فرقة العاشقين والعودة إلى الوطن
بقلم د. سامي مسلم
عندما ذهبت لحضور الأمسية التي أحيتها فرقة العاشقين في رام الله، ذهبت إلى هناك وأنا في نفسي حنين إلى الماضي القريب / البعيد، إلى أيام الثورة الفلسطينية في بيروت. كان الاستماع إلى أغاني فرقة العاشقين نوعاً من المكافأة الذاتية للانبساط والترويح عن النفس بأغان ثورية وتراثية تعبر عن الواقع المعاش. لا أدري إن كنا لا نزال نعيش في الماضي أو ربما نحنُّ إليه، رغم كل الانجازات التي حققناها هنا في ما كان يسميه الشاعر أحمد دحبور "الجزء المتاح لنا من الوطن."
واسم أحمد دحبور مرتبط باسم فرقة العاشقين. لقد كانت هذه الفرقة ربما من أكثر الفرق الفلسطينية شهرة في عالم الغناء الثوري والدبكة الشعبية والغناء التراثي. تأسست في العاصمة السورية، دمشق في منتصف السبعينات من القرن الماضي على أيدي مجموعة من المثقفين الفلسطينيين الذين يعيشون في سورية، ومن أبرزهم الشاعر أحمد دحبور والملحن الموسيقي حسين نازك.
وقد اشتهرت الفرقة بأغانيها عن الثورة الفلسطينية. فغنت عن الحنين للوطن، وعن المقاومة وعن القدس وعن بيروت. وربما من أشهر أغانيها، كانت ولا تزال، أغان ٍٍ مثل "من سجن عكا طلعت جنازة،" وأغنية "أشهد يا عالم علينا وعلى بيروت،" وأغنية "هبت النار والبارود غنى." كانت هذه الأغاني تمثل لنا استراحة محارب في الثورة الفلسطينية وكانت كلماتها وألحانها تتردد على السنة وشفاه معظم أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني. فهذه الأغاني كانت توحد ولا تفرق والحنين إلى الوطن والنضال من أجل الرجوع إليه كان الهدف. فصارت هذه الأغاني عنواناً لمرحلة.
ولعل حضور الرئيس الشهيد المؤسس ياسر عرفات إحدى حفلات هذه الفرقة في العاصمة الأردنية عمان ربما في عام 1995، وحضور الرئيس محمود عباس للحفل الافتتاحي لهذه الفرقة في قصر الثقافة في رام الله بتاريخ 12/11/2010 يدل على أن القيادة والقاعدة وما بينهما يحبون هذه الأغاني لأنها تعبر عما يجول في قلوبهم من حنين للوطن وإصرار على التقدم إلى الأمام على طريق الحرية والتحرير وتدل كذلك على اهتمام القيادة الفلسطينية بالفن والآداب والثقافة.
هذه الفرقة التي تأسست في منتصف السبعينات في سورية، وعاشت في مرحلتها الأولى حتى عام 1993 تعثرت في مسيرتها بعد خروج الثورة الفلسطينية من لبنان عام 1982. بالإضافة إلى هذا العامل السياسي الأمني فقدت الفرقة التمويل وتفرق أعضاء الفرقة، منهم من ذهب بعيداً في المنافي البعيدة. لكن عزم الشباب أو روح التجدد قاد مجموعة من الشباب الفلسطيني والعربي في المنفى إلى بعث فرقة "العاشقين أوروبا" لتلتقي مع "مشايخ" العاشقين الأولى ولتنبعث من جديد في حلتها الجدية وبأغانيها الثورية والتراثية المتجددة في أواخر عام 2009 بداية عام 2010. وقد ساعد على إعادة إحياء هذه الفرقة رجل الأعمال الفلسطيني مالك ملحم المقيم في الإمارات، وبديناميكية أعضائها الشيب والشبان من شباب وشابات، وعدد من الإداريين والمصممين للأزياء والدبكات من أمثال نزار العيسي، أبن رام الله الذي يعيش ويعمل في بريطانيا ويحمل جنسيتها، ونسرين المصطفى، مصممة الرقصات. وأدخلوا آلات موسيقية غربية إلى جانب الآلات الموسيقية العربية، كما يجري، هذه الأيام، في العديد من الفرق الموسيقية الشرقية أو على التخت الشرقي ليتم التزاوج بين الحديث والقديم. فتم إعادة إخراج وتوزيع عدد من الأغاني منها أغنية "سلامي لبلادي" وأغنية "من غربتي موال." ودخل الفرقة وساهم في إعادة أحيائها إلى جانب كل من حسين المنذر (أبو علي)، وهو مايسترو الفرق ومغنيها وحاديها الأول ومحمد ذياب وخالد الهباش وفيصل ذياب وشوكت ماضي فنانين من عدد من الأقطار العربية مثل نزار العيسى ونسرين مصطفى (الجولان، سورية) وشفيق الكبيني (المغرب) وقادر سعدون (الجزائر). كما دخلها جيل شبابي جديد يريد ومصمم على الاستمرار بحمل الراية لهذا الفن التراثي الجميل والمعبر.
وبدعوة من مكتب الرئيس، وبمناسبة الذكرى السنوية السادسة لرحيل القائد الرمز، والقائد المؤسس والشهيد أبو عمار (ياسر عرفات) حضرت هذه الفرقة إلى أرض الوطن، لأول مرة في حياتها، ليس فقط منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 وإنما منذ عام النكبة، حيث لم يكن معظم أعضاء الفرقة قد ولد بعد، فكان اللقاء العاطفي والحلم الذي بدا مستحيلاً قد تحقق.
حضرت الفرقة إلى أرض الوطن لتغني وتصدح في رام الله وبيت لحم ونابلس وأريحا والقدس حيث أحيت الحفلة في حرم جامعة القدس في أبوديس التي لا تبعد سوى أمتار عن المدينة المقدسة، العاصمة الأبدية لفلسطين. وحيثما غنت هذه الفرقة فقد زاد عدد جمهورها من الحضور على عدة آلاف مشارك. وفي غزة تم تثبيت شاشات عملاقة لنقل حفل الافتتاح الذي بثه تلفزيون فلسطين من رام الله على الهواء مباشرة. وقد حضر الرئيس محمود عباس حفل الافتتاح في رام الله في قصر الثقافة الذي كانت مقاعده قد غصت بالجمهور وامتدت هذه الأعداد من محبي هذه الفرقة وأغانيها إلى ساحة قصر الثقافة الخارجية. وفي كل حفلاتها كانت جماهير عشاق فرقة العاشقين يملؤون المدرجات والمقاعد.
في أريحا أحيت هذه الفرقة أمسية جميلة ليلة يوم الجمعة 19/11/2010. وكانت الحفلة في ساحة الأكاديمية الفلسطينية للعلوم الأمنية وكان هناك تفاعل كيميائي عظيم بين الفرقة وجمهورها الذي بلغ حوالي خمسة آلاف مستمع.
يؤكد هذا اللقاء العاطفي والشعبي بين الفرقة وجمهورها حنين الشعب الفلسطيني إلى الثورة والعودة. ويبرز هذا الشعور إصرار الشعب الفلسطيني بالمضي قدماً على خطى الراحل المؤسس الشهيد ياسر عرفات الذي أعطى الفن نكهة خاصة ودوراً مميزاً في العمل الثوري عندما كتب يقول ما معناه أن الثورة هي بندقية الثائر وكلمة الشاعر وريشة فنان ومبضع طبيب وإبرة تطريز. إنها تعبير عن إصرار الشعب الفلسطيني وعزمه على المضي قدماً لتحقيق السلام بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ورفع أعلام فلسطين على قدس الأقداس وعلى أسوار ومآذن وكنائس القدس.
بعد الحفلة قام عطوفة المحافظ ماجد الفتياني (عضو اللجنة التنفيذية للهيئة) بدعوة الفرقة وعدد من الشخصيات الرسمية والشعبية إلى عشاء أقامه في قاعة الاجتماعات الكبرى في المحافظة تكريماً للفرقة.
تحدثنا مع عدد من أعضاء الفرقة فكانت فرحتهم أنهم في فلسطين تفوق كل تصور. وقد محت هذه الزيارة أو غيرت كثيراً من المفاهيم الملتوية والتزوير على التاريخ والافتراء على السلطة في أذهان هؤلاء الشبان والشابات وأعضاء الفرقة المخضرمين الذين ملأ الشيب رؤوسهم كما تغطي الثلوج البيضاء قمم الجبال الشامخات. واكتشف أعضاء الفرقة أن ما تم إنجازه على ارض الوطن يكذب كل الدعايات التي سمعوها خارج الوطن.
لأول مرة يحدث التواصل بين الوطن والشتات بهذا الشكل حيث يحضر الشتات إلى الوطن. سابقاً كان الوطن يخرج إلى الشتات للالتقاء به وإقامة علاقات التواصل، أما اليوم فقد أصبح ممكناً للشتات أن يعود إلى وطنه لتكتمل حلقة التواصل. ونأمل في القريب العاجل أن يتم تحقيق الاستقلال وإقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس حتى يتمكن جميع الأهل من أبناء فلسطين وبناتها من العودة إلى دولتهم وأرضهم ووطنهم والإقامة فيها متى أرادوا وكلما أرادوا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire