذا عن الأطفال؟ إن الأهل البروليتاريين ليسوا قادرين أصلا على الاعتناء بهم ولا على تأمين معيشتهم وتعليمهم. وهذا وضع يعاني منه الأهل والأبناء على حد سواء.
لذا يخاطب المجتمع الشيوعي العمال والعاملات ويقول لهم: «لا زلتم في ربيع العمر, وأنتم تحبون بعضكم بعضا. إن السعادة حق للجميع. فعيشوا حياتكم ولا تنفروا من السعادة. ولا تخشوا الزواج مع أنه كان قيدا على العامل والعاملة, في المجتمع الرأسمالي. والأهم من كل ذلك أن لا تترددوا, وأنتم شبان ممتلئون صحة وعافية, في أن تمنحوا الوطن عمالا وأطفالا مواطنين جدد. فإن مجتمع العمال بحاجة إلى قوى عاملة جديدة, وهو يرحب بمجيء كل طفل جديد إلى العالم. ولا حاجة لأن تقلقوا على مستقبل أطفالكم. فإنهم لن يعرفوا البرد والجوع ولا البؤس والإهمال. كما كان الحال في المجتمع الرأسمالي. فما أن يولد الطفل, حتى يؤمن المجتمع الشيوعي, حتى تؤمن الدولة العمالية للأم وطفلها ما يحتاجانه من غذاء وعناية. إن الوطن الشيوعي سوف يتولى إطعام الطفل وتربيته وتعليمه. لكنه لن ينتزع الطفل من كنف أهله, بأي حال من الأحوال, إذا كانوا يريدون الإسهام في تربية أولادهم بأنفسهم. إن المجتمع الشيوعي سوف يضطلع بكامل واجباته في مجال تربية الأطفال. إلا أنه لن يحرم أحدا من أفراح الأبوة أو حنان الأمومة إذا ثبت أنه قادر على فهمها وتقديرها قدرها الصحيح.» فهل يمكن اعتبار ذلك تدميرا للأسرة بواسطة العنف؟ وهل يمكن اعتباره انتزاعا قسريا للطفل من حضن أمه؟
الأسرة: اتحاد عاطفي ـ رفاقي
مهما يكن من أمر, فلا مفر من الاعتراف بالحقيقة القائلة أن الأسرة من النمط القديم قد تجاوزها الزمن. والمسؤول عن ذلك ليس المجتمع الشيوعي, وإنما هو تغير ظروف الحياة. لم تعد الأسرة ضرورية للدولة كما كانت بالأمس. لا بل إنها أسوء من مجرد مؤسسة عديمة الجدوى, لأنها تمنع النساء العاملات من القيام بعملهن بمزيد من الإنتاجية والجد. ولم تعد الأسرة ضرورية لأفرادها أنفسهم, لأن مهام تربية الأطفال, وقد كانت بالأمس ملقاة على عاتق الأسرة, أخذت تنتقل الآن إلى عاتق المجموع. ولكن على أنقاض الأسرة السابقة سوف يبنى شكل للعلاقات بين الرجل والمرأة جديد كليا: اتحاد عاطفي ـ رفاقي يقوم على المساواة بين مواطنين من أبناء المجتمع الشيوعي في ممارسة حريتهما واستقلالهما وعملهما.
لقد انتهى عهد عبودية المرأة المنزلية! انتهى عهد انعدام المساواة داخل الأسرة! وانقضى زمن كانت المرأة يتهددها فيه الخوف من أن تبقى بدون معيل, هي وأطفالها, إذا ما هجرها زوجها, فالمرأة في المجتمع الشيوعي لن تعتمد بعد الآن على زوجها، وإنما سوف تعتمد على عملها. ولن يعيلها زوجها, وإنما ساعداها القويان. ويزول القلق على مصير الأطفال. لأن الدولة العمالية ستكون مسؤولة عنهم. ثم إن الزواج سوف يُطهّر من كافة مقوماته المادية وأثقاله المالية التي كانت تشكل لطخة عار في الحياة العائلية حتى الآن. فمن الآن وصاعدا سوف يتحول الزواج إلى اتحاد سام بين نفسين متحابين, كل منهما يثق بالآخر ـ اتحاد يوفر لكل عامل وعاملة الحد الأقصى من السعادة والرضى. هذا ما يستحقه مواطنون يعرفون أنفسهم ويعون البيئة المحيطة بهم. وهذا الاتحاد الحر, المتين بفضل الروح الرفاقية التي تسوده, هو البديل عن العبودية العائلية الماضية الذي يقدمه مجتمع الغد الشيوعي إلى الرجال والنساء على حد سواء.
وما أن تتغير ظروف العمل وتتزايد الضمانات المادية المتوفرة للعاملات, وبعد أن يزول الزواج الديني ـ الذي كان يسمى «زواجا لا ينفصم» ليتضح أنه خدعة لا غير ـ ويحل محله اتحاد حر نزيه بين الرجال والنساء, بوصفهم عشاقا ورفاقا في آن معا, فإن كارثة إضافية مخزية تبدأ بالاضمحلال, ويزول شر مخيف كان يشكل لطخة عار في جبين الإنسانية جمعاء, غير أنه ينوء بكل ثقله على المرأة الكادحة الجائعة بشكل خاص ـ عنينا به البغاء.
إلغـــاء البغــاء
إن البغاء هو ابن النظام الاقتصادي السائد وابن مؤسسة الملكية الفردية. وما أن تلغى هذه المؤسسة, حتى تزول تجارة النساء من تلقاء نفسها.
من هنا, فلا يخيفن المرأة العاملة أن الأسرة, في شكلها الراهن, سائرة إلى زوال, لا محالة. فالأحرى بها أن تحيي انبلاج فجر مجتمع جديد, يحرر المرأة من العبودية المنزلية, ويخفف عنها أعباء الأمومة, ويمهد السبيل أخيرا أمام إلغاء البغاء ـ أبشع النكبات التي بليت بها النساء.
إن المرأة المدعوة للنضال من أجل القضية الكبرى ـ قضية تحرر البروليتاريا ـ ينبغي أن تدرك أن الدولة الجديدة لن تقبل بالانقسامات السخيفة من النمط الذي كان سائدا من قبل: «هؤلاء أطفالي أنا. وأولئك أطفالك أنت أو أطفال الجيران. وأنا لست معنية بهم. تكفيني مصائبي». إن الأم العاملة, الواعية لدورها الاجتماعي, سوف ترتفع من الآن فصاعدا إلى مستوى لا فارق فيه بين ما هو لها وما هو ليس لها, فتدرك أن الأطفال هم أطفالنا نحن, أطفال الدولة الشيوعية, وأنهم ملك مشترك لجميع الكادحين.
تحقيق المساواة الاجتماعية بين الرجال والنساء
لا بد للدولة العمالية من أن توفر شكلا جديدا للعلاقات بين الجنسين. إن العاطفة الأنانية الضيقة التي تكنها الأم لأطفالها يجب أن تتسع لتشمل جميع أطفال الأسرة البروليتارية الواسعة. وعلى أنقاض «الزواج الذي لا ينفصم», القائم على استعباد المرأة, سوف يقوم الاتحاد الحر بين الرجل والمرأة, يعززه الحب والاحترام المتبادلان بين مواطنين من مواطني الدولة العمالية, متساويين في الحقوق والواجبات. ومكان الأسرة الفردية الأنانية, سوف تقوم أسرة العمال الكبيرة الشاملة حيث الشغيلة, رجالا ونساء, هم فوق كل شيء أخوة ورفاق.
هكذا ستكون العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمع الغد الشيوعي. وهي علاقة ستضمن للإنسانية كافة المباهج التي يوفرها ما يسمى «الحب الحر», عبر تحقيق المساواة الاجتماعية الحقيقية بين المرأة والرجل, وهي مباهج يعجز عن توفيرها المجتمع التجاري في ظل الرأسمالية.
أفسحوا المجال أمام الأطفال المترعرعين, المتفجرين صحة وعافية!
أفسحوا المجال أمام شبيبة ممتلئة حيوية ونشاطا, متعلقة بالحياة ومباهجها, حرة في مشاعرها وعواطفها!
تلك هي شعارات المجتمع الشيوعي. فباسم المساواة والحرية والحب نهيب بكافة العاملات والعمال والفلاحات والفلاحين أن يضطلعوا, بجرأة وإيمان, بمهمة إعادة بناء المجتمع البشري باتجاه مزيد من الكمال والعدالة, وزيادة قدرته على أن يؤمن للأفراد السعادة التي يستحقون. إن راية الثورة الاجتماعية الحمراء, التي تنطلق من روسيا لترفرف على بلدان أخرى في العالم, إيذانا لنا باقتراب «الجنة على الأرض» التي تحلم بها البشرية منذ قرون.
--------------------------------------------------------------------------------
تاريخ حركة العاملات الاشتراكية في أوربا: أساليب عملها وأشكالها التنظيمية
مقدمة:
هذا الكراس ليس جديدا. إنه إعادة طبع لمقالات نُشرت قبل الحرب. غير أن المسألة التنظيمية المطروحة على مؤتمر النساء العاملات تضع على جدول أعمال نشاطنا الحزبي نقطة تتعلق بالتحريض بين جماهير النساء العاملات لاجتذابهن إلى صفوف الحزب, وحشد قوى جديدة للإسهام في بناء روسيا الشيوعية.
إننا نشكو نقصا فادحا في المواد التي تساعد رفيقاتنا الحزبيات المعنيات على تأسيس لجنة التحريض والدعاية بين العاملات, وتمدهم بالمعلومات اللازمة حول تاريخ الحركة الاشتراكية للمرأة العاملة, وحول الوسائل التنظيمية التي اعتمدتها منظمات البروليتاريا النسائية في البلدان الأخرى والإنجازات التي حققتها. من هنا, فإن افتقارنا إلى الأدبيات الحزبية حول هذا الموضوع يدفعني إلى إعادة نشر مقالاتي السابقة, على استعجال, دون أن تتسنى لي إعادة صياغتها. ولو أتيحت لي فرصة الكتابة الآن حول الوقائع ذاتها, لكنت قيمتها على نحو مختلف. فالحرب والثورة العالمية قد أدخلتا تعديلات أساسية على كافة الحركات العمالية الشيوعية, من حيث طبيعتها وشكلها. فالنموذج الألماني في العمل الحزبي, المعد فقط لفترة النشاط البرلماني السلمي, لم يعد نموذجا نقتدي به. فالنضال الثوري طرح قضايا ووسائل نضال جديدة. والحرب والثورة زعزعتا ما كان يبدو على أنه أرسخ أركان حياتنا. كما وأن وضع المرأة قد تغير بشكل ملموس.
قبل الحرب كانت عملية انخراط النساء في الاقتصاد الوطني تجري بوتيرة أبطأ بكثير من وتيرة السنوات الأربع والنصف الأخيرة التي شهدت تطورا اقتصاديا محموما ونموا سريعا للعمل النسائي في مجمل القطاعات الصناعية. والأسرة القديمة كانت هي أيضا تبدو راسخة لا تتزعزع. وقد اضطر الحزب إلى النضال ضد هذا النسق في الحياة, وضد التقاليد المرتبطة به, في كل مرة أراد فيها اجتذاب المرأة العاملة إلى معمعة الصراع الطبقي. فلم ينظر إلى تلاشي العمل المنزلي وإلى تعميم التعليم الرسمي للأطفال بوصفهما من القضايا الناضجة الحية في حياتنا اليومية, وإنما ننظر إلى هذا وذاك كـ«اتجاه تاريخي», كعملية سوف تستغرق وقتا طويلا. والحقيقة أن النساء العاملات أشد إحساسا بمصالحهن في المجالين الاقتصادي ـ انعدام المساواة بين أجور الرجال وأجور النساء ـ والسياسي ـ حرمان النساء من حق الاقتراع واعتبارهن مواطنات من الدرجة الثانية.
إن لا مساواة المرأة, في المجالين الاقتصادي والسياسي, وعبوديتها للأسرة وللعمل المنزلي, قد ولدتا عازلا نفسانيا بين العمال والعاملات, فكانتا التربة التي نمت عليها التنظيمات الخاصة بالعاملات في موازاة الأحزاب الاشتراكية العمالية العامة في مختلف الأقطار, على شكل جمعيات أو اتحادات أو نواد للعاملات. ولكن بالقدر الذي تكثف فيه نشاط الأحزاب الاشتراكية الدعاوي بين العاملات, تسارعت عملية اضمحلال هذه التنظيمات العمالية النسائية.
غير أن التغير الجذري الذي طرأ على كافة نواحي حياة الطبقة العاملة النسائية, البيتية منها والعائلية, وتحقيق مساواتها القانونية مع الرجل, هما العاملان الكفيلان بتكنيس ما تبقى من حواجز بين المرأة العاملة وبين إطلاق كامل قواها للمساهمة بحرية في الصراع الطبقي.
إن الحرب قد ولدت قطيعة جذرية في وضع المرأة الاجتماعي. ويبقى على الثورة أن تدفع هذه القطيعة إلى نهايتها, وتكمل ما بدأته الحرب. فالحرب حملت المرضعات المحترفات إلى جبهة القتال, مما اضطر تسعين في المئة من النساء إلى الاعتناء بأطفالهن بأنفسهن. فبرزت مشكلة صعبة: ما العمل بأطفال ملايين النساء اللواتي يقضين القسم الأكبر من يومهن في صنع الإمدادات العسكرية من قنابل يدوية ومتفجرات وذخيرة؟ هكذا طرحت المسألة, ليس بوصفها مسألة نظرية ولا بوصفها مشروعا يتحقق في المستقبل البعيد, وإنما بما هي إجراء عملي محض: ضمان الدولة للأمومة والطفولة. فقد اضطرت الحكومات الطبقية الرأسمالية إلى الاهتمام بمصير «جنود الغد», الأمر الذي دفعها رغما عنها, إلى تحميل الدولة مسؤولية رعاية الأطفال.
كذلك فإن ذهاب الخطيب والزوج إلى جبهة القتال, وخوف المرأة على مصير من تحب, كانا السبب الطبيعي لتزايد عدد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج. هنا أيضا اضطرت الدولة البرجوازية-الرأسمالية, تحت ضغط الحرب, إلى أن تسدد لنفسها ضربة جديدة, وأن تتعدى على أقدس مؤسساتها ـ الزواج الشرعي. وحرصا منها على رفاه الجنود, اضطرت إلى أن تساوي, في القانون, بين الأمهات والأطفال الشرعيين وغير الشرعيين. وهذا ما دفع ألمانيا وفرنسا وانجلترا إلى اتخاذ هذا الإجراء الثوري.
و الواقع أن الحرب لم تزعزع أركان الزواج الكنسي الذي لا ينفصم وحسب, وإنما تعدت أيضا على ركن آخر من أركان الأسرة ـ العمل المنزلي. فارتفاع الأسعار, واضطرار النساء إلى الوقوف في صفوف طويلة مرهقة للحصول على المواد الغذائية المقننة, دفعا النساء إلى الاستغناء عن الوحدة المنزلية الفردية, وتفضيل التسهيلات الجماعية.
و جاءت الثورة العمالية الكبرى لتحرر المرأة من عبوديتها الاجتماعية, كما كانت معروفة آنذاك. فشاركت العاملات والفلاحات في النضال التحرري العظيم على قدم المساواة مع الرجال. وانهار تقسيم العمل السابق الذي كان يكبل النساء عندما تزعزع ركنا المجتمع القديم: الملكية الفردية والسلطة الطبقية. إن أوار انتفاضة البروليتاريا العالمية قد انتزع المرأة من بين أواني المطبخ، ليدفع بها إلى المتاريس حيث تخاض معركة الحرية. فلم تعد المرأة تشعر بالاطمئنان في منزلها, بين الحاجيات العائلية المألوفة, والأواني المنزلية وأسرّة الأطفال, بينما الرصاص يزأر في الخارج. وأنصتت بتعجب إلى النداء الذي أطلقه العمال المناضلون: «إلى السلاح, أيها الرفاق! يا كل من يقدس الحرية. يا من فطر على كره قيود العبودية والحرمان من الحقوق المدنية! إلى السلاح, يا عمال! إلى السلاح, يا عاملات!».
إن الثورة قد عودت العاملات على الحركات الجماهيرية الكبيرة, على النضال من أجل تحقيق الشيوعية. وحققت الثورة في روسيا المساواة الكاملة للمرأة في الحقوق السياسية والمواطنية. ونفذت مطالب العاملات في كافة الأقطار: العمل المتساوي للأجر المتساوي. ووفرت للنساء فرص الانعتاق من عبودية الأسرة. وتخلصت الثورة من الأشكال السابقة للتنظيمات العمالية التي فرضتها فترة الحكم البرلماني السلمي. فالذي بات يفصلنا الآن عن عهد الأممية الثانية ليس أربع سنوات وحسب, وإنما زحلة جيولوجية كاملة في مجال العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.
من هذا المنظار, أعتبر أن الزمن قد تخطى عددا من المقالات المنشورة في هذا الكرّاس. لكن المسألة الرئيسية لم يتخطاها الزمن. لا بل إنها لا تزال بالغة الحيوية والإلحاح. وهي تشكل الخيط الذي يشد مقالاتي بعضها إلى بعض: ضرورة العمل الخاص في صفوف البروليتاريا النسائية، المتمتع بحد من الاستقلال الذاتي داخل الحزب, وتأسيس الأجهزة الحزبية الضرورية للإضطلاع بهذا العمل من لجان ومكاتب نسائية.
ومهما بلغ عمق التغييرات التي جاءت بها الحرب والثورة إلى حياة بلدنا واقتصادياته, ومهما تكن ضخامة الخطوات التي قطعتها روسيا السوفييتية في سيرها على طريق الشيوعية, فالإرث الرأسمالي لم تجر تصفيته نهائيا بعد. فإن الظروف المعيشية, ونسق حياة الأسرة العمالية, ومجمل التقاليد التي تكبل المرأة, وعبودية العمل المنزلي ـ كل هذه لم تتلاش بعد. وبالقدر الذي تستمر فيه المعوقات التي منعت نساء الطبقة العاملة, قبل الحرب, من المساهمة النشيطة في حركة تحرر البروليتاريا, وبالقدر الذي لا يزال الحزب مضطرا إلى الأخذ بالاعتبار تخلف المرأة السياسي, وعبودية المرأة العاملة لأسرتها, فإن ضرورة العمل المكثف في صفوف البروليتاريا النسائية, بمساعدة الأجهزة الحزبية المتخصصة, لا تزال ضرورة ملحة كما كانت من قبل.
و ما من شك في أن إنشاء لجنة للتحريض والدعاية بين العاملات, في العاصمة والأطراف، كفيل بالإسراع في تنفيذ هذه المهمة. في الماضي, كانت فكرة العمل المتخصص داخل الحزب, التي أدعو إليها منذ عام 1906, تلقى المعارضة حتى بين رفاقي الحزبيين. أما الآن, وبعد القرار الذي اتخذه مؤتمر النساء العاملات لعموم روسيا, والذي أقرّه الحزب, لم يعد أمامنا إلا وضع هذا الأمر موضع التنفيذ. إن حزبنا يمنع قيام حركة نسائية مستقلة أو تأسيس الاتحادات والجمعيات الخاصة بالنساء. لكنه لم يتنكر, في وقت من الأوقات, لفعالية تقسيم العمل داخل الحزب وقيام أجهزة حزبية متخصصة من شأنها مضاعفة أعداده أو تعميق نفوذه بين الجماهير.
إن روسيا السوفييتية تحتاج الآن لقوى جديدة من أجل المهمة المزدوجة: النضال ضد العدو وبناء المجتمع الشيوعي. وإن مهمة اللجنة الحزبية للتحريض والدعاية بين العاملات هي بالضبط مهمة اصطفاء وتربية هذه القوى من بين صفوف الملايين من النساء العاملات.
و إني لأرجو أن يفيد هذا الكراس في تقديم بعض الإرشاد والتوجيه للذين ينوون تكريس جهودهم للعمل في صفوف البروليتاريا النسائية. كما أرجو أن يمدهم باليقين من أنهم, في اضطلاعهم بهذا العمل الذي لا يدر أحيانا غير التعب والشقاء, يخدمون ليس فكرة «تخصص» النساء أو العمل النسائي بمعناه الضيق, وإنما مجمل مهمة بناء حزب عمالي عالمي موحد ومنيع, يبني عالما مشعا جديدا ـ عالم الشيوعية الأممية.
أ.كولونتاي
موسكو, الأول من ديسمبر 1918
--------------------------------------------------------------------------------
تطور الحركة الاشتراكية للنساء العاملات
قد يظن المرء للوهلة الأولى بأنه ليس ثمة من فكرة أدق وأوضح من فكرة «الحركة الاشتراكية النسائية». غير أنها في الواقع تثير الكثير من الاستغراب, وكثيرا ما نسمع عبارات التعجب والتساؤل: ما هي الحركة العمالية النسائية؟ ما هي مهامها وأهدافها؟ لماذا لا تندمج بالحركة العامة للطبقة العاملة؟ لماذا لا تذوب فيها, مادام الاشتراكيون الديمقراطيون ينكرون وجود مسألة نسائية مستقلة؟ أليست مثل هذه الحركة ترسبا من ترسبات الحركة النسوية [13] البرجوازية؟
و لا يقتصر طرح مثل هذه الأسئلة على روسيا وحدها. فهي تتردد في كل الأقطار تقريبا, ويمكن سماعها في كافة اللغات. والأعجب من ذلك أن المواقف الأشد تصلبا في إنكارها لضرورة العمل المستقل في صفوف البروليتاريا النسائية تصدر في الأماكن حيث الحركة العمالية النسائية أكثر تخلفا, حيث العاملات المنظمات يشكلن نسبة ضئيلة في الأحزاب والنقابات. بمثل هذه الطريقة التبسيطية يجري حل عقدة المسألة النسائية والمسألة الاجتماعية عامة.
إن حركة النساء العاملات ولدت فعلا في رحم المجتمع الرأسمالي. غير أنها ظلت, طوال فترة طويلة, تتعثر في تقدمها, وتتردد في اختيار وسائل العمل. والواقع أن الحركة العمالية النسائية تتخذ أشكالا بالغة التنوع والتعدد. وتختلف هذه الأشكال بين بلد وآخر, وهي تتكيف مع الظروف الخاصة بكل بلد, ومع طابع حركته العمالية. ولكن مع الوقت نمت هيئات حزبية متخصصة بالحركة النسائية الاشتراكية, خاصة حيث كانت الحركة الاشتراكية الديمقراطية قوية.
يصعب أن نلقى الآن مناضلا اشتراكيا يجادل حول ضرورة أو عدم ضرورة وجود تنظيم واسع للبروليتاريا النسائية. هذه مسألة باتت محسومة. والحال أن الاشتراكيين الديمقراطيين في كافة الأقطار باتوا يفاخرون بضخامة «جيشهم النسائي», وهم يأخذون بعين الاعتبار تلك القوة المتسارعة النمو في معرض حساب فرص نجاح وانتصار الصراع الطبقي. نتيجة لذلك, فإذا كان هناك ثمة من خلاف قد ينشب, فهو ليس حول جوهر المسألة, وإنما هو فقط حول وسائل وأساليب التحريض والنضال الواجب اتباعها في أوساط النصف النسائي من الطبقة العاملة. ومهما يكن من أمر, فإن الذين انتصروا في النقاش, في كافة الأقطار, هم المدافعون عن الأسلوب الألماني القائم على دمج النصفين النسائي والرجالي من الطبقة في التنظيم الحزبي الواحد, مع الاحتفاظ باستقلالية التحريض بين نساء الطبقة العاملة.
إن الحركة النسائية الاشتراكية لا تزال حركة فتية لم يمض على قيامها أكثر من عشرين سنة.
صحيح أن النساء كن فيما مضى في عداد أفراد التنظيمات العمالية والاتحادات والأحزاب. ولكن انضمام النساء العاملات إلى تنظيم نقابي أو حزبي لم يكن يترافق مع النضال في المجالات التي تهم النساء بشكل خاص. هكذا كان الوضع في ألمانيا حتى أواسط العشرينيات, وفي إنكلترا حتى القرن العشرين, وفي روسيا حتى ثورة 1905. ونتيجة لذلك, فإن البحث والاستقصاء عن القضايا التي تخص العاملات, بوصفهن نساء, والدفاع عن مصالحهن كأمهات وربات بيوت, قد تُرك في يد دعاة الاتجاه النسوي في المعسكر البرجوازي.
إن منتصف التسعينيات (من القرن الماضي) يشكل منعطفا في هذا الصدد. ففي مؤتمر غوتا للحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1896, أرسيت قواعد عمل تحريضي خاص ومستقل بين النساء, بناء على إصرار كلارا زتكن. وفي العام ذاته, خلال انعقاد «المؤتمر الاشتراكي الأممي» في لندن, عقد أول اجتماع خاص ضم حوالي ثلاثين مناضلة اشتراكية كن في عداد المندوبات إلى المؤتمر عن إنكلترا وألمانيا وبلجيكا وأميركا وهولندا وبولونيا. ويشكل هذا الاجتماع بداية محاولة متواضعة لبعث الحياة في الحركة الاشتراكية النسائية في الأقطار الأخرى.
عني هذا الاجتماع الخاص قبل كل شيء بنقاش مسألة العلاقة بين الحركة النسوية البرجوازية والحركة النسائية الاشتراكية. فأقر ضرورة رسم حد فاصل بين الحركتين, ولاحظ ضرورة التحريض الاشتراكي الخاص بين العاملات لجذبهن إلى صفوف حزب الطبقة العاملة.
لقد مضى عقدان من الزمن على انعقاد أول اجتماع للمناضلات الاشتراكيات. خلال تلك السنوات, سيطرت الرأسمالية ليس على فروع صناعية جديدة وحسب, بل وعلى أقطار جديدة أيضا. واتسعت اليد العاملة النسائية, واكتسبت المزيد من الوزن الاجتماعي في حياة الاقتصاد الوطني. لكن العاملات كن مبعثرات, لا يضمهن تنظيم ولا يربطهن بزملائهن العمال أي رابط, تظهرن كمنافسات خطيرات يهددن بتخريب تقدم نضالات العمال المنظمة. فبدت مسألة تنظيم المرأة العاملة, في تلك السنوات, كمسألة حيوية وملحة. غير أن كل قطر شق طريقه الخاص في معالجة مسألة تنظيم النصف النسائي من البروليتاريا وتكييف النساء مع ظروف الواقع الاجتماعي.
و هذا ما يفسر تنوع الأساليب التنظيمية. فقد انضمت النساء إلى اتحادات نقابية عامة أو مختلفة, أو انتظمن في نقابات خاصة بالنساء أو أسسن النوادي النسائية وجمعيات التثقيف الذاتي أو شكلن تنظيما نسائيا خاصا داخل الحزب أخذ على عاتقه العمل التحريضي والتنظيمي بين النساء. وهذا الأسلوب الأخير هو الأكثر ملاءمة لمهمة زج العاملات في الصراع الطبقي.
مع إطلالة عام 1907 كانت حركة المرأة العاملة قد بلغت من الاتساع قدرا سمح بالدعوة لعقد أول مؤتمر أممي للنساء في شتوتغارت, بالتعاون مع المؤتمر الاشتراكي الأممي العام. ولم تقتصر النساء الاشتراكيات على تبادل المعلومات حول النشاط القطري, بل إنهن أعلنّ عن تصميمهن على مواصلة العمل على الأسس السابقة, وبكافة الوسائل, من أجل تنمية وتطوير الحركة العمالية النسائية. وبعد شيء من الخلاف, اتفقت المندوبات على توصية قدمتها المندوبات الألمانيات بصدد إنشاء المكتب النسائي الأممي, تكون مهمته توثيق العلاقات بين التنظيمات العمالية النسائية في مختلف الأقطار.
هذا وقد اعترفت الهيئة المركزية للحركة العمالية النسائية الأممية بصحيفة غلايشهايت (المساواة) التي يصدرها الحزب الألماني.
و الواقع أن مؤتمر شتوتغارت عزز ذلك القسط من الاستقلالية الضروري لتنمية العمل المثمر بين البروليتاريا النسائية. فاتضح أنه بالرغم من أن الحركة البروليتارية النسائية جزء لا يتجزأ من الحركة العمالية الشاملة, إلا أنها تتمتع بمميزات خاصة, مردّها الظروف الحياتية الخاصة بالمرأة العاملة, والموقع الاجتماعي والسياسي المميز الذي تحتله المرأة في المجتمع الحديث. وعلى الرغم من أن أهداف التحريض الموجهة للنساء خاصة لا تختلف عن تلك الموجهة للحركة العمالية عامة, وعلى الرغم من أنها تشكل جزءا من هدف أشمل, غير أنها, بما هي تُعنى مباشرة بمصالح النساء, فإن أفضل وسيلة لتنفيذها هي عبر مبادرة ممثلات الطبقة العاملة النسائية.
و مع أن الاشتراكيين يعترفون بأن قضية المرأة تشكل جزءا عضويا من القضية الاجتماعية الشاملة في عصرنا, ويعتبرون المرأة العاملة عضوا في الطبقة العاملة قبل أن تكون أي شيء آخر تعاني الاستعباد والحرمان من الحقوق المدنية يضطرها النضال من أجل تحررها إلى النضال قبل كل شيء لتحرر طبقتها بأسرها ـ مع هذا كله, فالاشتراكيون يطرحون نقطة إضافية إلى جانب اعترافهم بذلك المبدأ الأساسي. وهي أن المرأة العاملة ليست فقط عضوا في الطبقة العاملة, بل إنها في الوقت ذاته ممثلة لنصف الجنس البشري. وعلى عكس دعاة النسوية, فالاشتراكيون الذين يطالبون بالحقوق المتساوية للنساء في الدولة والمجتمع, لا يغمضون أعينهم عن كون مسؤوليات المرأة تجاه المجتمع سوف تبقى مختلفة إلى حد ما عن مسؤوليات الرجل. فالمرأة ليست فقط عاملا ومواطنا مستقلا, بل إنها أيضا أم وحاملة الغد في أحشائها. وهذا ما يؤدي إلى سلسلة كاملة من المطالب الخاصة في مجالات مثل حماية عمل النساء, وضمانات الأمومة والطفولة, والمساعدة في تربية الأطفال, وإصلاح العمل المنزلي وما شابه.
و بالإضافة لذلك كله, فإننا نجد المرأة العاملة في وضع بائس في المجتمع والدولة في معظم البلدان. فالعاملة منبوذة حتى بين عبيد الرأسمالية الجدد [14], وهذا النبذ للنساء يولد عدم المساواة في الظروف الحياتية بين المرأة والرجل حتى ضمن الطبقة العاملة نفسها. فسواء في السياسة والأسرة أو في العلاقة بين الجنسين (البغاء, النفاق الأخلاقي...), أو في العمل نفسه, تحتل المرأة دائما «مركزا ثانويا». وإن حياتها كلها هي الشاهد الدافع على حرمانها من الحقوق.
طبيعي إذن أن يختلف تكوين المرأة العاملة النفسي عن تكوين العامل, تحت تأثير عبودية القرون. فالعامل أكثر استقلالا وحزما وشعورا بالتضامن. ثم إن أفقه واسع لأنه ليس سجين العلاقات العائلية الضيقة. فيسهل عليه بالتالي أن يعي مصالحه, وأن يربطها بالقضايا الاجتماعية. أما لكي تبلغ المرأة العاملة مرحلة نضج الآراء التي يبلغها العامل العادي، فهذا يعني أن تحقق قطيعة كاملة مع التقاليد والمفاهيم والقيم الأخلاقية والعادات التي تشكل جزءا لا يتجزأ من كيانها منذ نعومة أظافرها. ذلك أن التقاليد والعادات التي تسعى للمحافظة على نمط من النساء أنتجته أطوار النمو الاقتصادي السابقة, تتحول إلى عقبات كأداء في طريق بلوغ المرأة العاملة الوعي الطبقي. من هنا يمكن الخلوص إلى النتيجة الواضحة التالية: إن توعية المرأة العاملة, وبعث الحياة في إرادتها لا يكون إلا باعتماد أسلوب خاص في مخاطبتها, إلا باستخدام أساليب متخصصة للعمل بين النساء.
إن خصوصية هذه الوسائل تكمن في أنها تبقي على الصلات العامة بين الحركة العمالية النسائية والحركة العمالية العامة, لا بل تعمل من أجل انصهارها فيها عبر النضال, ودمجها معها تحت راية المهام والمطالب الطبقية العامة. غير أنها, في الوقت ذاته, تسمح بقيام جهاز خاص للتحريض معد خصيصا للنساء العاملات. ولهذا الفصل هدف مزدوج. يجب على هذه الهيئات الحزبية (لجان, مكاتب للنساء العاملات, وما شابه) أن يضطلع بعمل تحريضي متخصص متلائم مع مستوى مشاكل جمهور النساء ذي الوعي المتدني, وأن تنمي وعي العاملات, وترفعه إلى مستوى وعي الأعضاء الحزبيين, وتدفع بالنساء إلى حلبة الصراع الثوري. هذا هو الهدف الأول. أما الهدف الثاني فهو أن تتولى هذه الهيئات تمكين العاملات من طرح المطالب الخاصة بهن, بوصفهن نساء, والدفاع عنها: الأمومة, رعاية الأطفال, الحد الأدنى للأجور لعمل الأطفال والنساء, مكافحة البغاء, تخفيف أعباء العمل المنزلي, وغيرها.
ينتج عن ذلك أن تشكيل مجموعات من العاملات الحزبيات يخفف أعباء اجتذاب جماهير النساء الأدنى وعيا إلى صفوف الحزب, اللواتي ينبغي التحدث إليهن بلغة مختلفة عن اللغة المستخدمة مع الرجال. ومن جهة ثانية, فإنه ـ أي تشكيل وحدات من العاملات الحزبيات ـ يسمح بجذب اهتمام الحزب للمتطلبات الخاصة بالبروليتاريا النسائية.
تلك هي النتيجة التي توصلت إليها الرفيقات الأوروبيات تدريجيا. وسرعان ما تبنت معظم الأحزاب هذا الأسلوب في العمل. بدأت النمسا في عام 1908, وانكلترا عام 1906, والولايات المتحدة عام 1908, والبلدان السكاندينافية وبلجيكا وهولندا مع مطلع القرن العشرين. هذا وتوجد في سويسرا وفنلندا وفرنسا هيئات خاصة للنساء الاشتراكيات في كل مكان, تتولى العمل التحريضي بين العاملات وتركز اهتمام الأحزاب العمالية على ذلك الجزء من البرنامج الاشتراكي المتعلق مباشرة بمصالح النساء.
و بفضل هذا الأسلوب في العمل, أخذت الحركة العمالية النسائية تنمو وتتسع وتمد جذورها. وأخذ عدد العاملات المنظمات يرتفع في كل عام, لا بل أخذ ينمو بوتيرة أسرع نسبيا من وتيرة تزايد عدد الرجال المنظمين في الحركة الاشتراكية الديمقراطية. ففي ألمانيا, مثلا, كان الحزب لا يحوي عام 1907 أكثر من 10500 عاملة. فقفز هذا العدد عام 1908 إلى 24458، وإلى 62259 عام 1909, و82846 عام 1910, و107000 عام 1911, و130000 عام 1912, و150000 عام 1913. بكلمات أخرى, تضاعف عدد النساء في الحزب 15 مرة في غضون ست سنوات, بينما عدد الرجال بالكاد تضاعف مرتين. ففي عام 1907, كان عدد الرجال 600000, وارتفع عام 1913 إلى 830000.
مند زمن ليس بالبعيد, في المؤتمر الأممي للنساء الاشتراكيات المنعقد في شتوتغارت عام 1907, كان عدد العاملات المنظمات حزبيا من الضآلة بحيث أن معظم المندوبات لم يقدمن أي كشف بالأرقام حول عدد النساء في أحزابهن.
في ذلك الحين كانت إنكلترا تحتل المرتبة الأولى في عدد النساء العاملات المنظمات, إذ بلغ عدد العاملات في نقاباتها 150000 عاملة, في مقابل 120000 في ألمانيا, و42000 في النمسا, و15000 في المجر. أما بالنسبة للأحزاب, فإن نسبة النساء كانت أكثر انخفاضا. وكانت فنلندا الصغيرة البلد الذي يفاخر بأنه يضم أكبر نسبة من المناضلات الاشتراكيات-الديمقراطيات, غير أن هذه النسبة لم تكن تتعدى الـ 18000 عاملة.
و لقد ظهرت صورة مختلفة وأكثر إشراقا في المؤتمر الأممي الثاني للنساء الاشتراكيات المنعقد في كوبنهاغن في آب (أغسطس) 1910.
كانت ثلاث سنوات فقط قد مضت على انعقاد أول مؤتمر نسائي. ولكن, يا له من نمو هائل في جيش العاملات المساهمة بنشاط في النضال! في إنكلترا, كان عدد العاملات المنضويات في النقابات قد جاوز الـ 200000 عاملة, بينما بلغ في ألمانيا 131000 عاملة في النقابات و82645 عاملة في الحزب؛ وضم الحزب في النمسا 7000 مناضلة. كذلك ظهر تقدم ملموس في الحركة العمالية النسائية في بلدان أخرى.
و كدليل على مستوى تنظيم العاملات, نقدم الإحصائيات للسنوات الأخيرة قبل الحرب:
انكلترا (1911) في النقابات 292868 في عصبة المرأة العاملة 5000
ألمانيا (1910) في النقابات 161512 في الحزب الاشتراكي الديمقراطي 150000
النمسا (1911) في النقابات 47901 في الحزب الاشتراكي الديمقراطي 19000
فرنسا (1908) في النقابات 88906
إيطاليا (1908) في النقابات 41000 في الحزب الاشتراكي الديمقراطي 10711
هولندا (1910) في النقابات 24000 في الحزب 2943
سويسرا (1910) في النقابات 6000 في الحزب الاشتراكي الديمقراطي 1000
فنلندا (1910) في الحزب الاشتراكي الديمقراطي 17000
النروج (1909) في النقابات 3000 في الحزب 1500
لم نورد أعلاه معلومات عن عدد من البلدان ـ بلجيكا, إسبانيا, دنمارك, والسويد. ثم إن الكثير من الإحصائيات لا تقدم صورة دقيقة عن الوضع, لأن الزمن قد تجاوزها, ذلك أن حركة النساء العاملات أخذت تتقدم بخطوات سريعة في السنوات القليلة الأخيرة. لهذا يستطيع المرء أن يقول بدون مبالغة أن عدد العاملات المنظمات في أوروبا وحدها يبلغ المليون امرأة.
يكمن وراء هذه النجاحات التنظيمية الباهرة, ولا شك, عامل اقتصادي موضوعي: النمو المتسارع لليد العاملة النسائية الصناعية وخاصة في البلدان ذات الاقتصاد الرأسمالي الناشئ والسريع النمو نسبيا. ولكن بالإضافة لهذا العامل الموضوعي, فإن التأثير الحيوي الواعي للحزب على جماهير النساء والعمل المتخصص المنتظم الذي اضطلعت به التنظيمات الحزبية بنشاط ودأب, وخاصة في السنوات التي سبقت الحرب, قد لعب دورا مهما في تحقيق مثل هذه النجاحات.
و لكي نكوّن صورة أدق عن الوسائل التحريضية التي اتبعتها الحركة النسائية الاشتراكية, لا بد من دراسة تاريخ تلك الحركة بمزيد من التفصيل. وتشكل ألمانيا البلد النموذجي في هذا الصدد. فالبلدان الأخرى تكرر, مع بعض التعديلات, تجربة الحركة الاشتراكية الألمانية وتستعير منها النموذج الأساسي لعملها مع البروليتاريا النسائية.
كانت إنكلترا في مطلع القرن التاسع عشر مهد الحركات النقابية النسائية (إذ بدأت عاملات الغزل في لانكشاير تنضم إلى نقابات الغزل والنسيج منذ عام 1824), وبذلت في السبعينات من ذلك القرن محاولة أولى, بمبادرة من باترسون, لتوحيد النقابات النسائية المبعثرة في «عصبة حماية المرأة العاملة» (التي تحولت فيما بعد إلى «عصبة النقابات النسائية ـ العصبة النقابية») واستطاعت أن تربط أطراف الحركة بعضها ببعض وتؤمن الحد الأدنى من التماسك بينها. ولكن إذا كانت العاملات الإنكليزيات أول من خرج للدفاع عن الحقوق الاقتصادية المهضومة للنساء, فإن الاشتراكية الديمقراطية الألمانية هي التي حملت في أحشائها الحركة الحزبية السياسية للعاملات.
و مهما تكن أهمية النجاحات التي أحرزها التنظيم النقابي للعاملات في انكلترا, فقد ظلت هذه الحركة مطبوعة بطابع اقتصادي ضيق. فلم تعرف النقابات المختلطة ولا النقابات النسائية المستقلة أي نقاش حول المهام الاجتماعية العامة المتعلقة بتحرر النساء, ولا حول المصالح الحيوية للعاملات, بوصفهن نساء وأمهات. كانت النساء تنضم إلى الحركة النقابية فقط من أجل المكاسب العملية السريعة في مجال العمل ليس في انكلترا وحدها وإنما أيضا في بلدان أخرى كألمانيا وفرنسا وأميركا. واقتصر النقاش وطرح القضايا الاجتماعية العامة التي تمس مصالح النساء على الحركة النسوانية الصاعدة. غير أن النسوانية حرّفت مطالب العاملات وعرضتها للعالم بشكل مشوه, في صيغ عقيمة لا حياة فيها تتحدث عن المساواة المطلقة في الحقوق بين الرجال والنساء في شتى ميادين الحياة. ولا تزال الحركة النسائية العمالية في انكلترا تحمل حتى الآن آثار تلك الازدواجية. ففي المجال الاقتصادي, تناضل المرأة العاملة, بوصفها رفيقة واعية, من أجل مصالح طبقتها. ولكن نجد, في المقابل, أن العاملة المتدنية الوعي تظل متمسكة, في أفكارها الاجتماعية والسياسية, بأفكار «دعاة حق الاقتراع للنساء», لا بل إنها مستعدة للدفاع عن مبدأ مساواة النساء ولو على حساب مصالحها الطبقية.
كانت الحركة العمالية النسائية في ألمانيا مختلفة تماما. صحيح أن تنظيم العاملات كان مرتكزا في الستينات والسبعينات على النقابات بالدرجة الأولى, غير أن الزيادة الكبيرة في حجم القوة العاملة النسائية نتيجة تسارع وتيرة النمو الرأسمالي في ألمانيا, أجبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الناشئ على تحديد موقف واضح من مسألة المرأة.
كان ثمة وجهتا نظر تتصارعان داخل التنظيمات العمالية: فالبعض ينظر إلى عمل النساء المهني بوصفه انحرافا عن «النظام الاجتماعي الطبيعي» ويأمل في إجبار النساء على العودة إلى البيوت بواسطة التشريعات القسرية. أما البعض الآخر, فقد قَبِل بالظاهرة على أنها مرحلة حتمية تقود المرأة إلى تحررها النهائي, بوصفها بائعة لقوة عملها وامرأة في آن معا.
ولقد لعب كتاب بيبل «المرأة والاشتراكية» الذي صدر عام 1879 دورا حاسما في هذا المضمار. إذ ألقى الضوء الكاشف على تعقيد مسألة المرأة, وفتح الآفاق الجديدة أمام الاشتراكيين الديمقراطيين. كذلك أقام الكتاب المذكور صلة وثيقة بين مسألة المرأة وبين الهدف الطبقي العام للعمال. غير أنه نبه, في الوقت ذاته, إلى الحاجات والمطالب الخاصة بالنساء, وإلى السمات المميزة للمرأة بوصفها امرأة. إن هذا الاعتراف بالوضع الخاص للمرأة في المجتمع الحديث قد استوجب الاعتراف بأنه يوجد مجال للعمل ضمن البروليتاريا النسائية, بدون أن يُعتبر مثل هذا الاعتراف تخريبا لوحدة الحزب.
جرت أول محاولات لبناء تنظيمات نسائية اشتراكية في ألمانيا في أواسط الثمانينيات (من القرن الماضي). بمبادرة من وليام-شاك, المناضلة النسوية السابقة التي انضمت إلى الاشتراكيين الديمقراطيين, تأسست جمعيات للتثقيف الذاتي ونواد للعاملات في برلين. لكن الثمانينيات في ألمانيا كانت حقبة حالكة السواد, يطبق فيها قانون تعسفي يحظر النشاط الاشتراكي. فإذا بقوات القمع تدمر بلا رحمة منظمات بريئة, بذلت جهود جبارة لبنائها. وهكذا فإن القانون الخاص لعام 1887 سرعان ما قضى على البدايات الأولى للجمعيات النسائية الاشتراكية.
مع هزيمة هذا القانون الذي يحظر النشاط الاشتراكي, توطدت الحركة العمالية الألمانية بسرعة, وانتعشت معها الحركة العمالية النسائية. ولم تفتح أبواب النقابات أمام النساء وحسب, وإنما اختيرت امرأة أيضا رئيسة «اللجنة العامة للنقابات». أما بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي, فقد اتخذ هذا موقفا واضحا من مسألة المرأة في مؤتمر أرفورت. وإذا بالبرنامج الصادر عن ذلك المؤتمر, عام 1891, لا يشدد فقط على المطالبة بالحقوق السياسية لجميع المواطنين بدون تمييز بين رجل وامرأة, وإنما يرفع أيضا, في بنده الخامس, مطلبا محددا لمصلحة النساء. «إلغاء كافة القوانين التي تميز, حياتيا, بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالحقوق السياسية أو المدنية». هذا إقرار هام بحقوق النساء. فهو يعني أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي أخذ على عاتقه مسؤولية الدفاع عن مصالح نساء الطبقة العاملة, بالمعنى العام للكلمة. فلم تعد المسألة مسألة تحسين ظروف عمل المرأة, وإنما باتت أيضا مسألة تحررها كمواطن وإنسان.
انسجاما مع هذا الهدف المعلن الجديد, اضطر الحزب إلى تعديل أنظمته الداخلية لإفساح المجال أمام مشاركة النساء في العمل الحزبي. وكان مؤتمر الهال عام 1890 قد أقر توصية حول تولي النساء رئاسة المؤتمرات أجازت انتخاب النساء كرئيسات للاجتماعات الخاصة بالنساء.
وفي مؤتمر برلين, قدمت منظمة برلين النسائية تعديلا يقضي باستبدال منصب «الأمين السر الرجل» بمنصب «أمين السر» فقط, بحيث يتاح للنساء احتلاله. وطالبت منظمة نسائية ثانية, هي منظمة مانهايم, بتوسيع العمل التحريضي بين النساء. غير أن الخطوة الحاسمة بالنسبة لوسائل العمل الحزبي بين العاملات جاءت في مؤتمر غوثا, عام 1896. أثارت كلارا زتكن موضوع العمل الحزبي بين العاملات, وأرست قواعد قيام عمل حزبي متخصص ومستقل بين النساء. وفي سعيها لرسم الحد الفاصل بين مفاهيم المساواة التي يحملها المعسكر البرجوازي والمفاهيم النسائية الاشتراكية, أصرت كلارا زتكن, في توصية صيغت بعبارات كلاسيكية, على أن يركز التحريض بين النساء, بالإضافة لدعوته للأهداف العامة للحزب, على سلسلة كاملة من «القضايا النسائية» المحض, مثل حماية العمل وضمان الولادة ورعاية الأطفال وتربيتهم والتثقيف السياسي للنساء والمساواة السياسية للنساء وغيرها. وأقرت التوصية البدء بنشر الأدبيات والكرّاسات والبيانات الخاصة بالنساء. وبالإضافة لهذه التوصية التاريخية, التي حكمت العلاقة بين الحزب والحركة العمالية النسائية وقضاياها, فقد أقر المؤتمر ثلاث توصيات تكمل الواحدة منها الأخرى وتحدد, على نحو حاسم, الخط الجديد الذي يتبعه الحزب في مجال تنظيم العاملات.
و قد طالبت توصية تنظيم برلين بتكثيف العمل التحريضي بين النساء من أجل اجتذابهن إلى النقابات, نظرا لكون القانون يمنع النساء من الانضمام علنا إلى الحزب. أما التوصية الثانية, فكانت تتعلق بالمجال التنظيمي, وطالبت باعتماد منصب حزبي جديد هو «أمينة السر النسائية» المسؤولة عن العمل التحريضي المنتظم بين النساء من أجل رفع مستوى وعيهن الطبقي واجتذابهن إلى صفوف الحزب. واقترحت التوصية الثالثة الانعقاد الفوري للاجتماعات النسائية العامة من أجل انتخاب «أمينات السر للنساء».
بذلك يكون مؤتمر غوثا قد افتتح مرحلة العمل الحزبي لتنظيم النساء والتحريض المنتظم في صفوف البروليتاريا النسائية.
نما العمل على النحو المرسوم أعلاه بسرعة وثبات. وجاءت المؤتمرات اللاحقة لتدخل تعديلات طفيفة إلى مسألة تنظيم النساء العاملات والعمل التحريضي بينهن. ويمكن القول بشكل عام أن الحزب ظل ملتزما بخطة عمله التي وضعها في مؤتمر غوثا. صحيح أن عقبة كأداء كانت تعترض تطور الحركة الاشتراكية النسائية في ألمانيا, هي القانون الذي يحظر على النساء الانضمام العلني إلى الحزب. غير أنه في الأمكنة حيث لم يكن يوجد تشريع محلي يحظر على النساء المساهمة في الحركات السياسية ـ في بادن مثلا وورتنبرغ وساكسوني وهيسين وبعض الدويلات والمدن الحرة كبريمن ولوبيك وهامبورغ ـ انضمت النساء علنا إلى الحزب. أما في الأمكنة الأخرى, فقد انضممن للعمل السياسي تحت ستار «جمعيات التثقيف الذاتي للعاملات» أو التففن حول «أمينات سر للنساء» في مجموعات حرة غير منتظمة. وعلى الرغم من ذلك, فإن نظام «أمينات السر للنساء» ورئاسة النساء للمؤتمرات وصدور مجلة نسائية, «غلايشهايت» (المساواة) ـ كل هذه سمحت للحركة النسائية الاشتراكية بأن تكون وثيقة الارتباط بالحركة العامة للطبقة العاملة وأن تبقى تحت تأثير الاشتراكية الديمقراطية, مع أنها ظلت تنمو خارج أطر الحزب.
ومع أن الحزب عدل نظامه الداخلي في مؤتمر ماينز عام 1900, مستبدلا نظام «أمين السر» بنظام اللجان المحلية, فإن التعديلات لم تؤثر في تنظيم النساء البروليتاريات. وأقر مؤتمر ميونيخ عام 1902 الإبقاء على منصب «أمينة السر لشؤون النساء», وجرى تكليف أمينات السر بمهمة تنظيم النساء العاملات ومواصلة العمل التحريضي في صفوفهن. وأقر مؤتمر ماينز منصب أمينة السر المركزية لعموم ألمانيا. وهكذا تمكنت الحركة النسائية الاشتراكية من أن تخطو خطوات جبارة منذ مؤتمر غوثا. ومع مؤتمر ماينز, عام 1900, عقد المؤتمر الأول للنساء الاشتراكيات. وبعده, صارت المؤتمرات تنعقد دوريا في ألمانيا, مرة كل سنتين: في ماينز عام 1900, في ميونيخ عام 1902, في بريمان عام 1904, في مانهايم عام 1906, في نورنبرغ عام 1908, وفي يينا عام 1911. وجاءت مؤتمرات العاملات كجواب طبيعي على تنامي المطالب التي طرحتها الحياة نفسها. ولم يعد بالإمكان تأجيل البت بمسألة حق التصويت للنساء في الرايخشتاغ (المجلس الفدرالي) أو في اللاندتاغ (المجالس المحلية), أو بمسألة الأمومة المعقدة والمعلقة مند زمن. وكان لا بد من البت في قضايا أخرى معلقة كقضية تربية الأطفال قبل بلوغهم سن الدراسة, وحماية عمل الأطفال والنساء, وإصلاح المدارس، وإصلاح العمل المنزلي, وتنظيم خادمات البيوت, وتحديد أجورهن, وتحقيق الضمان الاجتماعي للأمهات وأطفالهن, والنضال ضد ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال, الخ.
و هذه كلها قضايا تمس العاملات مسا مباشرا, لالتصاقها بحياتهن. وقد تولدت عن هذه القضايا مطالب جديدة. وقد درست مؤتمرات النساء الاشتراكيات كافة هذه المطالب وناقشتها وحددت صياغتها, فدفعت الحزب بذلك إلى أن يدرس بمزيد من العناية والتمعن الحاجات والتطلعات الخاصة بالنساء. وهكذا تحولت المؤتمرات النسائية إلى لجان خاصة تولت تحضير المواد للمؤتمرات العمالية العامة حول الشؤون الخاصة بالنساء. فنشأ داخل الحزب تقسيم عمل محدد, لا شك في أن الحركة العمالية العامة أفادت منه كثيرا.
يُنظر عادة إلى استقلالية الحركة النسائية الاشتراكية في ألمانيا على أنها وليدة خطط تكتيكية سياسية وحسب, ردا على القانون الذي يحظر على النساء الانضمام إلى المنظمات السياسية. هذه الفكرة خاطئة. صحيح أن قانون الاتحاد والتنظيمات أجبر الحركة النسائية الاشتراكية على تكوين هيئات غير حزبية كـ «جمعيات التثقيف الذاتي للنساء العاملات». غير أنه مع تزايد عدد العاملات الواعيات سياسيا, وجد الحزب طريقة للتحايل على القانون, فانطلق من وحدة الحركة العمالية ليطالب النساء بالانضمام إلى هيئاته بوصفهن «متبرعات متطوعات» للحزب, وما لبثت هذه التبرعات أن أصبحت دورية, وتحولت بذلك إلى اشتراكات لعضوية الحزب. غير أن الحزب أبقى على منصب أمينة السر للنساء, وعلى الاجتماعات النسائية الخاصة, والمكتب النسائي المنفصل الذي يصدر صحيفته الخاصة ـ غلايشهايت ـ كما أبقى على المؤتمرات النسائية وغيرها.
و أخيرا, عندما ألغي قانون الاتحادات والتنظيمات البروسي في عام 1908, وبات بإمكان العاملات الانضمام إلى الحركة السياسية للاشتراكيين الديمقراطيين, زالت العقبات أمام إلغاء العمل الخاص بين النساء. فهل فعل الحزب ذلك؟ هل تخلى عن أساليبه السابقة بين البروليتاريا النسائية؟
بالعكس تماما. بعد مراجعته الجذرية لنظامه الداخلي في مؤتمر نورنبرغ عام 1908, أجاز الحزب للحركة النسائية الاشتراكية الاحتفاظ باستقلالها الذاتي شرط ألا يتعارض مع وحدة الحركة الطبقية.
و اعتبر الحزب أنه من واجب العاملات الانضمام إلى الحزب كعضوات مساويات للرجال, لكنه أقر رسم اشتراك أدنى من الرسم المفروض على الرجال, بسبب انخفاض أجور النساء. وعلى الرغم من إلغاء منصب «أمينة السر للنساء», فقد اعترف النظام الداخلي بضرورة إيجاد تمثيل خاص للنساء في كل لجنة حزبية, حسب نسبة العضوية النسائية في القطاع المعني بالأمر. واعتبر أنه في كافة الأحوال, يجب أن يوجد عضو واحد على الأقل في اللجنة الحزبية تنتخبه النساء, ويكون مسؤولا عن العمل التحريضي والتنظيمي بين العاملات. وتقرر أن تتمثل النساء في اللجنة المركزية للحزب, وأبقى على المكتب النسائي للحزب, وإلى جانب الصحيفة المركزية للنساء العاملات، غلايشهايت, صدرت سلسلة من المنشورات النقابية والمحلية المكرسة لمصالح العاملات ومطالبهن. كذلك أبقى النظام الداخلي على الاجتماعات الخاصة بالنساء (دروس, سهرات نقاش), وعلى «جمعيات التثقيف الذاتي» حيث تدعو الحاجة, كما أبقى, أخيرا, على المؤتمرات النسائية.
من هنا, فالتغيير الذي طرأ على قانون الاتحادات والتنظيمات لم يؤد إلى تغيير في طابع وأسلوب العمل الحزبي في ألمانيا. بل بالعكس, فإن تقسيم العمل داخل الحزب حول العمل التحريضي بين النساء, في السنوات التي سبقت الحرب مباشرة, قد أفسح أرحب المجال أمام نمو وتطور المطالب النسائية الخاصة بالعاملات. ويكفي أن نذكر في هذا الصدد «يوم المرأة» والتحريض من أجل حق الاقتراع للنساء ومحورهما وسيلة جديدة في إثارة اهتمام العاملات بالسياسة, وتثقيفهن في أمور الاجتماع الثوري انطلاقا من حرمان العاملات من الحقوق المدنية.
ونما الفرع النسائي في الحزب العمالي الألماني سنة بعد سنة, وتنوعت نشاطاته. والحزب مدين, ولا شك, لمبادرة العاملات بالنسبة لعدد واسع من الفعاليات الدائرة حول قضايا أكلاف المعيشة, وضمانات الأمومة, وتوسيع حق الاقتراع في البلديات. وقد أخذت العاملات على عاتقهن قسطا كبيرا من العمل أيام انتخابات الرايخشتاغ (المجلس الفدرالي الألماني) في يناير 1912, ولعبن دورا فعالا في انتخابات «صندوق التعويض عن المرض», وخضن تحريضا لا هوادة فيه من أجل اجتذاب النساء إلى الحزب, فعقدن الاجتماعات, ونظمن سهرات النقاش للنساء في كل مكان وصفوف الدراسة المتخصصة, الخ. ففي عام 1912, نظم المكتب النسائي 66 رحلة تحريضية عبر ألمانيا, بالإضافة إلى العمل التحريضي الذي قامت به العاملات في المقاطعات الريفية. فعقدن 22 مهرجان نسائي في الهواء الطلق, فضلا عن سهرات النقاش الدورية والدروس التثقيفية. وتمثلت النساء في 646 لجنة قطاعية (من أصل مجموع قدره 4827 لجنة). وكانت صحيفة غلايشهايت (المساواة) تطبع 107000 نسخة. وارتفع عدد النساء المنضمات إلى الحزب خلال ذاك العام إلى 22500 عضوة.
بالإضافة إلى العمل التحريضي في الاجتماعات, خاضت المناضلات الاشتراكيات نضالا تحريضيا خاصا بين «زوجات العمال» في البيوت, وأسفر هذا النضال عن نتائج رائعة. وكانت لجان رعاية الأطفال تعج بالنساء. وبلغ عددها 125 لجنة قبل الحرب, وكانت نشاطاتها متسعة باستمرار.
هكذا تبنت الحركة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية, بغض النظر عن تأثير الظروف الخارجية, مبدأ العمل الخاص المستقل بين البروليتاريا النسائية, المرتكز إلى قاعدة «قسمة العمل» داخل الحزب.
وكان الاشتراكيون الديمقراطيون النمساويون في نفس وضع الحزب الألماني, لجهة الحظر القانوني على انضمام العاملات للتنظيمات السياسية, فسلكوا سبيلهم الخاص, إلى حل مشكلة مشاركة النساء في الحركة العمالية.
فشكلوا لجنة خاصة دعيت اللجنة العامة لشؤون النساء التي كانت رسميا خارج الحزب, لكنها مرتبطة به أيديولوجيا. وابتداء من المؤتمر الثاني للنساء العاملات، المنعقد عام 1903, أدرجت مسألة «دور المرأة في النضال السياسي» على جدول الأعمال. وعلى الرغم من أن المؤتمر وافق على توسيع العمل الدعائي بين العاملات, ومن اتخاذه قرارا بتكوين لجان نسائية محلية لهذا الغرض, فإن مساهمة النساء في العمل السياسي كانت تتقدم ببطء وبصعوبة. غير أن الحركة العارمة للعمال النمساويين من أجل إصلاح القانون الانتخابي في عام 1905 شكلت حافزا جديدا للعمل النسائي. فانجذبت النساء إلى النضال, وشاركن في الإضراب العام, مما دفع باللجنة العامة لشؤون النساء إلى أن تتقدم من لجنة الحزب ولجنة النقابات بمشروع لتنظيم العمل بين العاملات على أساس الخطوط التي رسمها الحزب الألماني. وقد أقر مؤتمر الحزب عام 1907 مبدأ إنشاء فرع خاص للتحريض النسائي تابع للحزب؛ ومع انعقاد المؤتمر الثالث للنساء العاملات، في عام 1908، بدأ العمل المستقل في صفوف البروليتاريا النسائية في النمسا مستلهما النموذج الألماني. ولم يغير في الأمر شيئا إلغاء القانون الذي كان يحظر على النساء الانضمام على التنظيمات السياسية عام 1910.
في انكلترا, اضطلعت العصبة العمالية النسائية داخل حزب العمال بمهمة التحريض المستقل بين العاملات. ولكن الحزب الاشتراكي الديمقراطي البريطاني قد أنشأ في عام 1906 لجنة نسائية لهذا الغرض نفسه. وفي عام 1908, أنشأ الحزب الاشتراكي الأميركي بدوره منظمة للعاملات في أميركا لاقت نجاحا مرموقا. وفي سويسرا, أسست كلارا زتكن اتحاد النساء العاملات الذي ضم 15 فرعا, وأخذ على عاتقه شتى أشكال العمل لنشر الدعاية الاشتراكية بين العاملات قبل الحرب. والواقع أن فنلندا والسويد والنروج والدنمارك وهولندا ـ كلها اعتمدت اللجان الحزبية النسائية والمكاتب وأمانات السر النسائية. وشهدت فرنسا في السنوات الأخيرة محاولة لإنشاء تنظيمات حزبية نسائية مشابهة. وإلى جانب هذا الأسلوب في تنظيم العاملات في مختلف الأقطار ـ الولايات المتحدة, انكلترا, هولندا, السويد ـ استمرت منظمات خاصة, تقع رسميا خارج الحزب, لكنها كانت هي أيضا تحت القيادة الإيديولوجية للاشتراكيين الديمقراطيين. وشمل هذا الأسلوب في التنظيم جمعيات التثقيف الذاتي للعاملات, واتحادات التوعية وغيرها. وكان الهدف منها إما «تمهيد الطريق» للانضمام للحزب, بواسطة الدعاية في أوساط أشد الجماهير جهلا وتخلفا، وإما تعميق الوعي النظري عند العاملات, وتدريب القوى الاشتراكية الفتية للعب الأدوار القيادية في الحركة الطبقية.
في روسيا, بذلنا نحن أيضا المحاولات لإنشاء منظمات من هذا النوع. وكانت أول محاولة في ربيع عام 1906, عندما فتحنا نوادي النساء العاملات, في بعض نواحي بتروغراد, دون أخذ إذن مسبق بذلك. وجاء حل مجلس الدوما الأول ليجبر هذه النوادي على إغلاق أبوابها.
جرت المحاولة الثانية في خريف 1907, عندما بادر الاشتراكيون الديمقراطيون إلى تأسيس جمعية التثقيف الذاتي للعاملات, كان هدفها اجتذاب أوسع جماهير النساء ذوات الوعي المتدني إلى الحركة الطبقية, وإدخالهن إلى الاتحادات النقابية وإلى الحزب.
لكن النظام القيصري قضى على هذه المحاولات قبل أن تجني ثمارها. ففي عام 1909, اضطرت الحركة العمالية إلى الالتجاء للعمل السري مرة ثانية. غير أن ذلك لم يمنع العاملات الاشتراكيات الديمقراطيات من حضور أول مؤتمر نسائي لعموم روسيا, دعت له حركة الحقوق المتساوية البرجوازية عام 1908. وتمثلت العاملات الاشتراكيات الديمقراطيات في هذا المؤتمر بوفد طبقي متميز ضم 45 امرأة. وبعد أن قدم الوفد مشاريع توصياته التي أقرها المؤتمر, انسحبت العاملات من مؤتمر «بنات الذوات» هذا.
في عام 1913, قررت الحركة الاشتراكية الديمقراطية عقد يوم المرأة في روسيا. ويمكن اعتبار هذا الحدث بدء إدراك الطبقة العاملة الروسية لضرورة القيام بعمل خاص بين البروليتاريا النسائية. فمقتضيات الفاعلية وحدها تملي مثل هذا التقسيم للعمل. ذلك أن موقع العاملات في المجتمع الحديث, والمسؤوليات الخاصة التي تتحملها النساء كأمهات وربات بيوت تملي ضرورة اعتماد وسيلة تحريض خاصة للعمل بين البروليتاريا النسائية.
والواقع أن الحركة العامة للطبقة العاملة هي التي تستفيد من مثل هذا التقسيم للعمل, أي من التحريض الخاص بين العاملات, ما دام الاهتمام المتزايد بمصالح وحاجات النساء يضاعف من شعبية الحزب بين العاملات, ويشجع النساء على الانضمام إلى الهيئات الحزبية. وهكذا, فإن قيام جهاز حزبي خاص للعمل بين النصف النسائي من الطبقة العاملة لا يضر إطلاقا بوحدة الحركة الطبقية. بل بالعكس تماما, فهو يمد الحزب العمالي بأعداد من المناضلين الجدد, ويوطد قوته, ويوسع بذلك من مجال عمله الاجتماعي الخلاق حتى في مجال حل مسألة معقدة ومرتبكة كـ «مسألة المرأة».
أشكال تنظيم العاملات في الغرب
إن الأشكال التنظيمية التي اعتمدتها حركة البروليتاريا النسائية في مختلف البلدان هي من التنوع والتعقيد بحيث يصعب الإحاطة بها كليا في هذا العرض الموجز. ويعود هذا التنوع, بالدرجة الأولى, إلى تمايز الظروف الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل بلد. لكنه يعود أيضا, ولو جزئيا, إلى الدور الواعي الذي لعبته الطبقة العاملة والحركة العمالية النسائية. ولا يجوز أن يغيب عن بالنا أن حركة البروليتاريا النسائية في كل البلدان تقريبا, لا تزال في طورها الجنيني, وهي مرهونة, في تطورها, بجو «التأييد» أو «اللامبالاة» الذي تلقاه في أوساط رفاقها الطبقيين الذين ساروا قدما في طريق النضال الطويل من أجل مستقبل أفضل.
هذا وقد عبرت الحركة البروليتارية النسائية عن نفسها بأشكال نموذجية هي التالية:
أولا, النقابات. وهي على نوعين: النقابات المختلطة التي تضم الرجال والنساء معا؛ والنقابات النسائية. في عام 1824, انضمت عاملات الغزل في لانكشاير [15] إلى نقابة عمال الغزل والنسيج. وعلى الرغم من أن النساء كن محرومات من الحقوق المتساوية للرجال (إذ لم يكن يحق لهن, لفترة طويلة من الزمن, المشاركة في قيادة النقابات الانكليزية أو الترشح إلى المناصب النقابية وغيرها), فإن مساهمتهن في النضال الاقتصادي كان له أهمية تعليمية ضخمة, مهدت الطريق أمام انطلاقة الحركة النسائية الاشتراكية فيما بعد.
أما النوع الثاني من النقابات, التي تقتصر عضويتها على النساء, فقد نما بالدرجة الأولى بسبب المواقف العدائية للعمال الذكور تجاه منافسة العمل النسائي؟ غير أنها تغذت من حركة تحرر المرأة النامية في أوساط الطبقات البرجوازية. فمع السبعينيات, أسست السيدة باترسوف, عصبة حماية العمل النسائي التي عملت لمدة طويلة بالتعاون مع حملة المساواة في الحقوق ذات الطابع البرجوازي, ولم تتحول إلا لاحقا إلى عصبة للنقابات النسائية. ثم انضمت هذه العصبة إلى الاتحاد النقابي العمالي العام, وهي الآن آخذة بالتحرر تدريجيا من تأثير الحركة النسوانية.
إن المنظمات النقابية المقتصرة على النساء تشمل كافة البلدان تقريبا (الولايات المتحدة الأميركية, فرنسا, الدنمارك, ألمانيا, الخ) رغم أنها تتلاشى تدريجيا, وبفعل مفعول حتمي, لتحل محلها النقابات المختلطة. الواقع أن للنقابات مهمة محددة ـ النضال من أجل المصالح الاقتصادية لأفراد الطبقة العامة. وهذه المصالح الاقتصادية هي بالضبط المصالح التي تجمع, في وحدة واحدة لا تنفصم, الرجال والنساء من أبناء البروليتاريا. من هنا, فإن أي تمييز بن الجنسين على هذا الصعيد هو تمييز مصطنع, ويسير باتجاه معاكس تماما لمصالح العمال, ولا يؤدي إلا إلى التفريط بالأهداف المباشرة للنضال النقابي. ومع وعي البروليتاري, اعتمادا على تجربته الخاصة, لوجود هذه الوحدة في المصالح, وقبوله بانضمام النساء العاملات إلى منظماته, لا بل اتخاذه كافة الخطوات اللازمة لاجتذابهن إليها, يزول مبرر وجود النقابات الخاصة بالنساء.
و يعود استمرار النقابات النسائية إلى يومنا هذا لعاملين اثنين: (1) وجود مهن يقتصر العمل فيها على النساء. (2) وقوع هذه النقابات النسائية تحت تأثير النزعة النسوانية البرجوازية المضرة دائما وأبدا بالنضال من أجل الوحدة الطبقية للبروليتاريا.
ثانيا, التنظيمات الاشتراكية الساعية إلى تحقيق أهداف سياسية وطبقية عامة. ذلك هو الشكل التنظيمي الثاني للحركة البروليتارية النسائية. وهو أيضا على نوعين. أولهما, المنظمات المستقلة للعاملات كجمعيات التثقيف الذاتي ونوادي العاملات وروابط التوعية وغيرها. وهذه موجودة خارج أطر الحزب, رغم أنها تعمل بالتعاون الوثيق معه وتحت قيادته الإيديولوجية. حتى إن بعض هذه المنظمات, مثل «الجمعيات التثقيفية لنساء وفتيات الطبقة العاملة», التي كانت واسعة الانتشار في ألمانيا حتى عام 1908, أو الجمعية الاشتراكية النسائية في نيويورك, ونوادي النساء العاملات في السويد لا تهدف إلا إلى الدعاية في أوساط الجماهير الأشد جهلا وتخلفا لاجتذاب أعضاء جدد إلى الحزب. أما المنظمات الأخرى, مثل نوادي النساء الاشتراكيات في هولندا, فهي تضم عاملات بلغن درجة من الوعي السياسي, يجري تعميقه بواسطة التثقيف النظري والعملي تمهيدا لاضطلاعهن بالعمل الحزبي العام. وكلا هذين الفرعين من العمل النسائي الاشتراكي آخذ بالتلاشي حاليا, لعدم جدواه وعدم استجابته للتحول الثوري الذي يجمع ويلحم البروليتاريا من الجنسين في وحدة طبقية واحدة.
أما النوع الثاني من المنظمات الاشتراكية النسائية, فيضم المنظمات التي تشكل فروعا من الحزب ذاته. هذه ليست خارجة عن الحزب, وإنما تقع في داخله كهيئات وأجهزة خاصة ـ لجان, مكاتب, أمانات سر ـ يوكل إليها الحزب مهمة خاصة تتعلق بخدمة البروليتاريا النسائية. وهذا النوع من التنظيمات فعال ومجد. وتقوم هذه الأجهزة المتخصصة بنشاطات كثيفة ومتعددة الأوجه, وخاصة في ألمانيا.
وتقع على عاتق هذه الأجهزة المتخصصة مهمة «توسيد التربة لجني الحصاد الاشتراكي». ذلك أنها تدرب القوى الفتية للعب دورها «كقيادات نسائية», والمشاركة في إصدار صحيفة الحزب النسائية, ورعاية أطفال الطبقة العاملة (وكمثال على ذلك, نذكر لجنة رعاية الطفولة في ألمانيا, أو اللجان الانكليزية المعنية بتلامذة المدارس, وبتقديم «الحساء الساخن» لأبناء العمال, وتنظيم المخيمات الصيفية، وغيرها), وأخيرا, تنظيم فعاليات سياسية خاصة متعلقة بحق النساء في الاقتراع ـ كما حدث عام 1908-1909 في بروسيا بصدد الإصلاحات الانتخابية. وبالإضافة لذلك, تضطلع المكاتب واللجان وأمانات السر النسائية بمسؤولية عقد الاجتماعات النسائية, وتنظيم الدروس الخصوصية, والدعوة والتحضير للمؤتمرات النسائية, ونشر الكراسات والبيانات ـ باختصار, مسؤولية الاضطلاع بكافة أوجه العمل الواسع لنشر الدعاية والتحريض في صفوف البروليتاريا النسائية.
حاليا لا يكاد يوجد حزب اشتراكي ديمقراطي في بلد من البلدان لا يخصص أجهزة خاصة من أجهزته للعمل بين النساء. ويشعر الاشتراكيون في شتى أنحاء العالم بضرورة هذه الاستقلالية التي تمليها مقتضيات الفعالية. ذلك أن وضع المرأة المميز في المجتمع المعاصر لا يؤدي إلى نشوء مصالح خاصة بالبروليتاريا النسائية وحسب (ضمان الأمومة والطفولة, تحقيق المساواة في الحقوق المدنية والسياسية, إصلاح العمل المنزلي, وغيرها), وإنما يتطلب أيضا إحداث تعديلات هامة في أسلوب الدعاية والتحريض في صفوف النصف النسائي من الطبقة العاملة. وبديهي أن مثل هذا التخصص لا يعرض وحدة الحركة الطبقية لأي خطر. بل بالعكس تماما. فبفضل الجهود التي تبذلها الحركة الاشتراكية الديمقراطية, وقيادتها, تنخرط الحركة البروليتارية النسائية بالحركة الطبقية العامة ويرتفع مستواها, مثلما الجدول الرافد يصب في النهر الكبير.
وها إننا قد بلغنا طورا لم تعد الحركة الاشتراكية الديمقراطية العالمية تضع موضع التساؤل الجدوى من العمل الخاص بين النساء. غير أن الحذر من تأثير «النزعة النسوية», فرض على الاشتراكيين والاشتراكيات على حد سواء, التخوف من مثل هذا التقسيم للعمل طوال فترة زمنية مديدة.
على الرغم أن الحركة الاشتراكية الديمقراطية أيدت, منذ ظهورها, حقوق النساء نظريا ومبدئيا, واتخذت الخطوات العملية للدفاع عن مصالح العاملات, إلا أنها لم تبذل أي جهد خلال سنوات, ولا هي اعتمدت أي وسيلة لإيقاظ وعي جماهير النساء الغافلة المستسلمة. وإذا كان العمال الذكور المنظمون في نقابات وأحزاب قد نجحوا في كسب بعض الحقوق التي تحسن ظروف معيشة وعمل العاملات, فقد فعلوا ذلك دون مساهمة من العاملات, وإنما بالنيابة عنهن. وكان ذلك الخطأ الأساسي.
نستثني من ذلك بعض الحالات المعزولة. مثل لويزا اوتا في ألمانيا, التي خطبت في «أخوية» [16] للعمال, عام 1848, وأشارت إلى ضرورة إشراك النساء في التنظيمات العمالية. والعاملة هنريبتا لو, المرأة الوحيدة العضوة في المجلس العام للأممية الأولى, التي بذلت جهودا ملموسة لتنظيم العاملات في إنكلترا. غير أن محاولات هذه وتلك باءت بالفشل, واصطدمت بلامبالاة الرفاق العمال وبعقبات سياسية خارجية. وبالإضافة لذلك كله, يجب تذكر الموقف العدائي من منافسة العمل النسائي الذي غلب لفترة طويلة على مشاعر البروليتاريين الذكور, ودفع بالعديد من النقابات إلى إقفال أبوابها في وجه النساء. إن هذا الموقف العدائي, هذا الفهم الخاطئ والضيق الأفق لمصالح العمال, لا يزال قائما حتى الآن, تتردد أصداؤه في إنكلترا, والبلاد السكاندينافية, وفرنسا, وحتى ألمانيا. غير أن المفاهيم السليمة عن وحدة الحركة الطبقية, المتوافقة فعلا مع المصالح الحقيقية للطبقة العاملة ككل, أخذت تفرض نفسها وتحفر طريقها ببطء ولكن بانتظام.
وطبيعي أن يكون تأسيس المنظمات النسائية, وتوعية النساء, وإطلاق مبادرتهن غير كاف بحد ذاته. إذ ينبغي الاهتداء إلى الوسائل الملائمة للعمل بين النساء. وكانت ألمانيا أول من خطا الخطوات على هذا الطريق. ولعب كتاب بيبل ـ المرأة والاشتراكية ـ أكبر دور في تقييم المسألة وجلو أبعادها على نحو صائب. إن هذا الإنجيل لكل امرأة اشتراكية يقيم البرهان على أن حل «مسألة المرأة» يعتمد على حل المسائل الاشتراكية العامة لعصرنا؛ لكنه يلاحظ أيضا مميزات وضع المرأة في المجتمع الرأسمالي ـ هذه المميزات التي تثبت ضرورة العمل المستقل في صفوف البروليتاريا النسائية.
يظن البعض أن استقلالية الحركة النسائية في ألمانيا فرضتها أسباب خارجية, وبشكل خاص القانون الذي يحظر على النساء الانضمام إلى التنظيمات السياسية. هذا الظن خاطئ من أساسه. ويجدر التذكير أولا بأول بأنه بعد عام 1892, بات الحظر يشمل مساهمة النساء في التنظيمات السياسية فقط. وبالتالي, لم يكن ثمة من حظر على انضمامهن للاتحادات النقابية. والواقع أن النقابات في ألمانيا, في فترة التسعينيات, هي التي كانت تضطلع بالعمل التحريضي المستقل والمتخصص في صفوف البروليتاريا النسائية, فمهدت بذلك السبيل أمام الدعاية الاشتراكية بين العاملات. من هنا, فلا معنى للاستشهاد بذلك القانون المشؤوم من القوانين الإمبراطورية الألمانية. لأنه عندما نضجت الظروف, واتضحت مصلحة الحزب في العمل النسائي, وجدت سبل عديدة للالتفاف حول هذا القانون المزعج وحول غيره من العقبات.
و أخيرا, ألغي هذا القانون الذي يحظر على النساء الانضمام إلى التنظيمات السياسية في عام 1908, فزالت بذلك الأسباب الخارجية الموجبة لتقسيم البروليتاريا بين رجل وامرأة. فشمل العمل التنظيمي شطري البروليتاريا, الرجالي والنسائي؛ غير أن ذلك لم يقض على العمل المتخصص بين النساء. ففي مؤتمر نورنبرغ, المنعقد في ذلك العام, اعترف الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان ـ وهم في معرض مراجعة النظام الداخلي لحزبهم ـ بضرورة المحافظة على العمل الخاص بين النساء, والاستمرار في اعتماد الاجتماعات النسائية الخاصة, وتمثيل النساء قطاعيا ومركزيا, وإصدار الصحيفة النسائية المركزية, والمؤتمرات النسائية وغيرها.
ثمة عاملان ـ عامل اقتصادي وعامل سياسي ـ في تاريخ الحركة العمالية دفعا باتجاه ضرورة العمل المستقل في صفوف البروليتاريا النسائية. فمع تكاثر عدد العاملات, وتزايد منافستهن في سوق العمل, طرحت مسألة التنظيم النقابي للعاملات بحدة وحيوية متزايدتين. وبات من الضروري ـ للحفاظ على مصالح الحركة النقابية ولضمان انتصارات البروليتاريا ـ أن يجري «تحييد» تلك العناصر المبعثرة, المتدنية الوعي, التي بدأت تظهر كعقبة خطيرة في وجه الحركة الطبقية للعمال. بعبارة أخرى, بات ممن الضروري زج النساء في النضال النقابي. وفي عام 1895, أنشأت اللجنة العليا للنقابات في ألمانيا هيئة فرعية متخصصة بالتحريض بين النساء, وتوصلت إلى ابتكار أساليب جديدة للعمل بين الجماهير النسائية, واضطلعت بنمط خاص من الدعاية والتحريض بين العاملات. وطوال التسعينيات, ظلت صحيفة غلايشهايت تصدر كلسان حال لحركة نسائية كان يغلب عليها الطابع النقابي-الاقتصادي, لا السياسي.
أما العامل الثاني الذي أظهر ضرورة العمل المستقل بين النساء, داخل أطر الحزب الاشتراكي الديمقراطي, فهو عامل سياسي. خلال السنوات العشرة الأخيرة, طرحت مسألة الإصلاح الانتخابي والنضال من أجل توسيع الحريات الديمقراطية بمزيد من الحدة والإلحاح في عدد كبير من البلدان. ونتيجة لذلك, طرأ تحول ملموس على مواقف المنظمات العمالية السياسية من الحركة العمالية النسائية. وعلى الرغم من أن الحزب كان يعترف بفائدة اجتذاب العناصر البروليتارية النسائية إلى النضال السياسي, إلا أنه لم يكن يستشعر تلك الفائدة بالإلحاح نفسه الذي دفع بالنقابات إلى البحث عن أشكال وسبل جديدة للوصول إلى قلب المرأة العاملة وعقلها. ففي التسعينيات, لم يكن يوجد حزب عمالي واحد في العالم تجلى نشاطه في مجال تنظيم البروليتاريا النسائية. ومع أن مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في غوثا عام 1896 وافق, بعد إصرار وفد النساء الاشتراكيات الديمقراطيات, على إنشاء منصب «أمينة السر للنساء» المسؤولة عن كافة أوجه العمل بين البروليتاريا النسائية, إلا أن الاشتراكيين الديمقراطيين الألمان أغفلوا هذه التوصية عندما وضعوا النظام الداخلي الجديد لحزبهم, في مؤتمر ماينز عام 1900. ولكن, كان يكفي أن تظهر مسألة الإصلاح الانتخابي في اللاندتاغ الألمانية (المجالس المحلية للمقاطعات), ليطرأ تحول ملموس على موقف الحزب من الحركة النسائية العمالية.
وتعود الجذور العميقة للامبالاة الحزب تجاه هذه المسألة إلى العامل التالي: بسبب حرمان النساء من حقوقهن السياسية, تبين أن النشاط من أجل كسب الكوادر الحزبية النسائية أقل أهمية بكثير, من منظار المكاسب المباشرة للحركة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية, من النشاط المبذول في صفوف البروليتاريين الذكور. ذلك أن التحريض بين العاملات لا يؤتي النتائج الملموسة سريعا. إنه عمل ليس «للحاضر» وإنما للمستقبل البعيد. غير أن مسألة النضال من أجل الإصلاح الجذري للنظام الانتخابي دفعت بالنساء, هن أيضا, إلى حلبة الصراع السياسي. فإذا بكسب العاملات إلى صفوف الحزب, بوصفهن أصواتا انتخابية ممكنة, يكتسب أهمية حيوية. فبدأت الحركة الاشتراكية النسائية في ألمانيا تخطو خطوات واسعة إلى الأمام في مطلع القرن العشرين. لأنها باتت تحظى بتأييد واسع من الحزب, في وقت هو بالضبط موعد تفجر النضال من أجل الإصلاح الانتخابي.
الصورة تكاد تكون مماثلة في البلدان الأخرى. في إنكلترا, يمكن تفسير لا مبالاة الأحزاب الاشتراكية تجاه الحركة العمالية النسائية بالنجاح الذي أحرزته «حركة المطالبة بحق الاقتراع للنساء» (السوفراجيت) بين العاملات. وطوال فترة من الزمن, ظلت هذه الحركة المدافع الوحيد عن المطالب السياسية للنساء. غير أن بروز الحاجة إلى الإصلاح الجذري للنظام التمثيلي في إنكلترا, سرعان ما أثار الاهتمام بالحركة العمالية النسائية. فتأسست العصبة العمالية النسائية عام 1906, بوصفها الفرع النسائي لحزب العمال البريطاني. وحددت هذه هدفها على أنه أولا رص صفوف كافة قوى البروليتاريا النسائية, ومن ثم النضال من أجل نيل الحقوق السياسية للنساء. وقد أنشأ الحزب الاشتراكي الديمقراطي البريطاني، عام 1909, لجنة خاصة تتولى الدعاية الخاصة بين النساء. ونظم مناضلو الحزب, ومعظمهم من النساء, حملة للمطالبة بحق الاقتراع للجميع, للرد على «حركة المطالبة بحق الاقتراع للنساء» التي كانت تضع شروطا لأهلية النساء للاقتراع [17].
على الرغم من إلغاء البند الخامس من القانون الانتخابي النمساوي, فإن النضال من أجل الإصلاح الانتخابي في النمسا حظر هو أيضا الدعاية الحزبية بين النساء, وأدى إلى اعتماد صيغة تنظيمية نهائية لهذا النوع الخاص من العمل الحزبي.
في بلجيكا, تترافق بدايات الحركة الاشتراكية النسائية مع انطلاقة النضال من أجل الإصلاح الانتخابي.
أما في الولايات المتحدة, حيث كانت «قضايا طبقية ملحة» مطروحة على الطبقة العاملة, وحيث كانت الحركة الاشتراكية تصطدم باستمرار بالنظام البرلماني المهترئ, كانت مصالح الحزب هي أيضا التي دفعته إلى اجتذاب العاملات للنضال السياسي. وفي عام 1908, أنشأ الحزب الاشتراكي في الولايات المتحدة لجنة نسائية للتحريض والدعاية بين العاملات. ومن جهة ثانية، كانت الحركة الاشتراكية النسائية ضعيفة متخلفة في أقطار كفرنسا وسويسرا حيث لم تكن قضايا النضال الديمقراطي مطروحة في الشارع.
ختاما, كانت غالبية الهيئات النسائية الحزبية من لجان ومكاتب وما شابه حديثة العهد في كافة الأقطار ـ باستثناء ألمانيا ـ وهي لم تتبلور فعلا إلا خلال السنوات الخمس أو الست التي سبقت الحرب. والواقع أن التقدم الذي أحرزته هذه الأحزاب في السنوات الأخيرة في مجال اجتذاب العاملات يدعو فعلا إلى الإعجاب. والمؤتمر العمالي النسائي المنعقد في كوبنهاغن خير دليل على ذلك. وما من شك في أن انخراط النساء العاملات في الصراع الطبقي سوف يسير قدما إلى أمام نظرا للدعم الذي يلقاه العمل العمالي النسائي من الحركة الاشتراكية الديمقراطية.
إن مشاركة العاملات في الحركة البروليتارية الشاملة لم يعد «ترفا», بل أصبح شرطا أساسيا من شروط انتصار النضال الثوري.
--------------------------------------------------------------------------------
تقرير كولونتاي أمام المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية
(موسكو 22 حزيران ـ 12 تموز 1921) [18]
1 ـ موضوعات للدعاية بين النساء
أ ـ مبادئ عامة:
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية, بالاشتراك مع المجلس العالمي للنساء الشيوعيات, يقر رأي المؤتمرين الأول والثاني, المتعلق بضرورة قيام الأحزاب الشيوعية في الغرب والشرق, بتعزيز العمل بين البروليتاريا النسائية, وبخاصة التربية الشيوعية للجماهير الواسعة من العاملات, اللواتي ينبغي جرّهن إلى النضال من أجل سلطة السوفياتات ومن أجل تنظيم الجمهورية العمالية السوفياتية.
لقد أصبحت ديكتاتورية الطبقة العاملة, بالنسبة للبروليتاريا في العالم أجمع, وبالتالي بالنسبة للعاملات, مسألة رئيسية.
يسير الاقتصاد الرأسمالي في طريق مسدود. فالقوة المنتجة لم تعد قادرة على التطور في إطار النظام الرأسمالي. وعجز البورجوازية عن إعادة الحياة إلى الصناعة, وبؤس الجماهير الكادحة المتعاظم وتفشي المضاربات وتفسخ الإنتاج, كل هذا يؤدي إلى انتعاش الصراع الطبقي في جميع البلدان. وفي هذا الصراع تبرز مسألة معرفة من يدير عملية الإنتاج: أحفنة من البورجوازيين والمستثمرين وعلى أسس الرأسمالية والملكية الخاصة, أم طبقة المنتجين الحقيقيين وعلى أسس الشيوعية؟
يجب على الطبقة الجديدة الصاعدة, طبقة المنتجين الحقيقيين, وفقا لقوانين التطور الاقتصادي, أن تستولي على وسائل الإنتاج وأن تخلق الأشكال الاقتصادية الجديدة, فبهذا فقط تستطيع القوى المنتجة أن تعطي الحد الأقصى من مردودها, بينما تمنع فوضى الإنتاج الرأسمالي هذه القوى حتى من إعطاء المردود المؤهلة له أساسا. وطالما أن السلطة هي في حوزة البورجوازية, تبقى البروليتاريا عاجزة عن تقويم الإنتاج. ولا يمكن لأي إصلاح أو تسوية تقوم بها الحكومة الديمقراطية أو الاشتراكية في البلدان البورجوازية أن تنقذ الوضع وأن تخفف من آلام الشغيلة, لأن هذه الآلام هي نتيجة طبيعية لانهيار النظام الرأسمالي, وهذه الآلام ستبقى ما بقيت السلطة في أيدي البورجوازية, واستيلاء البروليتاريا على السلطة وحده سيمكن الطبقة العاملة من السيطرة على وسائل الإنتاج, ومن ضمان إمكانية توجيه الاقتصاد وفقا لمصلحتها الخاصة.
لكي تقرب البروليتاريا ساعة اللقاء الحاسم مع العالم البورجوازي المحتضر, عليها أن تلتزم بحزم بالتكتيك الصارم الذي أوصت به الأممية الثالثة. إن الأمر الأساسي الذي ينبغي أن يكون في صميم جدول أعمال الشيوعيين هو تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا, فهذا الأمر هو الهدف الذي على أساسه تتحدد طرق عمل الشيوعيين من الجنسين وخط سلوكهم.
و انطلاقا من أن النضال من أجل ديكتاتورية البروليتاريا هو في صميم جدول أعمال الشيوعيين في جميع الدول الرأسمالية, ومن أن بناء الشيوعية هو المهمة الراهنة في البلدان التي وصلت فيها البروليتاريا إلى السلطة, يؤكد مؤتمر الأممية الثالثة على أن استلام السلطة من قبل البروليتاريا, ثم تحقيق الشيوعية, لا يمكن أن يتم دون الدعم النشيط والفعال الذي تقدمه الجماهير النسائية البروليتارية وشبه البروليتارية.
من جهة أخرى يلفت المؤتمر انتباه النساء إلى أن المحاولات الرامية إلى تحرير المرأة ومساواتها الكاملة بالرجل لا يمكنها أن تصادف النجاح دون أن تحظى بدعم الأحزاب الشيوعية.
ـ ب ـ
إن مصلحة الطبقة العاملة تفرض انضمام النساء إلى صفوف البروليتاريا المنظمة والمكافحة في سبيل الشيوعية, وهي تفرض هذا الأمر بقدر ما تصبح أزمة الاقتصاد الرأسمالي أكثر حدة وأقل قابلية للتصحيح في نظر التجمعات الفقيرة في المدينة والريف. وبقدر ما تطرح الثورة الاجتماعية كأمر لا مناص منه أمام الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية, تطرح أمام الشعب الكادح في روسيا السوفياتية, مهمة إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس جديدة, أي على أسس الشيوعية. ويصبح تحقيق هاتين المهمتين أكثر سهولة عندما تأخذ المرأة فيهما دورا أكثر فاعلية ووعيا وإرادة.
ـ ج ـ
عندما تطرح مسألة الاستيلاء على السلطة بشكل مباشر, على الأحزاب الشيوعية أن تعرف كيف تميز بوضوح الخطر الكبير الذي تمثله في الثورة جماهير المستخدمين والعمال الخاملين والفلاحين الرازحين تحت تأثير الكنيسة والمفاهيم البرجوازية, والذي لا توجد أية روابط بعد بينهم وبين الشيوعيين. إن الجماهير النسائية في الشرق والغرب والموجودة بمنأى عن حركة الشيوعيين تشكل بالتأكيد مرتكزا للبرجوازية وحيزا لها تبث فيه دعايتها المعادية للثورة. إن تجربة الثورة المجرية حيث لعب تخلف وعي الجماهير النسائية دورا محزنا للغاية, يجب أن تظل ماثلة أمام بروليتاريا جميع البلدان المتخلفة والواقفة على أبواب الثورة الاجتماعية.
إن التجربة العملية التي خاضتها الجمهورية السوفياتية قد أظهرت الأهمية الكبرى لمشاركة العاملة والفلاحة في الدفاع عن الجمهورية أثناء الحرب الأهلية أكثر مما أظهرتها في مجالات الإدارة السوفياتية. ونفهم أهمية الدور الذي لعبته جماهير العاملات والفلاحات في بناء الجمهورية السوفييتية عندما نطلع على نشاطهن في مجالات تنظيم الدفاع, وفي تدعيم مؤخرة الجيش وفي النضال ضد القحط وفي أعمال التخريب والنسف وغير ذلك...
إن تجربة الجمهورية السوفياتية يجب أن تستوعب وأن يستفاد منها في البلدان الأخرى. إن المهمة الراهنة الملقاة على عاتق الأحزاب الشيوعية تستخلص في الأمور الآتية: إيصال تأثير الحزب الشيوعي إلى أوسع التجمعات النسائية وذلك بواسطة لجان خاصة يشكلها الحزب وبواسطة الأساليب الخاصة التي تمكن من مخالطة النساء وإخراجهن من المجالات التي تتأثر بنشاط الأحزاب المؤتلفة مع البورجوازية وذلك لجعلهن مناضلات حقيقيات من أجل تحرير المرأة الكامل.
ـ د ـ
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية عندما يضع على عاتق الأحزاب الشيوعية في الشرق والغرب مهمة تعزيز نشاط الحزب في صفوف البروليتاريا النسائية يظهر في الوقت نفسه لعمال العالم أجمع أن تحريرهم من الظلم المزمن ومن العبودية واللامساواة لا يمكن أن يتحقق إلا بانتصار الشيوعية. إن ما تقدمه الأحزاب الشيوعية للمرأة في مطلق حالة من الحالات, تعجز عن تقديمه الحركة النسائية البرجوازية, وتنتفي تماما كل إمكانية لتحرير المرأة طالما بقيت سيطرة رأس المال والملكية الخاصة قائمة.
إن القانون الانتخابي الذي يعطي للمرأة حقها بالتصويت, لا يلغي عبوديتها في المجتمع والأسرة, كما أنه لا يقدم حلا لمشكلة العلاقات القائمة بين الجنسين. إن المساواة الحقيقية وليست الشكلية بين المرأة والرجل لا تقوم إلا في إطار نظام تكون فيه المرأة العاملة سيدة وسائل الإنتاج والتوزيع ومساهمة في إدارة هذه الوسائل تعمل في نفس الظروف التي يعمل فيها سائر أعضاء المجتمع العامل. بكلام آخر لا يمكن للمساواة أن تتحقق إلا بقلب النظام الرأسمالي وإحلال الأشكال الشيوعية محل الأشكال الرأسمالية.
إن الشيوعية وحدها هي التي ستخلق ظروفا لا تكون فيها الأمومة الوظيفة الطبيعية للمرأة في حالة تناقض مع ما تفرضه تعقيدات المجتمع, وفي ظروف الشيوعية سوف لن يكون هناك ما يحول دون مساهمة المرأة في العمل المنتج لصالح الجماعة, ولكن الشيوعية هي الهدف النهائي للبروليتاريا, وبالتالي فإن نضال العامل والعاملة من أجل هذا الهدف المشترك, ينبغي له أن يستمر مشتركا, وأن لا يحدث فيه أي انفصام وذلك لمصلحة الطرفين.
ـ هـ ـ
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يؤكد صحة المبادئ الأساسية للماركسية الثورية والتي لا توجد بموجبها مشاكل «نسائية خاصة» ويعتبر أن كل صلة تقيمها المرأة العاملة مع النزعة النسوية البرجوازية وكل اعتماد من قبلها على المساومة الصريحة الخيانة، التي يمارسها الاشتراكيون-الائتلافيون والانتهازيون تضعف من قوة البروليتاريا وتؤخر الثورة الاجتماعية وتمنع في الوقت ذاته تحقيق الشيوعية وبالتالي تحول دون تحرير المرأة.
إن بلوغ المجتمع الشيوعي لا يتسم إلا باتحاد كل المستثمرين, وليس باتحاد القوى النسائية في الطبقتين المتناحرتين. إن جماهير البروليتاريا النسائية عليها أن تستوعب التكتيك الثوري للحزب الشيوعي, وأن تأخذ القسط الأكثر فعالية والأكثر تأثيرا على نشاط الجماهير في الحرب الأهلية بجميع أشكالها ومظاهرها.
ـ و ـ
إن نضال المرأة للتخلص من الاضطهاد المزدوج, اضطهاد الرأسمالية والخضوع المطلق للأسرة وللخدمات المنزلية, ينبغي له أن يأخذ في المرحلة القادمة من مراحل تطوره صفة عالمية, وذلك بتحوله على نضال تشنه البروليتاريا من الجنسين بهدف تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا والنظام السوفياتي وتحت لواء الأممية الثالثة.
ـ ز ـ
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية, عندما يحض عاملات العالم ضد كل شكل من أشكال التعاون والتحالف مع النسوية البرجوازية يعلمهن سلفا أن كل اعتماد من قبلهن على الأممية الثانية أو على العناصر الانتهازية القريبة منها لا بد إلا وأن يجر أفدح الأخطاء على حركتهن. وعلى النساء أن يتذكرن أن جميع بذور عبوديتهن ممتدة في جسم النظام البرجوازي, ولكي يتخلص من هذه العبودية ينبغي الوصول إلى نظام اجتماعي جديد.
إن التمسك بالأمميتين الثانية والثانية والنصف وبالجماعات المماثلة لها يؤدي إلى شل مسيرة الثورة, وبالتالي يمنع عملية التحول الاجتماعي بتأجيل ساعة تحرير المرأة.
و بقدر ما يكون ابتعاد الجماهير النسائية عن الأمميتين الثانية والثانية والنصف جسديا يكون انتصار الثورة الاجتماعية أمرا مضمونا. إن واجب النساء الشيوعيات هو إدانة المشككين بالتكتيك الثوري الذي تتبعه الأممية الثالثة, وإبعاد هؤلاء المشككين عن الصفوف المتراصة للأممية الشيوعية.
وعلى النساء أن يتذكرن دائما أن الأممية الثانية لم تفكر بتاتا في إيجاد لجان غايتها النضال من أجل تحرير المرأة, أما بالنسبة للاتحاد العالمي للنساء الاشتراكيات, فقد تكوّن هذا الاتحاد بمبادرة العاملات الخاصة وخارج إطار الأممية الثانية.
لقد حددت الأممية الثالثة مند مؤتمرها الأول عام 1919 موقفها من مسألة اشتراك النساء في النضال من أجل ديكتاتورية البروليتاريا, فقد عقد بمبادرة الأممية الثالثة وبمشاركتها المؤتمر الأول للنساء الشيوعيات. وفي عام 1920 تأسست الأمانة العامة العالمية للدعاوة بين النساء, وتقرر تمثيلها الدائم في اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. إن واجب العاملات الواعيات في كل البلدان هو قطع الصلة مع الأمميتين الثانية والثانية والنصف والإصرار بحزم على السياسة الثورية للأممية الثالثة.
ـ ح ـ
إن الدعم الذي ستقدمه جماهير العاملات والمستخدمات للأممية الثالثة يجب أن يتمثل أولا بانضمامهن إلى صفوف الأحزاب الشيوعية في بلدانهن. أما في البلدان والأحزاب التي لم ينته فيها الصراع بعد بين الأممية الثالثة والأممية الثانية, فإن واجب العاملات هو تقديم الدعم للحزب أو للفريق الذي يؤيد سياسة الأممية الثالثة, وأن يناضلن أيضا دون هوادة ضد العناصر الخائنة والمترددة. إن البروليتاريات الواعيات والمناضلات في سبيل تحررهن لا ينبغي لهن البقاء داخل الأحزاب غير المنتمية إلى الأممية الثالثة.
إن كل عدو للأممية الثالثة هو عدو لتحرير المرأة.
إن واجب كل عاملة واعية في الشرق والغرب هو الانتظام تحت الراية الثورية التي ترفعها الأممية الثالثة. إن كل تردد من قبل العاملات في قطع العلاقات مع الجماعات الانتهازية أو مع السلطات المعروفة يؤخر انتصار البروليتاريا على صعيد معركة الحرب الأهلية التي تأخذ شكل حرب أهلية عالمية.
2 ـ أساليب العمل بين النساء
انطلاقا من المبادئ التي سبق ذكرها يقرر المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية أن على الأحزاب الشيوعية في كل البلدان أن تعمل في صفوف البروليتاريا النسائية وعلى الأسس التالية:
1 ـ الانطلاق من المساواة التامة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة داخل الحزب والتنظيمات البروليتارية الأخرى (نقابات, تعاونيات, مجالس قدماء في المصانع).
2 ـ الأخذ بعين الاعتبار لأهمية مشاركة المرأة في كل أشكال نضال البروليتاريا (ومن ضمنها الكفاح المسلح) وأهمية تعريفها على الأسس الجديدة للمجتمع وعلى أشكال تنظيم الإنتاج بحسب المبادئ الشيوعية.
3 ـ النظر إلى الأمومة باعتبارها وظيفة اجتماعية والقيام بتطبيق كل الإجراءات الكفيلة بحماية المرأة بوصفها أماً.
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية بوقوفه ضد كل شكل من أشكال إقامة تنظيمات خاصة بالنساء داخل الحزب والنقابات والتجمعات, يعرف كم هو ضروري بالنسبة للأحزاب الشيوعية اتباع أساليب خاصة للعمل بين النساء, ويقدر فائدة إنشاء لجان خاصة لهذا العمل داخل كل حزب شيوعي. من هنا يجد المؤتمر نفسه مقودا بالاعتبارات التالية:
أ ـ استعباد المرأة داخل الأسرة ليس خاصا بالمجتمعات البرجوازية الرأسمالية بل إنه موجود أيضا في البلدان التي يسود فيها النظام السوفياتي وذلك أثناء مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية.
ب ـ القصور الذاتي الكبير والتأخر السياسي للجماهير النسائية هي نواقص تفسر كنتائج للابتعاد المزمن للمرأة عن الحياة الاجتماعية ولاستعبادها داخل الأسرة.
ج ـ الوظائف التي فرضتها الطبيعة نفسها على المرأة وما يستتبعها من خصوصيات, يضاف إلى ذلك حاجتها إلى حماية ورعاية صحية أكبر لما فيه مصلحة المجتمع ككل.
إن الأجهزة الخاصة بالعمل بين النساء يجب أن تكون قطاعات أو لجان ملحقة بكل هيئات الحزب ابتداء من اللجنة المركزية وانتهاء بلجان المناطق والضواحي. وهذا القرار هو إجباري بالنسبة لكل الأحزاب المنتمية إلى الأممية الشيوعية.
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يطلب من الأحزاب الشيوعية أن تنفذ بواسطة لجانها الخاصة بالعمل بين النساء المهمات التالية:
1 ـ تربية أوسع الجماهير النسائية بالروح الشيوعية وجر هذه الجماهير إلى صفوف الأحزاب الشيوعية.
2 ـ محاربة الأحكام المسبقة التي تطلقها النساء على جماهير البروليتاريا من الرجال, وذلك بتعزيز فكرة التضامن بين العاملات والعمال بما فيه مصالح البروليتاريا من الجنسين.
3 ـ تقوية إرادة المرأة باستخدامها في كل أشكال ومظاهر الحرب الأهلية وإيقاظ حيويتها بإشراكها في النشاطات الجماهيرية وفي النضال ضد الاستثمار الرأسمالي في البلدان البرجوازية ضد غلاء المعيشة, أزمة السكن, البطالة, وبإشراكها أيضا في تنظيم الاقتصاد الشيوعي, وبشكل عام في كافة أوجه النشاط في الجمهوريات السوفياتية.
4 ـ وضع المسائل المتعلقة بحرية المرأة, وبرعايتها كأم, وضعها بشكل دائم في جدول أعمال الحزب والمؤسسات التشريعية.
5 ـ النضال ضد تأثير التقاليد والعادات البرجوازية والكنيسة بقصد إفساح الطريق أمام إقامة علاقات أكثر سموا وانسجاما بين الجنسين.
إن عمل جميع اللجان النسائية يجب أن يتم تحت الإشراف المباشر لهيئات الحزب وعلى مسؤولية هذه الهيئات.
ينبغي أن يوجد بقدر الإمكان رفاق من الذكور بين أعضاء اللجان العاملة في صفوف النساء, حيث يكون للأحزاب الشيوعية وجود علني أو شبه علني, على هذه الأحزاب أن تشكل جهازا للعمل بين النساء وأن يكون هذا الجهاز سريا ومرتبطا بالجهاز السري العام للحزب, وفي هذا الجهاز كما في كل جهاز علني, على كل لجنة أن تضم رفيقة تكون مهمتها توجيه الدعاية السرية بين النساء.
في المرحلة الراهنة يجب أن تكون النقابات, والاتحادات المهنية المجال الرئيسي لعمل الشيوعيين بين النساء, وذلك بالنسبة للبلدان التي لم تتخلص بعد من نير الاستثمار الرأسمالي أكثر مما هو بالنسبة للبلدان التي تقام فيها جمهوريات العمال السوفييتية.
على العمل بين النساء أن يقوم تبعا للروحية التالية: وحدة بين الخط السياسي والتنظيم الحزبي. مبادرة حرة للجان والقطاعات في كل ما من شأنه أن يعطي للمرأة تحررها ومساواتها. ولكن هذا الأمر لا يتم إلا بنشاط الحزب كله, فالمطلوب هنا تكميل جهود الحزب بنشاطات المرأة ومبادراتها الخلاقة وليس بإيجاد موازاة بين الحزب وبين لجان العمل النسائي.
3 ـ العمل السياسي للحزب بين النساء في بلدان النظام السوفياتي
إن دور القطاعات النسائية في الجمهوريات السوفياتية هو تربية الجماهير النسائية بروح شيوعية بجر هذه الجماهير إلى صفوف الحزب الشيوعي ويتجلى هذا الدور أيضا في تنمية نشاط ومبادرة المرأة بجرها إلى العمل في بناء الشيوعية وبجعلها مدافعة صلبة عن الأممية الشيوعية.
على القطاعات أن تشرك المرأة في جميع مجالات التنظيم السوفياتي ابتداء من الدفاع العسكري عن الجمهورية وانتهاء بمجالات العمل الاقتصادي البالغة التعقيد. على القطاعات أن تسهر على تنفيذ مقررات المؤتمر الثالث لمجلس السوفيات والمتعلق بإشراك العاملات والفلاحات بتنظيم وبناء الاقتصاد الوطني بنفس المقدار الذي تسهر فيه على الأعضاء الذين يوجهون وينظمون ويديرون عملية الإنتاج. على القطاعات أن تتعاون في إعداد القوانين الجديدة وفي إدخال التعديلات على القوانين السارية وفقا لاحتياجات التحرر الفعلي للمرأة. وعليها أيضا أن تراقب وتختبر المبادرات الخاصة بهدف تطوير التشريعات التي تحمي حقوق المرأة. على القطاعات أن تشحذ أكبر عدد ممكن من العاملات والفلاحات في حملات انتخاب مجالس السوفييت وأن تأخذ بعين الاعتبار أن عددا من العاملات والفلاحات ينبغي انتخابهن في مجالس السوفييت واللجان التنفيذية.
ومن المهمات الملقاة على عاتق القطاعات تحسن ظروف العمل للنساء والتخصص في هذا العمل بنشر التعليم المهني الذي يزيل كثيرا من الصعوبات التي تعترض العاملات والفلاحات في عملهن.
و على القطاعات أن تسعى دائما لإدخال النساء إلى منظمات حماية العمل وأن تسعى أيضا لتعزيز نشاط منظمات رعاية الأمومة والطفولة.
وستسعى القطاعات لتطوير شبكة المنشآت العامة كدور الأيتام ومراكز غسل وتنظيف الألبسة, ومشاغل تصليح السلع والأدوات المختلفة وبهذا تكون المؤسسات الجديدة والقائمة على أسس الشيوعية قد خففت عن المرأة بعضا من حمل المرحلة الانتقالية وقدمت لها استقلالها المادي وجعلت منها مشاركة في خلق الأشكال الجديدة للحياة بعد أن كانت مجرد خادمة وعبدة للأسرة.
على القطاعات أن تسعى لتسهيل تثقيف أعضاء النقابات من النساء بروح الشيوعية وذلك بواسطة منظمات العمل النسائي التي تشكل أجزاء من الحزب داخل النقابات نفسها وستحرص القطاعات أيضا على حضور العاملات الملتزم لاجتماعات ممثلي عمال المصانع والمعامل.
و ستقوم القطاعات بتوزيع ممثلي الحزب كمتمرنين على جميع فروع العمل: السوفياتات, الاقتصاد الوطني, النقابات.
4 ـ العمل السياسي للحزب بين النساء في البلدان الرأسمالية
إن الظروف الموضوعية هي التي تحدد المهمات المباشرة للجان العمل النسائي. وتتميز هذه الظروف بانهيار الاقتصاد العالمي واشتداد حدة البطالة وتضاؤل الحاجة إلى الأيدي العاملة النسائية وما يتبع ذلك من انتشار البغاء بين النساء, وهناك أيضا غلاء المعيشة وأزمات السكن وخطر نشوب حرب إمبريالية, يضاف إلى ذلك قيام الإضرابات المطلبية بشكل متواصل في جميع البلدان الرأسمالية والاتساع المستمر للرقعة التي يغمرها الجو الخانق للحرب الأهلية حتى تشمل العالم أجمع.
إن لجان العمل النسائي بمقاومتها لفصل المرأة عن الرجل ولاعتبار خصوصية وضع المرأة, ستسعى ليس فقط لاعتبارها مساوية في الحقوق والواجبات للرجل داخل الحزب والنقابات والتنظيمات العمالية الأخرى, بل أيضا لإيصالها عن طريق الانتخاب, إلى الهيئات القيادية في هذه التنظيمات.
إن حصول المرأة على بعض حقوقها لا يعني تحررها الكامل, ولكنه يؤدي إلى إضعاف الاستثمار الرأسمالي الذي تعاني منه, لذلك فإن الحزب الشيوعي ولجان العمل النسائي ستسعى في الوقت الذي تطرح فيه نظام السوفيات كبديل للبرلمانية, إلى تمكين العاملات والفلاحات من ممارسة حقوقهن الانتخابية حتى في الانتخابات البرلمانية وغيرها من الانتخابات الأخرى.
وعلى اللجان أن تبذل غاية الجهد في سبيل تمكين العاملات والمستخدمات والفلاحات من القيام بدور فعال وواع في انتخابات السوفياتات, وفي انتخاب ممثلي العمال في المصانع, وعليها أيضا أن تجهد في إيقاظ النشاط السياسي عند الخادمات وفي نشر فكرة السوفياتات خصوصا بين الفلاحات.
وعلى اللجان أن تكرس أكبر قسط من انتباهها لتنفيذ مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي ولكي تتمكن اللجان من جمع النساء حولها لا بد لها من إشعار المرأة بقيمتها الفعلية عن طريق محاضرات مبسطة ومفهومة من الجميع. على اللجان أن تحرص على إشراك النساء الشيوعيات في المؤسسات التشريعية والمجالس البلدية بهدف نشر سياسة الحزب الثورية في هذه المؤسسات. وأثناء اشتراكهن في المؤسسات التشريعية والمجالس البلدية وغيرها من أجهزة الدولة البرجوازية, على الشيوعيات أن يتقيدن بحزم بمبادئ الحزب وتكتيكاته وعليهن أن لا ينهمكن في الركض وراء الإصلاحات التي يسمح بها النظام الرأسمالي من خلال طرحهن لمطالب الجماهير النسائية, بل عليهن من خلال هذا الطرح إيقاظ نشاط هذه الجماهير وتوجيهها في طريق الصراع الثوري من أجل دكتاتورية البروليتاريا.
على اللجان أن تبقى على اتصال وثيق مع الشيوعيين داخل البرلمانات والمجالس البلدية, وأن تتشاور معهم حول جميع المشروعات التي تتعلق بالنساء, وعليها أيضا أن تجمع النساء حول المطالب التي يطرحها الحزب الشيوعي والتي تدعو إلى تحسين وضع الطبقة العاملة, وذلك بتعريف النساء بالخصائص المتأخرة وغير الاقتصادية لنظام الخدمة المنزلية المنفصلة, وبمساوئ التربية البورجوازية التي ينشأ عليها الأطفال.
على اللجان أن تنشط عملية انضمام العاملات من أعضاء النقابات إلى صفوف الحزب وعلى قطاعات الحزب الموجودة في هذه النقابات أن تفصل لهذه الغاية أعضاء مهمتهم تنظيم العمل بين النساء, ويكون عملهم تحت الإشراف المباشر للحزب ولجانه المحلية.
على لجان العمل النسائي أن تقوم بالدعاوة بين أعضاء التنظيمات العمالية وأن توصل الأفكار الشيوعية إلى قيادات هذه التنظيمات عن طريق الشيوعيات اللواتي يتوصلن إلى دخولها وذلك نظرا لما لهذه التنظيمات من أهمية كبرى أثناء الثورة وبعدها.
إن الهدف الوحيد الذي ينبغي لعمل اللجان أن يسعى إلى تحقيقه هو تنمية النشاط الثوري للجماهير بغية الإسراع بتنفيذ الثورة الاجتماعية.
5 ـ العمل السياسي للحزب بين النساء في البلدان المتخلفة اقتصاديا (الشرق)
في البلدان ذات النمو الصناعي الضعيف على الحزب والقطاعات الحزبية النسائية أن تحصل على اعتراف بالمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة, داخل النقابات والتنظيمات العمالية الأخرى.
وعلى القطاعات واللجان الحزبية النسائية أن تحارب التعصب والأخلاقيات والعادات التي يفرضها الدين على المرأة, وأن تقوم في سبيل ذلك بالدعاوة حتى في صفوف الرجال.
وعلى الحزب الشيوعي وقطاعاته ولجانه أن تطبق أحكام المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة في مجال تربية الأطفال والعلاقات العائلية وفي الحياة العامة.
على القطاعات أن تبحث عن مرتكزات لعملها قبل كل شيء بين جماهير الحرفيات اللواتي يعملن في منازلهن, والعاملات اللواتي يشتغلن في زراعة الأرز والقطن وغير ذلك, وأن تنشط بقدر الإمكان لإنشاء المشاغل الجماعية والتعاونيات الصناعية الصغيرة (بشكل خاص بين شعوب الشرق التي تعيش في أقاصي روسيا السوفييتية) وأن تسعى أيضا لتأسيس نقابات تضم العاملات الزراعية. إن رفع المستوى الثقافي للجماهير هو من أفضل الوسائل لمحاربة الروتين والتعصب الديني السائد في بلدان الشرق. لهذا على اللجان الحزبية أن تعمل على فتح المدارس أمام الكبار والصغار على السواء وأن تسهل عملية دخول النساء إلى هذه المدارس, هذا في بلدان الشرق السوفييتي, أما في البلدان البرجوازية فعلى اللجان النسائية أن تحرض بشكل مباشر ضد تأثير الفكر البرجوازي على المدارس والتعليم.
وفي إطار الدعاوة التي تقوم بها لجان الحزب النسائية وقطاعاته, لا بد من إقامة النوادي ودعوة العاملات إليها, وبشكل خاص أكثرهن تخلفا من الناحية الثقافية, وينبغي لهذه النوادي أن تكون بمثابة مراكز نموذجية للتثقيف والتعليم والتنظيم وقادرة على إبراز ما تستطيع المرأة عمله من أجل تحررها واستقلالها, ويمكن في هذا المجال إقامة وتنظيم (دور الحضانة, حدائق الأطفال والمدارس الابتدائية لتعليم الكبار). أما عند الشعوب التي لا تزال تعيش حياة البداوة فيمكن إقامة نواد متنقلة.
في البلدان ذات النظام السوفييتي على القطاعات الحزبية النسائية بالتعاون مع الأحزاب الشيوعية أن تسهل عملية الانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية بوضع المرأة أمام الحقيقة البديهية القائلة بأن وضعها كخادمة في العائلة مهما كانت الأشكال التي ارتداها هذا الوضع حتى الآن ليس بوسعه إلا أن يزيد من عبوديتها في حين أن العمل الجماعي يحررها نهائيا.
على القطاعات الحزبية النسائية في هذه البلدان أن تسهر أيضا على أن تضع في موضع التنفيذ التشريعات السوفياتية التي تساوي بين الرجل والمرأة, وتدافع عن حقوق الأخيرة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف على القطاعات أن تفسح المجال أمام النساء للوصول إلى مناصب القضاة في المحاكم الشعبية.
كذلك على القطاعات أن تشرك النساء في انتخابات مجالس السوفييت وأن ترعى وصول العاملات والفلاحات إلى هذه المجالس وإلى اللجان التنفيذية. إن العمل في صفوف البروليتاريا النسائية في الشرق, يجب أن يقوم على أساس الصراع الطبقي ومن هنا ينبغي كشف عجز النسوية عن إيجاد حلول مختلف المشاكل التي تطرحها مسألة تحرير المرأة. وفي هذا المجال يمكن استخدام القوى الفكرية النسائية (المدرسات مثلا) لنشر التعليم في بلدان الشرق السوفييتي. وعلى لجان الحزب وقطاعاته أن تناضل علنا ضد تأثير الدين والنزعات الفوقية على النفوس وأن تتحاشى أثناء هذا النضال الصداقات الفجة والمفتقرة إلى الليونة مع المعتقدات الدينية والتقاليد القومية.
إن تنظيم العاملات في الشرق كما في الغرب لا ينبغي له أن يقوم على أساس الدفاع عن المصالح القومية, بل على أساس اتحاد البروليتاريا العالمية من الجنسين من أجل تحقيق المهمات المشتركة للطبقة العاملة.
نظرا للأهمية الكبرى التي يتمتع بها العمل مع نساء الشرق, ولكون هذا العمل يطرح قضايا جديدة كل الجدة أمام الأحزاب الشيوعية, فإن الغوص في تفصيلاته يجب أن يتم انطلاقا من معرفة خاصة بطرائق العمل التي تتلاءم مع ظروف بلدان الشرق. من هنا فإن معرفة طرائق العمل وأساليبه, يجب أن تتم جنبا إلى جنب مع معرفة موضوعات العمل.
أساليب التحريض والدعاوة, لكي تتمكن قطاعات العمل النسائي من إنجاز مهمتها الأساسية, أي تثقيف أوسع جماهير البروليتاريا النسائية بالثقافة الشيوعية, ومن ثم توسيع منظمات الحزب, لابد للأحزاب الشيوعية في الشرق والغرب من استيعاب المبدأ الأساسي لكل عمل بين النساء أي مبدأ «التحريض والدعاوة بالعمل». والتحريض بالعمل يعني مثل كل شيء إطلاق مبادرة العاملات, والقضاء على عدم ثقتهن بقواهن الخاصة, ويتم ذلك بتوجيههن نحو النشاط العملي في مجالات التنظيم وغيرها من مجالات النضال, بهدف إقناعهن بحقيقة أن كل انتصار للحزب الشيوعي, وكل نشاط ضد الاستثمار الرأسمالي هو تقدم من شأنه تحسين وضع المرأة. من هنا يتضح الأسلوب الذي ستتبعه الأحزاب الشيوعية وقطاعاتها النسائية في عملها مع النساء: «من الممارسة العملية إلى المعرفة النظرية للمثل العليا للشيوعية».
ولكي تكون القطاعات لجانا للعمل وليس لمجرد الدعوة الكلامية, عليها أن تركز على الخلايا الشيوعية الموجودة في الورش والمعامل, وأن توكل مهمة العمل بين عاملات هذه الورش وهذه المعامل إلى منظم خاص تأخذه من الخلايا التي سبق ذكرها.
إن نشر الفكر الشيوعي بالعمل يتم في روسيا السوفييتية بإدخال العاملة والفلاحة والمستخدمة إلى جميع التنظيمات السوفييتية ابتداء من الجيش والمليشيا وانتهاء بالمؤسسات الخاصة بتحرير المرأة كمؤسسات التغذية العامة ومؤسسات التوجيه الاجتماعي ومؤسسات رعاية الأمومة.. الخ, وهناك مهمة ذات أهمية خاصة ألا وهي إشراك العاملة في كل أشكال البناء الاقتصادي.
أما الدعاوة بالعمل فإنها تتم في البلدان الرأسمالية بجر العاملات إلى مختلف أشكال الإضرابات والتظاهرات والعصيانات المسلحة التي من شأنها أن تعمق الوعي الثوري عند العاملات كذلك يمكن أن تتم الدعاوة من خلال العمل السياسي بأشكاله المختلفة وخاصة العمل السري في دوائر الارتباط. ثم في تنظيم أيام السبت والأحد الشيوعية, حيث تعرف العاملة والمستخدمة كيف يمكنها بالعمل الطوعي أن تكون نافعة للحزب.
إن مبدأ إشراك النساء في الحملات السياسية والمطلبية التي ينظمها الحزب الشيوعي يؤدي إلى نفس النتائج التي تؤدي إليها الدعاوة بالعمل. لذلك على لجان الدعاوة التابعة للأحزاب الشيوعية أن توسع من مجالات نشاطها لتشمل أكثر الجماهير النسائية تعرضا للاستغلال في البلدان الرأسمالية ولتحرر أذهان بعض النساء في الجمهوريات السوفييتية من خرافات ومن مخلفات النظام الاجتماعي البائد. وعلى اللجان أن تهتم أيضا بحاجات وآلام ومطالب الحركة النسائية لأن هذا الاهتمام هو الذي يقنع النساء بأن الرأسمالية يجب أن تسحق كعدو لدود وبأن جميع الطرق يجب أن تمهد أمام الشيوعية كمحرر ومخلص بالنسبة لهن.
إن توجيه الدعاوة والتحريض بشكل منهجي يمكن أن يتم بقيام قطاعات العمل النسائي بإيجاد وتنظيم اتحادات عامة على مستوى ضاحية أو منطقة من مدينة وتضم المستخدمات والعاملات في شتى فروع الصناعة.
في التعاونيات والرابطات على العاملات الشيوعيات أن ينتخبن رفيقات مهمتهن التحريض والتنظيم في صفوف هذه التنظيمات. وعلى القطاعات في الجمهوريات السوفييتية أن تعمل من أجل انتخاب العاملات إلى مجالس المصانع وكل الهيئات الموكلة إليها مهمة إدارة ومراقبة وتوجيه عملية الإنتاج. باختصار ينبغي إيصال العاملات عن طريق الانتخاب إلى جميع التنظيمات والمؤسسات التي يمكن استخدامها في البلدان الرأسمالية أثناء استيلاء البروليتاريا على السلطة, وفي الجمهوريات السوفييتية لحماية ديكتاتورية البروليتاريا وبناء الشيوعية.
على اللجان أن تضع في المصانع الكبيرة, كعاملات ومستخدمات ممثلات عنها من النساء الشيوعيات المجربات, وأن تضع أيضا كما يحدث في الجمهوريات السوفييتية رفيقات مماثلات في المراكز والتجمعات البروليتارية الكبرى.
على القطاعات النسائية في البلدان الرأسمالية أن تحتذي بالحزب الشيوعي في روسيا السوفييتية الذي ينظم لممثلي العمال اجتماعات وندوات تلاقي بشكل دائم نجاحات منقطعة النظير وأن تقوم بدورها بتنظيم اجتماعات عامة للعاملات والشغيلات والفلاحات والمستخدمات تناقش فيها حاجات ومطالب المرأة الكادحة, وأن تنتخب لجانا خاصة كفوءة تماما لمتابعة هذه المطالب. وعلى القطاعات أيضا أن تعمق في هذه الاجتماعات البحث في المسائل التي تثار بينها وبين اللجان المنتخبة من قبل العاملات. بالإضافة إلى هذا على القطاعات أن ترسل خطباءها للاشتراك في المناقشات التي تجري في اجتماعات الأحزاب الغريبة عن الشيوعية. إن الدعاوة والتحريض من خلال الاجتماعات والنشاطات المشابهة يجب أن يتبعهما تحريض مبرمج ومطول داخل البيوت نفسها, فعلى كل شيوعية مكلفة بهذه المهمة أن تقوم بزيارات منتظمة لعشر نساء على الأكثر بمعدل زيارة على الأقل كل أسبوع ولدى كل عمل مهم يقوم به الحزب الشيوعي والجماهير البروليتارية.
وعلى القطاعات أن تنشر الأفكار الشيوعية بشكل مبسط وملائم بواسطة توزيع الكراسات والبيانات «المناشير» التي من شأنها أن تحث الجماهير النسائية وتوحدها. وعلى القطاعات أن تتأكد من قيام النساء الشيوعيات باستخدام مؤسسات الحزب ووسائل التوعية العائدة له بالطرق الأكثر فعالية وأن تقيم المحاضرات والمناقشات وتدعو إليها الشيوعيات المتخلفات نسبيا والنساء الكادحات اللواتي لا يزلن في أول عهدهن بالنشاط الثوري وذلك بهدف تعميق وعيهن وشحذ إراداتهن. ويمكن أن تقام للعاملات, دون العمال, سهرات للمطالعة والمناقشة وذلك في بعض الحالات الخاصة.
ومن المرغوب فيه, كي تنمو روح الرفاقية بين العامل والعاملة أن لا تقام للنساء الشيوعيات مدارس حزبية خالصة, إذ من المفروض أن تقدم موضوعات حول العمل بين النساء في كل مدرسة من مدارس الحزب. ويحق لقطاعات الحزب النسائية أن ترسل عددا من ممثليها للمساهمة في مناقشة الموضوعات التي يطرحها الحزب.
6 ـ تنظيم القطاعات النسائية
تنظم لجان للعمل النسائي إلى جانب لجان المناطق والمقاطعات وإلى جانب اللجنة المركزية للحزب. يحدد الحزب عدد أعضاء القطاع, ويتمتع الحزب المنتشر في أكثر من بلد بالحرية الكاملة في تحديد عدد أعضاء القطاعات التابعة له وذلك حسب ظروفه الخاصة. المسؤولة عن القطاع يجب أن تكون في نفس الوقت عضوا في لجنة الحزب المحلية, وفي حال عدم تمكنها من الجمع بين المسؤوليتين, عليها أن تحضر جلسات اللجنة المحلية دون أن يكون لها الحق بالتصويت إلا على المسائل المتعلقة بالقطاع النسائي, ويكون حضورها بصفة استشارية في المسائل الأخرى. بالإضافة إلى المهمات العامة والتي سيرد ذكرها يجب على القطاعات واللجان النسائية أن تملأ الوظائف التالية: ربط مختلف القطاعات الموجودة في منطقة معينة بالقطاع المركزي. عقد اجتماعات يتم التعرف من خلالها على نشاط القطاعات واللجان العاملة في منطقة معينة وبين القطاع المركزي. إيصال خط الحزب إلى المناطق والمقاطعات البعيدة. توزيع القوى العاملة في مجال التحريض. وضع قوى الحزب العاملة في صفوف النساء في حركة دائمة. عقد مؤتمرات منطقية للنساء الشيوعيات مرتين في العام على الأقل ومؤتمرات لممثلات القطاعات, على أن تكون نسبة التمثيل من عضو إلى عضوين عن كل قطاع. وأخيرا عقد اجتماعات للعاملات والفلاحات غير الحزبيات.
يضم كل قطاع منطقي (في الأقاليم البعيدة) من خمسة إلى سبعة أعضاء, ويتم تعيين أعضاء المكتب (السكرتاريا) من قبل هيئة الحزب المسؤولة في المنطقة, وبحضور مسؤولة القطاع التي يتم انتخابها كسائر أعضاء اللجنة المنطقية, في مؤتمر الحزب المنطقي.
أعضاء القطاعات واللجان ينتخبون في المؤتمر العام للمدينة أو المنطقة أو الإقليم, ويمكن أيضا أن يتم تعيينهم من قبل الهيئات الأعلى مباشرة, كأعضاء في لجان تابعة للجان الحزب الرئيسية. تضم اللجنة المركزية للعمل بين النساء من عضوين إلى خمسة أعضاء بينهن متفرغة واحدة على الأقل.
إن مهمات لجنة العمل النسائي المركزية والتي تنفصل عن مهمات القطاعات المنطقية والتي سيرد ذكرها هي التالية: تقديم التوجيهات إلى المحليات والأعضاء العاملين فيها. مراقبة عمل القطاعات. تزويد هيئات الحزب في المناطق برفيقات من العاملات في صفوف النساء. مراقبة ظروف وتطور العمل النسائي على ضوء التحولات الاقتصادية والقانونية وأثرها على وضع المرأة. السماح لممثلي السلطة بحضور اجتماعات اللجان الخاصة التي تدرس التحسنات التي تلحق بوضع الطبقة العاملة وبمنظمات حماية العمل والطفولة... وغيرها. إصدار نشرة مركزية وجرائد دورية ووضعها في متناول العاملات. عقد مؤتمر لممثلات جميع الأقاليم مرة في السنة على الأقل. تنظيم رحلات للدعاوة عبر البلاد. إرسال متمرسين في العمل النسائي إلى قطاعات المناطق. دفع العاملات للاشتراك في الحملات السياسية والمطلبية التي ينظمها الحزب. إقامة صلة دائمة مع الأمانة العامة العالمية للنساء الشيوعيات. وإقامة احتفال سنوي بيوم العاملة العالمي.
إذا لم تكن المسؤولة عن القطاع النسائي التابع للجنة المركزية عضوا في هذه اللجنة, فإن لها الحق بحضور جلساتها, والتصويت على المسائل المتعلقة بالقطاع, أما بالنسبة للمسائل الأخرى فإن حضورها يكون بصفة استشارية. ويمكن للمسؤولة عن القطاع النسائي المركزي أن تعين من قبل اللجنة المركزية أو أن تنتخب من قبل المؤتمر العام للحزب. ولا تصبح قرارات اللجان النسائية نافذة إلا بعد موافقة اللجان الحزبية الأعلى مباشرة.
7 ـ العمل على الصعيد العالمي
إن قيادة عمل الأحزاب الشيوعية في كل البلدان, وتوحيد القوى العمالية, وتحقيق المهمات الملقاة على عاتق الأممية الثالثة, وحشد نساء كل البلدان وكل الشعوب في النضال الثوري من أجل سلطة السوفيات وديكتاتورية الطبقة العاملة على الصعيد العالمي, هي مهمات الأمانة العامة العالمية للنساء الشيوعيات والعاملة إلى جانب الأممية الثالثة.
إن عدد أعضاء اللجنة المركزية النسائية وعدد الأعضاء الدين يتمتعون بحق التصويت, يحدد من قبل اللجنة المركزية للحزب.
8 ـ قرار حول العلاقات بين النساء الشيوعيات في العالم وبين الأمانة العامة النسائية للأممية الشيوعية
(أقر في جلسة 12 حزيران بعد تقرير الرفيقة كولونتاي وتعديل الرفيقة زيتكين).
انطلاقا من توجيهات الأممية الثالثة يقترح المؤتمر العالمي الثاني للنساء الشيوعيات على الأحزاب الشيوعية في بلدان الشرق والغرب أن تنتخب بواسطة قطاعاتها النسائية المركزية مراسلات عالميات. إن دور مراسلة الحزب الشيوعي كما تعينه توجيهات الأممية الثالثة, هو إقامة علاقات منتظمة مع المراسلات العالميات للأحزاب الأخرى ومع الأمانة العامة العالمية النسائية في موسكو التي هي جهاز عمل اللجنة التنفيذية للأممية الثالثة. وعلى الأحزاب الشيوعية أن تزود المراسلات بكل الوسائل التكنيكية, وبكل الإمكانيات التي تسهل الاتصال فيما بينهن ومع الأمانة العامة في موسكو.
تجتمع المراسلات العالميات مرة كل ستة أشهر لكي تتبادل الآراء مع ممثلي الأمانة العامة العالمية للنساء. وتستطيع الأمانة العامة أن تدعو لعقد اجتماع المراسلات تبعا للضرورة وفي أي وقت كان.
وتقوم الأمانة العامة وبموافقة اللجنة التنفيذية وبالمشاركة الكاملة للمراسلات العالميات بتنفيذ المهمات التي حددتها توجيهات الأممية. وعليها بشكل خاص أن تناضل في كل بلد, قولا وفعلا, من أجل تنمية الحركة النسائية الشيوعية التي لا تزال ضعيفة, وأن تحدد اتجاها واحدا لسير هذه الحركة في بلدان الشرق والغرب, وأن تثير وتقود النشاطات الوطنية والعالمية التي من شأنها أن تقوي وتوسع النضال الثوري للبروليتاريا.
وعلى الأمانة العامة في موسكو أن تقيم جهازا مساعدا لها في أوروبا الغربية, بهدف إيجاد ارتباط أكثر وثوقا وانتظاما مع الحركات الشيوعية النسائية في كل البلدان. وستكون وظيفة هذا الجهاز القيام بالأعمال التحضيرية والمكملة لعمل الأمانة العامة أي أنه سيكون جهازا تنفيذيا صرفا وليس له الحق في تقرير ما يكون, فهو مرتبط بتوجيهات ومقررات الأمانة العامة في موسكو, وباللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. وينبغي أن تقوم ممثلة واحدة على الأقل للأمانة العامة بمساعدة الجهاز المساعد والعامل في أوربا الغربية.
إذا ابتعد نشاط الأمانة العامة عن توجيهات الأممية تتدخل اللجنة التنفيذية للتصحيح من خلال علاقتها بهذه الأمانة, ويحدث الشيء نفسه بالنسبة لتركيب وشكل عمل الجهاز المساعد.
9 ـ قرار حول أشكال وأساليب العمل الشيوعي بين النساء
(أقر في جلسة 13 حزيران بعد تقرير الرفيقة كولونتاي)
إن المؤتمر العالمي الثاني للنساء الشيوعيات والمنعقد في موسكو يعلن:
إن انهيار الاقتصاد الرأسمالي والنظام البورجوازي المرتكز على هذا الاقتصاد, وبالمقابل تقدم الثورة العالمية, تجعل من النضال الثوري من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية وتحقيق ديكتاتورية البروليتاريا, ضرورة حيوية أكثر إلحاحا من أي وقت مضى, بالنسبة لبروليتاريا البلدان التي لا يزال يسود فيها هذا النظام, كما أنها تجعل من هذا النضال, واجبا لا يمكن تحقيقه إلا بالمشاركة الواعية والجريئة والمخلصة للجماهير النسائية.
في البلدان التي تمكنت فيها البروليتاريا من الاستيلاء على جهاز الدولة وإقامة ديكتاتوريتها على شكل السوفياتات, كما في روسيا وأوكرانيا, لا يمكن للبروليتاريا أن تباشر في توطيد مواقعها ضد الثورة المضادة في الداخل والخارج, وأن تشرع في بناء الشيوعية, طالما أن الجماهير النسائية لم تع بشكل واضح وثابت, أن الدفاع عن النظام الجديد هو في صميم مهماتها أيضا.
ومن هنا فإن المؤتمر العالمي الثاني للنساء الشيوعيات انسجاما منه مع مبادئ ومقررات الأممية الثالثة, يقترح على الأحزاب الشيوعية في كل البلدان أن تتبنى مهمة إيقاظ الجماهير النسائية, وتوحيدها وتثقيفها بروح الشيوعية, وأن تضمها إلى صفوف الأحزاب الشيوعية, وأن تشحذ بثبات وعزم إرادة هذه الجماهير على العمل والنضال.
ولبلوغ هذا الهدف على الأحزاب المنتمية إلى الأممية الثالثة أن تشكل إلى جانب جميع أجهزتها ومؤسساتها الدنيا منها والعليا, أن تشكل قطاعات نسائية يقودها أحد أعضاء قيادة الحزب, وذلك بهدف تحريض وتنظيم وتوعية جماهير العاملات اللواتي سيكون لهن ممثلات في كل الهيئات القيادية للحزب.
القطاعات النسائية لا تشكل تنظيمات مستقلة, فهي ليست إلا أجهزة عمل مهمتها تحريك العاملات وتوعيتهن بهدف الاستيلاء على السلطة السياسية وبناء الشيوعية, وهذه القطاعات تعمل في كل المجالات وفي كل الأوقات, تحت إشراف الحزب, ولكنها تتمتع بحرية الحركة الضرورية لإنشاء مؤسساتها التي تراعي الخصائص المميزة للمرأة ووضعها الخاص الذي لا يزال قائما في المجتمع والأسرة.
على الأجهزة النسائية أن تعي دائما وفي كل نشاطاتها الغاية من وراء تحقيق مهمتها المزدوجة التالية:
1 ـ حشد المزيد من الجماهير النسائية الأكثر وعيا والأكثر تصميما على المشاركة في نضال الطبقة الثورية وفي نضال كل المضطهدين والمستغلين ضد الرأسمالية ومن أجل الشيوعية.
2 ـ بعد انتصار الثورة البروليتارية, ينبغي جر الجماهير النسائية للمشاركة ببطولة ووعي في بناء الشيوعية. وعلى الأجهزة النسائية في الأحزاب الشيوعية أن تأخذ بعين الاعتبار أن وسائل التحريض والتوعية ليست في الكتابات والأحاديث بل في إتباع الوسائل التالية: إشراك النساء الشيوعيات في كل مجالات نشاط الأحزاب الشيوعية, وإشراك العاملات في كل أعمال ونضالات البروليتاريا الثورية من إضرابات وتظاهرات وعصيانات وانتفاضات مسلحة.
ترجمة: فواز طرابلسي و طلال الحسَيني
دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت
الطبعة الثالثة: أيار (مايو) 1978
Inscription à :
Articles (Atom)